معمار الشكل في أعمال التشكيلية البحرينية مياسة السويدي

معمار الشكل في أعمال التشكيلية البحرينية مياسة السويدي

تاريخ‭ ‬اللوحة‭ ‬هو‭ ‬تاريخ‭ ‬من‭ ‬الصدمات‭ ‬المتتالية‭. ‬صدمة‭ ‬التصوير‭  ‬الضوئي‭ ‬سلبت‭ ‬منها‭ ‬الواقعية‭ ‬الكلاسيكية‭. ‬صدمة‭ ‬التقنية‭ ‬والتحولات‭ ‬الجذرية‭ ‬للمجتمعات‭ ‬الأوربية‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬التقنية‭ ‬وحركة‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬صوغها‭ ‬في‭ ‬هيئات‭ ‬منسوخة‭ ‬عنهما‭. ‬جعلت‭ ‬اللوحة‭ ‬هشة‭ ‬البنيان‭ ‬ومرتبكة‭ ‬لتكون‭ ‬اللوح‭ ‬الحساس‭ ‬بتعبير‭ ‬‮«‬سيزان‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تنعكس‭ ‬عليه‭ ‬حركة‭ ‬الحياة‭. ‬جريان‭ ‬المعاش‭ ‬وتعقيداته‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان‭ ‬وإعادة‭ ‬توزيع‭ ‬الفراغ‭ ‬المديني‭ ‬وفقاً‭ ‬للتغييرات‭ ‬الآنفة،‭ ‬فرضا‭ ‬على‭ ‬اللوحة‭ ‬اشتراطات‭ ‬غير‭  ‬مسبوقة‭. ‬

التَبسّ‭ ‬الموقفُ‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬إعلان‭ ‬ادوشامبب‭ ‬سخطه‭ ‬الجمالي،‭ ‬الذي‭ ‬يُفسَّر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاطئ‭ ‬كمفهوم‭ ‬جمالي‭. ‬وبدأت‭ ‬الباوهاوس‭ ‬بمساعٍ‭ ‬ملموسة‭ ‬لترجمة‭ ‬الحياة‭ ‬إلى‭ ‬نتاج‭ ‬جمالي،‭ ‬فبدأت‭ ‬التقنيات‭ ‬والاستجابات‭ ‬الفنية‭ ‬لها‭ ‬بطرح‭ ‬نفسها‭ ‬عبر‭ ‬أعمال‭ ‬جاهزة‭ ‬وأعمال‭ ‬مباشرة‭ ‬وأعمال‭ ‬مفهومية،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأسلبات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬حشرها‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬لا‭ ‬معياري‭ ‬تحت‭ ‬قوس‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭.‬

هكذا‭ ‬أتاحت‭ ‬التقنيات‭ ‬الحديثة‭ ‬السبيل‭ ‬أيضاً‭ ‬لظهور‭ ‬فنون‭ ‬بصرية‭ ‬كانت‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬مواهب‭ ‬لا‭ ‬تجيد‭ ‬الرسم‭ ‬أو‭ ‬النحت،‭ ‬كالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬آلة‭ ‬الكاميرا‭ ‬السينمائية‭ ‬ولويس‭ ‬بونويل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬الولا‭ ‬الكاميرا‭ ‬لما‭ ‬كنت‭ ‬موجوداً‭ ‬كمبدعب،‭ ‬كونه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يجيد‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الإخراج‭ ‬السينمائي‭. ‬وكذلك‭ ‬دفعت‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬النحت‭ ‬والرسم‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬منطقهما‭ ‬الداخلي‭ ‬وتقنيات‭ ‬بنائهما‭. ‬ففتح‭ ‬اروشنبيرجب‭ ‬إطار‭ ‬اللوحة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬النحت‭ ‬الحركي‭ (‬كادلر‭ ‬وبويز‭) ‬والنحت‭ ‬الفراغي‭ (‬هنري‭ ‬مور‭). ‬

