مدلَّلون إلى حد الفساد عندما يمسك أطفالنا بزمام الأمور

مدلَّلون إلى حد الفساد عندما يمسك أطفالنا بزمام الأمور

في‭ ‬سنة‭ ‬2004،‭ ‬أمضت‭ ‬د‭.‬كارولينا‭ ‬إثكيردو‭ ‬Carolina‭ ‬Izquierdo،‭ ‬أستاذ‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬بلوس‭ ‬أنجلوس،‭ ‬أشهراً‭ ‬عدة‭ ‬مع‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا‭ ‬Matsigenka،‭ ‬التي‭ ‬تتألف‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬فرد‭ ‬وتسكن‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الأمازون‭ ‬في‭ ‬بيرو‭. ‬ويصطاد‭ ‬أبناء‭ ‬ماتسيجينكا‭ ‬القردة‭ ‬والببغاوات‭ ‬ويزرعون‭ ‬اليُكّة‭ ‬والموز،‭ ‬ويبنون‭ ‬بيوتاً‭ ‬يصنعون‭ ‬أسقفها‭ ‬من‭ ‬أوراق‭ ‬نوع‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬أشجار‭ ‬النخيل‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬الكَباشي‭. ‬وفي‭ ‬مرحلة‭ ‬ما،‭ ‬قررت‭ ‬إثكيردو‭ ‬أن‭ ‬ترافق‭ ‬أسرة‭ ‬محلية‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬لجمع‭ ‬الأوراق‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬نهر‭ ‬أوربامبا‭.‬

تساءلت‭ ‬فتاة‭ ‬تدعى‭ ‬يانيرا‭ ‬Yanira،‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬أسرة‭ ‬أخرى،‭ ‬عمّا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬معهم،‭ ‬فسمحوا‭ ‬لها‭ ‬بمصاحبتهم‭. ‬أمضت‭ ‬إثكيردو‭ ‬والآخرون‭ ‬خمسة‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يانيرا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬المجموعة،‭ ‬فإنها‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬اكتشفت‭ ‬سُبلاً‭ ‬لتكون‭ ‬نافعة‭ ‬للمجموعة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬مرتين‭ ‬يومياً‭ ‬بكنس‭ ‬الرمال‭ ‬من‭ ‬على‭ ‬حصائر‭ ‬النوم،‭ ‬كما‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تكديس‭ ‬أوراق‭ ‬الكباشي‭ ‬في‭ ‬حِزم‭ ‬تمهيدا‭ ‬لنقلها‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭. ‬وفي‭ ‬المساء،‭ ‬كانت‭ ‬تصطاد‭ ‬القشريات،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بعدئذٍ‭ ‬بتنظيفها‭ ‬وسلقها‭ ‬وتقديمها‭ ‬طعاماً‭ ‬للآخرين‭. ‬تقول‭ ‬إثكيردو‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬لاحقة‭ ‬وهي‭ ‬تعود‭ ‬بذاكرتها‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬إن‭ ‬يانيرا‭ - ‬بما‭ ‬تميزت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬هدوء‭ ‬واتزان‭ - ‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تطلب‭ ‬شيئا‮»‬‭. ‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬سلوك‭ ‬الفتاة‭ ‬انطباعاً‭ ‬قوياً‭ ‬لدى‭ ‬إثكيردو،‭ ‬لأن‭ ‬يانيرا‭ ‬كانت‭ ‬تبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭ ‬عند‭ ‬القيام‭ ‬بتلك‭ ‬الرحلة‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬إثكيردو‭ ‬تقوم‭ ‬فيه‭ ‬بهذا‭ ‬العمل‭ ‬الميداني‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا،‭ ‬كانت‭ ‬أيضاً‭ ‬منخرطة‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬أنثروبولوجية‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الديار‭. ‬فإحدى‭ ‬زميلاتها‭ ‬وهي‭ ‬د‭.‬إلينور‭ ‬أوكس‭ ‬Elinor‭ ‬Ochs‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬استقطبت‭ ‬اثنتين‭ ‬وثلاثين‭ ‬أسرة‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬تجريانها‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭. ‬كانت‭ ‬أوكس‭ ‬قد‭ ‬رتبت‭ ‬لتصوير‭ ‬هذه‭ ‬العائلات‭ ‬بالفيديو‭ ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬يأكلون‭ ‬ويتشاجرون‭ ‬ويتصالحون‭ ‬ويغسلون‭ ‬الأطباق‭.‬

كانت‭ ‬إثكيردو‭ ‬وأوكس‭ ‬تشتركان‭ ‬في‭ ‬اهتمامهما‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الإثنوغرافية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭. ‬

 

تدريب

كيف‭ ‬يدرب‭ ‬الأبوان‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الثقافات‭ ‬أولادهم‭ ‬الصغار‭ ‬على‭ ‬تولي‭ ‬مسؤوليات‭ ‬الكبار؟

‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أبناء‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس،‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يدربونهم‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحوال‭. ‬ففي‭ ‬عائلات‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬التي‭ ‬أُخضعت‭ ‬للملاحظة،‭ ‬لم‭ ‬يَقُم‭ ‬الأطفال‭ ‬بأداء‭ ‬الأعمال‭ ‬المنزلية‭ ‬بشكل‭ ‬روتيني‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إعطائهم‭ ‬تعليمات‭ ‬لفعل‭ ‬ذلك‭. ‬وكان‭ ‬الأبوان‭ ‬يضطران‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭ ‬إلى‭ ‬التوسل‭ ‬إلى‭ ‬الأولاد‭ ‬ليحاولوا‭ ‬القيام‭ ‬بأبسط‭ ‬المهام،‭ ‬وفي‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال،‭ ‬كان‭ ‬الأولاد‭ ‬يرفضون‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬وفي‭ ‬موقف‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬نمطياً،‭ ‬طلب‭ ‬أب‭ ‬من‭ ‬ابنه‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬راجياً‭ ‬إياه‭ ‬أن‭ ‬يذهب‭ ‬ويغتسل‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬رجاه‭ ‬للمرة‭ ‬الخامسة‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬رفع‭ ‬الأب‭ ‬الصبي‭ ‬وحمله‭ ‬إلى‭ ‬الحمام‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بدقائق،‭ ‬كان‭ ‬الصبي‭ - ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغتسل‭ - ‬يتجول‭ ‬دالفاً‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬أخرى‭ ‬ليلعب‭ ‬إحدى‭ ‬الألعاب‭ ‬الإلكترونية‭.‬

منذ‭ ‬بضع‭ ‬سنوات،‭ ‬كتبت‭ ‬إثكيردو‭ ‬وأوكس‭ ‬مقالاً‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬إيثوس‮»‬‭ ‬Ethos‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬جمعية‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬النفسية،‭ ‬وصفتا‭ ‬فيه‭ ‬سلوك‭ ‬يانيرا‭ ‬أثناء‭ ‬الرحلة‭ ‬على‭ ‬ضفاف‭ ‬النهر‭ ‬وحديث‭ ‬بن‭ ‬مع‭ ‬أبيه‭. ‬كتبت‭ ‬الباحثتان‭ ‬تقولان‭: ‬‮«‬إن‭ ‬وضع‭ ‬قصتي‭ ‬النمو‭ ‬هاتين‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬يستلزم‭ ‬اعتباراً‭ ‬للمسؤولية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الطفولة‮»‬،‭ ‬إذْ‭ ‬لماذا‭ ‬يُقْدم‭ ‬أطفال‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا‭ ‬على‭ ‬‮«‬مساعدة‭ ‬عائلاتهم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أطفال‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس؟‮»‬،‭ ‬و«لماذا‭ ‬يساعد‭ ‬أفراد‭ ‬عائلات‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬البالغون‭ ‬أطفالهم‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يفعل‭ ‬نظراؤهم‭ ‬في‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا؟‮»‬‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬أسئلة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬صياغتها‭ ‬باستخدام‭ ‬هذه‭ ‬الألفاظ‭ ‬نفسها،‭ ‬يجري‭ ‬طرحها‭ ‬في‭ ‬صمت‭ ‬واستجداء‭ ‬ويأس‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬أقصاها‭: ‬لماذا؟‭ ‬لماذا؟‭ ‬لماذا؟

إن‭ ‬الأطفال‭ ‬الأمريكيين‭ ‬المعاصرين‭ ‬ربما‭ ‬يمثلون‭ ‬الصغار‭ ‬الأكثر‭ ‬تدليلاً‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬باستثناء‭ ‬نسل‭ ‬أسرة‭ ‬مينغ‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬والأبناء‭ ‬البكور‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭. ‬ولا‭ ‬يقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬وُفّر‭ ‬لهم‭ ‬من‭ ‬كميات‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الملابس‭ ‬والدمى‭ ‬والكاميرات‭ ‬والزلاجات‭ ‬وأجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬والتلفزيونات‭ ‬والهواتف‭ ‬الجوالة‭ ‬وألعاب‭ ‬البلاي‭ ‬ستيشن‭ ‬وأجهزة‭ ‬الآيبود‭ (‬تشير‭ ‬التقارير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬المنتجات‭ ‬ماركة‭ ‬‮«‬بربري‭ ‬بيبي‮»‬‭ ‬و«أزياء‮»‬‭ ‬الأطفال‭ ‬الأخرى‭ ‬واصلت‭ ‬نموها‭ ‬بمعدل‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬سنوياً‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬مُنحوا‭ ‬أيضاً‭ ‬سلطة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬جين‭ ‬توينغي‭ ‬Jean‭ ‬Twenge،‭ ‬ودبليو‭. ‬كيث‭ ‬كامبيل‭ ‬W‭. ‬Keith‭ ‬Campbell،‭ ‬وكلاهما‭ ‬أستاذ‭ ‬لعلم‭ ‬النفس،‭ ‬يقولان‭: ‬‮«‬يريد‭ ‬الوالدان‭ ‬رضا‭ ‬أطفالهما،‭ ‬ما‭ ‬يمثل‭ ‬انقلاباً‭ ‬في‭ ‬النموذج‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬الأطفال‭ ‬يكافحون‭ ‬فيه‭ ‬لنيل‭ ‬رضا‭ ‬والديهم‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى،‭ ‬يوجد‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭ ‬واحد‭ ‬واثنان‭ ‬وأحياناً‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬طوع‭ ‬بنانهم‭. ‬هذه‭ ‬تجربة‭ ‬اجتماعية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬كبير،‭ ‬وهناك‭ ‬عدد‭ ‬متنامٍ‭ ‬من‭ ‬الكبار‭ ‬يخشون‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تحقق‭ ‬نجاحاً‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭. ‬فوفقاً‭ ‬لاستطلاع‭ ‬رأي‭ ‬أجري‭ ‬بتكليف‭ ‬من‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬تايم‮»‬‭ ‬وشبكة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬،‭ ‬يرى‭ ‬ثلثا‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أن‭ ‬أطفالهم‭ ‬مدللون‭.‬

