ذكريات شاميـة

ذكريات شاميـة

‮«‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬رمضانية‭ ‬عمرها‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬غابت‭ ‬في‭ ‬سورية‭.. ‬بعضها‭ ‬انقرض‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬للانقراض‭ ‬مع‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬والطعام‭ ‬الجاهز‮»‬

‭ ‬يتميز‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬والمدن‭ ‬السورية‭ ‬الأخرى‭ ‬بخصوصية‭ ‬وتفرد،‭ ‬فهو‭ ‬إضافة‭ ‬لقدسية‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬وعظمته‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين،‭ ‬فإنه‭ ‬يعتبر‭ ‬شهر‭ ‬الكرم‭ ‬والتواد‭ ‬والتراحم‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وشهر‭ ‬المآكل‭ ‬الشهية‭ ‬الطيبة،‭ ‬والسهرات‭ ‬الجميلة‭ ‬مع‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصحاب‭. ‬ومازال‭ ‬السوريون‭ ‬يتذكرون‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬عادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬المتوارثة‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬السنوات‭. ‬ولو‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬العادات‭ ‬اقتصر‭ ‬وجودها‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬الحارات‭ ‬والأحياء‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭. ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬غاب‭ ‬بسبب‭ ‬انتشار‭ ‬الأجهزة‭ ‬العصرية‭ ‬والتقنيات‭ ‬الحديثة،‭ ‬حيث‭ ‬لعب‭ ‬التلفزيون،‭ ‬كما‭ ‬لعبت‭ ‬المطاعم‭ ‬والشوارع‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬دورًا‭ ‬في‭ ‬انحسار‭ ‬بعض‭ ‬تقاليد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬أو‭ ‬غيابها‭, ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الرسامين‭ ‬السوريين‭ ‬بتوثيق‭ ‬هذه‭ ‬التقاليد‭ ‬في‭ ‬لوحاتهم‭ ‬الفنية،‭ ‬كما‭ ‬ذكرها‭ ‬كتّاب‭ ‬وأدباء‭ ‬في‭ ‬نتاجاتهم‭ ‬الأدبية،‭ ‬وفعلت‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬المسلسلات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬السورية‭.  ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تبقى‭ ‬لهذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬تقاليده‭ ‬الخاصة،‭ ‬فالناس‭ ‬ينتظرونه‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬إلى‭ ‬العام‭ ‬ومتى‭ ‬حلٌ‭ ‬شهر‭ ‬شعبان،‭ ‬يستقبلونه‭ ‬بالفرح‭ ‬والسرور،‭ ‬حيث‭ ‬تأتي‭ ‬معه‭ ‬نسمات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬ولذلك‭ ‬يسمّي‭ ‬السوريون‭ ‬شهر‭ ‬شعبان‭ ‬بشهر‭ ‬‮«‬مليص‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬أيامه‭ ‬تمر‭ ‬بسرعة‭ ‬وفي‭ ‬ليلة‭ ‬النصف‭ ‬من‭ ‬شعبان‭ ‬يتم‭ ‬تناول‭ ‬حلوى‭ ‬خاصة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬المَحْيا‮»‬،‭ ‬ويدل‭ ‬اسمها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬تتمنى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الحلوى‭ ‬أن‭ ‬تحيا‭ ‬حياة‭ ‬سعيدة‭ ‬وطيبة،‭ ‬وأن‭ ‬تحيا‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬حياة‭ ‬حلوة‭ ‬ولذلك‭ ‬سميت‭ ‬حلاوة‭ ‬المَحْيا‭ ‬كمقدمة‭ ‬لاستقبال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬الفضيل‭. ‬

 

