في هياكل بعلبك

في هياكل بعلبك

في بعلبك، وفي هياكلها التي
تحتار في أوصافها الألبابُ
وأمامَ عامودٍ عظيمٍ شاهقٍ
قد ناهز الآفاقَ، وَهْيَ سَحابُ
ألفيتُ غانيةً على أعتابهِ
بيضاءَ، ناعِسةٌ بها الأَهدابُ
الوردُ منفرطٌ على وَجَناتها
وعلى الأصابعِ واليدينِ خِضابُ
وَقَفَتْ مقابله تلوذُ بظلِّهِ
والشمسُ لاهبةٌ، كذلك «آبُ»
الوجهُ ضارَعَ في النعومة وجهَهُ
والجِلدُ تشبه لونَه الأَنصابُ
أَأَتَتْ لِتقنِصَ لحظةً من عمرهِ
فَتَضُمَّها للعمر، وهو شبابُ
من قبلِ أن يمضي الزمانُ فلا ترى
شيئاً يسُرُّ، ولا يَفيدُ عتابُ؟
ترنو إلى التاج المعَمَّم رأسُهُ
وتديرُ طرْفاً ملؤه الإعجابُ
قد أودعوهُ من النقوش عجائباً
لا الوصفُ يبلغها ولا الإطنابُ
الغصنُ منعقدٌ على إِفْرِيْزِهِ
قد كاد يُلقي زهرَهُ اللِّزَّابُ
عجباً له، كيف انحنتْ أوراقُهُ
وتمايلتْ من بينها الأعشابُ؟
يا للْجمالِ إلى الجَمالِ مسافراً
شَدَّ الرِّحالَ تَحُثُّهُ الأنْسابُ
من أيِّ رَبْعٍ قد تَفلَّتَ شارداً
ما صاده حَضَرٌ ولا أَعْرابُ
يجتاز أروقة الهياكِلِ تاركاً
فيها العطورَ تَبيحُها الأَثوابُ
وَيلُمُّ أشتاتَ السؤال مردِّداً
هل بعد ذلك روعةٌ وعُجابُ؟
نُصُبٌ تتالتْ من خيالٍ جامحٍ
ومجسَّماتٌ ما لها أصحابُ
وعلى اليمين سلاسلٌ مَحبوكةٌ
نَقَشَتْ على أطنافِها الأَبوابُ
لم تبهتِ الأزمانُ دِقَّة نقشها
حتى وإنْ عَمَّ البناءَ خرابُ
والأُسْدُ صَفٌّ واحدٌ متأهبٌ
مُتحفِّزٌ للفتك ليس يهابُ
لو أنها زأرتْ لَطَبَّقَ صوتُها
رَحْبَ الفضاءِ، وَضَجَّ منه الغابُ
لم يروها شُرْبُ الدماءِ فعوَّضتْ
بالماء من أشداقها ينسابُ
أنَّى نظرتَ فدهشة وتعجُّبٌ
للناظرين، وليس ثمَّ جوابُ
من ذا يجيبُ، وقد مَضَوْا لسبيلهم
فَلَوَ انَّهم كانوا هنا لأجابوا
أين القياصرةُ العظامُ وجندهم
والتاجُ أين، وتلكمُ الألقابُ؟
لم يُغْنِ عنهم ملكُهمْ، فلقد ثَوَوْا
بقبورهمْ، وتوالتِ الأحقابُ
أحقيقةٌ تلكَ النقوشُ، تساءَلتْ
أم إنَّها للناظرين سَرابُ؟
كانوا هنا، كانوا هناكَ، لعلَّهمْ
تركوا لعينيكِ الجَمالَ وغابوا ■