ملف الدراما في رمضان: موسم الدراما السورية.. تنويعات إضافية ومنعطفات حادّة

ملف الدراما في رمضان: موسم الدراما السورية.. تنويعات إضافية ومنعطفات حادّة
        

          بدأت الخطوات الأولى للتميّز في الدراما السورية أوائل الثمانينيات الماضية على أيدي عدد لابأس به من المخرجين السينمائيين، الذين درسوا في أوربا الشرقية والغربية ومصر، ووجدوا أنفسهم في حالة انتظار طويل لتحقيق أفلامهم الأولى، وانصرف عدد منهم إلى الأعمال التلفزيونية، ومنها الأفلام القصيرة والتسجيلية والمسلسلات الدرامية، وانضم إليهم بعد ذلك العديد من المخرجين والممثلين الذين درسوا في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق. وقد أثار المخرج هيثم حقي جدلاً واسعًا حول أهمية تطوير الدراما السورية والعربية ونقلها من حالة الدراما المسرحية أو الإذاعية المصوّرة إلى اللغة السينمائية، ونشر تفاصيل هذا الاتجاه في كتابه «بين السينما والتلفزيون» الذي صدر بتقديم ممدوح عدوان.

          إن الدراما السورية ومنذ انتشارها عربيًا كانت ولاتزال في أغلبها مموّلة برأسمال خليجي، حتى وإن كان التمويل المباشر سوريًا، فالبيع للمحطات وشركات الإنتاج الخليجية يدفع هؤلاء المنتجين نحو رءوس الأموال الخليجية لكي يستعيدوا ما أنفقوه عن طريق البيع أو مشاركة التمويل أو الاستثمار، فالمسألة عرض وطلب بغض النظر عن المواقف والتوجهات المختلفة.

          وبادرت شركات الإنتاج والفضائيات إلى اقتراح عناوين وموضوعات محددة، وكلفت منتجين منفذين، واشترت وبرمجت عددًا من الأعمال وقامت بتسويقها، ولم نشهد تأثيرًا واضحًا للأحداث التي جرت هذا العام، حتى أن عمليات التصوير ظلت مستمرة بالرغم مما حدث على الأرض، وانعكاس ذلك على الجو العام، إضافة إلى وجود بعض العقبات ومخاطر التنقّل في بعض المناطق والاضطرار إلى تغييرها.

          وهذا ما أكّد عليه فراس دباس مدير شركة سورية الدولية للإنتاج الفني، ومدير قناة الدنيا الفضائية قائلاً: من المؤكد أن للسياسة تأثيرًا على إنتاج الدراما بشكل عام ومنها السورية، إلا أنه في الحالة التي نمر بها حاليًا لا أظن أن لها ذلك التأثير الكبير:

          - من ناحية الإنتاج: غالبية الأعمال تم إنتاجها وبالتالي فإن التأثير المحتمل على ذلك ضعيف.

          - من ناحية التوزيع: أعتقد أن نسبة التأثير لن تكون كبيرة وذلك لأن المحطات بحاجة لمواد تملأ فترات البث، ومع حلول شهر رمضان هي بحاجة للإنتاج الجديد (2011) إذا أضفنا إليه اضطراب حركة الإنتاج المصرية هذا العام.

          حتى أزمة التسويق التي يتم الحديث عنها حاليًا، وبيع عشرة مسلسلات فقط من بين أكثر من أربعين عملاً دراميًا، تشكّل أزمة متكررة كل عام، لكن قبل حلول شهر رمضان تباع أغلب الأعمال مع تفاوت السعر، وفي النهاية العمل الجماهيري والجيد يجد طريقه إلى القنوات الفضائية، والربح ليس فقط في العرض الرمضاني الأول (إلا إذا كان العرض حصريًا)، بل من خلال تكراره على أكثر من قناة فضائية، وكذلك من خلال إعادته.. كما أن الدراما السورية في الفترات الأخيرة أثبتت تفوّقها وتميّزها على جميع الأصعدة وفي كل الأنواع من التاريخي إلى الكوميدي والمعاصر، واستطاعت معرفة البوصلة وما يرغب فيه الجمهور وهو أمر تعنى به الفضائيات، فالجمهور يرفع نسبة المشاهدة وبالتالي زيادة المعلنين الذين يشكّلون الداعم الرئيسي لأي محطة تلفزيونية. وهذا ما يبرر وجود عدد كبير من الأجزاء كاستثمار للنجاح مثل «باب الحارة» بأجزائه، والآن مسلسل «الزعيم» من إخراج مأمون الملا، ضمن هذا النوع من مسلسلات البيئة، وكذلك «طالع الفضة» للمخرج سيف سبيعي، إضافة إلى المسلسل المعاصر «الغفران» لحاتم علي، و«شوكولا» لرشا شربتجي، و«جلسات نسائية» للمثنى صبح. كذلك في الكوميديا سنرى الجزء الثامن من «بقعة ضوء»، إضافة إلى الجزء الثاني من مسلسل «يوميات مدير عام» للمخرج زهير قنوع، بطولة أيمن زيدان، والذي سبق أن أحرز الجزء الأول منه نجاحًا كبيرًا قبل أكثر من عشر سنوات، ومسلسل «الخربة» للمخرج الليث حجو. أما على صعيد الأعمال التاريخية فسنرى «رابعة العدوية» لزهير قنوع، و«العشق الحرام» للمخرج تامر اسحق، والجزء الثالث من مسلسل «صبايا» للمخرج ناجي طعمي، و«سوق الورق» للمخرج أحمد إبراهيم أحمد، ومسلسل «المنعطف» للمخرج عبدالغني بلاط، في حين تم تأجيل مسلسل «الفاروق» للمخرج حاتم علي إلى رمضان 2012، والذي سيشكّل نقلة نوعية في الدراما التاريخية من حيث الإنتاج الضخم والإبهار في الديكورات، واستخدام الكوادر المتخصصة في كل المجالات، أما من حيث المضمون، فهو قراءة مختلفة لمرحلة الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) والخلفاء الراشدين، ومازال الجدل قائمًا والأخبار متضاربة حول إمكانية ظهور وجوه الخلفاء في العمل.. تلك أبرز الأعمال، وهناك الكثير من المسلسلات التي تم تصويرها وأخرى قيد الإنجاز، إضافة إلى المشاريع التي يتم الاتفاق عليها من الآن للعام القادم، وتمتلك الدراما السورية أهم الكوادر في الوطن العربي ابتداء من الكتاب وصولاً إلى المخرجين والفنيين ومهندسي الديكور والأزياء.. إضافة إلى هامش الجرأة الذي تحلّت به الدراما أخيرًا، وملامستها للناس وواقع حالهم اجتماعيًا وثقافيًا، ودينيًا واقتصاديًا، والتعامل مع قضاياهم بشكل حقيقي وواقعي.

          ومن الضروري الالتفات إلى أن التعامل من قبل رءوس الأموال الخليجية مازالت تحكمه في سورية العلاقات الشخصية، ومسألة العرض والطلب وجودة العمل، فهم لا يتعاملون مع الدولة أو موظفيها، وهذا ما أكّد عليه مازن حايك المتحدث الرسمي باسم مجموعة mbc مدير عام العلاقات العامة والشئون التجارية، من أن الإنتاج الدرامي العائد لمجموعته لم يتأثر بما يحصل وجميع عمليات الإنتاج والتصوير استمرت بما فيها توقيت العرض، ويضيف: «لسنا جهة حكومية أو أداة لأهواء ومواقف، فنحن شركة خاصة تخضع لمعايير احترافية علمية ومهنية بحتة، تضع نصب أعينها المشاهد أولاً واهتماماته، لتحقيق نسب مشاهدة عالية تلائم تطلعاتنا وإستراتيجيتنا وشبكة برامجنا، ثم يأتي المعلن الذي يشكّل المورد المادي الرئيس، فبالتالي لا نتأثر بالمواقف المتغيرة بين الدول التي تقرّب أو تبعد، ولا نأخذها بعين الاعتبار. موقفنا لصالح الدراما السورية، وفخرنا أنها من أكثر الدراما تنافسية وارتقاء للعالمية، خصوصًا إن توافر لها الظرف الإنتاجي المناسب للوصول بهذه الخبرات والإبداعات على صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل، وكذلك المدبلجين، إلى مستوى أهم مما نراه في الدراما التركية على الأقل، كما أنه من الضروري الالتفات إلى أن «mbc» تقوم ببرمجة أعمالها قبل سنة أو أكثر (من 12 إلى 18 شهرًا)، بالتالي أي تأثر يتحدثون عنه؟! هم ليسوا طرفًا في هذه اللعبة».

          وتكمن المشكلة في القائمين على الفن والدراما في سورية، وليس في رءوس الأموال الخليجية فقط، وهنا تجدر الإشارة إلى أن انطلاقة الدراما السورية وانتشارها عربيًا كانا على حساب تراجع الإنتاج الأردني في التسعينيات تحت تأثير تداعيات حرب الخليج، مما أدى إلى توجه رءوس الأموال الخليجية إلى سورية كبديل وانتعاش الدراما، وهو دليل على ما يمكن للسياسة أن تلعبه من دور داعم أو محبط لأي مسيرة تطور في هذا المجال.

          ويبقى الحل من وجهة نظر أديب خير، مدير شركة سامة للإنتاج الفني، «في التخفيف من الإنتاجات المحلية لحد كمية العرض مما يؤدي إلى رفع سعر الساعات القليلة المتوافرة، وبذلك تتم المحافظة على السعر المناسب، وزيادة عدد المحطات المحلية أو الموجهة إلى الداخل ومن ثم زيادة نسبة المشاهدة، مما يولد المزيد من الإعلانات باعتبارها الدخل الأول للمحطة التلفزيونية التي ستقوم بزيادة الإنتاج على برامجها لتتمكن من المنافسة والحصول على نسب مشاهدة أعلى. النقطة الأساسية تكمن أنه في وقت الأزمات تنخفض الإعلانات والدخل ولذلك لن ينفع أن يقوم المستثمر في هذا الوقت بالذات خصوصًا بإنشاء محطة تلفزيونية».

          يبدو أن مشكلات الدراما السورية التي لطالما كتب عنها النقّاد والصحفيون، وأقيمت لها المؤتمرات وتحدث عنها الفنانون والمخرجون والمنتجون مرارًا وتكرارًا، لم تجد حلاً ولم تستطع بالرغم من تطور أدواتها أن تتحول إلى صناعة قادرة على حماية نفسها من أي إشكالية قد تهدد وجودها وتعود بها إلى الوراء.
--------------------------
* ناقدة من سورية

 

 

ليلاس حتاحت*   

 




 





بقعة ضوء: البحث عن الحقيقة





مشهد من مسلسل «الخربة»





مشهد من مسلسل «الزعيم»





هل تجد الدراما السورية لمشكلاتها حلاً؟