الأثر العثماني في لبنان ماذا تبقى منه؟

الأثر العثماني في لبنان  ماذا تبقى منه؟

بيروت‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬الحروب‭ ‬الخارجية‭ ‬المحيطة‭ ‬بها‭ ‬ومن‭ ‬حولها،‭ ‬تستعيد‭ ‬أحد‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬عليها،‭ ‬فاللاعب‭ ‬التركي‭ ‬اليوم‭ ‬وبالصخب‭ ‬الذي‭ ‬يحدثه،‭ ‬يحاكي‭ ‬عصراً‭ ‬عثمانياً‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬400‭ ‬سنة،‭ ‬ويكاد‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬طي‭ ‬النسيان،‭ ‬ويصبح‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الماضي‭.‬

هذا‭ ‬الاستطلاع‭ ‬محاولة‭ ‬لاستكشاف‭ ‬ما‭ ‬تبقي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الأثر‭ ‬وفي‭ ‬جوانبه‭ ‬التراثية‭ ‬والثقافية،‭ ‬فالسياحة‭ ‬الجغرافية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الساحر‭ ‬بثقافاته‭ ‬وتنوعه‭ ‬وجماله‭ ‬الطبيعي،‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تتشابك‭ ‬فيه‭ ‬مع‭ ‬معالم‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬والأمكنة‭ ‬التاريخية،‭ ‬لتنقلك‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬شاء‭ ‬الهوى،‭ ‬وما‭ ‬تعشقه‭ ‬العين‭ ‬قبل‭ ‬القلب‭ ‬أحياناً‭. ‬

بيروت،‭ ‬تلك‭ ‬االجوهرة‭ ‬في‭ ‬تاج‭ ‬السلطانب،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الألماني‭ ‬غليوم‭ ‬الثاني،‭ ‬عندما‭ ‬زارها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني،‭ ‬كانت‭ ‬المحطة‭ ‬الأولى‭ ‬لرحلة‭ ‬امتدت‭ ‬لثلاثة‭ ‬أيام،‭ ‬اصطحبنا‭ ‬فيها‭ ‬نقيب‭ ‬المصورين‭ ‬الصحفيين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬سابقاً،‭ ‬الزميل‭ ‬نبيل‭ ‬إسماعيل‭.‬

لعل‭ ‬وجود‭ ‬االسرايب‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬العاصمة،‭ ‬وهي‭ ‬مقر‭ ‬رئاسة‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬ما‭ ‬يعطي‭ ‬لهذه‭ ‬المدينة‭ ‬نكهة‭ ‬عثمانية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الساعة‭ ‬الحميدية‭ ‬وكانت‭ ‬تسمى‭ ‬االقشلةب‭ ‬باللغة‭ ‬التركية،‭  ‬وهو‭ ‬مبنى‭ ‬كثير‭ ‬الشبه‭ ‬بمبنى‭ ‬االسليميةب‭ ‬بإسطنبول‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الموقع‭ ‬والهندسة‭ ‬وتاريخ‭ ‬البناء‭. ‬فقد‭ ‬شيد‭ ‬عام‭ ‬1849م،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الأول‭ ‬وجدد‭ ‬عام‭ ‬1877‭ ‬م،‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالمجيد‭ ‬الثاني،‭ ‬وأعيد‭ ‬تجديده‭ ‬زمن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الشهيد‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬عام‭ ‬1998‭ ‬م‭. ‬

وفي‭ ‬ذلك‭ ‬العهد‭ (‬1876‭ - ‬1909‭) ‬تحولت‭ ‬بيروت‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬لولاية‭ ‬حملت‭ ‬اسمها،‭ ‬كما‭ ‬يذكر‭ ‬كتاب‭ ‬ابيروت‭ ‬والسلطانب‭  ‬لمؤلفيه‭ ‬سوسن‭ ‬آغا‭ ‬قصاب‭ ‬وخالد‭ ‬عمر‭ ‬تدمري،‭ ‬حيث‭ ‬أصبحت‭ ‬المرفأ‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬شرقي‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬وشهدت‭ ‬تحولاً‭ ‬في‭ ‬نمط‭ ‬الإدارة‭ ‬بمشاركة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬سكانها،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المجالس‭ ‬الإدارية‭ ‬أو‭ ‬البلدية‭ ‬والمحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬والنظامية‭.‬

 

الأبــــراج

مازالت‭ ‬هناك‭ ‬مناطق‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬االبرجب،‭ ‬فقد‭ ‬بنت‭ ‬فيها‭ ‬السلطنة‭ ‬العثمانية‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬16‭ ‬برجاً،‭ ‬بقي‭ ‬منها‭ ‬ابرج‭ ‬أبي‭ ‬حيدرب‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬ناحية‭ ‬مدرسة‭   ‬احوض‭ ‬الولايةب،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬أنشئت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬وانتقلت‭ ‬إلى‭ ‬مرافق‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬بعد‭ ‬الاستقلال،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬في‭ ‬درج‭ ‬منطقة‭ ‬اعين‭ ‬المريسةب،‭ ‬وهو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬سبعة‭ ‬أدراج‭ ‬عمره‭ ‬200‭ ‬سنة‭ ‬تقريباً،‭ ‬حيث‭ ‬كانوا‭ ‬يربطون‭ ‬الأحياء‭ ‬بواسطة‭ ‬الأدراج،‭ ‬ويبلغ‭ ‬طول‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭ ‬حوالي‭ ‬مائة‭ ‬متر‭ ‬تقريباً‭.‬

 

