حفريات روائية في التاريخ والتراث السردي

حفريات روائية في التاريخ  والتراث السردي

في‭ ‬بدايات‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ازدهارها‭ ‬ونضجها‭ ‬‭ ‬بالأحرى‭: ‬عرسها‭ ‬‭ ‬منذ‭ ‬أخذ‭ ‬القرن‭ ‬العشرون‭ ‬يغرب،‭ ‬كان‭ ‬التاريخ‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬ينابيعها‭ ‬الكبرى،‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬التراث‭ ‬السردي‭ ‬في‭ ‬اللغة‭ ‬أو‭ ‬الشهرزادية،‭ ‬مثلاً‭. ‬وقد‭ ‬جعل‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرين‭ ‬يقولون‭ ‬بالرواية‭ ‬التاريخية،‭ ‬لكني‭ ‬أوثر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬القول‭ ‬بالحفر‭ ‬الروائي‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬التراث‭ ‬السردي‭ ‬وغير‭ ‬السردي‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المقام‭ ‬سوف‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أتبين‭ ‬هذا‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬على‭ ‬الإيقاع‭ ‬السوري‭ ‬المتفجر‭ ‬منذ‭ ‬15‭/‬3‭/‬2011‭.‬

رواية‭ ‬محمد‭ ‬برهان‭: ‬عطار‭ ‬القلوب‭ -‬2014

تشبك‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬الأولى‭ ‬لكاتبها‭ ‬بالعربية‭ ‬ذ‭ ‬له‭ ‬رواية‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬ذ‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والراهن‭ ‬الذي‭ ‬ألجأ‭ ‬الراوي‭ ‬وأسرته‭ ‬إلى‭ ‬الاحتماء‭ ‬تحت‭ ‬الطاولة،‭  ‬من‭ ‬القصف‭ ‬الذي‭ ‬يزلزل‭ ‬حي‭ ‬الزاهرة‭ ‬ومخيم‭ ‬اليرموك،‭ ‬ويتصادى‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬دمشق‭ ‬الأخرى،‭ ‬وفي‭ ‬أنحاء‭ ‬ريفها‭ ‬وغوطتها‭.‬

أما‭ ‬الماضي‭ ‬فيحضر‭ ‬فيما‭ ‬يروي‭ ‬عن‭ ‬جده‭ ‬الحاج‭ ‬محمود‭ ‬العطار‭ ‬صاحب‭ ‬دكان‭ ‬العطارة،‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬الراوي‭ ‬فيه‭ ‬أجيراً‭. ‬والجد‭ ‬هو‭ ‬شيخ‭ ‬العطارين‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬دكانه‭ ‬‮«‬دكان‭ ‬السعادة‮»‬‭ ‬أسطورة‭ ‬قبل‭ ‬100‭ ‬عام،‭ ‬حيث‭ ‬علاج‭ ‬مرضى‭ ‬العشق‭. ‬وهكذا‭ ‬تأتي‭ ‬قصص‭ ‬العشاق‭ ‬المرضى‭ ‬واستشفائهم،‭ ‬ملفوحة‭ ‬بعبق‭ ‬التاريخ،‭ ‬مثل‭ ‬قصة‭ ‬الخواجا‭ ‬الرسام‭ ‬الإيطالي‭ ‬عاشق‭ ‬الشام،‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬إبراهيم‭ ‬العطار‭ ‬نفسه‭ ‬والأميرة‭ ‬التركية‭ ‬شهناز‭. ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬اقتربت‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬النهاية،‭ ‬أفردت‭ ‬للتاريخ‭ ‬صفحات‭ ‬تحفل‭ ‬بالأخبار‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬جبل‭ ‬لبنان‭ ‬والبقاع‭ ‬اللبناني‭ ‬إلى‭ ‬الشام‭ ‬ذ‭ ‬دمشق‭ ‬ذ‭ ‬منبئة‭ ‬بتعرُّض‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬200‭ ‬قرية‭ ‬مسيحية‭ ‬للاجتياح‭ ‬والنهب،‭ ‬في‭ ‬حمّى‭ ‬ما‭ ‬عُرف‭ ‬بالحرب‭ ‬الطائفية‭ ‬عام‭ ‬1860،‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬نيرانها‭ ‬دمشق،‭ ‬حيث‭ ‬تدفق‭ ‬سيل‭ ‬النازحين‭ ‬من‭ ‬ميدان‭ ‬الحرب‭ ‬اللبناني‭ ‬إلى‭ ‬الأحياء‭ ‬الدمشقية‭ ‬المسيحية‭ ‬بخاصة‭. ‬وإزاء‭ ‬ذلك‭ ‬يظهر‭ ‬الوالي‭ ‬غير‭ ‬مبالٍ،‭ ‬ويعتدي‭ ‬موكبه‭ ‬على‭ ‬الأطفال،‭ ‬ويجتاح‭ ‬المعتدون‭ ‬حياً‭ ‬مسيحياً‭ ‬ويرتكبون‭ ‬فيه‭ ‬مجزرة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬النهب‭ ‬وحرق‭ ‬البيوت‭ ‬والدكاكين‭ ‬والأديرة‭...‬

