هندوسي... ينشر ثقافة الإسلام

هندوسي...  ينشر ثقافة الإسلام

تغصُّ‭ ‬المكتبة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بالكتب‭ ‬والمقالات‭ ‬والدوريات‭ ‬عن‭ ‬الهند‭ ‬وأقطار‭ ‬آسيا،‭ ‬بأديانها‭ ‬وأقوامها‭ ‬وثقافاتها،‭ ‬فيما‭ ‬لانزال‭ ‬مقصرين‭ ‬غاية‭ ‬التقصير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬ولو‭ ‬بحثت‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬اهتمام‭ ‬الجامعات‭ ‬العربية‭ ‬ومثقفي‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالهند‭ ‬وعموم‭ ‬آسيا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬اتساع‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬الشاسعة،‭ ‬لفوجئت‭ ‬بالنتيجة‭.‬

المؤسف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر،‭ ‬إهمالنا‭ ‬إحياء‭ ‬الروابط‭ ‬الثقافية‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬عريقة‭ ‬كالهند،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قدم‭ ‬العلاقة‭ ‬واتصال‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الكبرى‭ ‬بالعرب‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬الزمان،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬مقر‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬ثلاث‭ ‬حواضر‭ ‬إسلامية،‭ ‬الهند‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا،‭ ‬ورُغم‭ ‬الدور‭ ‬البارز‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬الحظ‭ ‬الوافي‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬والتقدير،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬طباعة‭ ‬الكتب‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والأدبية،‭ ‬والذي‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬المطابع‭ ‬الهندية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬كانت‭ ‬الطباعة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالكاد‭ ‬بدأت،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأقطار‭.‬

عُرفت‭ ‬الهند‭ ‬بتنوّع‭ ‬الأديان‭ ‬والأعراف‭ ‬فيها،‭ ‬حيث‭ ‬يقدّر‭ ‬عدد‭ ‬لغاتها‭ ‬بنحو‭ ‬850‭ ‬لغة‭ ‬ولهجة،‭ ‬منها‭ ‬22‭ ‬رئيسة‭. ‬وعُرفت‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الواسعة‭ ‬الكثيرة‭ ‬السكان،‭ ‬كذلك‭ ‬بفترات‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬الديني‭ ‬والعرقي‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬والتسامح،‭ ‬وما‭ ‬نسمّيه‭ ‬في‭ ‬أدبياتنا‭ ‬السياسية‭ ‬اليوم‭ ‬بـ«قبول‭ ‬الآخر‮»‬‭.‬

ويهدف‭ ‬مقالنا‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬التعريف‭ ‬بجانب‭ ‬بسيط‭ ‬وذي‭ ‬دلالة،‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬الديني‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬يقف‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬قويًا،‭ ‬مدعومًا‭ ‬بروح‭ ‬وطنية‭ ‬مستمدة‭ ‬من‭ ‬تأييد‭ ‬عقلاء‭ ‬الهندوس‭ ‬والمسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬التعصب‭ ‬والكراهية،‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬جر‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬الفتن‭ ‬والصراعات‭. ‬وقد‭ ‬استفاد‭ ‬المقال‭ ‬واعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬النمر‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الهند‮»‬،‭ (‬القاهرة‭ ‬1959‭)‬،‭ ‬وكتاب‭ ‬ثان‭ ‬صدر‭ ‬حديثًا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬طُبع‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬بالمملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬عام‭ ‬2011م‭.‬

لا‭ ‬يكاد‭ ‬أيٌّ‭ ‬منا‭ ‬يصدق‭ ‬الدور‭ ‬البارز‭ ‬الخطير‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬ناشر‭ ‬هندوسي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬والخدمة‭ ‬الرفيعة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مطبعته‭ ‬الشهيرة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬طباعة‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬‮«‬مطبعة‭ ‬المنشي‭ ‬نولكشور‮»‬‭.‬