تمخضت‭ ‬فكرة‭ ‬احتمال‭ ‬كوننا‭ ‬نعكف‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬ربط‭ ‬أربطة‭ ‬أحذيتهم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬لن‭ ‬يفعلوا‭ ‬ذلك،‭ ‬عن‭ ‬صنف‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال،‭ ‬والتي‭ ‬تميل‭ ‬عناوينها‭ ‬إما‭ ‬إلى‭ ‬الاتصاف‭ ‬بالكآبة‭ (‬مثل‭ ‬‮«‬ثمن‭ ‬الامتياز‮»‬‭ ‬The‭ ‬Price‭ ‬of‭ ‬Privilege‭) ‬وإما‭ ‬بالعداء‭ ‬الصريح‭ (‬مثل‭ ‬‮«‬وباء‭ ‬النرجسية‮»‬‭ ‬The‭ ‬Narcissism‭ ‬Epidemic،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الأمهات‭ ‬الشريرات‭ ‬يتفوقن‮»‬‭ ‬Mean‭ ‬Moms‭ ‬Rule،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أمة‭ ‬من‭ ‬الواهنين‮»‬‭ ‬A‭ ‬Nation‭ ‬of‭ ‬Wimps‭). ‬وهذه‭ ‬الكتب‭ ‬ليست‭ ‬أدلة‭ ‬تقدم‭ ‬نصائح‭ ‬وإرشادات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬تفعل؟‭) ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬نصائح‭ ‬وإرشادات‭ ‬حول‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬لا‭ ‬تفعل؟‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬نجد‭ ‬مثلاً‭: ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬تستسلمين‭ ‬لطفلك،‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬تتدخلين‭ ‬كلما‭ ‬بدا‭ ‬ولدك‭ ‬المراهق‭ ‬ضجراً،‭ ‬وكيف‭ ‬لا‭ ‬تنفقين‭ ‬مائتي‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬لتجدي‭ ‬خريجك‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬نيفاً‭ ‬وعشرين‭ ‬سنة‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬ليشرب‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لديك‭ ‬من‭ ‬جعة‭ ‬؟

 

من‭ ‬تشذيب‭ ‬العشب‭ ‬إلى‭ ‬الغابة

منذ‭ ‬وقت‭ ‬ليس‭ ‬بالطويل،‭ ‬اكتشفت‭ ‬سالي‭ ‬كوسلو‭ ‬Sally‭ ‬Koslow،‭ ‬رئيس‭ ‬التحرير‭ ‬السابق‭ ‬لمجلة‭ ‬‮«‬ماكولز‮»‬‭ ‬McCallصs‭ ‬للمرأة،‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الأخير‭. ‬فبعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬قضاها‭ ‬ابنها‭ ‬جيد‭ ‬Jed‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬وسنتين‭ ‬على‭ ‬الساحل‭ ‬الغربي،‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مانهاتن‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬غرفته‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬عائلته،‭ ‬ومعه‭ ‬أربعة‭ ‬وثلاثون‭ ‬صندوقاً‭ ‬من‭ ‬أسطوانات‭ ‬الفينيل‭ ‬الطويلة‭ ‬الأمد‭. ‬كان‭ ‬جيد‭ ‬عاطلاً‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬ويهوى‭ ‬السهر‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬والنوم‭ ‬حتى‭ ‬الظهيرة‭ ‬والتجول‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬بلا‭ ‬هدف‭. ‬مضت‭ ‬كوسلو‭ ‬لتحاول‭ ‬فهم‭ ‬لماذا‭ ‬علق‭ ‬جيد‭ ‬وكثيرون‭ ‬جداً‭ ‬من‭ ‬أقرانه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬اعتبرته‭ ‬مرحلة‭ ‬دائمة‭ ‬من‭ ‬‮«‬المراهَقة‭ ‬الكبيرة‮»‬،‭ ‬وخلصت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬الأسباب‭ ‬هو‭ ‬سوء‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬البلد،‭ ‬وأما‭ ‬الثاني‭ ‬فهو‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬من‭ ‬أمثالها‭.‬

