الاحتفال بأمل دنقل

الاحتفال بأمل دنقل

عندما‭ ‬فارقنا‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬1983  ‬أصابتني‭ ‬إثــر‭ ‬فقده‭ ‬صدمة‭ ‬هائلة‭ ‬أخرستني‭ ‬عن‭ ‬الكلام‭ ‬أو‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه‭.‬

فلم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬أرتجل‭ ‬شيئاً‭ ‬عنه‭ ‬لخمسة‭ ‬أعوام‭ ‬على‭ ‬الأقل؛‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الصدمة‭ ‬قاسية،‭ ‬وكان‭ ‬ألم‭ ‬الفقد‭ ‬موجعاً،‭ ‬وكنت‭ ‬أشعر‭ ‬بغياب‭ ‬نصفي‭ ‬عن‭ ‬نصفي،‭ ‬أو‭ ‬بغياب‭ ‬عقلي‭ ‬عن‭ ‬جسدي،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أمل‭ ‬هو‭ ‬المرآة‭ ‬التي‭ ‬أتوجه‭ ‬إليها‭ ‬كي‭ ‬أقف‭ ‬مجرداً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬الشعور‭ ‬بالآمال،‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬أخ‭ ‬لم‭ ‬يجُد‭ ‬عليّ‭ ‬الزمان‭ ‬بمثله،‭ ‬ولاأزال‭ ‬أفتقده‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬وطأة‭ ‬الفقد‭ ‬قاسية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬عاقتني‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬أخرستني‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬رثائه؛‭ ‬فمر‭ ‬التأبين‭ ‬الذي‭ ‬أقامه‭ ‬‮«‬التجمع‮»‬،‭ ‬وأنا‭ ‬مكتفٍ‭ ‬بالجلوس‭ ‬منصتاً‭ ‬لكلمات‭ ‬المشاركين،‭ ‬وكانت‭ ‬أبلغ‭ ‬الكلمات‭ ‬وأشدها‭ ‬إثارة‭ ‬للشجون‭ ‬كلمة‭ ‬المرحوم‭ ‬يوسف‭ ‬إدريس‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُكِنُّ‭ ‬لأمل‭ ‬دنقل‭ ‬محبة‭ ‬خالصة‭ ‬ووفاء‭ ‬صادقاً‭.‬

توالت‭ ‬الأعوام،‭ ‬وشيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬خفَّت‭ ‬آلام‭ ‬الجرح‭ ‬ولم‭ ‬تَعُدْ‭ ‬بالقسوة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عليها،‭ ‬وبدأ‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬معالجة‭ ‬الجراح‭ ‬القاتلة،‭ ‬ولكني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أمسك‭ ‬بالقلم‭ ‬لأكتب‭ ‬أول‭ ‬مقال‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬موته‭ ‬بخمس‭ ‬سنوات،‭ ‬حين‭ ‬عاودتني‭ ‬ذكراه‭ ‬التي‭ ‬فاجأتني‭ ‬بها‭ ‬النتيجة‭ ‬الموضوعة‭ ‬على‭ ‬مكتبي،‭ ‬فكتبت‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬مقالا‭ ‬عن‭ ‬ذكرى‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أكتب‭ ‬فيها‭ ‬مقالاتي‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭. ‬

 

حائط‭ ‬الصمت‭ ‬

منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬انكسر‭ ‬حائط‭ ‬الصمت،‭ ‬وصرت‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬وأتحدث‭ ‬عنه‭ ‬بلا‭ ‬جراح‭ ‬موجعة‭ ‬تعيق‭ ‬الكتابة‭.‬

ولكني‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬عاهدت‭ ‬نفسي‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬أو‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬أحاديث‭ ‬أو‭ ‬ندوات؛‭ ‬فقد‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عنه‭ ‬كتاباً‭ ‬كاملاً‭ ‬يُنصِف‭ ‬شعره،‭ ‬ويركز‭ ‬على‭ ‬القضية‭ ‬الأساسية‭ ‬لهذا‭ ‬الشاعر‭. ‬

وصار‭ ‬هذا‭ ‬قرارا‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬نفسي‭ ‬كنوع‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬المضمر‭ ‬الذي‭ ‬ظللت‭ ‬أنطوي‭ ‬عليه‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال،‭ ‬ولم‭ ‬أنس‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬ذكرى‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬قط‭. 

وعندما‭ ‬جاء‭ ‬عام‭ ‬1993،‭ ‬وقبلت‭ ‬منصب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة؛‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬الوزير‭ ‬الأسبق‭ ‬الفنان‭ ‬فاروق‭ ‬حسني‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لي‭ ‬كل‭ ‬عون‭ ‬ممكن‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬مهام‭ ‬هذه‭ ‬الوظيفة‭ ‬الجليلة،‭ ‬لم‭ ‬أنس‭ ‬أمل‭ ‬دنقل،‭ ‬وانتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬مايو‭ ‬2003‭ ‬سيوافق‭ ‬مرور‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬وفاته،‭ ‬فقررت‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬المجلس‭ ‬احتفالاً‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة،‭ ‬ولم‭ ‬يعترض‭ ‬الوزير‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬بل‭ ‬رحب‭ ‬به‭ ‬كل‭ ‬الترحيب،‭ ‬وقرر‭ ‬دعم‭ ‬الاحتفال‭ ‬بكل‭ ‬إمكانات‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭. ‬وبدأنا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬أبرز‭ ‬شعراء‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وباحثيه‭ ‬من‭ ‬مغربه‭ ‬إلى‭ ‬مشرقه،‭ ‬ليأتوا‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬ويسترجعوا‭ ‬ذكرى‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬في‭ ‬أبحاث‭ ‬وقصائد،‭ ‬تكون‭ ‬بمنزلة‭ ‬إحياء‭ ‬لذكراه،‭ ‬أو‭ ‬استعادة‭ ‬لحضوره‭ ‬الإبداعي‭. ‬

 

محمود‭ ‬درويش‭ ‬

لم‭ ‬أنس‭ ‬أن‭ ‬أهاتف‭ ‬الشاعر‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأكبر‭ ‬محمود‭ ‬درويش،‭ ‬وأن‭ ‬أدعوه‭ ‬بنفسي‭ ‬لحضور‭ ‬الاحتفالية،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬أنس‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬عرفني‭ ‬عليه‭ ‬وقدمني‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬الصداقة‭ ‬الحميمة‭ ‬التي‭ ‬ربطتني‭ ‬بدرويش‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬وفاته‭. ‬ولم‭ ‬يُخيب‭ ‬درويش‭ ‬ظني،‭ ‬فقد‭ ‬وعدني‭ ‬بالحضور،‭ ‬وحضر‭ ‬بالفعل‭ ‬مع‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتخلفوا‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬صديقي‭ ‬الحبيب‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬المقالح‭ - ‬مد‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬عمره‭ - ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تركها‭ ‬مغضوباً‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬السادات‭ ‬البوليسية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬معادية‭ ‬للقوميين‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والمثقفين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يملأون‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬وأحياءها؛‭ ‬فرحل‭ ‬المقالح‭ ‬إلى‭ ‬صنعاء‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يفارقها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬كما‭ ‬رحل‭ ‬غالب‭ ‬هلسا‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغادرها‭ ‬عائدا‭ ‬إلى‭ ‬وطنه‭ ‬الأردن،‭ ‬حيث‭ ‬ترك‭ ‬صِدام‭ ‬الثقافة‭ ‬والسلطة‭ ‬وصراع‭ ‬المثقفين‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬بلا‭ ‬صدام‭ ‬ولا‭ ‬صراع‭.‬

واستمرت‭ ‬احتفالية‭ ‬أمل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬مقسمة‭ ‬بين‭ ‬أمسيات‭ ‬شعرية‭ ‬وأبحاث،‭ ‬ولاأزال‭ ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬قام‭ ‬بطباعة‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬دراسة‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭... ‬حياته‭ ‬وشعره‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬أو‭ ‬خاص،‭ ‬وأول‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬أعدته‭ ‬أرملة‭ ‬أمل؛‭ ‬الصديقة‭ ‬عبلة‭ ‬الرويني،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬صغير‭ ‬الحجم‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬مقالات‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬النثرية،‭ ‬وعلى‭ ‬ببلوجرافيا‭ ‬بأهم‭ ‬الأعمال‭ ‬والكتابات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬عاماً‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الاحتفالية‭.‬

 

الصقر‭ ‬المجنح‭ ‬

قام‭ ‬المرحوم‭ ‬حلمي‭ ‬سالم‭ ‬بإعداد‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬اعم‭ ‬صباحا‭ ‬أيها‭ ‬الصقر‭ ‬المجنحب،‭ ‬والكتاب‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬قصائد‭ ‬إلى‭ ‬أمل‭ ‬دنقل،‭ ‬ويحمل‭ ‬أهم‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬الشعراء‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬الاحتفالية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قبلها‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬بذل‭ ‬حلمي‭ ‬سالم،‭ ‬عليه‭ ‬رحمة‭ ‬الله،‭ ‬جهداً‭ ‬صادقاً‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬هذه‭ ‬القصائد‭ ‬وفي‭ ‬التمهيد‭ ‬لها‭ ‬بدراسة‭ ‬مطولة‭ ‬عن‭ ‬شعر‭ ‬أمل‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭ ‬بمنزلة‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬تصفية‭ ‬الغبار‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعكر‭ ‬صفو‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ - ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يمثله‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬قومي‭-  ‬وشعراء‭ ‬السبعينيات‭ ‬الذين‭ ‬انقسموا‭ ‬شيعاً‭ ‬وأحزاباً،‭ ‬وظل‭ ‬فريق‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬تباعدهم‭ ‬عن‭ ‬النزعة‭ ‬القومية،‭ ‬وعن‭ ‬بلاغة‭ ‬الالتزام‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمسك‭ ‬بها‭ ‬أمل‭ ‬حتى‭ ‬النهاية،‭ ‬فظلوا‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الفن‭ ‬الخالص‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬النزعة‭ ‬الأدونيسية‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭.‬

