لورانس ميكالك: الصورة النمطية للعرب في السينما الأمريكية
إذا كانت صورة العرب في السينما الأمريكية لم يتم تخيلها في إطار من الخير، فإنها أصبحت أكثر ميلاً إلى التفرُّد والدقة في السنوات الأخيرة، وأقل عرضة للبتر، وأقل انحيازاً. أعادت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 النظر من جديد في صورة العرب، فهل نشهد عودة قوية لصورة العربي البربري في الفن السابع؟ هذا ما نفحصه في هذه المقابلة مع أحد خبراء قضية صورة العرب في الغرب، البروفيسور لورانس ميكالك في جامعة بيركلي، الخبير البارز في شؤون الشرق الأوسط.
< أولا، هل لك أن تشرح لنا باختصار الأسباب والدواعي التي دفعتك إلى الاهتمام بقضية صورة العرب في السينما الأمريكية؟
- انخراطي في شؤون العالم العربي والإسلامي كان عبارة عن حادث. ففي نهاية دراستي في عام 1964 (في جامعة ستانفورد)، تقدمت بطلب للانضمام إلى فيلق السلام، فاقترحوا عليّ تعييني مدرساً للغة الإنجليزية في تونس. وعندما توصلت بالتعيين لم أكن أعرف حتى كيف أحدد موقع تونس على خريطة العالم. التحقت أخيراً بالعاصمة تونس، وزرت دولاً عربية أخرى، وبدأت أفتتن بالثقافة العربية واللغة العربية وحضارتها. تأثرت دوماً عاطفياً وفكرياً على حد سواء بالسينما، وعندما عُدت إلى الولايات المتحدة الأمريكية، صُدمت وأنا أعاين الفرق الشاسع بين الصورة السلبية جداً عن العرب والمسلمين التي تقدمها السينما الأمريكية، والانطباع الإيجابي الذي تنامى بداخلي عن هذا المجتمع، وعلى الأرض العربية أثناء إقامتي في المغرب العربي، وكذلك في الأردن ومصر ولبنان وسورية.
< كيف تصف صورة العرب في السينما التي تنتجها الولايات المتحدة الأمريكية؟
- لقد تطورت هذه الصورة وبشكل خاص تبعاً للسياقات التاريخية. ففي سنوات العشرينيات، شهدنا ظهور صورة للإنسان العربي مرتبطة بالشيخ في فيلم أكثر شهرة في ذلك الوقت بعنوان «الشيخ» عام 1921، لعب فيه الممثل رودولف فالنتينو دور رجل «عربي» يخطف نساء غربيات، وهذا ما يتناقض مع قيم العصر عند العرب... فرد عربي من المستعمرات الأوربية يتميز بالشهوة والفجور والعنف، غير قادر على مغازلة النساء الغربيات، فيعمد إلى اختطافهن. بعد ذلك عرضت السينما الأمريكية فيلماً آخر كلاسيكياً من النوع نفسه بعنوان «جيست العاشق» عام 1926، تناول وجود الجحافل الأجنبية فوق الأراضي العربية. يتم تمثيل السكان المحليين دوماً في أثواب طويلة ومهزومين على الدوام رغم تفوقهم في العدد. نشعر في هذا الفيلم بتبرير ضمني لمصداقية وشرعية المشروع الاستعماري الغربي، في حين أن العرب يكافحون ويناضلون ضد الغزو الأجنبي. هناك تمثيل آخر يدور حول الاستيهام والخيال والسحر، لا يبدو فيه العالم العربي سوى مستودع للاستيهامات الغربية. ويتم تمثيل المنطقة العربية في الأفلام الأمريكية باعتبارها مكاناً للوحوش والأفاعي والنساء والحريم في أفلام مثل «لص من بغداد» عام 1924، و«عجائب علاء الدين» عام 1961. وهناك نوع آخر من الأفلام الغرائبية، يظهر فيه العالم العربي باعتباره فضاء يقدم إطاراً للمؤامرات والأحداث الغريبة من دون أن يكون حقاً فاعلاً في ذلك. الفيلم الأكثر شهرة في هذا الصنف هو بكل تأكيد الفيلم الموسوم بـ «الدار البيضاء» عام 1942.
