كيف تعرف الكذَّاب؟

كيف تعرف الكذَّاب؟

في‭ ‬البيت‭,‬‭ ‬في‭ ‬العمل‭,‬‭ ‬في‭ ‬الشارع،‭ ‬ونحن‭ ‬نبيع‭ ‬ونشتري‭ ‬وندرس‭ ‬ونستقبل‭ ‬الحافلة،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬وزمان‭ ‬نقابل‭ ‬من‭ ‬يكذب‭ ‬علينا،‭ ‬والأغراض‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتنوعة‭. ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يلفّق‭ ‬الحكايات‭ ‬الوهمية‭ ‬ليستميلنا‭ ‬أو‭ ‬يجذب‭ ‬انتباه‭ ‬المجلس‭,‬‭ ‬والذي‭ ‬يختلق‭ ‬قصة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نفيها‭ ‬للتنصُّل‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬ثقيل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭,‬‭ ‬والذي‭ ‬ينصب‭ ‬فخاً‭ ‬لسرقة‭ ‬بعض‭ ‬المال‭ ‬أو‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬القلب‭! ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬الكذبة‭ ‬موجودة‭ ‬وكذلك‭ ‬الكذّاب‭,‬‭ ‬والموضوع‭ ‬مزعج‭ ‬يوجب‭ ‬اتخاذ‭ ‬الحذر‭ ‬والحيطة‭.‬

لكن‭ ‬أغلبنا‭ ‬حسن‭ ‬النية‭ ‬لا‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬باله‭ ‬عندما‭ ‬يخرج‭ ‬صباحاً‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬أنه‭ ‬سيقع‭ ‬في‭ ‬الفخ‭,‬‭ ‬ونحن‭ ‬نعطي‭ ‬الأمان‭ ‬للأقرباء‭ ‬والأصدقاء‭ ‬والزملاء،‭ ‬فلا‭ ‬نتوقع‭ ‬كذبة‭ ‬عابرة‭,‬‭ ‬بيضاء‭ ‬أو‭ ‬ملونة‭ ‬أو‭ ‬ماكرة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحمل‭ ‬جهازاً‭ ‬لكشف‭ ‬الكذب‭ ‬معنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حين‭. ‬نحن‭ ‬أيضاً‭ ‬نكذب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬الأمر‭,‬‭ ‬يمر‭ ‬الموضوع‭ ‬ببساطة‭ ‬ونحن‭ ‬ندس‭ ‬تفصيلات‭ ‬غير‭ ‬حقيقية‭ ‬ربما‭ ‬بلا‭ ‬وعي‭ ‬منا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬ضارة‭ ‬أو‭ ‬لتحسين‭ ‬صورتنا‭ ‬كأننا‭ ‬نستعير‭ ‬العنوان‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أكذب‭ ‬ولكني‭ ‬أتجمَّل‮»‬‭! ‬

لقد‭ ‬وجد‭ ‬روبرت‭ ‬فيلدمان‭,‬‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬ماساشوستس‭,‬‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬شخصاً‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬دراساته‭ ‬كذبوا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬مدته‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭,‬‭ ‬والغالبية‭ ‬منهم‭ ‬كذبوا‭ ‬من‭ ‬مرتين‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭. ‬المرأة‭ ‬تكذب‭ ‬أكثر؟‭ ‬لا‭,‬‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬خلاف‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬مرات‭ ‬الكذب‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الذكر‭ ‬والأنثى‭,‬‭ ‬ولكن‭ ‬الاختلاف‭ ‬الفعلي‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬الكذبة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬تلفيقها‭. ‬الولد‭/ ‬الرجل‭ ‬يكذب‭ ‬ليلفت‭ ‬النظر‭ ‬ويثير‭ ‬الإعجاب‭ (‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬حاسماً‭ ‬مع‭ ‬مديري‭ ‬فتراجع‭ ‬عن‭ ‬موقفه،‭ ‬كنت‭ ‬نجم‭ ‬مباراة‭ ‬الشباب‭ ‬اليوم،‭ ‬إلخ‭). ‬أما‭ ‬المرأة‭/ ‬البنت،‭ ‬فتميل‭ ‬إلى‭ ‬الكذبة‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬نحوها‭ ‬عطف‭ ‬الآخر‭ ‬وتجعله‭ ‬يشعر‭ ‬نحوها‭ ‬بشعور‭ ‬طيب‭,‬‭ ‬فهي‭ ‬بشكل‭ ‬غريزي‭ ‬لا‭ ‬تحب‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬انطباعاً‭ ‬سلبياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬رأيها‭ ‬في‭ ‬الأشياء،‭ ‬فالفيلم‭ ‬الذي‭ ‬تشاهده‭ ‬وتكرهه‭ ‬هي‭ ‬تخبرك‭ ‬أنه‭ ‬ظريف‭,‬‭ ‬وأن‭ ‬هديتك‭ ‬المخيِّبة‭ ‬لآمالها‭ ‬جميلة‭,‬‭ ‬إنها‭ ‬تمقت‭ ‬الانتقاد‭ ‬العكسي‭,‬‭ ‬فتحاول‭ ‬حماية‭ ‬مشاعرك‭ ‬بكذبة‭ ‬بيضاء‭. ‬

