إقليم أزيلال في المغرب الجنـان المعلقـة

إقليم أزيلال في المغرب  الجنـان المعلقـة

لإقليم‭ ‬أزيلال‭ ‬مداخل‭ ‬عدة،‭ ‬لعل‭ ‬أهمها‭ ‬وأجملها‭ ‬أن‭ ‬تأتيه‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬بني‭ ‬ملال‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬مراكش،‭ ‬وفي‭ ‬الكيلومتر‭ ‬20،‭  ‬تنعطف‭ ‬يساراً‭ ‬تجاه‭ ‬قرية‭ ‬أفورار،‭ ‬التي‭ ‬تستلقي‭ ‬فوق‭ ‬قدم‭ ‬الجبل،‭ ‬تدين‭ ‬هذه‭ ‬القرية‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬لسان‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬الخطيب،‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬تادلا،‭ ‬وسماها‭ ‬‮«‬تيط‭ ‬أفورار‮»‬‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬نفاضة‭ ‬الجراب‭ ‬وعلالة‭ ‬الاغتراب‮»‬،‭ ‬بازدهارها‭ ‬وتوسعها‭ ‬إلى‭ ‬مشروع‭ ‬سد‭ ‬بين‭ ‬الويدان،‭  ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬أربعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬التخطيط‭ ‬والتوجيه‭ ‬والإشراف‭. ‬

يربطها‭ ‬بحقينة‭ ‬السد‭ ‬نفق‭ ‬أرضي‭ ‬طوله‭ ‬تسعة‭ ‬كيلومترات،‭ ‬وقد‭ ‬اختيرت‭ ‬القرية‭ ‬أخيراً‭ ‬لاحتضان‭ ‬مشروع‭ ‬طليعي‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬بتقنية‭ ‬تدوير‭ ‬الماء،‭ ‬هو‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الطراز‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭.  ‬تمتلك‭ ‬القرية‭ ‬مؤسسة‭ ‬فندقية‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الرفيع،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬تصعد‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬الجبل‭ ‬المحاذي‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬يتراءى‭ ‬أمامك‭ ‬سهل‭ ‬تادلا‭ ‬بكل‭ ‬جلاله‭ ‬وخضرته‭ ‬وبهائه،‭ ‬مربعات‭ ‬فسيفسائية‭ ‬ممتدة‭ ‬حد‭ ‬البصر‭.‬

‭ ‬هنا‭ ‬صنعت‭ ‬هبة‭ ‬سد‭ ‬بين‭ ‬الويدان‭ ‬أول‭ ‬تجربة‭ ‬سقوية‭ ‬حديثة‭ ‬بالمغرب،‭  ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬هنا‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬حينئذ‭ ‬في‭ ‬ملصقات‭ ‬الدعاية‭ ‬بـ«كاليفورنيا‭ ‬المغرب‮»‬‭. ‬

 

تراث‭ ‬إنساني

تسير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬متعرجة،‭ ‬ما‭ ‬انفكت‭ ‬تصعد‭ ‬إلى‭ ‬السماء،‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬غابات‭ ‬ذات‭ ‬خضرة‭ ‬باهرة‭. ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬تدخل‭ ‬‮«‬جيوبارك‭ ‬مگون‮»‬،‭ ‬أول‭ ‬متنزه‭ ‬جيولوجي‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬اعترفت‭ ‬به‭ ‬اليونيسكو‭ ‬سنة‭ ‬2014،‭ ‬تراثاً‭ ‬إنسانياً‭ ‬ينبغي‭ ‬رعايته‭  ‬وصيانته‭. ‬يمتد‭ ‬المتنزه‭ ‬الجيولوجي‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬12000‭ ‬كلم²،‭ ‬وسط‭ ‬الأطلس‭ ‬المتوسط‭ ‬الأوسط،‭ ‬وهي‭ ‬مساحة‭ ‬تتوافر‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬علمية‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الجيولوجي،‭ ‬والأركيولوجي‭ ‬والثقافي،‭ ‬وكذا‭ ‬على‭ ‬مناظر‭ ‬طبيعية‭ ‬فاتنة‭. ‬بعد‭ ‬كيلومترات‭ ‬من‭ ‬الصعود،‭ ‬وحين‭ ‬تدرك‭ ‬القمة،‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬الانحدار‭ ‬تجاه‭ ‬حقينة‭ ‬السد،‭ ‬ترى‭ ‬نهراً‭ ‬أخضر‭ ‬يتهادى‭ ‬ببطء‭ ‬وسط‭ ‬خمائل‭ ‬الغابة‭ ‬الكثيفة،‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الجانبين،‭ ‬ثم‭ ‬ترى‭ ‬صرحاً‭ ‬إسمنتياً‭ ‬هائلاً‭ ‬يسد‭ ‬فجاً‭ ‬بين‭ ‬جبلين‭ ‬شاهقين،‭ ‬ويمسك،‭ ‬بجدارة،‭ ‬بحيرة‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬17‭ ‬كلم²‭.  ‬كان‭ ‬سد‭ ‬بين‭ ‬الويدان‭ ‬الذي‭ ‬تتغذى‭ ‬عليه‭ ‬روافد‭ ‬أودية‭ ‬عديدة،‭ ‬أهمها‭ ‬‮«‬وادي‭ ‬العبيد‮»‬،‭ ‬أكبر‭ ‬سد‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬نهاية‭ ‬أشغاله‭ ‬سنة‭ ‬1952‭ ‬حتى‭ ‬إنشاء‭ ‬سد‭ ‬المسيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬سنة‭ ‬1975،‭ ‬بطاقة‭ ‬استيعابية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مليار‭ ‬و200‭ ‬مليون‭ ‬متر‭ ‬مكعب‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬وفرت‭ ‬بحيرة‭ ‬السد‭ ‬المترامية‭ ‬مجالاً‭ ‬رحباً‭ ‬لهواة‭ ‬الصيد،‭ ‬والألعاب‭ ‬المائية‭ ‬لممارسة‭ ‬هواياتهم‭. ‬وقد‭ ‬شهدت‭ ‬جوانب‭ ‬البحيرة‭ ‬أخيراً‭ ‬استثمارات‭ ‬سياحية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬فنادق‭ ‬ودور‭ ‬للضيافة،‭ ‬توفر،‭ ‬لمن‭ ‬تستهويه‭ ‬المياه‭ ‬المحاطة‭ ‬بقمم‭ ‬الجبال،‭ ‬السكينة‭ ‬والهدوء‭ ‬النادرين‭. ‬حين‭ ‬تغادر‭ ‬السد‭ ‬باتجاه‭ ‬مدينة‭ ‬أزيلال،‭ ‬وكلما‭ ‬صعدت‭ ‬أرتك‭ ‬البحيرة‭ ‬جانباً‭ ‬منها،‭ ‬وتترك‭ ‬لك‭ ‬في‭ ‬تمنعها‭ ‬بألا‭ ‬تراها‭ ‬كاملة،‭ ‬إلا‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬القمة،‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬دلال‭ ‬الجمال‭ ‬الكامل‭. ‬

