تظاهرة شكسبير

تعددت الرؤى ومحاولات كشف غموض ستة حروف بالعربية يرادفها أحد عشر حرفا بالإنجليزية، يتألف منها اسم شكسبير، لمعرفة إن كان شخصاً بشرياً حقيقياً عاش في مكان ما لفترة من الزمن، وتبارى الرسامون يحاولون تحديد بعض ملامحه بريشاتهم؛ وسواء أكان ما توصلوا إليه صحيحاً أم لا؛ تبقى قيمة الكتابات التي حملت اسمه فخلدته وأجمع عليها الحلفاء والأعداء، ليحتفلوا به بعد قرون عدة من ظهوره.
حدد العالم الاسكتلندي جيمس فرايزر بعضا من سمات الأسطورة, وذهب إلى أنها قَصص خارق لطبيعة الأمور يشوبه الغموض, ويغلب عليه الطابع الفلسفي العميق, والتأثير الاجتماعي الممتد لفترة طويلة من الزمن تصل لمئات أو آلاف السنين; وكلها أمور قلما نجدها في أشياء كثيراً ما يطلق عليها لفظ أسطورة, ولكنها تجعل من شكسبير الغامض وصاحب التأثير القوي المتعدد الأبعاد الثقافية والفنية والاجتماعية والسياسية أسطورة حقيقية وربما وحيدة في الألف عام الأخيرة.
بدأت في بعض الأماكن منذ عام; وفي أخرى منذ عامين بل وخمسة, استعدادات كبيرة للاحتفال بذكرى ميلاد الكاتب الإنجليزي ويليام شكسبير التي تحمل رقم 450, إلى جانب الطقوس ذاتها التي تقام سنوياً في مسقط رأسه ببلدة ستراتفورد الريفية بإنجلترا في السادس والعشرين من شهر أبريل, حيث يجتمع الآلاف من محبيه في بيته وكذا مدفنه والأركان المحيطة بهما.
وتختلف هذه الاحتفالات في طبيعتها ومضمونها وحتى المدة التي تستمر خلالها, فتقتصر في بعضها على يوم واحد وفي أخرى على أسبوع, لتمتد في فرنسا مثلا إلى ثلاث سنوات, لتختتم بذكرى رحيله رقم 400 عام 2016, حيث توفي عن عمر يناهز الثانية والخمسين, وتستمر طقوس ستراتفورد لأسبوع تنتهي بالتجمع في منزله مع إطلاق الألعاب النارية, ووصول الموكب القادم من الحديقة الكبرى وقوامه نحو ألف فنان من مختلف الأعمار, تصحبهم إيقاعات الغجر الموسيقية برعاية مسرح شكسبير الملكي.
ويشارك متحف فيكتوريا وألبرت العريق جماهير المملكة المتحدة في هذه الاحتفالية والذي يعود تأسيسه لعام 1852, من خلال غرفة خاصة عن حياة شكسبير بها مجموعة من مقتنياته, وتسجيلات لمقابلات مع المهتمين بحياته وأعماله, الذين وضعوا تصوراً لكيفية انتشارها وانتقالها من محلية المكان إلى العالمية عبر الزمان, واكتشاف أفكار جديدة مع كل معالجة, إلى جانب عرض مجموعة من الملابس الخاصة بشخصياته التي استخدمت في العروض خلال عصور مختلفة وغيرها من المشغولات اليدوية, بالإضافة إلى لوحة خاصة لأعمال شكسبير المترجمة بأكثر من 90 لغة.
لم يتجاوز شكسبير حدود الزمان والمكان فقط, ولكنه جمع بين الأعداء والأشتات الذين بادروا بعمل تظاهرات مشتركة للاحتفال به, ومنهم الجارتان الهند وباكستان, اللتان ستقيمان ماراثوناً من لاهور إلى بومباي, وكذلك سلسلة عروض مشتركة بين نظيرتيهما المتخاصمتين روسيا وجورجيا تقدم بمسارح منطقة أوسيتيا الحدودية, وفنزويلا وكولومبيا اللتين اتفقتا على تبادل عروض الشارع في ما بينهما, وغير ذلك مما ستكشف عنه الأيام من تضحيات أقبل عليها المثقفون والفنانون وخاصة آل المسرح من أجل شكسبير وذكراه.
في مسقط رأسه
بدورها التاريخي, استعادت بلدة ستراتفورد الكثير من سماتها التي كانت عليها في زمن شكسبير; أو ما يظن أنه كذلك, ففي الوقت الذي تسعى فيه كل بقاع الأرض وتسابق الزمن تطلعاً إلى الأمام, فإن هذه البلدة الريفية اختارت طواعية أن تعود إلى الخلف, حتى تسمح للجمهور الإنجليزي وغيره من القادمين من الخارج بمعايشة الأجواء التي عاش فيها شكسبير, ربما يتملكهم بعض من أفكاره ومشاعره, فيكتشفون الجديد عنه ويسهمون في حل بعض الألغاز المتعلقة به والتي مازالت غامضة.
