الزلازل والتسونامي... مهندسة الجغرافيا الأرضية
«فجأةً دوّى صوت عظيم من ورائنا ورأينا الناس يركضون في كل اتجاه ويصيحون Go Go ... وكأنه يوم الحشر... فجأةً رأينا جبالاً من المياه تهجم علينا من البحر... وسمعنا هديراً مخيفاً مزعجاً جداً... نظرنا إلى أعلى فرأينا المياه تمرّ من فوقنا ولا تضربنا، غمرتنا المياه حتى الطابق الثاني وجلسنا ننتظر الموت... بعد لحظات قصيرة كانت الموجة قد جرفت كل شيء على مسافة حوالي ثلاثة كيلومترات بعدنا...» هكذا روى اللبناني «حكمت» قصة نجاته في سريلانكا من «تسونامي» شرق آسيا الأخير عام 2004.
والتسونامي (أمواج الموانئ باليابانية) هو قطار مائي أو سلسلة من الأمواج غير العادية، يولد في محيط مائي إثر اضطراب دفعيّ قوي، ويتقدّم بسرعة ولكن بصمت نحو السواحل، حيث يعلن عن وجهه الحقيقي كموج هجومي عملاق يقتحم البر ويتسبّب في الموت والدمار على نطاق واسع.
في الميتولوجيا الفينيقية، حيث اعتُبِر البحر دائماً مصدراً للربح والوحي والحياة، يتصارع إله البحر وإله الموت في معركة ملحمية طويلة تنتهي بانتصار إله البحر الذي أخذت خطيبته العذراء تلد وتلد له الآلاف ليكثر نسل الكنعانيين. ومع هذا التمجيد والتبجيل بالبحر الذي يقهر الموت، أرجّح ألا يكون الفينيقيون قد اختبروا أو سمعوا بالتسونامي، حيث يتحالف البحر والموت ويقفان معاً في خندقٍ واحد ليعتديا على البشر وبنيانهم.
التسونامي ابن شرعيّ للزلازل
السبب الرئيس للتسونامي يتأتّى عادة من حدوث زلزال كبير تفوق قوته 7.7 درجات بمقياس ريختر، تحت قاع البحار أو المحيطات. وقد شهد تاريخ الأرض المعروف مئات من مثل هذا التسونامي نتجت كلّها عن زلازل بحرية قوية.
لكن الزلازل البحرية ليست هي السبب الوحيد للتسونامي، فهناك أسباب أخرى محتملة شهدها تاريخ الأرض، بينها ثورات بركانية كبيرة تحت المحيطات، أو انهيارات صخرية واسعة نتيجةً لبركان بري قريب من السواحل، مثل التسونامي الذي تلا انفجار بركان «كراكاتوا» في إندونيسيا عام 1883 وأودى بحياة 36000 شخص وخلّف تدميراً واسع النطاق. وقد يحدث التسونامي نتيجة سقوط نيزك كبير في الماء، مثل ذلك الذي يعتقد أنه تسبب في إبادة الحياة الحيوانية وخاصة الديناصورات منذ 65 مليون سنة. وربما تتسبب بعض وجوه نشاط البشرية في حدوث الزلازل والتسونامي، كالتفجيرات النووية تحت سطح البحر أو تحت قاع المحيطات. كما تؤثر على المدى الطويل عمليات شفط النفط من باطن الأرض، إذ تغيّر ببطء البنية الداخلية للقشرة الأرضية على مساحة الآبار وتؤسس بالتالي لانهيارات جوفية تطلق الزلازل والهزات الأرضية. ومثال على ذلك سلسلة الهزات التي تعرضت لها ولاية كلورادو الأمريكية بسبب ضخ النفط.
