منتجات صديقة للبيئة من مخلفات البيئة

منتجات صديقة للبيئة من مخلفات البيئة

هل‭ ‬خطر‭  ‬بذهن‭  ‬أحدنا‭ ‬أن‭ ‬إطارات‭ ‬السيارات‭ ‬البالية‭ ‬والمهترئة‭ ‬وهي‭ ‬الضارة‭ ‬للبيئة،‭ ‬وخاصة‭ ‬عندما‭ ‬تُرمى‭ ‬بالشوارع‭ ‬أو‭ ‬تحرق‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬والتظاهرات،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬أدوات‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة،‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نستفيد‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬الخضار‭  ‬والفاكهة‭ ‬والمياه‭ ‬وأن‭ ‬نعرضها‭ ‬في‭ ‬صالوناتنا‭ ‬كمشهد‭ ‬تراثي‭ ‬جميل؟

في‭ ‬ورشته‭ ‬الصغيرة‭ ‬بشارع‭ ‬السويقة‭ ‬بين‭ ‬الباب‭ ‬الصغير‭ ‬وباب‭ ‬مصلى‭ ‬بمدينة‭ ‬دمشق‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬سور‭ ‬وبوابات‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬يجلس‭ ‬السوري‭ ‬مصطفى‭ ‬الحموي‭ ‬الملقب‭ ‬بـ‭ ‬اأبو‭ ‬حسنب‭ (‬44‭ ‬عاماً‭) ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬معدني‭ ‬بين‭ ‬عشرات‭ ‬إطارات‭ ‬السيارات‭ ‬المطاطية‭ ‬المهترئة،‭ ‬يحاول‭ ‬تليين‭ ‬قساوتها‭ ‬وتحويلها‭ ‬لأعمال‭ ‬فنية‭ ‬وتراثية‭ ‬جميلة‭ ‬تكسر‭ ‬رتابتها‭ ‬ولونها‭ ‬القاتم‭ ‬وتعرجاتها‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬مع‭ ‬آلاف‭ ‬الكيلومترات‭ ‬التي‭ ‬قطعتها‭ ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬حافلة‭ ‬نقل‭ ‬كبيرة‭ ‬أو‭ ‬شاحنة‭ ‬أو‭ ‬سيارة‭ ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬الطرق‭.  ‬يروي‭ ‬مصطفى‭ ‬الأربعيني‭ ‬حكايته‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحرفة‭ (‬الهواية‭)‬،‭ ‬قائلاً‭: ‬تعود‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬الإطارات‭ ‬المطاطية‭ ‬وتحويلها‭ ‬لأعمال‭ ‬فنية‭ ‬وحرفية‭ ‬إلى‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬مضى،‭ ‬حيث‭ ‬تعلمتها‭ ‬من‭ ‬والدي،‭ ‬إذ‭ ‬أقوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سكين‭ ‬حادة‭ (‬سكين‭ ‬الكندرجية‭) ‬بتقطيع‭ ‬إطارات‭ ‬السيارات‭ ‬المستعملة‭ ‬المهترئة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬قولبتها‭ ‬بشكل‭ ‬يدوي‭ ‬لأحولها‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬يدوية‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬سلال‭ ‬مختلفة‭ ‬الأحجام‭ ‬والأشكال‭ ‬يمكن‭ ‬استخدامها‭ ‬للعرض‭ ‬والزينة،‭ ‬وتستخدم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬الخضار‭ ‬والفاكهة‭ ‬والموالح‭ (‬المكسرات‭)‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬زبائني‭ ‬هم‭ ‬بائعو‭ ‬الخضار‭ ‬وأصحاب‭ ‬المحامص‭ ‬والمزارعون‭ ‬الذين‭ ‬يعبئون‭ ‬فيها‭ ‬غلالهم‭ ‬من‭ ‬الجزر‭ ‬والبطاطا‭ ‬وغيرهما‭ ‬ويسوقونها‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬لبيعها‭ ‬على‭ ‬البسطات‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الهال‭ ‬والأسواق‭ ‬الشعبية‭.‬