يقصد عديد من محبيه وعشاق إبداعاته مسقط رأسه, حيث زاد عددهم هذا العام على المليون زائر, للمشاركة في احتفالية تقام سنوياً منذ مائتي عام من دون انقطاع برعاية جمعية شكسبير, حيث تستمر الأنشطة المختلفة لمدة أسبوع يشارك فيه كل فناني وسكان البلدة تقريبا, يستقبلون سفراء الدول وآلاف الزوار القادمين من مختلف أنحاء العالم, فيأخذونهم في جولات بشوارعها, تصحبهم موسيقى لا تنقطع, ويستمتعون بأنشطة متعددة تستمر لأربع وعشرين ساعة يومياً.
ممثل في زمن العار
تهيأت مدينة شكسبير لتذكر الزائرين بابنها عبر لوحات وكلمات على الجدران, بداية من أنه لم يهرب من مصيره, بل ذهب إليه طواعية, فعشقه للمسرح كان جارفاً, والذي تملكه من مراقبته للمارة في شوارع بلدته وطرقاتها, النساء والرجال, الصبية والعجائز, والتطلع إلى تعبيراتهم وردود أفعالهم المختلفة بتأمل وحيرة وتفكير طويل, حتى أدرك أحاسيسهم, فذهب يتقمص شخوصهم المختلفة بين رفقائه, وأخذه ذلك إلى التمثيل كهواية ومهنة أولى.
وكافح شكسبير كثيراً كممثل, واستطاع خلال ما يزيد على خمسة عشر عاماً أن يمسك بتلابيب هذه المهنة, بل والصناعة ككل, في وقت كانت فيه في الدرك الأسفل, بل ووصم العاملون فيها بالسمعة السيئة, وأفاده التمثيل في رسم الشخصيات والمشاهد أكثر من إجادته للغة, لذا وجبت رؤيته من منظور كونه ممثلا أولا ثم كاتبا بعد ذلك.
تناست الدراسات القديمة ما يتعلق بشكسبير كممثل بعد أن برز ككاتب وحتى بعد وفاته لفترة طويلة, نتيجة دنو قيمة ومنزلة الممثلين تماماً كما كان يطلق عليهم في العالم العربي «المشخصاتية», حيث انضم ويليام الشاب إلى إحدى الفرق المسرحية, في الوقت الذي كانت فيه السلطات الإنجليزية تطبق عليهم قانون التشرُّد, مما دفعهم للترحال من مكان لآخر هرباً من الشرطة التي كانت تطاردهم بضراوة تفوق مطاردتها للبغايا.
وما يزيد الأمر تعقيداً وألماً أن تلك كانت رؤية كُتاب المسرح أنفسهم في الممثلين, ودلل الكاتب روبرت جراي على ذلك عندما نقل ما جاء في مذكرات أحد كتاب العصر الإليزابيثي وقوله «إنهم لا يثقون بهم», ومن الوقائع المهمة التي كشف عنها أخيراً, أنه بعد وفاة شكسبير بربع قرن رفض الكاتب والفيلسوف الإنجليزي ذو الأصول الأرستقراطية جون أوبري تكريم شكسبير رغم اعترافه وتقديره لما قدمه ككاتب; كونه كان ممثلاً, إلى جانب أن والده كان صانع قفازات!
أثرت مهنته الأولى كممثل في مسيرته ككاتب, فمن ناحية كان شكسبير الكاتب الوحيد الذي وثق بالممثلين كونه كان واحداً منهم وأظهر ذلك في بعض كتاباته - ولكن بحرص شديد - مما أسهم في تغيير النظرة إليهم, كما جعله هذا يهتم بالتفاصيل الصغيرة للأشياء والأحداث, التي كثيراً ما كانت تظهر جوانب خفية بها, وتجعل رؤيتها مختلفة إلى حد النقيض.
ويستعين الممثلون بعديد من القواعد والنصائح التي تركها شكسبير للأجيال اللاحقة, منها أن الممثل يعد فاشلاً إذا أدرك المتفرجون أنه يمثل, وهي قاعدة أساسية لكل ممثل في المائة عام الأخيرة على الأقل, وأن كل تجربة يخوضها الممثل بمنزلة تحدٍ, عملاً بعبارة «أكون أو لا أكون» التي ارتبطت بشخصية هاملت, والتي تمثل بدورها بالنسبة للصاعدين من المؤدين بطاقة مرور نحو التمكن والاحترافية.
ليلة جوديفا
يضاف إلى براعة شكسبير في شعره ومسرحياته أن الحظ ابتسم له تاريخياً في ارتباطه ببعض الأحداث المهمة, سواء في حياته أو حتى بعد رحيله, بداية من بلدته التاريخية التي ولد فيها بمدينة كوفنتري, وحتى العام الذي توفي فيه, وشخصيات عاصرها في المملكة المتحدة وخارجها, وغيرها من الأمور التي تبلورت وتجمعت وجعلت منه أسطورة, ومن هذه الارتباطات التي ابتسم له الحظ فيها علاقته بالسيدة جوديفا.