إثبات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬

في‭ ‬الليلة‭ ‬التي‭ ‬يطلب‭ ‬فيها‭ ‬التماس‭ ‬هلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬يذهبون‭ ‬للأماكن‭ ‬المرتفعة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬كالقلاع‭ ‬والتلال‭ ‬لرصد‭ ‬رؤية‭ ‬الهلال،‭ ‬فكان‭ ‬جبل‭ ‬قاسيون‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وقلعة‭ ‬حلب‭ ‬وقلاع‭ ‬حمص‭ ‬وحماة‭ ‬هي‭ ‬المرصد‭ ‬الأساسي‭ ‬لرؤية‭ ‬الهلال،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬تلفاز‭ ‬أو‭ ‬إذاعة‭ ‬تنقل‭ ‬إثبات‭ ‬الهلال‭ ‬وبدء‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬وقد‭ ‬تميز‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬شخصان‭ ‬يتصفان‭ ‬بحدّة‭ ‬الرؤية،‭ ‬وهؤلاء‭ ‬هم‭ ‬كانوا‭ ‬أول‭ ‬الناس‭ ‬المشاهدين‭ ‬للهلال،‭ ‬وتعتمد‭ ‬شهادتهم‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬رؤية‭ ‬الهلال،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأشخاص‭ ‬ويسمى‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬نعسان‭ ‬الأحدب‮»‬‭ ‬ظلَ‭ ‬لمدة‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬المعتمد‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬رؤية‭ ‬الهلال،‭ ‬فهو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬عنه‭ ‬الباحث‭ ‬الراحل‭ ‬وليد‭ ‬قنباز‭ ‬يتميز‭ ‬بعينين‭ ‬كعيني‭ ‬الصقر‭ ‬تماما،‭ ‬وكان‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬حماة،‭ ‬حيث‭ ‬يصعد‭ ‬إلى‭ ‬قلعتها،‭ ‬ويحدد‭ ‬الساعة‭ ‬التي‭ ‬سيظهر‭ ‬فيها‭ ‬الهلال،‭ ‬وبالفعل‭ ‬لا‭ ‬يخيب‭ ‬حدسه‭ ‬بتاتاً،‭ ‬وظلت‭ ‬منذ‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬تعتمد‭ ‬شهادته‭ ‬في‭ ‬إثبات‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬وهلال‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة‭. ‬ومن‭ ‬الطرائف‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الشخص‭ - ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الباحث‭ ‬الراحل‭ ‬قنباز‭ - ‬أن‭ ‬صاحب‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الأسبوع‭ ‬العربي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ (‬جورج‭ ‬أبوعضل‭) ‬كتب‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬المنصرم‭ ‬أن‭ ‬أعور‭ ‬في‭ ‬حماة‭ ‬يفطر‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وأذكر‭ ‬يومها‭ - ‬يتابع‭ ‬قنباز‭ - ‬أني‭ ‬كتبت‭ ‬له‭ ‬رسالة‭ ‬أقول‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬يرسل‭ ‬مصوراً‭ ‬ومحرراً‭ ‬لأريه‭ ‬أن‭ ‬الأعور‭ ‬يتمتع‭ ‬بعينين‭ ‬سليمتين‭ ‬وكعيني‭ ‬الصقر،‭ ‬وبالفعل‭ ‬جاء‭ ‬المحرر‭ ‬والمصور،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬تحقيق‭ ‬صحفي‭ ‬حول‭ ‬الأحدب‭ ‬لا‭ ‬أجمل‭ ‬ولا‭ ‬أحلى‭!‬

ولكن‭ ‬حالياً‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬المراصد‭ ‬الفلكية‭ ‬والتقنية‭ ‬الحديثة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬وجود‭ ‬لهؤلاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬الراصدين‭ ‬والمتمتعين‭ ‬بنظر‭ ‬حاد،‭ ‬فالناس‭ ‬تنتظر‭ ‬إثبات‭ ‬الشهر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إعلان‭ ‬القاضي‭ ‬الشرعي‭ ‬عبر‭ ‬التلفزيون‭ ‬والإذاعة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬إثبات‭ ‬رؤية‭ ‬الهلال‭ ‬حتى‭ ‬يتبادل‭ ‬الناس‭ ‬التهاني‭ ‬ويضرب‭ ‬مدفع‭ ‬رمضان‭ ‬طلقاته‭ ‬المعهودة،‭ ‬ويتراكض‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬مرددين‭ ‬الأهازيج‭ ‬المتنوعة‭ ‬ومنها‭: ‬‮«‬هل‭ ‬هلالك‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬سبتوها‭. ‬مسبتوها،‭ ‬سبتوها‭ ‬ما‭ ‬حلوها‭...‬‮»‬‭.‬

 

