«أستراليا والعرب»... استكشاف تاريخي مبكّر وانحياز كامل لإسرائيل

«أستراليا والعرب»... استكشاف تاريخي مبكّر وانحياز كامل لإسرائيل

من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إضاءةٍ،‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وأستراليا،‭ ‬فهذه‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬مكوّناً‭ ‬رئيساً‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الأنجلوساكسوني،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وكندا،‭ ‬ترتبط‭ ‬بعلاقات‭ ‬تاريخية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسها،‭ ‬وكانت‭ ‬لها‭ ‬مشاركة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬فعّالة‭ ‬في‭ ‬إنشائها‭ ‬عبر‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتتبنّى‭ ‬سياساتها‭ ‬مطلقاً‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬تام‭ ‬للحقوق‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.  ‬الكتاب‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الدوحة،‭ ‬للكاتب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬علي‭ ‬القزق‭ (‬مواليد‭ ‬1947‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬كلاجئ‭ ‬في‭ ‬سورية،‭ ‬وهاجر‭ ‬إلى‭ ‬أستراليا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬ومثّل‭ ‬فلسطين‭ ‬هناك‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1980‭ ‬و2006‭. ‬وهو‭ ‬بالتالي‭ ‬على‭ ‬معرفة‭ ‬بخبايا‭ ‬السياسة‭ ‬الأسترالية‭ ‬الدولية‭.‬

يبدأ‭ ‬الكتابتبمقدمةٍ‭ ‬وأربعة‭ ‬فصول،‭ ‬تتوزّع‭ ‬بين‭ ‬الخلفية‭ ‬التاريخية،‭ ‬والعلاقات‭ ‬الأسترالية‭- ‬العربية،‭ ‬والجالية‭ ‬اليهودية‭ ‬واللوبي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬والجاليات‭ ‬العربية‭. ‬هذه‭ ‬القارة‭ ‬البعيدة‭ ‬جغرافياً‭ ‬عن‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كانت‭ ‬حاضرةً‭ ‬في‭ ‬قضاياه‭ ‬على‭ ‬الدوام،‭ ‬وقد‭ ‬شاركتْ‭ ‬بحماسة‭ ‬في‭ ‬الحروب‭ ‬الحديثة،‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬حربَي‭ ‬الخليج‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬تبقى‭ ‬تفاصيل‭ ‬سياستها‭ ‬العربية‭ ‬مجهولةً‭ ‬لكثيرين،‭ ‬خصوصاً‭ ‬مع‭ ‬افتقار‭ ‬المكتبة‭ ‬العربية‭ ‬للدراسات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬وقد‭ ‬ذُهل‭ ‬الكاتب‭ ‬حين‭ ‬سمع‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عربياً‭ ‬يشيد‭ ‬بمواقف‭ ‬أستراليا‭ ‬االتي‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬مواقف‭ ‬معادية‭ ‬للعربب،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأكاديميين‭ ‬الأستراليين‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يهمس‭ ‬في‭ ‬أذن‭ ‬المؤلف،‭ ‬قائلاً‭: ‬اعلى‭ ‬الحكومة‭ ‬الأسترالية‭ ‬أن‭ ‬تمنحه‭ ‬وسام‭ ‬طمس‭ ‬التاريخ‭!‬ب‭. ‬

على‭ ‬أن‭ ‬المواقف‭ ‬المنحازة‭ ‬لم‭ ‬يمضِ‭ ‬عليها‭ ‬طويل‭ ‬زمن،‭ ‬بل‭ ‬مازالت‭ ‬ميداناً‭ ‬لتنافس‭ ‬الساسة‭ ‬الأستراليين،‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬أو‭ ‬المعارضة،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬مؤيدة‭ ‬بالمطلق‭ ‬للموقف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬والاستخفاف‭ ‬بالعرب‭ ‬برغم‭ ‬ما‭ ‬تربطها‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬مصالح‭ ‬تجارية‭ ‬كبيرة‭.‬

 

اكتشاف‭ ‬أستراليا‭ ‬والشعب‭ ‬الأصلي

تعود‭ ‬أصول‭ ‬سكان‭ ‬أستراليا‭ ‬الأصليين‭ ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬إذ‭ ‬استوطنوها‭ ‬قبل‭ ‬60‭ ‬إلى‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬سنة،‭ ‬حيث‭ ‬عاشوا‭ ‬حياةً‭ ‬بسيطةً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إليها‭ ‬الغربيون‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرنين‭. ‬