فما بين الحقيقة والأسطورة, يؤمن أهل مدينة كوفنتري بقدر ورفعة السيدة جوديفا, التي يقال إنها سيدة أرستقراطية كانت تعيش في القرن الحادي عشر, ساءتها بشدة الضرائب الباهظة والظالمة التي فرضها زوجها على أهل المدينة, فامتطت حصاناً وهي عارية تماماً وسارت به في شوارعها تطلب السماح والمغفرة من أهلها, ونظير حبها وإخلاصها لهم, أقاموا لها تمثالاً ممتطية حصاناً ووضعوه بميدان يحمل اسمها وسط المدينة, بالإضافة إلى وجود غيره في بعض المتاحف.
كما اعتادوا إقامة احتفالية شعبية لها سنوياً بطرق وأساليب مختلفة ومبتكرة عاماً بعد عام لم تنقطع منذ تسعة قرون مضت, وفي محاولة من أهل المدينة لإظهار تقديرهم للسيدة جوديفا وشكسبير معاً, مزجوا بين الاحتفاليتين وجعلوا جوديفا جزءاً من احتفالات شكسبير في أسبوعه, مما اضطرهم إلى تغيير موعد خروجها إلى الشوارع.
مدارس الفنون
رغم الظروف المالية الصعبة والأزمات الاقتصادية التي يحاولون الخروج منها, إلى حد لجوء حكومة المملكة المتحدة إلى الاستقطاع من ميزانيات بعض المجالات الحيوية كالثقافة والفنون والدعوة إلى التقشف العام, فإنها لم تتراجع عن الاحتفال بشكسبير, وشكلوا لجنة وزارية رفيعة المستوى من أجل التخطيط لأسبوع من التظاهرات الرسمية بمشاركة شعبية.
ومن أجله تعاونت مؤسسات الدولة مع نظيراتها الأهلية, لوضع برنامج لأسبوع في شهر مارس يسبق احتفالات مدينة ستراتفورد حتى لا يتعارض معها, بمشاركة ما يزيد على ثلاثة آلاف مؤسسة تضم المدارس والمسارح والمواقع التاريخية والمعارض ودور السينما والمكتبات في جميع أنحاء المملكة المتحدة, وجعلوا منه «أسبوعاً للأطفال» كونهم الأحق بأن يعرفوا شكسبير ويستفيدوا منه, وأنها فرصة لغرس خبرات إبداعية فيهم وخلق حالة من الاحتكاك الثقافي خارج الحجرات المدرسية. وتقوم اللجنة بالتعاون مع جمعية شكسبير ومسرحه الملكي ومسرح جلوب بتقييم المواد الإبداعية الخاصة بالأطفال, والفائزون منهم في هذه المنافسة يحصلون على جواز سفر شكسبير, الذي يمكنهم من دخول مسقط رأسه خلال فترة الاحتفالات السنوية والمشاركة في المراسم.
جلوب خاص
استعان مسرح جلوب شكسبير بالفكر الجمعي, الذي يمثل عند الإنجليز المعاصرين أهمية كبيرة لأنه يفوق قدرة أكثر الأفراد عبقرية, حيث أعلنوا عبر موقعهم عن فتح الباب لتلقي الاقتراحات المختلفة لما يمكن أن يقدموه في احتفالية اليوبيل الذهبي التاسع لشكسبير, وكانت الجماهير عند حسن الظن, فانهالت عليهم الرسائل التي بلغت حتى الأول من يناير الماضي مليون رسالة ومقترح, فاختاروا الأفضل من بينها وما يمكن تنفيذه, ودعوا أصحاب الاقتراحات لمناقشتهم فيها, ليكشفوا عنها تباعاً ويفاجئوا بها الجمهور واحداً تلو الآخر, ومنها عروض في الهواء الطلق خارج مسرحهم بموقع فريد تم اختياره بجوار أحد الشواطئ.
وتتضمن أيضا عروضاً على ضوء الشموع من دون استخدام إضاءة كهربائية في محاولة لاستلهام المسرح في زمن شكسبير, ومنها عرض عن آخر نص كان يعكف شكسبير على كتابته ورحل من دون أن يكمله ولم يقدم من قبل في أي مسرح في العالم وهو «دوقة مالفي», الذي سيعيدون تقديمه في ما بعد على خشبة مسرحهم ويخرجون به في جولة بمسارح المملكة.
ومن الاقتراحات التي حازت قبولهم عمل معالجات جديدة للشكسبيريات, لهذا أتاحوا لمختلف كتَّاب المسرح الإنجليزي فرصة أن يتقدموا بمعالجاتهم الجديدة, واختاروا بعضها وأعلنوا عنها ومنها «تاجر البندقية» و«ترويض الشرسة», بالإضافة إلى «عطيل» التي بدأت عروضها, إلى جانب ما اقترحه مدير جلوب بالخروج بعرض «هاملت» في جولة عالمية في أكثر من مائة دولة تنطلق من نيودلهي وتستمر حتى عام 2016.
