وللفقهاء نصيبٌ من الغزل
لم يترفع الفقهاء والعلماء عن الشعر بجميع أغراضه، وكان للغزل نصيب من أشعارهم، ويمتلئ أدبنا العربي بالجيد من أشعارهم في الحب والغزل ووصف النساء، وهذا لا ينفي عنهم سمت الوقار.
استمع النبي - - إلى كعب بن زهير وهو يلقي قصيدته المشهورة «بانت سعاد»، التي يبدأها بالغزل كعادة الشعراء القدامى، ويقول فيها:
بَانَتْ سُعَادُ، فَقَلْبي اليَـوْمَ مَتْبُولُ
مُتيَّمٌ إثرَها، لَــمْ يُفْدَ، مَكْبولُ
وما ســعادُ غداةَ البَيْنِ إذ برزت
إلا أغنُّ غضيضُ الطرْفِ مكحولُ
تجلو عوارضَ ذي ظَلم إذا ابتسمتْ
كأنهـــا مُنْهَلٌ بالرّاح معلولُ
هيفـاءُ مُقبلةٌ عجزاءُ مدبرةٌ
لا يشتكى قِصَرٌ منهــا ولا طولُ
ويُقال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كساه بردة اشتراها معاوية بعد ذلك بعشرين ألف درهم.
وكان عمر - رضي الله عنه - يتمثل بكثير من الشعر، وكان ابن عباس يصغي إلى إمام الغزليين عمر بن أبي ربيعة، ويروي شعره بكل أريحية ولا يجد غضاضة في ذلك.
وكان الحسن البصري يستشهد في مجلس وعظه، بقول الشاعر:
اليوم عندك دَلها وحديثها
وغداً لغيرك كفها والمعصم
وسُئل أبوالسائب المخزومي - شيخ من شيوخ قريش وسادتها - يوماً: أترى أحداً لا يشتهي النسيب؟ فقال: أما من يؤمن بالله واليوم الآخر فلا. وهناك بحث جميل ورائع للشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - بعنوان «من غزل الفقهاء» رصد فيه بعضاً من أشعار الغزل للفقهاء. وبالرجوع إلى كتب التراث العربي نجد أن كثيراً من أئمة الدين وأعلام الهدى طالما شنفوا الأسماع بأشعار غاية في الرقة والعذوبة، ومنهم عروة بن أذينة الفقيه المحدّث شيخ الإمام مالك الذي يقول:
إنَّ التي زَعَمَتْ فُؤادَكَ مَلَّهــا
خُلِقَتْ هواكَ كما خُلِقْتَ هوىً لها
فيكَ الذي زَعَمَتْ بها وكلاكما
يُبدي لصاحبِهِ الصبــابةَ كلَّها
ويبيتُ بين جوانحي حبٌّ لهـــــا
لو كان تحت فراشِهــــا لأقلَّها
ولعمرُها لو كان حبُّكَ فوقَهــا
يوماً وقد ضَحيَت إذن لأظلَّهـا
وإذا وَجَدْتَ لها وَساوِسَ سَلْوَةٍ
شَفَعَ الفؤادُ إلـــــــى الضميرِ فسلَّها
بيضاءُ باكرها النعيمُ فصاغَهــا
بلباقـةٍ فأَدَقَّها وأَجَلَّها
لمَا عَرَضتُ مُسَلِّمًا ليَ حَاجـة
أرجـو معونَتَها وأخشى ذُلَّها
مَنَعَت تحيَّتَها فقلتُ لصاحبي
ما كــانَ أكثرَها لنا وأقلَّها!
فَدَنا، فقــالَ لعلَّها مَعْذورةٌ
مـــن أجْلِ رِقْبَتِها، فقلتُ: لعلَّها!
هذه الأبيات التي بلغ من إعجاب الناس بها أن أبا السائب المخزومي لما سمعها حلف أنه لا يأكل بها طعاماً إلى الليل!
وله شعر جميل في الحب يقول فيه:
قالت وأبثثْتُها وَجْدِي فبُحْتُ بـــــــــه
قد كنتَ عندي تُحِبُّ الستر فاسْتَتِرِ
ألستَ تُبْصِرُ مَن حَولي فقلتُ لها
غَطَّي هَواكِ ومـــــــــا أَلقَى على بَصَرِي
هذا الشاعر الفقيه أوقد الحب في قلبه ناراً لا يطفئها الماء؛ ولكن يخمدها وصال الحبيب، حيث يقول:
إذا وجدتُ أوار الحبّ في كبدي
أقبلتُ نحو سقاءِ الماءِ أبتردُ
هبني بردتُ ببردِ المــــــــــــــاءِ ظاهرهُ
فمن لنارٍ على الأحشاءِ تتقدُ؟!
سمعت امرأة هذين البيتين فقالت له: أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح لا والله، ما قال هذا رجل صالح قطّ!
وقال أيضاً:
لا بعدُ سُعدى مريحي من جوى سقم
يوماً ولا قربها إن حمَّ يشفيني
إذا الوشاةُ لحوا فيها عصيتهـم
وخلتُ أن بسعدى اللومَ يُغريني
ويحكى أن سعيد بن المسيب سمع مغنياً يغني:
تَضَوَّعَ مِسْكًا بَطْنُ نُعمانَ إنْ مَشَتْ
به زينبٌ في نُسْوةٍ عَطِراتِ
فضرب برجله وقال: هذا والله مما يلذ استماعه، ثم قال:
وليْست كأُخرى أوْسَعَتْ جَنبَ درعِها
وأبدتْ بنانَ الكفِّ للجَمـــــــراتِ
وغالت ببانِ المِسْــــــــــكِ وحَفَا مُرَجَّلا
على مثلِ بدرٍ لاحَ في الظُّلماتِ
وقامت تراءَى يوم جمــــعٍ فأَفْتَنَتْ
برؤيَتِها مَنْ راحَ مِـن عَرفاتِ
وكان عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، أحد فقهاء المدينة السبعة الذين انتهى إليهم العلم، والذي قال عنه عمر بن عبدالعزيز في خلافته: لَمجلس بن عبيدالله لو كان حيًّا أحب إليّ من الدنيا وما فيها. وإني لأشتري ليلة من ليالي عبيدالله بألف دينار من بيت المال، فقالوا: يا أمير المؤمنين، تقول هذا مع شدة تحرِّيك وشدة تحفظك؟ قال: أين يُذهب بكم؟ والله إني لأعود برأيه ونصيحته ومشورته على بيت المال بألوف وألوف. وكان الزهري يقول: سمعت من العلم شيئاً كثيراً، فظننت أني اكتفيت حتى لقيت عبيدالله فإذا ليس في يدي شيء!
وهو مع ذلك الشاعر الغزِل الذي يقول:
شَقَقْتِ القلبَ ثم ذَرَرْتِ فيهِ
هواكِ فَلِيمَ فالْتامَ الفُطورُ
تغلغل حبُّ عثمةَ في فؤادي
فباديه مع الخافي يسيرُ
تغلغل حيثُ لم يبلغْ شرابٌ
ولا حزنٌ ولم يبلغ سرورُ
ولما قال هذا الشعر قيل له: أتقول مثل هذا؟، فقال: في اللّدود، راحة المفؤود. وهو القائل: لابد للمصدور من أن ينفث.