وُلد‭ ‬نولكشور‭  ‬سنة‭ ‬1836‭ ‬شمالي‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬‮«‬أترابراديش‮»‬‭ ‬في‭ ‬أسرة‭ ‬هندوكية‭ ‬معروفة‭ ‬وذات‭ ‬مكانة،‭ ‬تقلّدت‭ ‬مناصب‭ ‬حكومية‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬مختلفة،‭ ‬وكان‭ ‬‮«‬المنشي‮»‬‭ - ‬والكلمة‭ ‬تعني‭ ‬بالأُردية‭ ‬الكاتب‭ - ‬لقبًا‭ ‬تشريفيًا‭ ‬لهذه‭ ‬العائلة‭. ‬وقد‭ ‬درس‭ ‬نولكشور‭ ‬اللغة‭ ‬الفارسية،‭ ‬وتعلّم‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬العربية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬الأُردية‭ ‬لغة‭ ‬أمه‭. ‬وقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬مقالاته‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬سبع‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬فترك‭ ‬الدراسة‭ ‬النظامية،‭ ‬وانكبّ‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬الشخصية‭ ‬والكتابة‭. ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1853‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬كوه‭ ‬نور‮»‬‭ ‬الصادرة‭ ‬في‭ ‬لاهور،‭ ‬فترسّخت‭ ‬قدماه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1857،‭ ‬السنة‭ ‬العصيبة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬ثاروا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬على‭ ‬الإنجليز‭ ‬ثورتهم‭ ‬الفاشلة،‭ ‬والتي‭ ‬دفعوا‭ ‬فيها‭ ‬ثمنًا‭ ‬فادحًا‭ ‬وانتكست‭ ‬مصالحهم‭.‬

 

ثورة‭ ‬العواطف‭ ‬المشتعلة

قمع‭ ‬الإنجليز‭ ‬ثورة‭ ‬1857‭ ‬بقسوة‭ ‬بالغة‭. ‬ولكن‭ ‬الثورة‭ ‬فشلت‭ ‬لأسباب‭ ‬أخرى‭. ‬وأول‭ ‬أسباب‭ ‬الفشل،‭ ‬يقول‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬النمر،‭ ‬اعتماد‭ ‬الثورة‭ ‬‮«‬على‭ ‬العواطف‭ ‬المشتعلة،‭ ‬وعدم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬وقيامها‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬واحد،‭ ‬وعدم‭ ‬شمولها‭ ‬للبلاد‭ ‬كلها‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬أسباب‭ ‬الفشل،‭ ‬يقول‭ ‬النمر،‭ ‬‮«‬انضمام‭ ‬السيخ‭ ‬للإنجليز،‭ ‬وهم‭ ‬قوم‭ ‬أولو‭ ‬بأس‭ ‬وشدة،‭ ‬وكانوا‭ ‬يسيطرون‭ ‬على‭ ‬البنجاب‭ ‬بقوة‭ ‬رجالها‭. ‬ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬أيضًا‭ ‬موقف‭ ‬الجنوب‭ ‬حكامًا‭ ‬وشعوبًا،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ملك‭ ‬‮«‬حيدر‭ ‬آباد‮»‬،‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬مع‭ ‬الإنجليز‭ ‬ضد‭ ‬مواطنيه‭ ‬الهنود‭. ‬وملوك‭ ‬حيدر‭ ‬آباد‭ ‬كانوا‭ ‬دائمًا‭ ‬مع‭ ‬الإنجليز‭. ‬ومن‭ ‬الأسباب‭ ‬الخارجية‭ ‬تدفق‭ ‬الجنود‭ ‬الإنجليز‭ ‬على‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬بمحض‭ ‬المصادفة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬ذاهبًا‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬مناوشات،‭ ‬فلما‭ ‬قامت‭ ‬الثورة،‭ ‬نزلوا‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬لإخمادها‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬الشكوك‭ ‬فرّق‭ ‬صفوف‭ ‬الثوار،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬مولانا‭ ‬أبي‭ ‬الكلام‭ ‬آزاد‮»‬‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬قادة‭ ‬الثورة‭ ‬لم‭ ‬يتفقوا،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يحسد‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬ويتآمر‭ ‬ضد‭ ‬أصحابه‭ ‬وزملائه،‭ ‬ونجد‭ ‬أن‭ ‬كثيرًا‭ ‬ممن‭ ‬قاموا‭ ‬للثورة‭ ‬قاموا‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية‮»‬‭. ‬وهكذا‭ ‬قُدّر‭ ‬للإنجليز‭ ‬أن‭ ‬ينتصروا،‭ ‬فتعرض‭ ‬المسلمون‭ ‬لضروب‭ ‬الانتقام‭. (‬تاريخ‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬القاهرة‭ ‬1959،‭ ‬ص‭ ‬444‭-‬447‭).‬

