وللفقهاء نصيبٌ من الغزل

وللفقهاء نصيبٌ من الغزل

لم‭ ‬يترفع‭ ‬الفقهاء‭ ‬والعلماء‭ ‬عن‭ ‬الشعر‭ ‬بجميع‭ ‬أغراضه،‭ ‬وكان‭ ‬للغزل‭ ‬نصيب‭ ‬من‭ ‬أشعارهم،‭ ‬ويمتلئ‭ ‬أدبنا‭ ‬العربي‭ ‬بالجيد‭ ‬من‭ ‬أشعارهم‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬والغزل‭ ‬ووصف‭ ‬النساء،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬عنهم‭ ‬سمت‭ ‬الوقار‭.‬

استمع‭ ‬النبي‭ - ‬‭ - ‬إلى‭ ‬كعب‭ ‬بن‭ ‬زهير‭ ‬وهو‭ ‬يلقي‭ ‬قصيدته‭ ‬المشهورة‭ ‬‮«‬بانت‭ ‬سعاد‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬يبدأها‭ ‬بالغزل‭ ‬كعادة‭ ‬الشعراء‭ ‬القدامى،‭ ‬ويقول‭ ‬فيها‭:‬

بَانَتْ‭ ‬سُعَادُ،‭ ‬فَقَلْبي‭ ‬اليَـوْمَ‭ ‬مَتْبُولُ

مُتيَّمٌ‭ ‬إثرَها،‭ ‬لَــمْ‭ ‬يُفْدَ،‭ ‬مَكْبولُ

وما‭ ‬ســعادُ‭ ‬غداةَ‭ ‬البَيْنِ‭ ‬إذ‭ ‬برزت

إلا‭ ‬أغنُّ‭ ‬غضيضُ‭ ‬الطرْفِ‭ ‬مكحولُ

تجلو‭ ‬عوارضَ‭ ‬ذي‭ ‬ظَلم‭ ‬إذا‭ ‬ابتسمتْ

كأنهـــا‭ ‬مُنْهَلٌ‭ ‬بالرّاح‭ ‬معلولُ

هيفـاءُ‭ ‬مُقبلةٌ‭ ‬عجزاءُ‭ ‬مدبرةٌ

لا‭ ‬يشتكى‭ ‬قِصَرٌ‭ ‬منهــا‭ ‬ولا‭ ‬طولُ

ويُقال‭ ‬إن‭ ‬النبي‭ - ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ - ‬كساه‭ ‬بردة‭ ‬اشتراها‭ ‬معاوية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بعشرين‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭.‬

وكان‭ ‬عمر‭ - ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ - ‬يتمثل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬وكان‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬يصغي‭ ‬إلى‭ ‬إمام‭ ‬الغزليين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬ربيعة،‭ ‬ويروي‭ ‬شعره‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬ولا‭ ‬يجد‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭.‬

وكان‭ ‬الحسن‭ ‬البصري‭ ‬يستشهد‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬وعظه،‭ ‬بقول‭ ‬الشاعر‭:‬

اليوم‭ ‬عندك‭ ‬دَلها‭ ‬وحديثها

وغداً‭ ‬لغيرك‭ ‬كفها‭ ‬والمعصم

وسُئل‭ ‬أبوالسائب‭ ‬المخزومي‭ - ‬شيخ‭ ‬من‭ ‬شيوخ‭ ‬قريش‭ ‬وسادتها‭ - ‬يوماً‭: ‬أترى‭ ‬أحداً‭ ‬لا‭ ‬يشتهي‭ ‬النسيب؟‭ ‬فقال‭: ‬أما‭ ‬من‭ ‬يؤمن‭ ‬بالله‭ ‬واليوم‭ ‬الآخر‭ ‬فلا‭. ‬وهناك‭ ‬بحث‭ ‬جميل‭ ‬ورائع‭ ‬للشيخ‭ ‬علي‭ ‬الطنطاوي‭ - ‬رحمه‭ ‬الله‭ - ‬بعنوان‭ ‬‮«‬من‭ ‬غزل‭ ‬الفقهاء‮»‬‭ ‬رصد‭ ‬فيه‭ ‬بعضاً‭ ‬من‭ ‬أشعار‭ ‬الغزل‭ ‬للفقهاء‭. ‬وبالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬كتب‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬أئمة‭ ‬الدين‭ ‬وأعلام‭ ‬الهدى‭ ‬طالما‭ ‬شنفوا‭ ‬الأسماع‭ ‬بأشعار‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الرقة‭ ‬والعذوبة،‭ ‬ومنهم‭ ‬عروة‭ ‬بن‭ ‬أذينة‭ ‬الفقيه‭ ‬المحدّث‭ ‬شيخ‭ ‬الإمام‭ ‬مالك‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭:‬