 

أنواع‭ ‬الكذب‭ ‬

الكذب‭ ‬أنواع‭ ‬وأصناف،‭ ‬وهو‭ ‬كذلك‭ ‬مسألة‭ ‬نسبية‭,‬‭ ‬بعضنا‭ ‬يراه‭ ‬جريمة‭ ‬خطيرة‭ ‬وذنباً‭ ‬لا‭ ‬يُغتفر،‭ ‬ويظل‭ ‬يؤنب‭ ‬نفسه‭ ‬طوال‭ ‬اليوم‭ ‬إذا‭ ‬اضطر‭ ‬أن‭ ‬يخبر‭ ‬مديره‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬طريح‭ ‬الفراش‭ (‬كذباً‭) ‬فغاب‭ ‬عن‭ ‬العمل؛‭ ‬وتجده‭ ‬يبادر‭ ‬بالاعتراف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أو‭ ‬تركبه‭ ‬الهموم‭. ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬يتنفس‭ ‬الكذب‭ ‬مع‭ ‬الهواء‭,‬‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬قول‭ ‬الحقائق‭ ‬موضوع‭ ‬يجافي‭ ‬الحكمة،‭ ‬ومن‭ ‬الفطنة‭ ‬أن‭ ‬يحتفظ‭ ‬لنفسه‭ ‬فقط‭ ‬بالأمور‭ ‬الواقعية‭,‬‭ ‬ويصبح‭ ‬الأمر‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭. ‬هناك‭ ‬أكاذيب‭ ‬المجاملات‭... ‬عندما‭ ‬تسألك‭ ‬زوجتك‭ ‬عن‭ ‬رشاقتها‭ ‬في‭ ‬الفستان‭ ‬الجديد‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تدفعك‭ ‬لإطرائها‭ ‬وليس‭ ‬لإبداء‭ ‬رأيك‭ ‬الحقيقي‭,‬‭ ‬فإذا‭ ‬قلت‭ ‬الصدق‭ ‬بحسن‭ ‬نية‭ ‬فأنت‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬كبيرة‭! ‬لينكولن‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يستطيع‭ ‬التحدث‭ ‬بالكذب‭ ‬بينما‭ ‬مكيافيلي‭ ‬يراه‭ ‬وسيلة‭ ‬شرعية‭ ‬للإنسان‭ ‬لتحقيق‭ ‬غاياته‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭. ‬رجل‭ ‬الأعمال‭ ‬انتهازي‭ ‬للفرص،‭ ‬والسياسي‭ ‬لو‭ ‬نطق‭ ‬بالصدق‭ ‬ضاع‭,‬‭ ‬وهذا‭ ‬وذاك‭ ‬وغيرهما‭ ‬يلجأون‭ ‬للكذب‭ ‬كأحد‭ ‬مبادئ‭ ‬الحياة،‭ ‬ولا‭ ‬يشعرون‭ ‬بأن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يشين‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭,‬‭ ‬خاصة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬يمتلكون‭ ‬قدرة‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬واستخدام‭ ‬المفردات‭ ‬المناسبة‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬المختلفة‭,‬‭ ‬وهؤلاء‭,‬‭ ‬للمفارقة‭,‬‭ ‬نجدهم‭ ‬يكتسبون‭ ‬شهرة‭ ‬واسعة‭ ‬وشعبية‭ ‬جارفة‭,‬‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يخبرونك‭ ‬أبداً‭ ‬بعيوبك،‭ ‬وكذباتهم‭ ‬المتملقة‭ ‬الجميلة‭ ‬تُسعد‭ ‬الجميع،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ترتفع‭ ‬مكانتهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موضع‭. ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬الموظف‭ ‬الذي‭ ‬يترقى‭ ‬وينال‭ ‬العلاوات‭ ‬بسبب‭ ‬حلاوة‭ ‬لسانه‭ ‬ونفاقه‭ ‬لرؤسائه‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬ولا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬كذلك‭! ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬يجدون‭ ‬الأمر‭ ‬حتمياً‭,‬‭ ‬فمندوب‭ ‬المبيعات‭ ‬لو‭ ‬لم‭ ‬يكتسب‭ ‬بعض‭ ‬التعبيرات‭ ‬الكاذبة‭ ‬لخُرب‭ ‬بيته‭. ‬