وهكذا‭ ‬سقطت‭ ‬المدينتان‭ ‬‮«‬دهلي‮»‬‭ ‬و«لكهنو‮»‬،‭ ‬وهما‭ ‬يومذاك‭ ‬أكبر‭ ‬المراكز‭ ‬الإسلامية‭ ‬الحضارية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬الهند‭. ‬‮«‬وقد‭ ‬تلا‭ ‬سقوطهما‭ ‬القتل‭ ‬والنهب‭ ‬والدمار،‭ ‬فقُتل‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬ومئات‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والرؤساء‭ ‬والأمراء،‭ ‬ونُهبت‭ ‬المكتبات‭ ‬الحكومية‭ ‬والشخصية،‭ ‬وسادت‭ ‬الفوضى،‭ ‬وانعدم‭ ‬الأمن،‭ ‬وذهب‭ ‬الرخاء،‭ ‬واختفى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العلم‭ ‬والشعراء‭ ‬والأدباء‭ ‬والفضلاء‭ ‬البارعين‭ ‬في‭ ‬الفنون‭ ‬المختلفة،‭ ‬وغادروا‭ ‬المدن،‭ ‬وابتلي‭ ‬كثير‭ ‬منهم‭ ‬بالجوع‭ ‬والفاقة،‭ ‬لذهاب‭ ‬الدولة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقدّرهم‭ ‬وتنفق‭ ‬عليهم،‭ ‬وقُبض‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬‮«‬بهادرشاه‭ ‬ظَفَر‮»‬،‭ ‬آخر‭ ‬الملوك‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬ونفي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬رانجون‮»‬‭ ‬في‭ ‬بورما‭. (‬دور‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التراث‭ ‬الإسلامي،‭ ‬حفظ‭ ‬الرحمن‭ ‬الإصلاحي،‭ ‬كتاب‭ ‬العربية‭ - ‬الرياض‭ ‬2011،‭ ‬ص‭ ‬92-93‭).‬

 

الطريق‭ ‬إلى‭ ‬النشر

وبعد‭ ‬عام،‭ ‬أصدر‭ ‬نولكشور،‭ ‬الصحافي‭ ‬الهندوسي‭ ‬نفسه،‭ ‬صحيفة‭ ‬سماها‭ ‬‮«‬أود‭ ‬أخبار‮»‬،‭ ‬وتطورت‭ ‬المطبعة‭ ‬واشتهرت‭ ‬مع‭ ‬الجريدة،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬أكبر‭ ‬مطبعة‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬البريطانية‭.‬

درس‭ ‬نولكشور‭ ‬سوق‭ ‬الطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬محيطه‭ ‬وبخاصة‭ ‬بعد‭ ‬تزايد‭ ‬المدارس‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الأساتذة‭ ‬والطلبة‭ ‬مضطرين‭ ‬إلى‭ ‬نسخ‭ ‬الكتب‭ ‬المقررة‭ ‬وغيرها‭ ‬بأيديهم‭.‬

فعني‭ ‬نولكشور‭ ‬بطباعة‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬وتوزيعها‭ ‬بأقل‭ ‬الأسعار‭. ‬ولم‭ ‬يعْنِ‭ ‬له‭ ‬الاختلاف‭ ‬الكثير،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬هندوسيًا‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬عصبية‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬طائفية،‭ ‬يحترم‭ ‬الديانات‭ ‬والمذاهب‭ ‬كلها،‭ ‬فأقبل‭ ‬على‭ ‬طباعة‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬للديانات‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولكنه‭ ‬عني‭ ‬بطباعة‭ ‬المصاحف‭ ‬والكتب‭ ‬الإسلامية‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭.‬