إنَّ‭ ‬التي‭ ‬زَعَمَتْ‭ ‬فُؤادَكَ‭ ‬مَلَّهــا

خُلِقَتْ‭ ‬هواكَ‭ ‬كما‭ ‬خُلِقْتَ‭ ‬هوىً‭ ‬لها

فيكَ‭ ‬الذي‭ ‬زَعَمَتْ‭ ‬بها‭ ‬وكلاكما

يُبدي‭ ‬لصاحبِهِ‭ ‬الصبــابةَ‭ ‬كلَّها

ويبيتُ‭ ‬بين‭ ‬جوانحي‭ ‬حبٌّ‭ ‬لهـــــا

لو‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬فراشِهــــا‭ ‬لأقلَّها

ولعمرُها‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬حبُّكَ‭ ‬فوقَهــا

يوماً‭ ‬وقد‭ ‬ضَحيَت‭ ‬إذن‭ ‬لأظلَّهـا

وإذا‭ ‬وَجَدْتَ‭ ‬لها‭ ‬وَساوِسَ‭ ‬سَلْوَةٍ

شَفَعَ‭ ‬الفؤادُ‭ ‬إلـــــــى‭ ‬الضميرِ‭ ‬فسلَّها

بيضاءُ‭ ‬باكرها‭ ‬النعيمُ‭ ‬فصاغَهــا

‭ ‬بلباقـةٍ‭ ‬فأَدَقَّها‭ ‬وأَجَلَّها

لمَا‭ ‬عَرَضتُ‭ ‬مُسَلِّمًا‭ ‬ليَ‭ ‬حَاجـة

أرجـو‭ ‬معونَتَها‭ ‬وأخشى‭ ‬ذُلَّها

مَنَعَت‭ ‬تحيَّتَها‭ ‬فقلتُ‭ ‬لصاحبي

ما‭ ‬كــانَ‭ ‬أكثرَها‭ ‬لنا‭ ‬وأقلَّها‭!‬

فَدَنا،‭ ‬فقــالَ‭ ‬لعلَّها‭ ‬مَعْذورةٌ

مـــن‭ ‬أجْلِ‭ ‬رِقْبَتِها،‭ ‬فقلتُ‭: ‬لعلَّها‭!‬

هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬التي‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬إعجاب‭ ‬الناس‭ ‬بها‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬السائب‭ ‬المخزومي‭ ‬لما‭ ‬سمعها‭ ‬حلف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يأكل‭ ‬بها‭ ‬طعاماً‭ ‬إلى‭ ‬الليل‭!‬

وله‭ ‬شعر‭ ‬جميل‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭:‬

قالت‭ ‬وأبثثْتُها‭ ‬وَجْدِي‭ ‬فبُحْتُ‭ ‬بـــــــــه

قد‭ ‬كنتَ‭ ‬عندي‭ ‬تُحِبُّ‭ ‬الستر‭ ‬فاسْتَتِرِ

ألستَ‭ ‬تُبْصِرُ‭ ‬مَن‭ ‬حَولي‭ ‬فقلتُ‭ ‬لها

غَطَّي‭ ‬هَواكِ‭ ‬ومـــــــــا‭ ‬أَلقَى‭ ‬على‭ ‬بَصَرِي

‭ ‬هذا‭ ‬الشاعر‭ ‬الفقيه‭ ‬أوقد‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬ناراً‭ ‬لا‭ ‬يطفئها‭ ‬الماء؛‭ ‬ولكن‭ ‬يخمدها‭ ‬وصال‭ ‬الحبيب،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭:‬

إذا‭ ‬وجدتُ‭ ‬أوار‭ ‬الحبّ‭ ‬في‭ ‬كبدي

أقبلتُ‭ ‬نحو‭ ‬سقاءِ‭ ‬الماءِ‭ ‬أبتردُ

هبني‭ ‬بردتُ‭ ‬ببردِ‭ ‬المــــــــــــــاءِ‭ ‬ظاهرهُ‭    

فمن‭ ‬لنارٍ‭ ‬على‭ ‬الأحشاءِ‭ ‬تتقدُ؟‭!‬

سمعت‭ ‬امرأة‭ ‬هذين‭ ‬البيتين‭ ‬فقالت‭ ‬له‭: ‬أنت‭ ‬الذي‭ ‬يقال‭ ‬فيك‭ ‬الرجل‭ ‬الصالح‭ ‬لا‭ ‬والله،‭ ‬ما‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬رجل‭ ‬صالح‭ ‬قطّ‭!‬

‭ ‬وقال‭ ‬أيضاً‭:‬

لا‭ ‬بعدُ‭ ‬سُعدى‭ ‬مريحي‭ ‬من‭ ‬جوى‭ ‬سقم‭    

يوماً‭ ‬ولا‭ ‬قربها‭ ‬إن‭ ‬حمَّ‭ ‬يشفيني

إذا‭ ‬الوشاةُ‭ ‬لحوا‭ ‬فيها‭ ‬عصيتهـم‭    

وخلتُ‭ ‬أن‭ ‬بسعدى‭ ‬اللومَ‭ ‬يُغريني

ويحكى‭ ‬أن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬المسيب‭ ‬سمع‭ ‬مغنياً‭ ‬يغني‭:‬

تَضَوَّعَ‭ ‬مِسْكًا‭ ‬بَطْنُ‭ ‬نُعمانَ‭ ‬إنْ‭ ‬مَشَتْ

به‭ ‬زينبٌ‭ ‬في‭ ‬نُسْوةٍ‭ ‬عَطِراتِ

فضرب‭ ‬برجله‭ ‬وقال‭: ‬هذا‭ ‬والله‭ ‬مما‭ ‬يلذ‭ ‬استماعه،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭:‬

وليْست‭ ‬كأُخرى‭ ‬أوْسَعَتْ‭ ‬جَنبَ‭ ‬درعِها‭   

وأبدتْ‭ ‬بنانَ‭ ‬الكفِّ‭ ‬للجَمـــــــراتِ

وغالت‭ ‬ببانِ‭ ‬المِسْــــــــــكِ‭ ‬وحَفَا‭ ‬مُرَجَّلا‭    

على‭ ‬مثلِ‭ ‬بدرٍ‭ ‬لاحَ‭ ‬في‭ ‬الظُّلماتِ

وقامت‭ ‬تراءَى‭ ‬يوم‭ ‬جمــــعٍ‭ ‬فأَفْتَنَتْ‭     

برؤيَتِها‭ ‬مَنْ‭ ‬راحَ‭ ‬مِـن‭ ‬عَرفاتِ

وكان‭ ‬عبيدالله‭ ‬بن‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬عتبة‭ ‬بن‭ ‬مسعود،‭ ‬أحد‭ ‬فقهاء‭ ‬المدينة‭ ‬السبعة‭ ‬الذين‭ ‬انتهى‭ ‬إليهم‭ ‬العلم،‭ ‬والذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬في‭ ‬خلافته‭: ‬لَمجلس‭ ‬بن‭ ‬عبيدالله‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬حيًّا‭ ‬أحب‭ ‬إليّ‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬وما‭ ‬فيها‭. ‬وإني‭ ‬لأشتري‭ ‬ليلة‭ ‬من‭ ‬ليالي‭ ‬عبيدالله‭ ‬بألف‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬المال،‭ ‬فقالوا‭: ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬تقول‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬شدة‭ ‬تحرِّيك‭ ‬وشدة‭ ‬تحفظك؟‭ ‬قال‭: ‬أين‭ ‬يُذهب‭ ‬بكم؟‭ ‬والله‭ ‬إني‭ ‬لأعود‭ ‬برأيه‭ ‬ونصيحته‭ ‬ومشورته‭ ‬على‭ ‬بيت‭ ‬المال‭ ‬بألوف‭ ‬وألوف‭. ‬وكان‭ ‬الزهري‭ ‬يقول‭: ‬سمعت‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬شيئاً‭ ‬كثيراً،‭ ‬فظننت‭ ‬أني‭ ‬اكتفيت‭ ‬حتى‭ ‬لقيت‭ ‬عبيدالله‭ ‬فإذا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬يدي‭ ‬شيء‭!‬

وهو‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬الغزِل‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭:‬

شَقَقْتِ‭ ‬القلبَ‭ ‬ثم‭ ‬ذَرَرْتِ‭ ‬فيهِ

هواكِ‭ ‬فَلِيمَ‭ ‬فالْتامَ‭ ‬الفُطورُ

تغلغل‭ ‬حبُّ‭ ‬عثمةَ‭ ‬في‭ ‬فؤادي

فباديه‭ ‬مع‭ ‬الخافي‭ ‬يسيرُ

تغلغل‭ ‬حيثُ‭ ‬لم‭ ‬يبلغْ‭ ‬شرابٌ

ولا‭ ‬حزنٌ‭ ‬ولم‭ ‬يبلغ‭ ‬سرورُ

ولما‭ ‬قال‭ ‬هذا‭ ‬الشعر‭ ‬قيل‭ ‬له‭: ‬أتقول‭ ‬مثل‭ ‬هذا؟،‭ ‬فقال‭: ‬في‭ ‬اللّدود،‭ ‬راحة‭ ‬المفؤود‭. ‬وهو‭ ‬القائل‭: ‬لابد‭ ‬للمصدور‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ينفث‭.‬

‭ ‬وله‭ ‬أبيات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الروعة‭ ‬والجمال‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