شغف فرنسي
من الطبيعي أن تهتم المملكة المتحدة وغيرها بشكسبير وذكرى ميلاده, ولكن ولع الفرنسيين به المبالغ فيه على المستويين الشعبي والرسمي بدا غريباً في ظل حالة التناحر التاريخية بين فرنسا وإنجلترا على كل المستويات وخاصة السياسية واللغوية, وكم الاحتفالات والبرامج الرسمية قبل أن تكون شعبية أو من قبل محبيه من المسرحيين والمثقفين, وأبرزها احتفاء وزارة الثقافة الفرنسية به لأسبوع كامل.
شكّلت الوزارة لجنة خاصة لوضع برنامج يشمل عشرات المحاضرات والموائد المستديرة وورش العمل والحلقات الدراسية حتى تخرج الاحتفالية مثمرة, إلى جانب عدد من الأحداث الفنية الموسيقية والتمثيلية في لوحة متكاملة.
ومن أبرز ما يتضمنه البرنامج الذي يشارك فيه عديد من البلدان من جميع أنحاء العالم, مجموعة من الفقرات بعنوان «حكايات شكسبير بالهندي», و«رقصات من وحي شكسبير», و«ثلاث قارات شو» لمجموعة من الفرق الجنوب إفريقية, بالإضافة إلى مائدة مستديرة رئيسية بمشاركة المخرجين لوك بوندي, جورج لافدان, جورج بانو وغيرهم, وسيناقشون شكسبير الحاضر لقرون عدة في مختلف الدول وفي شتى الفنون والآداب.
وتعقد مجموعة من الندوات لمناقشة الدراسات التي تقدمت بها جامعات عريقة كروان وكامبريدج, ومن هذه الدراسات «شكسبير والذاكرة الثقافية», «شكسبير في الثقافة الشعبية», «وجهات نظر قانونية», «شكسبير في السينما الفرنسية», «شكسبير وفيكتور هوجو وجها لوجه» والتي تناقش علاقتهما التي بدأت منذ عام 1864, بالإضافة إلى «شكسبير في الثقافة الشعبية البرازيلية».
وفي حلقة خاصة بدار أوبرا باريس, يناقش مجموعة من رواد الأدب والثقافة في ليلة الاحتفال بشكسبير, أوجه الشبه من حيث الفكر والاختلاف في الشعبية بين شكسبير ومارلو في ضوء نظريات علوم الأنثروبولوجي والفنون البصرية, ودرجة تأثير كل منهما في الثورة الفرنسية, بالإضافة إلى العديد من مظاهر الاحتفال في هيئة عروض مسرحية مميزة وغيرها من الأنشطة.
هوجو 1864
ويعود للأديب الفرنسي د.فيكتور هوجو الفضل في الاحتفال بذكرى ميلاد الإنجليزي شكسبير بعد أن ظلت مهملة لثلاث قرون من الزمن, بعيداً عن العداء التاريخي بين البلدين والتنافر بين أصحاب ذات المهن, وتعود قصته إلى ما قبل الذكرى الثالثة لميلاده بثلاث سنوات, حيث كان هوجو من عشاق شكسبير ويقدره حق تقدير من دون اعتبار للصراع والصدام الدائمين بين اللغتين الإنجليزية والفرنسية, ومن واقع بحثه الدءوب عن كل ما يخصه; أخذ يكتب قصته بالفرنسية.
بين فترة وأخرى, كان هوجو يسجل ما يتراءى له من قراءاته حتى انتهى من مخطوط أسماه «قصة ميلاد شكسبير», ثم جاهد حتى يتم نشر هذا الكتاب في أقرب وقت, وصادف أنه في عام مئويته الثالثة, فكتب إهداء خاصاً في مقدمته «إلى روح شكسبير في عيد ميلاده الثلاثمائة», فالتقط أحد الكتاب الإنجليز هذا الكتاب وحاز إعجابه, واستوقفته بعض العبارات فيه.
حمل هذا الكاتب كتاب هوجو عن شكسبير وعاد به إلى لندن ليهديه إلى مكتبة قصر سيدنهام آملا أن يهتموا به ويترجموه, فأخضعه المسؤولون هناك للفحص وفطنوا إلى أنه لا يفصلهم عن المئوية الثالثة لشكسبير سوى شهرين, واكتشفوا من خلال بعض مقتطفات وضع عليها الكاتب بعض العلامات أنهم لم يحتفلوا بالمئوية الأولى أو الثانية.
أسهب هوجو في ذلك عندما ذكر أن «الإنجليز لم يقدروا شكسبير كما يجب ولم يحتفلوا بمئويته الأولى عام 1664 لانشغالهم بالهتاف لتشارلز الثاني بعد إعدام كورومويل وبيعه مدينة دونكريك لابن عمه لويس الرابع عشر ملك فرنسا بربع مليون جنيه إسترليني, وتكرر الأمر في مئويته الثانية عام 1764, حيث ألهتهم معارك جورج الثالث في الولايات المتحدة وإعداده لمحاربة فرنسا عدوتهم الأزلية, بحجة أنها مدينة لهم بنحو 8 ملايين جنيه إسترليني ترفض الوفاء بها».