ميكانيكية التسونامي
يؤدي أي اضطراب يحدث في قاع البحر إلى دفع ما فوقه من مياه نحو الأعلى، وتـنتـشر الموجة عبر مياه المحيط العميقة بسرعة هائلة تصل إلى 750 كيلومتراً في الساعة، أي ما يعادل سرعة طائرة ركاب مدنية. لكن على الرغم من سرعتها الشديدة، فإنها لا تشكل خطراً في المياه العميقة، إذ إن الموجة الواحدة منها لا يزيد ارتفاعها عادة على المتر الواحد بعيداً عن الشواطئ، في حين يصل طولها في المياه المفتوحة إلى أكثر من 100 كيلومتر، ما يجعل انحدار سطح البحر فيها طفيفاً لدرجة أنها تمر في المياه العميقة عادة من دون أن تؤثّر في السفن ودون أن تثير الانتباه. وعندما تصل الموجة إلى المياه الضحلة على السواحل، تنضغط طاقتها في حجم أصغر وتتباطأ سرعتها ليزداد ارتفاعها وتركيزها فتصبح حائطاً عالياً وخطيراً من المياه. وعند ارتطامها العنيف بالسواحل تكتسب هذه الأمواج ارتفاعاً وقدرة كبيرين، فقد يصل ارتفاعها إلى أعلى من مستوى سطح البحر بثلاثين أو أربعين متراً أحياناً، وتصب نحو مائة ألف طن من الماء على كل متر مربع من الشاطئ، وتكون قادرة على حمل صخور من حوائط صد الأمواج، وزن الواحدة منها عشرين طناً وقذفها لمسافة عشرات الأمتار، كما تكون قادرة على تجريف رمال الشواطئ واقتلاع الأشجار، بل وتدمير مدن بأكملها.
وتتميز أمواج «تسونامي» الجبارة بمدى طويل جداً، فهي قادرة على نقل طاقتها المدمرة من مصدرها داخل المحيط إلى مسافة تبلغ آلاف الكيلومترات. وهي تزداد قوة مع عبورها المحيط، وغالباً ما تخلف أضراراً كارثية على سواحل تبعد آلاف الكيلومترات عن منشئها، فإثر زلزال التشيلي عام 1960، امتدّت أمواج التسونامي عبر المحيط الهادئ إلى سواحل اليابان على بعد 17000 كيلومتر وأودت بحياة 200 شخص، إضافة إلى تخريب موانئ كثيرة. وفي زلزال سومطرة عام 2004 انتشر التسونامي شرقاً وغرباً وشمالاً ووصل إلى السواحل الإفريقية الشرقية على بعد حوالي 7000 كيلومتر من مركز الزلزال، مخلّفاً مئات القتلى في الصومال وخراباً واسعاً في القرى والمنشآت الساحلية.
أكثر من 300 تسونامي خلال القرنين الأخيرين
أقدم حوادث التسونامي التي سجّلها التاريخ البشري كان ذاك الذي ضرب الطرف الشمالي من بحر إيجه عام 479 قبل الميلاد. وشهد القرنان الماضيان نحو 300 تسونامي تركت مظاهر متعددة من التخريب والدمار. وأهم ظاهرة تسونامي عرفها التاريخ الحديث كارثة شرق آسيا في الأيام الأخيرة من عام 2004، وقبلها تلك التي ضربت ساحل جزيرة هونشو اليابانية نتيجة زلزال بحري ضخم حدث عام 1896. في تسونامي «هونشو» اندفعت أمواج البحر الزلزالية نحو اليابسة بارتفاع نحو 30 متراً وغمرت قرى بأكملها، وجرفت أكثر من عشرة آلاف منزل، وأغرقت نحو 26 ألف شخص، وانتشرت أمواج التسونامي شرقاً عبر المحيط الهادئ لتصل إلى جزيرة هيلو في هاواي، ثم توجهت إلى الساحل الأمريكي وانعكست مرتدة في اتجاه نيوزيلندا وأستراليا.
أما أعلى موجة تسونامي سجلّت في التاريخ الحديث فقد حدثت في خليج ليتويا في ألاسكا في 9 يوليو 1958، حيث وصل ارتفاع الموجة في الخليج إلى 518 متراً. وكان التسونامي قد حدث نتيجة انهيارات جبلية قذفت بكميات كبيرة من التربة والصخور في مياه الخليج الضيّق. ولم يتسبب الحدث في وقوع قتلى نظراً لوقوعه بعيداً عن المناطق المأهولة.
وخلال السنوات العشر الأخيرة سجّل أعلى تسونامي ارتفاعاً قدره 32 متراً، وذلك في أوكيشيري باليابان في يوليو 1993. وثاني أعلى ارتفاع بلغ 26 متراً وكان في إندونيسيا في ديسمبر عام 1992.
كارثة شرق آسيا (2004)
بينما كان العالم يستعدّ لاستقبال عام 2005، شهد شرق آسيا في 26 ديسمبر 2004 خامس أشد زلزال منذ عام 1900، والأقوى على الإطلاق في العالم منذ 40 عاماً، حيث بلغت شدته 8.9 درجات على مقياس ريختر. كما اعتبر هذا الزلزال والعصف البحري الذي تلاه من أكبر الكوارث التي تعرضت لها الإنسانية في العصر الحديث، وبالتحديد منذ عام 1965 من حيث قوته وهوله وحجم الدمار وأعداد القتلى الهائلة التي وصلت إلى حوالي 285 ألف شخص، بالإضافة إلى عدد مماثل من الجرحى وملايين المشرّدين في إندونيسيا وسريلانكا وتايلاند والهند وماليزيا.
وقع الزلزال قبالة ساحل إقليم «أتشيه» بجزيرة سومطرة شمال إندونيسيا، محدثاً موجات مدّ انتقلت شمالاً إلى جزر «أندامان» بالمحيط الهندي، واجتاحت الأمواج الهائلة المنتجعات الساحلية في هذه الدول، حيث زرع التسونامي في المدن والقرى التي اقتحمها الموت والدمار والتخريب في أنحاء المنطقة بأسرها. وقد واصلت موجات التسونامي امتدادها حتى السواحل الشرقية للقارة الإفريقية على بعد حوالي 7000 كيلومتر من مركز الزلزال، وأودت بحياة حوالي 300 شخص في الصومال وأدّت إلى خراب واسع في القرى الساحلية وشرّدت حوالي 50 ألف شخص من بيوتهم وأرزاقهم.
حدث زلزال إندونيسيا إثر اصطدام الصحن التكتوني الذي يحمل الهند بصحن بورما وانزلاقه تحته، ما أدّى إلى انكسار في صحن بورما بطول حوالي 400 كيلومتر وارتفاع حوالي 35 متراً على عمق 1000 متر تحت مياه المحيط. وكان صحن الهند يتحرّك منذ عشرات ملايين السنين في الاتجاه الشمالي الشرقي بسرعة 6 سنتيمترات في السنة بالنسبة إلى صحن بورما. ويقدّر خبير «المشروع الأمريكي للرصد الجيولوجي»، كِن هدنت، الطاقة المحرّرة من باطن الأرض في زلزال سومطرة هذا بما يعادل انفجار 30 ألف قنبلة نووية من مثيلات تلك التي ألقيت على مدينة هيروشيما عام 1945، ويضيف أن الزلزال جعل كوكب الأرض بكامله يهتزّ حول محوره، وأن مدة اليوم الأرضي ازدادت بنسبة ثلاثة أجزاء من مليون من الثانية!
زلزال اليابان 2011... كارثة فوكوشيما النووية
تقع اليابان على خط نارٍ زلزالي ناشط، وهي عرضة للهزات والزلازل بشكل متكرّر. في
11 مارس 2011 ضرب منطقة توهوكو قبالة سواحل شرق اليابان زلزال عنيف بلغت قوته 8.9 درجات على مقياس ريختر. حُدّد مركز الزلزال في المحيط الهادئ على عمق حوالي 24 كلم، وعلى بعد 373 كلم شمال شرق العاصمة طوكيو، ونجمت عنه موجات تسونامي هائلة في المحيط الهادئ. وقد نجم عن الزلزال والتسونامي المرافق أكثر من ألف قتيل ومفقود، وتدمير أحد المطارات وتسجيل أعلى نسبة من الخسائر في الممتلكات، وتدمير للبنية التحتية وفي المحطات النفطية والمحطات النووية وتوقفها عن العمل. ويعدّ هذا الزلزال أعنف الزلازل في تاريخ اليابان منذ بدء توثيق سجلات الزلازل قبل 140 عاماً. وفي دراسة للمعهد الإيطالي للجيوفيزياء أدّى هذا الزلزال إلى إزاحة محور دوران الأرض عشرة سنتيمترات.
وأثناء التسونامي ارتفع مستوى البحر عند الشاطئ الياباني إلى 10 أمتار، كما ارتفعت المياه بنسب مختلفة عند سواحل 25 دولة محيطة بمركز الزلزال في المحيط الهادئ.
