شيخ الأزهر محمد الخضر حسين

شيخ الأزهر محمد الخضر حسين

نشأ‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الخضر‭ ‬حسين‭ ‬طالباً‭ ‬للعلم،‭ ‬فحفظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬ودرس‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬واللغوية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العلماء،‭ ‬منهم‭ ‬خاله‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬المكي‭ ‬بن‭ ‬عزوز،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يرعاه‭ ‬ويهتم‭ ‬به‭. ‬ولما‭ ‬بلغ‭ ‬الشيخ‭ ‬سن‭ ‬الثالثة‭ ‬عشرة‭ ‬انتقل‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬الزيتونة،‭ ‬وهناك‭ ‬درس‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬خاله‭ ‬ودرس‭ ‬كذلك‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬مشايخ‭ ‬آخرين‭ ‬من‭ ‬أبرزهم‭ ‬الشيخ‭ ‬سالم‭ ‬بوحاجب،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬أعمدة‭ ‬الإصلاح‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬ودرس‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬‮«‬صحيح‭ ‬البخاري‮»‬‭.‬

والحديث‭ ‬عن‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الخضر‭ ‬حسين‭ ‬يطول‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدعوة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬حيث‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1903‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬وطنه‭ ‬بعد‭ ‬غياب‭ ‬سنوات‭ ‬عنها‭ ‬ليكون‭ ‬قاضياً‭ ‬فيها،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬أسوة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يتحاشون‭ ‬مجلس‭ ‬القضاء‭ ‬لما‭ ‬فيه،‭ ‬مكرهاً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عمه‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الطاهر‭ ‬بن‭ ‬عاشور،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنصب‭ ‬شهوراً‭ ‬قليلة‭ ‬ثم‭ ‬استقال‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬حيث‭ ‬عاود‭ ‬التدريس‭ ‬في‭ ‬جامع‭ ‬الزيتونة‭. ‬وانضم‭ ‬إلى‭ ‬الجمعية‭ ‬الزيتونية‭ ‬التي‭ ‬يرأسها‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الطاهر‭ ‬بن‭ ‬عاشور،‭ ‬وهي‭ ‬خاصة‭ ‬بمشايخ‭ ‬جامع‭ ‬الزيتونة،‭ ‬وأقام‭ ‬بها‭ ‬خزانة‭ ‬كتب،‭ ‬ثم‭ ‬عمل‭ ‬بالتدريس‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬الصادقية،‭ ‬فكانت‭ ‬الثانوية‭ ‬الوحيدة‭ ‬في‭ ‬تونس‭. ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ضُيّق‭ ‬عليه‭ ‬فخرج‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭. ‬بعدها‭ ‬غادرها‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬ليزور‭ ‬خاله‭ ‬محمد‭ ‬المكي‭ ‬بن‭ ‬عزوز‭ ‬الذي‭ ‬اتخذها‭ ‬موطناً‭ ‬له،‭ ‬والذي‭ ‬لم‭ ‬يلقه‭ ‬منذ‭ ‬15‭ ‬سنة،‭ ‬وبقي‭ ‬معه‭ ‬شهرين‭ ‬ثم‭ ‬ارتحل‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭. ‬وظل‭ ‬فيها‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬رجعة‭ ‬لما‭ ‬ضيق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬الاستخراب‮»‬‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬1912،‭ ‬فوصل‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬ثم‭ ‬غادرها‭ ‬إلى‭ ‬الحجاز‭ ‬بواسطة‭ ‬السكة‭ ‬الحديد‭ ‬لأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭.‬

 