أما‭ ‬الكتاب‭ ‬الثالث‭ ‬والأخير،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬كتاب‭ ‬االنشيد‭ ‬الأبديب،‭ ‬وهو‭ ‬سيرة‭ ‬شعرية‭ ‬ثقافية‭ ‬عن‭ ‬أمل،‭ ‬أعدها‭ ‬الصديق‭ ‬حسن‭ ‬الغرفي،‭ ‬ولهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬قصة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تروى،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الغرفي‭ ‬قد‭ ‬أرسل‭ ‬لي‭, ‬مشكورا،‭ ‬مع‭ ‬صديقه‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬حنفي،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬إلى‭ ‬أمل‭ ‬كي‭ ‬يجيب‭ ‬عنها،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ظروف‭ ‬أمل‭ ‬الصحية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬ساءت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بما‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬الوعد‭ ‬بالإجابة‭ ‬عنها،‭ ‬فأراد‭ ‬الغرفي‭ ‬أن‭ ‬يعوض‭ ‬ما‭ ‬فاته،‭ ‬فأخذ‭ ‬يجمع‭ ‬كل‭ ‬أحاديث‭ ‬أمل‭ ‬وما‭ ‬قاله‭ ‬في‭ ‬ندواته‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬مقالاته‭ ‬النثرية،‭ ‬ورتبها‭ ‬ترتيباً‭ ‬خاصّاً‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أشبه‭ ‬برحلة‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬أمل‭ ‬دنقل،‭ ‬متتبعاً‭ ‬رحلة‭ ‬وعي‭ ‬الشاعر‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬النهاية،‭ ‬وختمها‭ ‬بعنوان‭ ‬اكيف‭ ‬تلقى‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬ديوان‭ ‬كائنات‭ ‬مملكة‭ ‬الليل‭ ‬لحجازي؟ب،‭ ‬وهو‭ ‬مقال‭ ‬كتبه‭ ‬أمل‭ ‬تعليقاً‭ ‬على‭ ‬ديوان‭ ‬حجازي‭ ‬اكائنات‭ ‬مملكة‭ ‬الليلب،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬أغلبه‭ ‬في‭ ‬منفاه‭ ‬الاختياري‭ ‬بمدينة‭ ‬باريس‭ ‬التي‭ ‬رحل‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬الهجرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬اضطر‭ ‬إليها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المصريين‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬عانوها‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬السادات،‭ ‬ولم‭ ‬يعودوا‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬الزمن‭ ‬الساداتي‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬موت‭ ‬السادات‭.‬

 

رحلة‭ ‬وعي

لم‭ ‬يدرِ‭ ‬الغرفي‭ ‬أنه‭ ‬بما‭ ‬فعله‭ ‬كان‭ ‬يقدم‭ ‬شيئاً‭ ‬بالغ‭ ‬الأهمية‭ ‬للباحثين‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أمل‭ ‬دنقل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬بحق‭ ‬اسيرة‭ ‬شعرية‭ ‬ثقافيةب‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬أسميه‭ ‬أنا‭ ‬ارحلة‭ ‬وعي‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬النهايةب،‭ ‬وهي‭ ‬رحلة‭ ‬تتيح‭ ‬للباحثين‭ ‬أو‭ ‬الدراسين‭ ‬معرفة‭ ‬تلافيف‭ ‬وعي‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬ومواقفه‭ ‬إزاء‭ ‬الأحداث‭ ‬والوقائع‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬وأثرت‭ ‬فيه‭. ‬وكانت‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬تركه‭ ‬المؤتمر‭ ‬في‭ ‬تقديري،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الأبحاث‭ ‬التي‭ ‬جمعناها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وأصدرناها‭ ‬في‭ ‬مجلد‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬منشورات‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬أنسى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬حلمي‭ ‬سالم‭ ‬لم‭ ‬يتضمن‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬صحبها‭ ‬درويش‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬رثاء‭ ‬أمل،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬دعوتي‭ ‬قد‭ ‬فاجأت‭ ‬درويش‭ ‬وذكرته‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬في‭ ‬رثاء‭ ‬أمل‭ ‬لسبب‭ ‬من‭ ‬الأسباب،‭ ‬فقرر‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬يلقيها‭ ‬في‭ ‬أمسية‭ ‬من‭ ‬أمسيات‭ ‬الاحتفالية‭. ‬وعندما‭ ‬جاء‭ ‬الدور‭ ‬على‭ ‬درويش‭ ‬لإلقاء‭ ‬قصيدته‭ ‬في‭ ‬الأمسية‭ ‬الخاصة‭ ‬به‭ ‬ذ‭ ‬وكانت‭ ‬في‭ ‬المسرح‭ ‬الصغير‭ ‬بدار‭ ‬الأوبر‭ ‬المصرية‭-  ‬أخرج‭ ‬من‭ ‬جيبه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬قرأ‭ ‬منها‭ ‬القصيدة،‭ ‬وكانت‭ ‬قصيدة‭ ‬تأملية،‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬روح‭ ‬أمل،‭ ‬وأن‭ ‬يواصل‭ ‬الحوارات‭ ‬الفلسفية‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬ينطلق‭ ‬معه‭ ‬فيها‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬حيّاً‭. ‬وقد‭ ‬لفتت‭ ‬القصيدة‭ ‬انتباهي‭ ‬بنزوعها‭ ‬الفلسفي‭.‬

  ‬وعندما‭ ‬انتهى‭ ‬الحفل،‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬صديقي‭ ‬درويش‭ ‬أن‭ ‬يعطيني‭ ‬القصيدة‭ ‬كي‭ ‬ننشرها‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬القصائد،‭ ‬ولكنه‭ ‬اعتذر‭ ‬لي‭ ‬بأدب‭ ‬قائلا‭ ‬اإنها‭ ‬ليست‭ ‬تامة،‭ ‬وسأعاود‭ ‬النظر‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬أرضى‭ ‬عنها،‭ ‬فما‭ ‬كتبته‭ ‬لا‭ ‬أرضى‭ ‬عنه‭ ‬تماماًب‭.‬

ومضى‭ ‬الوقت‭ ‬وتركنا‭ ‬محمود‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬الأردن‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يقيم‭ ‬فيها‭ ‬حينذاك،‭ ‬ومرت‭ ‬الأعوام،‭ ‬ونسي‭ ‬كلانا‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬في‭ ‬أمل،‭ ‬ولم‭ ‬ألتفت‭ ‬إلى‭ ‬القصيدة‭ ‬إلا‭ ‬أخيراً،‭ ‬فبحثت‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الكاملة‭ ‬لدرويش‭ ‬فلم‭ ‬أجدها،‭ ‬وانتهى‭ ‬بي‭ ‬المطاف‭ ‬والبحث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وجدتها‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭ ‬ضمن‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬مؤسسة‭ ‬درويش‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬درويش‭ ‬لم‭ ‬يتذكر‭ ‬معاودة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة،‭ ‬فتركها‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬وانشغل‭ ‬بمرضه،‭ ‬فظلت‭ ‬القصيدة‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬توفاه‭ ‬الله،‭ ‬فعثر‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬عثر‭ ‬وضمها‭ ‬إلى‭ ‬أوراقه‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬مؤسسة‭ ‬درويش‭ ‬على‭ ‬الموقع‭ ‬الشعري‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الإنترنت‭.‬‭ ‬

وها‭ ‬أنذا‭ ‬أذكرها‭ ‬تقديراً‭ ‬لعشاق‭ ‬أمل‭ ‬ودرويش‭ ‬على‭ ‬السواء‭. ‬وتمضي‭ ‬القصيدة‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬التالي‭:‬

واقفاً‭ ‬مَعَهُ‭ ‬تحت‭ ‬نافذةٍ،

أتأمَّلُ‭ ‬وَشْمَ‭ ‬الظلال‭ ‬على

ضِفَّة‭ ‬الأَبديَّةِ؛‭ ‬قُلتُ‭ ‬له‭:‬

قد‭ ‬تغيَّرتَ‭ ‬يا‭ ‬صاحبي‭... ‬وَانْفَطَرْتَ

فها‭ ‬هِيَ‭ ‬درّاجةُ‭ ‬الموت‭ ‬تدنو

ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تحرِّكُ‭ ‬صرختك‭ ‬الخاطفهْ

قال‭ ‬لي‭: ‬عِشْتُ‭ ‬قرب‭ ‬حياتي

كما‭ ‬هِيَ،

لا‭ ‬شيءَ‭ ‬يُثْبِتُ‭ ‬أَنِّيَ‭ ‬حيٌّ

ولا‭ ‬شيءَ‭ ‬يثبتُ‭ ‬أَنيَ‭ ‬مَيْتٌ

ولم‭ ‬أَتدخّل‭ ‬بما‭ ‬تفعلُ‭ ‬الطيرُ‭ ‬بي

وبما‭ ‬يحمِلُ‭ ‬الليل‭ ‬مِنْ

مَرَضِ‭ ‬العاطفةْ

‭...‬

الغيابُ‭ ‬يرفّ‭ ‬كزوجَيْ‭ ‬حمامٍ‭ ‬على‭ ‬النيل‭...‬

يُنْبِئُنا‭ ‬باختلاف‭ ‬الخُطَى‭ ‬حول‭ ‬فعل‭ ‬المُضارعِ‭....‬

كُنّا‭ ‬معاً،‭ ‬وعلى‭ ‬حِدَةٍ،‭ ‬نَسْتَحِثُّ‭ ‬غداً

غامضاً‭...  ‬لا‭ ‬نريدُ‭ ‬من‭ ‬الشيء‭ ‬إلَّا

شفافيَّةَ‭ ‬الشيء‭: ‬حدِّقْ‭ ‬تَرَ‭ ‬الوردَ

أسوَد‭ ‬في‭ ‬الضوء‭. ‬واحلُمْ‭ ‬تَرَ‭ ‬الضوءَ

في‭ ‬العتمة‭ ‬الوارفةْ‭...‬

‭...      ...      ....‬

 

ألجنوبيُّ‭ ‬يحفظ‭ ‬درب‭ ‬الصعاليك‭ ‬عن

ظهر‭ ‬قلبٍ‭.. ‬ويُشْبهُهُم‭ ‬في‭ ‬سليقتهم

وارتجالِ‭ ‬المدى‭. ‬لا‭ ‬‮«‬هناك‮»‬‭ ‬له،

لا‭ ‬‮«‬هنا‮»‬،‭ ‬لا‭ ‬عناوينَ‭ ‬للفوضويّ

ولا‭ ‬مِشْجَبٌ‭ ‬للكلام‭ . ‬يقول‭: ‬النظامُ

احتكامُ‭ ‬الصدى‭ ‬للصدى‭.. ‬وأَنا‭ ‬صوتُ

نفسي‭ ‬المشاع‭: ‬أَنا‭ ‬هُوَ‭ ‬أنتَ‭ ‬ونحنُ‭ ‬أَنا‭..‬

وينامُ‭ ‬على‭ ‬دَرَج‭ ‬الفجر‭: ‬هذا‭ ‬هو

البيتُ،‭ ‬بيتٌ‭ ‬من‭ ‬الشعر،‭ ‬بيتُ‭ ‬الجنوبيّ‭..‬

لكنَّهُ‭ ‬صارمٌ‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬قصيدته‭.. ‬صانعٌ