اللغة‭ ‬والثقافة

أسواق‭ ‬بيروت‭ ‬لها‭ ‬حصة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الآثار،‭ ‬فدرج‭ ‬اخان‭ ‬البيضب‭ ‬ودرج‭ ‬الجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬شاهدان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬أما‭ ‬التقديرات،‭ ‬بحسب‭ ‬رواية‭ ‬مدير‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬السيد‭ ‬جنكيز‭ ‬أروغلو،‭ ‬فتصل‭ ‬إلى‭ ‬ألف‭ ‬أثر‭ ‬عثماني،‭ ‬فهناك‭ ‬حوالي‭ ‬خُمس‭ ‬المساجد‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬المسجد‭ ‬العمري‭ ‬الكبير‭ ‬اوفي‭  ‬الأصل‭ ‬كان‭ ‬كنيسة‭ ‬تحمل‭ ‬اسم‭ ‬مار‭ ‬يوحنا،‭ ‬وترجع‭ ‬إلى‭ ‬الحقبة‭ ‬الصليبيةب،‭ ‬ومسجد‭ ‬الأمير‭ ‬عساف‭ ‬ومسجد‭ ‬الأمير‭ ‬منذر‭ ‬والمجيدية،‭ ‬وهذه‭ ‬تتوزع‭ ‬وسط‭ ‬المدينة،‭ ‬فالدولة‭ ‬التركية،‭ ‬كما‭ ‬يضيف‭ ‬أروغلو‭ ‬أنفقت‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬على‭ ‬الآثار‭ ‬وترميمها‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وطرابلس‭ ‬وصيدا‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬التي‭ ‬أمضاها‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬ويعمل‭ ‬جاهداً‭ ‬على‭ ‬رسم‭ ‬خريطة‭ ‬يثبت‭ ‬فيها‭ ‬المواقع‭ ‬والآثار‭ ‬العثمانية‭ ‬على‭ ‬عموم‭ ‬أنحاء‭ ‬االجمهورية‭ ‬اللبنانيةب‭. ‬

وعند‭ ‬سؤاله‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منها‭ ‬مقارنة‭ ‬باللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬أجاب‭: ‬االسلطة‭ ‬العثمانية‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لديها‭ ‬قلق‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬فالولايات‭ ‬التي‭ ‬حكمتها‭ ‬لم‭ ‬تفرض‭ ‬عليها‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬وإن‭ ‬استخدمت‭ ‬سياسية‭ ‬التتريك‭ ‬لاحقاًب‭.‬

 

الوثائق‭ ‬العثمانية

ثم‭ ‬استدرك‭ ‬مداخلته،‭ ‬متحدثاً‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬يجيدها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعلمها‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وتخرج‭ ‬في‭ ‬جامعتها‭ ‬اإن‭ ‬فترة‭ ‬وجود‭ ‬الأتراك‭ ‬ليست‭ ‬استعماراً،‭ ‬إنما‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬كانت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الخلافة،‭ ‬وبيروت‭ ‬هي‭ ‬ولاية‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬العثمانيةب،‭ ‬مبدياً‭ ‬اعتراضه‭ ‬على‭ ‬التسمية،‭ ‬لأن‭ ‬الغرب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬استخدم‭ ‬هذا‭ ‬الوصف،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬هي‭ ‬االدولة‭ ‬العاليةب،‭ ‬وبعد‭ ‬عام‭ ‬1516م‭ ‬صارت‭ ‬ادولة‭ ‬الخلافةب،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬العنصر‭ ‬الأقوى‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬العنصر‭ ‬التركي،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الأناضول‭ ‬والبلقان‭ ‬أو‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭. ‬

وعن‭ ‬تفسيره‭ ‬لعدم‭ ‬وجود‭ ‬لبنانيين‭ ‬يتحدثون‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬وعما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬بعد‭ ‬تدمير‭ ‬معظمها،‭ ‬قال‭ ‬أروغلو‭: ‬اأكثر‭ ‬المثقفين‭ ‬وعامة‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬آثاراً‭ ‬عثمانية‭ ‬أو‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬فسكة‭ ‬حديد‭ ‬الحجاز‭ ‬الواصلة‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬لها‭ ‬محطات‭ ‬هنا،‭ ‬وقناة‭ ‬جر‭ ‬المياه‭ ‬التي‭ ‬تسقي‭ ‬بيروت،‭ ‬كانت‭ ‬عثمانية‭ ‬أقيمت‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬انهر‭ ‬الكلبب،‭ ‬وبلدية‭ ‬جزين‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬هي‭ ‬كذلك،‭ ‬وخان‭ ‬الإفرنج‭ ‬في‭ ‬صيدا‭ ‬أيضاًب،‭ ‬لينهي‭ ‬حديثه‭  ‬بوجود‭ ‬ثقافة‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والأتراك‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬تاريخ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

فتاريخ‭ ‬لبنان‭ ‬سيبقى‭ ‬ناقصاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الوثائق‭ ‬العثمانية،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبيره‭. ‬

العلاقة‭ ‬التاريخية‭ ‬ابين‭ ‬الغربب‭ ‬والأتراك‭ ‬لاتزال‭ ‬تلقي‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬فهذا‭ ‬الغرب‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تحريض‭ ‬العرب‭ ‬عليهم،‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬أروغلو،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فخلال‭ ‬الخمسين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬حفلت‭ ‬الجامعات‭ ‬التركية‭ ‬بـ‭ ‬500‭ ‬شخص‭ ‬تخرجوا‭ ‬فيها‭ ‬يحملون‭ ‬الجنسية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الشكوى‭ ‬بعدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تعلّم‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬تؤرقه،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تخصيص‭ ‬الدولة‭ ‬التركية‭ ‬25‭ ‬منحة‭ ‬سنوية‭ ‬للطلبة‭  ‬اللبنانيين‭. ‬

 

وجهة‭ ‬نظر

تلك‭ ‬المقارنة‭ ‬كانت‭ ‬محط‭ ‬لقاء‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬خالد‭ ‬زيادة،‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬اللبناني،‭ ‬الرئيس‭ ‬الجديد‭ ‬للمركز‭ ‬العربي‭ ‬للأبحاث‭ ‬ودراسة‭ ‬السياسات‭ ‬التابع‭ ‬لدولة‭ ‬قطر،‭ ‬وصاحب‭ ‬كتاب‭ ‬اسجلات‭ ‬المحكمة‭ ‬الشرعية‭ - ‬الحقبة‭ ‬العثمانيةب‭ ‬الذي‭ ‬خصصه‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الأثر‭ ‬العثماني‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬بما‭ ‬تركوه‭ ‬من‭ ‬عمران‭ ‬ولغة،‭ ‬بل‭ ‬بالنظم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وإصدار‭ ‬الصحف‭ ‬وملكية‭ ‬الأراضي‭ ‬والبلديات‭ ‬وبعادات‭ ‬الطعام‭.‬