كتبت‭ ‬كوسلو‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التسكع‭ ‬نحو‭ ‬الرشد‭: ‬ملاحظات‭ ‬من‭ ‬عُشّ‭ ‬ليس‭ ‬خالياً‭ ‬تماماً‮»‬‭ ‬Slouching‭ ‬Toward‭ ‬Adulthood‭: ‬Observations‭ ‬from‭ ‬the‭ ‬Not‭-‬So‭-‬Empty‭ ‬Nest‭ (‬الناشر‭: ‬فايكنغ‭)‬،‭ ‬‮«‬استغل‭ ‬أولادنا‭ ‬بكل‭ ‬بساطة‭ ‬تبجحنا‭ ‬وحسن‭ ‬نوايانا‭ ‬وإسرافنا‭ ‬في‭ ‬الاستثمار‮»‬،‭ ‬فهم‭ ‬يسكنون‭ ‬‮«‬سهلاً‭ ‬عشبياً‭ ‬فسيحاً‭ ‬مليئاً‭ ‬بالاستحقاقات‭ ‬رويناه‭ ‬ونسقنا‭ ‬مناظره‭ ‬واستأجرنا‭ ‬بستانيين‭ ‬للقيام‭ ‬على‭ ‬صيانته‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬توصي‭ ‬بترك‭ ‬الأرض‭ ‬المعشوشبة‭ ‬كي‭ ‬تعود‭ ‬غابة،‭ ‬فتقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كثيرين‭ ‬منا،‭ ‬نظهر‭ ‬بها‭ ‬حبنا،‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬الرعاية‭ ‬الأبوية‭ ‬والأمومية‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬النصائح‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬هي‭ ‬ألا‭ ‬نفعل‭ ‬شيئاً‭ ‬عندما‭ ‬يقرر‭ ‬طفلنا‭ ‬البالغ‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭. ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬نقل‭ ‬أشياء‭ ‬جيد‭ ‬إلى‭ ‬شقة‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬كارول‭ ‬جاردنز،‭ ‬أصيب‭ ‬زوج‭ ‬كوسلو‭ ‬بتمزق‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأربطة‭ ‬وانتهت‭ ‬به‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬إجراء‭ ‬جراحة‭ ‬طارئة‭.‬

مادلين‭ ‬ليفاين‭ ‬Madeline‭ ‬Levine‭ ‬اختصاصية‭ ‬علم‭ ‬نفس‭ ‬مقيمة‭ ‬خارج‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬ومتخصصة‭ ‬في‭ ‬علاج‭ ‬البالغين‭ ‬الصغار‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬علمي‭ ‬أطفالك‭ ‬جيداً‭: ‬تنشئة‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نجاح‭ ‬حقيقي‮»‬‭ ‬Teach‭ ‬Your‭ ‬Children‭ ‬Well‭: ‬Parenting‭ ‬for‭ ‬Authentic‭ ‬Success‭ (‬الناشر‭: ‬هاربر‭ ‬كولينز‭)‬،‭ ‬تجادل‭ ‬بأننا‭ ‬نفعل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬ينبغي‭ ‬لأطفالنا‭ ‬لأننا‭ ‬نبالغ‭ ‬في‭ ‬تقدير‭ ‬تأثيرنا‭. ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭: ‬‮«‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬مقتنعين‭ - ‬على‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬صحيح‭ - ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬تحرك‭ ‬يأتون‭ ‬به‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬ارتشاحي‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬أطفالهم‭ ‬المستقبلي‮»‬‭. ‬والمفارقة‭ ‬أن‭ ‬ليفاين‭ ‬تؤكد‭ ‬أننا‭ ‬نعوق‭ ‬نجاح‭ ‬أولادنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملنا‭ ‬باجتهاد‭ ‬شديد‭ ‬لمساعدتهم‭.‬

وتبيّن‭ ‬قائلة‭: ‬‮«‬معظم‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬نُشّئوا‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬تؤكد‭ ‬بقوة‭ ‬التميز،‭ ‬ويتطلب‭ ‬هذا‭ ‬التميز‭ ‬عملاً‭ ‬جاداً‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نأتمن‭ ‬الأطفال‭ ‬عليه‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬الدائرة‭ ‬المرهقة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬مراقبة‭ ‬عملهم‭ ‬وأدائهم،‭ ‬وهو‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يجعل‭ ‬الأطفال‭ ‬يشعرون‭ ‬بأنهم‭ ‬أقل‭ ‬كفاءة‭ ‬وثقة‭ ‬بأنفسهم،‭ ‬فتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬أنهم‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المراقبة‭ ‬والإشراف‮»‬‭.‬

 

أسوأ‭ ‬طفلة

انتقلت‭ ‬باميلا‭ ‬دراكرمان‭ ‬Pamela‭ ‬Druckerman،‭ ‬المراسلة‭ ‬السابقة‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال،‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بعد‭ ‬فقدان‭ ‬وظيفتها،‭ ‬ثم‭ ‬تزوجت‭ ‬من‭ ‬مغترب‭ ‬بريطاني،‭ ‬ولم‭ ‬يمض‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬حتى‭ ‬أنجبت‭ ‬ابنة‭. ‬وبدافع‭ ‬قلة‭ ‬الخبرة‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬بدافع‭ ‬القناعة،‭ ‬بدأت‭ ‬دراكرمان‭ ‬تربي‭ ‬ابنتها،‭ ‬التي‭ ‬تلقبّها‭ ‬بيان‭ ‬Bean،‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الأمريكية‭. ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬كما‭ ‬تروي‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬تربية‭ ‬طفل‮»‬‭ ‬Bringing‭ ‬Up‭ ‬Bébé‭ (‬الناشر‭: ‬بينغوين‭ ‬بريس‭)‬،‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬بيان‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬أسوأ‭ ‬طفلة‭ ‬سلوكاً‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مطاعم‭ ‬باريس‭ ‬وحدائقها‭ ‬التي‭ ‬زارتها‭. ‬فالأطفال‭ ‬الفرنسيون‭ ‬كانوا‭ ‬يجلسون‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬طوال‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أصناف،‭ ‬أما‭ ‬بيان‭ ‬فبحلول‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬فيه‭ ‬فاتح‭ ‬الشهية،‭ ‬كنت‭ ‬تجدها‭ ‬تلقي‭ ‬بالطعام‭.‬