 

بنايات‭ ‬لا‭ ‬تخاصم‭ ‬الطبيعة

بعد‭ ‬كيلومترات‭ ‬عديدة،‭ ‬تجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أزيلال،‭ ‬حاضرة‭ ‬الإقليم،‭ ‬حيث‭ ‬مقر‭ ‬العمالة،‭ ‬والمصالح‭ ‬الإدارية،‭ ‬بساكنة‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭. ‬أزيلال‭ ‬بالأمازيغية‭ ‬تعني‭ ‬‮«‬الممر‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬المكان‭ ‬يدين‭ ‬للسوق‭ ‬الأسبوعية،‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬فيه،‭ ‬وللثكنة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬أنشأها‭ ‬المستعمر،‭ ‬لمراقبة‭ ‬القبائل‭ ‬المجاورة‭. ‬وبتحوله‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬لإدارة‭ ‬الإقليم،‭ ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬المدينة‭ ‬معبراً‭ ‬للسياح‭ ‬فقط،‭ ‬فقد‭ ‬تم‭ ‬إنشاء‭ ‬متحف‭ ‬جيولوجي‭ ‬كبير‭ ‬بها،‭ ‬ستحتضن‭ ‬أروقته‭ ‬هيكل‭ ‬الديناصور،‭ ‬الذي‭ ‬وجد‭ ‬بمنطقة‭ ‬تيلوگيت‭ ‬سنة‭ ‬1979،‭ ‬وكذا‭ ‬عينات‭ ‬من‭ ‬غنى‭ ‬التشكل‭ ‬الجيولوجي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬المتحف‭ ‬سيشكل‭ ‬قبلة‭ ‬للباحثين‭ ‬والعلماء‭ ‬المهتمين‭ ‬بالمنطقة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬مقاهي‭ ‬أزيلال،‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تحتسي‭ ‬كأس‭ ‬شاي‭ ‬بالنعناع،‭ ‬وأنت‭ ‬تتملى‭ ‬القمم‭ ‬المكللة‭ ‬بالثلوج‭ ‬طوال‭ ‬السنة،‭ ‬وتلحظ‭ ‬ذلك‭ ‬التحول،‭ ‬من‭ ‬بذخ‭ ‬الغابات‭ ‬الغامضة،‭ ‬والمتسترة‭ ‬على‭ ‬أسرار‭ ‬مهيبة‭ ‬إلى‭ ‬سطوة‭ ‬للندرة،‭ ‬والصخور‭ ‬الجرداء‭ ‬التي‭ ‬تشهر‭ ‬نقاء‭ ‬وطهارة‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬ينال‭ ‬منهما‭. ‬كانت‭ ‬الطرق‭ ‬تتجاذبك‭ ‬وتشهر‭ ‬غواية‭ ‬لا‭ ‬تقاوم‭.‬