 

كشف‭ ‬الكذب

على‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬بصدد‭ ‬مناقشة‭ ‬الكذب‭ ‬من‭ ‬وجهته‭ ‬الدينية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬ولا‭ ‬المجتمعية‭ ‬السلوكية‭. ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬موجَّه‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬الطيبين‭ ‬النبلاء‭ ‬حسني‭ ‬النية‭ ‬منا‭,‬‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يكذبون‭ ‬ويمقتون‭ ‬الكذب‭,‬‭ ‬لكنهم‭ ‬كذلك‭ ‬يكرهون‭ ‬أن‭ ‬يكذب‭ ‬عليهم‭ ‬الناس‭. ‬والخبر‭ ‬السار‭ ‬لهؤلاء‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬90‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الكذب‭ ‬تصاحبه‭ ‬علامات‭ ‬دالة‭ ‬عليه‭ ‬وتفضح‭ ‬صاحبه‭ ‬أمام‭ ‬العيون‭ ‬المدربة‭ ‬الواعية‭. ‬وليس‭ ‬الأمر‭ ‬ككشف‭ ‬الأمهات‭ ‬لكذب‭ ‬أبنائهن‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كن‭ ‬يقرأن‭ ‬أفكارهم‭,‬‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭,‬‭ ‬فإن‭ ‬قربك‭ ‬من‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬يجعلك‭ ‬تخلق‭ ‬عاطفة‭ ‬قوية‭ ‬نحوه‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬مهارتك‭ ‬التحليلية‭ ‬لكشفه‭ ‬إذا‭ ‬كذب‭ ‬عليك‭,‬‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬تنتابنا‭ ‬أحياناً‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تجاهل‭ ‬الحقيقة‭,‬‭ ‬كالزوجة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تُصدم‭ ‬في‭ ‬سر‭ ‬سهرات‭ ‬زوجها‭ ‬بالخارج‭,‬‭ ‬والشعوب‭ ‬التي‭ ‬تصفق‭ ‬بحماس‭ ‬للقائد‭ ‬الهتلري‭,‬‭ ‬وتغاضي‭ ‬الأب‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬يدخن‭ ‬سراً‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭! ‬

ولكن‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬حقاً‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬الكذاب،‭ ‬فما‭ ‬أهم‭ ‬العلامات‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبحث‭ ‬عنها؟‭! ‬