وهكذا استدرك الإنجليز الموقف متأخراً, فدعو إلى اجتماع استثنائي لرئاسة الحكومة التي أمرت بتشكيل لجنة خاصة للاحتفال بالمئوية الثالثة لشكسبير وعمل النصب التذكاري الذي كُشف النقاب عنه في 23 أبريل عام 1864.
رؤية يسارية
لم يكن تبلور بعد مصطلح «اليسارية» في أوربا والعالم خلال الفترة التي عاش فيها شكسبير, أو حتى بعد رحيله بما يقرب من مائة أو مائة وخمسين عاماً, وبالتالي فلا يمكن قبول ادعاء أن شكسبير كان يسارياً, ولكن آل اليسار وجدوا في ما ترك من كتابات ما يرضيهم ويخدم قضاياهم وفكرهم, بل أكد بعضهم أنه لو عاصر كارل ماركس لتبنى فكره, وذهب آخرون إلى أنه لو امتد به العمر لبات رفيقاً لجيفارا في السلاح, ولهذا يحتفل به هؤلاء وأولئك في ذكراه.
ولم تتجل يسارية شكسبير في المكسيك أو فنزويلا أو كوبا, ولكنها توهجت في العاصمة الفرنسية باريس, حيث نشطت الحركة الماركسية عبر مخرجها جان كريستوفر وهو أحد فرسان هذا الاتجاه الذي اختار مسرح «دي شامبز» وكتب معالجة خاصة على طريقة جيوشينو روشيني الذي استخلص بعض طرق العلاج النفسي من نص «عطيل» ليقدمها به, فذهب كريستوفر يجمع النطفات من مختلف الشخصيات وليس الشخصية الرئيسة فقط, واهتم في نصه الجديد بما تحدثه التفرقة في التعامل بين البشر لاختلاف عرقهم أو عقيدتهم أو لون بشرتهم, وما يخلقه من حنق وغضب عارم في الصدور, وما يولده من شك وريبة وعدم ثقة بالنفس, ويؤدي إلى عواقب وخيمة يذهب ضحيتها الشخص المنبوذ قبل غيره, ويخرج منه هذا في لحظة فارقة يصعب عليه في حينها التحكم في نفسه.
محراب العلماء
يحتل شكسبير مكانة رفيعة عند شباب الباحثين والعلماء الذين تحركوا لدراسة أعماله واستكمال ما بدأته دومينيك جوي, التي ادّعت أن هناك بحوراً من العلم في نصوص شكسبير الشعرية, وفي باريس التي تحولت إلى مدينة شكسبير في الفترة بين عامي 2014 و2016, قدمت جمعية شكسبير الفرنسية لرابطة العلماء هناك ما توصلت إليه جوي ليقيموه, الذين شرعوا في تقسيمه إلى محاور ودراسة كل منها على حدة, حيث تتولى دائرة بحثية مستقلة كل محور منها, واستعانت في ذلك بعلماء وباحثين متخصصين من جميع أنحاء العالم, ليجمعوا ما سيتوصلون إليه في وثائق, تتم مناقشتها خلال مؤتمر عنوانه «رسائل شكسبير العلمية».
نتج عن هذا المشروع كم هائل من الرسائل المتنوعة, ولضيق الوقت اختارت اللجنة عدداً منها يستحق العرض والمناقشة والنشر بعدد من الصحف المشاركة (ليفرس إبدو), (لوموند), (لوفيجارو), (فرانس كالتشر), (لاكروا) و(لومجازين ليتراير), وبدأت المناقشات ببحث «شكسبير والأرقام» لعالم الرياضيات ميشيل أودان, الذي كتب نسخاً قصيرة ومركزة من أعمال شكسبير ومنها «هاملت».
ومن الأبحاث والدراسات القيّمة التي عرضت «شكسبير عبر العصور» لأستاذ المسرح جورج بانو, الذي قدم دراسة مهمة من قبل عن بيتر بروك عام 2005, وأخرى لأستاذ الفنون الجميلة بيار برجونسكي وعنوانها «نمط شكسبير الجمالي», وكاتبة القصص القصيرة إيف بونفوري وبحثها «ما قل ودل عن شكسبير», التي سبق لها أن ترجمت أعمالا له من الإنجليزية للفرنسية, مثل «يوليوس قيصر», «هاملت» و«هنري الرابع».
وفي شأن آخر, قدمت عالمة النفس هيلين فيكواس دراسة مميزة عن شكسبير والخيال, وعلاقته بالتحليل النفسي, ولم يبتعد الناشر جاك داراس عن مجاله في دراسته التي اختار لها عنوان «شكسبير والمصطلحات», بالإضافة إلى دراستين مهمتين تقنياً, إحداهما للطبيب ميشيل لودوف عن تأثير شكسبير في الطب, وأخرى للمحامي والفيلسوف وعضو الأكاديمية الملكية البلجيكية فرانسوا أوست عن تأثيره في القانونين المدني والجنائي.
نساء ويل
وذهبت الممثلة والباحثة الأمريكية تينا باركر بروحها وعقلها إلى شكسبير وجعلته معلمها, فكانت تعود إلى مؤلفاته كلما احتاجت لاستشارة حتى باتت مرجعاً علمياً ووجدانياً لها, وتوّجت علاقتها به بتأسيس شركة مسرحية باسمه في مدينة لينوكس بولاية ماساتشوستس عام 1978, وأنتجت خلال سنوات عمر هذه الشركة خمسين عرضاً عن مسرحياته, وذهبت إلى المكسيك لتشارك في الاحتفال بذكرى ميلاده.
أعدت تينا عرضاً جديداً ومبتكراً, حيث جمعت بين الشخصيات النسائية التي تضمنتها مسرحيات شكسبير في نص واحد أطلقت عليه اسم «نساء ويل», رصدت فيه قدرة الكاتب الإنجليزي الفذة على إدراك أحاسيس ومشاعر المرأة وطبيعة تفكيرها في مختلف المواقف, وهو ما اتفق على صحته الكثير من النساء, بالإضافة إلى ظهور دراسات متعددة اعتمدت على ما جاء به, ومنها ما قامت به تينا نفسها كباحثة.
ومما رصدته باركر أن نساء شكسبير اتسمن بالإرادة القوية في الحق والباطل, والعاطفة الجياشة في الحب والكره, وكانت عنده مضحكة مرحة شرسة, صاحبة نظرة عميقة لنفسها وما تشعر به, تلك هي المرأة التي تستحق الاهتمام, ولهذا اهتم بها وأهمل ما دون ذلك, كما توقف كثيراً عند حالات الغيرة التي تختلف من حالة لأخرى, عند الأم غيرها عند الأخت.
واهتم شكسبير كثيرا بالعلاقات التي تقيمها كل امرأة مع غيرها ووصف ذلك بدقة, كوصفه لما تشعر به تجاه ابنها وكيف يمكنها أن تفرق بين حبها له وحبها لزوجها أو عشيقها, ومتى تتغلب مشاعرها تجاه أحدهما على الآخر, كما أبرز أنانيتها أحياناً, وتضحياتها برؤيتها الثاقبة لبعض الأمور, وتحمل المسؤولية أياً كان حجمها حتى المُلك والسلطة, كل هذا وأكثر تجسده تينا في ليلتها الخاصة التي انحنت في ختامها لمعلمها الجليل.
جذوره في ماينز الألمانية
ورث الإنجليز المعاصرون إرثاً ثقيلاً من العلاقات السيئة مع جيرانهم, ورصد الكثير من المؤرخين ذلك في ما يتعلق بعلاقتها بفرنسا, ولم تكن علاقتها بألمانيا أقل سوءاً, رغم الجذور الجيرمانية المشتركة, ويمتد ذلك إلى ما قبل حرب الثلاثة عشر عاماً التي لعبت فيها إنجلترا دوراً كبيراً لتفكيك الإمبراطورية الألمانية خلال الرايخ الأول, مروراً بعديد من المواجهات وصولاً إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية, ولكن الماضي المؤلم والعميق لم يؤثر في فكر الدوائر الثقافية الألمانية التي بدأت تحتفل بالذكرى السنوية لميلاد شكسبير تزامناً مع الإنجليز عام 1864, ففي ذلك العام شُكلت جمعية شكسبير الألمانية بمدينة ماينز التي أصبحت في ما بعد أكاديمية واحتفلت كذلك بمئويته الرابعة.
تقدم هذه الأكاديمية منذ قرن ونصف القرن كل ما يمكن من فعاليات ثقافية وفنية تتعلق بشكسبير ومختلف أعماله, حيث ترجموا جميع مسرحياته وأشعاره وكل كلمة كتبها أو حتى يرجح أنه قالها للألمانية, إلى جانب تجديد المبنى ومحيطه حتى أصبح قصراً فخماً ملحقاً به حديقة رائعة بأشجارها التي لا تسقط أوراقها صيفاً أو شتاء وتحتضن تمثالاً مميزاً ولا مثيل له لشكسبير.
وبهذه المناسبة وضعوا برنامجاً أقرب لمؤتمر علمي, أطلقوا عليه «مؤتمر العلوم والفنون الشكسبيرية» مدته ثلاثون يوماً تعقد فيه عديد من الندوات, من أهمها ما يناقش تأثير شكسبير في الثقافة الألمانية في المدارس والمسارح وحتى في اللغة, وقيمته العلمية, ودراسة خاصة عن المأساة في أشعاره والاختلاف بينه وبين أرسطو, إلى جانب بعض الأنشطة الشعبية في المدينة ومنها العناق الشعري, حيث يقوم الشباب بإلقاء بعض أجزاء من أعمال شكسبير الشعرية على الحضور ومنح المتميزين منهم جوائز رمزية, وإقامة معرض لمقتنياته التي جمعتها جمعية الآثار في المدينة بالتعاون مع الأكاديمية خلال القرن ونصف القرن الماضي.
