المدرس... بين العنف المدرسي والتحولات المجتمعية!

 المدرس... بين العنف المدرسي والتحولات المجتمعية!

بعدما‭ ‬كان‭ ‬المدرس‭ ‬النبراس‭ ‬المنير‭ ‬وحامل‭ ‬الرسالة‭ ‬السامية،‭ ‬وقطب‭ ‬الرحى‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الحياة‭ ‬المجتمعية‭ ‬برمتها،‭ ‬أضحى‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬أيقونة‭ ‬للتهكم‭ ‬والاستهزاء‭ ‬والسخرية،‭ ‬بل‭ ‬والتعنيف،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬مادياً‭ ‬أو‭ ‬رمزياً‭. ‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬المربين‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬المدرسة‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬المدرس‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬البناء‭ ‬الحضاري‭ ‬والتنموي‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬هناك‭ ‬خمس‭ ‬مؤسسات‭ ‬رئيسة‭ ‬تتولى‭ ‬أمر‭ ‬الحضارة،‭ ‬هي‭: ‬البيت،‭ ‬المدرسة،‭ ‬الدولة،‭ ‬مؤسسة‭ ‬الدين،‭ ‬مؤسسة‭ ‬العمل‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬أطرافاً‭ ‬متعددة‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬تخريبها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آليات‭ ‬الهدم‭ ‬المختلفة‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬البناء‭ ‬المتكررة‭! ‬ورحم‭ ‬الله‭ ‬الشاعر‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭:‬

متى‭ ‬يبلغ‭ ‬البنيان‭ ‬يوماً‭ ‬تمامه

إذا‭ ‬كنت‭ ‬تبنيه وغيرك‭ ‬يهدم؟‭!‬

العنف‭:‬‭ ‬سلوك‭ ‬عدواني‭ ‬هدَّام‭ ‬للأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬الفاضلة،‭ ‬تتضافر‭ ‬عوامل‭ ‬متشابكة‭ ‬في‭ ‬إنتاجه،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اقتصادي،‭ ‬وسياسي،‭ ‬واجتماعي،‭ ‬وثقافي،‭ ‬وتعليمي،‭ ‬وهي‭ ‬عوامل‭ ‬تمثل‭ ‬سيفا‭ ‬ذا‭ ‬حدين،‭ ‬سلباً‭ ‬أو‭ ‬إيجاباً‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الأدوات‭ ‬التي‭ ‬تنخر‭ ‬جسد‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية،‭ ‬وتشجع‭ ‬على‭ ‬استفحال‭ ‬ظاهرة‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬توظيفها‭ ‬واستغلالها‭ ‬وتكوينها‭ ‬وتربيتها‭ ‬لخدمة‭ ‬أهداف‭ ‬الأمة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ما‭ ‬يلي‭: ‬

‭- ‬الإعلام‭: ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬المفكر‭ ‬اليهودي‭ ‬محقاً‭ ‬عندما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬في‭ ‬عهد‭ ‬‮«‬المركانتيلية‮»‬‭,‬‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬الذهب‭ ‬يملك‭ ‬العالم،‭ ‬وحالياً‭ ‬من‭ ‬يملك‭ ‬الإعلام‭ ‬يملك‭ ‬العالم»؛‭ ‬إذ‭ ‬تعمل‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬صورة‭ ‬المدرس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عرض‭ ‬مسلسلات‭ ‬هزلية،‭ ‬تستهدف‭ ‬كيانه‭ ‬وقيمته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وهيبته،‭ ‬فيصبح‭ ‬مادة‭ ‬دسمة‭ ‬للسخرية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المتعلمين‭!‬

وكلنا‭ ‬يستحضر‭ ‬البرنامج‭ ‬التلفزيوني‭ ‬الوثائقي‭ ‬‮«‬الوجه‭ ‬الآخر‮»‬‭ ‬حول‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي،‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬القناة‭ ‬الثانية‭ ‬المغربية،‭ ‬وأظهرت‭ ‬فيه‭ ‬المدرس‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬محرجة؛‭ ‬حيث‭ ‬بدا‭ ‬أستاذ‭ ‬التربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬مماثلة‭ ‬ومتساوية‭ ‬بل‭ ‬مهينة‭ ‬له‭ ‬مع‭ ‬تلميذته،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬منح‭ ‬لها‭ ‬نقطة‭ ‬صفر‭ ‬في‭ ‬المراقبة‭ ‬المستمرة،‭ ‬فاتهمته‭ ‬بالتحرش‭ ‬الجنسي،‭ ‬فتم‭ ‬عرضه‭ ‬على‭ ‬اللجنة‭ ‬التأديبية‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭... ‬وهذا‭ ‬يدفع‭ ‬تلميذات‭ ‬أخريات‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الصنف‭ - ‬طبعاً‭ - ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الحماقة‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬سوء‭ ‬تفاهمها‭ ‬مع‭ ‬المدرس،‭ ‬وهذا‭ ‬غيض‭ ‬من‭ ‬فيض‭! ‬