نباتات‭ ‬لا‭ ‬تخاصم‭ ‬الطبيعة

‭ ‬توجد‭ ‬مدينة‭ ‬أزيلال‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬شبكة‭ ‬من‭ ‬المواقع‭ ‬الأثرية،‭ ‬والطبيعية‭ ‬والأركولوجية،‭ ‬أينما وليت‭ ‬وجهك،‭ ‬فثمة‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬أن‭ ‬يرى‭. ‬ونظراً‭ ‬لأن‭ ‬لوادي‭ ‬‮«‬أيت‭ ‬بوگماز‮»‬‭ ‬شهرة‭ ‬عالمية،‭ ‬ويرتاده‭ ‬سياح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم،‭ ‬فقد‭ ‬أخذت‭ ‬وجهة‭ ‬جنوب‭ ‬المدينة،‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬أيت‭ ‬بوگماز‭ ‬بسحر‭ ‬خاص،‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر‭ ‬ترى‭ ‬تلك‭ ‬البنايات‭ ‬الشاهقة،‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬كأنها‭ ‬قدت‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬والتراب‭ ‬المحيط‭ ‬بها،‭ ‬إنها‭ ‬المخازن‭ ‬الجماعية‭ ‬للقبائل،‭ ‬أو‭ ‬هي‭ ‬دور‭ ‬بعض‭ ‬الوجهاء،‭ ‬حيث‭ ‬برهنت‭ ‬العبقرية‭ ‬الأمازيغية‭ ‬في‭ ‬المعمار‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬في‭ ‬اجتراح‭ ‬بنايات‭ ‬لا‭ ‬تخاصم‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بل‭ ‬تخاصرها،‭ ‬وتحنو‭ ‬عليها‭. ‬ومن‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬تعبر‭ ‬مجاري‭ ‬ماء‭ ‬وترى‭ ‬سرب‭ ‬حجل‭ ‬أو‭ ‬مروراً‭ ‬خاطفاً‭ ‬لأرنب‭. ‬يهبك‭ ‬المشهد‭ ‬الأجرد‭ ‬الحاد‭ ‬والصامت‭ ‬خدر‭ ‬استسلام‭ ‬تام‭ ‬لهدهدة‭ ‬الطريق‭ ‬بالتواءاتها‭ ‬المدوخة،‭ ‬ثم‭ ‬يصعقك‭ ‬صوت‭ ‬ما‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬طائر‭ ‬وجل،‭ ‬جمال‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬راعية‭ ‬تعبر‭ ‬بقطيعها‭ ‬أمامك،‭ ‬حركة‭ ‬ما‭ ‬لكائنات‭ ‬استأنست‭ ‬بالقساوة‭ ‬الظاهرة‭ ‬للجبل‭ ‬واستأثرت‭ ‬بسخائه‭ ‬الباطني‭.‬

‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬وادي‭ ‬أيت‭ ‬بوگماز‭ ‬ولا‭ ‬يذهلك‭ ‬التناقض‭ ‬الصارخ‭ ‬بين‭ ‬جبل‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يملك‭ ‬إلا‭ ‬يباب‭ ‬صخوره‭ ‬ووادٍ‭ ‬طافح‭ ‬بالخضرة‭. ‬هنا‭ ‬تريك‭ ‬الطبيعة‭ ‬حديها‭ ‬حين‭ ‬تمنع‭ ‬بقساوة،‭ ‬وحين‭ ‬تعطي‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭. ‬هنا‭ ‬تتكئ‭ ‬الصحراء‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬جنة‭ ‬ممتدة‭ ‬حد‭ ‬البصر،‭  ‬حقول‭ ‬قمح‭ ‬وشعير‭ ‬وذرة‭ ‬وخضر‭ ‬وأشجار‭ ‬جوز‭ ‬باسقة‭ ‬وماء‭ ‬يختال‭ ‬في‭ ‬خيلاء‭ ‬من‭ ‬بيده‭ ‬أصل‭ ‬الحياة‭. ‬في‭ ‬وادي‭ ‬أيت‭ ‬بوگماز‭ ‬عليك‭ ‬برؤية‭ ‬شيئين‭: ‬مخازن‭ ‬سيدي‭ ‬موسى‭ ‬المعلقة‭ ‬في‭ ‬جرف‭ ‬منيع،‭ ‬عليك‭ ‬صعوده‭ ‬بتمهل‭ ‬لتجد‭ ‬كأس‭ ‬شاي‭ ‬في‭ ‬انتظارك‭ ‬يعدها‭ ‬شيخ‭ ‬وقور،‭ ‬مكلف‭ ‬بحراسة‭ ‬المخازن،‭ ‬وآثار‭ ‬خطى‭ ‬الديناصور‭ ‬في‭ ‬تبانت،‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬أيت‭ ‬بوگماز‭ ‬المآوي‭ ‬الجبلية‭ ‬وبها‭ ‬مدرسة‭ ‬لتكوين‭ ‬الأدلاء‭ ‬السياحيين‭ ‬الجبليين،‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تنام‭ ‬هناك‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬لتأخذ‭ ‬الطريق‭ ‬غير‭ ‬المعبدة‭ ‬نحو‭ ‬زاوية‭ ‬أحنصال‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬حوالي‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬متعرجة،‭ ‬ترى‭ ‬الزاوية‭ ‬ببناياتها‭ ‬الشاهقة‭ ‬المتعاضدة،‭ ‬تحفة‭ ‬معمارية‭ ‬تذهل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يراها،‭ ‬حتى‭ ‬إنها‭ ‬دفعت‭ ‬بعض‭ ‬الأجانب‭ ‬للإقامة‭ ‬الدائمة‭ ‬بها‭. ‬أسس‭ ‬سيدي‭ ‬سعيد‭ ‬أحنصال‭ ‬الذي‭ ‬تروي‭ ‬الرواية‭ ‬الشفوية‭ ‬أنه‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬آسفي‭ ‬هائماً‭ ‬على‭ ‬وجهه‭ ‬وأُرسِلَ‭ ‬له‭ ‬قِطٌّ‭ ‬يسير‭ ‬أمامه،‭ ‬تتبع‭ ‬القط‭ ‬حتى‭ ‬اختفى‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬الزاوية‭ ‬الحالي،‭ ‬ففهم‭ ‬أنه‭ ‬المكان‭ ‬الموعود‭. ‬طور‭ ‬ابنه‭ ‬يوسف‭ ‬الزاوية‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬وذاع‭ ‬صيتها‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬ووصل‭ ‬حتى‭ ‬الجزائر،‭ ‬حيث‭ ‬لها‭ ‬أتباع‭ ‬هناك‭. ‬كانت‭ ‬الزاوية‭ ‬هي‭ ‬موضوع‭ ‬بحث‭ ‬أرنست‭ ‬كيلنر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬صلحاء‭ ‬الأطلس‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬بلور‭ ‬نظرية‭ ‬الانقسامية‭ ‬التي‭ ‬ينتظم‭  ‬فيها‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي،‭ ‬بحسبه‭. ‬عرفت‭ ‬الزاوية‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيدي‭ ‬محا‭ ‬وشراسة‭ ‬تصديه‭ ‬للمستعمر‭ ‬الفرنسي‭. ‬إنها‭ ‬فضاء‭ ‬تقوى‭ ‬وتاريخ‭ ‬وعبر‭.‬