تحدثت‭ ‬دراكرمان‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمهات‭ ‬الفرنسيات،‭ ‬اللائي‭ ‬كن‭ ‬جميعاً‭ ‬راقيات‭ ‬والراحة‭ ‬بادية‭ ‬على‭ ‬معظمهن‭. ‬فعلمت‭ ‬أن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬تجاهل‭ ‬الأطفال‭ ‬مفيد‭ ‬لهم‭. ‬وهي‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬كتابها‭: ‬‮«‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الفرنسيون‭ ‬لا‭ ‬يقلقهم‭ ‬أنهم‭ ‬سيؤذون‭ ‬أطفالهم‭ ‬بتخييب‭ ‬أملهم‭. ‬بل‭ ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح،‭ ‬إذ‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬أطفالهم‭ ‬سيتضررون‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬خيبة‭ ‬الأمل‮»‬‭. ‬تقول‭ ‬إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬واسمها‭ ‬مارتين‭ ‬Martine‭ ‬لدراكرمان‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬دوماً‭ ‬تنتظر‭ ‬خمس‭ ‬دقائق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تحمل‭ ‬طفلتها‭ ‬الرضيعة‭ ‬عندما‭ ‬تبكي‭. ‬وفيما‭ ‬كانت‭ ‬دراكرمان‭ ‬ومارتين‭ ‬تتحدثان،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬مارتين‭ ‬الكائن‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الضواحي،‭ ‬نجد‭ ‬الابنة،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تبلغ‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬آنذاك،‭ ‬تخبز‭ ‬أكواب‭ ‬كيك‭ ‬بنفسها‭. ‬وكما‭ ‬توضح‭ ‬دراكرمان،‭ ‬فإن‭ ‬بيان‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬عمرها‭ ‬تقريباً،‭ ‬‮«‬لكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليخطر‭ ‬لي‭ ‬ببال‭ ‬أن‭ ‬أتركها‭ ‬تقوم‭ ‬بمهمة‭ ‬معقدة‭ ‬كهذه‭ ‬بمفردها‭ ‬تماماً‭... ‬سأجدني‭ ‬أشرف‭ ‬عليها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬ناحيتها‭ ‬ستقاوم‭ ‬إشرافي‭ ‬عليها‮»‬‭.‬

اكتشفت‭ ‬دراكرمان‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أيضاً‭ ‬قول‭ ‬‮«‬كلا‮»‬‭ ‬فحسب،‭ ‬فالآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الفرنسيون‭ ‬عندما‭ ‬يقولون‭ ‬كلا،‭ ‬يعنون‭ ‬فعلاً‭ ‬ما‭ ‬يقولون،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الأمريكيين‭. ‬وتقول‭ ‬دراكرمان‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬إن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬‮«‬يعتبرون‭ ‬التأقلم‭ ‬مع‭ ‬‮«‬كلا‮»‬‭ ‬خطوة‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬تطور‭ ‬الطفل‭. ‬فهي‭ ‬تجبرهم‭ ‬على‭ ‬إدراك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أشخاصاً‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لديهم‭ ‬احتياجات‭ ‬تتساوى‭ ‬في‭ ‬قوتها‭ ‬مع‭ ‬احتياجاتهم‮»‬‭.‬

 

مهام‭ ‬جديدة

وتقول‭ ‬إليزابيث‭ ‬كولبرت،‭ ‬الكاتبة‭ ‬الصحفية‭ ‬بمجلة‭ ‬‮«‬نيويوركر‮»‬‭: ‬‮«‬إنه‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬بالطويل،‭ ‬وعلى‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬أبناءنا‭ ‬ربما‭ ‬يصبحون‭ ‬أقرب‭ ‬قليلاً‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬أبناء‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا،‭ ‬كلفتهم‭ ‬أنا‭ ‬وزوجي‭ ‬بمهمة‭ ‬جديدة‭ ‬وهي‭ ‬تفريغ‭ ‬أكياس‭ ‬البقالة‭ ‬من‭ ‬السيارة‭. ‬