مدفع‭ ‬رمضان

مازالت‭ ‬لمدفع‭ ‬رمضان‭ ‬بهجته‭ ‬ومكانته‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يفطر‭ ‬أغلبية‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭ ‬إلاّ‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬المدفع‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬أذّنَّ‭ ‬المؤذن‭ ‬قبله‭ ‬بثوانٍ‭ ‬أو‭ ‬أعلن‭ ‬التلفاز‭ ‬موعد‭ ‬الإفطار‭. ‬والمدفع‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كان‭ ‬ينصب‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬المرتفعة‭ ‬وله‭ ‬شخص‭ ‬متخصص‭ ‬يعمل‭ ‬عليه،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬الأطفال‭ ‬والمراهقون‭ ‬يتجمعون‭ ‬حوله‭ ‬لسماع‭ ‬ورؤية‭ ‬المدفع‭ ‬وهو‭ ‬يضرب،‭ ‬ويأخذ‭ ‬هؤلاء‭ ‬معهم‭ ‬إفطارهم‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬خبز‭ ‬وبعض‭ ‬الطعام‭ ‬الخفيف‭. ‬وكان‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬المدفع‭ ‬لا‭ ‬يطلق‭ ‬طلقته‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬أنوار‭ ‬المآذن‭ ‬تضاء،‭ ‬والطلقة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬مزيجاً‭ ‬من‭ ‬الخرق‭ ‬والأحجار‭ ‬والقطع‭ ‬الحديدية‭ ‬والبارود،‭ ‬وكان‭ ‬كلما‭ ‬وضع‭ ‬صاحب‭ ‬المدفع‭ ‬شيئاً‭ ‬يأتي‭ ‬بقطعة‭ ‬خشبية‭ ‬طويلة‭ ‬ولها‭ ‬رأس‭ ‬ويدخلها‭ ‬في‭ ‬بطانة‭ ‬المدفع‭ ‬ويدفعها‭ ‬ويقربها‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأجزاء‭ ‬من‭ ‬المزيج‭ ‬تتطاير‭ ‬وتتساقط‭ ‬على‭ ‬المنازل‭ ‬القريبة‭ ‬كأنها‭ ‬الأمطار،‭ ‬وعند‭ ‬الإطلاق‭ ‬يتحول‭ ‬الأولاد‭ ‬المنتظرين‭ ‬إلى‭ ‬كتلة‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬والهرج‭ ‬والمرج‭ ‬والتصفيق‭ ‬وكأنهم‭ ‬في‭ ‬عيد‭.‬

 

صوم‭ ‬الأطفال‭: ‬درجات‭ ‬المئذنة‭ ‬

من‭ ‬التقاليد‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تدريب‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬صوم‭ ‬رمضان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طريقة‭ ‬بسيطة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬درجات‭ ‬المئذنة‮»‬،‭ ‬ويبدأ‭ ‬تدريب‭ ‬الطفل‭ ‬عليها‭ ‬منذ‭ ‬سن‭ ‬السابعة،‭ ‬إذ‭ ‬يقوم‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬بتدريب‭ ‬أطفالهم‭ ‬على‭ ‬الصوم‭ ‬تدريجياً‭ ‬منذ‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬وحتى‭ ‬العاشر،‭ ‬حيث‭ ‬يصوم‭ ‬الطفل‭ ‬حتى‭ ‬أذان‭ ‬الظهر،‭ ‬ثم‭ ‬يتطور‭ ‬إلى‭ ‬أذان‭ ‬العصر‭ ‬وبعدها‭ ‬إلى‭ ‬أذان‭ ‬المغرب‭ ‬يوماً‭ ‬في‭ ‬الأسبوع،‭ ‬ويلاحظون‭ ‬مدى‭ ‬تحمل‭ ‬الأطفال‭ ‬للصيام،‭ ‬وهكذا‭ ‬يتدرب‭ ‬الأطفال‭ ‬وكأنهم‭ ‬يصعدون‭ ‬درجات‭ ‬المئذنة‭ ‬درجة‭ ‬درجة‭.‬

 