 

درر‭ ‬الطبيعة

بعد‭ ‬زيارة‭ ‬زاوية‭ ‬أحنصال،‭ ‬عليك‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أزيلال،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬تأخذ‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬مراكش،‭ ‬وبعد‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬تنعطف‭ ‬يميناً‭ ‬لتنزل‭ ‬نحو‭ ‬شلالات‭ ‬أوزود،‭ ‬أو‭ ‬نياگارا‭ ‬المغرب،‭ ‬الشلالات‭ ‬التي‭ ‬يندر‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬ملصقاً‭ ‬سياحياً‭ ‬دعائياً‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬صورتها‭ ‬فيه‭.  ‬صنفت‭ ‬الشلالات‭  ‬تراثاً‭ ‬وطنياً‭ ‬طبيعياً‭ ‬سنة‭ ‬1943،‭ ‬وقد‭ ‬تمكنت‭ ‬أخيراً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬من‭ ‬حولها‭ ‬حياة‭ ‬كاملة،‭ ‬فنادق‭ ‬ودور‭ ‬ضيافة‭ ‬ومطاعم‭ ‬وسوق‭ ‬للتبضع‭. ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬السيارات‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬شيئاً،‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تنزل‭ ‬حوالي‭ ‬سبعمائة‭ ‬دركة‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬أسفل‭ ‬الوادي‭ ‬وسط‭ ‬باعة‭ ‬التحف‭ ‬ومقاه‭ ‬شعبية‭ ‬تقدم‭ ‬الشاي‭ ‬والطاجين‭. ‬تنزل‭ ‬مأخوذاً‭ ‬بما‭ ‬تراه‭ ‬فيفاجئك‭ ‬رذاذ‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬وجهك‭. ‬ها‭ ‬أنت‭ ‬أمام‭ ‬إحدى‭ ‬درر‭ ‬الطبيعة،‭ ‬كميات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬تهوي،‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬جرف‭ ‬عال،‭ ‬مشكلة‭ ‬بانعكاس‭ ‬الشمس‭ ‬فيها،‭ ‬قوس‭ ‬قزح‭ ‬دائماً،‭ ‬تعشش‭ ‬أسراب‭ ‬حمام‭ ‬في‭ ‬الجرف‭ ‬وتهب‭ ‬المشهد‭ ‬بطيرانها‭ ‬الخاطف‭ ‬وهو‭ ‬يتلافى‭ ‬الماء،‭ ‬طعم‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للخليقة‭ ‬وهي‭ ‬تتبرعم‭. ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الدغل‭ ‬المحيط‭ ‬بالشلالات‭ ‬قردة،‭ ‬أفسدها‭ ‬الناس‭ ‬بتقديم‭ ‬الطعام‭ ‬لها،‭ ‬فصارت‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الممر‭ ‬النازل‭ ‬تمد‭ ‬قوائمها‭ ‬لكل‭ ‬عابر‭ ‬مثل‭ ‬متسولين‭ ‬محترفين‭.  ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الصعود‭ ‬دوماً‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬النزول،‭ ‬فإن‭ ‬الدرج‭ ‬الطويل‭ ‬يبدو‭ ‬لك‭ ‬كاختبار‭ ‬نصبه‭ ‬الشلال‭ ‬لإجبار‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يتمهل‭ ‬قليلاً‭.  ‬تصعد‭ ‬بخليط‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬ركب‭ ‬وهنة‭ ‬مترددة‭ ‬وقلباً‭ ‬يختلج‭ ‬فرحاً‭ ‬بالماء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يحدّه،‭  ‬بالماء‭ ‬حين‭ ‬يفيض‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬ويتطاير‭ ‬في‭ ‬الهواء‭.‬

‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬شلالات‭ ‬أوزود،‭ ‬خمسة‭ ‬كيلومترات،‭ ‬توجد‭ ‬قرية‭ ‬تناغملت،‭ ‬القرية‭ ‬المكسيكية‭ ‬كما‭ ‬يسميها‭ ‬أدلاء‭ ‬السياحة،‭ ‬دور‭ ‬مائلة‭ ‬مبنية‭ ‬بالتراب‭ ‬والحجر‭ ‬تحرسها‭ ‬نخلة‭ ‬شاهقة‭. ‬هنا‭ ‬أنشأ‭ ‬سيدي‭ ‬سعيد‭ ‬البوگمازي‭ ‬بائع‭ ‬الزيت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر،‭  ‬زاوية‭ ‬عرفت‭ ‬بكرامة‭ ‬وفرة‭ ‬زيتها،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬الناس‭ ‬كانوا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬طيور‭ ‬الزرزور‭ ‬تأخذ‭ ‬حبات‭ ‬الزيتون‭ ‬من‭ ‬أماكن‭ ‬نائية‭ ‬وتأتي‭ ‬بها‭ ‬لتلقيها‭ ‬قرب‭ ‬معصرة‭ ‬الزاوية‭. ‬عرفت‭ ‬تناغملت‭ ‬أيضاً‭ ‬بمكتبتها‭ ‬الزاخرة‭ ‬بالكتب‭ ‬والمخطوطات‭. ‬

