أحدث تقنية للسرد التاريخي: المزج بين الإيحاء والملموس في وادي الملوك

أحدث تقنية للسرد التاريخي: المزج بين الإيحاء والملموس في وادي الملوك

يشهد البر الغربي من الأقصر الآن واحدة من أحدث التقنيات التي تصنع وجوداً وهمياً لعالم آثار مات منذ 70 عاماً، يتم فيها المزج بين الإيحاء والملموس، وتعرض التجربة المثيرة داخل مكتب «كارتر» مكتشف مقبرة الملك توت عنخ آمون تحت اسم «برنامج الشبح»، يظهر فيها شبح كارتر ليحكي أمام الزائرين حكايته مع الملك الذهبي وتفاصيل ليلة اكتشاف المقبرة مساء التاسع من نوفمبر سنة 1922.

في البر الغربي للأقصر سمعت صوتاً يتردد صداه يمزق السكون الذي ينتشر في أودية البر الغربي... كان الصوت هذه المرة يتكلم بالإنجليزية، وقبل أن تتسلل المخاوف إلى أوصالنا اقترب مني م.مصطفى الوزيري، مدير آثار البر الغربي، هامساً: إنه صوت المهندس الإنجليزي كارتر الذي اكتشف مقبرة توت عنخ آمون.
< قلت: ولكنه مات منذ ما يقرب من سبعين عاماً.
< أجاب: نعم... ولكنه يظهر كل يوم بمكتبه في بيته بالبر الغربي, ويحكي بالتفصيل حكايته مع توت عنخ آمون!
وطلب مني مصاحبته إلى حيث بيت كارتر للالتقاء به وتصويره خلال حديثه مع الزوار من السائحين.
كانت نسمات المساء تهبُّ علينا مع اقتراب غروب الشمس في البر الغربي خلف جباله العملاقة... إنها لحظات تصيب الإنسان برعشات من الخوف، وزادت مخاوفنا عندما اقتربنا من بيت كارتر، وتجمعت في وجداننا كل القصص والحكاوي عن كارتر وما أصابه من لعنة بعد أن امتدت يده لتفتح مقبرة الفرعون الصغير توت عنخ آمون، وتوفي معه وبعده عشرات من البشر أصابتهم جميعاً لعنات غامضة لأنهم جميعاً لم يحترموا التحذيرات التي وجدت في المقبرة الملكية للفرعون الذهبي، فقد وجد على الأبواب عبارة تقول «سوف يطوي الموت بجناحيه كل من يقلق الملك»، وعُثر على تحذير آخر منقوش على ظهر تمثال يقول «أنا الذي أطرد لصوص المقبرة وألقي بهم في جهنم هذه الصحراء... إنني حامي توت عنخ آمون».
لقد مات اللورد الإنجليزي كارنارفون ممول الاكتشاف عندما جرح ذقنه أثناء حلاقتها وأصابها التلوث ومات على الفور، وماتت زوجته بعد أن لدغتها حشرة غريبة، أما سكرتير كارتر فقد توفي في اليوم نفسه، وعندما علم والده بأنه مات قفز من الدور السابع ومات على الفور، وأثناء سير الجنازة تسلل طفل صغير بين أقدام المشيِّعين، فداسوه ومات هو الآخر.

الملك ينتقم
تقول التقارير التاريخية التي أعقبت فتح مقبرة توت عنخ آمون، التي رصدت ما حدث لكل من دخل المقبرة الملكية عقب افتتاحها «فُتِح القبر في التاسع والعشرين من نوفمبر 1922، اللورد كارنارفون، هو الداعم المالي لفريق التنقيب وقد كان حاضراً أثناء فتح القبر, توفي في 5 أبريل 1923, بعد أن لدغته بعوضة فأصابته بالعدوى, وذلك بعد فتح القبر بـ 4 أشهر و7 أيام. وتوفي في الريفيرا الفرنسية يوم 16 مايو 1923 مستر جورج جولد بعد أن أصابته حمى بعد زيارته للقبر. وتوفي الأمير المصري علي كامل فهمي في 10 يوليو 1923 قتلاً بالرصاص من قِبل زوجته. أما العقيد المحترم أوبري هربرت, عضو البرلمان, وهو أخ كارنارفون غير الشقيق, فقد أصبح أعمى تماماً وتوفي في الـ26 من سبتمبر عام 1923, وذلك بسبب تسمم في الدم عن طريق عملية أسنان تهدف إلى استعادة بصره. وقتل ولف جويل, وهو مليونير وزائر للقبر من جنوب إفريقيا, بالرصاص في جوهانسبرج بتاريخ 13 نوفمبر 1923, قتله المبتز بارون كورت فون فلتايم الذي كان اسمه الحقيقي كارل فريدريك موريتز كرتزي. وبسبب لعنة الفراعنة توفي السير أرشيبالد دوجلاس ريد، وهو الطبيب الذي قام بعمل الأشعة السينية لـ«مومياء توت عنخ آمون»، في 15 يناير، 1924 بمرض غامض. وتوفي السير لي ستاك، الحاكم العام للسودان، في 19 نوفمبر 1924, اغتيل أثناء القيادة في القاهرة. أما آرثر كراتندن ميس, وهو عضو في فريق كارتر للتنقيب, فقد توفي عام 1928 م بسبب تسمم الزرنيخ. وكذلك المحترم ميرفين هربرت, وهو الأخ غير الشقيق لـ«كارنارفون» والأخ الشقيق للسابق ذكره أوبري هربرت, توفي في 25 مايو 1929, حسب ما جاء في التقارير بسبب «ملاريا الالتهاب الرئوي» وأصابته اللعنة. القائد المحترم ريتشارد بيثل، السكرتير الشخصي لـ«كارتر»، توفي في 15 نوفمبر 1929 بعد العثور عليه مخنوقاً في سريره. أما ريتشارد لتشرال بيلكنتون باثال, البارون الثالث لمدينة ويستبري, وهو والد من ورد ذكره بالأعلى, فقد توفي في 20 فبراير 1930, ويفترض أنه ألقى نفسه من شقته الكائنة بالطابق السابع. فتح هوارد كارتر مقبرة في 16 فبراير 1923، وأصيب بمرض السرطان الليمفاوي وظل يعاني سنوات، وتوفي في وقت لاحق بعد أكثر من عقد في يوم الثاني من مارس 1939، ومع ذلك لايزال البعض يوعز سبب وفاته إلى لعنة.
كل هذه المخاوف... وكل هذه اللعنات أحاطت بنا ونحن في الطريق إلى حيث نلتقي بشبح كارتر نفسه!
وفوق ربوة عالية على مدخل الطريق إلى وادي الملوك بدت استراحة كارتر التي أنشئت عام 1907 بـأساسات من الحجر وحوائط حاملة من الطوب اللبن والأسقف المصممة ضد القوارض، وتعلو البيت قبة بارتفاع 8 أمتار، وكان المبنى قد وصلت حالته بعد أن غادره كارتر إلى ما يشبه الأطلال ولكن تم تطويره.
أما الغرف داخل المبنى، فقد حرصوا على إبقائها كما تركها كارتر تماماً... وبقيت 95 في المائة من أدواته بعد ترميمها: سريره ومكتبه ومائدة صغيرة للطعام وأدوات بدائية لتحميض الأفلام وطبعها. وأمام غرفة مغلقة أصبح من المؤكد أن اللحظة الحاسمة قد اقتربت.
كانت الغرفة مليئة بالسياح الجالسين في ركن منها وكان الظلام يعمُّ الغرفة، وأمامنا كارتر بلحمه وشحمه وقد وجهت إليه الأضواء وراح يتحدث مرحِّباً بنا ثم قام من مكتبه وبدأ يتجوَّل في الغرفة شارحاً لنا بالتفصيل خطوات اكتشافه المثير.