ويشير‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬اكتشفوها‭ ‬قبل‭ ‬الإنجليز‭ ‬بنحو‭ ‬550‭ ‬عاماً،‭ ‬فأقدم‭ ‬الخرائط‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬وجودها‭ ‬هي‭ ‬خرائط‭ ‬عربية‭ ‬وصينية،‭ ‬وأسموها‭ ‬االأرض‭ ‬الجنوبيةب‭. ‬كما‭ ‬كان‭ ‬البحّارة‭ ‬وصيادو‭ ‬السمك‭ ‬الإندونيسيون‭ ‬يزورونها‭ ‬ويتواصلون‭ ‬مع‭ ‬شعبها‭ ‬الأصلي‭ ‬بحكم‭ ‬القرب‭ ‬الجغرافي،‭ ‬وأقاموا‭ ‬علاقات‭ ‬تجارية‭ ‬معهم‭ ‬وتزوّجوا‭ ‬منهم‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬وصل‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬الأوربيين‭ ‬فهم‭ ‬البرتغاليون‭ ‬ثم‭ ‬الإسبان‭ ‬فالهولنديون‭ ‬الذين‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬اهولندا‭ ‬الجديدةب‭ ‬عام‭ ‬1606،‭ ‬لكنهم‭ ‬جميعاً‭ ‬لم‭ ‬يستقروا‭ ‬فيها،‭ ‬حتى‭ ‬حطّ‭ ‬البريطاني‭ ‬جيمس‭ ‬كوك‭ ‬رحاله‭ ‬على‭ ‬سواحلها‭ ‬عام‭ ‬1770‭ ‬فسحرته‭ ‬بجمالها‭ ‬وهدوئها‭. ‬

وفي‭ ‬عام‭ ‬1788‭ ‬وصلت‭ ‬أول‭ ‬دفعةٍ‭ ‬من‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وعددهم‭ ‬1500،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬السجناء‭ ‬والمجرمين‭ ‬الذين‭ ‬نفتهم‭ ‬حكومة‭ ‬لندن‭ ‬للتخلّص‭ ‬منهم،‭ ‬وليمهّدوا‭ ‬الأرض‭ ‬لاستقبال‭ ‬دفعاتٍ‭ ‬جديدةً،‭ ‬حيث‭ ‬أقاموا‭ ‬أول‭ ‬مستوطناتهم‭ (‬سيدني‭)‬،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬السكان‭ ‬الأصليين،‭ ‬الذين‭ ‬تعرّضوا‭ ‬للخطف‭ ‬والاستعباد‭ ‬والاغتصاب‭ ‬والقتل،‭ ‬ليس‭ ‬بالرصاص‭ ‬بل‭ ‬حتّى‭ ‬بالدقيق‭ ‬المسموم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عمّا‭ ‬نقلوه‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬جراثيم‭ ‬وأمراض‭ ‬معدية‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يمتلكون‭ ‬مناعةً‭ ‬ضدها‭. ‬وهكذا‭ ‬انقرض‭ ‬70‭ ‬إلى‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬750‭ ‬ألفاً،‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬بعد‭ ‬150‭ ‬عاماً‭ ‬سوى‭ ‬76‭ ‬ألفاً‭. ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهم‭ ‬رسمياً‭ ‬كمواطنين‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭. ‬

اليوم،‭ ‬يبلغ‭ ‬تعداد‭ ‬أستراليا‭ ‬22‭ ‬مليوناً،‭ ‬ومساحتها‭ ‬7.6‭ ‬ملايين‭ ‬كيلومتر‭ ‬مربع،‭ ‬وهي‭ ‬سادس‭ ‬أكبر‭ ‬دولة‭ ‬مساحةً‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬قارةٍ‭ ‬بأكملها،‭ ‬وتتبع‭ ‬التاج‭ ‬البريطاني‭. ‬وتصل‭ ‬أراضيها‭ ‬شبكة‭ ‬مواصلات‭ ‬ضخمة،‭ ‬ويربطها‭ ‬281‭ ‬مطاراً،‭ ‬عشرة‭ ‬منها‭ ‬دولية‭. ‬54‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬أراضيها‭ ‬مراعٍ‭ ‬طبيعية،‭ ‬و19‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬غابات،‭ ‬وتزخر‭ ‬بثروات‭ ‬معدنية‭ ‬هائلة‭. ‬أما‭ ‬الثروة‭ ‬البشرية‭ ‬فتعود‭ ‬أصولها‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬دولة،‭ ‬نصفهم‭ ‬مؤهلون‭ ‬جامعياً‭ ‬ومهنياً،‭ ‬في‭ ‬ظلّ‭ ‬نظام‭ ‬تعليمي‭ ‬متطور‭. ‬

