ثقافة دوائية: مسكِّنات الألم... ما لها وما عليها

صداع... ارتفاع حرارة الجسم... آلام عارضة... فقط كل ما يلزمك هو قرص أو اثنان من أي دواء مسكن للألم لتحصل على الراحة الفورية. هذا تقريباً ما يفعله الجميع بشكل دائم؛ فالأدوية المسكنة للآلام أصبحت جزءاً من مفردات حياتنا، ولا يمكن الاستغناء عنها أبداً؛ وهذا ما جعل الأدوية المسكنة من أكثر الأدوية شيوعاً في الاستخدام حول العالم. وعلى الرغم مما توفره لنا تلك الأدوية من تسكين فوري للآلام وإراحة للأجساد المتعَبة، فإن استخدامها بشكل خاطئ قد ينقلب حسرة وندامة على المدى البعيد؛ إذ إنها - كأي أدوية أخرى - تمتلك عدداً من الآثار الجانبية التي قد تصبح خطيرة أحياناً؛ ولكن كل هذا يمكن تجنبه بسهولة عبر معرفة بعض المعلومات البسيطة عن مسكنات الألم... ما لها وما عليها.
مسكنات الألم هي مجموعة من الأدوية التي يمكنها الحد من أو تخفيف الشعور بالآلام الجسدية؛ بدءاً من الأوجاع البسيطة العارضة كالصداع وآلام المفاصل والعضلات، وانتهاء بالآلام الحادة المصاحبة للأمراض المزمنة كالروماتويد والسرطان. تشمل الأدوية المسكنة للألم مجموعة كبيرة من الأدوية، تتعدد باختلاف نوع الألم والأسباب التي أدت إليه وشدته؛ ويمكن تقسيم تلك الأدوية بصفة عامة إلى فئتين: أدوية لا يمكن صرفها إلا بوصفة طبية، وتشمل أدوية أفيونية مخدرة تستخدم في حالات الآلام الشديدة؛ وأدوية غير وصفية يمكن الحصول عليها من دون وصفة طبية، وتضم «الباراسيتامول» (Paracetamol) ومجموعة «مضادات الالتهاب غير الستيرويدية» (NSAIDs Non-steroidal anti-inflammatory drugs). وسنتناول في مقالنا تلك الفئة غير الوصفية، فهي التي يمكن استخدامها بأمان في حياتنا اليومية.
كيف تقضي الأدوية المسكنة على الآلام؟
لكي نفهم كيف تقوم المسكنات بوظيفتها، ينبغي علينا أولاً فهم كيف يحدث الألم داخل أجسامنا. يعد الشعور بالألم جهاز إنذار مبكر للتنبيه بوجود مشكلة داخل الجسم، ما يدفعنا إلى القيام بتصرف يحمينا؛ فحين تتعرض خلايا الجسم لضرر أو إصابة، فإنها تقوم بإفراز مادة كيميائية تدعى البروستجلاندين (Prostaglandin)، تقوم بتنبيه النهايات العصبية المسؤولة عن استشعار الألم والمنتشرة في جميع أنحاء الجسم، لترسل إلى المخ رسالة تفيد بوجود مشكلة في ذلك المكان؛ فيستجيب المخ عبر خلق الشعور بالوجع والألم. وعندما نتناول الأدوية المسكنة، فإنها تقوم بتثبيط العمليات الكيميائية الخلوية المسؤولة عن إنتاج البروستجلاندين؛ وبالتالي لن يصل إلى المخ ما يفيد بوجود مشكلة، ومن ثم يختفي الشعور بالألم أو تقل حدته بشكل كبير.
ما أهم مسكنات الآلام غير الوصفية؟
تنقسم الأدوية المسكنة اللاوصفية إلى مجموعتين: مجموعة الأدوية التي تحتوي على الباراسيتامول، ومجموعة «الأدوية المضادة للالتهاب ذات الأصل اللاستيرويدي». وتتميز تلك الأدوية جميعها بأنها مسكنة للألم، وخافضة للحرارة، ومضادة للالتهاب؛ لكن تتفاوت تلك الخصائص في ما بينها قوة وضعفاً باختلافها.
الأدوية التي تحتوي على الباراسيتامول
الــــباراسيـــــتامــــــــــــــــــــــــول أو الأسيــــــــــتاميــــــــــــــــنوفين (Acetaminophen) - اسم شائع آخر للمركب - أحد أشهر الأدوية المسكنة وأكثرها استخداماً بسبب قلة أعراضه الجانبية مقارنة بالمسكنات الأخرى. يوجد الباراسيتامول في أكثر من 600 دواء غير وصفي، إما بمفرده وإما مع مركب دوائي آخر كما في أدوية السعال والبرد والإنفلونزا. يتميز هذا المركب بقدراته الكبيرة كخافض للحرارة، لذا فهو الخيار الأول في حالات ارتفاع درجات الحرارة والحمى؛ بجانب قدرته على تسكين الآلام بشكل أقل من «مضادات الالتهاب اللاستيرويدية»؛ لكنه يخلو من أي خواص مضادة للالتهابات. وعلى الرغم من أن الباراسيتامول من أكثر المسكنات أماناً؛ فإن تجاوز الجرعة اليومية القصوى منه - تبلغ 4000 ملجم بالنسبة للشخص البالغ - له عواقب وخيمة، كما أن استخدامه بشكل متكرر يومياً قد يؤدي إلى تلف الكبد وتدميره، وبالتالي الوفاة، لذا يوصى المصابون بأمراض الكبد بتجنب استعماله.