ويقول‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الهند‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬للتو،‭ ‬إن‭ ‬نولكشور‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ناشرًا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬كاتبًا‭ ‬صحفيًا‭ ‬محبًا‭ ‬للعلم،‭ ‬مقدرًا‭ ‬للعلماء،‭ ‬فجمع‭ ‬في‭ ‬مكتبته‭ ‬عددًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬العلم‭ ‬والفن،‭ ‬وأغناهم‭ ‬عن‭ ‬الكد‭ ‬في‭ ‬طلب‭ ‬المعيشة،‭ ‬وصار‭ ‬ينفق‭ ‬عليهم‭ ‬ليمكنهم‭ ‬الانقطاع‭ ‬إلى‭ ‬العلم‭ ‬والبحث،‭ ‬وهكذا‭ ‬‮«‬اجتمع‭ ‬في‭ ‬مطبعة‭ ‬نولكشور‭ ‬من‭ ‬حُفّاظ‭ ‬القرآن‭ ‬والعلماء‭ ‬والمؤرخين‭ ‬والأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬عدد‭ ‬لم‭ ‬يجتمع‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مطبعة‭ ‬هندية‭ ‬أخرى‮»‬‭.‬

وتشعّبت‭ ‬أقسام‭ ‬المطبعة‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬للتأليف‭ ‬والترجمة،‭ ‬وقسم‭ ‬لتصحيح‭ ‬الكتب،‭ ‬وقسم‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬دار‭ ‬الكتابة‮»‬،‭ ‬لنسخ‭ ‬الكتب،‭ ‬وأسس‭ ‬كذلك‭ ‬بجانب‭ ‬المطبعة‭ ‬مصنعًا‭ ‬لصناعة‭ ‬الورق‭.‬

وكان‭ ‬قسم‭ ‬التأليف‭ ‬والترجمة‭ ‬يختار‭ ‬المخطوطات‭ ‬بمختلف‭ ‬اللغات‭ ‬المتوافرة‭ ‬كالعربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والأردية،‭ ‬ويصحح‭ ‬أخطاءها‭ ‬ويدقّق‭ ‬الحواشي‭ ‬والهوامش،‭ ‬ثم‭ ‬يُعدُّ‭ ‬مقدمة‭ ‬عن‭ ‬المؤلف‭ ‬والكتاب‭.‬

 

كتابٌ‭ ‬كل‭ ‬يوم

وكان‭ ‬القسم‭ ‬يقوم‭ ‬كذلك‭ ‬بتأليف‭ ‬الكتب‭ ‬بهذه‭ ‬اللغات،‭ ‬وفق‭ ‬المناهج‭ ‬الدراسية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬والكليات،‭ ‬ويترجم‭ ‬الكتب‭ ‬المهمة‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والسنسكريتية،‭ ‬إلى‭ ‬الأردية‭ ‬وأحيانًا‭ ‬الهندية‭ ‬والإنجليزية‭. ‬وكان‭ ‬في‭ ‬المطبعة‭ ‬56‭ ‬خطاطًا،‭ ‬منهم‭ ‬أربعة‭ ‬عشر‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الهندوس‭ ‬والباقون‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭.‬

وكانت‭ ‬المطبعة‭ ‬مزوّدة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬طابعة‭ ‬عام‭ ‬1868،‭ ‬مع‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬عامل‭ ‬وفني،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬هذه‭ ‬الطابعات‭ ‬عام‭ ‬1895‭ ‬إلى‭ ‬300‭ ‬طابعة‭. ‬ويضيف‭ ‬الكتاب‭:‬