والعرب‭ ‬لم‭ ‬ينخرطوا‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬والمدرسي‭ ‬العثماني،‭ ‬وعموم‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬يتحدثون‭ ‬اللغة‭ ‬التركية،‭ ‬فهي‭ ‬غير‭ ‬شعبية،‭ ‬ولم‭ ‬تفرض‭ ‬عليهم‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني،‭ ‬أما‭ ‬االتتريكب‭ ‬فقد‭ ‬حصل‭ ‬أواخر‭ ‬هذا‭ ‬العهد،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1860‭ ‬م،‭ ‬وبالتالي‭ ‬كانت‭ ‬اللغة‭ ‬التركية‭ ‬سائدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النخبة‭ ‬والإدارات‭ ‬العليا‭.‬

ويستشهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بالقول‭: ‬افي‭ ‬عام‭ ‬1876‭ ‬وضعوا‭ ‬دستوراً‭ ‬وأرادوا‭ ‬تمثيل‭ ‬طرابلس،‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا‭ ‬إلا‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أسرة‭ ‬آل‭ ‬نوفل‭ (‬أرثوذكسي‭)‬،‭ ‬ليمثل‭ ‬مجلس‭ ‬المبعوثين،‭ ‬والكتّاب‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬العليا‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬واليهود‭ ‬والكاثوليك‭.‬

ويضيف‭ ‬د‭. ‬زيادة‭ ‬أن‭ ‬الفرنسيين‭ ‬كانوا‭ ‬متقدمين‭ ‬حضارياً‭ ‬عن‭ ‬الأتراك،‭ ‬وعندهم‭ ‬جملة‭ ‬أهداف،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬نشر‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬الفرنسية‭ ‬أينما‭ ‬حلوا،‭ ‬ولهذا‭ ‬بقيت‭ ‬امرجعيتنا‭ ‬فرنسيةب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬العثمانية‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬مهتماً‭ ‬باللغة‭ ‬والثقافة،‭ ‬ولم‭ ‬تنزل‭ ‬إلى‭ ‬عامة‭ ‬الشعب‭. ‬

 

بين‭ ‬القلعة‭ ‬والخان

للوصول‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬صيدا‭ (‬40‭ ‬كلم‭ ‬من‭ ‬بيروت‭) ‬سلكنا‭ ‬طريقاً‭ ‬سارت‭ ‬عليه‭ ‬الحملات‭ ‬الصليبية‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬وكان‭ ‬الشاطئ‭ ‬البحري‭ ‬مدخلاً‭ ‬لمعظم‭ ‬الغزوات‭ ‬التي‭ ‬استهدفتها،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬القلعة‭ ‬الرابضة‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬المدينة‭ ‬حتى‭ ‬يطالعك‭ ‬اخان‭ ‬الإفرنجب‭ ‬الذي‭ ‬جدده‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬اللبناني‭ ‬الراحل‭ ‬الشهيد‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬امؤسسة‭ ‬عودةب،‭ ‬ليعيد‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬المعلم،‭ ‬صورته‭ ‬العثمانية‭ ‬والمملوكية،‭ ‬وبمساعدة‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬لبنان‭.‬

كانت‭ ‬البيوت‭ ‬تبنى‭ ‬داخل‭ ‬أسوار‭ ‬المدينة،‭ ‬فأينما‭ ‬وجد‭ ‬االخانب‭ ‬وجدت‭ ‬معه‭ ‬البيوت‭ ‬والحارات‭ ‬والأسواق،‭ ‬فهذا‭ ‬االثغرب‭ ‬الصيداوي‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬االخاناتب،‭ ‬منها‭ ‬خان‭ ‬الرز‭ ‬وخان‭ ‬الشاكرية‭ ‬وخان‭ ‬القيصرية‭ ‬وخان‭ ‬السراي‭. ‬

وقد‭ ‬أحياه‭ ‬الأمير‭ ‬فخرالدين‭ ‬المعني‭ ‬الثاني،‭ ‬واستخدمه‭ ‬مقراً‭ ‬شتوياً‭ ‬ومركزاً‭ ‬لحكمه،‭ ‬ثم‭ ‬أهداه‭ ‬إلى‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نفاه‭ ‬العثمانيون‭ ‬إلى‭ ‬إيطاليا،‭ ‬وعاش‭ ‬هناك‭ ‬مدة‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬عاماً‭. ‬

تقترب‭ ‬من‭ ‬المكان،‭ ‬فتشعر‭ ‬برهبة‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬ربض‭ ‬في‭ ‬زواياه،‭ ‬تتجول‭ ‬فيه‭ ‬بصحبة‭ ‬موظف‭ ‬مقيم‭ ‬بداخله‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الصباح،‭ ‬تسكنه‭ ‬أجواء‭ ‬هدوء‭ ‬يقطعها‭ ‬بضعة‭ ‬سياح‭ ‬فرنسيين‭ ‬يتهامسون‭ ‬بين‭ ‬بعضهم،‭ ‬وسط‭ ‬كلام‭ ‬ناعم‭ ‬من‭ ‬دليل‭ ‬سياحي‭ ‬أتقن‭ ‬فن‭ ‬الشرح‭ ‬والتعريف‭.‬

 

صيدا‭ ‬القديمة

تتقدم‭ ‬خطوات،‭ ‬تسترخي‭ ‬ذاكرتك‭ ‬على‭ ‬حقبات‭ ‬تاريخية‭ ‬كانت‭ ‬فيها‭ ‬صيدا‭ ‬منعزلة‭ ‬في‭ ‬أسوارها‭ ‬المبنية‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الرملي‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬وكانت‭ ‬حدود‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬سوراً‭ ‬يصل‭ ‬القلعة‭ ‬البحرية‭ ‬شمالاً‭ ‬بالقلعة‭ ‬المبنية‭ ‬في‭ ‬الوسطى‭ ‬جنوباً،‭ ‬يفصلها‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬الأحياء‭ ‬الجديدة‭ ‬شارع‭ ‬المطران‭. ‬

