السينما وانكسار الزمن

السينما  وانكسار الزمن

تحضر‭ ‬مسألة‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬بكثرة،‭ ‬ويطرح‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬صيغة‭ ‬وهدف،‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬حلماً‭ ‬عميقاً‭ ‬لدى‭ ‬المشاهد‭ ‬تحاول‭ ‬السينما‭ ‬بتقنياتها‭ ‬الضخمة‭ ‬وبأجنحة‭ ‬خيالاتها‭ ‬الباهرة‭ ‬أن‭ ‬تحركه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬مساحات‭ ‬الحلم‭ ‬والدهشة‭ ‬والحنين‭ ‬إلى‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬تجلياته‭ ‬اللامتناهية‭. ‬يقول‭ ‬الشاعر‭  ‬الإنجليزي‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬رباعيات‭ ‬أربع‮»‬‭: ‬‮«‬الزمن‭ ‬الحاضر‭  ‬والزمن‭ ‬الماضي‭/ ‬كلاهما،‭ ‬ربما،‭ ‬حاضر‭  ‬في‭ ‬المستقبل‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬السينما‭ ‬نجد‭ ‬استحضاراً‭ ‬قوياً‭ ‬لهذه‭ ‬التداخلات‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬التاريخ‭ ‬والخيال‭ ‬العلمي‭ ‬والنبوءات‭ ‬والمخاوف‭ ‬والهواجس‭ ‬في‭ ‬تشكيلات‭ ‬فريدة‭ ‬تأتي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بتصورات‭ ‬مثيرة‭ ‬لها‭ ‬مساراتها‭ ‬الغريبة‭ ‬والمتفاوتة‭ ‬في‭ ‬جاذبيتها‭ ‬وثرائها‭ ‬الفكري‭ ‬وطاقاتها‭ ‬الإيحائية‭.‬

تبدأ‭ ‬الرحلة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬اآلة‭ ‬الزمنب‭ ‬وانابشة‭ ‬القبورب‭ ‬وغيرهما،‭ ‬حيث‭ ‬يسيطر‭ ‬وهم‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬لحظة‭ ‬زمنية،‭ ‬وتصحيح‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نتائج‭ ‬أفضل‭ ‬يتغير‭ ‬بواسطتها‭ ‬الحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬نحو‭ ‬الأحسن،‭ ‬ويتحقق‭ ‬عبرها‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬الأكبر‭ ‬للإنسانية،‭ ‬ممثلا‭ ‬في‭ ‬الجهل‭ ‬بالانعكاسات‭ ‬والقرارات‭ ‬الفاشلة‭ ‬بزواياها‭ ‬الكارثية‭ ‬المعتمة‭ ‬على‭ ‬المستقبل‭.‬