‭ ‬لدرء‭ ‬ذلك‭ ‬يمضي‭ ‬شهبندر‭ ‬العطارين‭ ‬وبعض‭ ‬تجار‭ ‬السوق‭ ‬إلى‭ ‬الجامع‭ ‬الكبير‭ ‬للقاء‭ ‬الأمير‭ ‬عبدالقادر‭ ‬الجزائري،‭ ‬بينما‭ ‬شكل‭ ‬شباب‭ ‬مسيحيون‭ ‬مجموعات‭ ‬مسلَّحة‭ ‬للتصدي‭ ‬للمعتدين،‭ ‬وهربت‭ ‬أُسر‭ ‬مسيحية‭ ‬من‭ ‬حي‭ ‬باب‭ ‬شرقي،‭ ‬وبدت‭ ‬الخيالة‭ ‬ذ‭ ‬مسلحو‭ ‬الحكومة‭ ‬ذ‭ ‬تارة‭ ‬تحمي‭ ‬المسيحيين‭ ‬وأخرى‭ ‬تناصر‭ ‬مسلحي‭ ‬القرى‭ ‬الذين‭ ‬يهاجمونهم‭. ‬

يستبطن‭ ‬هذا‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬ما‭ ‬يخاطب‭ ‬به‭ ‬الراهن‭ ‬السوري،‭ ‬وهو‭ ‬شاغل‭ ‬الرواية‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭. ‬فاعتداء‭ ‬موكب‭ ‬الوالي‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬يخاطب‭ ‬اعتداء‭ ‬‮«‬الأمن‮»‬‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬درعا،‭ ‬وهو‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬النفير‭ ‬السوري‭. ‬وذلك‭ ‬الذي‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬الحريق‭ ‬الدمشقي‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬ونصف‭ ‬القرن‭ ‬من‭ ‬المصالحة‭ ‬والتسامح‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الشام،‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬ما‭  ‬ترنو‭ ‬الرواية‭ ‬إليه،‭ ‬بالإهاب‭ ‬الفني‭ ‬الذي‭ ‬تبدّى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أبدع‭ ‬إبراهيم‭ ‬العطار‭ ‬‮«‬عطار‭ ‬القلوب‮»‬‭ ‬من‭ ‬دواء‭ ‬يذهب‭ ‬بالحقد‭ ‬من‭ ‬القلوب‭.‬

 

رواية‭ ‬خليل‭ ‬صويلح‭: ‬جنة‭ ‬البرابرة‭ -‬2014

هذه‭ ‬رواية‭ ‬ألف‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الزلزال‭ ‬السوري،‭ ‬إذ‭ ‬تتوقف‭ ‬في‭ ‬9‭/‬12‭/‬2013،‭ ‬والزلزال‭ ‬لما‭ ‬يزل‭ ‬يزلزل‭. ‬ولا‭ ‬تتوقف‭ ‬شهرزاد‭ ‬عن‭ ‬الرواية‭ ‬المنهكة‭ ‬إلا‭ ‬لأن‭ ‬بورخيس‭ ‬أعلن‭ ‬أن‭ ‬تجاوز‭ ‬الليلة‭ ‬الألف‭ ‬يعني‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬الليالي‭ ‬اللانهائية‭.‬