ولأن‭ ‬الأمكنة‭ ‬مثل‭ ‬الأفكار‭ ‬يستدعي‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬فإن‭ ‬زيارة‭ ‬تناغملت‭ ‬تدعوك‭ ‬لزيارة‭ ‬أيت‭ ‬عتاب،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عنها‭ ‬إلا‭ ‬عشرين‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الشمال‭. ‬عرفت‭ ‬أيت‭ ‬عتاب‭ ‬ومنذ‭ ‬القديم‭ ‬بكونها‭ ‬مركزاً‭ ‬تجارياً‭ ‬وإدارياً،‭  ‬وعرفت‭ ‬أيضاً‭ ‬بوفرة‭ ‬أشجار‭ ‬اللوز‭ ‬والجوز‭ ‬والزيتون،‭ ‬وبها‭ ‬ضريح‭ ‬أحد‭ ‬حفدة‭ ‬المولى‭ ‬إدريس‭ ‬الأكبر‭ ‬وهو‭  ‬يحيى‭ ‬بن‭ ‬إدريس‭. ‬

 

موطن‭ ‬النسيج

من‭ ‬أيت‭ ‬عتاب‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬أولاد‭ ‬عياد،‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬عبر‭ ‬طريق‭ ‬مراكش‭ ‬نحو‭ ‬‮«‬بزو‮»‬‭ ‬الذائعة‭ ‬الصيت،‭ ‬لا‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تذكر‭ ‬بزو‭ ‬ولا‭ ‬تردد‭ ‬بداخلك‭ ‬مطلع‭ ‬قصيدة‭ ‬العلامة‭ ‬المختار‭ ‬السوسي‭ ‬في‭ ‬وصفها‭ ‬‮«‬أجنة‭ ‬الخلد‭ ‬هذه‭ ‬أم‭ ‬بزو‮»‬‭. ‬بزو‭ ‬واحة‭ ‬يانعة‭ ‬وسط‭ ‬جبال‭ ‬جرداء،‭ ‬بزو‭ ‬هبة‭ ‬عين‭ ‬تسمى‭ ‬تامدا،‭  ‬تعتقد‭ ‬النساء‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬بنت‭ ‬استعصى‭ ‬عليها‭ ‬الزواج‭ ‬استحمت‭ ‬في‭ ‬مائها‭ ‬فجراً،‭ ‬سترزق‭  ‬ببركتها‭ ‬زوجاً‭ ‬صالحاً‭. ‬تنقسم‭ ‬بزو‭ ‬إلى‭ ‬حيين‭ ‬كبيرين،‭ ‬باحي‭ ‬والمدرسة‭. ‬وهي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكل‭ ‬المغاربة‭ ‬موطن‭ ‬النسيج‭ ‬البزيوي‭ ‬الشفاف‭ ‬والمترقرق‭ ‬في‭ ‬بياضه،‭ ‬والذي‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬الملك‭ ‬الحسن‭ ‬الثانــــي‭ ‬
‭- ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬لباساً‭ ‬وطنياً‭.  ‬تقام‭ ‬فيها‭ ‬سوق‭ ‬أسبوعية‭ ‬عشية‭ ‬كل‭ ‬جمعة،‭ ‬بين‭ ‬صلاتي‭ ‬العصر‭ ‬والمغرب،‭ ‬يأتيه‭ ‬تجار‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب‭ ‬لشراء‭ ‬النسيج‭ ‬البزيوي‭. ‬المدينة‭ ‬معروفة‭ ‬أيضاً‭ ‬بثريدها‭ ‬الذي‭ ‬يحاكي‭ ‬نسيجها،‭ ‬وهو‭ ‬إحدى‭ ‬الأكلات‭ ‬النادرة‭ ‬التي‭ ‬تمزج‭ ‬المالح‭ ‬بالحلو،‭ ‬وذلك‭ ‬بخلطها‭ ‬لمرق‭ ‬الدجاج‭ ‬بالعسل،‭ ‬كما‭ ‬تشتهر‭ ‬بمكتبة‭ ‬زاوية‭ ‬سيدي‭ ‬الصغير،‭ ‬حيث‭ ‬عثر‭ ‬سنة‭ ‬1958‭ ‬على‭ ‬النسخة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الباقية‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬الجاحظ،‭ ‬‮«‬رسالة‭ ‬العميان‭ ‬والعرجان‭ ‬والبرصان‮»‬‭.‬