 

السياسة‭ ‬الأسترالية‭ ‬والعلاقات‭ ‬مع‭ ‬العرب

ترتبط‭ ‬أستراليا‭ ‬بتحالف‭ ‬أمني‭ ‬استراتيجي‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ارتباطها‭ ‬مع‭ ‬جذرها‭ ‬الأول‭: ‬أوربا‭. ‬كما‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬قيادياً‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬الآسيوي‭ ‬والباسيفيكي،‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وسياسياً‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬ثقلها‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬الفحم‭ ‬والحديد‭ ‬والألمنيوم‭ ‬واللحوم‭ ‬والقمح،تتسعى‭ ‬إلى‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬السلع‭ ‬الجديدة‭: ‬الخدمات‭ ‬التحويلية‭ ‬المتقدمة‭ ‬والتقانة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الطبية‭ ‬والحاسوب‭ ‬والاتصالات‭ ‬والطيران‭. ‬

وشركاؤها‭ ‬الرئيسيون‭ ‬الصين‭ ‬واليابان‭ ‬والهند‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬فيما‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬علاقاتها‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وإفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭.‬

تومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬أول‭ ‬احتكاكٍ‭ ‬مع‭ ‬العرب‭ ‬عبر‭ ‬إرسال‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬السودان،‭ ‬لدعم‭ ‬اللورد‭ ‬البريطاني‭ ‬كيتشنر‭ ‬ضد‭ ‬الثورة‭ ‬المهدية‭ ‬عام‭ ‬1885،‭ ‬حيث‭ ‬اعتبرتها‭ ‬احرباً‭ ‬مقدسةب‭. ‬ثم‭ ‬شاركت‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬وقاتلت‭ ‬ضد‭ ‬العثمانيين‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬والأردن،‭ ‬ودخل‭ ‬17‭ ‬ألفاً‭ ‬من‭ ‬قواتها‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الجنرال‭ ‬اللنبي‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭. ‬وشاركت‭ ‬مرةً‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الثانية‭ ‬بالقتال‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وفلسطين‭ ‬وسورية‭ ‬ولبنان‭ ‬وليبيا‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬القوات‭ ‬مشرّبةً‭ ‬بالأفكار‭ ‬العنصرية‭ ‬المعادية‭ ‬للعرب،‭ ‬ودعمت‭ ‬أستراليا‭ ‬إنشاء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وكانت‭ ‬أول‭ ‬بلدٍ‭ ‬يصوّت‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬تقسيم‭ ‬فلسطين‭. ‬

في‭ ‬أزمة‭ ‬السويس‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬كانت‭ ‬أستراليا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬أيّدت‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثي‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬وصوّتت‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬القرار‭ ‬الأمريكي‭ ‬بانسحاب‭ ‬الدول‭ ‬المعتدية،‭ ‬فطرد‭ ‬عبدالناصر‭ ‬سفيرها،‭ ‬وأعلنت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مقاطعة‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬التي‭ ‬استضافتها‭ ‬نهاية‭ ‬ذلك‭ ‬العام‭. ‬أما‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1967،‭ ‬فأعلنت‭ ‬تضامنها‭ ‬التام‭ ‬مع‭ ‬اإسرائيلب،‭ ‬وفي‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1973،‭ ‬صرّح‭ ‬أحد‭ ‬سياسييها‭ ‬بأنه‭ ‬الو‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ ‬لألقى‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬العرب‭!‬ب،‭ ‬وفي‭ ‬الثمانينيات،‭ ‬كانت‭ ‬أستراليا‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬من‭ ‬دعا‭ ‬وسعى‭ ‬لإلغاء‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬الصهيونية‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العنصرية‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬عارضت‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬الذي‭ ‬يطالب‭ ‬بإزالة‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭. ‬

يأتي‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬المتصلب‭ ‬والمعادي‭ ‬للحقوق‭ ‬العربية،‭ ‬برغم‭ ‬أن‭ ‬الجالية‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬تشكّل‭ ‬3‭ ‬في‭ ‬المــــائة‭ ‬مــن‭ ‬السكان،‭ ‬فيما‭ ‬يشكل‭ ‬اليهود‭ ‬0.5‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬فقط،‭ ‬لكنهم‭ ‬يتمتّعون‭ ‬بالترابط‭ ‬وحسن‭ ‬التنظيم‭ ‬والعمل‭ ‬الجاد‭ ‬لنصرة‭ ‬قضاياهم،‭ ‬بينما‭ ‬يعاني‭ ‬العرب‭ ‬التشرذم‭ ‬والتشتت‭.‬‬

الجالية‭ ‬اليهودية

وصل‭ ‬أول‭ ‬يهودي‭ ‬إلى‭ ‬أستراليا‭ ‬عام‭ ‬1816،‭ ‬وبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬بعد‭ ‬ستين‭ ‬عاماً‭ ‬1000‭ ‬مستوطن‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬150‭ ‬ألفاً،‭ ‬وتضاعف‭ ‬عددهم‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬الذهب‭ ‬عام‭ ‬1850‭. ‬وهكذا‭ ‬امتلكوا‭ ‬مساحات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الممنوحة‭ ‬لتشجيع‭ ‬الاستيطان،‭ ‬واستطاعوا‭ ‬تأسيس‭ ‬المتاجر‭ ‬والمصانع‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬يملكونه‭ ‬من‭ ‬مهارات‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬والحرف‭ ‬وصناعة‭ ‬المجوهرات‭. ‬ويصل‭ ‬عددهم‭ ‬حالياً‭ ‬إلى‭ ‬120‭ ‬ألفاً،‭ ‬ويعيشون‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الرئيسة‭. ‬

وبرغم‭ ‬انقسامهم‭ ‬الاثني‭ ‬واللغوي‭ ‬والديني‭ ‬والسياسي،‭ ‬فإنهم‭ ‬يجمعهم‭ ‬التعصب‭ ‬للفكرة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬ويملكون‭ ‬نفوذاً‭ ‬كبيراً،‭ ‬بسبب‭ ‬التعبئة‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬صفوفهم،‭ ‬وقوة‭ ‬التنظيم‭ ‬والتضامن‭ ‬والعمل‭ ‬الجماعي‭. ‬

ففي‭ ‬ولاية‭ ‬فيكتوريا‭ ‬وحدها،‭ ‬يوجد‭ ‬116‭ ‬جمعية‭ ‬ومنظمة‭ ‬ونادياً‭ ‬يهودياً،‭ ‬تغطي‭ ‬معظم‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬قديمة‭ ‬الجذور،‭ ‬فـاالفيدرالية‭ ‬الصهيونية‭ ‬الأستراليةب‭ ‬أُسست‭ ‬عام‭ ‬1927،‭ ‬واالمجلس‭ ‬التنفيذي‭ ‬لليهود‭ ‬الأستراليينب‭ ‬أُسس‭ ‬عام‭ ‬1945،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬منظمات‭ ‬الشبيبة‭ ‬والطلبة‭ ‬والنساء،‭ ‬وبعضها‭ ‬ينفذ‭ ‬مشاريع‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وينظّم‭ ‬الرحلات‭ ‬ويجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬لدعمها‭. ‬

 

الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية

يستشهد‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬العرب‭ ‬للقارة‭ ‬الأسترالية‭ ‬قبل‭ ‬الأوربيين‭ ‬بخمسة‭ ‬قرون،‭ ‬بما‭ ‬تظهره‭ ‬بعض‭ ‬الخرائط‭ ‬القديمة‭ ‬لمحمد‭ ‬الخوارزمي‭ ‬وأبي‭ ‬إسحاق‭ ‬الفارسي،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬القرنين‭ ‬التاسع‭ ‬والعاشر‭ ‬الميلاديين،‭ ‬وتظهر‭ ‬خليج‭ ‬كاب‭ ‬يورك‭ ‬وسواحل‭ ‬شمال‭ ‬أستراليا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مهاجرين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬أستراليا‭ ‬مبكّراً،‭ ‬من‭ ‬عُمان‭ ‬وأفغانستان‭ ‬ومصر‭ ‬وإيران‭ ‬وتركيا،‭ ‬للعمل‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬المهن‭ ‬الشاقة،‭ ‬كالعمل‭ ‬بالبحر‭ ‬وقيادة‭ ‬قوافل‭ ‬الجمال‭ ‬في‭ ‬الصحارى،‭ ‬وبذلك‭ ‬ربطوا‭ ‬أنحاء‭ ‬القارة،‭ ‬ونقلوا‭ ‬البضائع‭ ‬بين‭ ‬أرجائها‭ ‬المتباعدة‭ ‬قبل‭ ‬وصول‭ ‬العربات‭ ‬الميكانيكية‭ ‬في‭ ‬الثلاثينيات‭. ‬وقد‭ ‬ذابوا‭ ‬في‭ ‬الخليط‭ ‬الأسترالي‭ ‬بعدما‭ ‬حُرّفت‭ ‬أسماؤهم‭ ‬لأخرى‭ ‬مسيحية‭. ‬

يبلغ‭ ‬تعداد‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬أستراليا‭ ‬اليوم‭ ‬340‭ ‬ألفاً‭ ‬حسب‭ ‬الإحصاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬2006،‭ ‬بينما‭ ‬يرجّح‭ ‬الكاتب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عددهم‭ ‬ضعف‭ ‬ذلك،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬ومصر‭ ‬وتركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬وباكستان‭. ‬ويشكل‭ ‬حملة‭ ‬الشهادات‭ ‬العليا‭ ‬نسبةً‭ ‬كبيرةً‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬ومعظمهم‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬ويمثل‭ ‬الإسلام‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬ديانة‭ ‬بعد‭ ‬المسيحية‭.‬

لقد‭ ‬ظلّ‭ ‬عدد‭ ‬العرب‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬أستراليا،‭ ‬حتى‭ ‬أواخر‭ ‬الخمسينيات‭. ‬وكانت‭ ‬الحروب‭ ‬عاملاً‭ ‬رئيساً‭ ‬لدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬البعيدة،‭ ‬بدءًا‭ ‬بحرب‭ ‬1967،‭ ‬والحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬1975،‭ ‬والاجتياح‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬1982،‭ ‬واجتياح‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬للكويت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬وحربَي‭ ‬العراق‭ ‬في‭  ‬عامي‭ ‬1991‭ ‬و2003‭. ‬وكل‭ ‬أزمةٍ‭ ‬كانت‭ ‬تدفع‭ ‬بموجةٍ‭ ‬جديدةٍ‭ ‬من‭ ‬المهاجرين،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬االعربيةب‭ ‬خامس‭ ‬لغةٍ‭ ‬في‭ ‬أستراليا‭.‬

هذا‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬يواجه‭ ‬نزعةً‭ ‬عنصريةً،‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬ساسة‭ ‬وإعلاميون‭ ‬وكتّاب‭ ‬أستراليون‭ ‬وإسرائيليون،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬المنشقين‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وسواهم،‭ ‬ممن‭ ‬استقطبتهم‭ ‬القوى‭ ‬الصهيونية‭ ‬واليمينية‭ ‬المتطرفة‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬عزلة‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرين‭ ‬فيعيشون‭ ‬في‭ ‬جزر‭ ‬منفصلة‭ ‬عن‭ ‬محيطهم‭ ‬الأسترالي،‭ ‬فيما‭ ‬يعيش‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬وُلد‭ ‬في‭ ‬أستراليا‭ ‬حالة‭ ‬شبه‭ ‬انفصام‭ ‬بين‭ ‬عالم‭ ‬البيت‭ ‬والمحيط‭ ‬الواسع،‭ ‬ويمر‭ ‬بفترة‭ ‬انتقالية‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الغرباء‭ ‬إلى‭ ‬استكشاف‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬حالة‭ ‬المواطنة‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬وآفاق‭ .