العقاد يفند بعض المفتريات حول اللغة العربية
نزل القرآن الكريم على قلب رسولنا الأمين {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} (الشعراء: 195)، ورسول الإسلام، عليه الصلاة والسلام، عربي. وتراثنا الحضاري الباهر الذي نفخر ونعتز به, وتملأ نماذج منه مكتبات العالم شرقا وغربا, وتعلّم العالم كله في ضوء نوره وهداه, سُجِّلَ باللسان العربي المبين, على الرغم من أن كثيرا ممن أسهموا في صياغته وَوَضْع لبناته لم يكونوا عربا, وإنما اتخذوا اللسان العربي نافذة ومنبرا, يطلون بعلمهم على العالم من خلاله, منذ أن اتخذوا من الإسلام - الذي أيقظ مواهبهم وشحذ هممهم - دينا.
يتحرق المسلم المعاصر في هذه الأيام ألما, ويذوب كمدا وأسى لواقعه المؤلم, وأزمته الحضارية الطاحنة, وهو نفسه من أهم أسبابها. فقد أصبحنا نحارب لأعدائنا معاركهم, ونسعى لتحقيق أهدافهم بمبررات ممسوخة, ومسوغات شوهاء, على حساب ماضينا وحاضرنا, بل وعلى حساب المستقبل الذي هو ملك لأبنائنا, والمفترض أننا أمناء عليه. وكما يتعرض العرب والمسلمون لمسلسل من الهجمات والانتكاسات, تتعرض لغتهم أيضا لما يشبهه, إلا أن أكثر ما يؤلمنا في هذه الحالة هو أن يأتي الهجوم هذه المرة من داخلنا, ولا أجد ما أقوله مما يتناسب مع هذا التردّي إلا قول زعيم الأمناء المرحوم الأستاذ أمين الخولي مما جاء في كتابه «فن القول», وكأني به لايزال بين ظهرانينا يشهد ما نحن فيه من مآس ومحن, حيث قال: «وإذا لم تكن اللغة عند أهلها أنفسهم, في منزلة كريمة, فما مكانها في الدنيا بعد ذلك؟ وما منزلتها في الوجود وراء هذا؟ وليس بدعا أن نشعر بالصلة الوثيقة, والعلاقة القريبة جد القرابة, بين وجودنا السياسي وحياتنا اللغوية, وبين كياننا العالمي ووجودنا اللساني, وبين كرامتنا الدولية ومكانتنا الأدبية. فتلك كلها - في نظر الاجتماعي - وشائج متواصلة, وأواصر متداخلة, لا يشعر بينها بانفصال, ولا يجد تباعدا. ونحن لا نعيش إلا بكرامتنا الاجتماعية, ولا نستطيع أن نعيش بغيرها».
فاللغة هي مستودع التراث ووعاء الفكر, وهي ظاهرة إنسانية - اجتماعية, تُعرف بها الملامح المميزة لكل مجتمع في كل عصر من عصور التاريخ, فهي كما يقول ابن جنّي في كتابه «الخصائص»: أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم. على أن اللغة العربية لها حتى خصوصية تتمتع بها دون سائر اللغات الأخرى تستمدها من كونها لغة القرآن الكريم, الذي لايزال عاملاً في ضمير المسلمين على تأكيد أن «العربية» جزء من الحقيقة الإسلامية, وهي أيضاً إحدى دعائم عروبتنا الأساسية إن لم تكن أهمها على الإطلاق. وهذا الارتباط بين اللغة والعقيدة والهُوِيَّة سِمة تفردت بها اللغة العربية, ما جعلها محل استهداف أعداء الإسلام الذين يرمون إلى تقويض العقيدة في النفوس بإعمال معاولهم لهدم اللغة العربية، لكونها سياج هوية الأمة, الذي يوجد بين عواطف العرب ومشاعرهم, في الأفراح والأتراح, فتؤلف بين أسلوب تفكيرهم وآدابهم وسلوكهم.
فكيف بالله تصبح لغتنا العريقة, لغة القرآن الكريم, لغةً مهجورة من أبنائها, حتى بتنا نتمسح في لغات غيرنا, ونكتب على واجهات محالّنا وحوانيتنا هذا الخليط العجيب, من لغات أهل الأرض, التي كان أصحابها يلهثون وراءنا, ويتعلمون لغتنا، لكى ينهضوا ويفيقوا من سباتهم الطويل؟ لقد أصبحت لغتنا لغة الـ «Take away» كما يقولون, ولكنهم يكتبونها بالحروف العربية ولا يخجلون!
من الشعوبيين إلى المستشرقين
اللغة العربية, دون غيرها من سائر اللغات تتعرض بين الحين والحين - للأسباب التي أشرنا إليها آنفاً - إلى حملات التشويه والتدمير, سواء من غير العرب من المستشرقين الأوربيين أو ممن يسيرون في فلكهم من الناطقين بلغة الضاد, مثلما تعرضت قديماً لمن يُعرفون بالشعوبيين. فهي إذن حملة قديمة - جديدة, تستهدف في الأساس معتقداتنا وتراثنا وماضينا، بل ومستقبلنا، لما لهذه اللغة - على وجه الخصوص - من الارتباط بالدين, ومن ثم فهي مرتبطة بهوية المسلم وتشكيل عقله ووجدانه وثقافته بوجه عام.
وقد وقف الشعوبيون القدماء موقف العداء من لغة القرآن, فتصدى لهم علماء العربية, الواقفون على أسرارها في ذلك الوقت ومنهم ابن قتيبة الدّينوري (213-276هـ) القائل: «وقد اعترض على كتاب الله بالطعن مُلحدون, ولغَوْا فيه وهجروا, واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله, بأفهام كليلة, وأبصار عليلة, ونظر مدخول, فحرفوا الكلام عن مواضعه, وعدّلوه عن سبله, ثم قضوا عليه بالتناقض والاستحالة, في اللحن, وفساد النظم والاختلاف, وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغَمْر, والحدَث الغِر, واعترضت بالشُبَه في القلوب, وقدحت بالشكوك في الصدور... فأحببت أن أنضح عن كتاب الله, وأرمي من ورائه بالحجج النيِّرة, والبراهين البيِّنة, وأكشف للناس ما يلبسون».
وقد منيت «العربية الفصحى» - كما يقول د.رمضان عبدالتواب, رحمه الله - في العصر الحديث بخصوم حاقدين, وأعداء ألداء من الشعوبيين الجدد من أمثال المستشرق الألماني تيودور نولدكه وغيره, وليست تلك الهجمة الضارية إلا جزءاً من الهجوم على الدين الإسلامي الحنيف، لما فطن له أعداء هذا الدين من الارتباط الوثيق بينه وبين اللغة العربية الفصحى, ومن قبله كانت دعوة المستشرق الألماني ولهلم سبيتا إلى التحول من الفصحى إلى العامية, وقد وضع كتاباً أسماه «قواعد اللغة العربية في مصر», وكذلك المستشرق الإنجليزي وليم ويلكوكس, الذي كان يعمل مهندساً للري في مصر. أما المستشرق المشهور ماسينيون فكان يدعو إلى استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية, وكان يدعو أيضاً إلى اللهجات العامية. وفي يقينهم أنهم إن أزالوا الفصحى عن مكانتها الراسخة في القلوب منذ أربعة عشر قرنا من الزمان, فقد أزالوا الحصن الأكبر من حصون هذا الدين الحنيف, ويغيب عنهم أن الله تبارك وتعالى هو الذي تكفّل بحفظها حين تكفّل بحفظ القرآن في قوله تعالى من سورة الحجر في الآية التاسعة {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. وعلى الرغم من ذلك، لم تهدأ المحاولات الجادة الحاقدة, التي استهدفت اللغة العربية, والعمل الحثيث نحو إحلال اللهجات العامية محلها أملاً في اقتراب اللغة العربية من نهايتها, في المستقبل القريب, كغيرها من اللغات القديمة التي اندثرت, أو بقيت آثارها البسيطة كاللاتينية والسنسكريتية, حتى أن تشارلز فيرجسون, العالم اللغوي الأمريكي المعروف, توقّع أن تكون النهاية في العام 2150م عندما تظهر لغات رسمية عربية تَرِث الفصحى أمثال المغربية والمصرية والسورية والسودانية, كما يسميها. ولكننا نقول: لهم هيهات.. هيهات! مهما مكرتم وفكرتم ودبرتم! وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (الأنفال: 30). ولن يستطيعوا أن يطفئوا نور القرآن بإخماد العربية: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (الصف: 8). وقد أوضح د.حسين الهراوي, منذ أوائل القرن الماضي, أن الدعوة إلى العامية كانت إحدى الطرق التي تبناها المستشرقون ورواد الاستعمار وأذنابهم منذ زمن قديم, وكانت هذه إحدى وسائلهم حتى لا يتفاهم المسلمون ولا يفهمون لغة قرآنهم.