على‭ ‬بعد‭ ‬أمتار‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬االخانب،‭ ‬حيث‭ ‬الأسواق‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬يفصلها‭ ‬سوى‭ ‬إضاءات‭ ‬تهبط‭ ‬عليك‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬العمران‭ ‬قادمة‭ ‬إليك‭ ‬من‭ ‬السماء،‭ ‬لتضيف‭ ‬نوراً‭ ‬ورونقاً‭ ‬على‭ ‬مساحات‭ ‬اكتست‭ ‬بألوان‭ ‬الطبيعة‭ ‬الزاهية‭ ‬بربيعها،‭ ‬وكأنك‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬فولكلوري‭ ‬أخَّاذ‭. ‬

تخطو‭ ‬باتجاه‭ ‬الأزقة،‭ ‬وحركة‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬تختلط‭ ‬مع‭ ‬حركة‭ ‬الأطفال‭ ‬وأهالي‭ ‬تلك‭ ‬الأحياء‭ ‬الساكنين‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬أعلى‭ ‬وبمداخل‭ ‬ضيقة‭ ‬جداً‭ ‬تسمع‭ ‬أصوات‭ ‬الباعة‭ ‬والتجار‭ ‬والزبائن،‭ ‬بصورة‭ ‬عفوية‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬تقاليد‭ ‬عرفتها‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬اللبناني‭ ‬الراحل‭ ‬رياض‭ ‬الصلح،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬المدينة،‭ ‬عام‭ ‬1943،‭ ‬فصيدا‭ ‬الحالية‭ ‬كانت‭ ‬تعيش‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق،‭ ‬يحدها‭ ‬خان‭ ‬الإفرنج‭ ‬ويسيجها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬البساتين‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭. ‬

دكاكين‭ ‬ومحلات‭ ‬مرصوصة‭ ‬ومتلاصقة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬عمره‭ ‬حوالي‭ ‬600‭ ‬سنة،‭ ‬وهي‭ ‬ممرات‭ ‬تضيق‭ ‬بالعابرين‭ ‬إليها،‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬حارات‭ ‬لليهود‭ ‬والنصارى‭ ‬ومنازل‭ ‬أثرية‭ ‬أشبه‭ ‬بالقصور،‭ ‬منها‭ ‬ابيت‭ ‬عكراب‭ ‬وابيت‭ ‬عجرمب‭ ‬وابيت‭ ‬الزعتريب‭ ‬واقصر‭ ‬رياض‭ ‬الصلحب‭ ‬واحارة‭ ‬عودةب‭. ‬

التعايش‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬واليهود‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يميز‭ ‬تلك‭ ‬المدن،‭ ‬ففيها‭ ‬الكنائس‭ ‬والجوامع‭ ‬والكُنس،‭ ‬وقد‭ ‬بقيت‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬هذه‭ ‬صامدة‭ ‬إلى‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه،‭ ‬يرتادها‭ ‬زوارها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الطوائف‭. ‬

استوقفنا‭ ‬محل‭ ‬أقدم‭ ‬الخياطين‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬ويدعى‭ ‬أبو‭ ‬إبراهيم‭ ‬القبرصلي،‭ ‬الذي‭ ‬لايزال‭ ‬يمارس‭ ‬مهنته‭ ‬على‭ ‬ماكينة‭ ‬خياطة‭ ‬أثرية‭ ‬تعلوها‭ ‬صورة‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري،‭ ‬يصفه‭ ‬جيرانه‭ ‬بأنه‭ ‬الراوي‭ ‬الحي‭ ‬لتاريخ‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭. ‬

الأثر‭ ‬العثماني‭ ‬والمملوكي‭ ‬حاضر‭ ‬في‭ ‬الزوايا‭ ‬والبنيان‭ ‬وفي‭ ‬الأمكنة‭ ‬التي‭ ‬شاخت،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬وسط‭ ‬سوق‭ ‬البازركان‭ ‬اوحارة‭ ‬طل‭ ‬وارجعب‭ ‬ومطرانية‭ ‬الروم‭ ‬الكاثوليك‭. ‬

صيدا‭ ‬التي‭ ‬شاهدتها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬سوى‭ ‬قلعة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬وخان‭ ‬وأسواق‭ ‬محيطة‭ ‬به‭ ‬تغلق‭ ‬أبوابها‭ ‬من‭ ‬مداخلها‭ ‬التاريخية‭ ‬الأربعة‭ ‬وقت‭ ‬العصر،‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬عشرات‭ ‬البساتين‭ ‬المزروعة‭ ‬بالفواكه‭ ‬والخضراوات،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬رياض‭ ‬الصلح‭ ‬ليفتتح‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬البساتين‭ ‬وتتوسع‭ ‬وتتحول‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬عامرة‭ ‬وحيوية‭.‬

 

فندق‭ ‬الشرق

اأوتيل‭ ‬الشرقب،‭ ‬هو‭ ‬أيضاً‭ ‬شاهد‭ ‬على‭ ‬العصر‭ ‬التركي،‭ ‬وكان‭ ‬يسمى‭ ‬أيامهم‭ ‬بـ‭ ‬انُزلب‭ ‬افتتح‭ ‬قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬عام‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬الشاكرية،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬الأسواق‭ ‬التجارية،‭ ‬حيث‭ ‬يفوق‭ ‬عمر‭ ‬هذا‭ ‬الشارع‭ ‬120‭ ‬عاماً،‭ ‬وكلمة‭ ‬اشاكريةب‭ ‬تركية،‭ ‬وتعني‭ ‬بالعربية‭ ‬االسكينب‭. ‬

يحدثنا‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬بلال‭ ‬السوسي،‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬الفندق،‭ ‬أنه‭ ‬بني‭ ‬عام‭ ‬1880‭ ‬وقصده‭ ‬الفرنسيون‭ ‬والإنجليز‭ ‬والعرب‭ ‬للإقامة‭ ‬فيه،‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأسواق‭ ‬غيره‭ ‬يفتح‭ ‬أبوابه‭ ‬للزوار،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقفلت‭ ‬بقية‭ ‬الفنادق‭ ‬القديمة‭. ‬

يخالجك‭ ‬شعور‭ ‬خاص‭ ‬وأنت‭ ‬تتجول‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬هذه‭ ‬الأسواق‭ ‬كأنك‭ ‬تعيش‭ ‬داخل‭ ‬متحف‭ ‬شعبي،‭ ‬البيوت‭ ‬فيها‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬تسمع‭ ‬أحاديثهم‭ ‬من‭ ‬النوافذ‭ ‬الخشبية‭ ‬المفتوحة‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬والمقابلة‭ ‬لبعضها‭. ‬