بارعٌ‭ ‬يُنِقذُ‭ ‬الوَزْنَ‭ ‬من‭ ‬صَخَب‭ ‬العاصفهْ

‭...       ...           ...‬

الغيابُ‭ ‬على‭ ‬حاله‭.. ‬قَمَرٌ‭ ‬عابرٌ‭ ‬فوق

خُوفُو‭ ‬يُذهِّبُ‭ ‬سَقْفَ‭ ‬النخيل‭ .. ‬وسائحةٌ

تملأ‭ ‬الكاميرا‭ ‬بالغياب،‭ ‬وتسأل‭: ‬ما

الساعةُ‭ ‬الآن؟‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬الساعةُ

الآن‭ ‬عَشْرُ‭ ‬دقائقَ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سبعةِ

آلاف‭ ‬عامٍ‭ ‬من‭ ‬الأبجديَّة،‭ ‬ثم‭ ‬تنهّد‭:‬

مِصْرُ‭ ‬الشهيّةُ،‭ ‬مِصْرُ‭ ‬البهيَّةُ‭ ‬مشغولةٌ

بالخلود‭. ‬وأَمَّا‭ ‬أَنا‭ ... ‬فمريضٌ‭ ‬بها،‭ ‬لا

أفكِّرُ‭ ‬إلا‭ ‬بصحّتها،‭ ‬وبِكسْرَة‭ ‬خبزِ

غدي‭ ‬الناشفهْ

‭...      ...   ...‬

شاعرٌ‭ ‬شاعرٌ‭ ‬من‭ ‬سُلاَلَة‭ ‬أَهل

الخسارة،‭ ‬وابنٌ‭ ‬وفيٌّ‭ ‬لريف‭ ‬المساكينِ‭..‬

قرآنُهُ‭ ‬عربيٌّ،‭ ‬ومزمورُهُ‭ ‬عربيٌّ،‭ ‬وقُرْبَانُهُ

عربيٌّ‭ ‬‮…‬وفي‭ ‬قلبه‭ ‬زَمَنانِ‭ ‬غريبان،

يبتعدان‭ ‬ويقتربان‭: ‬غدٌ‭ ‬لا‭ ‬يكفُّ

عن‭ ‬الاعتذار‭: ‬‮«‬نَسِيتُكَ،‭ ‬لا‭ ‬تنتظرني‮»‬

وأَمس‭ ‬يجرُّ‭ ‬مراكبَ‭ ‬فرعونَ‭ ‬نحو‭ ‬الشمال‭:‬

‮«‬انتظرتُكَ،‭ ‬لكنْ‭ ‬تأخرتَ‮»…‬‭ ‬قُلْتُ‭ ‬لَهُ‭:‬

أَين‭ ‬كُنْتَ‭ ‬إذاً؟‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬كُنْتُ

أَبحث‭ ‬عن‭ ‬حاضري‭ ‬في‭ ‬جَنَاحَيْ‭ ‬سُنُونُوّةٍ

خائفهْ‭...‬

‭...    ...      ...‬

ألجنوبيُّ‭ ‬يحملُ‭ ‬تاريخَهُ‭ ‬بيَدَيْهِ،‭ ‬كحفنة‭ ‬قمحٍ،

ويمشي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬واثقاً‭ ‬من‭ ‬يسوع

السنابل‭ ..‬إنَّ‭ ‬الحياةَ‭ ‬بديهيَّةٌ‭ ‬‮…‬فلماذا

نفسّرها‭ ‬بالأساطير؟‭ ‬إنَّ‭ ‬الحياة‭ ‬حقيقيّةٌ

والصفات‭ ‬هِيَ‭ ‬الزائفهْ

قال‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬ليله‭:‬

كُلَّما‭ ‬قُلْتُ‭: ‬كلّ‭ ‬‮…‬‭ ‬تجلّى‭ ‬لِيَ‭ ‬اللهُ

حريَّةٌ‭. ‬وبلغتُ‭ ‬الرضا‭ ‬الباطنيَّ‭ ‬عن

النفس‭. ‬قلتُ‭: ‬وهل‭ ‬يُصْلِحُ‭ ‬الشعرُ

ما‭ ‬أفسد‭ ‬الدهرُ‭ ‬فينا‭ ‬وجنكيز‭ ‬خان

وأحفادُهُ‭ ‬العائدون‭ ‬إلى‭ ‬النهرِ؟

قال‭: ‬على‭ ‬قَدْر‭ ‬حُلْمكَ‭ ‬تَتَسع‭ ‬الأرضُ‭.‬

والأرضُ‭ ‬أمّ‭ ‬المخيّلة‭ ‬النازفهْ

‭...     ...    ...‬

قال‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الليل‭: ‬خذني‭ ‬إلى‭ ‬البيتِ،