وبرغم‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬تبقى‭ ‬اللوحة‭ ‬هي‭ ‬المنصة‭ ‬البصرية‭ ‬الأصعب‭ ‬فنياً،‭ ‬لأن‭ ‬اللوحة‭ ‬ليست‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬سيكولوجياً‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬الداخلية،‭ ‬وليست‭ ‬إعادة‭ ‬تقديم‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬هيئات‭ ‬فنتازية‭. ‬إنها‭ ‬بناء‭ ‬انفعال‭ ‬يتوسط‭ ‬مجالاً‭ ‬لمفاهيم‭ ‬تتعين‭ ‬عبر‭ ‬الجسد،‭ ‬جسد‭ ‬الأشياء‭ ‬وجسد‭ ‬الأشخاص‭. ‬لذلك‭ ‬يكون‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬بمنزلة‭ ‬مغامرة‭ ‬تتأرجح‭ ‬بين‭ ‬الحنكة‭ ‬البصرية‭ ‬والغفلة‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬عادتي‭ ‬في‭ ‬التمهيد‭ ‬لتقديم‭ ‬تجربة‭ ‬فنية‭ ‬ما‭. ‬وهي‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬تجربة‭ ‬الفنانة‭ ‬البحرينية‭ ‬مياسة‭ ‬السويدي،‭ ‬التي‭ ‬أنهت‭ ‬دراستها‭ ‬للرياضيات‭ ‬وتخصصت‭ ‬فيها،‭ ‬لكنها‭ ‬تقدم‭ ‬معادلاً‭ ‬بصرياً‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬الحساب‭.‬

 

تحييد‭ ‬الفراغ‭ ‬

جهد‭ ‬تقني‭ ‬كبير‭ ‬وتنويع‭ ‬في‭ ‬ملامس‭ ‬السطح‭ ‬اللوني‭ ‬تضعهما‭ ‬الفنانة‭ ‬مياسة‭ ‬على‭ ‬كتلة‭ ‬الشكل‭ ‬بالتعارض‭ ‬مع‭ ‬حيادية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬فراغ‭ ‬اللوحة‭. ‬العمل‭ ‬كله‭ ‬موضوع‭ ‬في‭ ‬الشكل،‭ ‬أما‭ ‬الفراغ‭ ‬فمعالجته‭ ‬شحيحة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تتبع‭ ‬مسار‭ ‬الضوء‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬اللونية‭ ‬الموضوعة‭ ‬بتجانس‭ ‬ضمن‭ ‬أحادية‭ ‬لون‭ ‬الفراغ‭. ‬يمكننا‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬أمام‭ ‬عمق‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬نستخدمه‭ ‬في‭ ‬الأشكال‭ ‬الخطية‭ ‬التي‭ ‬تكتفي‭ ‬بالوجود‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬غير‭ ‬مبأر‭ ‬أو‭ ‬مستقر‭ ‬على‭ ‬ثقل‭ ‬أرضي،‭ ‬كون‭ ‬الأشكال‭ ‬الخطية‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬سطحاً،‭ ‬العمق‭ ‬سطحها‭. ‬بينما‭ ‬تحييد‭ ‬الفراغ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬يترجم‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬في‭ ‬معمار‭ ‬الشكل‭ ‬وفي‭ ‬تلوينه‭.‬

‭ ‬ثمة‭ ‬إزاحة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬السويدي‭ ‬المخصصة‭ ‬بهذه‭ ‬الدراسة،‭ ‬متمثــلة‭ ‬في‭ ‬ثراء‭ ‬السطوح‭ ‬اللونية‭ ‬وتعارض‭ ‬توجهاتها‭ ‬الأفقية‭ ‬والشاقولية‭ ‬والتباين‭ ‬غير‭ ‬الانعكاسي‭ ‬للألوان‭ ‬معتم‭ ‬ومشرق،‭ ‬وتجاور‭ ‬الثقل‭ ‬اللوني‭ ‬المشرق‭ ‬والجلي‭ ‬في‭ ‬الألوان‭ ‬الداكنة‭ ‬يجعل‭ ‬الطاقة‭ ‬داخل‭ ‬كتلة‭ ‬الشكل‭ ‬متحركة‭ ‬كأنها‭ ‬تباعد‭ ‬بين‭ ‬كتلة‭ ‬لونية‭ ‬وأخرى‭.‬