لغة‭ ‬الجسد؛‭ ‬فعن‭ ‬طريقها‭ ‬تستدل‭ ‬عما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الكذاب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ارتباك‭,‬‭ ‬يحرك‭ ‬يده‭ ‬بعصبية‭ ‬ويضطرب‭ ‬عند‭ ‬الكلام‭. ‬عندما‭ ‬يكذب‭ ‬أحدهم‭ ‬يراوده‭ ‬الشعور‭ ‬بالذنب‭ ‬فتجده‭ ‬يداعب‭ ‬شعره‭ ‬أو‭ ‬أرنبة‭ ‬أنفه‭ ‬أو‭ ‬يفرك‭ ‬يديه‭ ‬أو‭ ‬يحك‭ ‬رأسه‭. ‬وإذا‭ ‬سيطر‭ ‬الكذاب‭ ‬على‭ ‬النصف‭ ‬العلوي‭ ‬من‭ ‬جسمه‭ ‬بالتحكُّم‭ ‬في‭ ‬حركات‭ ‬يديه‭ ‬ورأسه‭,‬‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬لا‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬حركة‭ ‬الساقين‭ ‬والقدمين‭ ‬بعد‭ ‬تركيز‭ ‬كل‭ ‬جهده‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬تعبيرات‭ ‬وجهه‭ ‬ويديه‭. ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬المعبرة‭ ‬عن‭ ‬الكذب؛‭ ‬مس‭ ‬الشفة‭ ‬بالأنامل‭ ‬كمن‭ ‬يهم‭ ‬بتغطية‭ ‬فمه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تفوح‭ ‬رائحة‭ ‬الكذبة‭! ‬وهو‭ ‬بشكل‭ ‬غريزي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬تغطية‭ ‬مصدر‭ ‬الخداع‭ ‬في‭ ‬جسده‭,‬‭ ‬ويتراوح‭ ‬الأمر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬تغطية‭ ‬الفم‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬بالكف‭ ‬أو‭ ‬بشكل‭ ‬جزئي‭ ‬بالتربيت‭ ‬بالأصابع‭ ‬على‭ ‬الشفتين‭,‬‭ ‬وحتى‭ ‬إسناد‭ ‬الذقن‭ ‬على‭ ‬قبضة‭ ‬اليد‭ ‬كأنه‭ ‬يريح‭ ‬فكّه‭ ‬من‭ ‬عناء‭ ‬الاحتيال‭. ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬لمس‭ ‬أحد‭ ‬الأصابع‭ ‬جانب‭ ‬الفم‭ ‬لإخفاء‭ ‬ارتعاشة‭ ‬الشفة‭,‬‭ ‬ووضع‭ ‬إحدى‭ ‬اليدين‭ ‬على‭ ‬الفم‭,‬‭ ‬وكلها‭ ‬تلعب‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬رغبة‭ ‬المجرم‭ ‬الحارقة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكنه‭ ‬منعها‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬مسرح‭ ‬الجريمة‭. ‬والأنف‭ ‬مثل‭ ‬الفم‭,‬‭ ‬كلنا‭ ‬نذكر‭ ‬قصة‭ ‬الأطفال‭ ‬الشهيرة‭ ‬عن‭ ‬الدمية‭ ‬الخشبية‭ ‬التي‭ ‬يستطيل‭ ‬أنفها‭ ‬كلما‭ ‬كذبت‭,‬‭ ‬ومنها‭ ‬جاء‭ ‬المصطلح‭ ‬‮«‬متلازمة‭ ‬بنوكيو‮»‬‭. ‬أثناء‭ ‬محاكمة‭ ‬كلينتون‭ ‬كان‭ ‬يلمس‭ ‬أنفه‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬يكذب‭ ‬بشأن‭ ‬علاقته‭ ‬بمونيكا‭. ‬وقد‭ ‬أشار‭ ‬آلان‭ ‬هيرس‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬عندما‭ ‬يكونون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬كذب‭,‬‭ ‬تتدفق‭ ‬الدماء‭ ‬في‭ ‬أنوفهم‭ ‬بغزارة‭,‬‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬شعوراً‭ ‬معيناً‭ ‬يتم‭ ‬التخفيف‭ ‬من‭ ‬حدته‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬لمس‭ ‬أو‭ ‬حك‭ ‬الأنف‭. ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬ظالم‭,‬‭ ‬فالمرء‭ ‬عند‭ ‬السؤال‭ ‬قد‭ ‬ينتابه‭ ‬القلق‭ ‬ويهرش‭ ‬أنفه‭ ‬بعفوية‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬إحدى‭ ‬الحركات‭ ‬المميزة‭ ‬لبعض‭ ‬الأفراد‭. ‬وفي‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬مثلاً‭ ‬يعتبر‭ ‬حك‭ ‬الأنف‭ ‬حركة‭ ‬معبرة‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭,‬‭ ‬وأن‭ ‬محدثك‭ ‬شخص‭ ‬غير‭ ‬مقبول؛‭ ‬فهو‭ ‬ببساطة‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬الاستياء‭ ‬اللاواعي‭.‬