في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬أمة‭ ‬من‭ ‬الواهنين‭: ‬التكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬للتنشئة‭ ‬الاجتياحية‭ ‬للأطفال‮»‬‭ (‬الناشر‭: ‬برودواي‭)‬،‭ ‬تجادل‭ ‬هيرا‭ ‬إستروف‭ ‬مارانو‭ ‬Hara‭ ‬Estroff‭ ‬Marano‭ ‬بأن‭ ‬التصنيفات‭ ‬الجامعية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الملومة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ابتُليت‭ ‬به‭ ‬العائلة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬علل‭. ‬وتمضي‭ ‬حجتها‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭: ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬ذوو‭ ‬القدرات‭ ‬العالية‭ ‬ينتابهم‭ ‬القلق‭ ‬بشأن‭ ‬تقلص‭ ‬الفرص‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتاحة‭ ‬أمام‭ ‬أولادهم،‭ ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬إحدى‭ ‬الكليات‭ ‬الراقية‭ ‬من‭ ‬السبل‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬يُعطون‭ ‬بها‭ ‬أولادهم‭ ‬ميزة‭ ‬على‭ ‬غيرهم‭ ‬في‭ ‬السباق‭. ‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬هذه‭ ‬الميزة،‭ ‬نجدهم‭ ‬مستعدين‭ ‬لفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬تقريباً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالاعتناء‭ ‬بكل‭ ‬أعمال‭ ‬الطهي‭ ‬والتنظيف،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬مساعدة‭ ‬أولادهم‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬واجب‭ ‬الرياضيات‭ ‬المنزلي‭ ‬والإتيان‭ ‬بمدرسين‭ ‬خصوصيين‭ ‬يدربونهم‭ ‬على‭ ‬امتحان‭ ‬‮«‬سات‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬لزم‭ ‬الأمر‭ ‬مقاضاة‭ ‬مدرستهم‭ ‬الثانوية‭. ‬وتحكي‭ ‬مارانو،‭ ‬الصحفية‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬سيكولوجي‭ ‬توداي‮»‬،‭ ‬حكاية‭ ‬مدْرسة‭ ‬ثانوية‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬واشنطن،‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬طلابها‭ ‬كتابة‭ ‬مقال‭ ‬من‭ ‬ثماني‭ ‬صفحات‭ ‬وتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬شفهي‭ ‬مدته‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬قبل‭ ‬التخرج‭. ‬وعندما‭ ‬حصل‭ ‬أحد‭ ‬طلاب‭ ‬السنة‭ ‬النهائية‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬رسوب‭ ‬في‭ ‬مشروعه،‭ ‬وكّل‭ ‬أبواه‭ ‬محاميا‭ ‬لإقامة‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬على‭ ‬المدرسة‭.‬

 

آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬هليكوبتر

يشكو‭ ‬ناظر‭ ‬مدرسة‭ ‬سابق‭ ‬لمارانو‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬اليوم‭ ‬ليسوا‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬آباء‭ ‬وأمهات‭ ‬هليكوبتر‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬هم‭ ‬نموذج‭ ‬هجومي‭ ‬توربيني‭ ‬يعمل‭ ‬بالوقود‭ ‬النفاث‮»‬‭. ‬ويشكو‭ ‬مربون‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬‮«‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬الكاسحات‭ ‬الجليد‮»‬،‭ ‬الذين‭ ‬يحاولون‭ ‬إزالة‭ ‬جميع‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تعترض‭ ‬طريق‭ ‬أولادهم‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الأثناء،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬نتاج‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التحليق‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬ربما‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬تدبير‭ ‬أمورهم‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬مساعدة‭ ‬الأسرة‭. ‬ووفقاً‭ ‬لبحث‭ ‬أجراه‭ ‬علماء‭ ‬اجتماع‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬بوسطن،‭ ‬فإن‭ ‬الاحتمال‭ ‬الأكبر‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬انشغال‭ ‬طلاب‭ ‬اليوم‭ ‬المستجدين‭ ‬بصعوبة‭ ‬متطلبات‭ ‬تعليمهم‭ ‬العالي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬انشغالهم‭ ‬بـ«كيفية‭ ‬تدبيرهم‭ ‬لوجستيات‭ ‬حياتهم‭ ‬اليومية‮»‬‭.‬

من‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تمخضت‭ ‬عنها‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬على‭ ‬أُسر‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬الحياة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‮»‬‭ ‬Life‭ ‬at‭ ‬Home‭ ‬in‭ ‬the‭ ‬Twenty‭-‬First‭ ‬Century‭ (‬الناشر‭: ‬معهد‭ ‬كوتسين‭ ‬لعلوم‭ ‬الآثار‭) ‬يصفه‭ ‬مؤلفوه‭ - ‬وهم‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬جيان‭ ‬أرنولد‭ ‬Jeanne‭ ‬Arnold،‭ ‬الأستاذة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬كاليفورنيا‭ ‬بلوس‭ ‬أنجلوس،‭ ‬وأنتوني‭ ‬غرايش‭ ‬Anthony‭ ‬Graesch،‭ ‬الأستاذ‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬كونكتيكت،‭ ‬وإلينور‭ ‬أوكس‭ - ‬بأنه‭ ‬‮«‬إثنوغرافيا‭ ‬بصرية‭ ‬للأسر‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‮»‬‭. ‬ويقدم‭ ‬الكتاب‭ - ‬الغني‭ ‬بالصور‭ ‬التوضيحية‭ (‬بعدسة‭: ‬إنزو‭ ‬راغاتسيني‭ ‬Enzo‭ ‬Ragazzini‭) ‬لبيوت‭ ‬هذه‭ ‬الأسر‭ ‬وأفنيتها‭ - ‬لمحة‭ ‬دقيقة‭ ‬على‭ ‬لب‭ ‬الثقافة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المليء‭ ‬بالنفايات‭.‬

