تأثير ابن رشد على الثقافة الأوربية

تأثير ابن رشد على الثقافة الأوربية

تميزت‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬التوحد‭ ‬وفقاً‭ ‬لعبارة‭ ‬ابن‭ ‬باجة،‭ ‬أو‭ ‬الغربة‭ ‬أو‭ ‬الاغتراب‭ ‬بلغة‭ ‬اليوم‭. ‬والاغتراب،‭ ‬وفقاً‭ ‬للفيلسوف‭ ‬الأندلسي‭ ‬الأول،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬رحيل‭ ‬الفيلسوف‭ ‬عن‭ ‬مجتمعه،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬ينأى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬بنفسه‭ ‬عن‭ ‬الاندماج‭ ‬الكامل‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وينصرف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يمليه‭ ‬العقل‭ ‬وحده‭.  ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة،‭ ‬فلها‭ ‬أصول‭ ‬عريقة،‭ ‬ولكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬التركيز‭ ‬اشتد‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الأندلس‭ ‬بسبب‭ ‬الاضطهاد‭ ‬الذي‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬الفلاسفة‭ ‬في‭ ‬المشرق‭ ‬وظل‭ ‬يهددها‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬دراسة‭ ‬فلاسفة‭ ‬الأندلس‭ ‬الثلاثة‭ (‬ابن‭ ‬باجة،‭ ‬ابن‭ ‬طفــــيل،‭ ‬وابن‭ ‬رشد‭) ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاويــــة‭ ‬تحقــــق‭ ‬فوائـــد‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أنهم‭ ‬كانــــوا‭ ‬يدافعـــون‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة،‭ ‬فقد‭ ‬اتخذت‭ ‬فكرة‭ ‬الــــتغرب‭ ‬بمعنى‭ ‬الانصراف‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬العقل‭ ‬شكل‭ ‬استعراض‭ ‬لماضي‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬المشرق،‭ ‬بهدف‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬توافقها‭ ‬مع‭ ‬الشريعة،‭ ‬فكأن‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الثلاثة‭ ‬كانوا‭ ‬يدركون‭ ‬أنهم‭ ‬أصبحوا‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الأخير‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الفلسفية،‭ ‬وأن‭ ‬عليـــــهم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬منجزات‭ ‬الفلسفة،‭ ‬والتدليل‭ ‬على
أهميتها‭ ‬وترسيخ‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭. ‬

نرى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬حي‭ ‬بن‭ ‬يقظان‭ ‬لابن‭ ‬طفيل،‭ ‬التي‭ ‬يستعرض‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيرة‭ ‬البطل‭ ‬الخرافية‭ ‬فلسفة‭ ‬ابن‭ ‬سينا‭ ‬الإشراقية‭ ‬كتوليفة‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬أرسطية‭ ‬وأفلاطونية‭ ‬وأفلوطينية،‭ ‬ويدلل‭ ‬بذلك‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحكمة‭ ‬المؤلفة‭ ‬التي‭ ‬يستخلصها‭ ‬البطل‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬تتطابق‭ ‬مع‭ ‬الشريعة‭. ‬

والقول‭ ‬بالتطابق‭ ‬بين‭ ‬الفلسفة‭ ‬والشريعة‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬طريقة‭ ‬ابن‭ ‬طفيل‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الفلاسفة‭ ‬بطريقة‭ ‬رمزية،‭ ‬ودفع‭ ‬تهمة‭ ‬الكفر‭ ‬عنهم‭ ‬كما‭ ‬وجهها‭ ‬الغزالي‭ ‬إليهم‭.‬

 

مصير‭ ‬سيئ

أما‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬ثالث‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الأندلسيين،‭ ‬فقد‭ ‬فضّل‭ ‬أن‭ ‬يخوض‭ ‬معركة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وأن‭ ‬يواجه‭ ‬خصومها‭ ‬في‭ ‬العلن‭. ‬

وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬البطولي‭ ‬فرض‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المغترب‭ ‬الأكبر،‭ ‬فقد‭ ‬أُحرقت‭ ‬مؤلفاته‭ ‬ونفي‭ ‬عن‭ ‬بلاده،‭ ‬ثم‭ ‬تغرب‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬عندما‭ ‬انتقلت‭ ‬أعماله‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬مترجمة‭ ‬إلى‭ ‬اللاتينية،‭ ‬وكان‭ ‬له‭ ‬فيها‭ ‬أتباع‭ ‬يوصفون‭ ‬بأنهم‭ ‬ارشديون‭ ‬لاتينيونب،‭ ‬وخصوم‭ ‬عتاة‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬اللاهوت،‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬القديس‭ ‬توماس‭ ‬الأكويني،‭ ‬وهناك‭ ‬تضاعفت‭ ‬غربة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تنكر‭ ‬له‭ ‬الأوربيون‭ ‬ورموه‭ ‬بأشنع‭ ‬التهم‭ ‬وأساءوا‭ ‬فهمه‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬وأغفلوا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬ذكره‭ ‬وتجاهلوه‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المصير‭ ‬السيئ‭ ‬الذي‭ ‬لقيه‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬وفي‭ ‬أوربا‭ ‬على‭ ‬السواء،‭ ‬يرجع‭ ‬أساساً‭ ‬إلى‭ ‬شرحه‭ ‬على‭ ‬مؤلفات‭ ‬أرسطــو‭. ‬كان‭ ‬يريد،‭ ‬مثله‭ ‬مـــثل‭ ‬ابن‭ ‬طفيل،‭ ‬أن‭ ‬يثــبت‭ ‬ألا‭ ‬تعــــارض‭ ‬بيــــن‭ ‬الفلسفة‭ ‬والشــريعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وقـــــد‭ ‬اعترف‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬المقال‭ ‬بأن‭ ‬بعــــض‭ ‬أوجـــه‭ ‬التباين‭ ‬تظهر‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬أحيانا،‭ ‬وأن‭ ‬الأمر‭ ‬يقتــــضي‭ ‬عـــــندئذ‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬التأويل،‭ ‬أي‭ ‬تفسير‭ ‬نصوص‭ ‬الشريعة‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬حقيقتها‭ ‬أو‭ ‬باطنها‭. ‬

فمن‭ ‬شأن‭ ‬عملية‭ ‬التأويل‭ ‬إذا‭ ‬مورست‭ ‬بطريقة‭ ‬مشروعة‭ - ‬وفقاً‭ ‬لشروطها‭ ‬وفي‭ ‬نطاق‭ ‬حدودها‭ ‬الصحيحة‭ - ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬الاتفاق‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬باطن‭ ‬الشريعة‭ ‬وظاهرها،‭ ‬فللشرع‭ ‬حقيقة‭ ‬باطنة‭ - ‬وهي‭ ‬عقلية‭ ‬وخاصة‭ ‬بالراسخين‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬أو‭ ‬الفلاسفة‭ - ‬وظاهر‭ ‬تقتضيه‭ ‬مخاطبة‭ ‬مختلف‭ ‬الفئات‭ ‬بلغة‭ ‬مناسبة‭. ‬

 

مفهوم‭ ‬العلم‭ ‬الإلهي

إن‭ ‬كتاب‭ ‬فصل‭ ‬المقال‭ ‬عمل‭ ‬تمهيدي‭ ‬يعرض‭ ‬فيه‭ ‬المؤلف‭ ‬بإيجاز‭ ‬برنامج‭ ‬عمله‭. ‬أما‭ ‬شرحه‭ ‬على‭ ‬مؤلفات‭ ‬أرسطو،‭ ‬فهو‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬ينفذ‭ ‬فيه‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج،‭ ‬ويتميز‭ ‬بأهمية‭ ‬استثنائية‭ ‬لأنه‭ ‬شرح‭ ‬نقدي‭ ‬صارم،‭ ‬فقد‭ ‬اقتضى‭ ‬استعراض‭ ‬وتمحيص‭ ‬كل‭ ‬الشروح‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬الشارح،‭ ‬كما‭ ‬اقتضى‭ ‬تخليص‭ ‬أرسطو‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬الأفلاطونية‭ ‬والأفلوطينية‭ ‬الدخيلة‭ ‬التي‭ ‬شابت‭ ‬مذاهب‭ ‬فلاسفة‭ ‬مسلمين،‭ ‬مثل‭ ‬الفارابي‭ ‬وابن‭ ‬سينا‭ ‬وابن‭ ‬باجة‭ ‬وابن‭ ‬طفيل،‭ ‬وأدى‭ ‬الشرح‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬إلى‭ ‬إبراز‭ ‬الطابع‭ ‬العلمي‭ ‬لفلسفة‭ ‬أرسطو،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬تستند‭ ‬إلى‭ ‬الموجودات‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬متاحة‭ ‬لوسائل‭ ‬الإنسان‭ ‬المعرفية‭ ‬العادية‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الحواس،‭ ‬كما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬نقاط‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬الشريعة‭ ‬والفلسفة‭ ‬العلمية‭. ‬