كَتَمتَ‭ ‬الهــــوى‭ ‬حَتى‭ ‬أضَرّ‭ ‬بِكَ‭ ‬الكتمُ‭   

وَلامَكَ‭ ‬أقوَامُ،‭ ‬وَلَوْمُهُـــــمُ‭ ‬ظُلْمُ

وَنَمَّ‭ ‬عليكَ‭ ‬الكاشحون،‭ ‬وقبلَهـــــــم‭   

عليك‭ ‬الهـــــــــوى‭ ‬قد‭ ‬نمّ‭ ‬لو‭ ‬نفعَ‭ ‬النمُّ

وزادك‭ ‬إغراءٌ‭ ‬بها‭ ‬طولُ‭ ‬هجرِها‭  

‭ ‬قَدِيماً‭  ‬وَأبلى‭ ‬لحمَ‭ ‬أعظُمِكَ‭ ‬الهَمُّ

فأصبحتَ‭ ‬كالهِنديّ،‭ ‬إذ‭ ‬مات‭ ‬حسرَةً‭   

على‭ ‬إثرِ‭ ‬هِندٍ،‭ ‬أوْ‭ ‬كمَن‭ ‬سُقيَ‭ ‬السُّمُّ

ألا‭ ‬مَــــــــــــــنْ‭ ‬لنفسٍ‭ ‬لا‭ ‬تموتُ‭ ‬فينقضي‭   

عناها،‭ ‬وَلا‭ ‬تحيا‭ ‬حَياةً‭ ‬لها‭ ‬طَعـمُ

تجنّبتَ‭ ‬إتْيانَ‭ ‬الحبيبِ‭ ‬تَأثُّمــــا‭    

ألا‭ ‬إنّ‭ ‬هِجران‭ ‬الحبيب‭ ‬هو‭ ‬الإثـــمُ

فذُقْ‭ ‬هجرَها،‭ ‬قد‭ ‬كنتَ‭ ‬تزعــــــــــمُ‭ ‬أنّهُ‭    

‭ ‬رَشَادٌ،‭ ‬ألا‭ ‬يا‭ ‬رُبّما‭ ‬كَذَبَ‭ ‬الزّعـــــــــــــمُ

وكان‭ ‬أبوالسعادات‭ ‬أسعد‭ ‬بن‭ ‬يحيى‭ ‬السنجاري‭ ‬الفقيه‭ ‬الشافعي‭ ‬المتوفى‭ ‬سنة‭ ‬622‭ ‬هـ‭ ‬يبهج‭ ‬القلوب،‭ ‬ويطرب‭ ‬الألباب‭ ‬بشعره،‭ ‬فيقول‭ ‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬له‭:‬

ومـــن‭ ‬هواك‭ ‬ما‭ ‬خطر‭ ‬السّلو‭ ‬بباله‭  

ولأنت‭ ‬أعلم‭ ‬فـي‭ ‬الغرام‭ ‬بحالِهِ

ومتى‭ ‬وشى‭ ‬واشٍ‭ ‬إليكَ‭ ‬بأنــه‭  

سالٍ‭ ‬هواكَ‭ ‬فذاكَ‭ ‬مــــــــــــــــن‭ ‬عُذالِهِ

أو‭ ‬ليس‭ ‬للكلِفِ‭ ‬المُعَنَّى‭ ‬شاهــدٌ‭  

من‭ ‬حالِهِ‭ ‬يُغنيكَ‭ ‬عــــــــــــــــــــن‭ ‬تَسْآلِهِ

جَدَّدتَ‭ ‬ثوبَ‭ ‬سقامِهِ،‭ ‬وهتكْتَ‭ ‬سِتــ

ـــرَ‭ ‬غرامه،‭ ‬وصَرَمْتَ‭ ‬حبْلَ‭ ‬وِصالِهِ

أفَزِلَّةٌ‭ ‬سَبقتْ‭ ‬لــــهُ‭ ‬أمْ‭ ‬خَلةٌ‭   

‭ ‬مَأْلوفَةٌ‭ ‬مـــن‭ ‬تيهِهِ‭ ‬ودلالِهِ

وله‭ ‬أيضاً‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬حبيب‭ ‬حلو‭ ‬الخصال‭ ‬كثير‭ ‬العشاق‭:‬

ومهفهف‭ ‬حلو‭ ‬الشمـــــــــــائل‭ ‬فاتر

الألْحاظِ‭ ‬فيه‭ ‬طاعةٌ‭ ‬وعُقوقُ

وقف‭ ‬الرَّحيقُ‭ ‬على‭ ‬مراشِفِ‭ ‬ثغْرِهِ

فجرى‭ ‬به‭ ‬مــــن‭ ‬خدِّهِ‭ ‬راووقُ

سدَّتْ‭ ‬محاسِنُهُ‭ ‬علــى‭ ‬عُشَّاقِهِ

سُبُلَ‭ ‬السّلو‭ ‬فما‭ ‬إليه‭ ‬طريقُ

وكان‭ ‬الإمام‭ ‬الصوفي‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬القاسم‭ ‬الشهرزوري‭ ‬الملقب‭ ‬بالمرتضى‭ ‬مشهوراً‭ ‬بالفضل‭ ‬والدين،‭ ‬وكان‭ ‬مليح‭ ‬الوعظ‭ ‬مع‭ ‬الرشاقة‭ ‬والتجنيس،‭ ‬وأقام‭ ‬ببغداد‭ ‬مدة‭ ‬يشتغل‭ ‬بالحديث‭ ‬والفقه،‭ ‬ثم‭ ‬رجع‭ ‬إلى‭ ‬الموصل‭ ‬وتولى‭ ‬بها‭ ‬القضاء‭ ‬وروى‭ ‬الحديث،‭ ‬وله‭ ‬شعر‭ ‬رائق،‭ ‬فمن‭ ‬ذلك‭ ‬قصيدته‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬الصوفية‭ ‬ولقد‭ ‬أحسن‭ ‬فيها‭:‬

لمعتْ‭ ‬نارُهُـــــــمْ‭ ‬وقــد‭ ‬عَسْعَسَ‭ ‬الليـ

ـلُ‭ ‬وملَّ‭ ‬الحـادي‭ ‬وحارَ‭ ‬الدَّليلُ

فتأملتُها‭ ‬وفكري‭ ‬من‭ ‬البَيْـ‭   

ـنِ‭ ‬عليلٌ‭ ‬ولَحْظُ‭ ‬عينــي‭ ‬كَليلُ

وفؤادي‭ ‬ذاكَ‭ ‬الفـــؤادُ‭ ‬المُعَنَّى‭   

وغرامي‭ ‬ذاكَ‭ ‬الغـــــــــــرامُ‭ ‬الدَّخيلُ

ثــــــم‭ ‬قابلتُها‭ ‬وقلتُ‭ ‬لصحبي

هذه‭ ‬النارُ‭ ‬نـــارُ‭ ‬ليلى‭ ‬فميلوا

فرموا‭ ‬نحوهـــا‭ ‬لحاظاً‭ ‬صحيحاً‭   

‭ ‬تٍ‭ ‬فعادتْ‭ ‬خواسِئاً‭ ‬وهي‭ ‬حولُ

ثم‭ ‬مالوا‭ ‬إلى‭ ‬الملامِ‭ ‬وقالوا

خلبٌ‭ ‬مــا‭ ‬رأيت‭ ‬أم‭ ‬تخييلُ

فتجنبتهُـــم‭ ‬وملتُ‭ ‬إليها‭    

والهوى‭ ‬مركبي‭ ‬وشوقي‭ ‬الزميلُ

ومعـــــي‭ ‬صاحبٌ‭ ‬أتى‭ ‬يقْتفي‭ ‬الآ

ثارَ‭ ‬والحبُّ‭ ‬شَرْطـُــــــــــهُ‭ ‬التَطفيلُ

وهي‭ ‬تعلو‭ ‬ونحن‭ ‬ندنو‭ ‬إلى‭ ‬أنْ

حجزت‭ ‬دونهـــــــا‭ ‬طلولٌ‭ ‬محولُ

فدنونا‭ ‬مــــن‭ ‬الطلولِ‭ ‬فحالت

زفراتٌ‭ ‬مــن‭ ‬دونها‭ ‬وغليلُ

قلتُ‭: ‬من‭ ‬بالديارِ؟‭ ‬قالوا‭: ‬جريحٌ

وأســـــيرٌ‭ ‬مكبلٌ‭ ‬وقتيلُ

‭ ‬ويقول‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فقد‭ ‬صبره‭ ‬على‭ ‬حبيب‭ ‬أطفأ‭ ‬شموس‭ ‬الوصل‭ ‬عنه‭:‬

فعاودتُ‭ ‬قلبي‭ ‬أسألُ‭ ‬الصــبرَ‭ ‬وقفةً‭  

‭ ‬عليها‭ ‬فلا‭ ‬قلبي‭ ‬وجدتُ‭ ‬ولا‭ ‬صبري

وغابتْ‭ ‬شموسُ‭ ‬الوصْلِ‭ ‬عني‭ ‬وأظلمتْ‭   

مسالِكُهُ‭ ‬حتى‭ ‬تحيَّرْتُ‭ ‬فـــــــــي‭ ‬أمري

فمــــــــــــــــــا‭  ‬كانَ‭  ‬إلا‭ ‬الخطف‭ ‬حتى‭ ‬رأيتُها‭   

محكّمة‭ ‬والقلبُ‭ ‬فـــــــــي‭ ‬ربْقةِ‭ ‬الأسرِ

ويقول‭ ‬ظهير‭ ‬الدين‭ ‬الأهوازي‭ ‬الوزير‭ ‬الفقيه،‭ ‬تلميذ‭ ‬أبي‭ ‬إسحق‭ ‬الشيرازي‭:‬

وإنِّي‭ ‬لأُبْدي‭ ‬فــي‭ ‬هواك‭ ‬تجلُّداً

وفي‭ ‬القلبِ‭ ‬مني‭ ‬لوعةٌ‭ ‬وغليلُ

فلا‭ ‬تحْسبنَّ‭ ‬أني‭ ‬سلوْتُ‭ ‬فربما

ترى‭ ‬صحةً‭ ‬بالمرءِ‭ ‬وهو‭ ‬عليلُ

وكان‭ ‬أبوالقاسم‭ ‬القشيري،‭ ‬الإمام‭ ‬الصوفي،‭ ‬علامة‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬والتفسير‭ ‬والحديث‭ ‬ومن‭ ‬فقهاء‭ ‬الشافعية‭ ‬الكبار،‭ ‬وهو‭ ‬صاحب‭ ‬الرسالة‭ ‬التي‭ ‬يعتدها‭ ‬الصوفية‭ ‬ككتاب‭ ‬سيبويه‭ ‬عند‭ ‬النحويين،‭ ‬ومن‭ ‬شعره‭:‬