يحضر‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬إهاب‭ ‬وغير‭ ‬متناص‭. ‬فها‭ ‬هو‭ ‬ابن‭ ‬جبير‭ ‬يطل‭ ‬بوصفه‭ ‬لدمشق‭ ‬‮«‬جنة‭ ‬المشرق‮»‬‭. ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الراوي‭ ‬يلتقي‭ ‬بابن‭ ‬عساكر‭ ‬الذي‭ ‬أنجز‭ ‬مؤلَّفه‭ ‬الضخم‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬تاريخ‭ ‬مدينة‭ ‬دمشق‮»‬‭. ‬كما‭ ‬يتعثر‭ ‬الراوي‭ ‬بأبي‭ ‬حيان‭ ‬التوحيدي‭ ‬فيجد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬مقابساته‭ ‬يخاطب‭ ‬ما‭ ‬يرغب‭ ‬هو‭ ‬ذ‭ ‬الراوي‭ ‬ذ‭ ‬في‭ ‬تدوينه،‭ ‬ولا‭ ‬فرق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأول‭ ‬خطّ‭ ‬بالريشة‭ ‬والأخير‭ ‬يخط‭ ‬بالكيبورد‭. ‬أما‭ ‬الأهم‭ ‬فهو‭ ‬لقاء‭ ‬الراوي‭ ‬بالبديري‭ ‬الحلاق‭ ‬صاحب‭ ‬المؤلف‭ ‬الاستثنائي‭ ‬‮«‬حوادث‭ ‬دمشق‭ ‬اليومية‮»‬‭. ‬والحلاق‭ ‬هو‭ ‬المؤرخ‭ ‬الشعبي‭ ‬بامتياز،‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬لدمشق‭ ‬سجلها‭ ‬بالبلاغة‭ ‬العامية،‭ ‬وكامتداد‭ ‬للمقريزي،‭ ‬كما‭ ‬يكتب‭ ‬الراوي‭ ‬مقتدياً،‭ ‬فيسجل‭ ‬يومياته‭ ‬الدمشقية‭ ‬الزلزالية‭ ‬مما‭ ‬يرى‭ ‬ومما‭ ‬يسمع‭. ‬لكن‭ ‬البديري‭ ‬الحلاق‭ ‬ندر‭ ‬أن‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬السرد،‭ ‬بينما‭ ‬الراوي‭ ‬ظل‭ ‬يحشر‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬السردي‭ ‬على‭ ‬الروائي‭.‬

بين‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬زمن‭ ‬البديري‭ ‬الحلاق،‭ ‬وزمن‭ ‬الزلزلة‭ ‬السورية‭ ‬2011‭-  ‬لا‭ ‬يفتأ‭ ‬راوي‭ ‬‮«‬جنة‭ ‬البرابرة‮»‬‭ ‬ينتقل‭. ‬ومن‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬يطوي‭ ‬الزمن‭ ‬طياً‭ ‬ليخاطب‭ ‬التاريخُ‭ ‬الطويل‭ ‬التاريخَ‭ ‬الجاري‭: ‬هجوم‭ ‬العسكر‭ ‬على‭ ‬حي‭ ‬الميدان،‭ ‬وقصف‭ ‬المدافع‭ ‬لسوق‭ ‬ساروجة‭. ‬ولا‭ ‬يدع‭ ‬الراوي‭ ‬القارئ‭ ‬يتقرى‭ ‬بنفسه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬خطاب‭ ‬الماضي‭ ‬للحاضر،‭ ‬بل‭ ‬يكتب‭ ‬مثلاً‭: ‬‮«‬سأتوقف‭ ‬عند‭ ‬حادثة‭ ‬مشابهة‭ ‬لما‭ ‬تعيشه‭ ‬دمشق‭ ‬اليوم‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬نفسها‭ ‬أيضاً‮»‬‭. ‬وحين‭ ‬تدوي‭ ‬اليوم‭ ‬قذيفة‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬جبل‭ ‬قاسيون‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬ضواحي‭ ‬دمشق،‭ ‬يرمي‭ ‬صوت‭ ‬القذيفة‭ ‬الراوي‭ ‬بصورة‭ ‬تيمورلنك‭ ‬بعد‭ ‬احتلاله‭ ‬لدمشق‭ ‬بالمنجنيقات‭. ‬وتلفع‭ ‬السخرية‭ ‬أحياناً‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬للتاريخ،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أسماء‭ ‬الكتائب‭ ‬والألوية‭ ‬وعموم‭ ‬تشكيلات‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهي‭ ‬الأسماء‭ ‬التي‭ ‬يراها‭ ‬الراوي‭ ‬محتلّة‭ ‬من‭ ‬‮«‬دائرة‭ ‬نفوس‭ ‬الكتائب‭ ‬المسلحة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬زمن‭ ‬الفتوحات‭.‬