الأدوية «المضادة للالتهاب غير الستيرويدية»
تضم تلك المجموعة الدوائية طائفة واسعة من المركبات الدوائية أهمها الأسبرين (Aspirn) والإيبوبروفين (Ibuprofen). تتميز تلك الأدوية بقدراتها الكبيرة المسكنة للآلام والمضادة للالتهاب، بينما تقل قدراتها الخافضة للحرارة. وتستخدم المسكنات اللاستيرويدية في علاج الآلام العارضة البسيطة التي تواجهنا في حياتنا بشكل متكرر؛ مثل الصداع وآلام العضلات والتهاب المفاصل وأوجاع الأسنان والآلام المصاحبة للدورة الشهرية لدى السيدات. وعلى الرغم من الأثر القوي لتلك الأدوية في تسكين الآلام المختلفة، فإن لها آثاراً جانبية خطيرة عند استخدامها بشكل متكرر بلا داعٍ وبجرعات أكبر من الجرعة المحددة لكل حالة، وذلك لما لها من تأثير سلبي في المعدة وضغط الدم والكلى؛ فالإفراط في تلك الأدوية يمكن أن يتسبب في قروح ونزيف بالمعدة، بجانب ارتفاع ضغط الدم، وعلى المدى الطويل قد يصل الأمر إلى تلف دائم بالكلى؛ لذلك يجب تجنب استعمال تلك المسكنات في المصابين بقروح المعدة أو ارتفاع ضغط الدم المزمن أو أمراض الكلى.
هل يمكن للأطفال تناول الأدوية المسكنة؟
يمكن استخدام بعض المسكنات لعلاج الحالات التي تصيب الأطفال؛ حيث يُنصح عادة باستخدام الباراسيتامول خافضاً للحرارة، والإيبوبروفين مسكناً للآلام، لكن يجب تجنب الأسبرين تماماً لمن تقل أعمارهم عن 18 عاماً لتجنب بعض المضاعفات الخطيرة المعروفة باسم «متلازمة راي»، التي قد تؤدي إلى الوفاة. ويراعى عند استخدام مسكنات الألم لدى الأطفال تحديد الجرعة المناسبة ﻷعمارهم وأوزانهم وفقاً للمعلومات الموجودة في النشرة الدوائية المصاحبة للدواء، وينبغي أيضاً معرفة عدد الجرعات اليومية، والوقت المناسب بين كل جرعة وأخرى لتجنب حدوث أي مشكلات. وبالطبع في حال عدم التمكن من معرفة تلك المعلومات من النشرة الدوائية، تجب استشارة الصيدلي أو الطبيب.
هل مسكنات الألم آمنة أثناء الحمل؟
ينبغي التعامل مع مسكنات الألم أثناء فترة الحمل بحرص وحذر شديدين؛ حيث إن استخدام بعض الأدوية المسكنة أثناء الحمل قد يتسبب في حدوث تشوهات بالأجنة أو مضاعفات أثناء الولادة. ويعد الباراسيتامول مسكن الألم الأكثر أماناً أثناء الحمل؛ حيث يمكن استخدامه في علاج الصداع أو الحمى أو الآلام في أي من شهور الحمل التسعة بأمان تام. كما يمكن استعمال الإيبوبروفين بحذر وتحت إشراف طبي؛ إذ يعد آمنا في الأشهر الستة الأولى من الحمل فقط. وينبغي تجنب استخدام الأسبرين تماما؛ لما يسبب من مشكلات للأم والجنين. ويجب دوما استشارة الطبيب قبل تناول أي أدوية أثناء الحمل، حتى لو كانت غير وصفية.
وأخيراً؛ فإن مسكنات الألم تعد من أكثر الأدوية أماناً وفاعلية، مادامت تستخدم بالطريقة الصحيحة، ولكن في حال مخالفتها، فإنها تتحول إلى سبب لإلحاق الضرر بصحتنا. لذا يجب دوماً الإذعان لإرشادات الطبيب ونصائح الصيدلي فقط في ما يتعلق باستخدام تلك الأدوية، لنتمتع بما تمنحنا من راحة منشودة غير مشوبة بما يكدِّر الصفو ■