‭ ‬هذا‭ ‬التنافر‭ ‬الطافي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أسطح‭ ‬كتلة‭ ‬الشكل‭ ‬يمنح‭ ‬حركية‭ ‬لمعمارية‭ ‬الكتلة‭ ‬بين‭ ‬الأمام‭ ‬والخلف‭ ‬وإزاحة‭ ‬جانبية‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الشكل‭. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يضفي‭ ‬جمالية‭ ‬تزيينية‭ ‬للشكل‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬جعل‭ ‬الرؤية‭ ‬جسدا‭.‬

يتضح‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬رقم‭ (‬1‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تتراصف‭ ‬ثلاثة‭ ‬وجوه‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬متحللة‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬غير‭ ‬مستقرة‭.  ‬شكل‭ ‬منزوع‭ ‬بالكشط‭ ‬عن‭ ‬الألوان‭ ‬شاقوليا‭. ‬

لذلك‭ ‬تطيرت‭ ‬الملامح‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬أثر‭ ‬لعملية‭ ‬الكشط‭. ‬ومع‭ ‬طباعة‭ ‬الأحرف‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بنقشها‭ ‬الصناعي‭ ‬على‭ ‬الشكلين‭ ‬الجانبيين،‭ ‬يغدو‭ ‬الوجه‭ ‬ممسوحاً،‭ ‬مجرداً‭ ‬من‭ ‬القسمات‭ ‬التي‭ ‬تمنحه‭ ‬عمقاً‭ ‬وتاريخا‭ ‬لهذا‭ ‬العمق‭. ‬بينما‭ ‬يبقى‭ ‬الوجه‭ ‬في‭ ‬الشكل‭ ‬الموجود‭ ‬وسط‭ ‬العمل‭ ‬مستقلاً‭ ‬برغم‭ ‬تنسيقه‭ ‬مع‭ ‬انسيابية‭ ‬الخطوط‭ ‬التي‭ ‬تسحب‭ ‬الشكلين‭ ‬الجانبيين‭ ‬إلى‭ ‬الداخل‭. ‬تصبح‭ ‬العلاقات‭ ‬البصرية‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬معقدة،‭ ‬كأنما‭ ‬كل‭ ‬شخصية‭/‬شكل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأشكال‭ ‬الثلاثة‭ ‬مسحوبة‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬اللوحة‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬المشهد،‭ ‬لتتراصف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الرأس‭ ‬وتختلط‭ ‬دون‭ ‬ذلك‭.‬

