الرواية المفترى عليها
في خضم فوضى الثقافة وثقافة الفوضى، تبرز لنا ظواهرُ أو اتجاهات في الفضاء الثقافي لا تستند إلى قواعد أو أُسس، ولا يُلزمها قانون أو عُرفٌ مُحدد، لدرجة أن بعض تلك الظواهر أو الاتجاهات يؤسسُ لفوضى تُزيح القواعد والأُسس، ويؤطرُ للفوضى العبثية في المجال الثقافي. ولئن كان الشِعر قد حافظ على ارزانتهب ونقائه ضمن هذه الفوضى، بحُكم اشتراطاته وقواعده المعروفة، التي من دونها لا تكون أيٌ من الكتابة شِعراً، ومن ثم يسهل اافتضاحب من ادّعاهُ، فإن الرواية قد دخلت - خلال السنوات الأربع الماضية - منعطفاً خطيراً، وأصبحت خير امطيةب لِمن ينشد الشُهرة وإثبات الذات، بحيث ظهر من يكتب الرواية وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من العمر!
والسؤال هنا: أين الثروة اللغوية لمثل هذا الشخص؟ وأين تطوّر المفردة لديه؟ وأين حصيلة التراكم الثقافي والمعرفي والتجارب التي اكتسبها من قراءة الروايات الناضجة وهو في هذا العمر؟
لقد شهدنا في عام 2016 صدور 16 رواية في بلد خليجي، أغلبها لكُتّاب لم يتجاوزوا الخامسة والعشرين عاماً! واطلعتُ على كل هذه التجارب، فوجدتها تفتقر إلى أساسيات الكتابة الروائية، مثل الحبكة الفنية، وجماليات اللغة العربية، وبقية الخصائص السردية التي يُعوّلُ عليها في كتابة الرواية.
كما أن كثيراً من هذا الإنتاج المتسرع يشوبهُ الأخطاءُ النحوية القاتلة، وتلك المصطلحاتُ العامية غير المشروحة في الهامش. ومع الأسف، تُنشر هذه الأعمال من قِبل دور نشر خليجية، دونما مراجعة لغوية أو تنقيح مدروس، بل جاء في إحدى الروايات لشابة لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، كثيرُ من المخالفات لقواعد اللغة العربية، بحيث تقرأ بين دفتي العمل ضميرَ الجمع المُذكر يُطلق على الجمع المؤنث اكنا مجتمعينب يأتي على لسان فتاة تتحدث عن صديقاتها! أو ما يُشعرك بأن الرواية قد كُتبت بالأصل بالعامية، وتم تعريبها إلى االفصحىب، حيث تقرأ اأنا ما عندي شاحنب أو اضحكاتنا عاليةب واابتساماتنا عريضةب أو الم يتعطلوا فالخروجب، أو افجأة نقزت كل من لولوة وروضةب أو اكادت سيارة أن تدعم لولوةب، وغيرها من العبارات العامية في السرد... لن أسرد الأخطاء الإملائية، فهي كثيرة أيضاً. كنت قد أخرجتُ كتاباً عن الرواية القطرية عام 2016، وحتّمت الدراسة أن أقرأ جميع ما كُتب من روايات في قطر منذ عام 1993، حيث ظهرت أول رواية قطرية بتوقيع الكاتبة شعاع خليفة بعنوان اأحلام البحر القديمةب، أتبعتها برواية االعبور إلى الحقيقةب في العام ذاته، ووجدت أن نصفَ ما كُتب لا تنطبق عليه الخصائص السردية. ولقد سار على هذا النهج كثيرون وكثيرات - في المنطقة - ممن استسهلوا هذا الفن النبيل. ونظراً لعدم وجود مرجعية إدارية لضبط هذا الخروج الواضح على أُسس الكتابة الروائية، واستعجال بعض الكتّاب لنشر ما يكتبونه، وأن الرواية أسهل الأنماط الإبداعية لدى البعض، فقد ساهم كل ذلك في االافتراءب على الرواية، وتجاوز نُبلَ مقاصدها وسموَ شخصيتها. كما أن تهافت الشباب على الأعمال الشبابية، ذات العناوين المثيرة، وإظهارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يساهم في انتشار رقعة الفوضى في كتابة الرواية، وتتحول الرواية (الكتاب) إلى نسخة ورقية من الأخطاء واللهجات التي نقرأها في تلك الوسائل. أعتقد أن جهات فسح الكتب في وزارات الثقافة مسؤولة، ليس فقط عن عدم تجاوز المثلث الأحمر ذ الدين، الجنس، السياسة ذ بل عن جودة الكتاب وخلُّوهِ من الأخطاء النحوية والإملائية، وأيضاً عن تصنيف الكتاب، ووضعه في الفئة الملائمة له .