ومن‭ ‬كانَ‭ ‬في‭ ‬طولِ‭ ‬الهوى‭ ‬ذاقَ‭ ‬لذةً‭   

فإنّي‭ ‬مــــــن‭ ‬ليْلى‭ ‬لها‭ ‬غيرُ‭ ‬ذائقِ

وأكثر‭ ‬شيءٍ‭ ‬نلتُهُ‭ ‬مــن‭ ‬وصْلِها‭   

أمانيُّ‭ ‬لمْ‭ ‬تصدُقْ‭ ‬كخطْفَةِ‭ ‬بارقِ

ويقول‭ ‬أيضاً‭:‬

لو‭ ‬كنتَ‭ ‬ساعةَ‭ ‬بَيْنِنا‭ ‬مـا‭ ‬بَيْنَنَا

ورأيتَ‭ ‬كيـــــــــــــف‭ ‬نكرِّرُ‭ ‬التوديعا

لعلمتَ‭ ‬أنَّ‭ ‬من‭ ‬الدموعِ‭ ‬مُحَدِّثاً

وعلمتَ‭ ‬أنَّ‭ ‬من‭ ‬الحديثِ‭ ‬دموعا

والبيت‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مراقصات‭ ‬الشعر‭.‬

وللقاضي‭ ‬عبدالوهاب‭ ‬المالكي‭ ‬الفقيه‭ ‬المشهور‭ ‬المتوفى‭ ‬سنة‭ ‬422هـ‭ ‬والمدفون‭ ‬في‭ ‬قرافة‭ ‬مصر،‭ ‬وصاحب‭ ‬الخبر‭ ‬المستفيض‭ ‬غزل‭ ‬يتغزل‭ ‬فيه‭ ‬بلغة‭ ‬الفقه‭ ‬والقضاء،‭ ‬فيأتي‭ ‬فيه‭ ‬بالمرقص‭ ‬المطرب،‭ ‬يقول‭:‬

ونائمةٍ‭ ‬قبلتُهـــا‭ ‬فتَنبَّهَتْ‭   

وقالتْ‭ ‬تعـــــــالوْا‭ ‬واطلبُوا‭ ‬اللصَّ‭ ‬بالحَدّ

فقلتُ‭ ‬لهــــــــــــا‭ ‬إني‭ ‬فديتُكِ‭ ‬غاصبٌ‭      

وما‭ ‬حكموا‭ ‬فــــي‭ ‬غاصبٍ‭ ‬بسوى‭ ‬الردِّ

خُذِيها‭ ‬وكُفّي‭ ‬عـن‭ ‬أثِيمٍ‭ ‬ظُلامَةً‭    

وإنْ‭ ‬أنتِ‭ ‬لــمْ‭ ‬ترْضَيْ‭ ‬فألْفاً‭ ‬علــــى‭ ‬العَدّ

فقالتْ‭ ‬قِصاصٌ‭ ‬يشهدُ‭ ‬العقلُ‭ ‬أنـــــــــــه‭    

على‭ ‬كَبِدِ‭ ‬الجاني‭ ‬ألذّ‭ ‬مـــــــــــــــــن‭ ‬الشّهْدِ

فباتتْ‭ ‬يميني‭ ‬وهيِ‭ ‬هَمْيانُ‭ ‬خصْرُها‭!    

وباتتْ‭ ‬يَساري‭ ‬وهـــــــــــي‭ ‬واسِطَةُ‭ ‬العقْدِ

فقالتْ‭: ‬ألمْ‭ ‬تُخْبرْ‭ ‬بأنَّكَ‭ ‬زاهـــــــــــدٌ؟‭     

فقلْتُ‭: ‬بلى‭ ‬ما‭ ‬زِلْتُ‭ ‬أزْهَدُ‭ ‬في‭ ‬الزُّهْدِ

أما‭ ‬القاضي‭ ‬الجرجاني‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬الفقيه‭ ‬الشافعي‭ ‬مؤلف‭ ‬‮«‬الوساطة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬ذكره‭ ‬الشيرازي‭ ‬في‭ ‬طبقات‭ ‬الفقهاء،‭ ‬صاحب‭ ‬الأبيات‭ ‬المعلمة‭ ‬المشهورة‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭:‬

يَقُولونَ‭ ‬لِيْ‭ ‬فِيْكَ‭ ‬انْقِبَاضٌ‭ ‬وَإِنَّمـــــــــــــــــا‭  

‭ ‬رَأَوا‭ ‬رَجلاً‭ ‬عَنْ‭ ‬مَوْقِفِ‭ ‬الذُّلّ‭ ‬أَحْجَمَا

أَرَى‭ ‬النَّاسَ‭ ‬مَن‭ ‬دَانَاهُمُ‭ ‬هَانَ‭ ‬عِنْدَهمْ‭  

‭ ‬وَمَــــــــــــــــنْ‭ ‬أَكْرَمَتْهُ‭ ‬عِزَّةُ‭ ‬النَّفْسِ‭ ‬أُكْرِمَا

وَلَمْ‭ ‬أَقْضِ‭ ‬حَقَّ‭ ‬العِلْمِ‭ ‬إِنْ‭ ‬كنت‭ ‬كُلَّمَا‭   

‭ ‬بَدَا‭ ‬طَمَعٌ‭ ‬صَيـــــــــــــــــــــــــــــَّرْتُهُ‭ ‬لِيَ‭ ‬سُلَّمَا

وهي‭ ‬قصيدة‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الجمال‭ ‬والروعة‭,‬‭ ‬فكان‭ ‬غزله‭ ‬سهلاً‭ ‬حلواً‭ ‬تهفو‭ ‬القلوب‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭:‬