العين‭ ‬تصدق

ومن‭ ‬أشهر‭ ‬حركات‭ ‬كشف‭ ‬الكذب؛‭ ‬حركة‭ ‬العين‭. ‬الكذاب‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬عسراً‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬من‭ ‬يكذب‭ ‬عليه‭ ‬لهذا‭ ‬فهو‭ ‬يشرد‭ ‬ببصره‭ ‬بعيداً‭,‬‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬الكذب‭ ‬المرتجل‭ ‬وليد‭ ‬اللحظة‭,‬‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬التركيز‭ ‬الشديد‭ ‬بالنظر‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الضحية‭ ‬أيضاً‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬الكذب،‭ ‬لأن‭ ‬الكذاب‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬هروب‭ ‬النظرة‭ ‬علامة‭ ‬مميزة‭ ‬للأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬نثق‭ ‬بهم‭,‬‭ ‬لذلك‭ ‬فهو‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬خلق‭ ‬تواصل‭ ‬بالنظرات‭ ‬لترسيخ‭ ‬فكرة‭ ‬سريعة‭ ‬عن‭ ‬أمانته‭ ‬وصدقه‭ ‬ونزاهته‭. ‬الخبراء‭ ‬لا‭ ‬يهتمون‭ ‬بالنظرة‭ ‬الدرامية‭ ‬تلك‭,‬‭ ‬بل‭ ‬يركز‭ ‬رجال‭ ‬التحقيق‭ ‬الجنائي‭ ‬مثلاً‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬اللاإرادية‭ ‬للمتهم‭,‬‭ ‬ويعتبرون‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬السريع‭ ‬بالعين‭ ‬حركة‭ ‬دالة‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬فيها‭ ‬ببساطة‭. ‬يزداد‭ ‬معدل‭ ‬الطرف‭ ‬بالعين‭ ‬عندما‭ ‬ننفعل‭ ‬وتتسارع‭ ‬التخيلات‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الابتكاري‭ ‬بالدماغ‭,‬‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭ ‬الصدق‭ ‬يكون‭ ‬أهدأ‭ ‬بالاً،‭ ‬لأن‭ ‬خواطره‭ ‬تجنح‭ ‬للبحث‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬الذاكرة‭,‬‭ ‬أما‭ ‬الكذب‭ ‬فيفتح‭ ‬باب‭ ‬الخيال‭ ‬لاختراع‭ ‬حكاية‭ ‬ملفقة‭. ‬المعدل‭ ‬الطبيعي‭ ‬لارتداد‭ ‬الطرف‭ ‬هو‭ ‬21‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬الدقيقة‭,‬‭ ‬وهذا‭ ‬المعدل‭ ‬قد‭ ‬يزداد‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬إلى‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬عندما‭ ‬نشعر‭ ‬بأننا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬توتر؛‭ ‬وفي‭ ‬وضع‭ ‬الكذب‭ ‬يصاب‭ ‬المرء‭ ‬بحالة‭ ‬عصبية‭ ‬داخلية‭ ‬وتتسارع‭ ‬عمليات‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬منطقية‭. ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الكذب‭ ‬يلجأ‭ ‬الشخص‭ ‬الكذاب‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬مزدوجة‭ ‬لإخفاء‭ ‬أمرين‭: ‬الحقيقة‭,‬‭ ‬وأي‭ ‬مشاعر‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬إخفاء‭ ‬الحقيقة‭. ‬والمهمة‭ ‬الثنائية‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تنتابه‭ ‬مثل‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬الانكشاف‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬والشعور‭ ‬بالذنب‭,‬‭ ‬لهذا‭ ‬يعمل‭ ‬العقل‭ ‬اللاواعي‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬طوفان‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬ذلك‭ ‬بشعور‭ ‬عكسي‭ ‬عجيب‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بخداع‭ ‬الغير‭,‬‭ ‬بل‭ ‬والغوص‭ ‬في‭ ‬الكذبة‭ ‬لدرجة‭ ‬تصديقها‭ ‬ولو‭ ‬مؤقتاً‭,‬‭ ‬أو‭ ‬ترسيخها‭ ‬لتصبح‭ ‬ذاكرة‭ ‬مزيفة‭ ‬تتداخل‭ ‬فعلاً‭ ‬مع‭ ‬التجارب‭ ‬الحقيقية‭ ‬للكذاب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬نشوة‭ ‬الخداع‮»‬،‭ ‬فالكذب‭ ‬البسيط‭ ‬غير‭ ‬المؤذي‭ ‬للآخرين‭ ‬يمر‭ ‬أحياناً‭ ‬بسلام‭,‬‭ ‬أما‭ ‬الكذبة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬عواقب‭ ‬وخيمة،‭ ‬فتجعل‭ ‬الكذاب‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬رمال‭ ‬متحركة‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالظهور‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬وإلا‭ ‬فُضح‭,‬‭ ‬لهذا‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬شبه‭ ‬هستيرية‭ ‬من‭ ‬حركات‭ ‬اليد‭ ‬وإخفاء‭ ‬الوجه‭ ‬بالكفين‭ ‬والالتفات‭ ‬بالرأس‭ ‬بعيداً‭ ‬وارتداء‭ ‬قناع‭ ‬الوجه‭ ‬المحايد‭ ‬الهادئ‭ ‬ورسم‭ ‬ابتسامة‭ ‬تخفي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭,‬‭ ‬كمن‭ ‬يحفر‭ ‬حفرة‭ ‬شديدة‭ ‬العمق‭ ‬ويغطيها‭ ‬بأغصان‭ ‬زاهية‭! ‬وتشتهر‭ ‬هذه‭ ‬الابتسامات‭ ‬الملفقة‭ ‬بعلامة‭ ‬‮«‬سرعة‭ ‬التجميع‮»‬‭ ‬فهي‭ ‬تُرسم‭ ‬بسهولة‭ ‬وسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الضحكة‭ ‬الخارجة‭ ‬من‭ ‬القلب‭ ‬صدقاً‭,‬‭ ‬لكنها‭ ‬تتفكك‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬كذلك‭! ‬النصف‭ ‬السفلي‭ ‬من‭ ‬الوجه‭ ‬هو‭ ‬مكان‭ ‬الابتسامة‭ ‬المصطنعة،‭ ‬وبعد‭ ‬زوالها‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬أثراً‭ ‬في‭ ‬عضلات‭ ‬الوجه‭ ‬والوجنتين‭ ‬وجانبي‭ ‬الفم‭ ‬كما‭ ‬تفعل‭ ‬الابتسامة‭ ‬الصادقة‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬بشكل‭ ‬لاإرادي‭ ‬وليست‭ ‬بالتحكم‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬المخ‭,‬‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الابتسامة‭ ‬المزيفة‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الوجه‭ ‬كابتسامة‭ ‬التهكم‭,‬‭ ‬والصادقة‭ ‬تكون‭ ‬متماثلة‭ ‬الجانبين‭,‬‭ ‬والمشكلة‭ ‬هي‭ ‬أننا‭ ‬نستجيب‭ ‬للابتسامة‭ ‬بسرعة‭ ‬ولا‭ ‬ندقق‭ ‬في‭ ‬صحتها‭ ‬ودوافعها‭. ‬