شبح كارتر يتكلم
وفي قلب هذا الوجود الخيالي لعالم الآثار الشهير الذي مات منذ سنوات عدة، يمضي في الحديث «شبحه» الذي أظهرته التقنيات الحديثة في هذا الوضع المثير، ليعيد للحاضرين المشهد الذي وقعت تفاصيله خلال شهر نوفمبر 1922، فقد كانت عمليات الحفر بحثاً عن مقبرة الملك الذهبي «توت عنخ آمون» قد وصلت إلى الحفر تحت مقبرة «ممنون»، التي وجدت بها رفات الملك رمسيس السادس، لمدة أربعة أيام... وفي اليوم الخامس همس رئيس العمال في أذني بأنه اكتشف بداية سلم في المنطقة التي أزيلت منها الرمال، ونزلت في هذا السرداب فرأيت جزءاً صغيراً من سلم غائر في الأرض أسفل مقبرة رمسيس السادس، ومع عمليات الحفر بدأنا نكشف عن درجات أخرى من السلم الغائر الطويل في أعماق الأرض، ومع غروب شمس 5 نوفمبر 1922 كنا قد كشفنا عن 12 درجة من السلم، وما إن وصلنا إلى نهايته حتى فوجئنا بباب مختوم عليه الطابع الخاص بمقابر الملوك «أنوبس»، وهو رمز الملك... كان الوقت متأخراً، وقد ظهر البدر كاملاً في شرق السماء، فقمنا بسد الحفر... وعدت إلى منزلي حيث أرسلت تلغرافاً إلى اللورد كارنارفون، ممول عمليات الحفر، فقد أكدت الشواهد أننا أمام باب مقبرة الملك الذهبي «توت عنخ آمون»، ثم يمضي الحديث عن تفاصيل دخول المقبرة لأول مرة في حضور اللورد كارنارفون ثم إذاعة الكشف الذي انتشر في كل أنحاء الدنيا.