في‭ ‬الزيتونة

تعلَّم‭ ‬في‭ ‬‮«‬الزيتونة‮»‬‭ ‬وعلَّم‭ ‬فيها‭ ‬مكان‭ ‬أحد‭ ‬الأساتذة‭ ‬الذين‭ ‬تركوا‭ ‬بصمة‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم‭ ‬في‭ ‬التمسك‭ ‬بأخلاق‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬قولاً‭ ‬وفعلاً،‭ ‬حيث‭ ‬تخرج‭ ‬في‭ ‬الزيتونة‭ ‬عام‭ ‬1898م‭ ‬وبدأ‭ ‬مسيرة‭ ‬حياته‭ ‬العملية،‭ ‬حيث‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬متطوعاً‭ ‬للتدريس،‭ ‬وكان‭ ‬أصغر‭ ‬المدرسين‭ ‬والمعلمين‭ ‬سناً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1914‭ ‬أنشأ‭ ‬مجلة‭ ‬خاصة‭ ‬به‭ ‬تعنى‭ ‬بالثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والدعوة‭ ‬وأطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬السعادة‭ ‬العظمى‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬أول‭ ‬مجلة‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬وكانت‭ ‬تصدر‭ ‬مرتين‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الميلادي،‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الشهر‭ ‬ومنتصفه،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المجلة‭ ‬21‭ ‬عدداً،‭ ‬ثم‭ ‬توقفت‭ ‬عن‭ ‬الصدور،‭ ‬ربما‭ ‬لأسباب‭ ‬مادية‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬كانت‭ ‬تتسم‭ ‬بالنقد‭ ‬الهادف‭ ‬والتفكير‭ ‬الجيد‭.‬

واستمر‭ ‬في‭ ‬التدريس‭ ‬بالزيتونة‭ ‬فترة‭ ‬ليست‭ ‬بالقصيرة،‭ ‬ثم‭ ‬ارتحل‭ ‬عنها‭ ‬قاصداً‭ ‬الشام‭ ‬وتحديداً‭ ‬سورية‭ ‬لوجود‭ ‬أقارب‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تونس،‭ ‬وهم‭ ‬ثلاثة‭ ‬إخوة‭ ‬أدباء‭ ‬فضلاء‭ ‬استقروا‭ ‬في‭ ‬الشام،‭ ‬وكان‭ ‬منهم‭ ‬شقيقه‭ ‬زين‭ ‬العابدين،‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يلقي‭ ‬الدروس‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الأموي،‭ ‬فأراد‭ ‬الشيخ‭ ‬الخضر‭ ‬زيارتهم‭ ‬فغادر‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬ووصل‭ ‬إليها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البحر‭ ‬سنة‭ ‬1912‭ ‬ماراً‭ ‬بمالطا‭ ‬ثم‭ ‬الإسكندرية‭ ‬ثم‭ ‬القاهرة،‭ ‬وألقى‭ ‬بها‭ ‬درساً‭ ‬بالأزهر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬المصرية،‭ ‬ومكث‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة،‭ ‬حيث‭ ‬ألقى‭ ‬خطبة‭ ‬في‭ ‬الأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬نالت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإعجاب‭ ‬والتقدير،‭ ‬ثم‭ ‬ترك‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬بورسعيد‭ ‬ثم‭ ‬يافا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وحيفا،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مدينة‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬كان‭ ‬يزور‭ ‬الأدباء‭ ‬والعلماء‭ ‬ليطلع‭ ‬على‭ ‬كتبهم،‭ ‬ثم‭ ‬دخل‭ ‬الشام‭ ‬واستُقبل‭ ‬اســتقبالاً‭ ‬حافلاً‭ ‬وألقى‭ ‬دروساً‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬الأموي‭ ‬في‭ ‬الحديث،‭ ‬نظراً‭ ‬لمكانته‭ ‬العلمية‭ ‬وغيرته‭ ‬على‭ ‬دينه‭ ‬ولغته،‭ ‬حيث‭ ‬عُرف‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬محب‭ ‬للغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬لغة‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬التي‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬مدرسته‭ ‬في‭ ‬الفقه،‭ ‬وكونه‭ ‬رجلاً‭ ‬متفقهاً‭ ‬في‭ ‬الدين‭. ‬مكث‭ ‬في‭ ‬سورية‭ ‬وقتاً‭ ‬ثم‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭.‬

 

من‭ ‬البلقان‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا

وبعد‭ ‬مغادرته‭ ‬دمشق‭ ‬زار‭ ‬ألبانيا‭ ‬وبلاد‭ ‬البلقان،‭ ‬ثم‭ ‬ذهب‭ ‬إلى‭ ‬الأستانة،‭ ‬ثم‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬واستقرّ‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الميدان‭ ‬ببيت‭ ‬إخوته‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه‭ ‬إلى‭ ‬هناك،‭ ‬ودرس‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬المدرسة‭ ‬السلطانية،‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬سجنه‭ ‬جمال‭ ‬باشا‭ ‬السفاح‭ ‬والي‭ ‬الشام‭ ‬العثماني‭ ‬سنة‭ ‬1916،‭ ‬متهماً‭ ‬إياه‭ ‬بالتآمر‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬6‭ ‬أشهر‭ ‬وقيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬فلما‭ ‬خرج‭ ‬منه‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬التدريس‭ ‬بالمدرسة‭ ‬السلطانية‭ ‬والجامع‭ ‬الأموي‭. ‬ثم‭ ‬طلبته‭ ‬وزارة‭ ‬الحربية‭ ‬العثمانية‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬لصياغة‭ ‬الرسائل‭ ‬العربية،‭ ‬فغادر‭ ‬دمشق‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬ومن‭ ‬هناك‭ ‬أرسلته‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المشايخ‭ ‬في‭ ‬مهمة‭ ‬سياسية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تحريض‭ ‬المغاربة‭ ‬هناك‭ ‬ضد‭ ‬الوجود‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬وضد‭ ‬الإيطاليين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭.‬

فبقي‭ ‬9‭ ‬أشهر،‭ ‬تعلَّم‭ ‬فيها‭ ‬اللغة‭ ‬الألمانية‭ ‬واطلع‭ ‬على‭ ‬عادات‭ ‬المجتمع‭ ‬الألماني،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬فبقي‭ ‬فيها‭ ‬قليلاً،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬برلين‭ ‬ليقيم‭ ‬فيها‭ ‬7‭ ‬أشهر،‭ ‬وشارك‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬تقرير‭ ‬مفصَّل‭ ‬عن‭ ‬مطالب‭ ‬الشعبين‭ ‬الجزائري‭ ‬والتونسي،‭ ‬وقد‭ ‬رفع‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬الصلح‭ ‬المنعقد‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬سنة‭ ‬1917،‭ ‬وأنشأ‭ ‬هناك‭ ‬مسجداً‭ ‬للجنود‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬برلين‭ ‬وألقى‭ ‬فيه‭ ‬محاضرة‭ ‬عن‭ ‬الحرية،‭ ‬ولم‭ ‬يأكل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬إقامته‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬اللحم،‭ ‬لأن‭ ‬الألمان‭ ‬لا‭ ‬يذبحون‭ ‬وفق‭ ‬الشريعة‭ ‬الإسلامية‭. ‬وقد‭ ‬أعجب‭ ‬بحب‭ ‬الألمان‭ ‬للعمل‭ ‬وإقبالهم‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬العجائز‭ ‬منهم‭. ‬ولما‭ ‬سقطت‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الخلفاء‭ ‬غادر‭ ‬هامبورج‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬بباخرة‭ ‬أقلّته‭ ‬ومَن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬العثمانيين،‭ ‬ومنها‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬دمشق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬خضعت‭ ‬للحكم‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬زوال‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني‭ ‬بقيادة‭ ‬فيصل‭ ‬بن‭ ‬شريف‭ ‬حسين‭. ‬وفي‭ ‬دمشق‭ ‬انضم‭ ‬إلى‭ ‬المجمع‭ ‬العلمي‭ ‬العربي‭  ‬عضواً‭ ‬عاملاً،‭ ‬وعندما‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬بقي‭ ‬عضواً‭ ‬مراسلاً‭ ‬للمجمع‭. ‬ولما‭ ‬سقطت‭ ‬الشام‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1920‭ ‬ما‭ ‬وسعه‭ ‬المقام‭ ‬فيها،‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬حكموا‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬غيابياً‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬لاتهامه‭ ‬بالمشاركة‭ ‬في‭ ‬تحريض‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬على‭ ‬الثورة‭ ‬ضد‭ ‬الفرنسيين‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فهرب‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭.‬