  ‬بعد‭ ‬مدينة‭ ‬بزو،‭ ‬تدعوك‭ ‬إليها‭ ‬حاضرة‭ ‬أخرى‭ ‬مجيدة‭. ‬تعبر‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إليها‭ ‬‮«‬فم‭ ‬الجمعة‮»‬‭ ‬و«تنانت‮»‬،‭ ‬وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬70‭ ‬كيلومتراً‭ ‬تدخل‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬دمنات‮»‬،‭ ‬حاضرة‭ ‬قبائل‭ ‬هسكورة‭ ‬الضاربة‭ ‬بجذورها‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬التاريخ،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬إحدى‭ ‬الروايات‭ ‬ذكرت‭ ‬أن‭ ‬عقبة‭ ‬بن‭ ‬نافع‭ ‬مر‭ ‬منها‭. ‬دمنات‭ ‬مشهورة‭ ‬بكونها‭ ‬مركزاً‭ ‬تجارياً‭ ‬مزدهراً،‭ ‬كان‭ ‬ينظم‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬مراكش‭ ‬وفاس،‭ ‬وبين‭ ‬السهل‭ ‬والجبل،‭ ‬وبكونها‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬المدن‭ ‬المغربية‭ ‬الآهلة‭ ‬باليهود،‭ ‬ومازالت‭ ‬أسوارها‭ ‬وأبوابها‭ ‬وبعض‭ ‬دورها‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬غناها‭ ‬ومجدها‭.  ‬دمنات‭ ‬مشهورة‭ ‬بخزفها‭ ‬وبدقتها‭ ‬الدمناتية‭ ‬وبفرق‭ ‬السماع‭ ‬والحديث‭ ‬فيها،‭ ‬وبكونها‭ ‬كانت‭ ‬إحدى‭ ‬بؤر‭ ‬المقاومة‭ ‬للاستعمار،‭ ‬فكثير‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬المقاومة‭ ‬الوطنية‭ ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬حمان‭ ‬الفطواكي،‭ ‬الفقيه‭ ‬البصري،‭ ‬وغيرهما‭. ‬

غير‭ ‬بعيد‭ ‬من‭ ‬دمنات،‭ ‬توجد‭ ‬قنطرة‭ ‬إيمي‭ - ‬ن‭-  ‬إيفري،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أعاجيب‭ ‬الطبيعة،‭ ‬حيث‭ ‬تمكن‭ ‬وادي‭ ‬محصور‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬وفرته‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحفر‭ ‬مجرى‭ ‬وسط‭ ‬التشكلات‭ ‬الجوراسية،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬تمكنت‭ ‬عيون‭ ‬وشلالات‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تراكم‭ ‬مستحثات‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬توحد‭ ‬الضفتين‭ ‬وتخلق‭ ‬مشهداً‭ ‬غريباً‭ ‬وساحراً‭. ‬القنطرة‭ ‬تعبرها‭ ‬الشاحنات‭ ‬المثقلة‭ ‬بالبضائع،‭ ‬ولا‭ ‬تكترث‭ ‬لذلك‭. ‬استوطنت‭ ‬تجاويف‭ ‬القنطرة‭ ‬أسراب‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الوطاويط‭ ‬تهب‭ ‬المكان‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬رهبة‭ ‬مكينة‭. ‬

من‭ ‬قنطرة‭ ‬إيمي‭ - ‬ن‭-  ‬إيفري‭ ‬تبدأ‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬دمنات‭ ‬بورزازات،‭ ‬وغير‭ ‬بعيد‭ ‬منها‭ ‬تجد‭ ‬موقع‭ ‬إيواريضن،‭ ‬حيث‭ ‬ترى‭ ‬آثار‭ ‬خطى‭ ‬الديناصور،‭ ‬وهو‭ ‬موقع‭ ‬بصيت‭ ‬عالمي،‭ ‬نجد‭ ‬فيه‭ ‬آثار‭ ‬الديناصورات‭ ‬اللاحمة‭ (‬التريبودوس‭) ‬والعاشبة‭ (‬السورابودوس‭). ‬وقد‭ ‬عمدت‭ ‬إدارة‭ ‬المتنزه‭ ‬الجيولوجي‭ ‬لحمايته‭ ‬وتسييجه‭. ‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لمن‭ ‬يزور‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال‭ ‬ألا‭ ‬ينقاد‭ ‬لغواية‭ ‬زيارة‭ ‬قرية‭ ‬مگداز‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬تساوت،‭ ‬رغم‭ ‬الطريق‭ ‬الوعرة‭ ‬وغير‭ ‬المعبدة‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إليها‭. ‬مگداز‭ ‬جوهرة‭ ‬المعمار‭ ‬الأمازيغي،‭ ‬وأنت‭ ‬تشرف‭ ‬عليها‭ ‬تكاد‭ ‬تحسب‭ ‬نفسك‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬عالم‭ ‬الخرافات‭ ‬العجيبة،‭ ‬عمارات‭ ‬شاهقة‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬وخمسة‭ ‬طوابق‭ ‬مبنية‭ ‬بالحجر‭ ‬والخشب‭ ‬فقط،‭ ‬حجر‭ ‬أحمر‭ ‬يتلألأ‭ ‬حين‭ ‬يلتقي‭ ‬بأشعة‭ ‬الشمس،‭ ‬فيبهر‭ ‬البصر،‭ ‬المجد‭ ‬لبناة‭ ‬هذه‭ ‬الشواهق‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬منها‭ ‬عوادي‭ ‬الزمن،‭ ‬الريح‭ ‬والأنواء‭ ‬والثلج‭. ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬البنايات‭ ‬تقريباً‭ ‬ترى‭ ‬لقالق‭ ‬تتأمل‭ ‬الأفق‭ ‬في‭ ‬أعشاشها،‭ ‬تبدو‭ ‬كحراس‭ ‬يقظين‭ ‬للمكان‭. ‬تدين‭ ‬مگداز‭ ‬بشهرتها‭ ‬لمعمارها‭ ‬ولشاعرة‭ ‬ولدت‭ ‬فيها‭ ‬وترعرعت‭ ‬وتشربت‭ ‬نورها‭ ‬الباهر،‭ ‬وانطلقت‭ ‬صادحة‭ ‬بأشعار‭ ‬تمجد‭ ‬حياة‭ ‬يومية‭ ‬شحذتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬وعصف‭ ‬التاريخ،‭ ‬إنها‭ ‬الشاعرة‭ ‬الأمازيغية‭ ‬مريريدة‭ ‬نايت‭ ‬عتيق،‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬محنة‭ ‬الدخول‭ ‬الدامي‭ ‬والمدمر‭ ‬للاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وأتقنت‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬صدمة‭ ‬أهلها‭ ‬لرؤية‭ ‬الآلة‭ ‬الفتاكة‭ ‬لجيش‭ ‬المستعمر‭. ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أعجب‭ ‬روني‭ ‬أولوج‭ ‬بأشعار‭ ‬مريريدة‭ ‬حين‭ ‬التقاها‭ ‬بأزيلال‭ ‬وترجمها‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسية،‭ ‬صارت‭ ‬لها‭ ‬شهرة‭ ‬عالمية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬السنغالي‭ ‬السابق‭ ‬سنغور‭ ‬قدم‭ ‬لديوانها‭ ‬‮«‬أغاني‭ ‬تساوت‮»‬‭. ‬مريريدة‭ ‬بالأمازيغية‭ ‬اسم‭ ‬لطائر‭ ‬صغير‭. ‬وأنت‭ ‬تغادر‭ ‬مگداز‭ ‬تتردد‭ ‬بداخلك‭ ‬أشعار‭ ‬مريريدة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬بساطتها،‭ ‬والمرحة‭ ‬في‭ ‬حزنها،‭ ‬والقوية‭ ‬حين‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬هشاشة‭ ‬كائنات‭ ‬اجتثت‭ ‬من‭ ‬محيطها‭. ‬