‭ ‬وحول‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬يصنّعها‭, ‬يوضح‭ ‬أبوحسن،‭ ‬قائلاً‭: ‬أنظر‭ ‬لعملي‭ ‬كفن‭ ‬لا‭ ‬كحرفة‭ ‬فقط،‭ ‬ولو‭ ‬نظر‭ ‬الناس‭ ‬لمنتجاتي‭ ‬فلن‭ ‬يصدقوا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬معروض‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬إطار‭ ‬سيارة‭ ‬مهترئ‭! ‬فاللمسات‭ ‬الفنية‭ ‬تظهر‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السماكة‭ ‬وخياطتها‭ ‬والزخرفة‭ ‬عليها‭ ‬بالمادة‭ ‬الأولية‭ ‬نفسها،‭ ‬أي‭ ‬الكاوتشوك‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬الموديلات‭ ‬التي‭ ‬أقدّمها‭ ‬للناس،‭ ‬والنماذج‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬وجميعها‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالاً‭ ‬هندسية‭ ‬كالشكل‭ ‬البيضاوي‭ ‬بأبعاد‭ ‬محددة‭ (‬40‭*‬30‭ ‬سم‭)‬،‭ ‬والشكل‭ ‬الدائري‭ ‬مع‭ ‬حمّالات‭ ‬وكبسات‭ ‬أو‭ ‬خياطة،‭ ‬وتأخذ‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬لون‭ ‬الكاوتشوك‭ ‬المائل‭ ‬للسواد،‭ ‬مع‭ ‬إمكان‭ ‬تلوينها‭ ‬بألوان‭ ‬أخرى‭ ‬باستخدام‭ ‬الرش‭... ‬هناك‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬نماذج‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬وحي‭ ‬خيالي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خيال‭ ‬زبون‭ ‬ما‭ ‬يطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أنفذ‭ ‬له‭ ‬مقترحه‭, ‬ويمكنني‭ ‬حصر‭ ‬حوالي‭ ‬300‭ ‬نموذج‭ ‬صنعته‭ ‬خلال‭ ‬رحلتي‭ ‬مع‭ ‬الإطارات‭ ‬المطاطية،‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬أحد‭ ‬المهندسين‭ ‬المهتمين‭ ‬بمهنتي‭ ‬بعرضها‭ ‬في‭ ‬ملّف‭ ‬كامل‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت‭ ‬وفي‭ ‬كتاب‭ ‬خاص،‭ ‬ومنها‭: ‬دلو‭ ‬لرفع‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬البئر‭ ‬يعمل‭ ‬بشكل‭ ‬فني،‭ ‬حيث‭ ‬يعبئ‭ ‬المياه‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬البئر‭ ‬من‭ ‬فتحة‭ ‬في‭ ‬أسفل‭ ‬الدلو‭ ‬ومتى‭ ‬امتلأ‭ ‬يغلق‭ ‬وحده،‭ ‬وهناك‭ ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬اكمامة‭ ‬الخيلب،‭ ‬يضعها‭ ‬أصحاب‭ ‬الخيول‭ ‬العربية‭ ‬الأصيلة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الفرس‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬فتحات‭ ‬للتهوية،‭ ‬ولتناول‭ ‬المياه،‭ ‬وتستخدم‭ ‬عادة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬الفرس‭ ‬بعضّ‭ ‬صاحبها‭, ‬وهناك‭ ‬نموذج‭ ‬سطل‭ ‬البناء‭ ‬وغيرها‭, ‬ومع‭ ‬الأسف‭ ‬هناك‭ ‬تجّار‭ ‬يشترون‭ ‬مني‭ ‬هذه‭ ‬المنتجات‭ ‬بأسعار‭ ‬رخيصة‭ ‬ويقومون‭ ‬بتغليفها‭ ‬بشكل‭ ‬دعائي‭ ‬ويدونون‭ ‬عليها‭ ‬بضع‭ ‬كلمات‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬ويبيعونها‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وغيرها‭ ‬بأسعار‭ ‬مرتفعة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أشياء‭ ‬فلكلورية‭ ‬للعرض‭ ‬في‭ ‬الصالونات،‭ ‬حيث‭ ‬لها‭ ‬زبائنها‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬والدنمارك‭ ‬وغيرهما‭, ‬كما‭ ‬قام‭ ‬أحدهم‭ ‬بتصدير‭ ‬نموذج‭ ‬من‭ ‬منتجاتي‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬بأمريكا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬تجار‭ ‬أمريكيين‭ ‬شاهدوا‭ ‬أعمالي‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬الإنترنت،‭ ‬ليقوم‭ ‬مزارعو‭ ‬العنب‭ ‬هناك‭ ‬بوضع‭ ‬غلالهم‭ ‬من‭ ‬العناقيد‭ ‬فيها،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬يستخدمها‭ ‬لجمع‭ ‬الحطب‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬ذات‭ ‬شكل‭ ‬دائري‭ ‬واسع‭ ‬وجميل‭ ‬ويعتبرونها‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬السلال‭ ‬البلاستيكية‭ ‬وتلك‭ ‬المصنعة‭ ‬من‭ ‬القصب‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬مراحل‭ ‬العمل‭ ‬فهي‭ ‬كما‭ ‬يشرحها‭ ‬الحموي‭: ‬آتي‭ ‬بالإطار‭ (‬الدولاب‭) ‬المستعمل‭ ‬وأقصّه‭ ‬وأشرّحه‭ ‬إلى‭ ‬طبقات‭ ‬متعددة‭ ‬السماكة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أقوم‭ ‬بتطبيقها‭ ‬بشكل‭ ‬فني‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬سلّة،‭ ‬حيث‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬جهد‭ ‬ووقت‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬به‭ ‬لتتم‭ ‬عملية‭ ‬التصنيع،‭ ‬خاصة‭ ‬أنني‭ ‬أتعامل‭ ‬مع‭ ‬مادة‭ ‬قاسية،‭ ‬أي‭ ‬الكاوتشوك،‭ ‬ومع‭ ‬أدوات‭ ‬حادة‭ ‬كالسكين‭ ‬واالكازب‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬في‭ ‬تقطيع‭ ‬طبقات‭ ‬الكاوتشوك‭ ‬بشكل‭ ‬أرّق،‭ ‬وهناك‭ ‬الأزاميل‭ ‬وغيرها‭, ‬ولذلك‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬بهذه‭ ‬المهنة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صبوراً‭ ‬وأن‭ ‬يتحمل‭ ‬التعب‭ ‬والخطورة،‭ ‬حيث‭ ‬نتعامل‭ ‬بسكين‭ ‬ومسامير‭ ‬وأي‭ ‬خطأ‭ ‬وعدم‭ ‬انتباه‭ ‬ونحن‭ ‬نشرّح‭ ‬ونقطّع‭ ‬الدولاب‭ ‬قد‭ ‬يؤديان‭ ‬إلى‭ ‬انفلات‭ ‬السكين‭ ‬بقوة‭ ‬وارتدادها‭ ‬على‭ ‬الساقين‭ ‬لتصيبنا‭ ‬بجروح‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬أحياناً‭ ‬بليغة‭, ‬شاهد‭ ‬ساقيَّ‭ ‬سترى‭ ‬وكأنها‭ ‬خريطة؟‭! ‬يتنهد‭ ‬أبو‭ ‬حسن‭, ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬الإصابات‭ ‬بجروح‭ ‬وتقطيبها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬بقطب‭ ‬جراحية‭ ‬لدى‭ ‬المشفى‭ ‬أو‭ ‬عند‭ ‬الطبيب‭ ‬المختص‭. ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬العمل‭ ‬بهذه‭ ‬المنتجات‭ ‬يستحق‭ ‬المخاطرة‭ ‬والمجازفة؟‭! ‬إنها‭ ‬هواية‭ ‬وحرفة‭ ‬وعشقي‭ ‬لها‭ - ‬يبتسم‭ ‬أبوحسن‭ - ‬جعلني‭ ‬أتحمل‭ ‬مخاطرها‭ ‬فهي‭ ‬مهنة‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬ولها‭ ‬زبائنها‭ ‬الكثر‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المستخدمين‭ ‬ومنهم‭ ‬السياح‭ ‬خاصة‭ ‬الأجانب‭ ‬منهم‭.‬