  ‬‮«‬اتخذ‭ ‬نولكشور‭ ‬طريقة‭ ‬عجيبة‭ ‬أفاد‭ ‬بها‭ ‬الناس،‭ ‬واستفاد‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬طباعة‭ ‬الكتب‭ ‬بسرعة‭ ‬فائقة‭ ‬خارج‭ ‬أعمال‭ ‬المطبعة‭. ‬إذ‭ ‬أعار‭ ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬فضلاء‭ ‬الفقراء‭ ‬الذين‭ ‬توسم‭ ‬فيهم‭ ‬الخير‭ ‬والأمانة‭ ‬طابعات‭ ‬يدوية،‭ ‬فإذا‭ ‬انتهى‭ ‬الخطاطون‭ ‬في‭ ‬المطبعة‭ ‬من‭ ‬نسخ‭ ‬الكتاب‭ ‬أحيلت‭ ‬الملازم‭ ‬للتصحيح،‭ ‬ثم‭ ‬وُزّعت‭ ‬على‭ ‬أولئك‭ ‬الفضلاء،‭ ‬فيتمّ‭ ‬طبع‭ ‬الكتاب‭ ‬كاملاً‭ ‬خلال‭ ‬يوم‭ ‬أو‭ ‬يومين‭. ‬ويدفع‭ ‬نصف‭ ‬أجرة‭ ‬الطباعة‭ ‬إلى‭ ‬الطابع،‭ ‬ويحتفظ‭ ‬بنصفها،‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬يُستوفى‭ ‬ثمن‭ ‬الطابعة‭ ‬ليملكها‭ ‬ذلك‭ ‬الطابع‭ ‬المستعير،‭ ‬ويصير‭ ‬صاحب‭ ‬مطبعة‭ ‬مستقلة‭. ‬وبهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬نشأت‭ ‬عدة‭ ‬مطابع‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬لكهنو،‭ ‬واشتهر‭ ‬بعضها‭ ‬مثل‭ ‬مطبعة‭ ‬نامي‮»‬‭. (‬ص97‭).‬

وافتتحت‭ ‬المطبعة‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬أفرع‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬هندية‭ ‬أخرى،‭ ‬بل‭ ‬جاوزت‭ ‬إصدارات‭ ‬المطبعة‭ ‬حدود‭ ‬الهند،‭ ‬فوصلت‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وتركستان‭ ‬الصينية‭ ‬وأذربيجان‭ ‬وسمرقند‭ ‬وبخارى‭ ‬وطشقند‭. ‬وكان‭ ‬طلاّب‭ ‬المدارس‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدن‭ ‬ينسخون‭ ‬الكتب‭ ‬بأيديهم،‭ ‬أو‭ ‬يكلفون‭ ‬من‭ ‬ينسخها‭ ‬لهم‭ ‬بأجرة‭ ‬باهظة،‭ ‬ويتحملون‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬والنسخ‭ ‬من‭ ‬أخطاء‭ ‬وخط‭ ‬غير‭ ‬مقروء‭ ‬أحيانًا‭. ‬فبدأ‭ ‬تجار‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬يستوردون‭ ‬مطبوعات‭ ‬مكتبة‭ ‬نولكشور،‭ ‬حتى‭ ‬طلب‭ ‬حاكم‭ ‬أفغانستان‭ ‬يومها‭ ‬من‭ ‬نولكشور‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬فرعًا‭ ‬لمكتبته‭ ‬في‭ ‬بلاده‭. ‬وقد‭ ‬تعرضت‭ ‬مكتبات‭ ‬الهند‭ - ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ - ‬للنهب‭ ‬خلال‭ ‬الثورة،‭ ‬فبذل‭ ‬‮«‬المنشي‭ ‬نولكشور‮»‬‭ ‬جهدًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬للاتصال‭ ‬بأصحاب‭ ‬المكتبات‭ ‬من‭ ‬الأمراء‭ ‬والفضلاء،‭ ‬ليشتري‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬من‭ ‬مخطوطات‭ ‬محفوظة‭ ‬ليقوم‭ ‬بتصحيحها‭ ‬وطباعتها،‭ ‬فأنقذ‭ ‬بذلك‭ ‬مئات‭ ‬المخطوطات‭ ‬من‭ ‬مؤلفات‭ ‬علماء‭ ‬الهند‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬التلف‭ ‬والضياع‭.‬

 