 

علامات‭ ‬الكذب‭ ‬في‭ ‬لغة‭ ‬الجسد

وغير‭ ‬لغة‭ ‬الجسد‭,‬‭ ‬تظهر‭ ‬علامات‭ ‬الكذب‭ ‬من‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬الكذاب‭ ‬الذي‭ ‬يحوم‭ ‬غالباً‭ ‬حول‭ ‬موضوع‭ ‬السؤال‭ ‬ولا‭ ‬يدخل‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭,‬‭ ‬فإذا‭ ‬جاء‭ ‬الجواب‭ ‬وجدته‭ ‬قصيراً‭ ‬غير‭ ‬محدد‭ ‬ومحاط‭ ‬بالشروحات‭ ‬والتفسيرات‭,‬‭ ‬ويلجأ‭ ‬الكذاب‭ ‬إلى‭ ‬التركيز‭ ‬حول‭ ‬العناوين‭ ‬الكبيرة‭ ‬والخطوط‭ ‬العريضة‭ ‬للموضوع‭ ‬ولا‭ ‬يحب‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭,‬‭ ‬فالذي‭ ‬يكذب‭ ‬بخصوص‭ ‬قيمة‭ ‬الثوب‭ ‬الذي‭ ‬يرتديه‭ ‬ويبالغ‭ ‬فيها‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يذكر‭ ‬لك‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬اشتراه‭ ‬منه،‭ ‬ويضيف‭ ‬معلومات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬حقيقية‭ ‬مثل‭ ‬مواقف‭ ‬من‭ ‬ابتكاره‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬المحل‭ ‬لتمويه‭ ‬الموضوع‭ ‬الأصلي‭. ‬الكذاب‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬أساليب‭ ‬النفي‭ ‬لا‭ ‬الإثبات‭,‬‭ ‬لقد‭ ‬صرح‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬نيكسون‭ ‬بعد‭ ‬فضيحة‭ ‬ووترجيت‭: ‬‮«‬لست‭ ‬شخصاً‭ ‬محتالا‮»‬‭,‬‭ ‬ولم‭ ‬يقل‭: ‬‮«‬إنني‭ ‬رجل‭ ‬شريف‮»‬‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬اللف‭ ‬والدوران‮»‬‭ ‬ويشتهر‭ ‬به‭ ‬رجال‭ ‬السياسة‭ ‬والسلك‭ ‬الدبلوماسي‭,‬‭ ‬فالجمل‭ ‬الخبرية‭ ‬التقريرية‭ ‬كالمستند‭ ‬المثبت،‭ ‬أما‭ ‬العبارات‭ ‬البادئة‭ ‬بأداة‭ ‬النفي‭ ‬فتحتمل‭ ‬تأويلات‭ ‬عدة‭: ‬أنا‭ ‬لست‭ ‬كذا‭/ ‬أنا‭ ‬لم‭ ‬أفعل‭ ‬كذا‭ ‬تحديداً،‭ ‬لكن‭ (‬كذا‭) ‬هذا‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬طيف‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬البراءة‭ ‬والشر‭! ‬أيضاً‭ ‬يحب‭ ‬الكذاب‭ ‬أن‭ ‬يستهل‭ ‬كلامه‭ ‬بعبارة‭ ‬إبراء‭ ‬للذمة‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬أعرف‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬تصدق‭ ‬حرفاً‭ ‬مما‭ ‬سوف‭ ‬أقصه‭ ‬عليك‭ ‬لكن‭...‬‮»‬،‭ ‬‮«‬أقسم‭ ‬بشرفي‭ ‬أن‭...‬‮»‬،‭ ‬‮«‬دعني‭ ‬أؤكد‭ ‬لك‭...‬‮»‬‭ ‬كأنه‭ ‬يمهّد‭ ‬الشخص‭ ‬الآخر‭ ‬ليثق‭ ‬به‭ ‬ثقة‭ ‬عمياء‭ ‬عندما‭ ‬يرد‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تقسم‭ ‬بالله‭ ‬عليك‭ - ‬عيب‭ ‬يا‭ ‬رجل‭ ‬أنت‭ ‬لا‭ ‬تقول‭ ‬غير‭ ‬الصدق‮»‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬فأنت‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشك‭ ‬به‭. ‬الشخص‭ ‬الذي‭ ‬يتفوه‭ ‬بالأكاذيب‭ ‬أبطأ‭ ‬حديثاً،‭ ‬لأن‭ ‬عقله‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬لحظات‭ ‬قبل‭ ‬ترتيب‭ ‬الكلام‭ ‬الملفق‭ ‬والفصل‭ ‬بين‭ ‬الحقيقة‭ ‬والخيال‭ ‬ثم‭ ‬ابتكار‭ ‬وسيلة‭ ‬لبث‭ ‬المصداقية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يقول‭,‬‭ ‬ولذلك‭ ‬يتدرّب‭ ‬أصحاب‭ ‬الادعاءات‭ ‬الكاذبة‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭ ‬ليكون‭ ‬الكذب‭ ‬أكثر‭ ‬إتقاناً‭,‬‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬‮«‬كذب‭ ‬مرتّب‭ ‬أنجح‭ ‬من‭ ‬صدق‭ ‬مشتت‮»‬،‭ ‬فمن‭ ‬الغريب‭ ‬أن‭ ‬الصادق‭ ‬المرتبك‭ ‬لأي‭ ‬سبب‭,‬‭ ‬بفعل‭ ‬حياء‭ ‬طبيعي‭ ‬مثلاً‭,‬‭ ‬يوحي‭ ‬للمستمع‭ ‬بأنه‭ ‬كذّاب‭ ‬وشاهد‭ ‬زور‭! ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬طبقة‭ ‬الصوت‭ ‬منخفضة‭ ‬عند‭ ‬كذب‭ ‬الحديث‭,‬‭ ‬ويظهر‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬أوضح‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الكذب‭ ‬المُحضّر‭ ‬مسبقاً‭,‬‭ ‬أما‭ ‬الأكاذيب‭ ‬العفوية‭ ‬غير‭ ‬المقصودة‭ ‬والتي‭ ‬تنشأ‭ ‬بغتة‭ ‬بدافع‭ ‬الحرج‭ ‬أو‭ ‬المفاجأة،‭ ‬فتكون‭ ‬طبيعية‭ ‬وبالتالي‭ ‬تصبح‭ ‬مهمة‭ ‬اكتشافها‭ ‬أكثر‭ ‬عسراً‭.‬