 

فكُّ‭ ‬العزلة

لاحظت‭ ‬وأنت‭ ‬تجوب‭ ‬مواقع‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال‭ ‬خصاصاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬وبالأخص‭ ‬الطرق‭ ‬المعبدة،‭ ‬ولاحظت‭ ‬غياب‭ ‬تجمعات‭ ‬سكنية‭ ‬كبيرة،‭ ‬فالمساكن‭ ‬مشتتة‭ ‬في‭ ‬المجال،‭ ‬مما‭ ‬يلقي‭ ‬بعبء‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬مستلزمات‭ ‬عيش‭ ‬كريم‭. ‬حملنا‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬إلى‭ ‬السيد‭ ‬خلا‭ ‬السعدي،‭ ‬وهو‭ ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الإقليمي‭ ‬لإقليم‭ ‬أزيلال،‭ ‬أستاذ‭ ‬وكاتب،‭ ‬فصرح‭ ‬بما‭ ‬يلي‭: ‬‮«‬مساحة‭ ‬الإقليم‭ ‬شاسعة‭ ‬جداً‭. ‬لذا،‭ ‬ورغم‭ ‬المجهودات‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬لفك‭ ‬العزلة‭ ‬عن‭ ‬الجماعات‭ ‬القروية‭ ‬وبعض‭ ‬الدواوير،‭ ‬فإن‭ ‬الخصاص‭ ‬كبير‭. ‬ففي‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬ومع‭ ‬تساقط‭ ‬الثلوج،‭ ‬تنقطع‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬تماماً،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬السلطات‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬تستعين‭ ‬بالهليكوبترات‭ ‬لإيصال‭ ‬المساعدات‭ ‬أو‭ ‬لإجلاء‭ ‬المرضى‭. ‬عرف‭ ‬الإقليم‭ ‬توسيعاً‭ ‬لشبكة‭ ‬الكهرباء‭ ‬التي‭ ‬غطت‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬المنازل،‭ ‬كما‭ ‬زودت‭ ‬تجمعات‭ ‬عدة‭ ‬بالماء‭ ‬الشروب،‭ ‬وتم‭ ‬تعميم‭ ‬التمدرس‭. ‬وتمكنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المبادرة‭ ‬الوطنية‭ ‬للتنمية‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نخلق‭ ‬بعض‭ ‬المشاريع‭ ‬المدرة‭ ‬للدخل،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬انتظارات‭ ‬السكان‭ ‬كبيرة،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنهم،‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬التمدرس‭ ‬والتلفاز‭ ‬ووسائل‭ ‬الاتصال،‭ ‬بدأوا‭ ‬يقارنون‭ ‬أوضاعهم‭ ‬بباقي‭ ‬مناطق‭ ‬المغرب‭. ‬وهكذا‭ ‬صار‭ ‬الإقليم‭ ‬يعرف‭ ‬أيضاً‭ ‬بمسيرات‭ ‬للسكان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬المناطق‭ ‬نحو‭ ‬مقر‭ ‬العمالة‭ ‬للمطالبة‭ ‬بتنمية‭ ‬تجمعاتهم‭ ‬السكنية‭ ‬وتوفير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تفتقده‭ ‬من‭ ‬مستلزمات‮»‬‭.‬