يشير‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬قصار‮»‬،‭ ‬سوف‭ ‬تُراكم‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬ما‭ ‬‮«‬يفوق‭ ‬السعة‭ ‬القصوى‭ ‬لمنازلهم‮»‬‭. ‬والنتيجة‭ ‬هي‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الجراجات‮»‬‭ ‬لشغلها‭ ‬بالأثاثات‭ ‬القديمة‭ ‬والمعدات‭ ‬الرياضية‭ ‬غير‭ ‬المستعملة،‭ ‬والتخلي‭ ‬عن‭ ‬غرف‭ ‬المكاتب‭ ‬المنزلية‭ ‬لملئها‭ ‬بصناديق‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تُحشر‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬‮«‬الجراج‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬منزل‭ ‬ممتلئ‭ ‬عن‭ ‬آخره‭ ‬بالأشياء،‭ ‬نجد‭ ‬كابينة‭ ‬‮«‬الدش‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬خُصصت‭ ‬لتخزين‭ ‬الملابس‭ ‬المتسخة‭.‬

يُنتج‭ ‬الأطفال‭ - ‬بحسب‭ ‬‮«‬الحياة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‮»‬‭ - ‬الكراكيب‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬متناسب؛‭ ‬حيث‭ ‬‮«‬يؤدي‭ ‬كل‭ ‬طفل‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬مخزون‭ ‬الأسرة‭ ‬من‭ ‬المقتنيات‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬المدرسة‭ ‬وحدها‮»‬‭. ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬الأطفال‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬الصور‭ ‬مزدحمة‭ ‬جداً‭ ‬بالملابس‭ ‬والدمى‭ - ‬الملقى‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬الأرضية‭ - ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬ممر‭ ‬نافذ‭ ‬إلى‭ ‬السرير‭. (‬هناك‭ ‬غرفة‭ ‬خاصة‭ ‬بفتاة‭ ‬صغيرة‭ ‬تحتوي‭ - ‬وفقاً‭ ‬لإحصاء‭ ‬المؤلفين‭ - ‬على‭ ‬مائتي‭ ‬وثماني‭ ‬وأربعين‭ ‬عروسة‭ ‬من‭ ‬ضمنها‭ ‬مائة‭ ‬وخمس‭ ‬وستون‭ ‬دمية‭ ‬محشوة‭ ‬ماركة‭ ‬‮«‬بيني‭ ‬بيبي‮»‬‭). ‬بل‭ ‬إن‭ ‬مقتنيات‭ ‬الأطفال‭ - ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬وكؤوس‭ ‬كرة‭ ‬التّي‭ ‬بول‭ - ‬تفيض‭ ‬على‭ ‬الغرف‭ ‬الأخرى،‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬المنزل‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬المؤلفون‭ ‬‮«‬إطلالة‭ ‬متمحورة‭ ‬بشدة‭ ‬حول‭ ‬الأطفال‮»‬‭.‬

 

ثقافة‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي

عندما‭ ‬يدرس‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬الثقافات‭ ‬مثل‭ ‬ثقافة‭ ‬قبيلة‭ ‬ماتسيجينكا،‭ ‬يرون‭ ‬عادة‭ ‬أنماطاً،‭ ‬حيث‭ ‬يثمّن‭ ‬أبناء‭ ‬ماتسيجينكا‭ ‬العمل‭ ‬الجاد‭ ‬والاكتفاء‭ ‬الذاتي،‭ ‬وترسخ‭ ‬طقوسهم‭ ‬اليومية،‭ ‬وممارساتهم‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬أطفالهم،‭ ‬بل‭ ‬وحكاياتهم‭ ‬الشعبية،‭ ‬هذه‭ ‬القيم،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬بمنفعة‭ ‬واضحة‭ ‬على‭ ‬مُزارعي‭ ‬الكفاف‭. ‬تتضمن‭ ‬قصص‭ ‬ماتسيجينكا‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحوال‭ ‬شخصيات‭ ‬يقضي‭ ‬عليها‭ ‬الكسل،‭ ‬والأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬تصلهم‭ ‬الرسالة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله،‭ ‬يتم‭ ‬تدليكهم‭ ‬بنبات‭ ‬يسبب‭ ‬الشعور‭ ‬بالحكّة‭.‬

