الجوائز الأدبيّة العربيّة ومنطق الغنيمة

الجوائز الأدبيّة العربيّة  ومنطق الغنيمة

تبرز من بعض الكتابات عن الجوائز العربيّة، خصوصا في الصحف، استعارتان أساسيّتان هما المواجهة والمؤامرة. 
فلا عجب إذا قرأنا حديثاً عن «محنة الجائزة» و«صيادي الجوائز» و«لعبة الصفقات والحسابات وتقديم الأضحيات» وعن «الاصطفافات التي صَنعت خنادق وجماعات تعرف كيف هي طرق الحرير المفتوحة إلى ميثولوجيا الجائزة» وعن «شروط ضاغطة» و«ضغوط قهرية» وعن أدباء «غير مثيرين للشغب» و«روح المغامرة والمواجهة» وعن «كراهية لا تعزّز شرعية الأهلية للحق في الحكم الثقافي»، وعن أسماء «أبويّة حكوميّة» مقابل «اللاحكوميّين» و«أزمات معقدة» و«معاداة هذا الطرف وذاك». 

ولا عجب إذا قرأنا عن «رأس المال الخفيّ الذي يحرّك الجوائز» و«رائحة (...) الأيديولوجيا أو المصالح أو الحسابات العالقة تحت الطاولة» وعن تسلّلها «من تحت شقوق صغيرة تثير حولها التساؤل والشبهات» وعن «لغط غامض» و«شروط غير معلنة» و«أحكام من الصعب الحديث علناً عن خلافها» وعن أن «ما يحدث تحت جنح كثير من ظلمتها - أي الجوائز - يثير الالتباس والشك».
والواقع أنّ وراء هذه الحماسة وهذا التوتّر في تناول القضايا ومعالجة الإشكالات التي تثيرها الجوائز  الأدبيّة العربيّة أسئلة أساسيّة مفادها: «أتخدم الجوائز الأدب أم تسيء إليه؟».
فكثير من التساؤلات القائمة لدى الأدباء العرب والمثقّفين والإعلاميين تتصل بدلالة تكاثر الجوائز  الأدبيّة والثقافيّة ووظيفتها وقيمتها الماديّة والمعنويّة وإغراءاتها، وتتعلق أيضاً بدور أصحاب رأس المال ورجال السياسة ولجان التحكيم ومعاييرها في التقييم ورهاناتها الجماليّة والأيديولوجية ونتائجها المثيرة للجدل.
فظاهر «المعركة» دائر على القيمة المالية للجوائز، ولكننا نرى باطنها مرتبطاً بوظيفة مؤسّسة الجائزة ضمن «الجهاز الأدبيّ» بقدر ارتباطها برهانات أبعد شأواً  تتصل بعلاقة رأس المال الفني فيها برأس المال النّقدي. أمّا ظاهر «المؤامرة» فهو مصالح اقتصادية ونزعات وطنية قطريّة واختلافات جماليّة ...إلخ، تحرّك لجان التحكيم وأعضاءها، ولكنّ باطنها في تقديرنا مشدود إلى خصائص «القراءة المؤسسيّة» ورهانات المشروع الثقافي الذي تعبّر عنه هذه الجائزة أو تلك.

 في رأس المال الرمزيّ والنقديّ
تقدّم الجوائز  الأدبيّة العربية نفسها على أنّها آلية من «آليات تشجيع المؤلفين» و«مساندة الكاتب والمبدع» و«تحفيز الناشرين» (راجع مثلاً الأهداف التي وضعتها جائزة الشارقة للكتاب الإماراتي).
والغاية من هذا مكافأة «التميّز» (جائزة البوكر مثلاً) في هذا الاختصاص أو ذاك و«التفرّد» و«الجدّة» في الموضوع (جائزة الشارقة) و«الطّرافة» و«البعد الإبداعي» (جائزة كومار الذهبي التونسية وجائزة سلطان بن علي العويس). ولا شك في أنّ وراء هذه المفاهيم إشكالات أدبيّة ونقديّة شبيهة بما طرح بالنسبة إلى جائزة نوبل من نقاش حول مفهوم «المثل الأعلى» الذي أحدثت لأجله الجائزة وتأويلاته الممكنة.
ولكنّ هذا النّقاش المفهومي لا يمنع من وجود عاملين أساسيين يحدّدان مكانة هذه الجائزة أو تلك، أوّلهما العامل الأدبي والقيمة الاعتبارية، وثانيهما العامل المادّي والقيمة المالية.