‭ ‬

اللوحة‭ ‬متعددة‭ ‬الأسطح‭ ‬

ضمن‭ ‬تجاربها‭ ‬الأحدث‭ ‬تقدم‭ ‬مياســة‭ ‬السويدي‭ ‬لوحات‭ ‬مكعبية‭ ‬مشـــغولة‭ ‬في‭ ‬جــزء‭ ‬منها‭ ‬بكيفـــية‭ ‬حســية‭ ‬مغايرة‭/‬الشـكل‭ ‬رقــم‭ (‬2‭)‬،‭ ‬مع‭ ‬اهتمام‭ ‬مضاعف‭ ‬بالاشـــتغال‭ ‬على‭ ‬الملــمس‭ ‬النافر‭ ‬للسطح‭ ‬وتنسيقه‭ ‬مع‭ ‬هيئة‭ ‬الكــتلة‭ ‬اللونية‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬تقدم‭ ‬الفنانة‭ ‬أعمالاً‭ ‬مرسومة‭ ‬على‭ ‬مكعبات‭ ‬متعددة‭ ‬الأسطح،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬اللوحة‭ ‬العادي؟‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭ ‬تقتضيها‭ ‬بنية‭ ‬الشكل‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬المرسوم‭ ‬على‭ ‬مكعب؟‭ ‬أم‭ ‬للأمر‭ ‬علاقة‭ ‬بتكثيف‭ ‬منظور‭ ‬الشيء‭ ‬عبر‭ ‬تنويع‭ ‬مستويات‭ ‬رؤيته؟‭ ‬الملاحظ‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المكعبات‭ ‬أن‭ ‬الأسطح‭/‬الأشكال‭ ‬تتوقف‭ ‬حدودها‭ ‬عند‭ ‬زاوية‭ ‬المكعب،‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬امتداد‭ ‬للشكل‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬للفراغ‭. ‬كل‭ ‬سطح‭ ‬مستقل‭ ‬بوضعية‭ ‬الشكل‭ ‬وبهيئته‭, ‬وتتشارك‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬الأسطح‭ ‬طريقة‭ ‬المعالجة‭ ‬الإجرائية‭ ‬للتكوين‭ ‬ككل‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الطريقة‭ ‬اللافتة‭ ‬لعرض‭ ‬هذه‭ ‬المكعبات‭ ‬التي‭ ‬تجعلها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسطح‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة،‭ ‬فإنّ‭ ‬تلقيها‭ ‬لا‭ ‬يتفاعل‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬جسد‭ ‬المتلقي‭. ‬فالمكعب‭ ‬وطريقة‭ ‬عرضه‭ ‬اللافتة‭ ‬هنا‭ ‬يمنحان‭ ‬المتلقي‭ ‬فرصة‭ ‬الرؤية‭ ‬المحورية‭ ‬لأشكال‭ ‬متعددة‭ ‬الآفاق،‭ ‬أي‭ ‬يكون‭ ‬كل‭ ‬شكل‭ ‬أفقاً‭ ‬مفتوحاً‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬آخر‭ ‬مرئي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قدرة‭ ‬المكعب‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬أسطح‭ ‬عدة‭ ‬إلى‭ ‬مجال‭ ‬رؤية‭ ‬العمل‭ ‬ككل‭.‬

‭ ‬المكعب‭ ‬نظام‭ ‬حركي‭ ‬منفتح‭ ‬للشكل‭ ‬على‭ ‬تنوعه‭ ‬وتعدد‭ ‬طرق‭ ‬رؤيته،‭ ‬لأن‭ ‬اللوحة‭ ‬المكعبية‭ ‬متعددة‭ ‬الأسطح‭ ‬تستأثر‭ ‬باشتراطات‭ ‬مختلفة‭. ‬فرؤيتها‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المتلقي‭ ‬الالتفاف‭ ‬لأجل‭ ‬لحم‭ ‬مشهد‭ ‬بآخر،‭ ‬وكذلك‭ ‬تأسيس‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬الزمن‭ ‬الضمني‭ ‬للأشكال‭ ‬وتحولاتها‭ ‬وارتباطاتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬المكعب‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬الفنانة‭ ‬مياسة‭ ‬السويدي‭ ‬التي‭ ‬وفقت‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬كل‭ ‬سطح‭ ‬على‭ ‬حدة‭ ‬وفي‭ ‬طريقة‭ ‬العرض،‭ ‬لكنها‭ ‬عزلت‭ ‬الأسطح‭ ‬المتعددة‭ ‬للوحات‭ ‬المكعب‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بتقديم‭ ‬خمس‭ ‬لوحات،‭ ‬فلماذا‭ ‬لا‭ ‬تفرد‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬سطحها‭ ‬الخاص؟‭! ‬أما‭ ‬جلبها‭ ‬إلى‭ ‬المكعب‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬لوحة‭ ‬متعددة‭ ‬الأسطح،‭ ‬فذلك‭ ‬يعني‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬وفي‭ ‬إجرائيات‭ ‬بنائه‭. ‬فاللوحة‭ ‬متعددة‭ ‬الأسطح‭, ‬وهي‭ ‬التسمية‭ ‬الأدق‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظري،‭ ‬تقدم‭ ‬الشكل‭ ‬وارتباطاته‭ ‬وحتى‭ ‬ممكناته‭ ‬المتنافرة‭ ‬معه،‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬شكلاً‭ ‬مرتبطاً‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬الشامل‭ ‬للرؤية‭ ‬ككل‭. ‬وهذه‭ ‬القضية‭ ‬تترجم‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬رؤية‭ ‬هكذا‭ ‬أعمال،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬عرضها‭ ‬وتقديمها‭ ‬للمتلقي‭ ‬وإرشاده‭ ‬إلى‭ ‬المسافة‭ ‬التشكيلية‭ ‬المناسبة‭. ‬

الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬اللافت‭ ‬فيما‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬الفنانة‭ ‬مياسة‭ ‬السويدي‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الفنانات،‭ ‬هو‭ ‬الإشارة‭ ‬الساذجة‭ ‬التي‭ ‬تجر‭ ‬الموقف‭ ‬النسوي‭ ‬إلى‭ ‬الأعمال‭ ‬الفنية‭. ‬هذا‭ ‬السلب‭ ‬الفني‭ ‬لا‭ ‬يجرد‭ ‬الفن‭ ‬من‭ ‬فنيته‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وأيضاً‭ ‬يقحم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬لا‭ ‬يخدمه‭. ‬هل‭ ‬تؤسس‭ ‬لوحات‭ ‬مياسة‭ ‬لرؤية‭ ‬نسوية‭ ‬إلى‭ ‬الأشياء‭ ‬مثلاً؟‭ ‬مجرد‭ ‬رصف‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬يظهر‭ ‬حجم‭ ‬الاستهانة‭ ‬بالمعرفة‭ ‬النقدية‭ ‬الخاصة‭ ‬بنظرية‭ ‬الفن‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحفية‭. ‬

فمجرد‭ ‬وجود‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬ألوان‭ ‬زاهية‭ ‬لا‭ ‬يؤسس‭ ‬لموقف‭ ‬نسوي‭. ‬هذا‭ ‬إن‭ ‬افترضنا‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬تصوراً‭ ‬خاصاً‭ ‬بالموقف‭ ‬النسوي‭ ‬لتجسيد‭ ‬الأشياء‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

‭ ‬معظم‭ ‬الأشكال‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬لوحات‭ ‬مياسة‭ ‬السويدي‭ ‬تؤسس‭ ‬لتضمين‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬الذات،‭ ‬وهو‭ ‬تضمين‭ ‬مؤسس‭ ‬على‭ ‬وضعية‭ ‬الشكل‭ ‬فحسب‭. ‬فالأشكال‭ ‬صريحة‭ ‬الإطار،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬تجاوزه‭ ‬ليكون‭ ‬الشكل‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬تثوير‭ ‬علاقات‭ ‬ارتباطاته‭ ‬بالأشكال‭ ‬الأخرى‭ ‬المحتملة‭ ‬له‭ ‬والكامنة‭ ‬فيه،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الخط‭ ‬في‭ ‬الجسم‭ ‬مجرد‭ ‬زاوية‭ ‬رؤية‭ ‬متحركة‭ ‬باستمرار‭. ‬بينما‭ ‬تثبت‭ ‬السويدي‭ ‬مشهد‭ ‬لوحاتها‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬صريحة‭ ‬لونياً‭ ‬وشكلياً‭. ‬

النشاط‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تقدمه‭ ‬السويدي‭ ‬بمعارضها‭ ‬ومشاركاتها‭ ‬الفنية،‭ ‬يجعل‭ ‬تجربتها‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬تحولات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التقنيات‭. ‬ما‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يؤسس‭ ‬بالتدريج‭ ‬لنمو‭ ‬خفي‭ ‬لأسلوب‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬اللوحة‭ ‬قد‭ ‬يترجم‭ ‬مستقبلاً‭ ‬في‭ ‬معرض‭ ‬شخصي‭ ‬قادم‭ .