 

رواية‭ ‬شهلا‭ ‬العجيلي‭: ‬سجاد‭ ‬عجمي‭ - ‬2012

في‭ ‬ربيع‭ ‬2013‭ ‬سيطرت‭ ‬تنــــظـــيمات‭ ‬إسلامـــية‭ ‬مسلَّحة‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬الرقة‭. ‬وبعد‭ ‬شهور،‭ ‬طرد‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬تلك‭ ‬التنظيمات،‭ ‬وانفرد‭ ‬بالسيطرة‭ ‬على‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إليها‭ ‬شهلا‭ ‬العجيلي‭. ‬وكانت‭ ‬رواية‭ ‬العجيلي‭ ‬‮«‬سجاد‭ ‬عجمي‮»‬‭ ‬قد‭ ‬صدرت‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بقرابة‭ ‬عام‭.‬

تعود‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬عاشتها‭ ‬الرقة‭ ‬قبل‭ ‬قرون،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬تخاطب‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬اللحظة‭ ‬الداعشية‭. ‬ففي‭ ‬الرواية‭ ‬أن‭ ‬والياً‭ ‬جديداً‭ ‬يدخل‭ ‬إلى‭ ‬الرقة‭ ‬الوديعة‭ ‬الهادئة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬بمنجاة‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭. ‬لكن‭ ‬الصراعات‭ ‬متفاقمة‭ ‬في‭ ‬الجوار‭: ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬الشام‭: ‬هكذا‭ ‬كان‭ ‬الأمر،‭ ‬وهكذا‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭. ‬وبدخول‭ ‬الوالي‭ ‬الجديد‭ ‬تنقلب‭ ‬حال‭ ‬الرقة‭ ‬شر‭ ‬منقلب،‭ ‬وهو‭ ‬القادم‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مصحف‭ ‬فاطمة‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقال‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬الرقة‭ ‬منذ‭ ‬معركة‭ ‬صفين‭ ‬التي‭ ‬غدت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬ضواحي‭ ‬الرقة‭.‬

تتخفى‭ ‬السياسة‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬تتماهى‭ ‬فيه،‭ ‬فيعلن‭ ‬الوالي‭ ‬أن‭ ‬غرضه‭ ‬هو‭ ‬وأد‭ ‬الفتنة‭. ‬لكنه‭ ‬يعاجل‭ ‬المدينة‭ ‬بالرعب‭ ‬الذي‭ ‬يستوي‭ ‬فيه‭ ‬الضعيف‭ ‬والقوي،‭ ‬وبالمؤامرات‭ ‬والفوضى‭ ‬والصراع‭ ‬بين‭ ‬سادة‭ ‬المدينة،‭ ‬وفي‭ ‬صفوف‭ ‬العسكر‭ ‬أيضاً‭. ‬ومن‭ ‬ظاهرة‭ ‬المدينة‭ ‬تلطمها‭ ‬أخبار‭ ‬القتال‭ ‬بين‭ ‬جند‭ ‬الوالي‭ ‬الجديد‭ ‬والخارجين‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬المسلحين‭ ‬الملثمين‭ ‬المجهولين،‭ ‬الذين‭ ‬يرفعون‭ ‬المصاحف‭ ‬على‭ ‬الأسنَّة‭ ‬والسيوف‭ ‬ويهتفون‭ ‬باسم‭ ‬الله،‭ ‬مما‭ ‬بلبل‭ ‬جنود‭ ‬الوالي‭ ‬بين‭ ‬الولاء‭ ‬له‭ ‬والانتصار‭ ‬لدعوة‭ ‬المسلَّحين‭ ‬التي‭ ‬تكفّر‭ ‬الخليفة‭ ‬ومن‭ ‬والاه،‭ ‬لكأننا‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬2013‭ ‬أو‭ ‬2014‭ ‬أو‭ ‬2015‭. ‬