وله أبيات غاية في الروعة والجمال يقول فيها:
كَتَمتَ الهــــوى حَتى أضَرّ بِكَ الكتمُ
وَلامَكَ أقوَامُ، وَلَوْمُهُـــــمُ ظُلْمُ
وَنَمَّ عليكَ الكاشحون، وقبلَهـــــــم
عليك الهـــــــــوى قد نمّ لو نفعَ النمُّ
وزادك إغراءٌ بها طولُ هجرِها
قَدِيماً وَأبلى لحمَ أعظُمِكَ الهَمُّ
فأصبحتَ كالهِنديّ، إذ مات حسرَةً
على إثرِ هِندٍ، أوْ كمَن سُقيَ السُّمُّ
ألا مَــــــــــــــنْ لنفسٍ لا تموتُ فينقضي
عناها، وَلا تحيا حَياةً لها طَعـمُ
تجنّبتَ إتْيانَ الحبيبِ تَأثُّمــــا
ألا إنّ هِجران الحبيب هو الإثـــمُ
فذُقْ هجرَها، قد كنتَ تزعــــــــــمُ أنّهُ
رَشَادٌ، ألا يا رُبّما كَذَبَ الزّعـــــــــــــمُ
وكان أبوالسعادات أسعد بن يحيى السنجاري الفقيه الشافعي المتوفى سنة 622 هـ يبهج القلوب، ويطرب الألباب بشعره، فيقول في قصيدة له:
ومـــن هواك ما خطر السّلو بباله
ولأنت أعلم فـي الغرام بحالِهِ
ومتى وشى واشٍ إليكَ بأنــه
سالٍ هواكَ فذاكَ مــــــــــــــــن عُذالِهِ
أو ليس للكلِفِ المُعَنَّى شاهــدٌ
من حالِهِ يُغنيكَ عــــــــــــــــــــن تَسْآلِهِ
جَدَّدتَ ثوبَ سقامِهِ، وهتكْتَ سِتــ
ـــرَ غرامه، وصَرَمْتَ حبْلَ وِصالِهِ
أفَزِلَّةٌ سَبقتْ لــــهُ أمْ خَلةٌ
مَأْلوفَةٌ مـــن تيهِهِ ودلالِهِ
وله أيضاً قصيدة في حبيب حلو الخصال كثير العشاق:
ومهفهف حلو الشمـــــــــــائل فاتر
الألْحاظِ فيه طاعةٌ وعُقوقُ
وقف الرَّحيقُ على مراشِفِ ثغْرِهِ
فجرى به مــــن خدِّهِ راووقُ
سدَّتْ محاسِنُهُ علــى عُشَّاقِهِ
سُبُلَ السّلو فما إليه طريقُ
وكان الإمام الصوفي عبدالله بن القاسم الشهرزوري الملقب بالمرتضى مشهوراً بالفضل والدين، وكان مليح الوعظ مع الرشاقة والتجنيس، وأقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه، ثم رجع إلى الموصل وتولى بها القضاء وروى الحديث، وله شعر رائق، فمن ذلك قصيدته التي على طريقة الصوفية ولقد أحسن فيها:
لمعتْ نارُهُـــــــمْ وقــد عَسْعَسَ الليـ
ـلُ وملَّ الحـادي وحارَ الدَّليلُ
فتأملتُها وفكري من البَيْـ
ـنِ عليلٌ ولَحْظُ عينــي كَليلُ
وفؤادي ذاكَ الفـــؤادُ المُعَنَّى
وغرامي ذاكَ الغـــــــــــرامُ الدَّخيلُ
ثــــــم قابلتُها وقلتُ لصحبي
هذه النارُ نـــارُ ليلى فميلوا
فرموا نحوهـــا لحاظاً صحيحاً
تٍ فعادتْ خواسِئاً وهي حولُ
ثم مالوا إلى الملامِ وقالوا
خلبٌ مــا رأيت أم تخييلُ
فتجنبتهُـــم وملتُ إليها
والهوى مركبي وشوقي الزميلُ
ومعـــــي صاحبٌ أتى يقْتفي الآ
ثارَ والحبُّ شَرْطـُــــــــــهُ التَطفيلُ
وهي تعلو ونحن ندنو إلى أنْ
حجزت دونهـــــــا طلولٌ محولُ
فدنونا مــــن الطلولِ فحالت
زفراتٌ مــن دونها وغليلُ
قلتُ: من بالديارِ؟ قالوا: جريحٌ
وأســـــيرٌ مكبلٌ وقتيلُ
ويقول بعد أن فقد صبره على حبيب أطفأ شموس الوصل عنه:
فعاودتُ قلبي أسألُ الصــبرَ وقفةً
عليها فلا قلبي وجدتُ ولا صبري
وغابتْ شموسُ الوصْلِ عني وأظلمتْ
مسالِكُهُ حتى تحيَّرْتُ فـــــــــي أمري
فمــــــــــــــــــا كانَ إلا الخطف حتى رأيتُها
محكّمة والقلبُ فـــــــــي ربْقةِ الأسرِ
ويقول ظهير الدين الأهوازي الوزير الفقيه، تلميذ أبي إسحق الشيرازي:
وإنِّي لأُبْدي فــي هواك تجلُّداً