 

‭ ‬حجر‭ ‬الصوّان‭ ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحجر‭ ‬صعب‭ ‬ومتعب‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬مدارس‭ ‬ومعاهد‭ ‬لتعلم‭ ‬أصول‭ ‬نحتها‭ ‬وتحوّلها‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬فنية‭ ‬مختلفة،‭ ‬فإنّ‭ ‬هناك‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬السوريين‭ ‬الذين‭ ‬تعاملوا‭ ‬مع‭ ‬الحجر‭ ‬بشكل‭ ‬فطري‭ ‬فقدموا‭ ‬نماذج‭ ‬فنية‭ ‬جميلة‭, ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نادر‭ ‬كالتعامل‭ ‬مع‭ ‬حجر‭ ‬الصوّان‭ ‬القاسي،‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬الحجري‭ ‬القديم‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬اكتشف‭ ‬خصائصه‭ ‬وطوّعه‭ ‬لخدمته‭, ‬فيما‭ ‬عمل‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬الدمشقيين‭ ‬أخيراً‭ ‬على‭ ‬تطويع‭ ‬حجر‭ ‬الصوّان‭ ‬لأغراض‭ ‬جمالية‭ ‬إبداعية‭ ‬وتزيينية‭, ‬ومنهم‭ ‬الحرفي‭ ‬الدمشقي‭ ‬عهد‭ ‬مسوتي،‭ ‬الذي‭ ‬تخصص‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الصوّان‭ ‬إلى‭ ‬أعمال‭ ‬جمالية‭ ‬إبداعية‭ ‬بأشكال‭ ‬وأحجام‭ ‬مختلفة‭ ‬وأقام‭ ‬لها‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬المعارض‭ ‬داخل‭ ‬سورية‭ ‬وخارجها‭. ‬يوضح‭ ‬عهد‭ ‬قائلاً‭: ‬إنّ‭ ‬تحويل‭ ‬البحص‭ ‬وحجر‭ ‬الصوان‭ ‬لأعمال‭ ‬فنية‭ ‬مهنة‭ ‬قديمة‭ ‬وكان‭ ‬القدماء‭ ‬يستخدمونها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬نماذج‭ ‬وأشكال‭ ‬وتحف‭ ‬رائعة،‭ ‬وهناك‭ ‬قطع‭ ‬أثرية‭ ‬منها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المتاحف‭ ‬وفي‭ ‬الأماكن‭ ‬الأثرية‭ ‬والتاريخية‭, ‬ومن‭ ‬منطلق‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬التراث‭ ‬مع‭ ‬تطويره‭ ‬بما‭ ‬يتلاءم‭ ‬مع‭ ‬العصر‭ ‬الحديث،‭ ‬عدنا‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬حجر‭ ‬الصواّن‭ ‬ونطوّر‭ ‬ونحدّث‭ ‬بتقنياتها‭ ‬ومفرداتها،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تهجينها‭ ‬بمواد‭ ‬أخرى‭ ‬كالبحص‭ ‬والزجاج‭ ‬والنحاس‭ ‬فتتحول‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬فنية‭ ‬فريدة‭ ‬ومتميزة‭.‬

‭-‬وكيف‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تهجينها‭ ‬وما‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬تمرّ‭ ‬بها؟