من‭ ‬الجهل‭ ‬والجهالة‭ ‬إلى‭ ‬وحشية‭ ‬القتل‭ ‬والتنكيل‭ ‬إلى‭ ‬التستر‭ ‬بستار‭ ‬الدين،‭ ‬إلى‭ ‬انقلاب‭ ‬أحوال‭ ‬الرقة‭ ‬شر‭ ‬منقلب،‭ ‬تبدو‭ ‬الرواية‭ ‬تخاطب‭ ‬الراهن‭ ‬وهي‭ ‬تحفر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الماضي‭ ‬البعيد‭ ‬ذ‭ ‬التاريخ‭. ‬وقد‭ ‬ضاعفت‭ ‬اللغة‭ ‬السردية‭ ‬التراثية‭ ‬البديعة‭ ‬لهذه‭ ‬الرواية‭ ‬من‭ ‬نفاذ‭ ‬خطابها،‭ ‬‭ ‬بما‭ ‬شبكت‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬بالتاريخ‭ ‬الجاري،‭ ‬بينما‭ ‬الرقة‭ ‬وأخواتها‭ ‬السوريات‭ ‬والعراقيات‭ ‬يزلزل‭ ‬زلزالها،‭ ‬فتخرج‭ ‬أثقالها‭: ‬‮«‬وهذا‭ ‬من‭ ‬أعجب‭ ‬العجب‮»‬‭ ‬كما‭ ‬تخبر‭ ‬الرواية،‭ ‬إذ‭ ‬خرج‭ ‬بلاء‭ ‬الفتنة‭ ‬من‭ ‬الصدور،‭ ‬وأوغل‭ ‬في‭ ‬الزرع‭ ‬والضرع،‭ ‬وانتشرت‭ ‬الفاقة‭ ‬نتيجة‭ ‬عَطَلَة‭ ‬السوق‭ ‬واحتجاز‭ ‬مقدرات‭ ‬البلاد‭ ‬لدعم‭ ‬الجذرية،‭ ‬ونقرأ‭: ‬‮«‬كان‭ ‬أهل‭ ‬المدينة‭ ‬يستيقظون‭ ‬كل‭ ‬يوم‭  ‬على‭ ‬خبر‭ ‬قتل،‭ ‬وفقد،‭ ‬وتنكيل،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬واحدهم‭ ‬بات‭ ‬ينام‭ ‬ليلاً‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭  ‬قُدِّر‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يصبح،‭ ‬هل‭ ‬سيصبح‭ ‬في‭ ‬داره‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬أم‭ ‬في‭ ‬الطريق؟‮»‬‭. ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬تتلامح‭ ‬واحدة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬‮«‬لغات‮»‬‭ ‬العصر‭ ‬العباسي،‭ ‬بزهوها‭ ‬وتراثها‭ ‬وتفرُّدها،‭ ‬بينما‭ ‬ترسم‭ ‬مشهداً‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬أو‭ ‬تنسج‭ ‬قصة‭ ‬حب‭. ‬

ومن‭ ‬ذلك‭ ‬تسمق‭ ‬بخاصة‭ ‬لبانة‭ ‬العشرينية‭ ‬التي‭ ‬درست‭ ‬النسخ‭ ‬والترجمة‭ ‬عن‭ ‬السريانية،‭ ‬وعملت‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬نساخة،‭ ‬ثم‭ ‬عادت‭ ‬إلى‭ ‬مدينتها‭ ‬الرقة‭ ‬‮«‬وعليها‭ ‬ثوب‭ ‬من‭ ‬الكتان‭ ‬الأبيض،‭ ‬مطرَّز‭ ‬عند‭ ‬الصدر‭ ‬بخيوط‭ ‬من‭ ‬القصب‭ ‬الأصفر،‭ ‬وقد‭ ‬لفّت‭ ‬شعرها‭ ‬بخمار‭ ‬فيروزي‭ ‬عقصته‭ ‬إلى‭ ‬الخلف‮»‬‭. ‬

 