كما أدّى الزلزال إلى انهيارات في مبانٍ بمفاعل فوكوشيما النووي، على بعد 240 كيلومتراً شمال العاصمة طوكيو، ما أدى إلى إجلاء الآلاف من السكان في محيط المفاعل الذي أخذ في الانصهار. وقد ارتفعت وتيرة النشاط الإشعاعي إلى أكثر من عشرين مرة من المستوى الطبيعي في موقع فوكوشيما، في حين أعنلت الحكومة اليابانية حال الطوارئ في محطة نووية ثانية، وأغلقت مصاف نفطية ومصانع للسيارات والإلكترونيات واشتعلت النار في مصفاة، ولحقت أضرار كبيرة بعدد من الطرق وانقطعت الكهرباء عن ملايين المنازل والشركات وأغلقت عدة مطارات وتوقفت خدمات السكك الحديدية وأغلقت جميع الموانئ.
الزلازل... مهندسة الجغرافيا الأرضية!
تتعرض الأرض سنوياً لنحو مليون زلزال، لا يشعر الناس بمعظمها إما لضعفها وإما لحدوثها في مناطق غير مأهولة، فالإنسان لا يحس بالزلزال عادة إلا حين تصل شدته إلى أكثر من 4 درجات بمقياس ريختر. ويعتبر الزلزال كبيراً حين تزيد قوته على 7 درجات في هذا المقياس. لكن لماذا تحدث تلك الزلازل وما أسبابها؟
وفق علماء الجيولوجيا فإن القشرة الأرضية التي ترتفع فوقها القارات والبحار ليست متصلة، بل مقسمة بشبكة من الصدوع إلى عدد من الألواح أو الصفائح أو الصحون (الصفائح التكتونية) التي تتحرك بصورة دائمة، كل صفيحة على حدة كوحدة مستقلة متماسكة تسبح فوق غلالة من الصخور شبه المنصهرة (الصهير «Magma») في طبقة الوشاح (وهي الطبقة الثانية بعد القشرة الأرضية من الطبقات العظمى المكونة لكوكبنا الأرضي).
وتؤدّي الزلازل الكبيرة إلى تغيير في جغرافيا المواقع المصابة. وكان اصطدام الصحون التكتونية الأسترالية والآسيوية قد أدّى إلى نتوء جبال هملايا على امتداد ملايين السنين. وفق بول تابونييه، مدير مختبر الصفائح التكتونية في المعهد الجيولوجي الفرنسي، فإن تراكم فعل الزلازل المتتالية قد شكّل كل النتوءات على سطح الأرض، لذلك يعتبر تابونييه الزلازل بمنزلة المهندسين الكبار للجغرافيا الأرضية.
هل «المتوسط» والشواطئ العربية معرضة لموجات تسونامي؟
منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ليست بعيدة عن مثل ما أصاب جنوب شرق آسيا أخيراً، والمثال لذلك تركيا وإيران، فدولنا موجودة على بقعة تلتقي فيها الصفائح التكتونية التي تسبب تحركها الزلازل. أما منطقة الخليج العربي فهي من حيث المبدأ ليست على خط الزلازل، لكن دولها مثل كل الدول المطلة على البحار بحاجة إلى استكشاف باطن هذه البحار، ومعرفة تضاريسها، واحتمال وجود جروف كبيرة يكفي انهيار أحدها لإطلاق موجة تسونامي مشابهة لما حصل في جنوب شرق آسيا، ومعظم الزلازل في العالم تضرب البحار.
أما الخطر الجيولوجي الرئيس في المنطقة العربية الناجم عن نشاطات الإنسان فهو ضخ النفط من الآبار، فالنفط ليس موجوداً في برك تحت الأرض، بل هو يملأ مسام في الصخور، وحين يضخ إلى السطح تفرغ المسام وتصبح ضعيفة ولا تعود تتحمل ضغطاً، ويختل توازن الصخور وقد تتضعضع الأرض أو تخسف إذا بني عليها أو تعرضت لضغط كبير.