بيتِ‭ ‬المجاز‭ ‬الأخيرِ‭..‬

فإني‭ ‬غريبٌ‭ ‬هنا‭ ‬يا‭ ‬غريبُ،

ولا‭ ‬شيءَ‭ ‬يُفْرحُني‭ ‬قرب‭ ‬بيتِ‭ ‬الحبيب

ولا‭ ‬شيءَ‭ ‬يجرحني‭ ‬في‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬الحبيب‮»‬‭ ‬البعيدةِ

قلت‭: ‬وماذا‭ ‬عن‭ ‬الروحِ؟

قال‭: ‬سَتَجْلسُ‭ ‬قُرْبَ‭ ‬حياتي

فلا‭ ‬شيءَ‭ ‬يُثْبِتُ‭ ‬أنّيَ‭ ‬ميتٌ

ولا‭ ‬شي‭ ‬يثبتُ‭ ‬أنّيَ‭ ‬حيٌّ

ستحيا،‭ ‬كما‭ ‬هِي

حائرة‭ ‬آسفهْ‭!‬

 

المقطع‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭ ‬وقفة‭ ‬تحملنا‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬النهر‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬بين‭ ‬عالم‭ ‬الأحياء‭ ‬والأموات‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتركه‭ ‬المتكلم‭ (‬محمود‭ ‬درويش‭) ‬عابراً‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬صديقه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الموت،‭ ‬لكنه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعبر‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬المركب‭ (‬الذي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬الأساطير‭ ‬والذي‭ ‬يقوده‭ ‬خيرون‭) ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬دراجة‭ ‬للموت‭ ‬تدنو‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬الصديق‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬قبيل‭ ‬نهر‭ ‬الموت‭ ‬مباشرة‭. ‬وعندما‭ ‬يسأل‭ ‬صاحبه‭ ‬قائلا‭: ‬لقد‭ ‬تغيرت‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مررت‭ ‬بالتجربة‭ ‬الكبرى،‭ ‬تأتيه‭ ‬الإجابة‭ ‬أن‭ ‬أمل‭ ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬نفسها،‭ ‬وإنما‭ ‬عاش‭ ‬على‭ ‬هامشها،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحياة‭ ‬والموت،‭ ‬نائيا‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬البشرية‭. ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬الشاعر‭ ‬إلى‭ ‬المقطع‭ ‬الثاني‭ ‬حيث‭ ‬الغياب‭ ‬الذي‭ ‬يصاحب‭ ‬الموت،‭ ‬والذي‭ ‬يحيط‭ ‬بالمشهد‭ ‬ويرف‭ ‬حوله‭ ‬رفيف‭ ‬زوجي‭ ‬حمام‭ ‬على‭ ‬النيل،‭ ‬لكي‭ ‬ينبئنا‭ ‬باختلاف‭ ‬الخطى‭ ‬حول‭ ‬فعل‭ ‬المضارع‭. ‬ويتذكر‭ ‬الشاعر‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬مع‭ ‬أمل‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الشعر،‭ ‬وكانا‭ ‬معا‭ ‬يستحثان‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬غامضا‭ ‬يتأبى‭ ‬على‭ ‬المجيء‭ ‬أو‭ ‬الحضور،‭ ‬لا‭ ‬يريدان‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬سوى‭ ‬شفافية‭ ‬الأشياء‭ ‬وجوهرها‭ ‬الحق‭. ‬

وينتهي‭ ‬التأمل،‭ ‬ويبدأ‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬أو‭ ‬الجنوبي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬صعلوك‭ ‬يحفظ‭ ‬درب‭ ‬الصعاليك‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب،‭ ‬ويشبههم‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬مكان،‭ ‬أو‭ ‬امتلاك‭ ‬ثروة‭ ‬أو‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬عبودية‭ ‬رغبة،‭ ‬فليس‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬سوى‭ ‬عناوين‭ ‬للفوضى‭. ‬أما‭ ‬النظام‭ ‬فهو‭ ‬نظمه‭ ‬الشعري‭ ‬الذي‭ ‬يحتكم‭ ‬فيه‭ ‬الصدى‭ ‬للصدى،‭ ‬ويتناغم‭ ‬فيه‭ ‬الإيقاع‭ ‬مع‭ ‬الوزن‭ ‬والقافية،‭ ‬فلا‭ ‬نبو‭ ‬أو‭ ‬زحاف‭ ‬أو‭ ‬شذوذ‭ ‬أو‭ ‬خروج‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬على‭ ‬القاعدة،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬محكم،‭ ‬موضوع‭ ‬في‭ ‬مكانه‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬فريد،‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬الشاعر،‭ ‬أو‭ ‬عاشها‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬وتنام‭ ‬الأبيات‭ ‬على‭ ‬درج‭ ‬الفجر‭. ‬فبيت‭ ‬الشعر‭ ‬هو‭ ‬بيت‭ ‬الجنوبي‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بالصرامة‭ ‬في‭ ‬نظم‭ ‬القصيدة‭ ‬والبراعة‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬الوزن‭ ‬من‭ ‬صخب‭ ‬العاصفة‭ ‬الفوضوية‭.‬

‭ ‬ويأتي‭ ‬المقطع‭ ‬التالي‭ ‬عن‭ ‬الغياب‭ ‬الذي‭ ‬يستمر‭ ‬على‭ ‬حاله‭ ‬بعد‭ ‬موت‭ ‬أمل،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬قمر‭ ‬يعبر‭ ‬فوق‭ ‬هرم‭ ‬خوفو‭ ‬ماضيا‭ ‬فوق‭ ‬سقف‭ ‬النخيل،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬المكان‭ ‬سوى‭ ‬سائحة‭ ‬تملأ‭ ‬الكاميرا‭ ‬بالغياب،‭ ‬وتسأل‭ ‬عن‭ ‬الساعة‭ ‬الآن،‭ ‬فتأتي‭ ‬الإجابة‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الألف‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬أعوام‭ ‬الأبجدية‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬السائحة‭ ‬مهووسة‭ ‬بمصر‭ ‬البهية،‭ ‬فالشاعر‭ ‬كان‭ ‬مريضا‭ ‬بها،‭ ‬لا‭ ‬يفكر‭ ‬إلا‭ ‬بصحتها‭ ‬وبكسرة‭ ‬خبز‭ ‬غده‭ ‬الناشفة‭. ‬فهو‭ ‬شاعر‭ ‬من‭ ‬سلالة‭ ‬أهل‭ ‬خسارة،‭ ‬وابن‭ ‬وفي‭ ‬لريف‭ ‬المساكين،‭ ‬قرآنه‭ ‬عربي‭ ‬وفي‭ ‬قلبه‭ ‬زمنان‭ ‬غريبان‭ ‬يبتعدان‭ ‬ويقتربان‭: ‬غد‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الاعتذار‭ ‬وحاضر‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الانكسار،‭ ‬وماض‭ ‬يجر‭ ‬مراكب‭ ‬فرعون‭ ‬نحو‭ ‬الشمال،‭ ‬لكن‭ ‬المراكب‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬أوقاتها،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ -‬‭ ‬بعد‭-  ‬موعد‭ ‬للوصول،‭ ‬بل‭ ‬توجد‭ ‬سنونوة‭ ‬خائفة‭.‬

ويمضي‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬الشعري‭ ‬لأمل،‭ ‬فهو‭ ‬جنوبي‭ ‬يحمل‭ ‬تاريخه‭ ‬بيديه‭ ‬كحفنة‭ ‬قمح،‭ ‬ويمشي‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬واثقا‭ ‬من‭ ‬يسوع‭ ‬السنابل،‭ ‬مؤمنا‭ ‬بأن‭ ‬الحياة‭ ‬بديهية‭ ‬لا‭ ‬تفسرها‭ ‬الأساطير،‭ ‬وأن‭ ‬الحياة‭ ‬حقيقية‭ ‬جوهرها‭ ‬الخالص‭ ‬يزيف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلصق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬صفات‭.‬‭ ‬ويعبر‭ ‬الشاعر‭ ‬نهر‭ ‬الحياة‭ ‬لكي‭ ‬يقول‭ ‬لصاحبه‭ ‬عن‭ ‬رحلة‭ ‬العبور،‭ ‬إنه‭ ‬عبر‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الأخرى،‭ ‬فتجلى‭ ‬له‭ ‬الله‭ ‬حرية،‭ ‬وبلغ‭ ‬الرضا‭ ‬الباطنية‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬ولكنه‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الشعر‭ ‬لن‭ ‬يصلح‭ ‬ما‭ ‬أفسده‭ ‬الدهر‭ ‬أو‭ ‬الطغاة‭ ‬في‭ ‬القديم‭ ‬أو‭ ‬الحديث‭ ‬إلا‭ ‬بالحلم‭ ‬المستمر‭ ‬بالغد‭ ‬الذي‭ ‬يتسع‭ ‬اتساع‭ ‬الحلم‭ ‬والأرض‭ ‬الموعودة‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬المخيلة‭ ‬النازفة‭.‬هكذا‭ ‬يفارق‭ ‬الشاعر‭ ‬صاحبه‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الليل‭ ‬كي‭ ‬يذهب‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬الأخير،‭ ‬وهو‭ ‬بيت‭ ‬المجاز‭ ‬كي‭ ‬يظل‭ ‬غريبا‭ ‬كصاحبه‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ - ‬بدوره‭ - ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬غريبا،‭ ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يفرحه‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يجرحه،‭ ‬فحياتهما‭ ‬عبور‭ ‬مستمر‭ ‬على‭ ‬البرزخ،‭ ‬وحياتهما‭ ‬خروج‭ ‬مستمر‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬القبيلة،‭ ‬ومفارقة‭ ‬لها،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يثبت‭ ‬أنهما‭ ‬أحياء‭ ‬ولا‭ ‬شيء‭ ‬يثبت‭ ‬أنهما‭ ‬موتى،‭ ‬فحياتهما‭ ‬كالرغبة‭ ‬غير‭ ‬محققة،‭ ‬أو‭ ‬كالحلم‭ ‬الذي‭ ‬يظل‭ ‬حائرا‭ ‬وآسفا‭!‬