‭ ‬رواية‭ ‬غازي‭ ‬حسين‭ ‬العلي‭: ‬

ليلة‭ ‬الإمبراطور‭ - ‬2014

نقضت‭ ‬جمهرة‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬كتبها‭ ‬محمود‭ ‬المسعدي‭ ‬وإميل‭ ‬حبيبي‭ ‬وفرج‭ ‬الحوار‭ ‬وصلاح‭ ‬الدين‭ ‬بوجاه‭ ‬وغازي‭ ‬القصيبي‭ ‬وجمال‭ ‬الغيطاني‭.. ‬الاعتقاد‭ ‬بأن‭ ‬اللغة‭ ‬السردية‭ ‬الموسومة‭ ‬بالتراثية‭ ‬ليست‭ ‬لغة‭ ‬روائية‭ ‬معاصرة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬النقض‭ ‬تندرج‭ ‬رواية‭ ‬شهلا‭ ‬العجيلي‭ ‬‮«‬سجاد‭ ‬عجمي‮»‬‭ ‬ورواية‭ ‬غازي‭ ‬حسين‭ ‬العلي‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬الإمبراطور‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬حدّت‭ ‬الأخيرة‭ ‬نسبها‭ ‬التراثي‭ ‬اللغوي‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬حليّه‭ ‬الخطرة،‭ ‬أعني‭ ‬‮«‬السجع‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬إلى‭ ‬قيد‭. ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬الإمبراطور‮»‬‭ ‬قوّى‭ ‬الإيقاع‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وأفسح‭ ‬للسخرية‭ ‬من‭ ‬جهة‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬سجاد‭ ‬عجمي‮»‬‭ ‬قد‭ ‬واءمت‭ ‬بامتياز‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬الروائية‭ ‬والحفر‭ ‬في‭ ‬التاريخ،‭ ‬فرواية‭ ‬‮«‬ليلة‭ ‬الإمبراطور‮»‬‭ ‬واءمت‭ ‬بامتياز‭ ‬بين‭ ‬اللغة‭ ‬الروائية‭ ‬والشهرزادية،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬لها‭ ‬ذلك‭ ‬دوماً‭ ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬،‭ ‬فأَحضرت‭ ‬إلى‭ ‬زمنها‭ ‬الراهن‭ ‬ومسرحها‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬الكواكبي‭ ‬أو‭ ‬سليمان‭ ‬الحلبي‭ ‬أو‭ ‬السهروردي‭..‬