كما أن التجارب النووية التي تقوم بها إسرائيل – الدولة النووية الوحيدة في المنطقة العربية – في صحراء النقب أو في البحر الأحمر ليست بلا أثر على احتمال الهزّات والتسونامي في البلاد العربية. وقد سبق أن أجرت إسرائيل في مايو 1998 تفجيراً نووياً في مياه خليج العقبة، كما أجرت في العام نفسه تجربتين نوويتين في البحر الأحمر، وأدى فشل إحداهما إلى خسائر بيئية هائلة في دول إفريقية ساحلية، وامتداد البحر إلى سواحل إريتريا، ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي يرسل مبعوثين عنه إلى هذه الدول لعرض تعويضات عليها لإرضائها، من قبيل تطوير أسلحتها وتزويدها بأسلحة متطورة.
وصحيح أن البحر المتوسط ليس سوى بِرْكة كبيرة مفصولة عن بقية المحيطات المائية بمضيق جبل طارق الضيّق، إلا أن الصحيح أيضاً أن أحد خطوط الزلازل – الذي يشهد حدوث 21 في المائة من زلازل العالم – يمرّ في المتوسط قاطعاً الأردن ولبنان وقبرص واليونان وإيطاليا وغيرها، وبالتالي فإن حدوث زلزال بحري كبير تحت قاع المتوسط ليس مستبعداً، ولو حدث مثل ذلك الأمر فإن موجات التسونامي التي سوف تقتحم السواحل المتوسطية ستكون أشد هولاً وكارثية مما في البحار والمحيطات المفتوحة الواسعة. وقد يكون التسونامي المقدّر حوالي عام 350 قبل الميلاد الذي ضرب السواحل الجنوبية والشرقية للمتوسط هو الذي أدّى إلى ابتلاع المدن الفينيقية الساحلية التي يصار إلى اكتشافها يوماً بعد يوم، قبالة ساحل صيدا وصور، على عمق حوالي ثلاثين متراً تحت سطح البحر. وربما يكون الحدث نفسه هو الذي أغرق مدينة أطلنطيس التي لم يعثر عليها في البحر بعد، إنما عثر عليها في ملاحم وقصائد الأقدمين! ثم، أَوَلم تدمّر بيروت بتسونامي وزلزال عام 551م؟
ما العمل؟
على الرغم من بعض المحاولات الناجحة في عدد من الدول المتقدمة، فإنه يستحيل عملياً توقع حدوث الزلازل، ففي فبراير 1975 مثلاً توقع علماء الزلازل في الصين حدوث زلزال قبل 24 ساعة من وقوعه، لكن زلزالاً مدمراً ضرب المنطقة نفسها عام 1976 من دون أن يتوقعه أحد وخلّف 650 ألف ضحية، وفي الاتحاد السوفييتي السابق نجح العلماء في معرفة توقيت زلزال وقع عام 1987. ومنذ عام 1948 فإن 75 في المائة من الإنذارات بحدوث الزلازل هي إنذارات خاطئة. ورغم أن الأقمار الاصطناعية تستطيع اليوم رصد أي ارتفاع في مياه البحار، فإن هذا الأمر لم يمنع الإنذارات الخاطئة، وقد أدّى إنذار خاطئ بحدوث تسونامي في مدينة هونولولو عام 1986 إثر زلزال كبير إلى إخلاء المدينة، ولم يحدث زلزال، وتخطت خسائر الإخلاء ثلاثين مليون دولار أمريكي.
لابد إذن من تطوير الطرق العلمية للاستشعار المبكّر للزلازل، وهذا يعني الإغداق على البحث العلمي في هذا المجال، وصولاً إلى إمكان التنبؤ بالزلازل بدقة قبل وقوعها بمدة كافية تتيح للناس النجاة بأرواحهم، وعدم التغاضي عن الآثار المدمرة المحتملة للزلازل في المناطق المهددة، واتباع الطرق الوقائية المعروفة التي تحمي السكان وتقلل من حجم الخسائر المادية. وفي زلزال شرق آسيا الأخير، كانت موجة مدّ التسونامي النابعة من بؤرة الزلزال البحري على بعد 350 كيلومتراً من سومطرة تحتاج إلى حوالي نصف ساعة للوصول إلى هذه الجزيرة، وهو وقت كاف لإخلاء السواحل المواجهة لو تمّ رصد الحدث وتوقّع التسونامي وتحذير الناس فوراً. أما بقية المناطق المنكوبة فقد كانت الموجة تحتاج إلى وقتٍ أطول كي تصل إليها، وبالتالي فقد كانت فرص النجاة هناك أكبر لو أمكن الإنذار السريع .