كما‭ ‬نتبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشرح‭ ‬الرشدي‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬التوافق‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والإيمان،‭ ‬طريقة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬تأويل‭ ‬النصوص‭ ‬الشرعية؛‭ ‬فهي‭ ‬تقتضي‭ ‬تنقيح‭ ‬الفلسفة‭ - ‬فلسفة‭ ‬أرسطو‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ - ‬وتطعيمها‭ ‬عند‭ ‬الضرورة‭ ‬بمفاهيم‭ ‬إسلامية‭ ‬بحيث‭ ‬تتواءم‭ ‬مع‭ ‬الإسلام‭. ‬

ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفلسفة‭ ‬العلمية‭ ‬كما‭ ‬شرحها‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬تخلو‭ ‬من‭ ‬دليلين‭ ‬أساسيين‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭: ‬دليل‭ ‬العناية‭ ‬ودليل‭ ‬الاختراع‭ (‬أي‭ ‬إيجاد‭ ‬الكائنات‭)‬،‭ ‬وعندئذ‭ ‬لجأ‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬إلى‭ ‬إدراج‭ ‬هذين‭ ‬الدليلين‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬عنصر‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬هو‭ ‬مفهوم‭ ‬العلم‭ ‬الإلهي؛‭ ‬فهذا‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬أرسطو‭ ‬أنه‭ ‬منحصر‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية‭ ‬يصبح‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التنقيح‭ ‬علماً‭ ‬خلاقاً‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تأثير‭ ‬الكائنات‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬البشر،‭ ‬بل‭ ‬يوجدها‭ ‬ويعنى‭ ‬بها‭ ‬ويسخّرها‭ ‬لخدمة‭ ‬الإنسان‭. ‬

 

الشريعة‭ ‬والفلسفة

يتبين‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬عند‭ ‬تنفيذه‭ ‬أنه‭ ‬يتألف‭ ‬منطقياً‭ ‬من‭ ‬جزءين؛‭ ‬جزء‭ ‬سلبي‭ ‬أو‭ ‬نقدي‭ ‬يكشف‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬أوجه‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬الشريعة‭ ‬والفلسفة‭ ‬الأرسطية‭ ‬ذات‭ ‬الصبغة‭ ‬العلمية،‭ ‬أو‭ ‬لنقل‭ ‬يفصل‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬مجال‭ ‬للإيـــمان‭ ‬ومجال‭ ‬للعلم؛‭ ‬وجزء‭ ‬آخر‭ ‬إيجابي‭ ‬أو‭ ‬بنّاء‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التوافق‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التأويل‭ (‬تأويل‭ ‬النصوص‭ ‬الشرعية‭) ‬أو‭ ‬تنقيح‭ ‬مذهب‭ ‬أرسطو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تعسف‭ - ‬أي‭ ‬من‭ ‬داخله‭ - ‬بقدر‭ ‬المستطاع‭.‬

وقد‭ ‬يقال‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬إن‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التوفيق‭ ‬وتحقــيق‭ ‬التصالح‭ ‬جاءت‭ ‬موضعية‭ ‬ومتفرقة،‭ ‬ولم‭ ‬تجمع‭ ‬وتنسق‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬واحد‭ ‬ومنظم،‭ ‬وذلك‭ ‬لأنها‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬من‭ ‬الشرح‭ ‬أو‭ ‬الجدل‭ ‬في‭ ‬أعـــمال‭ ‬متفرقة‭. ‬