< كيف تطورت هذه الصورة في سياق أكثر حداثة، سياق العقود الأخيرة؟
- شكلت أحداث الشرق الأوسط، أي الصراع الإسرائيلي ذ الفلسطيني، والأعمال المذهلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، خلفية أساسية لسلسلة جديدة من الأحكام المسبقة والصور النمطية. في هذا السياق، تعرض السينما الأمريكية الإسرائيلي باعتباره بطلاً، والإنسان العربي باعتباره رجلاً شريراً. الفيلم الأكثر تمثيلاً في هذا الصدد هو فيلم «النزوح» عام 1960، الذي لعب فيه الممثل بول نيومان دور القائد الصهيوني الذي هرّب اللاجئين إلى فلسطين. في هذا الفيلم، هناك نوعان فقط من الأوربيين، نوع يدعم الصهيونية، وآخر يدعم معاداة السامية. وأخيراً، هناك التمثيل الأخير للعرب، وهو تمثيل الرجل الإرهابي. كان الفيلم الأول من نوعه هو فيلم «يوم الأحد الأسود» عام 1977، الذي يروي قصة مؤامرة إرهابية عربية لاغتيال جمهور غفير، وكذلك رئيس الدولة، خلال مباراة السوبر بول. وتم إحباط المؤامرة من طرف عملاء إسرائيليين شجعان. مثال آخر في هذا النوع من التمثيل عُرض في فيلم «قوة دلتا» عام 1986، حيث تم عرض قوات أمريكية خاصة تنقذ ركاب طائرة مختطفة وتقتل المهاجمين العرب. ينبغي أن نتذكر أيضاً أفلاماً مثل «أكاذيب حقيقية» عام 1994 مع الممثل الأمريكي الشهير شوارزنيجر، وأيضاً فيلم «تنفيذ القرار» عام 1996، حيث يقوم بعض المقاتلين العرب بزعامة متعصب بالاستيلاء على طائرة لمهاجمة واشنطن. لكن من جهة أخرى، هناك في السنوات الأخيرة بعض الأفلام ذات نكهة إيجابية. هذه هي الحال في فيلم «المحارب رقم 13» عام 1999، الذي يعرض قصة شخص يدعى ابن فضلان، وهو دبلوماسي عربي في العصور الوسطى، يسافر إلى منطقة الفولجا في أوربا، ويتم تصويره في هذا الفيلم باعتباره رجلاً مثقفاً وخيّراً يرفض شرب الكحول ويصلي قبل المشاركة في المعارك. أفكر أيضاً في فيلم «الملوك الثلاثة» عام 1999، وهو عبارة عن فيلم تخيلي تدور أحداثه حول جنود أمريكيين في العراق بعد حرب الخليج عام 1991. يتم تصوير بعض العرب في هذا الفيلم في صورة نمطية موغلة في الشر، لكن أيضاً يقدم الفيلم بعض العراقيين الأخيار والإنسانيين المترعة قلوبهم بالرأفة.
< ما التحليل الشامل الذي تستخلصه من تمثيل العرب في السينما الأمريكية؟
- يجب التذكير أولاً بأنه ليس العرب وحدهم الذين تم وصفهم بشكل سلبي من قبل هوليوود، بل مجتمعات أخرى أيضاً تعرضت للتنميط حسب ظروف التاريخ، مثل: اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، والروس خلال الحرب الباردة. كثير من هذه الأفلام ليست سيئة فقط في ما يتعلق بتمثيل العرب... إنها أفلام رديئة حتى على المستوى الفني، كما هو الشأن أيضاً على مستوى توجيه الممثلين والسيناريو. أعمال سينمائية أخرى - بالعكس - وعلى الرغم من التمثيل السيئ للمجتمع العربي، هي أفلام جيدة من الناحية الفنية. لكن في المعدل العام، يمكن تصنيف معظم الأفلام باعتبارها أفلاماً رديئة، مع بعض الاستثناءات المثيرة للاهتمام هنا وهناك.