ما‭ ‬لي‭ ‬وما‭ ‬لَكَ‭ ‬يا‭ ‬فــــــــــراقْ‭   

  ‬أبداً‭ ‬رحيلٌ‭ ‬وانطـــــــــــــلاقْ‭ ‬

يا‭ ‬نفسُ‭ ‬مُوتـــي‭ ‬بَعْــــدَهُمْ‭    

‭ ‬فكذا‭ ‬يكـونُ‭ ‬الاشتيــــــاقْ

وقوله‭:‬

قد‭ ‬برح‭ ‬الحب‭ ‬بمشتاقك

فأوله‭ ‬أحسن‭ ‬أخلاقك

لا‭ ‬تجفه‭ ‬وارع‭ ‬لــــــــه‭ ‬حقه

فإنــه‭ ‬آخر‭ ‬عشاقك

ويقول‭ ‬القاضي‭ ‬سوار‭ (‬الأصغر‭) ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭:‬

سَلَبْتِ‭ ‬عِظَامِي‭ ‬لَحْمَهَا‭ ‬فَتَرَكْتِهَــــــــا‭ 

‭ ‬عَوَارِيَ‭ ‬فِـــــــــــــي‭ ‬أَجْلاَدِهَا‭ ‬تَتَكَسَّرُ

وَأَخْلَيْتِ‭ ‬منها‭ ‬مُخَّها‭ ‬فكأنهــــــــــا‭  

أنابيبٌ‭ ‬في‭ ‬أجوافِها‭ ‬الريح‭ ‬تصفرُ

إذا‭ ‬سمعت‭ ‬باسم‭ ‬الفــراقِ‭ ‬ترعدتْ‭ 

‭ ‬مفاصلُها‭ ‬مـــــــــــــــن‭ ‬هوْلِ‭ ‬ما‭ ‬تتحذر

خذي‭ ‬بيدي‭ ‬ثـــــم‭ ‬اكشفي‭ ‬الثوبَ‭ ‬فانظري‭ 

بلى‭ ‬جســــــــــــــــــــدي‭ ‬لكنني‭ ‬أتسترُ

وليس‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬مــــــــــن‭ ‬العينِ‭ ‬ماؤها‭  

‭ ‬ولكنهــــــــــــــــــا‭ ‬نَفْسٌ‭ ‬تذوبُ‭ ‬فتقطرُ

وقد‭ ‬نسب‭ ‬البعض‭ ‬هذه‭ ‬الأبيات‭ ‬لبشار‭ ‬بن‭ ‬برد‭.‬

ومن‭ ‬شعر‭ ‬أبي‭ ‬الفضل‭ ‬الحصكفي‭ ‬الفقيه‭ ‬الشافعي‭:‬

أشكو‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ‭ ‬مـــن‭ ‬ناريْنِ‭: ‬واحدة‭   

في‭ ‬وجْنَتيْهِ‭ ‬وأخرى‭ ‬منه‭ ‬فـــــــي‭ ‬كَبِدي

ومن‭ ‬سَقاميْنِ‭: ‬سُقْم‭ ‬قد‭ ‬أحلَّ‭ ‬دمي‭ 

‭ ‬من‭ ‬الجفونِ‭ ‬وسُقم‭ ‬حَلَّ‭ ‬في‭ ‬جسدي

ومن‭ ‬نَمُومَيْن‭: ‬دمعي‭ ‬حين‭ ‬أَذْكـــــرُهُ‭  

‭ ‬يُذيعُ‭ ‬سِــــرّي‭ ‬وواشٍ‭ ‬منه‭ ‬بالرَّصدِ

ومن‭ ‬ضعيفين‭: ‬صبري‭ ‬حين‭ ‬أبصره‭ 

‭ ‬وودّه‭ ‬ويراهُ‭ ‬النـاسُ‭ ‬طوْعَ‭ ‬يدي

وقال‭ ‬شريح‭ ‬القاضي،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬جلّة‭ ‬التابعين،‭ ‬والعلماء‭ ‬المتقدمين،‭ ‬استقضاه‭ ‬علي‭ - ‬كرّم‭ ‬الله‭ ‬وجهه‭ - ‬ومعاوية‭. ‬وكان‭ ‬متزوجاً‭ ‬امرأة‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬تميم‭ ‬تسمى‭ ‬زينب،‭ ‬فنقم‭ ‬عليها‭ ‬فضربها،‭ ‬ثم‭ ‬ندم،‭ ‬فقال‭:‬