الأسرار الفنية للعرض
وما إن انتهى من حديثه وأطفئت الأنوار وخرج الزائرون منبهرين بهذا اللقاء، حتى اقتربت من المهندس هاني المنياوي استشاري تطوير الاستراحة، طالباً منه أن يوضح لنا حكاية الشبح الذي التقينا به منذ لحظات داخل غرفة مكتب كارتر. وقال الرجل شارحاً لنا بالتفصيل هذا العمل الرائع الذي يشهده البر الغربي في الأقصر داخل مكتب كارتر إنه يتم عرض فيلم بتقنية حديثة اسمها برنامج الشبح.
ويستعان بممثل يشبه هوارد كارتر, ويرتدي الملابس نفسها الموجودة في الصور القديمة, وتكمن التقنية في المزج بين الإيحاء والملموس عن طريق عرض الفيلم في معدات خلفية، ويمر العرض خلال زجاج سميك. شاشة عرض زجاجية خلفها مكتب كارتر والمقعد وآلة عرض الشرائح، ويتم العرض والمزج بين شبح كارتر من خلال الزجاج ويتكئ كارتر على المكتب (الملموس) ويتحدث ويتكلم ويبدأ في الضغط على آلة الشرائح بنمط المزج نفسه بين شبح كارتر وآلة عرض الشرائح، ويتم بواسطة الشرائح عرض كيفية اكتشاف مقبرة المومياء (توت عنخ آمون).
ولكن شبح كارتر، مكتشف مقبرة الملك الذهبي توت عنخ آمون، الذي يظهر في عرض مثير بالبر الغربي بالأقصر هذه الأيام،‏ لا يقول الحقيقة حول الكشف المثير‏...‏ وماذا حدث بالتفصيل في ظلام الليلة الغامضة، ليلة ‏26‏ نوفمبر ‏1922،‏ التي تسلل فيها كارتر ومعه اللورد كارنارفون ممول الكشف وابنته إيفلين ومساعده كاندر من خلال ثقب أحدثوه في جدار المقبرة... إن ما أثير من تكهنات حول ما حدث في تلك الليلة الغامضة داخل المقبرة يكاد يكشف عنه الآن ظهور 19 قطعة أثرية اختفت من مقبرة الملك الذهبي وظهرت بعد ذلك في متحف المتروبوليتان في نيويورك الذي قرر منذ أيام إعادة القطع الأثرية التسع عشرة إلى مصر، وتضم المجموعة 15 قطعة صغيرة، منها 4 فريدة وفي غاية الروعة، من بينها كلب صغير من الحجر ونمر وجزء من سوار على شكل أبي الهول كانت في حوزة أسرة كارتر، بينما القطعتان الأخريان جزء من مقبض وقلادة عريضة تضم حبات من الخرز. ولكن كارتر لم يجب عما يتردد الآن وطوال سنوات ما بعد الكشف من أقاويل وهمسات... فقد اعترفت إيفلين ابنة اللورد كارنارفون بأنها وأباها وكارتر ومساعده دخلوا غرفة الملك خلال ليلة 26 نوفمبر 1922، أي قبل الافتتاح الرسمي للمقبرة في 29 نوفمبر من خلال ثقب في جدار المقبرة، وقاما بسده بعد ذلك.
وقال كارتر في مذكراته إنه فتح باب المقبرة ودخلها ليلة 26 نوفمبر 1922 وأغلقها ثانية في الصباح. وتثار شكوك حول مذكرات كارتر، ويؤكد المؤرخون أنه أحدث ثقباً في جدار المقبرة ودخل ومعه كارنارفون وابنته ومساعد كارتر... وأخذ الجميع ما أخذوه وأعادوا غلق الثقب، وعندما جاء موظف الآثار المصري إبراهيم أفندي حبيب في الصباح كانت آثار اقتحام المجموعة للمقبرة قد اختفت تماماً. لقد قال شبح كارتر كل شيء.. ولم يذكر هذه الحقائق التي تظهر تباعاً... ولكن التاريخ يذكرها جيداً.

تحليل DNA لمومياء الملك
إن مومياء الملك توت عنخ آمون نفسه قد تعرَّضت منذ اللحظات الأولى لكشف المقبرة، إلى عمل وحشي ومهين من كارتر ومساعديه، أدى إلى تقطيع المومياء إلى ثلاثة عشر جزءاً، وذلك لنزع قطع المجوهرات المثبتة في مومياء الملك، وكذلك نزع القناع الذهبي من رأسه، ورغم هذا السلوك المهين، فإن هيوارد كارتر قدم لمصر كشفاً أثرياً مذهلاً، وقد بلغ عدد القطع الأثرية والذهبية في مقبرة هذا الملك 5398 قطعة، لا يوجد مثيل لها في قيمتها وروعتها وجمالها.
وظل تاريخ هذا الملك غامضاً حتى ظهرت في عالم الطب تقنيات جديدة اسمها الأشعة المقطعية وتحليل الحامض النووي الذي يثبت نسب الإنسان. وقد أكدت نتائج فحص المومياء بهذه التقنيات أن الملك «توت» تولى الحكم في سن التاسعة، وحكم البلاد مدة عشر سنوات، ومات دون أن يصل إلى سن العشرين، وكان يعتقد تاريخياً أنه قُتل بضربة بلطة خلف الجمجمة.
لكن الأجهزة الحديثة أكدت أن الملك الصغير مات متأثراً بمرض الملاريا التي وجدت آثارها في جسده، وأن التجويف الموجود في رأس المومياء حدث أثناء عمليات التحنيط، ووجد مثله في مومياوات ملكية أخرى، وأن الملك الصغير كان معتل الصحة، وأن عيباً ما كان بقدمه، حيث كان يستعين بعصى أثناء المشي.
كما تم عمل خطة للبحث عن عائلة توت عنخ آمون باستخدام الحامض النووي DNA، الذي أكّد أن الملك توت هو ابن الملك «إخناتون»، ولكنه ليس ابن الملكة نفرتيتي التي كانت زوجة لإخناتون، وأن أمه هي سيدة شابة وُجدت مومياؤها في مقبرة الملك أمنحتب، وهي ابنة الملك أمنحتب من زوجته الملكة «تي»، وهذه السيدة تزوجها الملك إخناتون، على أن عمليات البحث الحديثة مازالت جارية حتى الآن عن سر الجنينين اللذين وجدهما كارتر في حجرة دفن الملك «توت»، وكذلك حل لغز مومياء الملكة الجميلة نفرتيتي الذي مازال مختفياً.