‭ ‬يبتسم‭ ‬عهد‭: ‬لابد‭ ‬أولاً‭ ‬من‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المادة‭ ‬الأولية‭ ‬وهي‭ ‬حجر‭ ‬الصوان،‭ ‬والتي‭ ‬نأتي‭ ‬بها‭ ‬بأحجام‭ ‬مختلفة‭, ‬أما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭  ‬بمراحل‭ ‬العمل‭ ‬فتتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إحضار‭ ‬الأحجار‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬المرحلة‭ ‬التالية‭ ‬وهي‭ ‬فرز‭ ‬الألوان،‭ ‬فحجر‭ ‬الصوان‭ ‬يتميز‭ ‬بتنوع‭ ‬كثير‭ ‬بألوانه‭ ‬فمثلاً‭ ‬في‭ ‬الكيس‭ ‬الذي‭ ‬نحضره‭ ‬وبه‭ ‬الحجر‭ ‬نكتشف‭ ‬حوالي‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬لوناً‭ ‬من‭ ‬الصوان‭, ‬ومنها‭ ‬الأبيض‭ ‬والأصفر‭ ‬والترابي‭ ‬وغيرها‭ ‬بدرجاتها‭ ‬المختلفة،‭ ‬وهناك‭ ‬ألوان‭ ‬خضيري‭ ‬على‭ ‬زرقاء‭. ‬كذلك‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬للصوان‭ ‬أنواعاً‭ ‬مختلفة‭ ‬حسب‭ ‬مصادرها،‭ ‬فهناك‭ ‬الصوان‭ ‬النهري‭ ‬والبحري‭, ‬وبعد‭ ‬مرحلة‭ ‬فرز‭ ‬الحجر‭ ‬حسب‭ ‬الألوان‭ ‬وهي‭ ‬المرحلة‭ ‬التحضيرية‭ ‬ننطلق‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬التالية‭ ‬والأهم،‭ ‬وهي‭ ‬تنفيذ‭ ‬العمل‭ ‬واللوحة‭, ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬إما‭ ‬باختيار‭ ‬المواضيع‭ ‬من‭ ‬خيالي‭ ‬محاكاة‭ ‬لأعمال‭ ‬قديمة‭, ‬وإما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يطلبه‭ ‬الزبون‭ ‬فهناك‭ ‬أشخاص‭ ‬يأتون‭ ‬إلينا‭ ‬ويطلبون‭ ‬أشكالاً‭ ‬محددة‭ ‬يريدون‭ ‬تنفيذها‭ ‬لهم‭. ‬

‭ ‬وتبقى‭ ‬النماذج‭ ‬التي‭ ‬عملت‭ ‬عليها‭ - ‬يشرح‭ ‬مسوتي‭- ‬نوعين‭ ‬وهي‭: ‬الهندسية‭ ‬والنباتية‭ ‬حيث‭ ‬العمل‭ ‬عليهما‭ ‬أسلس‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬الأخرى‭ ‬كالحيوانية‭ ‬والبشرية‭, ‬هنا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بذل‭ ‬الجهد‭ ‬الكبير‭ ‬والوقت‭ ‬الطويل‭ ‬حتى‭ ‬ننجز‭ ‬عملاً‭ ‬من‭ ‬حجر‭ ‬الصوّان‭ ‬وملحقاته‭ ‬لحيوان‭ ‬مثلاً‭, ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬خضت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬فعملت‭ ‬على‭ ‬نموذج‭ ‬لطير،‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تجربة‭ ‬متعبة‭ ‬جداً‭!‬

-‬وكيف‭ ‬تنطلق‭ ‬بتنفيذ‭ ‬اللوحة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬الحرفي‭ ‬اليدوي؟‭ ‬