الشعوبيون العرب
أما في الوطن العربي, فقد ظهر كثير من الكتاب في العصر الحديث, ممن يدْعون إلى العامية المحلية, أو إلى كتابة العربية بحروف لاتينية.
وقد يؤدي كل ذلك إلى آثار وخيمة على الشعور بالانتماء القومي، ذلك أن اللغة ليست مجرد أصوات أو ألفاظ منطوقة, أو كلمات مكتوبة, وإنما هي كيان متكامل من الفكر والوجدان والتراث والتاريخ والقيم الدينية والأخلاقية, كما أنها أداة اتصال وتواصل، ولذا فإن استبدال لغة بأخرى فيه إهدار لكل هذه الأبعاد, وانسلاخ المجتمع نفسه عن تاريخه وعن ماضيه وعن هويته الثقافية, كما أن فيه إضعافاً لعلاقته الثقافية والفكرية مع الأقطار الأخرى التي تشترك معه في تلك اللغة, وفرق كبير بين أن يتعلم المرء اللغات الأجنبية لتكون وسيلة للتبادل الفكري مع الثقافات المختلفة، وبين أن يتبنى هذه اللغة أو تلك لتكون هي أداته في التفكير والتعبير، على حساب لغته الأصلية.
العقاد يتصدى للدفاع عن العربية
أما بكاء البعض من كثرة الحروف الساكنة مقارنة بنظيراتها في اللغات الأوربية «الحية», ودعوته لاختزالها فعجيب حقا, ويدل ذلك على أنه أبعد ما يكون عن مناقشة مثل هذه القضايا, إذ إن هذه إحدى مزايا العربية, ولبيان ذلك نقول: إن هذه الحروف - الزائدة عن الحاجة في نظر بعض المُتقوِّلين - وُجدت لتنهض بوظائفها في الوفاء بالمخارج الصوتية التي تتميز بها العربية, على خير وجه, دون التباس أو تكرار أو تعقيد, يتمثل في اللجوء إلى أكثر من حرف أو حرفين كما في الإنجليزية والفرنسية وغيرهما.
ويوضح الأستاذ عباس العقاد (28 يونيو 1889 - 12 مارس 1964) هذه الميزة بشيء من التفصيل, وعلى سبيل المثال فحرف «الذال» في «العربية» يقابله في الإنجليزية حرفان: «th» كما في اسم الإشارة «this». أما حرف «الثاء» فيقابله في الإنجليزية الحرفان السابقان نفسهما، كما في كلمة «thank»، ما يؤدي إلى الالتباس. وهناك ما هو أكثر من ذلك، فحرف «الشين» في العربية يقابله حرفان «sh» كما في «shake»، وأحيانا أخرى حرف «s» كما في الكلمة عربية الأصل «sugar», وكثيرا ما يقوم بذلك أكثر من حرفين كما في «nation» و«deficient». أما حرف «الكاف» فلا يقل في الالتباس عما سبقه, فأحيانا يقوم مقامه في الإنجليزية حرف «k», وأحيانا أخرى حرف «c» كما في «camel» و«Cairo», وفي بعض الكلمات الأخرى يؤدي هذه الوظيفة حرفان «ch»، كما في كلمة «Chemistry» بمعنى كيمياء.