بحر الغموض
إن بحر الغموض الذي يحيط بهذا الملك الصغير يسبب الولع لكل مَن يزور مقبرته أو يشهد آثاره الذهبية ذات الروعة في الصناعة وإبداع التكوين وكم الأحجار الكريمة والذهب الخالص، التي تتعانق في سيمفونية رائعة تجذب البشر الآن إلى السقوط في عشق الملك توت، رغم أنه فارق الحياة منذ 3500 سنة من عمر الزمان.

تفاصيل الصنعة
لقد كان توت عنخ آمون ملكاً منسياً لم تهتم بذكره قوائم الملوك، ولكن قُدِّر له أن يصبح من أشهر ملوك مصر في العصر الحديث رغم عدم أهميته السياسية والتاريخية.
وإذا كانت كل كنوز هذا الملك تثير الإبهار، فإن الوصف الجمالي وتفاصيل الصنعة وإبداعها، سواء لمقبرته أو تابوته الذهبي الرائع أو حتى كرسي العرش الصغير الذي صُمِّم لجسمه الطفولي الرقيق... كل هذا يسبح بالإنسان إلى عالم من الإبداع والجمال والفن الراقي الذي صنع في زمن ساحق القدم.

قناع الملك
إن قناع الملك توت عنخ آمون الذهبي يتكون من ذهب لازورد وعقيق، ومرو وسيج وفيروز وزجاج ملون، الارتفاع 54 سم، والعرض 39.2 سم.
هذا القناع كان وقاء لرأس مومياء توت عنخ آمون، وذلك مع مزيد من الحماية وفَّرتها صيغة سحرية نُقشت على كتفي القناع، وقد زخرف «النمس» بأشرطة زرقاء، ويعلو الحاجبين كل من الصل والعقاب مطعمين بأحجار شبه كريمة وزجاج ملون، في حين طُعِّمت العينان بالسيج والمرو، أما الجفنان وخطوط الكحل فطعمت بالزجاج الأزرق، أما اللحية المستعارة المضفرة مع نقوش طرفها فجاءت من زجاج ملون في إطار من ذهب، وصنعت القلادة العريضة التي يتقلدها من أفرع من لازورد ومرو وفلسبار أخضر وزجاج ملون علقت على كلتا الكتفين برأس صقر من ذهب مزخرفة بالسيج.