هاملت على طريقة سارتر
وعلى طريقتها, قامت الكاتبة إيف بونفوري بزيارة مسرح 71 بمدينة مالاكوف الألمانية عدة أيام, وعرضت عليهم ترجمة خاصة لهاملت, تلامس فيها العصر الحديث بمعطيات شكسبير نفسها, من حيث الأطماع والصراع وتحمل المعاني المتعلقة بالأم التي يمكن أن تقتل فتذهب بوليدها إلى الموت مثلما وهبته الحياة, ورشحت لها إدارة المسرح المخرجة «لورا يوجوا», التي قامت بوضع التصاميم الخاصة والمعبرة والتي شجعت بونفوري على التعاون معها.
دارت مناقشات عدة بين بونفوري ويوجوا تستحق الاهتمام ليستفيد منها المتخصصون وغير المتخصصين كأطروحة الخوف من الموت وكيف يتحول معه المرء إلى وحش بشري, والتوقف عند العلامات الواضحة التي يجب الانتباه إليها من البشر كافة وليس الأطباء فقط لتشخيص المرض النفسي مبكراً.
وكذلك طرح مختلف عن العلاقة بين الهوية والضعف في الشخصية, فالهوية التي يكتسبها المرء في طفولته إن كانت قوية ومؤثرة تخلق منه قائداً صلباً, وإن أضفنا إليها الانتماء إلى شخص أو كيان أو إلى أي شيء ما كضرورة حتمية غيابها فذلك يعني فشل منظومة الإنسان وتوقع أسوأ النتائج; فإن كليهما يمكن أن يشكل قائداً صلباً وصالحاً.
واستحضرت بونفوري في معالجتها الجديدة روح ونهج سارتر في جانبين خلال هذا النص, أولهما أن فقد الهوية والانتماء يعني العدم والدونية التي تحصر المرء في بوتقة تأخذه إلى الطمع في الآخرين, ومحاولة الحصول على ما لديهم بشتى الطرق, ويصعب عليه مهما حاول غيره أن يخرج من الحصار, وثانيهما هو ربط هذه الأحداث بالزمن المعاصر كزمن مسرحي مأساوي يبدو من خلال الملابس والمتعلقات الخاصة بالشخصية, مع تنحية المكان الذي بات مبهماً إلا من باب بين عالمين يمكن لكل متفرج أن يفسره كما يتراءى له ولن يحدث ذلك فرقاً جوهرياً.
شكسبير النفيس
مثلما صنع الفراعنة التماثيل تكريماً وتخليداً لذكرى من يقدرونهم, ولأمور أخرى تتعلق بمعتقداتهم الدينية وإيمانهم بالبعث وغير ذلك, ظفر شكسبير بعدد من هذه التماثيل والمشغولات, ويشارك متحف الأرميتاج الروسي - أكبر متاحف العالم بمدينة الفن في سان بطرسبرج - بعمل نسخ طبق الأصل من التماثيل والعملات والميداليات الخاصة بشكسبير مرفق بها قصة كل منها لعرضها في مقرهم الرئيس والخروج بها أيضاً في جولة في فروعه بأمستردام ولندن ولاس فيجاس وفيرارا بإيطاليا وبرشلونة وغيرها.
الأب الروحي في بوينس أيرس
وإلى بقاع أخرى; عشق أهل مدينة بوينس أيرس شكسبير واعتبروه بمنزلة الأب الروحي, ولهذا دعموا الممثلة والمخرجة مرسيدس دي لا نوزي لتؤسس جمعية شكسبير الأرجنتينية عام 2011, بهدف فهم واستيعاب حياة وأعمال شكسبير والسير على دربه, إيماناً بأنه يمنح أفراد المجتمع روحاً مختلفة ممزوجة بالإنسانية والمواطنة, ويحثهم على التعاون والإيمان بالهوية, لتقدم أنشطتها طوال العام, والتي أعدت لاحتفالية خاصة.
ومن فعالياتها ندوة للمحاضر الجامعي أوجستو فرنانديز الذي يناقش فيها ويقدم لكتاب عن شكسبير لمواطنه خورخي لويس بورفيس الذي عشقه بدوره, واعتقد أنه أحب الكون ككل فكتب له, إلى جانب قراءة لترجمة خاصة لمسرحيات «الملك لير», «عطيل», «روميو وجولييت», بالإضافة إلى تسليط الضوء على المحاضرة الشهيرة التي ألقاها بورفيس عنه في مكتبة فولجر بواشنطن, وترعى المؤسسة أيضا قراءة شعرية خاصة بالمسرح الوطني لمسرحية «عطيل» والتي استعان فيها مخرجها جورج أوزموندي بإرشادات شكسبير المكتوبة على هامش النسخة الأصلية, التي حصلت المؤسسة على بعض منها.
كما يكشف الطبيبان شيلا كافنجي وكيفن كورامبي عن مشروعهما «عالم شكسبير», الذي استخدموا فيه كل وسائل التكنولوجيا لجمع كل ما يخص شكسبير وأعماله حول العالم, وهو خاص بطلبة الجامعات ومتاح بعشر لغات.