وعلى ذلك, فإن نطق حروف اللغات الأخرى, التي يمتدحها البعض ويتخذونها مثلا في البساطة والسلاسة والوضوح كالإنجليزية, اللغة العالمية الأولى الآن, هو مشكلة تؤدي إلى الالتباس والتشويش والتداخل, ولا يمكن حل «فوازير» وأحاجي نطقها إلا بحفظ هذه الحالات كما هي, حيث لا تفي حروفها مفردة بالحاجات الصوتية لهذه اللغة. ومن جهة أخرى فإنهم يلجأون إلى نطق الحرف الواحد بأشكال متباينة في الكلمات المختلفة, فحرف الـ «g» مثلا ينطق «جيما قاهرية»، كما في «God» وجيما قرشية كما في «Gem», وجيما معطشة كما في «Religion», وربما لا ينطق كما في «Right». أما حروف العلة التي يتيه بكثرتها الأستاذ الشوباشي في اللغات الغربية, فيعتور نطقها أيضا كثير من الخلط والالتباس, فمع اقترانها تنطق على أربعة أصوات، كما في هذه الكلمات blood, door, food and moon. ومع ذلك تمتاز العربية بحروف لا توجد في اللغات الأخرى، من أشهرها الضاد، ومن ثم فقد أصبحت علما على العربية, وكذلك حروف الظاء والعين والقاف والحاء والطاء, أو توجد في غيرها أحيانا ولكنها ملتبسة مترددة لا تضبط بعلامة واحدة.
ويريد الشوباشى أن «يقتل» الإعراب بحجة الغموض في نطق كلمة واحدة على عشر حالات، كما في كلمة « قتلت», ولست أدري لماذا هذه الكلمة بالذات؟ ما علينا! اللغة العربية لغة منطقية عقلانية «ديناميكية» تحتاج في فهمها إلى إعمال العقل, الذي أمرنا خالقنا - جل وعلا - أن نستخدمه ولنا بذلك الأجر والثواب, ومن ثم فليس غريبا أن أطلق القدماء على الفلسفة الإسلامية, وهي من أكثر العلوم اعتمادا على العقل, «علم الكلام». فالكلمة تُفهم وظيفتها ومدلولها من موقعها من الإعراب حتى لو كان هناك تقديم أو تأخير (وهو لا يتم عشوائيا أو رفاهية, وإنما هو أيضا له وظيفة ويؤدي دورا مهماً). وبهذه المناسبة أريد بالمنطق نفسه أن أسأل الأستاذ الشوباشي: هل كلمة «You» الإنجليزية التي تكتب وتنطق أيضا على وجه واحد، بينما يراد بها معان كثيرة مثل: «أنت» للمذكر و«أنت» للمؤنث و«أنتما» و«أنتم» و«أنتن», أدعى إلى الالتباس الحقيقي سماعا وقراءة وترجمة، أم كلمة تكتب على وجه واحد، بينما تنطق وفقاً لموقعها من الإعراب؟!
«العامية» ليست لغة علم
أما بالنسبة للدعوة إلى استعمال اللغة العامية, في مجال العلوم والتقنية، فإن ذلك يؤدي إلى كارثة حقيقية من جرّاء الخلط والتشويش, وانحسار الدقة وتلاشي التحديد, الذي يتميز به الأسلوب العلمي, والتعبير عن الحقائق والنظريات والتجارب والبحوث العلمية, فضلا عن افتقار «العامية» إلى إمكانات الاشتقاق والتوليد الذي تتميز به الفصحى لمسايرة التطورات العلمية التي لا تتوقف. وفي حالات التقديم والتأخير, التي تتميز بها الأساليب العربية, فلن يكون من السهل تعيين الفاعل وتمييزه من المفعول مع اختفاء الإعراب, ما قد يترتب عليه من مشكلات لا تحمد عقباها, ولاسيما في بعض المجالات العملية كالكهرباء والميكانيكا والكيمياء التطبيقية، إلى غير ذلك من مجالات تتطلب التحديد الصارم والدقة المتناهية, حيث إن أي التــــباس قــــد يكون قاتلا!
