سيرة إبراهيم

(1)
في أوَّلِ الشتاءِ صارَ «إبراهيمُ» نقطةً من المطرِ
يسفّها الترابُ ثم بعدما يضمُّها
يصيرُ إبراهيم زهرةً... وتطلعُ الحياة
(2)
أشيرُ نحوَ قبرِهِ البعيدِ، حيثُ قرية يشمُّ عطرَها الرّخام
ولا أقولُ ماتَ، بلْ أقولُ عادَ نحوَ أهلِهِ ونَام
(3)
يا قبرَهُ الذي هناكَ لو سمحتَ فاتَّسع
ولو سمحتَ كُنْ لجِسمِهِ الصغيرِ جنةً ومنزلا
فإنَّ «إبراهيم» كان كادحاً
يجوبُ هذه الحقولَ حاملاً سلاحَهُ
ينامُ في مغاورِ الجنوبِ أو يصولُ في شوارعِ المدينةِ
لأن أمّه الغريبةِ الحزينةِ
قد علَّمته أن يكونَ حارساً لبيتِه
وأن يصبَّ قهوةَ الصباحِ للمقاتلين
(4)
تدورُ هذه الحروبُ والرحى تدور
والهوى كأنَّهُ العصفورُ حطَّ فوق رأسِه
فأصبحَ الرصاصُ هادئاً
لكنه لا يُخطئُ التصويبَ
(5)
وكان «إبراهيم» وهو إن أردْتُم صاحبي
وطفليَ الصغيرَ أو أخي
كطائرٍ يذوبُ تحتَ ظلّه
وناحلاً يكادُ من نحولِهِ يغيبُ
وأزرقَ العينينِ يافعاً
وأزرقَ العينينِ في ظلامِ قبرِهِ العجيب
(6)
تموتُ أمُّنا كأن «إبراهيم» طفلُها اليتيمُ والوحيد
وقد رأيتُها تشيرُ نحوَه
وأطبقت أجفانَها عليه ثم غابتْ مثلما يغوصُ بَجَعٌ في الماء
ونحنُ إخوةٌ كإخوةِ الكساءِ خمسة
لكنَّ «إبراهيم» وحدَهُ كأنما أعارَهُ الشقاءُ للشتاء
فشمسُهُ تغيبُ تحت غيمتين من دخان
وغالِباً ما كانَ يدفعُ السماءَ كي تضيءَ ليلَهُ الطويل
حيثُ للدخانِ أن يقولَ ما يقول
حيثُ كلُّ نقطةٍ مضاءَةٍ خبر
وصارَ «إبراهيم» دائماً على سفر
( 7 )
يلفُّ مغزلَ الزمانِ خيطَه
ويستديرُ الليلُ حولَ معصمِ النهارِ
إنّهُ الشتاءُ عادَ والسنونواتُ هاجرت
وكانَ في السماءِ خمسةٌ من الطيور
حينما أعدَّها أعدَّها ثلاثة
وربّما رأيتُ غيمةً شديدةَ السواد
تدخلُ الطيورُ تحتَ ظلّها وتختفي
يا سادتي
نموتُ دائماً وتولدُ الحياة