ونحن‭ ‬نكمل‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الأزقة‭ ‬المملوكية،‭ ‬كان‭ ‬علينا‭ ‬أخذ‭ ‬قسط‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬وتناول‭ ‬صحن‭ ‬فول‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬اأبوعلي‭ ‬آغاب،‭  ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬عائلة‭ ‬أصلها‭ ‬تركي،‭ ‬وتعني‭ ‬االقبضايب‭.‬

 

متحف‭ ‬الصابون

نقطة‭ ‬النهاية‭ ‬أخذتنا‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬اعودةب‭ ‬ومتحف‭ ‬الصابون‭ ‬المبني‭ ‬عام‭ ‬1700‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬اعلي‭ ‬حمود‭ ‬آغاب،‭ ‬أحد‭ ‬الولاة‭ ‬العثمانيين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬اشترته‭ ‬عائلة‭ ‬ريمون‭ ‬عودة‭ ‬عام‭ ‬1880،‭ ‬وهو‭ ‬وزير‭ ‬سابق‭ ‬وصاحب‭ ‬بنك‭ ‬عودة‭. ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحارة‭ ‬توجد‭ ‬ثلاثة‭ ‬كيانات‭ ‬مترابطة‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬هندسياً،‭ ‬معمل‭ ‬صابون،‭ ‬أقواس‭ ‬من‭ ‬حجارة‭, ‬بيت‭ ‬عائلي‭ ‬عمره‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬الـ‭ ‬200‭ ‬سنة‭ ‬يرقى‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬السابع‭ ‬عشر،‭ ‬تم‭ ‬توسيعه‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭.‬

أما‭ ‬متحف‭ ‬الصابون،‭ ‬فيروي‭ ‬حكاية‭ ‬الصابون‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬حلب‭ ‬إلى‭ ‬نابلس،‭ ‬كما‭ ‬يبرز‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬عملية‭ ‬التصنيع،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تنوع‭ ‬أشكال‭ ‬الصابون،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تقع‭ ‬معامل‭ ‬الصابون‭ ‬قرب‭ ‬مناطق‭ ‬زراعة‭ ‬الزيتون‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الصابون‭ ‬والحمام‭ ‬التركي‭ ‬مترابطين‭ ‬ترابطاً‭ ‬وثيقاً،‭ ‬فالأول‭ ‬ضروري‭ ‬للآخر،‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أضيفت‭ ‬إلى‭ ‬المتحف‭ ‬واجهة‭ ‬زجاجية‭ ‬مكملة،‭ ‬خصصت‭ ‬للحمام‭ ‬يتم‭ ‬الدخول‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬ضخم‭ ‬نقش‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬المؤسسة‭ ‬وتاريخ‭ ‬البناء،‭ ‬ففي‭ ‬صيدا‭ ‬لايزال‭ ‬هناك‭ ‬حمام‭ ‬واحد‭ ‬يعمل،‭ ‬هو‭ ‬حمام‭ ‬الورد‭ ‬المشيد‭ ‬عام‭ ‬1730‭ ‬وعلى‭ ‬الطراز‭ ‬العثماني‭. ‬

 

صحبة‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬طرابلس

طريق‭ ‬الساحل‭ ‬من‭ ‬بيروت‭ ‬باتجاه‭ ‬طرابلس‭ ‬يلازمك‭ ‬فيه‭ ‬صحبة‭ ‬البحر‭ ‬والمدن‭ ‬المنبسطة‭ ‬على‭ ‬أطرافه،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬مياهه‭ ‬تغسل‭ ‬عينيك‭ ‬كما‭ ‬الناظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬بعيد‭.‬

بعد‭ ‬أن‭ ‬قطعنا‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬مشمس‭ ‬مسافة‭ ‬80‭ ‬كيلومتراً‭ ‬من‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بقعة‭ ‬تعاقبت‭ ‬عليها‭ ‬أمم‭ ‬وإمبراطوريات،‭ ‬لاسيما‭ ‬الأثر‭ ‬المملوكي‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به،‭ ‬وكانت‭ ‬الثانية‭ ‬بعد‭ ‬القاهرة‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الدارسون‭ ‬يشيرون‭ ‬إلى‭ ‬احتضانها‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬136‭ ‬معلماً‭ ‬تراثياً‭ ‬تتوزع‭ ‬على‭ ‬القلاع‭ ‬والمساجد‭ ‬والخانات‭ ‬والحمامات‭ ‬والأسواق‭ ‬القديمة،‭ ‬تدخل‭ ‬المدينة‭ ‬من‭ ‬ساحة‭ ‬االتلب‭ ‬لتواجهك‭ ‬الساعة‭ ‬العثمانية‭ ‬ذات‭ ‬الطبقات‭ ‬الخمس‭ ‬والمهداة‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني،‭ ‬وبجوارها‭ ‬حديقة‭ ‬المنشية‭ ‬وسط‭ ‬حركة‭ ‬دؤوبة‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬والسيارات‭ ‬تخطف‭ ‬انتباهك،‭ ‬لتقف‭ ‬إلى‭ ‬لحظات‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مبان‭ ‬وفنادق‭ ‬لن‭ ‬تخذلك‭ ‬ذاكرتك‭ ‬للتعرف‭ ‬عليها‭ ‬وبأنها‭ ‬عثمانية‭. ‬

وأنت‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬قدميك‭ ‬بصحبة‭ ‬المصور‭ ‬نبيل‭ ‬إسماعيل‭ ‬وأحد‭ ‬أبناء‭ ‬طرابلس‭ ‬المخضرمين‭ ‬ويدعى‭ ‬سمير‭ ‬قحيجان،‭ ‬يطالعك‭ ‬الجامع‭ ‬المنصوري‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬السلطان‭ ‬الأشرف‭ ‬خليل‭ ‬بن‭ ‬قلاوون،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬الجوامع‭ ‬المملوكية‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬ولبنان‭.‬

شارع‭ ‬الكنائس

من‭ ‬بوابة‭ ‬االتربيعةب‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬القديمة،‭ ‬وبجوار‭ ‬جامع‭ ‬اشرف‭ ‬الدينب‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬حاكم‭ ‬طرابلس‭ ‬العثماني،‭ ‬علي‭ ‬بك‭ ‬أسعد‭ ‬المرعبي،‭ ‬عام‭ ‬1824،‭ ‬ندخل‭ ‬شارع‭ ‬الكنائس،‭ ‬حيث‭ ‬أقدم‭ ‬كنيسة‭ ‬للروم‭ ‬الأرثوذكس‭ ‬امار‭ ‬نقولاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬وصية‭ ‬لأسرة‭ ‬مسلمة‭ ‬تنازلت‭ ‬عنها‭ ‬وحولت‭ ‬إلى‭ ‬كنيسة‭ ‬عرفت‭ ‬باسم‭ ‬اكنيسة‭ ‬السبعةب،‭ ‬وبجوارها‭ ‬أقيمت‭ ‬كنيسة‭ ‬امار‭ ‬جاورجيوسب‭ ‬وكنيسة‭ ‬امار‭ ‬مخايلب‭ ‬للموارنة‭ ‬تقابلها‭ ‬كنيسة‭ ‬لطائفة‭ ‬اللاتين‭ ‬ملحقة‭ ‬بمدرسة‭ ‬الطليان،‭ ‬وأنت‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬نفسه‭ ‬تجد‭ ‬كنيسة‭ ‬امار‭ ‬يوسفب‭ ‬للسريان‭ ‬الكاثوليك،‭ ‬وبالقرب‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التجمع،‭ ‬يقوم‭ ‬ناحية‭ ‬الغرب،‭ ‬جامع‭ ‬االحميديب‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬تجديده‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬عام‭ ‬1882م‭.‬

وكما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬القديمة‭ ‬المماثلة،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المدن‭ ‬محاطة‭ ‬بشبكة‭ ‬من‭ ‬الأسوار‭ ‬تحميها‭ ‬من‭ ‬الغزوات‭ ‬الخارجية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬االخانب‭ ‬كان‭ ‬أشبه‭ ‬بالعلامة‭ ‬الفارقة‭ ‬أيام‭ ‬الحكم‭ ‬العثماني،‭ ‬وهو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فندقاً‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي،‭ ‬ففيه‭ ‬تنزل‭ ‬الخيول‭ ‬والضباط‭ ‬والجنود،‭ ‬حيث‭ ‬خصص‭ ‬لهم‭ ‬الطابق‭ ‬الأرضي‭ ‬وفوقه‭ ‬غرف‭ ‬للنوم‭ ‬ومكاتب‭ ‬للضباط،‭ ‬وهو‭ ‬مقسم‭ ‬بطريقة‭ ‬هندسية‭ ‬ومعمارية‭ ‬تجدها‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬وحينما‭ ‬تجد‭ ‬الخان‭ ‬هناك‭ ‬أسواق‭ ‬محيطة‭ ‬به‭.‬

واخان‭ ‬العسكرب‭ ‬الذي‭ ‬رممته‭ ‬ودشنته‭ ‬الجهات‭ ‬الدولية‭ ‬المانحة،‭ ‬بحضور‭ ‬مدير‭ ‬المركز‭ ‬الثقافي‭ ‬التركي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬جنكيز‭ ‬أروغلو‭ ‬وممثل‭ ‬عن‭ ‬السفارة‭ ‬الفرنسية‭ ‬ومسؤولين‭ ‬محليين‭ ‬بقي‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬العثمانية،‭ ‬وهو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬أهل‭ ‬طرابلس،‭ ‬كان‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ثكنة‭ ‬عسكرية‭ ‬فيها‭ ‬مربط‭ ‬للخيول،‭ ‬وفي‭ ‬المصادر‭ ‬المكتوبة‭ ‬كما‭ ‬يروي‭ ‬أحد‭ ‬أبناء‭ ‬المدينة،‭ ‬الدليل‭ ‬السياحي‭ ‬المعتمد‭ ‬سامر‭ ‬عبدالحي،‭ ‬أن‭ ‬االخانب‭ ‬تواصل‭ ‬بناؤه‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عصور‭ ‬عدة،‭ ‬فهو‭ ‬مملوكي‭ ‬وعثماني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الرابع‭ ‬عشر،‭ ‬أعاد‭ ‬العثمانيون‭ ‬بناءه‭ ‬عام‭ ‬1825م،‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬ختم‭ ‬االطغراءب‭ ‬على‭ ‬مدخله‭ ‬المنقوش‭ ‬على‭ ‬حجر‭ ‬رملي،‭ ‬يطالعك‭ ‬من‭ ‬البوابة‭ ‬الواسعة‭ ‬التي‭ ‬دخلناها‭ ‬بصحبة‭ ‬الدليل‭ ‬السياحي،‭ ‬وهو‭ ‬مؤلف‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬أقسام،‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬معظم‭ ‬معالم‭ ‬طرابلس‭ ‬مملوكية،‭ ‬فبجوار‭ ‬االخانب‭ ‬هناك‭ ‬جامع‭ ‬االتوبةب،‭ ‬الذي‭ ‬بناه‭ ‬السلطان‭ ‬االناصر‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬قلاوونب‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬1315‭ ‬م،‭ ‬وجدد‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ابني‭ ‬سيفاب‭ ‬أحد‭ ‬أمراء‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العثماني‭. ‬

 

التكية‭ ‬المولوية

يتحدث‭ ‬بعض‭ ‬الأهالي‭ ‬عن‭ ‬التعايش‭ ‬بين‭ ‬المسيحيين‭ ‬والمسلمين،‭ ‬مدللين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬باللوحة‭ ‬الزيتية‭ ‬المعلقة‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬صالات‭ ‬الفاتيكان،‭ ‬التي‭ ‬تبين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الرهبان‭ ‬يقدمون‭ ‬الأغنام‭ ‬إلى‭ ‬الصحابي‭ ‬معاوية‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬سفيان‭ ‬عندما‭ ‬فتح‭ ‬المدينة‭. ‬

بعد‭ ‬المرفأ‭ ‬وخارج‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬بنيت‭ ‬القلعة‭ ‬الحربية‭ ‬المشهورة‭ ‬بأسوارها‭ ‬العالية‭ ‬من‭ ‬أيام‭ ‬الإفرنج‭ ‬لصد‭ ‬الحملات‭ ‬القادمة‭ ‬إليها،‭ ‬حيث‭ ‬توالى‭ ‬عليها‭ ‬الصليبيون‭ ‬والعرب،‭ ‬وتعرضت‭ ‬للهدم،‭ ‬وتمت‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬والتجديد،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أضاف‭ ‬إليها‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬سليم‭ ‬الأول‭ ‬البرج‭ ‬الشمالي‭ ‬وفيه‭ ‬الباب‭ ‬الرئيس،‭ ‬تقع‭ ‬تلك‭ ‬القلعة‭ ‬فوق‭ ‬تلة‭ ‬صخرية‭ ‬وترتفع‭ ‬أسوارها‭ ‬بين‭ ‬15‭ ‬و20‭ ‬متراً‭, ‬ويمكن‭ ‬رؤية‭ ‬المدينة‭ ‬مع‭ ‬الميناء‭ ‬وجزرها‭ ‬من‭ ‬البحر‭ ‬وكذلك‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬بيروت‭ ‬وحمص‭. ‬

ومن‭ ‬القلعة‭ ‬يمكن‭ ‬مشاهدة‭ ‬اتكية‭ ‬الدراويش‭ ‬المولويةب‭, ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تقام‭ ‬فيه‭ ‬الأناشيد‭ ‬الدينية‭ ‬وحلقات‭ ‬الذكر‭ ‬المصاحبة‭ ‬للرقص‭ ‬الصوفي،‭ ‬واستعمله‭ ‬المولويون‭ ‬ملجأ‭ ‬للدراويش،‭ ‬أي‭ ‬المريدين،‭ ‬وأنشأها‭ ‬العثمانيون‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬لرعاية‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬عائل‭ ‬لهم‭ ‬وعابري‭ ‬السبيل،‭ ‬وعلى‭ ‬مسافة‭ ‬200‭ ‬متر‭ ‬جنوباً‭ ‬بنيت‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العثماني‭ ‬عام‭ ‬1619،‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬اتكيةب‭ ‬بعد‭ ‬اكونياب‭.‬

دخلنا‭ ‬اسوق‭ ‬الحراجب،‭ ‬وهو‭ ‬سوق‭ ‬أثري‭ ‬مملوكي،‭ ‬حيث‭ ‬تقام‭ ‬الأعمدة‭ ‬الجرانيتية‭ ‬المرتفعة‭ ‬التي‭ ‬تتوسط‭ ‬الساحة،‭ ‬وهنا‭ ‬كانت‭ ‬تتم‭ ‬علميات‭ ‬البيع‭ ‬والشراء‭ ‬للصناعات‭ ‬الحرفية‭.‬

وأنت‭ ‬تتجول‭ ‬في‭ ‬اخان‭ ‬الصابونب‭ ‬تسمع‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الدكاكين‭ ‬أن‭ ‬فيه‭ ‬40‭ ‬غرفة،‭ ‬بناه‭ ‬ايوسف‭ ‬باشا‭ ‬سيفب،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬يتبع‭ ‬بلدية‭ ‬طرابلس،‭ ‬ومن‭ ‬يتجول‭ ‬بأرجائه‭ ‬تطارده‭ ‬رائحة‭ ‬الصابون‭ ‬وهو‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬دكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭. ‬وفي‭ ‬العهد‭ ‬العثماني‭ ‬كانت‭ ‬طرابلس‭ ‬مركزاً‭ ‬مهماً‭ ‬لصناعة‭ ‬الصابون،‭ ‬وذلك‭ ‬بفضل‭ ‬وجود‭ ‬أربعة‭ ‬معامل‭ ‬فيها‭. ‬

المعالم‭ ‬العثمانية‭ ‬والمملوكية‭ ‬حاضرة‭ ‬في‭ ‬أحشاء‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة،‭ ‬ومنها‭ ‬الحمامات‭ ‬التاريخية‭ ‬والمساجد‭ ‬وسبيل‭ ‬المياه،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تتحرك‭ ‬مائة‭ ‬متر‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬ترى‭ ‬آخر‭ ‬أمامك‭. ‬

احمام‭ ‬العبدب‭ ‬تراه‭ ‬من‭ ‬بعيد،‭ ‬وتصله‭ ‬عبر‭ ‬زقاق‭ ‬بالكاد‭ ‬يتسع‭ ‬لمرور‭ ‬شخصين‭ ‬وسط‭ ‬أسوار‭ ‬مبنية‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الرملي‭ ‬عمره‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬400‭ ‬سنة،‭ ‬ولاتزال‭ ‬أبوابه‭ ‬مشرعة‭.‬

جلسنا‭ ‬واأبوعادلب‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬دمشق،‭ ‬والذي‭ ‬اكتسب‭ ‬خبراته‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬51‭ ‬عاماً،‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬الحمام‭ ‬الوحيد‭ ‬التركي‭ ‬القديم‭ ‬لايزال‭ ‬يفتح‭ ‬أبوابه‭ ‬للزبائن،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬وزير‭ ‬أو‭ ‬وجيه‭ ‬نُلبسه‭ ‬ثوب‭ ‬الحرير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يستريح،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬حمامات‭ ‬تركية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬وصيدا،‭ ‬كما‭ ‬تنامى‭ ‬إلى‭ ‬مسامعنا‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭. ‬

االخاناتب‭ ‬منتشرة‭ ‬في‭ ‬البقعة،‭ ‬مثل‭ ‬خان‭ ‬االخياطينب‭ ‬اوخان‭ ‬الصاغةب‭ ‬واخان‭ ‬المصريينب،‭ ‬وكل‭ ‬خان‭ ‬يعرف‭ ‬باسم‭ ‬مهنة‭ ‬أو‭ ‬جهة‭ ‬تمثله‭ ‬وتأخذ‭ ‬اسمه‭.‬

 