وفي القلبِ مني لوعةٌ وغليلُ
فلا تحْسبنَّ أني سلوْتُ فربما
ترى صحةً بالمرءِ وهو عليلُ
وكان أبوالقاسم القشيري، الإمام الصوفي، علامة في الفقه والتفسير والحديث ومن فقهاء الشافعية الكبار، وهو صاحب الرسالة التي يعتدها الصوفية ككتاب سيبويه عند النحويين، ومن شعره:
ومن كانَ في طولِ الهوى ذاقَ لذةً
فإنّي مــــــن ليْلى لها غيرُ ذائقِ
وأكثر شيءٍ نلتُهُ مــن وصْلِها
أمانيُّ لمْ تصدُقْ كخطْفَةِ بارقِ
ويقول أيضاً:
لو كنتَ ساعةَ بَيْنِنا مـا بَيْنَنَا
ورأيتَ كيـــــــــــــف نكرِّرُ التوديعا
لعلمتَ أنَّ من الدموعِ مُحَدِّثاً
وعلمتَ أنَّ من الحديثِ دموعا
والبيت الثاني من مراقصات الشعر.
وللقاضي عبدالوهاب المالكي الفقيه المشهور المتوفى سنة 422هـ والمدفون في قرافة مصر، وصاحب الخبر المستفيض غزل يتغزل فيه بلغة الفقه والقضاء، فيأتي فيه بالمرقص المطرب، يقول:
ونائمةٍ قبلتُهـــا فتَنبَّهَتْ
وقالتْ تعـــــــالوْا واطلبُوا اللصَّ بالحَدّ
فقلتُ لهــــــــــــا إني فديتُكِ غاصبٌ
وما حكموا فــــي غاصبٍ بسوى الردِّ
خُذِيها وكُفّي عـن أثِيمٍ ظُلامَةً
وإنْ أنتِ لــمْ ترْضَيْ فألْفاً علــــى العَدّ
فقالتْ قِصاصٌ يشهدُ العقلُ أنـــــــــــه
على كَبِدِ الجاني ألذّ مـــــــــــــــــن الشّهْدِ
فباتتْ يميني وهيِ هَمْيانُ خصْرُها!
وباتتْ يَساري وهـــــــــــي واسِطَةُ العقْدِ
فقالتْ: ألمْ تُخْبرْ بأنَّكَ زاهـــــــــــدٌ؟
فقلْتُ: بلى ما زِلْتُ أزْهَدُ في الزُّهْدِ
أما القاضي الجرجاني علي بن عبدالعزيز الفقيه الشافعي مؤلف «الوساطة»، الذي ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء، صاحب الأبيات المعلمة المشهورة التي يقول فيها:
يَقُولونَ لِيْ فِيْكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمـــــــــــــــــا
رَأَوا رَجلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ مَن دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهمْ
وَمَــــــــــــــــنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كنت كُلَّمَا
بَدَا طَمَعٌ صَيـــــــــــــــــــــــــــــَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا
وهي قصيدة غاية في الجمال والروعة, فكان غزله سهلاً حلواً تهفو القلوب إليه، ومن ذلك قوله:
ما لي وما لَكَ يا فــــــــــراقْ
أبداً رحيلٌ وانطـــــــــــــلاقْ
يا نفسُ مُوتـــي بَعْــــدَهُمْ
فكذا يكـونُ الاشتيــــــاقْ
وقوله:
قد برح الحب بمشتاقك
فأوله أحسن أخلاقك
لا تجفه وارع لــــــــه حقه
فإنــه آخر عشاقك
ويقول القاضي سوار (الأصغر) بن عبد الله من القرن الثالث:
سَلَبْتِ عِظَامِي لَحْمَهَا فَتَرَكْتِهَــــــــا
عَوَارِيَ فِـــــــــــــي أَجْلاَدِهَا تَتَكَسَّرُ
وَأَخْلَيْتِ منها مُخَّها فكأنهــــــــــا
أنابيبٌ في أجوافِها الريح تصفرُ
إذا سمعت باسم الفــراقِ ترعدتْ
مفاصلُها مـــــــــــــــن هوْلِ ما تتحذر
خذي بيدي ثـــــم اكشفي الثوبَ فانظري
بلى جســــــــــــــــــــدي لكنني أتسترُ
وليس الذي يجري مــــــــــن العينِ ماؤها
ولكنهــــــــــــــــــا نَفْسٌ تذوبُ فتقطرُ
وقد نسب البعض هذه الأبيات لبشار بن برد.