‭- ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭:‬‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬الطفرة‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬الثورة‭ ‬التكنولوجية،‭ ‬فإن‭ ‬اتجاهات‭ ‬المتعلمين‭ ‬أخذت‭ ‬مساراً‭ ‬منحرفاً،‭ ‬شوه‭ ‬مظهرهم‭ ‬الخلقي،‭ ‬إذ‭ ‬باتوا‭ ‬يوظفون‭ ‬مثلاً‭ ‬المواقع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬فيسبوك‮»‬‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحانات،‭ ‬كما‭ ‬نجد‭ ‬فيديوهات‭ ‬حول‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭ ‬العنكبوتية‭ ‬ترشد‭ ‬المتعلمين‭ ‬الذين‭ ‬يرتادونها‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬واجباتهم‭ ‬المدرسية‭ ‬إلى‭ ‬تصيُّد‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يربك‭ ‬هدوء‭ ‬الصف‭ ‬أثناء‭ ‬الحصة‭ ‬الدراسية،‭ ‬كإرشاد‭ ‬باقي‭ ‬المتعلمين‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬التصرفات‭ ‬البهلوانية،‭ ‬أو‭ ‬إحداث‭ ‬الضجيج،‭ ‬أو‭ ‬كتابة‭ ‬العبارات‭ ‬المسيئة‭ ‬للمدرس‭ ‬في‭ ‬السبورة‭ ‬أو‭ ‬جدران‭ ‬القاعة‭ ‬الدراسية،‭ ‬أو‭ ‬تعمد‭ ‬حك‭ ‬النباتات‭ ‬ذات‭ ‬الرائحة‭ ‬الكريهة‭.‬

‭- ‬الأسرة‭: ‬إذ‭ ‬تمثل‭ ‬الأسرة‭ ‬‮«‬أول‭ ‬محيط‭ ‬اجتماعي‭ ‬يتعلم‭ ‬فيه‭ ‬الطفل‭ ‬الأنماط‭ ‬التي‭ ‬ستشكل‭ ‬السمات‭ ‬الأساسية‭ ‬لشخصيته،‭ ‬ففيه‭ ‬يكتسب‭ ‬بذور‭ ‬الحب‭ ‬والكراهية‭ ‬والتعاون‭ ‬والتنافس‭ ‬والنزوع‭ ‬نحو‭ ‬التسلط‭ ‬والخنوع،‭ ‬كما‭ ‬تتكون‭ ‬النماذج‭ ‬الأولى‭ ‬لأهم‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬شخصيته‭ ‬مستقبلاً،‭ ‬أي‭ ‬شخصيته‭ ‬وهو‭ ‬مراهق‭ ‬ثم‭ ‬شخصيته‭ ‬وهو‭ ‬راشد‮»‬،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ننسى‭ ‬الدور‭ ‬الهدَّام‭ ‬للتفكك‭ ‬الأسري‭ ‬الذي‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬انحراف‭ ‬أفرادها‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الحرمان‭ ‬العاطفي‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬أساليب‭ ‬التنشئة‭ ‬الأسرية‭ ‬الخاطئة،‭ ‬ويرى‭ ‬بعض‭ ‬العلماء‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬عصبية‭ ‬الأبناء‭ ‬وقلقهم‭ ‬النفسي‭ ‬والشعور‭ ‬بالعداوة‭ ‬والعزلة‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬الدفء‭ ‬العاطفي‭ ‬وعدم‭ ‬إشباعهم‭ ‬حاجات‭ ‬الحب‭.‬

كما‭ ‬نجد‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬يدفعون‭ ‬أبناءهم‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬أشكال‭ ‬العنف؛‭ ‬وهذا‭ ‬يذكرني‭ ‬بحالة‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭: ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الامتحانات‭ ‬الوطنية‭ ‬للبكالوريا‭ ‬في‭ ‬المغرب،‭ ‬قدم‭ ‬أب‭ ‬أحد‭ ‬التلاميذ‭ ‬يهدد‭ ‬الأستاذ‭ ‬المراقب‭ ‬بدعوى‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬ابنه‭ ‬يغش‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭! ‬

‭- ‬الشارع‭:‬‭ ‬إن‭ ‬الشارع‭ ‬بطبيعته،‭ ‬وتبعاً‭ ‬لتصور‭ ‬المجتمع‭ ‬له،‭ ‬هو‭ ‬مكان‭ ‬عمومي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬أحياناً‭ ‬مجلبة‭ ‬لكل‭ ‬رذيلة‭ ‬على‭ ‬النشء،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التزايد‭ ‬المهول‭ ‬لأوكار‭ ‬السلوكيات‭ ‬المنحرفة‭ ‬والمقاهي‭ ‬التي‭ ‬تأوي‭ ‬المنحرفين،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬عدم‭ ‬ارتياد‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬تساعدهم‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬ملكاتهم‭ ‬المعرفية،‭ (‬دورالقرآن،‭ ‬معاهد،‭ ‬جمعيات‭ ‬تقوم‭ ‬بأنشطة‭ ‬تربوية‭...)‬،‭ ‬ولعل‭ ‬المثال‭ ‬الناجح‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬التلميذ‭ ‬المغربي‭ ‬أنوار‭ ‬العبادي،‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬المعدل‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني؛‭ ‬فهو‭ ‬يمثل‭ ‬النموذج‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المسجد‭ ‬ودور‭ ‬القرآن‭ ‬التي‭ ‬تشجعه‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬العلم،‭ ‬ويستفيد‭ ‬من‭ ‬أجوائهما‭ ‬حسن‭ ‬استغلال‭ ‬الوقت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ينفع‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.‬

‭- ‬المدرس‭ ‬نفسه‭:‬‭ ‬المدرس‭ ‬قد‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬بعض‭ ‬المتعلمين‭ ‬إلى‭ ‬ارتكاب‭ ‬بعض‭ ‬الحماقات‭ ‬نتيجة‭ ‬سوء‭ ‬تصرفه‭ ‬وتعامله‭ ‬مع‭ ‬تلاميذه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬ماسلو‭ (‬Maslow‭) ‬بقوله‭: ‬إن‭ ‬الإحباط‭ ‬الناشئ‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬واستخدام‭ ‬كلمات‭ ‬التحقير‭ ‬أمام‭ ‬زملاء‭ ‬الطفل‭ ‬والاستهزاء‭ ‬بقدراته‭ ‬يؤثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬سلوكه‭. ‬

‭- ‬المتعلم‭ ‬الفاشل‭: ‬نتيجة‭ ‬عجزه‭ ‬وتهاونه‭ ‬في‭ ‬مساره‭ ‬الدراسي،‭ ‬يضطر‭ ‬إلى‭ ‬التشويش‭ ‬على‭ ‬زملائه،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يجر‭ ‬معه‭ ‬فئة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬تحالف‭ ‬تلاميذي،‭ ‬يعكرون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬صفو‭ ‬جوّ‭ ‬الدراسة‭.‬

‭- ‬الخريطة‭ ‬المدرسية‭: ‬سعياً‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬وانقطاع‭ ‬التلاميذ‭ ‬عن‭ ‬الدراسة،‭ ‬تقوم‭ ‬بالانتقال‭ ‬الميكانيكي‭ ‬للمتعلمين‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬المعدل‭ ‬الذي‭ ‬يمكنهم‭ ‬من‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الدراسي‭ ‬الموالي،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬الكفايات‭ ‬الأساسية،‭ ‬أما‭ ‬الفئة‭ ‬الثانية،‭ ‬فيتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالمطرودين‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬إرجاعهم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بطلب‭ ‬الاستعطاف،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬منهم‭ - ‬الشاذ‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬عليه‭- ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬يسايروا‭ ‬أقرانهم‭ ‬في‭ ‬الدراسة،‭ ‬فيلتجئون‭ ‬إلى‭ ‬تعنيف‭ ‬زملائهم‭ ‬وأساتذتهم‭ ‬درءاً‭ ‬وتغطية‭ ‬لمركب‭ ‬النقص‭ ‬والضعف‭ ‬الدراسي‭ ‬الذي‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفكر‭ ‬الوزارة‭ ‬الوصية‭ ‬في‭ ‬تسجيلهم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬التكوين‭ ‬والتأهيل‭ ‬الأخرى‭ - ‬إيماناً‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بنظرية‭ ‬الذكاءات‭ ‬المتعددة‭ - ‬نعم‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬فاشل‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬لكنه‭ ‬بارع‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مهنية‭ ‬أخرى‭. ‬

‭- ‬غياب‭ ‬قانون‭ ‬رادع‭ ‬للتلاميذ‭: ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬توقيف‭ ‬المتعلم‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع‭ - ‬هذا‭ ‬قبل‭ ‬صدور‭ ‬المذكرة‭ ‬القاضية‭ ‬بعدم‭ ‬توقيف‭ ‬المتعلم‭ ‬نهائيا‭!! - ‬نتيجة‭ ‬ارتكابه‭ ‬العنف‭ ‬تجاه‭ ‬المدرس‭ ‬أو‭ ‬المتعلم،‭ ‬وفي‭ ‬أقصى‭ ‬الحالات‭ ‬يتم‭ ‬نقله‭ ‬من‭ ‬مؤسسة‭ ‬تربوية‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬زجرية‭ ‬ليكون‭ ‬عِبرة‭ ‬لباقي‭ ‬المتعلمين‭ ‬في‭ ‬أفق‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬القيمية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تنخر‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬التعليمية‭.‬

  ‬وكلنا‭ - ‬نحن‭ ‬المغاربة‭ - ‬يتذكر‭ ‬حالة‭ ‬أستاذ‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬وجدة‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬الشرقية‭ ‬للمغرب،‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬للضرب‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬أحد‭ ‬المتعلمين،‭ ‬لكن‭ ‬المحكمة‭ ‬حكمت‭ ‬للمتعلم‭ ‬بالبراءة،‭ ‬فانهارت‭ ‬نفسية‭ ‬الأستاذ‭ ‬واضطر‭ ‬إلى‭ ‬الاستقالة‭. ‬وهذا‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬تشجيع‭ ‬المتعلمين‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬الحماقة‭ ‬نفسها‭!!‬

‭- ‬محيط‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭: ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تنفتح‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬علمية‭ ‬وتربوية‭ ‬يستفيد‭ ‬منها‭ ‬المتعلم،‭ ‬نجد‭ ‬العكس؛‭ ‬حيث‭ ‬صارت‭ ‬الفضاءات‭ ‬المحيطة‭ ‬بالمدارس‭ ‬مراكز‭ ‬للانحراف‭ ‬وانتشار‭ ‬عادة‭ ‬التدخين‭ ‬وتعاطي‭ ‬المخدرات،‭ ‬ولعب‭ ‬القمار،‭ ‬وتنظيم‭ ‬ليالي‭ ‬الموسيقى‭ ‬والرقص‭ ‬الماجن،‭ ‬وإقامة‭ ‬العلاقات‭ ‬المتسيبة‭.‬

وخلاصة‭ ‬القول‭: ‬يتفق‭ ‬التربويون‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المدرس‭ ‬هو‭ ‬أحد‭ ‬العوامل‭ ‬الرئيسة‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬سلوك‭ ‬التلاميذ‭ ‬وشخصياتهم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أهمها،‭ ‬وأنه‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬البيئة‭ ‬المدرسية،‭ ‬ومن‭ ‬دونه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬مواقف‭ ‬تعليمية‭ ‬جديدة‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تُعد‭ ‬له‭ ‬كرامته‭ ‬التي‭ ‬سُلبت‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬والأجهزة‭ ‬والمؤسسات‭ ‬السابقة‭. ‬

  ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬له‭ ‬قيمته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬إلا‭ ‬بتضافر‭ ‬مجهودات‭ ‬الأستاذ‭ ‬والأطر‭ ‬الإدارية‭ ‬والتلاميذ‭ ‬وأولياء‭ ‬الأمور‭ ‬وباقي‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬تقويم‭ ‬السلوكيات‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬التلميذ،‭ ‬كالعنف،‭ ‬وذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬رصد‭ ‬مسبباتها‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬التخفيف،‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬من‭ ‬تأثيرها‭ ‬