فيكتور الكك سفير التواصل الثقافي العربي – الإيراني
الثالث عشر من مارس الماضي كان يوماً احزيناًب لساحة الأدب والثقافة العربية، حيث تلقت نبأ رحيل عالم وباحث ومفكر نحن في أَمسِّ الحاجة إلى رؤاه وأفكاره في هذه المرحلة الزمنية بالذات.
إنه البروفيسور فيكتور الكك، العلامة اللبناني الذي قضى عمره في البحث والتدريس، وكان مثالاً للعالم العامل الذي تخرجت على يديه كوكبة من خيرة الطلبة الذين نهلوا من علمه الغزير، وكان خير سفير للتواصل الثقافي والأدبي العربي ذ الإيراني.
ستون عاماً وفقيدنا الراحل يبذل النفس والنفيس من أجل استخلاص القواسم المشتركة بين الشعوب، ويبحث عن سبل التقارب والتفاهم والـتآلف حيث عرفته الجامعات العربية بمناقبه الخلقية وعطائه الأدبي وسجاياه الإنسانية مكافحاً من أجل تلاقي الحضارات وتحاور الثقافات العربية والغربية والفارسية التي سبر أغوارها، ليكون رسول المصالحة بين الحضارات والأديان.
تجاوزت كتبه وأبحاثه المائتي عنوان وهو يكشف أثر الثقافة العربية على ثقافات العالم، ويشرح قصائد جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي، ليبرهن على أن مصدر الحقيقة في التراث الإبراهيمي واحد، كما فعل ابن عربي وفريد الدين العطار وحافظ الشيرازي حين قال:
كل ناح صار للحب مزارا
مسجد المسلم أو دير النصارى
احتضنته الكويت كما هو ديدنها مع كبار المثقفين والمبدعي، حيث شارك في مؤتمرات مجلة العربي واحتفالات مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية، ونشرت له جامعة الكويت كتباً عدة من مؤلفاته.
حاول من خلال مجلة الدراسات الأدبية التي ترأس تحريرها خلال نصف قرن أن يسد فراغاً في الدراسات المقارنة العربية ذ الإيرانية، ونجح في بلورة تيار للأبحاث المقارنة انطلق من لبنان لينشط في سائر البلدان العربية وإيران ويحتل موقعاً امتميزاًب في المراكز الاستشرافية لوجود خلاصة للأبحاث المنشورة باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
إن غياب العلامة الموسوعي والشاعر اللبناني فيكتور الكك يعتبر بحق خسارة لا تعوض لعالم الثقافة والأدب الإنساني في زمن الليلة الظلماء، حيث يفتقد البدر وهو القامة الشامخة التي تفيأ بظلالها المئات من طالبي المعرفة.
لقد كان الأديب الراحل خير سفير للأدب الفارسي وحلقة الوصل والجسر الثقافي والحضاري بين الشعراء والمثقفين العرب والإيرانيين، حيث حقق نجاحاً لم يسبقه فيه أحد من المعاصرين وحفر اسمه في سجل كبار الشعراء والأدباء، وساهم بكل ثقل في تعريف العالم العربي بكنوز الصوفية والروحانية الكامنة في الأدب الفارسي، لتبقى مجلة االدراسات الأدبيةب أحد أهم إنجازاته الفكرية التي سدت فراغاً في المكتبة العربية.
احتفلت جامعة طهران بتكريمه عام 2014 تقديراً لجهوده في تدريس الأدب الفارسي في الجامعات الأمريكية والأوربية.
رافقته خلال زيارته الأخيرة للكويت قبل عامين، وكان يشكو من مضاعفات مرض السكري وأثره على عينيه، حيث اشترى بعض الأدوية المفقودة في بلاده من الكويت، ثم ذهبنا معاً إلى مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت، وأهدته مجلة دوليات الآداب والعلوم الاجتماعية 25 نسخة من كتابه اأثر الشعر العربي في الشعر الفارسيب.
عكف على تقريب ديوان الشاعر الباكستاني محمد إقبال اللاهوري بالاتفاق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت عسى أن يشبع غليله في نشر المعارف الإنسانية التي تدعو للتآلف والتآخي بين بني البشر.
سلاماً لروحه الأبية وعرفاناً بفضله وهو ينشر بذور الشعر والأدب الفارسي ويرصد التأثير والتأثر بين الثقافتين العريقتين.. جاءت هذه الكلمات .