يتنهد‭ ‬عهد‭ ‬قائلاً‭: ‬إنّ‭ ‬طريقة‭ ‬التنفيذ‭ ‬دقيقة‭ ‬جداً‭ ‬تتم‭ ‬باستخدام‭ ‬الملقط‭ ‬وهو‭ ‬الأداة‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬عملنا‭, ‬بالطبع‭ ‬فإن‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬تتم‭ ‬برسم‭ ‬اللوحة‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬قبل‭ ‬تنفيذها‭, ‬فهناك‭ ‬أفكار‭ ‬رئيسة‭ ‬نعمل‭ ‬عليها‭ ‬وهناك‭ ‬أعمال‭ ‬مبتكرة‭ ‬حسبما‭ ‬يشدّني‭ ‬الخيال‭ ‬إليه‭ ‬وتنتعش‭ ‬الذاكرة‭, ‬وبالتأكيد‭ ‬فأنا‭ ‬أستخدم‭ ‬الألوان‭ ‬الطبيعية‭ ‬للمواد‭ ‬الأولية‭, ‬كالزجاج‭ ‬والبحص،‭ ‬التي‭ ‬أمزجها‭ ‬وأدمجها‭ ‬مع‭ ‬الصوان‭, ‬وتتم‭ ‬طريقة‭ ‬الدمج‭ ‬والمزج‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تكسير‭ ‬البحص‭ ‬بألوانه‭ ‬المختلفة‭ ‬واستخدام‭ ‬االهاونب‭ ‬النحاسي،‭ ‬لأن‭ ‬المادة‭ ‬هنا‭ ‬صلبة‭ ‬والتكسير‭ ‬درجات‭ ‬حسب‭ ‬حجم‭ ‬البحصة‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬التكسير‭ ‬ومقاساتها‭ ‬المختلفة‭ ‬ونتحكم‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنخل،‭ ‬حيث‭ ‬نفرزها‭ ‬بقياسات‭ ‬متعددة،‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬النخل‭ ‬تنتج‭ ‬معنا‭ ‬درجات‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬البحص‭ ‬الناعم،‭ ‬التي‭ ‬نستخدمها‭ ‬لتنفيذ‭ ‬اللوحة‭, ‬وهي‭ ‬عادة‭ ‬تكون‭ ‬بأقطار‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬الصفر‭ ‬أي‭ ‬بمقياس‭ ‬الديزيم‭ ‬وحتى‭ ‬درجة‭ ‬صفر‭ ‬2‭, ‬فهذه‭ ‬الأحجار‭ ‬الناعمة‭ ‬والدقيقة‭ ‬جداً‭ ‬لها‭ ‬استخدامات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬نماذجنا‭ ‬ولوحاتنا‭ ‬فهي‭ ‬تغلق‭ ‬المسامات،‭ ‬وذلك‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تظهر‭ ‬الخلفية‭ ‬المستخدمة‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬أو‭ ‬الشبك،‭ ‬فمن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الأحجار‭ ‬الدقيقة‭ ‬نغلق‭ ‬كامل‭ ‬اللوحة‭.‬