أفران‭ ‬أيام‭ ‬زمان‭ ‬وتقليد‭ ‬السكبة

‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬التواد‭ ‬والتراحم‭ ‬والتعاطف‭ ‬والألفة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬ذلك‭ ‬المنظر‭ ‬قبل‭ ‬الإفطار‭ ‬وقبيل‭ ‬المغرب،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬الناس‭ ‬أفران‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬حالياً،‭ ‬حيث‭ ‬الأفران‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الغاز‭ ‬والكهرباء‭ ‬وأفران‭ ‬الميكروويف،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ففي‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬الصدور‭ ‬والصواني‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأفران‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬والحارات،‭ ‬حيث‭ ‬تحتوي‭ ‬هذه‭ ‬الصواني‭ ‬على‭ ‬الكبب‭ ‬واللحم‭ ‬بعجين‭ ‬وعش‭ ‬البلبل‭ ‬والحلويات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وعندما‭ ‬تخرج‭ ‬قبيل‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الأفران‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬رائحة‭ ‬جميلة،‭ ‬فكان‭ ‬الصدر‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬مع‭ ‬صاحبه،‭ ‬إلا‭ ‬وذهب‭ ‬ربعه‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬حيث‭ ‬يعطي‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يصادفه‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬الجيران‭ ‬والأقارب،‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬المنزل‭ ‬تقوم‭ ‬صاحبة‭ ‬البيت‭ ‬بتوزيع‭ ‬جزء‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬الجيران‭ ‬بعادة‭ ‬جميلة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬الصبة‭ ‬أو‭ ‬السكبة‮»‬،‭ ‬فكان‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يصب‭ ‬لجاره‭ ‬في‭ ‬صحن‭ ‬مما‭ ‬طبخ‭ ‬وحضَّر‭ ‬للإفطار‭. ‬

 

مآكل‭ ‬وحلويات‭ ‬طيبة‭ ‬

شهر‭ ‬رمضان‭ ‬هو‭ ‬شهر‭ ‬المآكل،‭ ‬فمائدة‭ ‬رمضان‭ ‬تحوي‭ ‬المآكل‭ ‬والمشارب‭ ‬أشكالاً‭ ‬وأنواعاً،‭ ‬حيث‭ ‬تتبارى‭ ‬ربات‭ ‬البيوت‭ ‬بطبخ‭ ‬وتحضير‭ ‬أفخر‭ ‬أنواع‭ ‬الطعام‭ ‬والحلويات‭ ‬السورية‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬فهناك‭ ‬المقبلات‭ ‬ومنها‭: ‬الفتوش‭ ‬الأخضر،‭ ‬وسلطات‭ ‬الخضار‭ ‬والشوربات‭: ‬العدس‭ ‬والكشك‭ ‬والخضار‭ ‬والدقة‭ ‬المحمرة‭ ‬والمتبل‭ ‬والحمص‭ ‬والمسبحة‭ ‬والفول‭ ‬الذي‭ ‬يؤتى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬محال‭ ‬خاصة‭ ‬تحضره‭ ‬بشكل‭ ‬رائع‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬وتنتشر‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬متخصصة‭ ‬كالميدان‭ ‬والجزماتية‭ ‬وباب‭ ‬سريجة‭ ‬بدمشق‭ ‬وأسواق‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬بقية‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭. ‬وقبل‭ ‬البدء‭ ‬بتناول‭ ‬المقبلات،‭ ‬هناك‭ ‬التمر‭ ‬فهو‭ ‬أساس‭ ‬في‭ ‬المائدة‭ ‬وكذلك‭ ‬المشارب‭ ‬المخففة‭ ‬للعطش،‭ ‬وأهمها‭ ‬العرقسوس،‭ ‬والتمر‭ ‬الهندي‭ ‬الذي‭ ‬ينتشر‭ ‬باعته‭ ‬في‭ ‬أسواق‭ ‬وحارات‭ ‬دمشق‭ ‬بلباسهم‭ ‬التقليدي‭ ‬ويقومون‭ ‬بتعبئته‭ ‬بأكياس‭ ‬خاصة‭ ‬للصائمين‭ ‬الذين‭ ‬يأخذونه‭ ‬إلى‭ ‬منازلهم،‭ ‬وبعد‭ ‬الشراب‭ ‬والمقبلات‭ ‬هناك‭ ‬الطعام‭ ‬الطيب،‭ ‬وهو‭ ‬أنواع‭ ‬وأشكال،‭ ‬حيث‭ ‬الكبة‭ ‬والمقلوبة‭ ‬والفريكة‭ ‬ومختلف‭ ‬أنواع‭ ‬اللحوم‭. ‬وبعدها‭ ‬تأتي‭ ‬الحلويات‭ ‬وهي‭ ‬أساسية‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬الإفطار،‭ ‬فالمثل‭ ‬الشعبي‭ ‬السوري‭ ‬الذي‭ ‬يردده‭ ‬الناس‭ ‬الصائمون‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إنَّ‭ ‬في‭ ‬المعدة‭ ‬خلوة‭ ‬لا‭ ‬يملؤها‭ ‬إلا‭  ‬الحلوى‮»‬،‭ ‬وتختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الحلويات‭ ‬حسب‭ ‬المواسم،‭ ‬فللشتاء‭ ‬حلوياته‭ ‬الخاصة‭ ‬به،‭ ‬ومنها‭ ‬القطايف‭ ‬المعمولة‭ ‬بالشمندور‭ ‬والسمبوسك‭ ‬والسيالات‭ ‬والزلابية‭ ‬والمشبك‭ ‬والشعيبيات‭ ‬والشلق،‭ ‬وفي‭ ‬الصيف‭ ‬‮«‬الخشاف‮»‬‭ ‬أهم‭ ‬حلوياته،‭ ‬وهي‭ ‬خشافات‭ ‬متنوعة‭ ‬وعديدة‭ ‬فمنها‭ ‬خشاف‭ ‬المشمش‭ ‬والتوت‭ ‬الشامي‭ ‬وغيرها‭, ‬وكانت‭ ‬أغلب‭ ‬أنواع‭ ‬الحلويات‭ ‬تصنعها‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬المنازل‭.‬

 

سهرات‭ ‬رمضان‭ ‬

لم‭ ‬تعد‭ ‬لسهرات‭ ‬رمضان‭ ‬تلك‭ ‬الحميمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تميزه‭ ‬قبل‭ ‬عشرات‭ ‬السنوات،‭ ‬فبعد‭ ‬انتشار‭ ‬أجهزة‭ ‬التلفزيون‭ ‬والقنوات‭ ‬الفضائية‭, ‬أصبح‭ ‬الناس‭ ‬يتسمرّون‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬أمام‭ ‬التلفزيونات‭ ‬لمتابعة‭ ‬مسلسلات‭ ‬وبرامج‭ ‬رمضان‭ ‬الكثيرة،‭ ‬فغابت‭ ‬السهرات‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬الرجال‭ ‬فيها‭ ‬يجتمعون‭ ‬في‭ ‬المضافات‭ (‬المنزول‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالقناقات‭ (‬بيت‭ ‬الضيافة‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الرجال‭ ‬يسهرون‭ ‬فيها،‭ ‬وكانت‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المدن‭ ‬السورية،‭ ‬ويسهرون‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬السحور،‭ ‬حيث‭ ‬يتسامرون‭ ‬بالأحاديث‭ ‬المفيدة،‭ ‬وكان‭ ‬الرجال‭ ‬يلعبون‭ ‬بعض‭ ‬الألعاب‭ ‬الخاصة‭ ‬ومنها‭ ‬ألعاب‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬خور‭ ‬خور‮»‬‭ ‬والمقرعة‭ ‬وألعاب‭ ‬الشدة‭ ‬العادية‭ ‬ولعبة‭ ‬الختيار‭ (‬الملك‭) ‬والمنقلة‭ (‬قطعة‭ ‬خشبية‭ ‬مدورة‭) ‬يلعبون‭ ‬فيها‭ ‬الضامة‭ ‬وطاولة‭ ‬الزهر،‭ ‬وكان‭ ‬يوجد‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬القناقات‭ ‬أصحاب‭ ‬الأصوات‭ ‬الجميلة،‭ ‬حيث‭ ‬يستمع‭ ‬الحاضرون‭ ‬للتواشيح‭ ‬الدينية‭ ‬والموشحات‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬والقصائد‭ ‬والطرب‭ ‬الأصيل،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لهذه‭ ‬القناقات‭ ‬والمنزولات‭ ‬وجود‭ ‬حالياً،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المقاهي‭ ‬كانت‭ ‬تستقطب‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬الساهرين،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تقدم‭ ‬ذلك‭ ‬الفن‭ ‬التراثي‭ ‬الجميل‭ ‬‮«‬خيال‭ ‬الظل‮»‬‭ ‬وكراكوز‭ ‬وعيواظ‭ ‬وهي‭ ‬سينما‭ ‬أيام‭ ‬زمان،‭ ‬وكانت‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تمثيليات‭ ‬طريفة‭ ‬باللهجة‭ ‬العامية،‭ ‬والنمط‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينتشر‭ ‬في‭ ‬المقاهي‭ ‬كان‭ ‬‮«‬الحكواتي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬مقهى‭ ‬منه،‭ ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬فقرته‭ ‬المعروفة‭ ‬بحماسها‭ ‬ويقص‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬حكايات‭ ‬الظاهر‭ ‬بيبرس‭ ‬وعنترة‭ ‬وأبوزيد‭ ‬الهلالي،‭ ‬فيشعل‭ ‬الحماس‭ ‬لدى‭ ‬الحاضرين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقمصه‭ ‬لأبطال‭ ‬قصصه‭ ‬بحركات‭ ‬يديه‭ ‬ورجليه‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬الأولاد،‭ ‬فبعد‭ ‬الإفطار‭ ‬كانوا‭ ‬يخرجون‭ ‬إلى‭ ‬الحارات،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬بأزقة‭ ‬ضيقة‭ ‬يلعبون‭ ‬فيها‭ ‬ويمرحون‭ ‬حتى‭ ‬الليل،‭ ‬ومن‭ ‬ألعابهم‭ ‬هناك‭ ‬الصومانية‭ ‬وعسكر‭ ‬وحرامية‭ ‬والدوش‭ ‬والنبل‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الألعاب‭ ‬البسيطة‭. ‬