عاملون‭ ‬على‭ ‬وضوء

ومما‭ ‬يثير‭ ‬التقدير‭ ‬والإعجاب‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬هذا‭ ‬الناشر‭ ‬الرائد‭ ‬‮«‬نولكشور‮»‬،‭ ‬أنه‭  ‬ألزم‭ ‬عمّال‭ ‬المطبعة‭ ‬والفنيين،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الخطاطين‭ ‬والمصححين‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬جميعًا‭ ‬على‭ ‬وضوء،‭ ‬عند‭ ‬الاشتغال‭ ‬بكتابة‭ ‬المصحف‭ ‬وتصحيحه‭ ‬وطباعته‭ ‬وتقول‭ ‬مجلة‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‭ ‬الهندية‭:‬

‮«‬كانت‭ ‬الثياب‭ ‬البيضاء‭ ‬تُفرش‭ ‬تحت‭ ‬الطابعات‭ ‬وحولها،‭ ‬لئلا‭ ‬تقع‭ ‬ورقة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬وإذا‭ ‬غُسلت‭ ‬الألواح‭ ‬التي‭ ‬تطبع‭ ‬عليها‭ ‬المصاحف‭ ‬جُمع‭ ‬الغسيل‭ ‬فيلقى‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬تحفر‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬خاصة،‭ ‬وأوراق‭ ‬المصحف‭ ‬الناقصة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬صالحة‭ ‬للاستعمال،‭ ‬كانت‭ ‬تحفظ‭ ‬وتجمع‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مستقلة،‭ ‬ولا‭ ‬تباع‭ ‬مع‭ ‬الأوراق‭ ‬المستعملة‭ ‬الأخرى‭. (‬المجلد17،‭ ‬العدد2،‭ ‬ص104‭).‬

ولا‭ ‬تكاد‭ ‬مطابع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬منذ‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬تلزم‭ ‬نفسها‭ ‬بمثل‭ ‬هذه‭ ‬الاحتياطات‭ ‬في‭ ‬التزام‭ ‬الطهارة‭.‬

بدأ‭ ‬نولكشور‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬مطبعته‭ ‬الصغيرة‭ ‬يوم‭ ‬أسسها‭ ‬بطباعة‭ ‬أجزاء‭ ‬من‭ ‬المصحف‭ ‬والكتب‭ ‬المدرسية‭ ‬الصغيرة‭. ‬وقد‭ ‬طبع‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬وفاته‭ ‬مليون‭ ‬نسخة‭ ‬من‭ ‬المصاحف‭ ‬بأحجامها‭ ‬وأشكالها‭ ‬المختلفة،‭ ‬كانت‭ ‬تباع‭ ‬كلها‭ ‬بسعر‭ ‬منخفض‭. ‬أما‭ ‬المطبوعات‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتفسير‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬الإتقان‭ ‬في‭ ‬علوم‭ ‬القرآن‮»‬‭ ‬للسيوطي،‭ ‬و«التبيان‭ ‬في‭ ‬إعراب‭ ‬القرآن‮»‬‭ ‬للعكبري‭. ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬الحديث،‭ ‬صدرت‭ ‬من‭ ‬مطبعته‭ ‬الصحاح‭ ‬الستة،‭ ‬و«إرشاد‭ ‬الساري‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬البخاري‮»‬‭ ‬للقسطلاني‭ ‬في‭ ‬عشرة‭ ‬مجلدات،‭ ‬و«شرح‭ ‬صحيح‭ ‬مسلم‮»‬‭ ‬للنووي،‭ ‬و«مشكاة‭ ‬المصابيح‮»‬‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭.‬

واستأثرت‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬وخاصة‭ ‬فقه‭ ‬المذهب‭ ‬الحنفي‭ ‬بنصيب‭ ‬غالب،‭ ‬لأهميتها‭ ‬كمراجع‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬الهندية‭ ‬والمحاكم‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ولاستخدام‭ ‬المحامين‭. ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬كتب‭ ‬الفقه‭ ‬الحنفي‭ ‬من‭ ‬المطبعة‭ ‬مذيّلة‭ ‬بالشروح،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تراجمها‭ ‬الأردية‭. ‬وظلت‭ ‬الطبعة‭ ‬الصادرة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المطبعة‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬البناية‭ ‬في‭ ‬شرح‭ ‬الهداية‮»‬‭ ‬في‭ ‬أربعة‭ ‬مجلدات‭ ‬الطبعة‭ ‬الوحيدة،‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3500‭ ‬صفحة‭ ‬لمدة‭ ‬مائة‭ ‬عام‭.‬