< لماذا يتم تمثيل العرب على هذا النحو؟
- من جهة، هناك نزوع إلى التبسيط والاختزال وإنتاج الصور النمطية التي تُقدم لنا باعتبارها رؤية كونية، تتلاءم جيداً مع السينما بقصصها عن الخير والشر. في الحالة الأكثر تحديداً وخصوصية عن العرب، ثمة جذور تاريخية لعامل عوج وتحريف صورتهم. تم إعمار الولايات المتحدة الأمريكية في البداية بالسكان الأوربيين الذين يملكون رؤية صدامية مع العرب بسبب الصراع الذي ميز الحضارتين في أوربا. يعتبر الجهل أيضاً عاملاً أساسياً في هذا التنميط والصور المقولبة. يضاف إلى هذا العامل غياب الصوت العربي في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الهجرة العربية هي جديدة نسبياً مقارنة مع المجتمعات الأخرى. وأخيراً، لايزال تأثير السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وأيضاً الانحياز الأمريكي تجاه إسرائيل، يؤثر سلباً في تصورنا للمجتمع العربي.
< بشكل عام، كيف ترى أن هذه الأفلام تمارس تأثيراً على التمثيل الشعبي للعرب في المجتمع الأمريكي؟
- الأفلام لها في رأيي تأثير حاسم على التصور الأمريكي للعرب. فمعظم الأمريكيين لم يروا العرب على الإطلاق في حياتهم، ما عدا في الشاشة التي يتم فيها عرض العرب باعتبارهم شعباً شريراً ومخيفاً. كان هناك مليار ونصف المليار من تذاكر الدخول إلى دور السينما الأمريكية في عام 2001، وهذا من دون الإشارة إلى الأفلام المشاهدة على شاشة التلفزيون، وجميع هذه التمثيلات السيئة عن العرب لها تأثيرها السلبي. وهذه هي الحال بصفة خاصة مع الشباب، وهم أكبر المستهلكين للأفلام السينمائية.
< هل سيكون من الصحيح التأكيد على أنه من بين جميع الطوائف العرقية الموجودة في الولايات المتحدة يبقى العرب هم من يعانون في الغالب الأعم من التنميط الأكثر سلبية في السينما الأمريكية؟
- أعتقد ذلك، إن الأمر صحيح. العرب والفرس والأتراك هم الأعراق الأكثر تمثيلاً بشكل سلبي.
< كيف يتفاعل العرب الأمريكيون مع هذا التمثيل من ثقافتهم؟
- تاريخياً، عبّر البعض عن خجلهم من ماضيهم الثقافي، وبالتالي حاولوا إخفاء أصلهم، حتى أن البعض من العرب غيروا أسماءهم. وفي السنوات الأخيرة تغيَّر رد الفعل من الشعور بالخجل والعار إلى التعبير عن الغضب. ومنذ بضع سنوات، بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي عملية تحت اسم «أبسكام» (عملية الاحتيال العربي)، حيث شرع فيها وكلاء يزعمون أنهم عرب في محاولة لتحديد العناصر المفترض أنها فاسدة في المجتمع الأمريكي. وشعر العرب الأمريكيون بالمهانة والإذلال بسبب هذه المبادرة العنصرية، وأدت هذه الحادثة إلى تشكيل جمعية لجنة العرب الأمريكيين لمكافحة التمييز. أما الآن، فإن العرب والمسلمين يقومون برد فعل قوي حين يتم تقديمهم بطريقة نمطية.
< هل شعرت بتأثير أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 على الصورة التي يتم تقديمـها عن العرب في الصناعة السينمائية الأمريكية؟
- مع الأسف، إن الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين تفاقمت، وشكل المجتمع العربي موضوعاً للتجنيب في المطارات وغيرها. حماية حقوقهم المدنية تآكلت تحت تأثير قوانين مكافحة الإرهاب. كان هناك بالفعل عدد من الأفلام السينمائية والوثائقية ذات لهجة مناهضة للعرب بشكل ملحوظ على الشاشات في السينما والتلفزيون ■
لقطة من فيلم The 13th warrior (المحارب 13)