وفي‭ ‬المسار‭ ‬نفسه‭ ‬يأتي‭ ‬فيلم‭ ‬االدكتور‭ ‬غريبب‭ ‬للمخرج‭ ‬والكاتب‭ ‬اسكوت‭ ‬ديريكسونب‭ ‬scott‭ ‬derrickson‭ ‬صاحب‭ ‬فيلم‭ ‬اsinister‭ ‬2012ب،‭ ‬حيث‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬عبرة‭ ‬بطولية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬تحدي‭ ‬الواقع‭ ‬والسعي‭ ‬نحو‭ ‬البدائل‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬فيها‭ ‬الأمل‭ ‬وتنهار‭ ‬الخيارات‭ ‬البسيطة،‭ ‬نتيجة‭ ‬حوادث‭ ‬مأساوية‭ ‬قد‭ ‬تقلب‭ ‬الحياة‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب؛‭ ‬فالفيلم‭ ‬يحكي‭ ‬قصة‭ ‬جراح‭ ‬أعصاب‭ ‬ناجح‭ ‬ينقذ‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬المحقق‭ ‬بفضل‭ ‬مهاراته‭ ‬الفائقة،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يؤمن‭ ‬بالعلم‭ ‬ويبني‭ ‬قراراته‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬علمية‭ ‬دقيقة‭. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬جولاته‭ ‬الليلية‭ ‬بالسيارة‭ ‬يقع‭ ‬له‭ ‬حادث‭ ‬مروع‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تلف‭ ‬لا‭ ‬يرمم‭ ‬في‭ ‬جهازه‭ ‬العصبي‭ ‬يُفقده‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬يديه‭ ‬بالمهارة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬سلفاً،‭ ‬مما‭ ‬يضطره‭ ‬إلى‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مهنته‭ ‬والتقاعد‭ ‬المبكر‭ ‬عن‭ ‬الجراحة‭. ‬لكنه‭ ‬يأبى‭ ‬أن‭ ‬يقبل‭ ‬بالوضع‭ ‬ويحاول‭ ‬استعادة‭ ‬قدراته‭ ‬باللجوء‭ ‬إلى‭ ‬طائفة‭ ‬تتمتع‭ ‬قائدتها‭ ‬بقوى‭ ‬خارقة،‭ ‬ليصبح‭ ‬أحد‭ ‬تلاميذها‭ ‬النجباء،‭ ‬ويدخل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬المتمردين،‭ ‬الذي‭ ‬باع‭ ‬نفسه‭ ‬للشرير‭ ‬اموردورب،‭ ‬فيحاول‭ ‬أن‭ ‬يخلص‭ ‬الأرض‭ ‬منه‭ ‬باعتماد‭ ‬حيلة‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬الزمن‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬لحظة‭ ‬معينة‭. ‬

 

الزمن‭ ‬اللامتناهي

وهنا،‭ ‬نجد‭ ‬نقطة‭ ‬ارتكاز‭ ‬الفيلم‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬بالزمن؛‭ ‬إنه‭ ‬امتلاك‭ ‬لقوة‭ ‬عظمى‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬قلب‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬وتحريك‭ ‬مسارات‭ ‬الواقع‭ ‬بسلطة‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬قوة‭ ‬يتلاشى‭ ‬معها‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬سوى‭ ‬الزمن‭ ‬المدور‭ ‬اللامتناهي‭ ‬وفق‭ ‬حتمية‭ ‬لا‭ ‬تتيح‭ ‬المجال‭ ‬للخروج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬بالاستسلام‭ ‬والتنازل‭ ‬لمن‭ ‬يملك‭ ‬سلطة‭ ‬كسر‭ ‬دائرة‭ ‬الزمن‭ ‬هاته‭. ‬وفي‭ ‬الفيلم‭ ‬ييأس‭ ‬الشرير‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬لحظة‭ ‬الانتصار‭ ‬بقتل‭ ‬غريمه،‭ ‬لتلفه‭ ‬دوامة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تثبيت‭ ‬الزمن‭ ‬عند‭ ‬لحظة‭ ‬معينة،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬انتصار،‭ ‬فإنها‭ ‬تعاد‭ ‬وتكرر‭ ‬بلا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬تجاوزها،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬اللقطات‭ ‬يبدع‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الإحساس‭ ‬بيأس‭ ‬الشرير‭ ‬وروتينية‭ ‬القتل‭ ‬عبر‭ ‬صياغة‭ ‬سينوغرافية‭ ‬متلاحقة‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬فرصة‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬البديل‭ ‬لدى‭ ‬الآخر،‭ ‬لينتهي‭ ‬الموقف‭ ‬بإعلان‭ ‬حالة‭ ‬الاستسلام‭ ‬وقبول‭ ‬شروط‭ ‬بطل‭ ‬الفيلم،‭ ‬وتراجع‭ ‬الشر‭ ‬القاتل‭ ‬عن‭ ‬اجتياح‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬رمزية‭ ‬معبرة‭ ‬يوحي‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬الموقف،‭ ‬مما‭ ‬يُفتح‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تأويل‭ ‬واتجاه؛‭ ‬فالسيطرة‭ ‬على‭ ‬الزمن‭ ‬حلم‭ ‬البشرية‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتحقق،‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬طياته‭ ‬تطلعاً‭ ‬إلى‭ ‬الخلود‭ ‬وكسر‭ ‬خطية‭ ‬حتمية‭ ‬تنقل‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬تنتهي‭ ‬بالفناء‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬زمنية‭ ‬محدودة‭. ‬تجعل‭ ‬حياة‭ ‬الشخص‭ ‬لحظات‭ ‬قصيرة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬لا‭ ‬نهائي،‭ ‬وهنا‭ ‬نصبح‭ ‬سجناء‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬وغير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬واستقبال‭ ‬أحداث‭ ‬جديدة‭. ‬وحتى‭ ‬الموت‭ ‬نفسه‭ ‬يضحي‭ ‬حلماً‭ ‬صعب‭ ‬المنال؛‭ ‬ومثل‭ ‬هذه‭ ‬الإشارات‭ ‬تذكرنا‭ ‬بتوقفات‭ ‬زمنية‭ ‬نفسية‭ ‬نعيشها‭ ‬في‭ ‬فترات،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ظروف‭ ‬تكرارية‭ ‬رهيبة‭ ‬كالسجن،‭ ‬والاحتجاز،‭ ‬والتيه‭ ‬والوحدة‭... ‬وهي‭ ‬نماذج‭ ‬أفرزت‭ ‬لنا‭ ‬تجارب‭ ‬سينمائية‭ ‬رائدة‭ ‬وخالدة‭ ‬عبر‭ ‬أشرطة‭ ‬حفرت‭ ‬فاعليتها‭ ‬النفسية‭ ‬والوجدانية‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مثل‭: ‬فيلم‭ ‬توم‭ ‬هانكس‭ ‬الشهير‭ ‬cast‭ ‬away‭ ‬للمخرج‭ ‬روبير‭ ‬زميكيس‭ ‬سنة‭ ‬2000‭.‬

إن‭ ‬تثبيت‭ ‬اللحظة‭ ‬الزمنية‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬دائماً‭ ‬مساراً‭ ‬تشاؤمياً‭ ‬يائساً‭ ‬وفق‭ ‬مقاربات‭ ‬جدية‭ ‬أو‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬التخييل‭ ‬والعنف،‭ ‬وإنما‭ ‬هناك‭ ‬صيغ‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬مرحاً‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الرسائل‭ ‬والإشارات‭ ‬الرمزية‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬الفكاهة‭ ‬والضحك،‭ ‬فتتحول‭ ‬اللحظة‭ ‬المثبتة‭ ‬إلى‭ ‬فرصة‭ ‬للتعديل‭ ‬والتطوير‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬مأزق‭ ‬الإيقاع‭ ‬السريع‭ ‬للحياة‭ ‬الغربية‭. ‬ومن‭ ‬الأفلام‭ ‬المتميزة‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬شريط‭ ‬Groundhog‭ ‬day‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬سنة‭ ‬1993،‭ ‬وقام‭ ‬ببطولته‭ ‬الممثل‭ ‬الكوميدي‭ ‬بييل‭ ‬موراي،‭ ‬حيث‭ ‬يمثل‭ ‬لحظة‭ ‬حصار‭ ‬مقدم‭ ‬نشرة‭ ‬جوية‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬صغيرة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد‭ ‬يتكرر‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نهاية،‭ ‬فيستفيق‭ ‬دائما‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الصباحية‭ ‬نفسها‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬السابق‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬لتتم‭ ‬إعادة‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬نفسها،‭ ‬لكن‭ ‬البطل‭ ‬بعد‭ ‬الصدمة‭ ‬الأولى‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بالاستسلام‭ ‬للواقع،‭ ‬وإنما‭ ‬يحاول‭ ‬بالتدريج‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الأبدية‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬تعلمها‭ ‬كالعزف‭ ‬على‭ ‬البيانو،‭ ‬وبناء‭ ‬صداقات‭ ‬عميقة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مساعدة‭ ‬الآخرين‭ ‬والقيام‭ ‬بعمليات‭ ‬إنقاذ‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬اهتمامه‭ ‬في‭ ‬الماضي‭. ‬ويصبح‭ ‬التكرار‭ ‬فرصاً‭ ‬متتالية‭ ‬لتجنب‭ ‬الأخطاء‭ ‬وإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الأولويات‭ ‬وترتيبها‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬آخر‭ ‬تتراجع‭ ‬فيه‭ ‬قيم‭ ‬زائفة‭ ‬كانت‭ ‬تحتل‭ ‬الصدارة‭ ‬سابقا‭ ‬كالشهرة‭ ‬والمال،‭ ‬فاسحة‭ ‬الطريق‭ ‬لأخرى‭ ‬ذات‭ ‬سمات‭ ‬إنسانية‭ ‬عميقة‭ ‬ودائمة‭ ‬كالمحبة‭ ‬والصداقة‭ ‬والتعاون‭. ‬يجيب‭ ‬الشريط‭ ‬بهذا‭ ‬التصور‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬عميق‭ ‬مفاده‭: ‬ماذا‭ ‬إذا‭ ‬امتلكنا‭ ‬فرصة‭ ‬تغيير‭ ‬الماضي‭ ‬وعيشه‭ ‬من‭ ‬جديد؟‭ ‬هل‭ ‬كنا‭ ‬سنعيشه‭ ‬بطريقة‭ ‬أفضل‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬سننقذف‭ ‬في‭ ‬دوامة‭ ‬الاعتيادي‭ ‬والمألوف؟‭ ‬إجابة‭ ‬الفيلم‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬مثالية،‭ ‬لكنها‭ ‬تفضح‭ ‬استسلامنا‭ ‬للاعتيادي‭ ‬وتغييب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬والأشياء‭ ‬الجميلة‭ ‬ونحن‭ ‬نهرول‭ ‬في‭ ‬لحاق‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬بإيقاع‭ ‬حياة‭ ‬التنافس‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المال‭ ‬وتحقيق‭ ‬المجد؛‭ ‬فالبطل‭ ‬وهو‭ ‬يعيد‭ ‬اليوم‭ ‬نفسه‭ ‬مرات‭ ‬لا‭ ‬متناهية‭ ‬يكتشف‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬صيغة‭ ‬أفضل‭ ‬لإغنائه‭ ‬ويقع‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬على‭ ‬أشياء‭ ‬جميلة‭ ‬تجاهلها‭ ‬سلفا‭ ‬تجعله‭ ‬يغير‭ ‬رأيه‭ ‬وأسلوب‭ ‬حياته‭.‬

للسينما‭ - ‬إذن‭ - ‬لغتها‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬تسرد‭ ‬لنا‭ ‬رؤية‭ ‬ذات‭ ‬معالم‭ ‬محددة‭ ‬بالصورة‭ ‬والحركة‭ ‬والصوت،‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الناقد‭ ‬الروسي‭ ‬يوري‭ ‬لوتمان،‭ ‬فتبتكر،‭ ‬في‭ ‬دهاء،‭ ‬إجابات‭ ‬مقترحة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬محيرة‭ ‬وعميقة‭ ‬في‭ ‬أبعادها‭. ‬وتتجرأ‭ ‬على‭ ‬مساءلة‭ ‬المستحيل‭ ‬عبر‭ ‬اقتراح‭ ‬سيناريوهات‭ ‬حُلمية‭ ‬بديلة‭ ‬للواقع‭ ‬تسكب‭ ‬فيها‭ ‬إجابات‭ ‬محتملة‭ ‬عن‭ ‬السؤال‭ ‬المعلق‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬الذي‭ ‬يستهل‭ ‬بـ‭ ‬اماذا‭ ‬لو‭....‬؟ب،‭ ‬لا‭ ‬للإدهاش‭ ‬والإمتاع‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬لخلخلة‭ ‬ما‭ ‬نحمله‭ ‬من‭ ‬يقينيات‭ ‬وهمية‭ ‬نتشبث‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬قد‭ ‬تقودنا‭ ‬إلى‭ ‬سبل‭ ‬ملتوية‭ ‬تبعدنا‭ ‬عن‭ ‬السعادة‭ ‬مركز‭ ‬الكون‭ .