رأيتُ‭ ‬رجالاً‭ ‬يضربون‭ ‬نساءهم

فشلّت‭ ‬يميني‭ ‬يوم‭ ‬أضـربُ‭ ‬زينبا

‭ ‬أأضربُها‭ ‬في‭ ‬غيرِ‭ ‬ذنبٍ‭ ‬أتتْ‭ ‬به

فما‭ ‬العدلُ‭ ‬مني‭ ‬ضربُ‭ ‬من‭ ‬ليسَ‭ ‬أذْنبا

فزينبُ‭ ‬شمسٌ‭ ‬والنساءُ‭ ‬كواكبٌ

إذا‭ ‬برزتْ‭ ‬لـــم‭ ‬تبد‭ ‬منهنَّ‭ ‬كوكبا

وكان‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬داود‭ ‬الظاهري‭ ‬فقيهاً‭ ‬على‭ ‬مذهب‭ ‬أبيه‭ ‬داود‭ ‬وكان‭ ‬شاعراً‭ ‬وله‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الزهرة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أوّل‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬عالجت‭ ‬موضوع‭ ‬الحب،‭ ‬ومن‭ ‬شعره‭:‬

أُنَزّهُ‭ ‬فِـي‭ ‬رَوْضِ‭ ‬الْمَحَاسِنِ‭ ‬مُقْلَتِي‭    

وَأَمْنَعُ‭ ‬نَفْسِي‭ ‬أَنْ‭ ‬تَنَـــــــــــــــــــالَ‭ ‬مُحَرَّمَا

وَأَحْمِلُ‭ ‬مِـــــــــــــنْ‭ ‬ثِقْلِ‭ ‬الْهَوَى‭ ‬مَا‭ ‬لَو‭ ‬انَّهُ‭   

‭ ‬يُصَبُّ‭ ‬عَلَى‭ ‬الصَّخْرِ‭ ‬الأَصَمّ‭ ‬تَهَدَّمَا

وَيَنْطِقُ‭ ‬طَرْفِي‭ ‬عَــــــــــنْ‭ ‬مُتَرْجِمِ‭ ‬خَاطِرِي‭    

فَلَوْلا‭ ‬اخْتـلاسِي‭ ‬وُدَّهُ‭ ‬لَتَكَلَّمَا

رَأَيْتُ‭ ‬الْهَوَى‭ ‬دَعْوَى‭ ‬مِنْ‭ ‬النَّاسِ‭ ‬كُلِّهِمْ‭   

‭ ‬فَلَسْتُ‭ ‬أَرَى‭ ‬وُدًّا‭ ‬صَحِيحاً‭ ‬مُسَلَّمَا

وكان‭ ‬ابن‭ ‬حزم‭ ‬الأندلسي‭ ‬شاعراً‭ ‬وكاتباً‭ ‬وفيلسوفاً‭ ‬وفقيهاً،‭ ‬وله‭ ‬الكتاب‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬طوق‭ ‬الحمامة‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬شعره‭: ‬

ليس‭ ‬التذللُ‭ ‬في‭ ‬الهوى‭ ‬يُستنكَرُ

فالحبُّ‭ ‬فيه‭ ‬يخضعُ‭ ‬المُستكبِرُ

لا‭ ‬تعجبوا‭ ‬من‭ ‬ذِلّتي‭ ‬فــــــــي‭ ‬حالةٍ

قـــــد‭ ‬ذل‭ ‬فيها‭ ‬قبلي‭ ‬المستنصرُ

ليس‭ ‬الحبيبُ‭ ‬مماثــــلاً‭ ‬ومكافياً

فيكون‭ ‬صـــــــــــــبرُك‭ ‬ذلة‭ ‬إذْ‭ ‬تصبرُ

تفاحةٌ‭ ‬وقعت‭ ‬فآلــمَ‭ ‬وقعها

هــــل‭ ‬قطعها‭ ‬منك‭ ‬انتصـاراً‭ ‬يذكرُ‭ ‬

كانت‭ ‬أشعار‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفقهاء‭ ‬جميلة‭ ‬جذلة‭ ‬المعاني‭ ‬تنمّ‭ ‬عن‭ ‬موهبة‭ ‬حقيقية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التكلف‭ ‬والتصنّع‭,‬‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬ادعى‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬أشعارهم‭ ‬أشعار‭ ‬فقهاء‭ ‬لا‭ ‬روح‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬ابتكار‭. ‬ولولا‭ ‬خوفهم‭ ‬من‭ ‬هبوط‭ ‬منزلتهم‭ ‬عند‭ ‬الناس‭ ‬لقطعوا‭ ‬شوطاً‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬وكأني‭ ‬بهم‭ ‬تمثلوا‭ ‬ببيت‭ ‬الإمام‭ ‬الشافعي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭:‬

ولولا‭ ‬الشعر‭ ‬بالعلماء‭ ‬يزري

لكنت‭ ‬اليوم‭ ‬أشعر‭ ‬من‭ ‬لبيد‭ ‬■