عباءة‭ ‬المدينة

أطلق‭ ‬على‭ ‬طرابلس‭ ‬اسم‭ ‬االفيحاءب،‭ ‬كما‭ ‬يحلو‭ ‬لأهلها‭ ‬وكتب‭ ‬التاريخ‭ ‬تسميتها،‭ ‬كما‭ ‬أطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬امدينة‭ ‬العلم‭ ‬والفنونب،‭ ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬المسميات‭ ‬لم‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬عباءة‭ ‬التاريخ‭ ‬ومن‭ ‬الأثر‭ ‬المملوكي‭ ‬والعثماني‭ ‬تحديداً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تراه‭ ‬عيناك‭ ‬وأنت‭ ‬تتجوّل‭ ‬في‭ ‬أرجائها،‭ ‬فمن‭ ‬جامع‭ ‬االبرطاسيب،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أجمل‭ ‬الجوامع‭ ‬المملوكية‭ ‬والهندسة‭ ‬المغربية‭ ‬الأندلسية‭ ‬في‭ ‬مئذنته‭ ‬المدهشة‭ ‬إلى‭ ‬جامع‭ ‬اطينالب‭ ‬الذي‭ ‬يضاهي‭ ‬أجمل‭ ‬جوامع‭ ‬القاهرة‭ ‬ودمشق‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬تحفة‭ ‬فنية‭ ‬بالألوان‭ ‬والزخارف‭. ‬وهو‭ ‬مبني‭ ‬عام‭ ‬1336‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الأمير‭ ‬اسيف‭ ‬الدين‭ ‬طينال‭ ‬الأشرفي‭ ‬الحاجبب‭.‬

على‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬400‭ ‬سنة،‭ ‬امتدت‭ ‬الحقبة‭ ‬العثمانية‭ (‬1506‭ - ‬1918‭) ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حررها‭ ‬المماليك‭ ‬من‭ ‬الإفرنج‭ ‬عام‭ ‬1289‭ ‬ليتحول‭ ‬هذا‭ ‬االثغرب،‭ ‬أي‭ ‬طرابلس،‭ ‬ويضرب‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬فالسلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني‭ ‬له‭ ‬فيها‭ ‬محطات،‭ ‬فقد‭ ‬أهداها‭ ‬شعرة‭ ‬من‭ ‬لحية‭ ‬الرسول‭ [‬،‭ ‬لاتزال‭ ‬في‭ ‬الجامع‭ ‬المنصوري‭ ‬الكبير،‭ ‬وساعة‭ ‬االتلب‭ ‬العثمانية،‭ ‬أقامها‭ ‬بمناسبة‭ ‬مرور‭ ‬25‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬تسلمه‭ ‬الحكم،‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1502م‭. ‬

قائمة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الأثر‭ ‬العثماني‭ ‬الباقي‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬الذي‭ ‬يتجاوز‭ ‬الـ‭ ‬136‭ ‬أثراً،‭ ‬يمكنك‭ ‬أن‭ ‬تطالع‭ ‬عدداً‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الكتيب‭ ‬الذي‭ ‬اشترك‭ ‬في‭ ‬تأليفه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬د‭. ‬عمر‭ ‬عبدالسلام‭ ‬تدمري‭ ‬وابنه‭ ‬خالد‭. ‬

فهناك‭ ‬مبنى‭ ‬البلدية‭ ‬والساعة‭ ‬الحميدية،‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬عبدالحميد،‭ ‬وحديقة‭ ‬المنشية‭ ‬ومقهى‭ ‬التل‭ ‬العليا‭ ‬وسكة‭ ‬الحديد‭ ‬في‭ ‬الميناء‭ ‬والبرج‭ ‬الشمالي‭ ‬في‭ ‬القلعة‭ ‬والتكية‭ ‬المولوية‭ ‬وجامع‭ ‬البرطاسي‭ ‬وجامع‭ ‬محمود‭ ‬بك‭ ‬والحمام‭ ‬الجديد،‭ ‬وغيرها‭ ‬كثير‭.  ‬عندما‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬الجامع‭ ‬المنصوري‭ ‬الكبير،‭ ‬تقف‭ ‬متأملاً‭ ‬لترى‭ ‬أسماء‭ ‬المدارس‭ ‬الدينية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬الأثر‭ ‬المملوكي‭ ‬والعثماني‭ ‬ومنها‭ ‬المدرسة‭ ‬القرطامرته‭ ‬والنورية‭ ‬والطواشيته‭ ‬والشمسية،‭ ‬وأمام‭ ‬ناظريك‭ ‬بيوت‭ ‬مازالت‭ ‬تتزين‭ ‬بالمنظرة‭ ‬الخشبية‭ (‬بلكون‭ ‬خارجي‭) ‬والمشربيات‭ ‬والشعرية،‭ ‬وهي‭ ‬أشكال‭ ‬هندسية‭ ‬اشتهرت‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬والمغرب‭ ‬العربي‭.  ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يعد‭ ‬متحفاً‭ ‬في‭ ‬مدينة،‭ ‬أو‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬متحف،‭ ‬يتعايشان‭ ‬برغم‭ ‬الظروف‭ ‬الصعبة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها،‭ ‬كما‭ ‬وصفها‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬ضناوي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬اعودة‭ ‬الذاكرةب‭ .

أبنية‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬العثماني‭ ‬وسط‭ ‬مدينة‭ ‬بيروت‭ ‬أعيد‭ ‬ترميمها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬لبنان‭ ‬الأسبق‭ ‬رفيق‭ ‬الحريري

مبنى‭ ‬أثري‭ ‬قديم‭ ‬عمره‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬وفيه‭ ‬‮«‬أوتيل‭ ‬الشرق‮»‬‭ ‬في‭ ‬صيدا

قصر‭ ‬‮«‬السراي‮»‬‭ ‬تم‭ ‬تشييده‭ ‬سنة‭ ‬1849‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السلطان‭ ‬العثماني‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الأول،‭ ‬وأضيفت‭ ‬الطبقة‭ ‬الأولى‭ ‬سنة‭ ‬1877‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الخليفة‭ ‬السلطان‭ ‬عبدالحميد‭ ‬الثاني

الساحة‭ ‬المركزية‭ ‬لطرابلس‭ ‬‮«‬التل‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬تنتصب‭ ‬الساعة‭ ‬العثمانية‭ ‬ذات‭ ‬الطبقات‭ ‬الخمس‭ ‬والمهداة‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬

عبد‭ ‬الحميد‭ ‬الثاني‭ ‬وبجوارها‭ ‬حديقة‭ ‬المنشية

الكنائس‭ ‬والمساجد‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬في‭ ‬بيروت