التابوت الذهبي
يتكون تابوت توت عنخ آمون الذهبي من ذهب وأحجار شبه كريمة وزجاج ملوَّن وطوله 187.5 سم، والتابوت من الذهب الخالص، وقد وجدت مومياء الملك توت عنخ آمون في هذا التابوت داخل تابوتين. من خشب مذهَّب ومزخرف بأحجار شبه كريمة وزجاج ملون، وكانت التوابيت الثلاثة في تابوت مستطيل من الكوارتز ذي غطاء من جرانيت وردي بعضها داخل بعض كذلك أربع مقاصير من خشب مذهَّب، وكانت تملأ حجرة الدفن، والتابوتان الداخليان معروضان بالمتحف المصري أصغرهما من الذهب الخالص، والآخر من خشب مكسو بأحجار شبه كريمة وزجاج. 
أما التابوت الخارجي الثالث فقد ترك بالمقبرة، حيث يضم مومياء الملك وقد كسي التابوت بالذهب المطروق بنقوش غائرة في الداخل والخارج وهو كهيئة مومياء أوزيس، حيث تمسك اليدان المعقودتان على الصدر بالشارات المقدسة ويزين غطاء الرأس الملكي «النمس» الصل والعقاب، وهناك اللحية المستعارة من الذهب المطعم بالزجاج الأزرق على الذقن، وقد طعمت العينان بالزجاج الملون أيضاً، وغُطي الصدر بنقبة عريضة فخمة الزخارف مطعمة بأحجار كريمة، وقلادة من حبات ذهب وقيشاني في شكل العين، وعلى الرسغين المتقاطعين أسورة عريضة، والتابوت بالكامل مزخرف.

كرسي العرش
إن كرسي عرش الملك «توت» لا يحتوي فقط على الإبداع ومجموعات فريدة من الجواهر، ولكنه يحتوي على تفاصيل عدة كلها رموز تستحق الدراسة، فكرسي العرش لتوت عنخ آمون تم صنعه من خشب وذهب وفضة وأحجار شبه كريمة وزجاج.
والخشب مصفَّح برقائق الذهب والفضة مزخرف بأحجار شبه كريمة وعجائن زجاج كثيرة الألوان ويبدو ذراعا العرش كهيئة ثعبانين مجنحين بالتاج المزدوج، يحرسان خراطيش الملك وقوائم العرش كأرجل الأسد حيث يعلو الأماميين منها رأسا أسدين للحماية، كما يصل بين اثنين رباط خشب عليه زخارف ترمز إلى الوحدة، ويحتل الظهر تزيين فني رائع تقبل فيه على توت عنخ آمون زوجته عنخ أس إن آتون في مودة وحب، وقد اتخذ فوق شعره المستعار تاجاً مركباً وتستقر قدماه على موطئ وتقف الملكة بيد على كتفه وبالأخرى إناء عطر ومعصبة بإكليل خلية الصلال من تحت قرنين يكتنفان قرص الشمس وريشتين من حول عنقها بالإضافة ردائها الطويل ذي الثنايا، وذلك كله أشعة قرص الشمس (آتون) الذي يهب الحياة لأنف الزوجين الملكين.
 
كرسي للشعائر
يعد من أروع القطع الفنية للملك توت عنخ آمون، فقد زخرف ظهر الكرسي بقطع من العاج والأبنوس والأحجار شبه الكريمة والقيشاني، على قاعدة كلها من رقائق الذهب، والكرسي مزخرف بحيَّات الكوبرا، يتداخل بينها قرص الشمس آتون مرفرفاً فوق الخرطوشين اللذين يحملان أسماء الملك، ونرى أسفل ذلك الإلهة العقاب باسطة جناحيها قابضة في كل من مخلبيها حلقة الشن، وينقسم النطاق التالي إلى أعمدة رأسية تضم نقوشاً بأسماء نب خبرو رع وتوت عنخ آمون، وقد جعل المقعد لاستقبال وسادة عليه، وقوائم الكرسي من الأبنوس المطعَّم بقطع العاج ورقائق الذهب، حيث تنتهي برؤوس البط، ويصل بين كل اثنين من القوائم قضيبان مستعرضان، فضلاً عن زخرف من علامات هيروغليفية تنطق عن معنى الوحدة، وعند أرجل الكرسي منصة أعدت لقدمي الملك تستقران عليها وقد حليت بأسرى البلاد الأجنبية مقيدين تحـــت أقـــدام الملك أبد الآبدين ■

 

القناع الذهبي للملك