الإعلام العربي في مواجهة الإرهاب

الإعلام العربي في مواجهة الإرهاب

غدت ظاهرة الإرهاب خلال العقدين الأخيرين ظاهرة عالمية اجتاحت معظم مناطق العالم بدرجات متفاوتة، واختلف وقع حجمها وصداها وآثارها في المجتمعات المختلفة، حسب الأسباب المؤدية لها من جهة وأساليب التعامل معها من جهة ثانية.
ولم يسلم العالم العربي من ظاهرة العنف والإرهاب التي أدت بحكم تزايدها وتناميها إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا وإلى زعزعة الأمن والاستقرار وانتشار الرعب والخوف في نفوس الأفراد.

 

اكتست ظاهرة الإرهاب بعداً دولياً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وأصبح الحديث منذ ذلك الحين على إستراتيجيات وخطط عالمية لمواجهة الإرهاب تسهم فيها كل مجالات العمل العام في مختلف أقطار العالم.
ومن منطلق الدور الكبير الذي تؤديه وسائل الإعلام في التأثير على اتجاهات وميول الجمهور واكتسابه للمعارف والمعلومات ولاسيّما وقت الأزمات ووقوع الأحداث الإرهابية، تعدّدت المبادرات الهادفة إلى التصدي لهذه الظاهرة إعلامياً وفي مقدمتها «الإستراتيجية الإعلامية العربية في مجال مكافحة الإرهاب»، والقرارات الصادرة عن الاجتماع المشترك لمجلس وزراء الإعلام ومجلس وزراء الداخلية العرب المنعقد في تونس منذ حوالي عقد من الزمان.
وجرى نقاش حول مقاربة وسائل الإعلام لظاهرة الإرهاب بين عديد من الخبراء والإعلاميين العرب، أفرز أسساً وضوابط تسهم بدرجة واضحة في توصيف الإرهاب بكل أنواعه، وتحديد ملامح معالجته السليمة.
أول هذه الأسس اعتبار الإرهاب ظاهرة غير مرتبطة بعقيدة أو جنسية أو وطن، والسعي إلى تعزيز ثقة الجمهور العربي، ولاسيما الناشئة بتراثه وحضارته، وإبراز الطابع العالمي لهذه الظاهرة من خلال تسليط الضوء على أحداث إرهابية جدّت في بيئات مختلفة.
كما يتعيّن تحليل ظاهرة الإرهاب وأسبابها وكشف أبعادها وأخطارها، وذلك بالاستعانة بأهل الذكر والتركيز على مختلف أوجه النشاط المتعلقة بمكافحة الإرهاب التي تقوم بها هيئات المجتمع المدني، وعدم إتاحة الفرصة للإرهابيين لبث دعواهم وأفكارهم الهدامة أو لتبرير أعمالهم الإجرامية عبر القنوات الفضائية العربية وعدم تصوير الإرهابيين كأبطال أو ضحايا، مع اجتناب التعتيم عند وقوع أي عمل إرهابي احتراماً لحق المواطن في الإعلام.
ومن أسس المعالجة أيضاً ضرورة أن يتم التصدي للإرهاب على جبهتين:
- الجبهة الداخلية من خلال إشاعة ثقافة الحوار ونبذ احتكار الحقيقة وتوسيع دائرة الاجتهاد الإنساني ونشر مناهج الفكر التحليلي العقلاني التنويري وثقافة السلام ومفهوم الوسطية في الإسلام.
والجبهة الخارجية من خلال تصحيح صورة العرب والمسلمين في وسائل الإعلام الأجنبية.
لابدّ من تكريس منظومة قيمية من خلال القنوات الفضائية العربية تقوم على نشر روح التسامح والاعتدال، باعتبار أن التماس الحقيقة هو غاية الاجتهاد البشري، وتوسيع إطار التفاعل ليشمل كل فئات المجتمع أولاً، ومن ثم يمتد نطاقه إلى التعامل مع أطراف العالم الخارجي، من منطلق الشعور بالتكافؤ الحضاري والندية الثقافية وإعلاء قيمة العقل من أجل استبعاد الفكر الخرافي نهجاً في مقاربة الظواهر وفي معالجة القضايا والمشكلات.
ومن المفيد الإشارة إلى تولي اتحاد إذاعات الدول العربية إعداد دراسة تتناول تأثير القنوات التلفزيونية الفضائية في التصدي للجريمة والإرهاب.
وقد خلصت هذه الدراسة إلى الوقوف على بعض الدلالات التي أفرزتها نتائج البحث المتعلقة بمتابعة القنوات الفضائية بشكل عام.
فعلى مستوى مصدر الخبر، جاءت القنوات الفضائية العربية في المرتبة الأولى، يليها «الإنترنت» ثم الصحف والمجلات العربية. أما أقل المصادر فتمثّل في وسائل الإعلام الأجنبية الأخرى. وبرزت الصدقية ثم الجرأة في التناول والتغطية الفورية والسبق والانفراد ببعض الحقائق، من أهم أسباب الاعتماد على القنوات الفضائية العربية في استقاء المعلومات عن الإرهاب.
كما جاءت نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية والسياسية، ويليها البرامج الدينية والحوارية والدراما في مقدمة الأشكال البرامجية والمواد المفضلة لدى العينة لتناول الإرهاب. أما أقل الأشكال تفضيلاً فتمثلت في التنويهات عن الإرهاب.