وقد‭ ‬يلتمس‭ ‬له‭ ‬العذر،‭ ‬فيقال‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬تتح‭ ‬له‭ ‬بسبب‭ ‬ضخامة‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬فسحة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬وفضل‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬لتنظيم‭ ‬آرائه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬واحد‭ ‬ومتكامل‭. ‬

وأيا‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬فإن‭ ‬غلبة‭ ‬الشرح‭ ‬والجدل‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬وضيق‭ ‬المكان‭ ‬المخصص‭ ‬للبناء‭ ‬المنظم،‭ ‬أتاحا‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬أتباعه‭ (‬الرشديين‭ ‬اللاتينيين‭) ‬وخصومه‭ (‬علماء‭ ‬اللاهوت‭ ‬المسيحيين‭) ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬فرصة‭ ‬قراءته‭ ‬قراءة‭ ‬جزئية‭ ‬وتبسيطه‭ ‬تبسيطاً‭ ‬مخلاً‭ ‬عن‭ ‬قصد‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬قصد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استغل‭ ‬في‭ ‬تشويه‭ ‬سمعته،‭ ‬واستبعاده‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجماعية‭. ‬

وقد‭ ‬قصروا‭ ‬انتباههم‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬على‭ ‬آرائه‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النقد‭ ‬وإبراز‭ ‬التباين‭ ‬بين‭ ‬الفلسفة‭ ‬والشريعة،‭ ‬وأغفلوا‭ ‬جهوده‭ ‬الإيجابية‭ ‬البناءة،‭ ‬أي‭ ‬إنهم‭ ‬ركزوا‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬المخصص‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬للفصل‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والإيمان،‭ ‬وأغفلوا‭ ‬الجزء‭ ‬المخصص‭ ‬لوصل‭ ‬الطرفين‭.‬

 

تشهير‭ ‬وتجاهل

‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدينا‭ ‬وضوح‭ ‬كامل‭ ‬بشأن‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لأنها‭ ‬استغلت‭ ‬في‭ ‬التشهير‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬عدائية‭ ‬شاملة،‭ ‬وفي‭ ‬إخفائه‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬في‭ ‬النهاية‭. ‬

إن‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬الاستجابة‭ ‬لما‭ ‬فهموه‭ ‬أو‭ ‬أساءوا‭ ‬فهمه‭ ‬من‭ ‬البرنامج‭ ‬الرشدي‭ ‬يساعد،‭ ‬برغم‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬على‭ ‬اكتشاف‭ ‬تأثيره‭ ‬الذي‭ ‬سرى‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬تحت‭ ‬ستار‭ ‬من‭ ‬التشهير‭ ‬والتجاهل‭. ‬

وقد‭ ‬تجنوا‭ ‬عليه‭ ‬إذن،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬إنهم‭ ‬حسناً‭ ‬فعلوا‭. ‬فلعلهم‭ ‬عندما‭ ‬بسطوا‭ ‬آراءه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬النحو‭ ‬واقتصروا‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬النقدي‭ ‬من‭ ‬عمله‭ ‬أخذوا‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬فيه‭. ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬أصبح‭ ‬قوة‭ ‬دافعة‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬فحرّك‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭ ‬ودفع‭ ‬العقول‭ ‬إلى‭ ‬الاستجابة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التجديد‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬سعي‭ ‬القديس‭ ‬توماس‭ ‬الأكويني‭ ‬إلى‭ ‬احتواء‭ ‬العلم‭ ‬الأرسطي‭ ‬في‭ ‬توليفة‭ ‬فلسفية‭ ‬لاهوتية‭ ‬اتجاهاً‭ ‬محافظاً‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬وما‭ ‬عليه؛‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كانت‭ ‬جهود‭ ‬المتمردين‭ ‬أو‭ ‬الثوريين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالنظام‭ ‬القديم‭ ‬وإنشاء‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬أحدث‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬الشارح‭ ‬الناقد‭ ‬تصدعاً‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬آثار‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬وعظيمة‭ ‬الفائدة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭. ‬

وتجلى‭ ‬تأثير‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬جانبين،‭ ‬الجانب‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬استخلاصه‭ ‬لمذهب‭ ‬أرسطو‭ - ‬الطبيعي‭ ‬النزعة‭ ‬والعلمي‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ - ‬وفصله‭ ‬عن‭ ‬مجال‭ ‬الإيمان‭ ‬أطلق‭ ‬حركة‭ ‬استقلال‭ ‬العلم‭ ‬التي‭ ‬توجت‭ ‬بثورة‭ ‬العلم‭ ‬الحديث،‭ ‬فلم‭ ‬تحل‭ ‬عملية‭ ‬الاحتواء‭ ‬التي‭ ‬أجراها‭ ‬الأكويني‭ ‬في‭ ‬رأب‭ ‬التصدع‭ ‬وتفاقمه‭. ‬بل‭ ‬وقد‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬عمل‭ ‬الأكويني‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬الساعة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وفرض‭ ‬هيمنة‭ ‬اللاهوت‭ ‬وسلطة‭ ‬الكنيسة‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تأجيج‭ ‬التمرد‭ ‬وإشعال‭ ‬الثورة‭. ‬وظهرت‭ ‬بدايات‭ ‬التصدع‭ ‬في‭ ‬مواقف‭ ‬الرشديين‭ ‬اللاتينيين،‭ ‬وبخاصة‭ ‬عندما‭ ‬أخذوا‭ ‬بنظرية‭ ‬ازدواج‭ ‬الحقيقة‭ ‬أو‭ ‬وجود‭ ‬مجالين‭ ‬لها‭ - ‬مجال‭ ‬للإيمان‭ ‬ومجال‭ ‬للعلم‭ - ‬وأخفوا‭ ‬بها‭ ‬انحيازهم‭ ‬للمجال‭ ‬الأخير‭. ‬وكانوا‭ ‬بذلك‭ ‬هم‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬حركة‭ ‬استقلال‭ ‬العلم،‭ ‬وجاءت‭ ‬بعدهم‭ ‬موجات‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬التمرد‭ ‬انتهت‭ ‬بالثورة‭ ‬العلمية‭ ‬الحديثة‭. 

 

حملة‭ ‬شعواء

نظراً‭ ‬لأن‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬من‭ ‬تأثيــــر‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬ذو‭ ‬طابع‭ ‬عام‭ ‬وأساسي،‭ ‬فقد‭ ‬كــــان‭ ‬ولايــزال‭ ‬خافياً،‭ ‬ولم‭ ‬يحظ‭ ‬بالانتباه‭ ‬الكافي‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭. ‬

ولا‭ ‬يستثنى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬علماء‭ ‬اللاهوت‭ ‬الأوائل‭ - ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬القديس‭ ‬توماس‭ ‬الأكويني‭ - ‬الذين‭ ‬تنبّهوا‭ ‬للخطر‭ ‬في‭ ‬بداياته‭ ‬وسارعوا‭ ‬إلى‭ ‬درئه،‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬الاحتواء‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬ظل‭ ‬ذلك‭ ‬الجانب‭ ‬خافياً،‭ ‬لأن‭ ‬أولئك‭ ‬العلماء‭ ‬حجبوه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬القيام‭ ‬بعملية‭ ‬الدفاع‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬من‭ ‬العمق‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬وراء‭ ‬سلاح‭ ‬تكتيكي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬صرف‭ ‬الأنظار‭ ‬عنه‭ ‬وتغييبه‭. ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬السلاح‭ ‬هو‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بنظرية‭ ‬وحدة‭ ‬العقل‭ ‬التي‭ ‬نسبوها‭ ‬إلى‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬محرفة‭. ‬فقد‭ ‬تنبه‭ ‬الأكويني‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬القضية،‭ ‬ولكنه‭ ‬لم‭ ‬يتخذ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬موقفاً‭ ‬دفاعياً‭ ‬بهدف‭ ‬احتواء‭ ‬الخطر،‭ ‬بل‭ ‬وجد‭ ‬عندئذ‭ ‬فرصة‭ ‬سانحة‭ ‬للهجوم‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬ونبذه‭ ‬بوصفه‭ ‬شارحاً‭ ‬لا‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬أرسطو،‭ ‬وعدواً‭ ‬للمسيحية،‭ ‬لأنه‭ ‬وفقاً‭ ‬لادعاء‭ ‬الأكويني‭ ‬أثبت‭ ‬وحدة‭ ‬العقل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬البشر،‭ ‬والتزم‭ ‬من‭ ‬ثمّ‭ ‬بنفي‭ ‬تعدد‭ ‬الأفراد‭ ‬وخلود‭ ‬الروح‭.‬

وكان‭ ‬ذلك‭ ‬بداية‭ ‬لحملة‭ ‬من‭ ‬معاداة‭ ‬االشيطانب‭ ‬العربي،‭ ‬وكانت‭ ‬حملة‭ ‬بلا‭ ‬نظير‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬اضطهاد‭ ‬الفلاسفة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬شاملة‭ ‬وامتدت،‭ ‬وبقيت‭ ‬آثارها‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭.‬

وحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬بوحدة‭ ‬العقل‭ ‬ببساطة‭ - ‬أي‭ ‬إنه‭ ‬لم‭ ‬يقبلها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تحفظات‭ ‬وشروط‭ - ‬بل‭ ‬اعترض‭ ‬عليها‭ ‬وطرحها‭ ‬كمعضلة‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬وعلى‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭. ‬فنظرية‭ ‬العقل‭ ‬الواحد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬البشر‭ ‬كانت‭ ‬تتعارض‭ ‬في‭ ‬رأيه‭ ‬مع‭ ‬تعدد‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الفكر‭ ‬والوجود،‭ ‬ولكنها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬تعد‭ ‬بحل‭ ‬مشكلة‭ ‬خلود‭ ‬الروح‭. ‬وقد‭ ‬سعى‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬القضية‭ ‬بوصفها‭ ‬معضلة‭ ‬تتطلب‭ ‬الحل‭. ‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية‭ ‬استقبلت‭ ‬القضية‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة،‭ ‬رغم‭ ‬تحريفها‭ ‬واستغلالها‭ ‬في‭ ‬صورتها‭ ‬المحرفة،‭ ‬كسلاح‭ ‬تكتيكي‭ ‬لتشويه‭ ‬سمعة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬وصرف‭ ‬الأنظار‭ ‬عن‭ ‬مساهمته‭ ‬في‭ ‬استقلال‭ ‬العلم‭.‬

ولكن‭ ‬ظهور‭ ‬الكوجيتو‭ ‬الديكارتي‭ (‬قضية‭ ‬أنا‭ ‬أفكر‭ ‬إذن‭ ‬أنا‭ ‬موجود‭) ‬في‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬سرى‭ ‬وتغلغل‭ ‬في‭ ‬أعماق‭ ‬الثقافة‭ ‬الأوربية،‭ ‬وكان‭ ‬فعالاً‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬الأنا‭ ‬الديكارتية‭ - ‬الذات‭ ‬المفردة‭ - ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬إلا‭ ‬كردّ‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬وحل‭ ‬قاصر‭ ‬للمعضلة‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتعدد‭ ‬الأفراد،‭ ‬لأنه‭ ‬يثبت‭ ‬وجود‭ ‬الفرد‭ ‬ديكارت،‭ ‬ويهمل‭ ‬وجود‭ ‬كثرة‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭. ‬

ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬الشارح‭ ‬الذي‭ ‬فصل‭ ‬بين‭ ‬الإيمان‭ ‬والعلم‭ ‬لم‭ ‬يــطلق‭ ‬حركة‭ ‬استقلال‭ ‬العلم‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬دفع‭ ‬أيضاً‭ ‬العقول‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إثبات‭ ‬تعدد‭ ‬الأفــــراد،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الحل‭ ‬الديكارتي‭ ‬القاصر‭ ‬آخر‭ ‬الحلول،‭ ‬بل‭ ‬تعددت‭ ‬الاستجابات‭ ‬للمعضلة‭ ‬الرشدية،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬حلول‭ ‬أخرى‭ ‬أفضل‭ ‬وأنجع،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬تأثير‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭ ‬امتد‭ ‬وكان‭ ‬فعالاً‭ ‬عبر‭ ‬القرون‭. ‬

وكانت‭ ‬المعضلة‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬بمنزلة‭ ‬المخاض‭ ‬العسير‭ ‬لفكرة‭ ‬الفرد‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ..