حسام محيي الدين الآلوسي... وسؤال الفلسفة

حسام محيي الدين الآلوسي... وسؤال الفلسفة

شهدت‭ ‬الأعوام‭ ‬الماضية‭ ‬رحيل‭ ‬علماء‭ ‬عرب‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬ميادين‭ ‬علمية‭ ‬عدة،‭ ‬شكّلت‭ ‬أطروحاتهم‭ ‬الفكرية‭/‬النقدية‭ ‬حول‭ ‬الاجتماع‭ ‬والدين‭ ‬والثقافة‭ ‬أرضية‭ ‬معرفية‭ ‬تحتاج‭ ‬قراءتها‭ ‬إلى‭ ‬فعل‭ ‬تأسيس‭.‬

في‭ ‬مرمى‭ ‬التحولات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وعلى‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬الذاكرة‭ ‬الجمعية‭ ‬العربية‭ ‬المثقلة‭ ‬بهواجس‭ ‬الماضي‭ ‬وتناسي‭ ‬النتاج‭ ‬الفكري‭ ‬لمبدعينا،‭ ‬أتت‭ ‬وفاة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العراقي‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ (‬1936-2013‭)‬،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬للمكتبة‭ ‬العربية‭ ‬مؤلفات‭ ‬فلسفية‭ ‬مهمة،‭ ‬لتطرح‭ ‬سؤالين‭ ‬إشكاليين‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬سد‭ ‬الفراغ‭ ‬المعرفي‭ ‬إثر‭ ‬غياب‭ ‬الجيل‭ ‬المؤسس؟‭ ‬وما‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬الفلسفة‭ ‬أم‭ ‬العلوم‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬وتحليل‭ ‬وتفكيك‭ ‬ومقاربة‭ ‬أزمات‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ماضيًا‭ ‬وحاضرًا؟

ليس‭ ‬الآلوسي،‭ ‬شيخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬المعاصر،‭ ‬وأحد‭ ‬أساطين‭ ‬فلاسفة‭ ‬الجيل‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الرافدين،‭ ‬كما‭ ‬يصفه‭ ‬معاصروه،‭ ‬عالمًا‭ ‬عاديًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬مدرسة‭ ‬ومنهج‭ ‬فلسفي‭. ‬أعماله‭ ‬على‭ ‬كثافتها‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الفلسفة،‭ ‬فكان‭ ‬له‭ ‬إبداعه‭ ‬محققًا‭ ‬وشاعرًا‭.‬

يمثل‭ ‬هذا‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العتيق‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬جرحنا‭ ‬الوجودي‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬القلق‭ ‬والانزياحات‭ ‬الكبرى‭ ‬بقعة‭ ‬ضوء‭ ‬تضيء‭ ‬عتمة‭ ‬الطريق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تهافت‭ ‬المتفيهقين‭ ‬ودعاة‭ ‬التفلسف‭. ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلخص‭ ‬هذه‭ ‬المقالة‭ ‬سيرة‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬الحياتية‭ ‬والعلمية‭ ‬لا‭ ‬نجرؤ‭ ‬على‭ ‬الادّعاء؟

 

من‭ ‬رحاب‭ ‬بغداد‭ ‬إلى‭ ‬العالم

دخل‭ ‬الآلوسي‭ ‬قسم‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1952‭ ‬وتخرج‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956‭. ‬تابع‭ ‬دراسته‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬كامبردج‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1965،‭ ‬حيث‭ ‬تخصص‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وكان‭ ‬عنوان‭ ‬أطروحته‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬أشرف‭ ‬عليها‭ ‬المستشرق‭ ‬الألماني‭ - ‬الإنجليزي‭ ‬إرفن‭ ‬روزنتال‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ (‬The Problem of Creation in Islamic Thought‭: ‬Quran‭, ‬Hadith‭, ‬Commentaries‭, ‬and Kalam‭). ‬وقد‭ ‬طُبعت‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬بنصها‭ ‬الإنجليزي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1968‭ ‬وطواها‭ ‬النسيان‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬أعوام‭ ‬طويلة،‭ ‬حتى‭ ‬أبصرت‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2008‭ (‬را‭: ‬الآلوسي،‭ ‬حسام‭ ‬الدين‭... ‬مشكلة‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭: ‬القرآن‭ - ‬الحديث‭ - ‬التفسير‭ - ‬علم‭ ‬التفسير،‭ ‬تعريب‭ ‬باسمة‭ ‬جاسم‭ ‬الشمري،‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة،‭ ‬2008‭). ‬لم‭ ‬يشأ‭ ‬الآلوسي‭ - ‬كما‭ ‬يؤكد‭ ‬أستاذ‭ ‬الفلسفة‭ ‬وتاريخها‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬المستنصرية‭ (‬العراق‭) ‬حسن‭ ‬مجيد‭ ‬العبيدي،‭ ‬الذي‭ ‬صادقه‭ ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬تجربته‭ ‬الفلسفية‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬ثلاثين‭ ‬عامًا‭ - ‬ترجمتها‭ ‬بنفسه‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬العربية‮»‬‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬خوفه‭ ‬أن‭ ‬يتهم‭ ‬بتهم‭ ‬شتى‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الفكرية‭ ‬والدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬زمانه‭. ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬عمل‭ ‬الآلوسي‭ ‬أستاذًا‭ ‬للفلسفة‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬بغداد‭ ‬وليبيا‭ ‬والكويت‭ ‬وصنعاء،‭ ‬وشغل‭ ‬منصب‭ ‬مستشار‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬المجلات‭ ‬العلمية‭.‬

 

فيلسوف‭ ‬ومحقق‭ ‬وشاعر

وضع‭ ‬حسام‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ ‬عشرات‭ ‬المؤلفات‭ ‬الفلسفية،‭ ‬وقام‭ ‬بتحقيق‭ ‬النصوص‭ ‬الفلسفية‭ ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬الأسرار‭ ‬الخفية‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬العقلية‮»‬،‭ ‬للعلاّمة‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬المطهر‭ ‬الحلي‭ (‬648‭ ‬هـ‭ - ‬726هـ‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬عمل‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬الدكتور‭ ‬صالح‭ ‬مهدي‭ ‬الهاشم‭ (‬ت‭ ‬2007‭). ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬الهم‭ ‬الفلسفي‭ ‬كانت‭ ‬له‭ ‬تجربة‭ ‬شعرية‭ ‬ضمنها‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬البوح‮»‬‭ (‬بغداد‭ - ‬2009‭).‬

من‭ ‬مؤلفاته‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭: ‬‮«‬حوار‭ ‬بين‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمتكلمين‮»‬‭ (‬1967‭) ‬‮«‬من‭ ‬الميثولوجيا‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‮»‬‭ (‬1973‭) ‬‮«‬الزمان‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬والفلسفي‭ ‬القديم‮»‬‭ (‬1980‭) ‬‮«‬دراسات‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ (‬1980‭) ‬‮«‬فلسفة‭ ‬الكندي،‭ ‬وآراء‭ ‬القدامى‭ ‬والمحدثين‭ ‬فيه‮»‬‭ (‬1985‭) ‬‮«‬التطور‭ ‬والنسبية‭ ‬في‭ ‬الأخلاق‮»‬‭ (‬1989‭) ‬‮«‬الفلسفة‭ ‬والإنسان‮»‬‭ (‬1990‭) ‬‮«‬الفلسفة‭ ‬اليونانية‭ ‬قبل‭ ‬أرسطو‮»‬‭ (‬1990‭) ‬‮«‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‮»‬‭ (‬2005‭) ‬‮«‬حول‭ ‬العقل‭ ‬والعقلانية‭ ‬العربية‭ ‬طبيعة‭ ‬ومستقبلاً‭ ‬وتناولاً‮»‬‭ (‬2005‭) ‬‮«‬ابن‭ ‬رشد،‭ ‬دراسة‭ ‬نقدية‮»‬‭ (‬2005‭) ‬‮«‬تقييم‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬ودوره‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقاده‭ ‬ومنتقديه‮»‬‭ (‬2007‭) ‬‮«‬الفن‭... ‬البعد‭ ‬الثالث‭ ‬لفهم‭ ‬الإنسان‮»‬‭ (‬2008‭) ‬‮«‬في‭ ‬الحرية‭... ‬مقاربات‭ ‬نظرية‭ ‬وتطبيقية‮»‬‭ (‬2010‭) ‬‮«‬نقد‭ ‬المناهج‭ ‬المعاصرة‭ ‬لدراسة‭ ‬التراث‭ ‬الفلسفي‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ (‬2011‭).‬

نشر‭ ‬الآلوسي‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬المؤلفات‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬في‭ ‬المجلات‭ ‬العلمية‭ ‬العراقية‭ ‬والعربية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭: ‬‮«‬البنية‭ ‬والعلاقة‮»‬‭ (‬المجلة‭ ‬الفلسفية‭ ‬العربية،‭ ‬الأردن،‭ ‬شتاء‭ ‬1990‭) ‬‮«‬الفلسفة‭ ‬والعلوم‭ ‬الأخرى‮»‬‭ (‬ضمن‭ ‬كتاب‭ ‬سلسلة‭ ‬المائدة‭ ‬المستديرة،‭ ‬بيت‭ ‬الحكمة،‭ ‬مارس‭ ‬1998‭) ‬‮«‬الأنسنة‭ ‬عند‭ ‬ابن‭ ‬رشد‮»‬‭ (‬مجلة‭ ‬مقابسات‭ ‬البغدادية،‭ ‬العدد‭ ‬الأول‭ ‬2005‭).‬

لدى‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬مخطوطات‭ ‬لم‭ ‬تنشر‭ ‬بعد،‭ ‬وكانت‭ ‬أمنيته،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬صديقه‭ ‬العبيدي‭ ‬‮«‬أن‭ ‬يرى‭ ‬أعماله‭ ‬الكاملة‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬حياته‮»‬‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬المخطوطة‭ ‬‮«‬موسوعة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬الكلامي‭ ‬منه‭ ‬والفلسفي‭ ‬حتى‭ ‬ابن‭ ‬رشد‮»‬،‭ ‬وتقع‭ ‬هذه‭ ‬الموسوعة‭ ‬في‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجزاء‭ ‬كبرى،‭ ‬و«بحوث‭ ‬نقدية‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬المنهج‭ ‬التكاملي‮»‬،‭ ‬و«مواجهات‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الوجود‭ ‬والمجتمع‭ ‬والأدب‮»‬،‭ ‬و«فلسفة‭ ‬التطور‮»‬،‭ ‬و«نظرية‭ ‬التطور‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬كُتبت‭ ‬عن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬جملة‭ ‬دراسات‭ ‬وأبحاث‭ ‬ورسائل‭ ‬جامعية،‭ ‬منها‭: ‬أطروحة‭ ‬حسين‭ ‬عبدالزهرة‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الفلسفية‭ ‬عند‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ (‬بيت‭ ‬الحكمة،‭ ‬بغداد‭ ‬2009‭), ‬وأطروحة‭ ‬صباح‭ ‬حمودي‭ ‬نصيف‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬العربي‭ ‬المعاصر،‭ ‬خصص‭ ‬فيها‭ ‬فصلاً‭ ‬عن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الآلوسي،‭ ‬وبحث‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬حسين‭ ‬الجابري‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أصالة‭ ‬التجربة‭ ‬الفلسفية‭ ‬عند‭ ‬الآلوسي‮»‬‭ (‬المجلة‭ ‬الفلسفية،‭ ‬عمان،‭ ‬الأردن‭)‬،‭ ‬وأعيد‭ ‬نشره‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬الجمعية‭ ‬الفلسفية‭ ‬المصرية‭ (‬العدد‭ ‬9،‭ ‬2004‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬العدد‭ ‬خصص‭ ‬محورًا‭ ‬من‭ ‬محاوره‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ببحثين‭ ‬آخرين،‭ ‬الأول‭ ‬للآلوسي‭ ‬نفسه،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬تجربته‭ ‬الفلسفة،‭ ‬والثاني‭ ‬بحث‭ ‬أحمد‭ ‬عبدالحليم‭ ‬عطية،‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬حسام‭ ‬الآلوسي‭.. ‬الرؤية‭ ‬والمنهج‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أعيد‭ ‬نشر‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬ضمن‭ ‬كتاب‭ ‬تذكاري‭ ‬حمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الآلوسي‭ ‬المفكر‭ ‬والإنسان‮»‬‭ (‬بيت‭ ‬الحكمة،‭ ‬بغداد،‭ ‬2011‭). (‬را‭: ‬العبيدي،‭ ‬حسن‭ ‬مجيد،‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العراقي‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ (‬1936-2013‭) ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬والمنهج‭).‬

في‭ ‬المنهج‭ ‬التكاملي‭ (‬التاريخي‭ ‬الجدلي‭) ‬حدد‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬منهجه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الخطوات‭ ‬الآتية‭: ‬أولاً،‭ ‬دراسة‭ ‬المعلومة‭ ‬بحسب‭ ‬منهجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬النص‭ ‬أو‭ ‬الموضوع‭ ‬بالأساس‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والمطروح‭ ‬العلمي‭ ‬والتراكم‭ ‬المعرفي،‭ ‬ثانيًا‭: ‬الالتفات‭ ‬إلى‭ ‬الكل‭ ‬أو‭ ‬البنية‭ ‬عند‭ ‬دراسة‭ ‬الجزء‭ ‬أو‭ ‬النظرية‭ ‬للشخص‭ ‬أو‭ ‬النص‭. ‬ثالثًا‭: ‬الحذر‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬الجزيئي،‭ ‬رابعًا‭: ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الانتقائي‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬المدروس‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬المدروس،‭ ‬والمقصود‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الواحد،‭ ‬بل‭ ‬المنظورات‭ ‬الفلسفية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬ما،‭ ‬خامسًا‭: ‬الجدلية،‭ ‬وهذا‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬نظرتنا‭ ‬إلى‭ ‬تراثنا‭ ‬الفلسفي‭ ‬الفكري،‭ ‬سادسًا‭: ‬التكاملية،‭ ‬وبعض‭ ‬عناصرها‭ ‬الاستعانة‭ ‬بكل‭ ‬العلوم،‭ ‬سابعًا‭: ‬التواصل،‭ ‬ضد‭ ‬الشوفينية‭ ‬مثل‭ ‬أكذوبة‭ ‬المعجزة‭ ‬اليونانية‭ ‬أو‭ ‬المغالاة‭ ‬في‭ ‬عقلنة‭ ‬الفلاسفة‭ ‬اليونان‭. (‬حسام‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي،‭ ‬تجربتي‭ ‬الفلسفية،‭ ‬جريدة‭ ‬الأديب،‭ ‬السنة‭ ‬الثانية،‭ ‬العدد‭ ‬75،‭ ‬8‭ ‬يونيو‭ ‬2005‭).‬

عرض‭ ‬الآلوسي‭ ‬منهجه‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬المنهج‭ ‬التكاملي‭: ‬التاريخي‭ ‬الجدلي‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬دراسات‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ (‬1980‭)‬‭ ‬وطبقه‭ ‬على‭ ‬بقية‭ ‬كتبه‭ ‬وأبحاثه،‭ ‬ولاسيما‭ ‬كتبه‭ ‬‮«‬الميثولوجيا‭ ‬إلى‭ ‬الفلسفة‮»‬،‭ ‬و«حوار‭ ‬بين‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمتكلمين‮»‬،‭ ‬و«الزمان‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬‭ ‬والفلسفي‮»‬‭. ‬ويمكن‭  ‬تحديد‭ ‬ملامح‭ ‬المنهج‭ ‬التكاملي‭ ‬عنده،‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬جملة‭ ‬ضوابط،‭ ‬هي‭: ‬أن‭ ‬التراث‭ ‬الفلسفي‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العلاقات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطبقات‭ (‬الفئات‭ ‬الاجتماعية‭) ‬ومستوى‭ ‬النضال‭ ‬الطبقي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬تطور‭ ‬العلوم،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬مع‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالتواصل‭ ‬الفلسفي‭ ‬والفكري،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالاحتياطي‭ ‬المتراكم‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬والمواد‭ ‬الفكرية،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬الخصائص‭ ‬القومية‭ ‬والوطنية‭ ‬للمجتمع‭. ‬وهذه‭ ‬الضوابط‭ ‬المنهجية‭ ‬بنظر‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الآلوسي‭ ‬تعدّ‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجال‭ ‬من‭ ‬مجالات‭ ‬العلوم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة،‭ ‬لأن‭ ‬الفلسفة‭ ‬وفق‭ ‬الآلوسي‭ ‬هي‭ ‬نظرة‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬نظام‭ ‬لأكثر‭ ‬المفاهيم‭ ‬شمولاً‭ ‬عن‭ ‬العالم،‭ ‬ولعلاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بهذا‭ ‬العالم،‭ ‬وتعبِّر‭ ‬عن‭ ‬الفئات‭ ‬والطبقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المعينة،‭ ‬وهي‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الوعي‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬مهمة‭ ‬التفكير‭ ‬الفلسفي‭ ‬عند‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الآلوسي‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬ليست‭ ‬معرفة‭ ‬الآراء‭ ‬فقط،‭ ‬ولا‭ ‬رصد‭ ‬الظاهر‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬معرفة‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬ظروفًا‭ ‬معينة‭ ‬تلد‭ ‬بالضرورة‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬الآراء‭. ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬نمضي‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬إلى‭ ‬الأفكار‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭. ‬أما‭ ‬المرجعيات‭ ‬التي‭ ‬استقى‭ ‬منها‭ ‬الآلوسي‭ ‬ملامح‭ ‬منهجه‭ ‬هذا‭ ‬وحدد‭ ‬منطقه‭ ‬وتطبيقاته‭ ‬على‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬عمومًا‭ ‬والإسلامي‭ ‬خصوصًا،‭ ‬فهي‭ ‬مؤلفات‭ ‬كيللي‭ ‬وكوفالزون،‭ ‬المادية‭ ‬التاريخية،‭ ‬وكورنفورث،‭ ‬العلم‭ ‬ضد‭ ‬المثالية،‭ ‬ويوفتشول،‭ ‬موجز‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة،‭ ‬وبيوري،‭ ‬حرية‭ ‬الفكر،‭ ‬وجون‭ ‬لويسو‭ ‬المدخل‭ ‬إلى‭ ‬الفسلفة،‭ ‬وفرديريك‭ ‬إنغلز،‭ ‬الاشتراكية‭ ‬الطوباوية‭ ‬والاشتراكية‭ ‬العلمية،‭ ‬وغيرها،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الآلوسي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬تبنى‭ ‬مصادر‭ ‬المنهج‭ ‬المادي‭ ‬التاريخي‭ ‬الجدلي‭ ‬الكلاسيكية،‭ ‬مع‭ ‬تطوير‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬عبر‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬حقل‭ ‬الفلسفة‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭. (‬را‭: ‬العبيدي،‭ ‬حسن‭ ‬مجيد،‭ ‬الفيلسوف‭ ‬العراقي‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ (‬1936-2013‭) ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬السيرة‭ ‬والمنهج‭).‬

 

لمحات‭ ‬خاطفة‭ ‬من‭ ‬فلسفة‭ ‬الآلوسي

يُعد‭ ‬كتاب‭ ‬الآلوسي‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬بين‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمتكلمين‮»‬‭ ‬أول‭ ‬بداية‭ ‬فلسفية‭ ‬محكمة‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬للفيلسوف‭ ‬العراقي،‭ ‬عالج‭ ‬فيه‭ ‬موضوعات‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإلهية‭ ‬والميتافيزيقية‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعمق‭ ‬المشكلات‭ ‬الفلسفية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفلسفة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬فعرض‭ ‬فيه‭ ‬لآراء‭ ‬الفلاسفة‭ ‬واللاهوتيين،‭ ‬ولاسيما‭ ‬آراء‭ ‬أرسطو‭ ‬والمدرسة‭ ‬الفيضية‭ ‬الإسلامية‭ ‬وموقف‭ ‬المتكلمين‭ ‬من‭ ‬مشكلة‭ ‬الوجود‭ ‬ونقد‭ ‬الغزالي‭ ‬للفلاسفة‭ ‬وردود‭ ‬ابن‭ ‬رشد‭. (‬العبيدي،‭ ‬حسن‭ ‬مجيد،‭ ‬شيخ‭ ‬فلاسفة‭ ‬العراق‭ ‬المعاصرين‭ ‬وعميدهم‭ ‬حسام‭ ‬الآلوسي،‭ ‬موقع‭ ‬كتابات،‭ ‬12‭ ‬أكتوبر‭ ‬2013‭).‬

اهتمام‭ ‬الآلوسي‭ ‬بالفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬الوسيط،‭ ‬لم‭ ‬يمنعه‭ ‬من‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬والفلسفة‭ ‬في‭ ‬الغرب،‭ ‬وقد‭ ‬اطلع‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬النظريات‭ ‬العلمية‭ ‬والفلسفية‭ ‬كالداروينية‭ ‬والمادية‭ ‬الجدلية‭ ‬والتاريخية‭ ‬لدى‭ ‬الماركسيين‭. ‬آمن‭ ‬عميد‭ ‬فلاسفة‭ ‬العراق‭ ‬بدور‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬العلم،‭ ‬فـ«الرؤية‭ ‬العلمية‭ ‬الجزئية‭ ‬لا‭ ‬تفيد‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬الظاهرة‭ ‬بنيويًا‭ ‬وكليًا‭... ‬لهذا‭ ‬نجده‭ ‬يصرح‭ ‬بأن‭ ‬رؤية‭ ‬الجزء‭ ‬من‭ ‬الظاهرة‭ ‬فقط‭ ‬لا‭ ‬تفسر‭ ‬حتى‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬ولا‭ ‬المعرفة‭ ‬به،‭ ‬إن‭ ‬معرفة‭ ‬الجزء‭ ‬إنما‭ ‬تستمد‭ ‬قيمتها‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬الكل‭... ‬إذن،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتفي‭ ‬الإنسان‭ ‬برؤية‭ ‬الكون‭ ‬ونفسه‭ ‬والمجتمع‭ ‬بعين‭ ‬العالم‭ ‬فقط،‭ ‬وما‭ ‬يمتلكه‭ ‬من‭ ‬معرفة‭ ‬علمية‭ ‬متخصصة‭ ‬في‭ ‬مجاله،‭ ‬وهنا‭ ‬تظهر‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الفيلسوف‭ ‬ودور‭ ‬الفلسفة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ينتجه‭ ‬العلم،‭ ‬وكيف‭ ‬تقدم‭ ‬للعلم‭ ‬المنهج‭ ‬الأمثل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الكلية؟‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬العلوم‭ ‬معنية‭ ‬بالجزئيات،‭ ‬وبأشياء‭ ‬مخصوصة،‭ ‬تدرس‭ ‬وقائع‭ ‬محددة،‭ ‬وفق‭ ‬كل‭ ‬علم،‭ ‬بينما‭ ‬رؤية‭ ‬الأشياء‭ ‬بكليتها‭ ‬ومنطقها‭ ‬وأبعادها‭ ‬المعرفية‭ ‬والكونية‭ ‬والقيمية،‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬مهمات‭ ‬الفلسفة‮»‬‭. (‬الآلوسي،‭ ‬راجح‭ ‬جمال‭ ‬الدين،‭ ‬تكامل‭ ‬الفلسفة‭ ‬والعلم،‭ ‬ملحق‭ ‬جريدة‭ ‬المدى‭ ‬العراقية،‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭ ‬2013‭).‬

نادى‭ ‬الآلوسي‭ ‬بالعلاقة‭ ‬التواصلية‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التواصل‭ ‬الفلسفي‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الفكرين‭ ‬الإسلامي‭ ‬والغربي‭ ‬التي‭ ‬ضمنها‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الزمان‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الديني‭ ‬والفلسفي‭ ‬وفلسفة‭ ‬العلم‮»‬‭. ‬آمن‭ ‬بمفهوم‭ ‬التقدم‭ ‬‮«‬الخطي‮»‬‭ ‬للإنسانية،‭ ‬وعارض‭ ‬مقولة‭ ‬المركزية‭ ‬الأوربية،‭ ‬وأن‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭ ‬لم‭ ‬ينطو‭ ‬على‭ ‬فكر‭ ‬فلسفي‭ ‬أصيل،‭ ‬وأن‭ ‬قيمته‭ ‬تتركز‭ ‬في‭ ‬حفظه‭ ‬للفلسفة‭ ‬اليونانية‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الوسيط‭. ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي‭ ‬الحديث‭ ‬والفكر‭ ‬المسيحي‭ ‬الوسيط‭ ‬أخذ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التصورات‭ ‬الفلسفية‭ ‬عن‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الزمان‭ ‬وأدلة‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬وقدم‭ ‬العالم‭. ‬يقول‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه‭ ‬المذكور‭ ‬‮«‬فكرت‭ ‬طويلاً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التماثل‭ ‬الكامل‭ ‬للفكر‭ ‬القديم‭ ‬حول‭ ‬الزمان،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬مشكلته‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بتناهيه‭ ‬أو‭ ‬لاتناهيه،‭ ‬وبقدر‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعلاقة‭ ‬الزمان‭ ‬بالله،‭ ‬وبأهمية‭ ‬رأي‭ ‬وحجة‭ ‬أوغسطين‭ ‬في‭ ‬تصور‭ ‬الزمان‭ ‬التي‭ ‬ستكون‭ ‬مفتاح‭ ‬التصور‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الناظرين‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬المحدثين‭. ‬أقول‭ ‬نظرت‭ ‬وفكرت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التماثل‭ ‬الصارخ،‭ ‬فوجدت‭ ‬أن‭ ‬الهوّة‭ ‬مازالت‭ ‬كبيرة‭ ‬تاريخيًا‭ ‬بين‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬القديم‭ ‬والوسيط‭ ‬وبين‭ ‬الفكر‭ ‬الحديث‭ ‬منذ‭ ‬ديكارت‭ ‬وليبنتز‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬وأعني‭ ‬بالضبط،‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬توجه‭ ‬عناية‭ ‬كافية‭ ‬لدراسة‭ ‬أثر‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬الوسيط‭ ‬وعلى‭ ‬الأخص‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬الحديثة‭.‬

قدَّم‭ ‬الآلوسي‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬أطروحات‭ ‬المفكرين‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬عاصرهم،‭ ‬بينهم‭ ‬حسن‭ ‬حنفي‭ ‬ومحمد‭ ‬عابد‭ ‬الجابري‭ ‬وصادق‭ ‬جلال‭ ‬العظم‭ ‬وحسين‭ ‬مروة‭ ‬وطيب‭ ‬تيزيني‭ ‬وغيرهم‭. ‬أخذ‭ ‬على‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬النزعات‭ ‬المادية‭ ‬في‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإسلامية‮»‬‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ - ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬المنهج‭ ‬الماركسي،‭ ‬وقال‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقابلات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬معه‭ ‬إن‭ ‬كتاب‭ ‬مروة‭ ‬‮«‬فيه‭ ‬مادة‭ ‬لو‭ ‬تعزل‭ ‬الأدلجة‭ ‬والتوفيق‭ ‬يبقى،‭ ‬كتاب‭ ‬جيد‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المصادر،‭ ‬والمراجع‮»‬‭.‬

انتقد‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬أيضًا‭ ‬أيديولوجيات‭ ‬النهايات،‭ ‬معتبرًا‭ ‬أن‭ ‬التاريخ‭ ‬يتقدم‭ ‬ويتغير‭ ‬ولا‭ ‬يقف‭ ‬عند‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬تبشر‭ ‬بوجود‭ ‬أنموذج‭ ‬واحد،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬رفض‭ ‬نظرية‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬عند‭ ‬فرنسيس‭ ‬فوكوياما‭ ‬التي‭ ‬قصد‭ ‬بها‭ ‬إعلاء‭ ‬النظام‭ ‬الرأسمالي‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالذات،‭ ‬وحتى‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬عند‭ ‬هيغل‭ - ‬كما‭ ‬يقول‭ - ‬تتعلق‭ ‬بـ«الدولة‭ ‬البروسية‮»‬،‭ ‬‮«‬وهذه‭ ‬أدلجة،‭ ‬وليست‭ ‬رؤية‭ ‬علمية،‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يقولوا‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬مذهبًا‭ ‬معينًا،‭ ‬أو‭ ‬دولة‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬نظامًا‭ ‬معينًا‮»‬‭. (‬را‭: ‬موقع‭ ‬الحوار‭ ‬المتمدن،‭ ‬حوار‭ ‬الآلوسي‭ ‬مع‭ ‬سعدون‭ ‬هليل‭).‬

 

سجال‭ ‬العقل

لم‭ ‬تلق‭ ‬أطروحة‭ ‬الآلوسي‭ ‬‮«‬مشكلة‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‮»‬‭ ‬الاهتمام‭ ‬الكافي‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الأكاديمي‭ ‬والإعلامي،‭ ‬وقد‭ ‬تناولت‭ ‬فكرة‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬والحديث‭ ‬الشريف‭ ‬والتفاسير‭ ‬ومقارنة‭ ‬الآراء‭.‬

ونظرًا‭ ‬لأهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬أطروحة‭ ‬دكتوراه‭ ‬نالها‭ ‬الآلوسي‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬كامبردج‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1956‭ ‬كما‭ ‬أشرنا‭ ‬سابقًا،‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬الإضاءة‭ ‬الموجزة‭ ‬على‭ ‬مضمونها‭. ‬استعرض‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬رأي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬في‭ ‬الخلق‭ ‬ومعنى‭ ‬كلمة‭ ‬خلق‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمة،‭ ‬وبيّن‭ ‬مصطلحات‭ ‬الخلق‭ ‬ومفرداته‭ ‬بكل‭ ‬معانيها‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬العزيز،‭ ‬وكذلك‭ ‬تقدُّم‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬وفقًا‭ ‬لآراء‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمتكلمين‭. ‬تناول‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬صدور‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬الله،‭ ‬وطريقة‭ ‬تعامل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬مع‭ ‬مسائل‭ ‬الخلق‭ ‬والعدم،‭ ‬وهل‭ ‬قال‭ ‬القرآن‭ ‬بها‭ ‬أم‭ ‬لا؟‭ ‬ثم‭ ‬استعرض‭ ‬مملكة‭ ‬الكون‭ ‬وتنزيه‭ ‬الله‭ ‬عن‭ ‬الخلق‭ ‬المادي‭ ‬وخلق‭ ‬الكون‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬خلق‭ ‬السماوات‭ ‬السبع‭ ‬والخلق‭ ‬الزماني،‭ ‬لينتهي‭ ‬إلى‭ ‬مجمل‭ ‬الخلق‭ ‬وهو‭ ‬الغاية‭ ‬منه،‭ ‬وخلص‭ ‬بخلاف‭ ‬الأغلبية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬خلق‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬مادة،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬المتكلمون‭ ‬والمفسرون‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬خلق‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬هو‭ ‬اجتهاد‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭. ‬وتناول‭ ‬فكرة‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف،‭ ‬وبدأ‭ ‬بتعريف‭ ‬الحديث‭ ‬لغة‭ ‬واصطلاحًا‭ ‬ومكانته‭ ‬عند‭ ‬المسلمين‭ ‬وبيان‭ ‬أنواعه،‭ ‬ويستعرض‭ ‬مجموعة‭ ‬أحاديث‭ ‬نبوية‭ ‬في‭ ‬الخلق،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬نجد‭ ‬عشرة‭ ‬أحاديث‭ ‬تركزت‭ ‬على‭ ‬كيفية‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬قبل‭ ‬خلق‭ ‬العالم‭ ‬وخلق‭ ‬الأرض،‭ ‬ليدخل‭ ‬إلى‭ ‬أهم‭ ‬الفصول‭ ‬التي‭ ‬قارنت‭ ‬وقاربت‭ ‬النصوص‭ ‬اليهودية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬أخذ‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬التوراة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬تشابه‭ ‬كبير،‭ ‬لأن‭ ‬القرآن‭ ‬والتوراة‭ ‬منزلان‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله،‭ ‬فلا‭ ‬يعجز‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬ينزل‭ ‬كتابًا‭ ‬على‭ ‬رسوله‭ ‬الذي‭ ‬اصطفاه‭.‬‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الثاني‭ ‬تناول‭ ‬المؤلف‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬وفيه‭ ‬رأي‭ ‬المعتزلة‭ ‬كاملاً‭ ‬حول‭ ‬مسألة‭ ‬الخلق‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬موضحًا‭ ‬أن‭ ‬المعتزلة‭ ‬مخلصون‭ ‬للخلق‭ ‬من‭ ‬عدم،‭ ‬والتوحيد،‭ ‬بخلاف‭ ‬جميع‭ ‬الباحثين،‭ ‬قدامى‭ ‬ومحدثين،‭ ‬الذين‭ ‬اتهموهم‭ ‬بالقول‭ ‬بقدم‭ ‬العالم‭. ‬كما‭ ‬حلل‭ ‬مسألة‭ ‬صفة‭ ‬الإرادة‭ ‬والفاعل،‭ ‬والتأكيد‭ ‬هنا‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬المعتزلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأشاعرة،‭ ‬كما‭ ‬أخذ‭ ‬بمدارس‭ ‬الكلام‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬العالم،‭ ‬وهي‭ ‬مدرسة‭ ‬الخلق‭ ‬المستمر‭ ‬عند‭ ‬المعتزلة‭ ‬ومدرسة‭ ‬الخلق‭ ‬المتجدد‭ ‬عند‭ ‬الأشاعرة،‭ ‬متحققًا‭ ‬من‭ ‬إشكالية‭: ‬هل‭ ‬الخلق‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬أم‭ ‬بتدرج؟‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قارب‭ ‬الأدلة‭ ‬الكلامية‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬المتكلمون‭ ‬حول‭ ‬إثبات‭ ‬وجود‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬وقِدم‭ ‬العالم‭ ‬وحدوثه‭ ‬وقدم‭ ‬المادة‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي‭. (‬را‭: ‬الآلوسي،‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين،‭ ‬مشكلة‭ ‬الخلق‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ص21‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭).‬

 

الفلسفة‭ ‬شعرًا‭: ‬الغربة‭... ‬الوطن‭... ‬الموت

في‭ ‬ديوانه‭ ‬‮«‬زمن‭ ‬البوح‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬قصائد‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬كتابتها‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات،‭ ‬يكشف‭ ‬لنا‭ ‬الآلوسي‭ ‬عن‭ ‬شعرية‭ ‬فلسفية‭ ‬وتجربة‭ ‬حياة‭ ‬ومعاناة‭ ‬وطن‭ ‬ووجدانيات‭. ‬كتب‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إنني‭ ‬في‭ ‬شعري،‭ ‬أعبِّر‭ ‬عن‭ ‬نفسي،‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وواضح‭ ‬وأكثر‭ ‬شفافية‭... ‬وهذه‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬أقدم‭ ‬لها،‭ ‬تعبّر‭ ‬عنّي‭ ‬منذ‭ ‬صباي،‭ ‬وإلى‭ ‬الآن،‭ ‬وجدانيًا‭ ‬وفكريًا،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬منحى‭ ‬وناحية،‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬والشعور‭ ‬والعاطفة‭ ‬والموقف،‭ ‬نعم‭ ‬الموقف‭... ‬وهنا‭ ‬أحب‭ ‬أن‭ ‬أسجل‭ ‬لقضية‭ ‬تطبع‭ ‬شعري‭ ‬وقصائدي،‭ ‬هي‭ ‬أنها‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬موقف‭ ‬وجداني‭ ‬وانفعالي‭ ‬عاطفي‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬الوطن‭ ‬أو‭ ‬الأهل،‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬أو‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬المعاناة‭ ‬الفكرية،‭ ‬تبقى‭ ‬واضحة‭ ‬بيّنة،‭ ‬تتوسع‭ ‬أحيانًا،‭ ‬بحيث‭ ‬تكاد‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬براءة‭ ‬الشعر،‭ ‬وطفولته،‭ ‬ومباشرته‭ ‬وانفعالاته‭ ‬الوجدانية‮»‬‭.‬

إن‭ ‬عدد‭ ‬قصائد‭ ‬الآلوسي‭ ‬المنشورة‭ ‬في‭ ‬ديوانه‭ ‬هو‭ ‬244‭ ‬قصيدة‭ ‬مختلفة‭ ‬الطول‭ ‬والبحر‭ ‬والموضوع،‭ ‬غطت‭ ‬740‭ ‬صفحة‭. ‬يبدو‭ ‬شديد‭ ‬الانشغال‭ ‬بتأملاته‭ ‬حول‭ ‬الموت‭ ‬والمصير‭ ‬ونهاية‭ ‬الأشياء‭. ‬من‭ ‬عناوين‭ ‬قصائده‭ ‬في‭ ‬الموت‭: ‬‮«‬موَّتك‭ ‬الموت‮»‬،‭ ‬‮«‬المفكر‭ ‬والموت‮»‬،‭ ‬‮«‬الموت‭ ‬خارج‭ ‬الوطن‮»‬،‭ ‬‮«‬صراع‭ ‬الأحياء‭ ‬أو‭ ‬تعانق‭ ‬الموت‭ ‬والحياة‮»‬،‭ ‬‮«‬الميت‭ ‬الحي‮»‬،‭ ‬‮«‬رقي‭ ‬للموت‭ ‬وأغنيات‭ ‬للحياة‮»‬،‭ ‬‮«‬في‭ ‬حضرة‭ ‬اقتراب‭ ‬الموت‮»‬‭. (‬را‭: ‬الجابري،‭ ‬علي‭ ‬حسين‭: ‬حسام‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ ‬ولعبة‭ ‬الهروب‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬بالخلود،‭ ‬صحيفة‭ ‬الزمان،‭ ‬18‭ ‬نوفمبر‭ ‬2013‭).‬

لم‭ ‬تعبِّر‭ ‬قصائد‭ ‬الآلوسي‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬الخلود‭ ‬والموت‭ ‬فقط،‭ ‬إذ‭ ‬حملت‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬المآسي‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬بلاده،‭ ‬نقتبس‭ ‬جزءًا‭ ‬منها‭:‬

‮«‬يا‭ ‬غائبين‭ ‬وعن‭ ‬بُعد‭ ‬أشاهدهم

أنتم‭ ‬معي‭ ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬قلبي‭ ‬الصادي

أقمتُ‭ ‬في‭ ‬وحدتي‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬معبدكم

إليه‭ ‬أرفع‭ ‬أذكاري‭ ‬وأورادي

يا‭ ‬حادي‭ ‬الركب‭ ‬حدّثني‭ ‬بلا‭ ‬ملل‭ ‬عنهم

ففي‭ ‬ذاك‭ ‬إيناسي‭ ‬وإسعادي‮»‬

من‭ ‬جملة‭ ‬القصائد‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬الآلوسي‭ ‬الفيلسوف‭ ‬والشاعر‭ ‬نورد‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ (‬ملحق‭ ‬جريدة‭ ‬المدى‭ ‬العراقية‭ ‬‮«‬23‭/‬10‭/‬2013‮»‬‭):‬

نخلةُ‭ ‬العراقِ

كلُّ‭ ‬نخلة‭ ‬هي‭ ‬ملكُ‭ ‬العراقِ

هي‭ ‬ملكي،‭ ‬هي‭ ‬ملكٌ‭ ‬لشعبِ‭ ‬العراقِ

كلُّ‭ ‬نخلةٍ‭ ‬في‭ ‬الجنوبِ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الوسطِ

هي‭ ‬أم‭ ‬العراق

وفي‭ ‬أي‭ ‬وادٍ‭ ‬بكردستان‭ ‬عبر‭ ‬شمال‭ ‬العراقِ

هي‭ ‬رمزٌ‭ ‬لمن‭ ‬سكنوا،‭ ‬يسكنون‭ ‬العراقَ

لوحدةِ‭ ‬شعبٍ‭ ‬بكل‭ ‬دماءِ‭ ‬بنيه‭ ‬اختلط

‭***‬

كلُّ‭ ‬نخلةٍِ

هي‭ ‬تأريخُنا‭ ‬هي‭ ‬تاريخ‭ ‬كل‭ ‬البشرِ

هي‭ ‬بدء‭ ‬المسيرةِ‭ ‬بدء‭ ‬الحضارة‭ ‬وبدء‭ ‬الصعودِ

لكلِّ‭ ‬البشرِ

فمن‭ ‬سعفِها‭ ‬ساقها،

أوقد‭ ‬ابن‭ ‬العراقيين‭ ‬نارًا

على‭ ‬ضوئها‭ ‬طارد‭ ‬الجهل

قال‭ ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬الدرب

مفترق‭ ‬الدربِ‭ ‬نحو‭ ‬التحضر

بدء‭ ‬الكتابة‭ ‬طقوس‭ ‬التواصل‭ ‬وضع‭ ‬الحروف

ابتداء‭ ‬التمدّن‭ ‬رصف‭ ‬الشوارعِ،‭ ‬وضع‭ ‬التقاويم،

سر‭ ‬الخسوف‭ ‬وسر‭ ‬الكسوف

ومن‭ ‬ساقها‭ ‬خيشها،‭ ‬سعفها

صنعوا‭ ‬زورقًا،‭ ‬عبروا‭ ‬الشاطئين

وفي‭ ‬فيئها‭ ‬ابتكروا،‭ ‬دجّنوا،‭ ‬عرشوا،‭ ‬خضعوا

أعمروا‭ ‬الشاطئين

أقاموا‭ ‬الصناعات

أتقنوا‭ ‬مهنةَ‭ ‬السلمِ‭ ‬والحربِ

زرعوا‭ ‬السهولَ‭ ‬ووضع‭ ‬السدودِ

بناء‭ ‬الجيوشِ‭ ‬وصنع‭ ‬السيوفِ‭.‬

 

زمن‭ ‬الآلوسي‭... ‬وأزمنة‭ ‬العرب

عاصر‭ ‬الآلوسي‭ ‬في‭ ‬أعوامه‭ ‬السبعة‭ ‬والسبعين‭ ‬أبرز‭ ‬المتغيرات‭ ‬التاريخية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬فيلسوفنا‭ ‬المخضرم‭ ‬كان‭ ‬شاهدًا‭ ‬على‭ ‬الحراك‭ ‬العربي‭ ‬وعلى‭ ‬مقاتل‭ ‬العرب‭ ‬ونكستهم‭ ‬ونكبتهم‭ ‬وآمالهم‭ ‬ومآسيهم‭ ‬وتطلعاتهم‭ ‬واضطراباتهم‭ ‬وقلقهم‭.‬

مع‭ ‬غياب‭ ‬هذه‭ ‬القامة‭ ‬الفلسفية‭ ‬الكبيرة‭ ‬نستعيد‭ ‬أحد‭ ‬الأسئلة‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬المقال‭: ‬ما‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تضطلع‭ ‬به‭ ‬الفلسفية‭ (‬أمُّ‭ ‬العلوم‭) ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬وتحليل‭ ‬وتفكيك‭ ‬ومقاربة‭ ‬أزمات‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬ماضيًا‭ ‬وحاضرًا؟‭ ‬نترك‭ ‬باب‭ ‬الإجابة‭ ‬مفتوحًا‭ ‬علّنا‭ ‬نتدارك‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬قادمة‭ ‬وعينا‭ ‬لذاتنا‭ ‬وماضينا‭ ‬ومستقبلنا‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الإرث‭ ‬الفلسفي‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬تركه‭ ‬عميد‭ ‬فلاسفة‭ ‬العراق‭ ‬حسام‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬الآلوسي‭ ‬وأبناء‭ ‬جيله‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬العرب‭ ‬النقديين‭ ‬المؤسسين‭ .