أما الدعوة لإلغاء «نون النسوة», فسوف تزيد الطين بلة, فالمقارنات مثلا بين نتائج الاختبارات والفحوص لمجموعتين من المرضى إحداهما من الذكور والأخرى من الإناث, سيحدث بصددها الخلط والتشويش تماما، مثلما يحدث في حالة الأحكام الفقهية والضوابط الشرعية التي تخص الرجال من دون النساء أو عكس ذلك, فسوف يعتورها الخلط وعدم التحديد الذي قد يفضي إلى آثار خطيرة.
وقد كان الأستاذ العقاد - رحمه الله - كثيرا ما يعلن أن اللغة العامية ليست لغة علم ولا أدب راق, يمكن أن يعيش مع الأيام والسنين, هذا, فضلا عن أن الثروة اللفظية للعامية جدُّ فقيرة بالمقارنة مع الفصحى, فقد تبين في بعض الإحصاءات أنها لا تتجاوز الخمسمائة كلمة, بينما تتطلب الحياة العلمية المتنامية عشرات الآلاف بل ومئاتها من الكلمات، لنستطيع التعبير عن المدركات الجديدة المتطورة والمسايرة لحركة الفكر العلمي والإنساني بوجه عام. وهذا الثراء اللفظي ميزة تتميز بها «العربية», وليس عيبا كما يظن من في قلوبهم مرض, أو على أحسن الظن من ليس عندهم علم!
نعم, لغتنا في خطر, ولكن ليس معنى ذلك أن نلعنها ونلغيها, ونستبدل العامية بها, ولكن الأجدى من ذلك أن نبحث بالطرق العلمية المنهجية لحل مشكلاتها, وتيسيرها على ألسنة وأقلام الناطقين والكاتبين بها.
إن الدعوة إلى اللهجات العامية بهدف القضاء على الازدواج اللغوي, واتساق الفكر مع اللسان وتبسيط القواعد بحذف معظمها, دعوة مشبوهة تؤدي إلى الانسلاخ عن العقيدة ونقض عُرى الدين, من خلال الانقطاع عن أهم نصوصه: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة, والتراث الفقهي والشرعي والأدبي والفكري المكتوب باللغة العربية الفصيحة, ذلك الذي يضرب في تاريخنا إلى نحو ألف وخمسمائة عام. إنها باختصار دعوة لطمس معالم الهوية العربية الإسلامية وإلغائها, وهي في النهاية دعوة مذمومة مسمومة فاشلة لا يمكن تنفيذها, وستنتهي قبل أن تبدأ, شأنها في ذلك شأن سوابقها بل ولواحقها, أمام ما تعهّد الله به من حفظ قرآنه الكريم، كما جاء في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) وحتى نستيقن من ذلك, فإنه مع كل تطور علمي, وتقدم تقني, يتأكد ويترسخ هذا العهد القرآني الناصع البيان, ليتحقق معه حفظ لغة القرآن, رغم أنف الحاقدين, وكيد الكائدين, ورحم الله سيبويه وأجزل له الأجر والثواب, لقاء ما قدّم من علم يخلد ذكره ما بقيت العربية, وستبقى بإذن الله.
العقاد يؤلف كتابين للدفاع عن اللغة
كرس العقاد في أخريات حياته, الحافلة بالجهاد في جميع المجالات, للغة العربية كتابين من كتبه, فضلا عن دراسات كثيرة أودعها كتبه المختلفة, تحت عناوين كثيرة متنوعة. وقد جاء كتابه الأول (1960) بعنوان «اللغة الشاعرة», أما الكتاب الثاني (1963) فهو بعنوان: «أشتات مجتمعات في اللغة والأدب», وقد دافع فيهما عن اللغة العربية, وبيَّن مزاياها المختلفة التي تمتاز بها على غيرها من لغات العلم والحضارة, ولا يتسع المجال هنا للتعرض لما جاء فيهما من أفكار وحقائق ومعلومات حول هذه اللغة العريق.