وبقي‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬حياته‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬مصححاً‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬الكتب‭ ‬المصرية‭ ‬بشفاعة‭ ‬أحمد‭ ‬تيمور‭ ‬باشا‭. ‬وفي‭ ‬القاهرة‭ ‬أنشأ‭ ‬جمعية‭ ‬تعاون‭ ‬جاليات‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشمالية‭ ‬التي‭ ‬تهتم‭ ‬بالمقاربة‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬وذلك‭ ‬سنة‭ ‬1924‭.‬

 

دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬أفريقيا‭ ‬الشمالية

يذكر‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬ألَّف‭ ‬جمعية‭ ‬جبهة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬إفريقيا‭ ‬الشمالية،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬المدة‭ ‬أسقط‭ ‬كمال‭ ‬أتاتورك‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬طلع‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬ليكون‭ ‬مهداً‭ ‬للخلافة،‭ ‬فاتجهت‭ ‬الأنظار‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭. ‬وخلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬ألّف‭ ‬الشيخ‭ ‬كتابه‭ ‬المشهور‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬كتاب‭ ‬الإسلام‭ ‬وأصول‭ ‬الحكم‮»‬‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬وفحوى‭ ‬كتابه‭ ‬الذي‭ ‬أساء‭ ‬إلى‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬رد‭ ‬عليه‭ ‬شيخنا‭ ‬نال‭ ‬به‭ ‬حظوة‭ ‬عند‭ ‬الملك‭ ‬فؤاد‭ ‬الأول،‭ ‬وجمع‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬والأدباء‭ ‬والمفكرين‭ ‬والمثقفين،‭ ‬وعظمت‭ ‬به‭ ‬شهرته‭ ‬وطار‭ ‬به‭ ‬صيته‭. ‬وقد‭ ‬أهدى‭ ‬الكتاب‭ ‬لخزانة‭ ‬الملك‭ ‬فؤاد‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬حمل‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬الفكر‭ ‬والدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬واللغة‭ ‬العربية،‭ ‬إذ‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‭ ‬بكتاب‭ ‬يحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬نقد‭ ‬كتاب‭ ‬الشعر‭ ‬الجاهلي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬باعتراف‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الردود‭ ‬عليه‭ ‬وأشدها‭ ‬حجة‭ ‬عن‭ ‬كتابه‭ ‬السابق‭ ‬الذكر‭.‬

وفي‭ ‬سنة‭ ‬1928‭ ‬شارك‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬الشبان‭ ‬المسلمين‭ ‬ووضع‭ ‬لائحتها‭ ‬مع‭ ‬محب‭ ‬الدين‭ ‬الخطيب،‭ ‬وكذلك‭ ‬أنشأ‭ ‬جمعية‭ ‬الهداية‭ ‬الإسلامية‭ ‬مع‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬مصطفى‭ ‬المراغي‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬نفسها‭.‬

ولما‭ ‬رأى‭ ‬الشيخ‭ ‬التفسخ‭ ‬الخلقي‭ ‬آخذاً‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬بين‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬مصر‭ ‬آنذاك،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الجمعية‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬والإلحاد‭ ‬والتعريف‭ ‬بالإسلام‭ ‬والسعي‭ ‬إلى‭ ‬تمتين‭ ‬الصلات‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬الإسلامية،‭ ‬والسعي‭ ‬لإصلاح‭ ‬شأن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬وإحياء‭ ‬آدابها،‭ ‬أصدر‭ ‬مجلة‭ ‬الهداية‭ ‬الإسلامية‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬لتكون‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬الجمعية،‭ ‬وكان‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬الخضر‭ ‬حسين‭ ‬رئيساً‭ ‬لها‭. ‬وفتحت‭ ‬منها‭ ‬الجمعية‭ ‬فروعاً‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وسورية‭ ‬والعراق،‭ ‬وقد‭ ‬توقف‭ ‬صدور‭ ‬المجلة‭ ‬أثناء‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬1945‭ ‬