‭ ‬أما‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬رمضان،‭ ‬فإنهن‭ ‬يسهرن‭ ‬في‭ ‬بيوتهن‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الجيران‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬قريبات‭ ‬لهن،‭ ‬وكانت‭ ‬سهراتهن‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬تشهد‭ ‬المرح‭ ‬والفكاهة‭ ‬والأحاديث‭ ‬الخاصة‭ ‬بهن‭ ‬وحتى‭ ‬أحياناً‭ ‬العزف‭ ‬الموسيقي‭ ‬والغناء‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬الموجودات‭ ‬الساهرات‭ ‬تجيد‭ ‬العزف‭ ‬والغناء‭. ‬وحالياً‭ ‬فإن‭ ‬التلفاز‭ ‬قضى‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬السهرات‭ ‬النسائية‭ ‬الجميلة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬غالبية‭ ‬النساء‭ ‬تفضل‭ ‬متابعة‭ ‬المسلسلات‭ ‬في‭ ‬منازلهن‭ ‬أو‭ ‬لدى‭ ‬الجيران‭ ‬والأقارب،‭ ‬حيث‭ ‬يبقين‭ ‬متسمرات‭ ‬أمام‭ ‬جهاز‭ ‬التلفاز‭.‬

 

المسحراتي‭ ‬وطبلته‭ ‬الباقية

من‭ ‬مظاهر‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬والتي‭ ‬مازالت‭ ‬موجودة‭ ‬ولكن‭ ‬بشكل‭ ‬محدود‭ ‬هي‭ ‬طبلة‭ ‬المسحِّر‭ ‬المتميزة‭ ‬كتميز‭ ‬لباسه‭ ‬وطريقته‭ ‬في‭ ‬إيقاظ‭ ‬الصائمين‭ ‬للتسحر‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬المدن‭ ‬السورية‭ ‬يتخصص‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬المسحراتي،‭ ‬حيث‭ ‬يلبس‭ ‬المسحراتي‭ ‬السروال‭ ‬الأسود‭ ‬والطاقية‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬اللباد،‭ ‬ومعه‭ ‬طبلته‭ ‬الشهيرة‭ ‬المعروفة‭ ‬التي‭ ‬يضرب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قطعة‭ ‬جلدية،‭ ‬وكان‭ ‬لكل‭ ‬حارة‭ ‬مسحراتي‭ ‬خاص‭ ‬بها،‭ ‬ويعرف‭ ‬كل‭ ‬أصحاب‭ ‬البيوت،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬ينادي‭ ‬عليهم‭ ‬واحداً‭ ‬واحداً‭ ‬ليستيقظوا‭ ‬بعبارته‭ ‬المعروفة‭: ‬يا‭ ‬نايم‭ ‬وحّد‭ ‬الدايم‭ ‬أبوجاسم‭ ‬أبو‭ ‬عبدالله‭ ‬وحّد‭ ‬الله‭.. ‬وهكذا،‭ ‬ولا‭ ‬يترك‭ ‬الحارة‭ ‬إلاّ‭ ‬ويكون‭ ‬الكل‭ ‬قد‭ ‬استيقظ‭ ‬ويعرف‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إشعالهم‭ ‬للنور‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭. ‬وكان‭ ‬المسحراتي‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬فانوساً،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المسحراتية‭ ‬شـيخ‭ ‬لـ«الكار‮»‬‭ ‬يتقيدون‭ ‬بتعليماته‭. ‬وكان‭ ‬هؤلاء‭ ‬يأخذون‭ ‬من‭ ‬منازل‭ ‬الحارة‭ ‬الطعام‭ ‬المتبقي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لهم‭ ‬عيدية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬عيد‭ ‬الفطر‭ ‬السعيد‭ .

لوحة‭ ‬المسحراتية