غنى‭ ‬ثقافي

ونظراً‭ ‬للمؤهلات‭ ‬الثقافية‭ ‬الهائلة‭ ‬للإقليم‭ (‬معمار،‭ ‬تراث‭ ‬شفوي،‭ ‬حلي،‭ ‬أشكال‭ ‬غنائية،‭ ‬وشم‭...)‬،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬العناية‭ ‬بها‭ ‬واستثمارها‭ ‬أن‭ ‬يشكلا‭ ‬إحدى‭ ‬رافعات‭ ‬التنمية،‭ ‬فقد‭ ‬التقينا‭ ‬بالسيدة‭ ‬خديجة‭ ‬برعو،‭ ‬مديرة‭ ‬دار‭ ‬الثقافة‭ ‬في‭ ‬أزيلال‭ ‬والمسؤولة‭ ‬عن‭ ‬التنشيط‭ ‬الثقافي‭ ‬بالمدينة،‭ ‬وسألناها‭ ‬عن‭ ‬مساهمة‭ ‬القطاع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال،‭ ‬فأجابت‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الغني‭ ‬الحقيقي‭ ‬للإقليم‭ ‬هو‭ ‬غنى‭ ‬ثقافي‭. ‬فللإقليم‭ ‬مؤهلات‭ ‬ثقافية‭ ‬كبيرة‭ ‬تشكل‭ ‬جاذبية‭ ‬للسياح‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بقاع‭ ‬العالم‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬التيارات‭ ‬الكبيرة‭ ‬للسياحة‭ ‬العالمية‭ ‬هو‭ ‬السياحة‭ ‬الثقافية،‭ ‬ولكون‭ ‬العرض‭ ‬الثقافي‭ ‬بالإقليم‭ ‬متنوعاً‭ ‬ويكاد‭ ‬يمس‭ ‬كل‭ ‬مكونات‭ ‬الشخصية‭ ‬المغربية،‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬تأهيل‭ ‬المواقع‭ ‬الأثرية‭ ‬وصيانتها‭ ‬وخلق‭ ‬بنية‭ ‬استقبال‭ ‬لائقة‭ ‬بها‭ ‬جذب‭ ‬آلاف‭ ‬السياح‭ ‬لها‭. ‬هذا‭ ‬الغنى‭ ‬الثقافي‭ ‬يطرح‭ ‬على‭ ‬وزارة‭  ‬الثقافة‭ ‬والجماعات‭ ‬المحلية‭ ‬والسلطات‭ ‬تحديات‭ ‬جمة،‭ ‬ويتطلب‭ ‬إمكانات‭ ‬مادية‭ ‬كبيرة‭. ‬وقد‭ ‬أنجزت‭ ‬الوزارة‭ ‬مشاريع‭ ‬ناجحة‭ ‬عدة‭ ‬لترميم‭ ‬بعض‭ ‬المخازن‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬أحنصال‭ ‬وفاخور‭ ‬ومكداز‭ ‬ورممت‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬سور‭ ‬دمنات‭ ‬التاريخي،‭ ‬لكن‭ ‬الخصاص‭ ‬كبير‭ ‬والمآثر‭ ‬الآيلة‭ ‬للسقوط‭ ‬كثيرة،‭ ‬وينبغي‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬الجميع‭ ‬لإنقاذها‮»‬‭. ‬

وأنت‭ ‬تودِّع‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال،‭ ‬كنت‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬المكان‭ ‬بطبيعة‭ ‬أهله‭ ‬ووداعتهم،‭ ‬بجماله‭ ‬الباهر،‭ ‬ووفرة‭ ‬الرزق‭ ‬فيه،‭ ‬بتنوع‭ ‬مناظره‭ ‬وغرابتها‭ ‬وسحرها،‭ ‬حُفر‭ ‬له‭ ‬مكان‭ ‬راسخ‭ ‬في‭ ‬قلبك،‭ ‬حياك‭ ‬الله‭ ‬أزيلال‭ ‬وحماك‭.  ‬لم‭ ‬تزر‭ ‬وادي‭ ‬أنرگي‭ ‬بمخازنه‭ ‬الجماعية‭ ‬ومنبسطاته‭ ‬التي‭ ‬تصلح‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الشتاء‭ ‬لاحتضان‭ ‬موقع‭ ‬للتزلج،‭ ‬ولا‭ ‬كاتدرائية‭ ‬أيت‭ ‬تلكيت،‭ ‬حيث‭ ‬برعت‭ ‬الطبيعة‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬صخرة‭ ‬عظيمة‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬كنيسة،‭ ‬ولا‭ ‬آيت‭ ‬بولي،‭ ‬ولا‭ ‬النقوش‭ ‬الصخرية‭ ‬بتيزي‭-‬ن‭- ‬تيغريست،‭ ‬ولا‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬يتلألأ‭ ‬بالمواقع‭ ‬الباهرة،‭ ‬مواقع‭ ‬لم‭ ‬يفسدها‭ ‬بعد‭ ‬تطور‭ ‬لا‭ ‬يبقي‭ ‬ولا‭ ‬يذر،‭ ‬ولا‭ ‬تحتاج‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬إلى‭ ‬حمايتها‭ ‬فقط،‭  ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬التعريف‭ ‬بها‭ ‬

حرث‭ ‬حقل‭ ‬حجري‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال

نساء‭ ‬يحصدن‭ ‬العدس‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال

مشهد‭ ‬غروب‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬آيت‭ ‬بوكماز‭ ‬بإقليم‭ ‬أزيلال

قنطرة‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬السكان‭ ‬لعبور‭ ‬مجرى‭ ‬الماء

بناء‭ ‬أمازيغي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬آيت‭ ‬محمد‭ ‬بإقليم‭ ‬أزيلال

أحد‭ ‬مربي‭ ‬النحل‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬أزيلال

بناء‭ ‬أمازيغي‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬أنركي

أطفال‭ ‬من‭ ‬آيت‭ ‬بوكماز‭ ‬

زاوية‭ ‬أحنصال‭ ‬