وأذكر‭ ‬أن‭ ‬وقع‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالذكرى‭ ‬العشرين‭ ‬لوفاة‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬الذي‭ ‬أقمناه‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬إلى‭ ‬21‭ ‬مايو‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقل‭ ‬نجاحاً‭ ‬عن‭ ‬الاحتفال‭ ‬بمرور‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬على‭ ‬وفاة‭ ‬صلاح‭ ‬عبدالصبور‭ ‬الذي‭ ‬أقامه‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للثقافة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬12‭ ‬إلى‭ ‬14‭ ‬نوفمبر‭ ‬سنة‭ ‬2001‭ ‬قبل‭ ‬احتفالية‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬بعامين،‭ ‬ومرت‭ ‬الأيام‭ ‬وقد‭ ‬فرغت‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬صدري‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬عن‭ ‬عبدالصبور،‭ ‬وكنت‭ ‬قد‭ ‬عقدت‭ ‬العزم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬كتباً‭ ‬ثلاثة‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬الشعر‭ ‬المصري‭ ‬الحر؛‭ ‬أكتب‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬عبدالصبور‭ ‬أولاً،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬أحمد‭ ‬حجازي‭ ‬ثانياً،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬دنقل‭ ‬ثالثاً‭.‬

 

رؤى‭ ‬حكيم‭ ‬محزون

لقد‭ ‬شفيت‭ ‬نفسي‭ ‬مما‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬عبدالصبور‭ ‬وجمعت‭ ‬أهمه‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬بعنوان‭ ‬ارؤى‭ ‬حكيم‭ ‬محزونب‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للكتاب‭ ‬هذ‭ ‬العام‭. ‬

أما‭ ‬أمل‭ ‬دنقل،‭ ‬فقد‭ ‬بدأت‭ ‬بالكتابة‭ ‬عنه‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬أقرب‭ ‬الناس‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭ ‬وإلى‭ ‬عمري،‭ ‬كانت‭ ‬بواكير‭ ‬تلك‭ ‬الكتابات‭ ‬منذ‭ ‬حوالي‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام،‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أنهي‭ ‬العمل‭ ‬إلا‭ ‬منذ‭ ‬شهرين‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬قليلاً،‭ ‬وكانت‭ ‬خطة‭ ‬كتابي‭ ‬عن‭ ‬أمل‭ ‬تتضمن‭ ‬دراسة‭ ‬موضوعية،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬بعدها‭ ‬ملاحق‭ ‬تتضمن‭ ‬ذكريات‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬ذاتية‭ ‬أولاً،‭ ‬ومراسلات‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬أصدقائه‭ ‬ثانياً،‭ ‬وما‭ ‬احتفظ‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬فوتوغرافية‭ ‬ثالثاً‭. ‬ولكني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتهيت‭ ‬من‭ ‬الدراسة‭ ‬الموضوعية‭ ‬وجدتها‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬ستمائة‭ ‬صفحة،‭ ‬ومن‭ ‬ثَم‭ ‬كانت‭ ‬إضافة‭ ‬الملاحق‭ ‬عليها‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬تضخم‭ ‬حجم‭ ‬الكتاب؛‭ ‬ولذلك‭ ‬استقر‭ ‬رأيي‭ ‬بمشاورة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬الملاحق‭ ‬إلى‭ ‬كتاب،‭ ‬وتولى‭ ‬الصديق‭ ‬أحمد‭ ‬اللباد‭ ‬إعداد‭ ‬الغلاف‭ ‬للكتاب‭ ‬الأول‭ ‬بعنوان‭ ‬اقصيدة‭ ‬الرفض‭ ‬ة‭ ‬قراءة‭ ‬في‭ ‬شعر‭ ‬أمل‭ ‬دنقلب،‭ ‬أما‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬فتولته‭ ‬الأخت‭ ‬العزيزة‭ ‬ميسون‭ ‬القاسمي‭ ‬وهو‭ ‬بعنوان‭ ‬اأمل‭ ‬دنقل‭... ‬ذكريات،‭ ‬وثائق،‭ ‬صورب‭. ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬أسجل‭ ‬شكري‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬إبداع‭ ‬اللباد،‭ ‬فإني‭ ‬أسجل‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭ ‬شكري‭ ‬العميق‭ ‬للصديقة‭ ‬العزيزة‭ ‬القاسمي‭ ‬التي‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني،‭ ‬فلها‭ ‬الشكر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فعلت‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يلاحظه‭ ‬القارئ‭ ‬حين‭ ‬يقرأ‭ ‬الكتاب‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يصدر‭ ‬قريباً‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬بتانة‭. ‬لكن‭ ‬التحية‭ ‬الأكبر‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لأمل‭ ‬دنقل‭ ‬الذي‭ ‬ترك‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أثراً‭ ‬لا‭ ‬يمحى،‭ ‬والذي‭ ‬لاأزال‭ ‬أذكره‭ ‬عندما‭ ‬أمر‭ ‬بموقف‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬تستلزم‭ ‬الرفض‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬الذي‭ ‬نعيشه‭. ‬رحمه‭ ‬الله،‭ ‬فهو‭ ‬الذي‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬نتسع‭ ‬بحدقات‭ ‬الأعين‭ ‬لنرى‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُرى،‭ ‬ونسمع‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يسمع،‭ ‬ممتلئين‭ ‬بشعره‭ ‬الذي‭ ‬يخاطب‭ ‬دائماً‭ ‬الأذن‭ ‬التي‭ ‬تسمع‭ ‬والعين‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬والوجدان‭ ‬الذي‭ ‬يشعر،‭ ‬والعقل‭ ‬الذي‭ ‬يعي‭, ‬ويزن‭ ‬الأحداث‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬يتخذها‭ ‬البشر‭ ‬الأحياء‭ ‬أو‭ ‬الأحياء‭ ‬الموتى‭ .