على‭ ‬أنه‭,‬‭ ‬ومع‭ ‬معرفتك‭ ‬بعلامات‭ ‬الشخص‭ ‬المخادع‭,‬‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تتحلى‭ ‬بأكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الفطنة‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخلط‭ ‬بين‭ ‬العلامات‭ ‬العفوية‭ ‬التلقائية‭ ‬والحركات‭ ‬الشخصية‭ ‬والسلوكيات‭ ‬الطارئة‭ ‬التي‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬صاحبها‭ ‬يتعرض‭ ‬لصراع‭ ‬عقلي‭ ‬جديد‭ ‬وانفعالات‭ ‬قوية‭,‬‭ ‬كما‭ ‬تجب‭ ‬مقارنة‭ ‬التصرّفات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬الشخص‭ ‬المشكوك‭ ‬في‭ ‬أمره‭ ‬بتلك‭ ‬التي‭ ‬تبدر‭ ‬منه‭ ‬عندما‭ ‬يقول‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬نعرف‭ ‬تماماً‭ ‬أنها‭ ‬حقيقية‭,‬‭ ‬وأن‭ ‬تركّز‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬وترابط‭ ‬تعبيراته‭ ‬والطريقة‭ ‬التي‭ ‬يتحدّث‭ ‬بها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تركيزك‭ ‬على‭ ‬أفعاله‭ ‬وحركاته‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مرتبطة‭ ‬بجلسته‭ ‬أو‭ ‬بالمكان‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬مؤثر‭ ‬خارجي،‭ ‬وأن‭ ‬تمنح‭ ‬نفسك‭ ‬مزية‭ ‬الشك‭ ‬في‭ ‬الشك‭,‬‭ ‬فحكمك‭ ‬على‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬كلام‭ ‬ليس‭ ‬نهائياً‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مؤشر‭ ‬لتكتشف‭ ‬المزيد‭ ‬ولتعرف‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وجهة‭ ‬تتحرك‭,‬‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬وضعت‭ ‬حكماً‭ ‬دامغاً‭ ‬نهائياً‭ ‬يوصم‭ ‬محدثك‭ ‬بالكذب‭,‬‭ ‬فقد‭ ‬تكون‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬يكذب‭ ‬على‭ ‬نفسه‭! ‬