المصداقية والتنسيق المتبادل
وتمثلت السمات الإيجابية لتناول القنوات الفضائية العربية للإرهاب في «درجة المصداقية»، «تلبية الاحتياجات إلى المعرفة»، بينما تمثلت أهم السمات السلبية في «التركيز على موقف أطراف ودول معينة»، «الاهتمام بأحداث محددة وإهمال أحداث أخرى تتعلق بالإرهاب»، «الخلط أحياناً بين مفهوم الإرهاب والمقاومة المشروعة». يتّجه الرأي عموماً إلى ضرورة الالتزام بالموضوعية في تناول قضايا الإرهاب والسرعة والفورية في نقل الأحداث المتعلقة بالإرهاب، مع الاهتمام بتفسير هذه الأحداث وربط النتائج بالأسباب، حتى تأتي المعالجة متكاملة والاهتمام بالخدمة التفسيرية والتحليلية وعدم الاكتفاء بالتغطية الإخبارية فقط، وذلك عبر مزيد الاهتمام ببرامج الحوار التي تستضيف الخبراء والمحللين السياسيين وأصحاب القرار لتفسير الظاهرة والوقوف على أبعاد المعالجة لها والتصورات المطروحة لمواجهتها. كما يتعيّن إبراز الأبعاد المختلفة للإرهاب (البعد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي) لنمو وانتشار هذه الظاهرة لمساعدة الجمهور في فهم الظاهرة وزيادة المعرفة بأبعادها وآثارها.
وتبرز الحاجة الملحة إلى التنسيق بين القنوات الفضائية العربية في إعداد برامج ذات جودة عالية لمواجهة الإرهاب، وتشكيل فريق عمل من الفضائيات العربية لتناول الظاهرة بأبعادها المختلفة، وإنتاج برامج تبث باللغات الأجنبية، لتعريف العالم بالصورة الصحيحة للإسلام والمسلمين. رغم كل هذه المساعي والبحوث والدراسات التي انكبت في السنوات الأخيرة على مسألة التعاطي الإعلامي مع ظاهرة الإرهاب، تبقى الحاجة قائمة لوضع إستراتيجية إعلامية شاملة لمكافحة الإرهاب والتطرّف، تمثل خريطة طريق للإعلاميين من أجل التعامل مع هذه الآفة الخطيرة.
ولأن ظاهرة الإرهاب انتشرت بقوة في السنوات الأخيرة، وأصبحت أداة من أدوات الممارسة السياسية. ووسيلة تستعمل لطرح القضايا ونشر مشاريع تسعى لتحيين مجرى التاريخ، في الزمان والمكان... ولأن دعاة الإرهاب يستهدفون بالأساس الرأي العام المحلي والدولي، لبث أفكارهم المتطرّفة وتحقيق أهداف الصدمة والترويع، لهذه الأسباب أضحى الإرهاب قضية إعلامية بالدرجة الأولى، وأصبح الاستعداد والتهيؤ لمواجهته بفاعلية، على الميدان الإعلامي نفسه، مسألة في غاية الأهمية ونحن بحاجة ملحة إلى معالجة إعلامية مناسبة لظاهرة الإرهاب، معالجة تتفاعل مع هذه الظاهرة بعمقها وتعقيدها وتقدّم رسائل إعلامية تشبع الحاجة للمعلومة الصحيحة، وتنير بالشرح والفكر المطلوب كل هذه التطورات الساخنة والمتزاحمة في مشهدنا العربي على وجه الخصوص. هذا هو رهان الساعة! ■