وأصدرت‭ ‬المطبعة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬في‭ ‬النحو‭ ‬والصرف،‭ ‬والأدب‭ ‬والبلاغة‭ ‬والعروض‭ ‬ودواوين‭ ‬الشعر‭. ‬كما‭ ‬أنجزت‭ ‬المطبعة‭ ‬بعض‭ ‬القواميس،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬أساس‭ ‬البلاغة‮»‬‭ ‬للزمخشري،‭ ‬و«القاموس‭ ‬المحيط‮»‬‭ ‬للفيروز‭ ‬أبادي‭. ‬وقد‭ ‬عنيت‭ ‬الدار‭ ‬بكتب‭ ‬الطب،‭ ‬فنشرت‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬بالعربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والأردية‭.‬

ولهذا‭ ‬كله،‭ ‬وتقديرًا‭ ‬لهذه‭ ‬الشخصية‭ ‬الثقافية‭ ‬الهندوسية‭ ‬المتسامحة‭ ‬الواسعة‭ ‬الأفق،‭ ‬قال‭ ‬السيد‭ ‬أبو‭ ‬الحسن‭ ‬علي‭ ‬الحسني‭ ‬الندوي‭ ‬عنه‭: ‬‮«‬إن‭ ‬للمنشي‭ ‬نولكشور‭ ‬منّة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬وأهل‭ ‬العلم،‭ ‬إذ‭ ‬وقف‭ ‬مطبعته‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الكتب‭ ‬الدينية‭ ‬والأدبية‭ ‬في‭ ‬اللغات‭ ‬العربية‭ ‬والفارسية‭ ‬والأردية،‭ ‬ووفّر‭ ‬لهم‭ ‬كتبًا‭ ‬قيّمة‭ ‬نادرة‭ ‬بأسعار‭ ‬زهيدة‮»‬‭.‬

 

الهندوس‭ ‬يترجمون‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم

ومما‭ ‬يشار‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬فضل‭ ‬الهندوس‭ ‬الثقافي‭ ‬أنهم‭ ‬كذلك‭ ‬كانوا‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬ترجم‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬لغة‭ ‬التلفو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬لغات‭ ‬جنوب‭ ‬الهند،‭ ‬حيث‭ ‬شرع‭ ‬بالعمل‭ ‬أحدهم‭ ‬ثم‭ ‬قام‭ ‬بإكماله‭ ‬مترجم‭ ‬ثان‭.‬

توفي‭ ‬نولكشور‭ ‬سنة‭ ‬1895،‭ ‬وفي‭ ‬خلال‭ ‬36‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬تأسيس‭ ‬المطبعة‭ ‬إلى‭ ‬وفاته،‭ ‬نشر‭ ‬أربعة‭ ‬آلاف‭ ‬كتاب،‭ ‬أكثرها‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬باللغة‭ ‬الأردية،‭ ‬وقد‭ ‬استمرت‭ ‬المطبعة‭ ‬بعد‭ ‬وفاته‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1950،‭ ‬فزاد‭ ‬عدد‭ ‬مطبوعاتها‭ ‬أضعافًا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭.‬

كانت‭ ‬المطبعة‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬البرتغاليين‭ ‬الذين‭ ‬وردوا‭ ‬على‭ ‬الهند‭ ‬تجارًا،‭ ‬ثم‭ ‬استولوا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬الساحل‭ ‬الجنوبي،‭ ‬واتخذوا‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬غوا‮»‬‭ ‬Goa‭ ‬عاصمة‭ ‬لحكمهم‭. ‬وقد‭ ‬أسسوا‭ ‬فيها‭ ‬كلية‭ ‬القدّيس‭ ‬بولس،‭ ‬ثم‭ ‬استوردوا‭ ‬من‭ ‬البرتغال‭ ‬آلات‭ ‬الطباعة،‭ ‬وأنشئت‭ ‬المطبعة‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬المذكورة،‭ ‬فباشرت‭ ‬أعمالها‭ ‬سنة‭ ‬1556،‭ ‬وطبعت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬العلمية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬البرتغالية‭ ‬وبعض‭ ‬اللغات‭ ‬الهندية‭.‬

وفي‭ ‬مدينة‭ ‬بومباي،‭ ‬أُنشئت‭ ‬أول‭ ‬مطبعة‭ ‬سنة‭ ‬1674،‭ ‬وقد‭ ‬استوردها‭ ‬تاجر‭ ‬زرادشتي‭ ‬لنشر‭ ‬المخطوطات‭ ‬الهندية‭ ‬القديمة،‭ ‬كما‭ ‬طبع‭ ‬كتبًا‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭. ‬ودخل‭ ‬الإنجليز‭ ‬مجال‭ ‬الطباعة‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وأنشأوا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المطابع‭ ‬في‭ ‬كلكتا‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬مركزًا‭ ‬تجاريًا‭ ‬سياسيًا،‭ ‬ومنها‭ ‬مطبعة‭ ‬شركة‭ ‬الهند‭ ‬الشرقية،‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬‮«‬مقامات‭ ‬الحريري‮»‬‭ ‬عام‭ ‬1821،‭ ‬كما‭ ‬طبعت‭ ‬مطبعة‭ ‬أخرى‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬‭ ‬سنة‭ ‬1839‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬دور‭ ‬الهند‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬التراث‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أقدم‭ ‬كتاب‭ ‬عربي‭ ‬مطبوع‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬وقفنا‭ ‬عليه‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬السراجي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الفرائض،‭ ‬لسراج‭ ‬الدين‭ ‬السجاوندي،‭ ‬مع‭ ‬ترجمته‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وقد‭ ‬طبع‭ ‬في‭ ‬كلكتا‭ ‬سنة‭ ‬1793،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬كتبًا‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬صدرت‭ ‬قبل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليها‮»‬‭. ‬وكانت‭ ‬الطباعة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المطابع‭ ‬كلها‭ ‬بالحروف‭ ‬المسبوكة‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬وغيره،‭ ‬ومن‭ ‬الخشب‭ ‬أيضًا‭. ‬وفي‭ ‬سنة‭ ‬1796‭ ‬ظهرت‭ ‬طريقة‭ ‬الطباعة‭ ‬الحجرية‭ ‬Lithography‭. ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الجديدة‭ ‬أقل‭ ‬تكلفة‭ ‬وأسهل‭ ‬وأسرع‭ ‬في‭ ‬الطباعة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬لصلاحيتها‭ ‬لطباعة‭ ‬الصور،‭ ‬أقبل‭ ‬عليها‭ ‬الناس،‭ ‬وبعد‭ ‬اختراعها‭ ‬بأربعين‭ ‬سنة،‭ ‬دخلت‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬الهند،‭ ‬ولقيت‭ ‬رواجًا‭ ‬واسعًا‭ ‬لطباعة‭ ‬الكتب،‭ ‬وأنشئت‭ ‬أول‭ ‬مطبعة‭ ‬ليثوغرافية‭ ‬في‭ ‬‮«‬دهلي‮»‬‭ - ‬أي‭ ‬دلهي‭ - ‬عام‭ ‬1837‭. ‬وقد‭ ‬كثر‭ ‬عدد‭ ‬المطابع‭ ‬الحجرية‭ ‬في‭ ‬بضع‭ ‬سنين‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1853‭ ‬إلى‭ ‬34‭ ‬مطبعة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬لكهنو،‭ ‬وزاد‭ ‬عددها‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬200‭ ‬مطبعة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كلكتا‭ ‬وحدها‭.‬

ومن‭ ‬أشهر‭ ‬‮«‬المطابع‭ ‬الليثوغرافية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬خدمت‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬والكتاب‭ ‬العربي‭ ‬جزء‭ ‬منها،‭ ‬نحو‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬1858‭-‬1950،‭ ‬كانت‭ ‬مطبعة‭ ‬‮«‬المنشي‭ ‬نولكشور‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تحدثنا‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬أشهر‭ ‬تلك‭ ‬المطابع‭ ‬وأعظمها‮»‬‭.‬
(‬دور‭ ‬الهند،‭ ‬ص91) ‬.