ومن شعر أبي الفضل الحصكفي الفقيه الشافعي:
أشكو إلى اللهِ مـــن ناريْنِ: واحدة
في وجْنَتيْهِ وأخرى منه فـــــــي كَبِدي
ومن سَقاميْنِ: سُقْم قد أحلَّ دمي
من الجفونِ وسُقم حَلَّ في جسدي
ومن نَمُومَيْن: دمعي حين أَذْكـــــرُهُ
يُذيعُ سِــــرّي وواشٍ منه بالرَّصدِ
ومن ضعيفين: صبري حين أبصره
وودّه ويراهُ النـاسُ طوْعَ يدي
وقال شريح القاضي، وكان من جلّة التابعين، والعلماء المتقدمين، استقضاه علي - كرّم الله وجهه - ومعاوية. وكان متزوجاً امرأة من بني تميم تسمى زينب، فنقم عليها فضربها، ثم ندم، فقال:
رأيتُ رجالاً يضربون نساءهم
فشلّت يميني يوم أضـربُ زينبا
أأضربُها في غيرِ ذنبٍ أتتْ به
فما العدلُ مني ضربُ من ليسَ أذْنبا
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبٌ
إذا برزتْ لـــم تبد منهنَّ كوكبا
وكان محمد بن داود الظاهري فقيهاً على مذهب أبيه داود وكان شاعراً وله كتاب «الزهرة» وهو من أوّل الكتب التي عالجت موضوع الحب، ومن شعره:
أُنَزّهُ فِـي رَوْضِ الْمَحَاسِنِ مُقْلَتِي
وَأَمْنَعُ نَفْسِي أَنْ تَنَـــــــــــــــــــالَ مُحَرَّمَا
وَأَحْمِلُ مِـــــــــــــنْ ثِقْلِ الْهَوَى مَا لَو انَّهُ
يُصَبُّ عَلَى الصَّخْرِ الأَصَمّ تَهَدَّمَا
وَيَنْطِقُ طَرْفِي عَــــــــــنْ مُتَرْجِمِ خَاطِرِي
فَلَوْلا اخْتـلاسِي وُدَّهُ لَتَكَلَّمَا
رَأَيْتُ الْهَوَى دَعْوَى مِنْ النَّاسِ كُلِّهِمْ
فَلَسْتُ أَرَى وُدًّا صَحِيحاً مُسَلَّمَا
وكان ابن حزم الأندلسي شاعراً وكاتباً وفيلسوفاً وفقيهاً، وله الكتاب الأشهر في الحب وهو «طوق الحمامة»، ومن شعره:
ليس التذللُ في الهوى يُستنكَرُ
فالحبُّ فيه يخضعُ المُستكبِرُ
لا تعجبوا من ذِلّتي فــــــــي حالةٍ
قـــــد ذل فيها قبلي المستنصرُ
ليس الحبيبُ مماثــــلاً ومكافياً
فيكون صـــــــــــــبرُك ذلة إذْ تصبرُ
تفاحةٌ وقعت فآلــمَ وقعها
هــــل قطعها منك انتصـاراً يذكرُ
كانت أشعار هؤلاء الفقهاء جميلة جذلة المعاني تنمّ عن موهبة حقيقية بعيدة عن التكلف والتصنّع, وليس كما ادعى البعض بأن أشعارهم أشعار فقهاء لا روح فيها ولا ابتكار. ولولا خوفهم من هبوط منزلتهم عند الناس لقطعوا شوطاً طويلاً في هذا وكأني بهم تمثلوا ببيت الإمام الشافعي الذي يقول:
ولولا الشعر بالعلماء يزري
لكنت اليوم أشعر من لبيد ■