  ‬لقد‭ ‬أنجزت‭ - ‬يتابع‭ ‬مسوتي‭ - ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬منذ‭ ‬تفرغي‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭ ‬اليدوي‭ ‬حوالي‭ ‬120‭ ‬عملاً‭ ‬بأحجام‭ ‬مختلفة‭ ‬ومواضيع‭ ‬متنوعة‭ ‬ومنها‭ ‬تراثية‭ ‬وخطوط‭ ‬عربية‭ ‬أو‭ ‬مناظر‭ ‬طبيعية‭ ‬ووجوه‭ ‬نسائية‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭, ‬وعادة‭ ‬المتر‭ ‬الواحد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬بحجر‭ ‬الصوان‭ ‬يستغرق‭ ‬مني‭ ‬حوالي‭ ‬شهر‭ ‬لتنفيذه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإنجاز‭ ‬لوحة‭ ‬أو‭ ‬مجسم‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتاً‭ ‬طويلاً‭ ‬وتحلياً‭ ‬بالصبر‭ ‬وبالاً‭ ‬طويلاً‭, ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬جرّبوا‭ ‬العمل‭ ‬بحجر‭ ‬الصوان‭ ‬ولكنهم‭ ‬تخلوا‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬قصيرة‭ ‬بسبب‭ ‬حاجته‭ ‬للجهد‭ ‬والتعب‭ ‬والوقت‭ ‬الطويل‭ ‬مع‭ ‬مردود‭ ‬مالي‭ ‬ضعيف،‭ ‬قياساً‭ ‬بحجم‭ ‬العمل‭ ‬به‭, ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬الأزمة‭ ‬الحالية،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سياح‭ ‬يشترون‭ ‬أعمالنا‭ ‬الفنية‭ ‬اليدوية‭ ‬والناس‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يقبلون‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬فهم‭ ‬يعتبرونها‭ ‬من‭ ‬الكماليات‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬محبي‭ ‬اقتناء‭ ‬اللوحات‭ ‬والنماذج‭ ‬اليدوية‭ ‬المتميزة‭ ‬وبعض‭ ‬أصحاب‭ ‬المطاعم‭ ‬والفنادق‭ ‬لعرضها‭ ‬كديكور‭ ‬فيها‭ ‬تعطي‭ ‬المكان‭ ‬تفرداً‭, ‬ولذلك‭ ‬برأيي‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬يعمل‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬عدد‭ ‬أصابع‭ ‬اليد‭ ‬الواحدة،‭ ‬ولولا‭ ‬عشقهم‭ ‬لهذه‭ ‬المهنة‭ ‬الفريدة‭ ‬لتخلوا‭ ‬عنها‭ ‬أيضاً‭.‬

 

حجر‭ ‬البازلت‭ ‬

‭ ‬تجربة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬السويداء‭ ‬جنوب‭ ‬سورية،‭ ‬حيث‭ ‬يقوم‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الحرفيين‭ ‬يستخدمون‭ ‬حجر‭ ‬البازلت‭ ‬القاسي‭ ‬وبلونه‭ ‬الطبيعي‭ ‬الأزرق‭ ‬المائل‭ ‬للسواد‭ ‬والذي‭ ‬تشتهر‭ ‬به‭ ‬منطقة‭ ‬جبل‭ ‬العرب،‭ ‬حيث‭ ‬مازالت‭ ‬تبنى‭ ‬به‭ ‬البيوت‭ ‬والقصور‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الرسمية‭ ‬والخاصة‭, ‬فيقوم‭ ‬هؤلاء‭ ‬وبجهد‭ ‬فردي‭ ‬بتحويله‭ ‬إلى‭ ‬نماذج‭ ‬إبداعية‭ ‬كمجسمات‭ ‬ولوحات‭ ‬فنية‭ ‬ومنها‭: ‬أدوات‭ ‬تراثية‭ ‬بشكلها‭ ‬المصغّر‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬يستخدمها‭ ‬السكان‭ ‬في‭ ‬الريف‭ ‬والمدينة‭ ‬كحجر‭ ‬الرحى‭ ‬لدق‭ ‬حبوب‭ ‬القمح‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬حبوب‭ ‬طرية‭, ‬وأباريق‭ ‬الشاي‭ ‬وبوابير‭ ‬الكاز‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستخدم‭ ‬بكثرة‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭, ‬ونماذج‭ ‬لمواقع‭ ‬أثرية‭ ‬من‭ ‬محافظة‭ ‬السويداء‭ ‬كبوابات‭ ‬شهبا‭ ‬وقوس‭ ‬النصر‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭, ‬ويتطلب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬حجر‭ ‬البازلت‭ ‬الصبر‭ ‬والتأني‭ ‬والقوة‭ ‬البدنية‭ ‬والعزم‭, ‬وتباع‭ ‬عادة‭ ‬هذه‭ ‬النماذج‭ ‬والمنحوتات‭ ‬كقطع‭ ‬تذكارية‭ ‬لعرضها‭ ‬في‭ ‬الصالونات‭ ‬المنزلية‭ ‬والمطاعم‭ ‬والمنشآت‭ ‬السياحية‭ .