والواقع أنّ جلّ الجوائز العربية تستمدّ قيمتها  الأدبيّة من قيمتها المالية أساساً، فيندر أن نجد جائزة عربية، قطرية أو قومية، ينبني مجدها على ما تحدثه من حركية إعلامية ونقدية وما تبعثه من نشاط في مجال النشر وفي الحياة الأدبيّة والثقافيّة. 
وهو ما عرفت به جائزة غونكور الفرنسية مثلاً، فهي جائزة تدشّن ما يسمّى في فرنسا بـ«العودة  الأدبيّة»، وترفع بمجرّد الإعلان عنها أعداد السحب من الرّواية الفائزة إلى أرقام خياليّة بالنسبة إلى الكاتب العربي لا تقلّ عن ثلاثمائة ألف نسخة، فتجعل العمل المتوّج في المراتب الأولى من أرقام المبيعات، وتدخل صاحبه إلى معبد المبدعين الكبار. وهنا تكمن رمزيّتها ونجاعتها الاقتصادية في آن واحد. كل ذلك على الرغم من أنّ قيمتها المالية لا تتجاوز 10 «أورُوَات».
ولا يعني ما سلف أنّنا نرى تضارباً بين القيمتين المالية والأدبيّة للجوائز، أو أنّنا نعتبر تكاثر الجوائز  الأدبيّة وتعدّد المؤسّسات المسندة لها عيباً.
ولئن جاء إحداث بعض الجوائز العربية لدى بعض أثرياء العرب على سبيل الوجاهة الاجتماعية أو جعل الاسم الشخصي سائراً بين الناس أو على سبيل التنافس بين أصحاب المشاريع الخيرية خصوصاً في الخليج العربي، فإنّ ذلك يصادف حاجة قائمة أكيدة في الحياة الثقافيّة العربيّة.
فمن يستكثر القيمة المالية للجوائز على المبدعين أو يرى المسألة بمنزلة إحياء لتقاليد رعاية الأدب، ينس أنّ من وظائف أصحاب رأس المال المساهمة، ضمن التصوّر الحديث للمدنية، في تمويل الفنّ والأدب والإبداع، على اعتبارها مجالات تنتج القيم الأخلاقية والجماليّة وتجدّد إدراك الناس للحياة والوجود، فليست مساهمة رأس المال في هذا المجال من باب المنّ والسلوى مهما عظمت هذه المساهمة.
نعم، لقد أوجدت القيمة المالية المرتفعة نسبياً لبعض الجوائـــز  الأدبيّة ظاهــــرة الركض وراءها والسعي إلى الحصول عليـــها، حتى أصبح بعض الناس يتحدثـــــون عن «صائـــــدي الجوائز» و«منطق الغنيمـــة» وأصــــبحت الخــــصومة  الأدبيّة في دوائر الجوائز صنواً للخصومة الماليّة، وغدا التنافس على القيمة الفنيّة مختزلاً في أحايين كثيرة في التسابق على القيمة النقديّة. 
ولكنّ هذه الظاهرة، كما ذكرنا، إنّما هي نتيجة من نتائج الوضعية المزرية التي يعيشها المبدع العربي خصوصاً والمثقف عموماً. فمن هو الكاتب العربي الذي يستطيع أن يعيش من قلمه؟ ومن هو المبدع الذي يمكنه التفرغ للإبداع؟ بل ما هي المكانة الاجتماعية للروائي والشاعر في بلاد العرب؟ أليس نجيب محفوظ، بمجده الأدبي العربي والعالميّ، مثالاً دالاً للتساؤل عن منزلة المبدع العربي الذي لم يخرج اجتماعياً من مضمار الهواية  الأدبيّة إلى مضمار الاحتراف الأدبي؟

الجوائز والمشروع الثقافيّ
إلا أنّنا لا نرى، في الواقع، أنّ الجوائز  الأدبيّة العربيّة، مهما ارتفعت قيمتها المالية، حل للمنزلة الدّونية التي يعيشها المبدع العربيّ. فدون معالجة هذا المشكل الواقعيّ قضايا أكثر عمقاً من حيث كيفيّة التشخيص والحلّ. ولا نعتقد أنّ الارتقاء بالمنزلة الماديّة للمبدع، على قيمة هذا الرهان، من الأدوار الموكولة إلى الجوائز في الأصل، فضلاً عن كوننا لا نريد لهذه الجوائز أن تكون نسخة جديدة رديئة من عطايا البلاطات وجوائز الأمراء والقادة على عهد شعرائنا القدامى بالجوائز والمكافآت. ولكنّ إلقاء المسؤولية على المبدع، تعفّفاً من بيع ضميره لرأس المال أو جرياً وراء الفتات الذي تمنّ به هذه المؤسّسة أو تلك، إنّما هو موقف لا يراعي مستلزمات النظر الواقعيّ في مجتمعات من دون مشاريع ثقافيّة تولي العاملين في القطاع الثقافي عامّة المكانة التي يستحقونها.
والحقّ أنّ جــلّ الجــــوائز تـــــرمي في مقاصدها المعلنة والمضمــرة إلى مثــل هذا الهدف التنمويّ الثقافيّ، من ذلك أنّ جائــــزة سلطان بن عليّ العويس الثقافيّة، ولها فرع في مجال الأدب شعراً وروايةً وقصةً ومسرحاً، تتحدث في أهدافها عن «تشجيع وتكريم الأدباء والكتاب والمفكرين والعلماء العرب اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكريّ والعلميّ في مجالات الثقافة والأدب والعلــــم فــــي الوطن العربيّ»، وتشترط في النتاج المرشّح أن يكون «مؤثّراً في الحياة الثقــــافيّة والأدبيّة والعلميّة».
ولكنّ الإشكال في عالمنا العربي أعمق من النوايا، مهما خلصت، وأبعد من العزائم، مهما صدقت. فهو، عندنا، إشكال كامن في تصوّر الجائزة وموقعها من الدورة الثقافيّة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجيّة.
فالمعلوم أنّ الجائزة أداة من أدوات الاعتراف الأدبيّ ووسيلة من وسائل النجاح الأدبيّ. وهذا أمْرٌ وثيق الصلة، في المجتمعات الحديثة، بتوزيع الكتاب باعتباره بضاعة مميزة لها دورة اقتصادية، إنتاجاً وتوزيعاً واستهلاكاً، وبتلقّي الجمهور للأدب وتكريس المؤسّسات  الأدبيّة والثقافيّة له ولمنتجه. وعلى هذا الاعتبار لا يمكن البتة أن نغترّ بتكريس الجوائز لأسماء الأدباء باعتبارهم صانعي تصوّرات ومنتجي نصوص مآلها النشر، لأنّ الأمر أشدّ تعقيداً على ما تثبته المقاربة الاجتماعيّة للأدب ومؤسّساته.
إن مؤسّسة الجائزة مكوّن من مكوّنات شبكة معقّدة من المؤسّسات التي تنهض بنمط إنتاج الكتاب وتوزيعه. ومن مكوّنات هذه الشبكة، ذكراً لا حصراً، الجامعة ودور النشر والرقابة والمنتديات الأدبيّة والمدارس النّقديّة والإعلام الثقافيّ والأدبيّ والمعارض والندوات العلميّة ومراكز البحث وهياكله المختلفة، من دون أن ننسى في كثير من الأحيان ما قد يلوح على ظاهر هذه الجوائز من اعتبارات الوجاهة الشخصيّة وغايات تلميع الصورة السياسية لهذه الجهة أو تلك. 
وكلّما قوي مكوّن من هذه المكوّنات المترابطة نشطت بقيّة المكوّنات في ضرب من التعامل المنتج للحركيّة الأدبيّة والثقافيّة. وعلى هذا النحو تبدو لنا هذه الحركيّة بوتقة ينصهر فيها الرمزيّ والسّياسيّ والاقتصادي والأيديولوجي ليعكس، بمؤشّراته المختلفة، الحركيّة الاجتماعيّة عامّة.
لذلك لم يكن من باب المصادفة في التاريخ الأدبي والثقافي العربي المعاصر أن تطوّرت التصوّرات القومية وانتشرت الفلسفة الوجوديّة، وهذا بعد أيديولوجيّ ثقافيّ، بفضل الدور الذي أدته «دار الآداب» في مستوى الترجمة والنشر والتوزيع أو الوظيفة التي اضطلعت بها مجلة «الآداب» في احتضان عدد من المبدعين الذين أثّروا في توجّهاتها النقديّة والإبداعيّة وتأثّروا بها حتى أضحت «الآداب»، مجلّة ودارَ نشرٍ،  ظاهرة ثقافية مهمّة.
وبالتوازي مع هذا، مثّل ظهور مجلة «شعر» والمنشورات المرتبطة بها دفعاً قوياً للتوجّه التحديثيّ الجذريّ في الشعر العربيّ، أدّى إلى ترسيخ قصيدة النثر في المشهد الشعري العربي على نحو لا رجعة فيه وأعلى من شأن تجارب كانت، لجذريّتها، هامشيّة مضادّة للتقاليد الشعريّة العربيّة. ولا يخفى على المتابع للشأن الثقافيّ العربيّ امتداد تأثير مجلّة «شعر»، وإن على نحو مغاير، إلى التسعينيات مع «جائزة يوسف الخال» التي كانت تسندها مجلّة «الناقد».
والصورة المقابلة، والمدعّمة في آن واحد لدور الجوائز في توجيه الحياة الأدبيّة والثقافيّة، تبرز مع إحداث جائزة البابطين للشعر ونقده. فقد سعت هذه الجائزة إلى أن تعيد للتقاليد الشعريّة العربيّة وللقصيدة الكلاسيكية، نمطاً أدبياً اتباعياً، مكانَتهما في المشهد الشعريّ العربيّ على نحو بدا مناهضاً لحركة التجديد الشعريّ ومسار التحديث الأدبيّ.
ولسنا نرى انفصالاً، من الناحية المبدئيّة والثقافيّة، بين جائزة البابطين وتوجّهاتها واختياراتها الجماليّة والفكريّة والأيديولوجيّة وما يسعى إليه الإعلام الثقافي والمتلفز عبر «مسابقة أمير الشعراء» وغيرها من المسابقات المخصّصة للشعر العربي أو النبطيّ بمكافآتها المالية المجزية من تأثير في الاتجاهات  الأدبيّة وأثر في الذوق الشعريّ بتدعيم الكلاسيكيّة الجديدة في الشعر وإقصاء التجارب التحديثية الجذريّة.
تدلّ هذه الأمثلة، بالنسبة إلينا، على تفاعل شبكة المؤسّسات الثقافيّة، بما في ذلك مؤسّسة الجائزة  الأدبيّة. ولكن الأساس القويّ فيها جميعاً إنما هو النشر والتوزيع، من دون أن ننفي دور الجوائز الأدبيّة بموجب قيمتها الماديّة (جائزة البابطين أو جائزة أمير الشعراء التلفزيونية)، وهي ظاهرة مهمة وفريدة لارتباطها بالمرئي والمسموع في التأثير في حركة النشر وفي التوجّهات الأدبيّة والثقافيّة وفي الرقابة والإقصاء.
ولعلّ هذا الربط بين الجائزة والانتشار يمكّننا من فهم ريادة بلدان مثل مصر ولبنان في العالم العربي. فهي ريادة مأتاها تطوّر صناعة الكتاب وإدراجه في الدورة الاقتصادية ونمط التوزيع لدى دور النشر اللبنانية بالخصوص. وتؤكّد ذلك تجارب أخرى أبرزها تجربة الكويت في نشر الكتاب الثقافيّ والنجاح المنقطع النظير الذي ظلّت مجلّة مثل «العربيّ» تشهده منذ تأسيسها، وهي منشورات تباع في العالم العربيّ بأسعار رمزية زهيدة مدعومة من الدولة. فبرزت أسماء عديدة وظهرت حركيّة ثقافيّة مهمّة أثرت أيديولوجياً وسياسياً تأثيراً قوياً.
وقد جرّب المغرب الأقصــــى، عن طريق دور نشر خاصة أبرزها «دار توبقال»، التعريف بالكتاب المغربي وبالمبدعين والباحثين المغاربة من خلال نوعية الكتاب المنشــور شكلاً ومضموناً، واستغلال فرص التســــويق في العالم العربي، خصوصاً معارض الكتاب، ومن خلال النشر المشترك.
والإشكال المطروح على الجوائز العربيّة يتعلّق بمدى صلتها بتطور حركة النشر ومدى تعبيرها عن وجود حياة أدبيّة متطوّرة ومدى تأثيرها في التوجهات الأدبيّة وعلاقتها بتوزيع الكتاب لدى الجمهور الواسع وتداوله في الفضاءات الأكاديميّة والنقديّة. إن التساؤل عن صلة الجائزة الأدبيّة العربيّة بمختلف مكوّنات الشبكة الحاضنة للكتاب هو سؤال ملحّ.

الأدب العربيّ والترجمة ورهان العالميّة 
وبناء على هذا التصوّر العام نودّ الإشارة إلى أن الجائزة العالميّة للرواية العربيّة المعروفة بجائزة البوكر العربية تمثّل في سياق الجوائز  الأدبيّة العربيّة حالة بالفعْل فريدة واعدة، رغم حداثة سنها في العالم العربي ورغم النقد الشديد الموجّه إليها.
فهي تؤكّد ارتباط الجوائز  الأدبيّة بحركة النشر، فلا غرابة أن يكون جلّ الروايات المنتقاة صادراً عن دور نشر لبنانيّة ومصريّة. وليس من باب المصادفة أن يكون الأمر على هذا النحو إذا تذكّرنا أنّ النسخة العربية المحدثة سنة 2007 قد استفادت من التقاليد البريطانيّة في مجال الجوائز  الأدبيّة.
ولكنّ وجه التميّز الحقيقي لـ «البوكر» يبرز في رهانها على ترجمة الروايات المرشّحة في ما تسمّيه «القائمة القصيرة». فقد ظلّت الرواية العربيّة، رغم بعض إنجازاتها  الأدبيّة، منغلقة على نفسها وعلى سوقها العربيّة. وقلّما خرجت حركة ترجمتها إلى غير العربيّة عن طوق المبادرات الفرديّة للمترجمين أو حسابات المؤسّسات الرسميّة أو العلاقات الشخصيّة بين الأدباء ودور النشر الأجنبيّة. ويعني هذا أن مشكلات ترجمة الأدب العربي لا تقوم دائماً في اختياراتها على معطيات موضوعية تتّصل بالقيمة الأدبيّة. 
وهذا ما يجعل انتشار التجارب الروائية المتميّزة محدوداً خارج البلاد العربيّة. فعاش الأدب العربي على نحو هامشيّ عقدة في علاقته بالمركز الأوربي بلغاته المختلفة والكبرى من حيث عدد الناطقين بها. 
وتقديرنا أن قيمة البوكر العربيّة على المديين المتوسط والبعيد تكمن في هذا الأمر بالذات، كما أن السجـــال الــــذي يحــــتدّ كلّ ســــنة حول نتـــــائج كلّ دورة من الـــدوافـــع لــه أهميــــة رهــــان الترجمة والانتشار العالمي بواسطة الترجمة.
ولئن ركزنا على جائزة البوكر لجمعها بين القيمة  الأدبيّة والرّهانات العالميّة والقيمة الماليّة المحترمة نسبيّا، فعلينا ألا نغفل عن أهميّة جائزة نجيب محفوظ التي تسندها الجامعة الأمريكيّة بالقاهرة، فهي على ضعف قيمتها المالية التي لا تتجاوز ألف دولار، تمثّل مدخلاً مهماً للترجمة إلى لغة من اللغات العالميّة.
وعلى هذا الاعتبار، فإنّ مكانة الجوائز  الأدبيّة العربيّة تحتاج، في ظننا، إلى أن ينظر إليها من جهة الوظائف الثقافيّة التي تنهض بها وفاعليتها في تجديد المشهد الأدبي وأثرها في تدعيم الكتاب الأدبي وتلقيه لدى أوسع جمهور ممكن، وإبراز فاعلين أدبيين جدد بتحويل رأسمالهم الأدبيّ والرمزيّ الذي أنشأوه في نصوصهم وكتاباتهم إلى رأسمال نقديّ لا يتأتّى من الجوائز، بل من تطوّر المبيعات، فلا تظل هذه الآلية في العالم العربيّ معطلة، عسى أن نشهد يوماً اعترافاً اجتماعياً بالأديب والمبدع الذي يعيش من إبداعه وأدبه. فلا يكون الاعتراف الأدبيّ بذلك مجرّد تقدير وتكريم لكائن بائس اجتماعياً ولفرد ينتظر ما تجود به عرائس الإبداع أو شياطينه خارج شروط الاجتماع البشري.
وضمن هذا التصوّر نعتقد أن المعركة الحقيقيّة، لا تدور على أرض الأسماء المتوّجة والقيمة الماديّة للجوائز وصناعة النجوم  الأدبيّة، وإنّما ميدانها الاستراتيجيّ، إذا توسّلنا بالاستعارات الحربيّة في التعبير، هو الكتاب، نشراً وتوزيعاً ونَمط إنــــتاج، وترسيخُ القراءة على أوسع نطاق ممكن حتّى تتغلغل الثقافة ويتغلغل الأدب والإبداع الفني في نسيج المجتمعات العربيّة ليبني كياناتها الأيديولوجيّة ويخلق حركيّتها القيميّة والجماليّة التي بها تتجدّد .