كما‭ ‬يوضح‭ ‬د‭. ‬ميلفين‭ ‬كونر‭ ‬Melvin‭ ‬Konner،‭ ‬أستاذ‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬المشارك‭ ‬وأستاذ‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬إيموري،‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬تطور‭ ‬الطفولة‮»‬‭ ‬The‭ ‬Evolution‭ ‬of‭ ‬Childhood‭ (‬الناشر‭: ‬بيلناب‭) ‬أن‭ ‬إحدى‭ ‬السمات‭ ‬المميزة‭ ‬للجنس‭ ‬البشري‭ ‬هي‭ ‬‮«‬فترة‭ ‬الطفولة‭ ‬المطوّلة‮»‬‭. ‬فمقارنة‭ ‬بالقردة‭ ‬الأخرى،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬يولدون‭ ‬غير‭ ‬مكتملي‭ ‬النضج‭. ‬فالشمبانزي،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يولد‭ ‬بمخ‭ ‬حجمه‭ ‬نصف‭ ‬حجم‭ ‬مخ‭ ‬الشمبانزي‭ ‬البالغ،‭ ‬أما‭ ‬أطفال‭ ‬البشر،‭ ‬فيولدون‭ ‬بمخ‭ ‬لا‭ ‬يبلغ‭ ‬إلا‭ ‬ثلث‭ ‬حجم‭ ‬المخ‭ ‬البشري‭ ‬البالغ‭ ‬صاحبه‭. ‬ويصل‭ ‬الشمبانزي‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬البلوغ‭ ‬بعد‭ ‬فطامه‭ ‬بفترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬أما‭ ‬البشر‭ ‬فيستغرقون‭ ‬عقداً‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬كي‭ ‬يصلوا‭ ‬إلى‭ ‬البلوغ‭. ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭ ‬متى‭ ‬بالضبط‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬تطور‭ ‬الإنسان‭ ‬بدأ‭ ‬يتباطأ‭ ‬تطور‭ ‬الصغار،‭ ‬لكن‭ ‬حتى‭ ‬الإنسان‭ ‬العامل‭ ‬Homo‭ ‬ergaster،‭ ‬الذي‭ ‬تطور‭ ‬منذ‭ ‬نحو‭ ‬1‭.‬8‭ ‬مليون‭ ‬سنة،‭ ‬يبدو‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ - ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الكلمة‭ ‬الصحيحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ - ‬بفترة‭ ‬طفولة‭ ‬مطولة‭. ‬وفي‭ ‬أحوال‭ ‬كثيرة،‭ ‬يجادل‭ ‬علماء‭ ‬الأنثروبولوجيا‭ ‬بأن‭ ‬الجدول‭ ‬الزمني‭ ‬المطوّل‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬البشر‭ ‬بشراً‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭. ‬فحقيقة‭ ‬أننا‭ ‬ننمو‭ ‬ببطء‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬اكتساب‭ ‬اللغة‭ ‬وبناء‭ ‬هياكل‭ ‬اجتماعية‭ ‬معقدة‭ ‬أمراً‭ ‬ممكناً‭.‬

الاتجاه‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬التاريخ‭ ‬البشري‭ ‬يظهر‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭. ‬فكلما‭ ‬رجعت‭ ‬بالزمن‭ ‬إلى‭ ‬الوراء،‭ ‬وجدت‭ ‬الأطفال‭ ‬ينمون‭ ‬بشكل‭ ‬أسرع‭. ‬ففي‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬الوسطى،‭ ‬كان‭ ‬الأطفال‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬السابعة‭ ‬يُلحَقون‭ ‬بأعمال‭ ‬البالغين‭. ‬وقد‭ ‬أخّر‭ ‬التعليم‭ ‬الإلزامي،‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬تطبيقه‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬سن‭ ‬النضج‭ ‬إلى‭ ‬سن‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬ذلك‭. ‬وبحلول‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬بدا‭ ‬أن‭ ‬التخرج‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬يمثل‭ ‬خط‭ ‬تقسيم‭ ‬جديداً‭. ‬أما‭ ‬الآن،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نثق‭ ‬بالمخرج‭ ‬جَد‭ ‬أباتاو‭ ‬Judd‭ ‬Apatow،‭ ‬فمن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يناهز‭ ‬المرء‭ ‬الأربعين‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭.‬من‭ ‬منظور‭ ‬تطوري،‭ ‬هذا‭ ‬التأخر‭ ‬الإضافي‭ ‬معقول‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭. ‬ففي‭ ‬عالم‭ ‬متزايد‭ ‬التعقيد‭ ‬ويشهد‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬انعدام‭ ‬الاستقرار‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم،‭ ‬من‭ ‬الجائز‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تأخر‭ ‬النضج‭ ‬إلى‭ ‬أطول‭ ‬فترة‭ ‬ممكنة‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التكيف‭. ‬ووفقاً‭ ‬لهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬التفكير،‭ ‬فإن‭ ‬البقاء‭ ‬صغيراً‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬يعني‭ ‬الجاهزية‭ ‬دائما‭ ‬للشيء‭ ‬الهائل‭ ‬التالي‭ (‬أيًّا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الشيء‭).‬

مرحلة‭ ‬المراهقة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬فيها‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬تماماً؛‭ ‬أي‭ ‬ليست‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬التقدم،‭ ‬بل‭ ‬أمارة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬تراجع‭ ‬عام،‭ ‬فتجاهل‭ ‬المرء‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يفعلها‭ ‬هو‭ ‬دائماً‭ ‬أسهل‭ ‬الحلول،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬تربية‭ ‬الأطفال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬أو‭ ‬التعليم‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭. ‬والافتقار‭ ‬إلى‭ ‬الانضباط‭ ‬ظاهر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ناحية‭ ‬تقريباً‭ ‬من‭ ‬نواحي‭ ‬مجتمعاتنا‭. ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الحال‭ ‬هكذا‭ ‬مسألة‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير،‭ ‬هكذا‭ ‬يقول‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬يُخرج‭ ‬القمامة‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬يربط‭ ‬أربطة‭ ‬أحذية‭ ‬أطفاله‭ ‬