الأوراق تتحدث
ومن الأحداث البصرية إلى الكتابات; ربطت الدراسات المتخصصة بين إبداعات شكسبير الشعرية المسرحية وعديد من العلوم من فلك إلى قانون وديانات وعلوم الإنسان والنفس والاجتماع وحتى الفيزياء والكيمياء, واستثمرتها جمعية شكسبير الإنجليزية التي ترعى الاحتفالات السنوية وأعلنت عن دعوة عامة ومفتوحة لكل من يرغب في تقديم أبحاث تتعلق بعلاقة شكسبير بالعلوم الأخرى, وبدأوا في تلقي الأوراق خلال الشهور الستة السابقة للاحتفالية, بعدها حددوا موعداً لعقد حلقات تقييم لها.
وفي الموعد المحدد استعرض الباحثون القادمون من بلدان بعيدة ما توصلوا إليه وسجلوه في دراساتهم, بداية من الأمريكي رحيل رودمان الذي تناول ارتباط أربع وعشرين من شخصيات شكسبير ببعض العلوم ومنها الفلك, فأطلق على بعض الأقمار أسماء بعضهم مثل أورانوس, كما استفاد علماء علم الوراثة بوصفه لذبابة الفاكهة في المختبر, ومثلهم علماء الأحياء الذين أطلقوا على جين الجهاز العصبي اسم هاملت, إلى جانب أوصاف بعض الحيوانات والنباتات الدقيقة وأمراض كالنقرس والزهري اللذين ساهم في اكتشافهما.
ومن جنوب أفريقيا إيريك هاربر وبحثه «الدين والوثنية في مسرحيات شكسبير», وناقش ردود فعل شكسبير تجاه البروتستانت وتأثيره في التمرد الكاثوليكي ومنظوره تجاه الوثنية, والثنائي الفرنسي ميليسا روتيه ودوجلاس لانير ودراستهما عن شكسبير في الأفلام الفرنسية وعن نصوصه, والكوري الجنوبي كانج كيم الذي تناول شكسبير والثقافة الشعبية.
وعرض الثنائي الأمريكي أريان بالازيت ومارسيل كوستوفا علاقة شكسبير بالعولمة عندما عبر الحدود بكتاباته, فذهب بها إلى المغرب والدنمارك والهند ومعه قراؤه وجمهور مسرحه, وبيّن لشريحة كبيرة منهم إمكان اندماج البشر بصرف النظر عن المكان الذي ينتمون إليه وتشابههم في أمور كثيرة تجعل العالم قرية صغيرة.
وفي بحثهما «حيوات متعددة لشكسبير» عدّد الثنائي الإيطالي باولا بوجلتي ووليم ليهاي المرات التي عاشها شكسبير وبلغت سبعاً, أولاها ما عاشه لحماً ودماً, ثم ست مرات أخرى خلال ما يقرب من أربعمائة عام, ففي كل مرة يتناول كاتب من جيل ما شكسبير برؤية مختلفة ويسير على دربه آخرون لمدة قد تصل خمسين عاماً أو أكثر ويولد من جديد, وهكذا حتى شكسبير المعاصر الذي يحتفلون بميلاده رقم 450 في انتظار حياته الثامنة.
أرفين تكتب ب
وكتبت عنه الصحفية البريطانية فيرن أرفين في مجلة مسافر بحب شديد وبدا هذا من انتقائها لكلماتها المتشبعة بالعاطفة والشجون إلى حد ما, وبدأتها بقولها «ينمو ارتباط الإنجليز ومن يتعلمون الإنجليزية بشكسبير رويدا, فيبدأ مع الصغار بمقت في أحيان كثيرة وملل من دروس اللغة التي يحتل جزءاً كبير منها, ولكن خروج الملايين للاحتفال به يؤكد أن الحب بعد المقت والملل الشديد لا مثيل له».
واستطردت «ولد شكسبير في العام نفسه الذي وهب الرب فيه العالم جاليليو أيضا, أي منذ 450 عاماً وتوفي منذ 400 عام تقريبا, حيث عاش نحو اثنين وخمسين عاماً فقط, وفي هذه السنوات القليلة أضاف مئات إن لم يكن آلاف الكلمات إلى معاجم اللغة الإنجليزية, أذكر منها «دورنايل» والتي معناها جثة هامدة, «لافينج ستوك» وتعني أضحوكة, «فير بلاي» ومعناها الإنصاف, «نايزر هير نور زير» ومعناها لا هنا ولا هناك, وكتب مسرحيات مازالت قادرة على أن تمس قلوب وعقول الجماهير جيلاً بعد جيل وفي كل لغة منطوقة بكوكب الأرض».
وأضافت «يجب أن نقرأ شكسبير بتمعن ونتأمل الكفاح في قصة حياته, وقيمة السعادة بعد الشقاء والكفاح والبؤس, فمن دون نضال وحزن لن نشعر بالسعادة واللذة في النجاح, ويمكننا أن نتعلم منه أن نبتسم وقت الضيم, وألا نفرط وقت الرخاء, دروس غالية نحتاج إليها بشدة هذه الأيام» ■
برنامج جلوب شكسبير, الذي يهتم باستعادة وعرض أعمال شكسبير