لقد‭ ‬هيمنت‭ ‬السجعة‭ ‬اللطيفة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬عناوين‭ ‬فصول‭ ‬الرواية‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬يقال‭ ‬همساً‭ ‬في‭ ‬المكاتب،‭ ‬وليس‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬الشأن‭ ‬والمناصب‭ ‬‮«‬أو‮»‬‭ ‬مات‭ ‬بالسكتة‭ ‬القلبية‭ ‬وهو‭ ‬نائم‭ ‬على‭ ‬الصبية‭ ‬‮«‬أو‮»‬‭ ‬الزموا‭ ‬الحذر‭ ‬ياشباب‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬انقلاب،‭ ‬ومهما‭ ‬يُقل‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬العنوان‭/ ‬العتبة‭ - ‬إزاء‭ ‬اللعبة‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تفتتح‭ ‬الفصول،‭ ‬أو‭ ‬تفتق‭ ‬السرد،‭ ‬والمتمثلة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭: ‬‮«‬رأيت‭ ‬فيما‭ ‬يرى‭ ‬النائم‮»‬‭ ‬فبفضل‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬المفتاحية‭ ‬أمكن‭ ‬للراوي‭ ‬أن‭ ‬يقفز‭ ‬بين‭ ‬الأزمنة‭ ‬والأمكنة،‭ ‬وأن‭ ‬يشبكها،‭ ‬حتى‭ ‬ليرى‭ ‬أنه‭ ‬حمال‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬النسوان،‭ ‬وأن‭ ‬امرأة‭ ‬بارعة‭ ‬الجمال‭ ‬تقف‭ ‬قبالته‭ ‬وتقول‭: ‬احمل‭ ‬قفصك‭ ‬واتبعني‭.. ‬وهي‭ ‬إذن‭ ‬الحفرية‭ ‬في‭ ‬‮«‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة‮»‬‭ ‬وما‭ ‬روت‭ ‬شهرزاد‭ ‬في‭ ‬حكاية‭ ‬‮«‬الحمال‭ ‬والبنات‮»‬‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الراوي‭ ‬يعصرن‭ ‬الحكاية‭ ‬بمكر،‭ ‬وبلا‭ ‬صخب،‭ ‬لتصير‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قطب‭ ‬شهادة‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬زمنها،‭ ‬أي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬قطب‭ ‬نسيج‭ ‬التاريخ‭ ‬الجاري‭ ‬الساخن‭ ‬المباشر،‭ ‬مما‭ ‬تعيشه‭ ‬سورية‭ ‬من‭ ‬زلزالها،‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬الراوي‭ ‬حبيبته‭ ‬سعاد‭ ‬في‭ ‬بطن‭ ‬الحكاية‭ ‬الألف‭ ‬ليلية،‭ ‬بعدما‭ ‬حرمه‭ ‬منها‭ ‬ابن‭ ‬عمها‭ ‬العماد‭ ‬الذي‭ ‬تنقفل‭ ‬الرواية‭ - ‬فيما‭ ‬يرى‭ ‬النائم‭ -  ‬الراوي‭ - ‬على‭ ‬طول‭ ‬ظلم‭ ‬هذا‭ ‬الضابط‭ ‬للعباد،‭ ‬فخرجت‭ ‬إليه‭ ‬الحشود‭ ‬تهتف‭ ‬غاضبة‭: ‬‮«‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬العماد‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬سعاد‮»‬،‭ ‬فخرج‭ ‬العماد‭ ‬إلى‭ ‬الحشود‭ ‬بعدده‭ ‬وعديده،‭ ‬وقتل‭ ‬منها‭ ‬خلقاً‭ ‬كثيراً‭. ‬لكن‭ ‬الحشود‭ ‬تابعت‭ ‬السير‭ ‬في‭ ‬الحواري‭ ‬والساحات،‭ ‬وهي‭ ‬ترمح‭ ‬بأجسادها،‭ ‬وتصدح‭ ‬بحناجرها‭ ‬بالهتفة‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬صياغة‭ ‬أخرى‭ ‬لهتفة‭ ‬الزلزال‭ ‬العربي‭ ‬الشهيرة‭: ‬‮«‬الشعب‭ ‬يريد‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‮»‬‭.‬

 

رواية‭ ‬مها‭ ‬حسن‭: ‬الراويات‭ - ‬2014

بنت‭ ‬مها‭ ‬حسن‭ ‬روايتها‭ ‬هذه‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬روايات،‭ ‬عنوان‭ ‬الثالثة‭ ‬‮«‬مقهى‭ ‬شهرزاد‮»‬‭. ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬يظهر‭ ‬المقهى‭ ‬الباريسي‭ ‬حانةً‭ ‬للعناية‭ ‬بمن‭ ‬تعرَّضوا‭ ‬لجروح‭ ‬الروح،‭ ‬وبخاصة‭ ‬النساء‭. ‬وقد‭ ‬دخلت‭ ‬أنييس‭ ‬إلى‭ ‬المقهى‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تدخل‭ ‬إلى‭ ‬آلة‭ ‬الزمن‭ ‬السحرية،‭ ‬لكأنها‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬العباسي،‭ ‬وفي‭ ‬تركيا‭ ‬أو‭ ‬إيران‭ ‬أو‭ ‬العراق،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬باريس‭. ‬وبذا‭ ‬تتعزز‭ ‬الشهرزادية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬أطلَّت‭ ‬مراراً‭ ‬في‭ ‬هيئات‭ ‬شتى،‭ ‬خلال‭ ‬الروايتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬الأم‭ ‬‮«‬الراويات‮»‬‭.‬

أما‭ ‬أنييس‭ ‬فهي‭ ‬شهرزاد‭ ‬الرواية‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬تكتب‭ ‬وتخفي‭ ‬أوراقها‭. ‬وسوف‭ ‬تبدأ‭ ‬بالحكي‭ ‬في‭ ‬مقهى‭ ‬ذ‭ ‬حانة‭ ‬شهرزاد،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تتقد‭ ‬العناصر‭ ‬الشهرزادية،‭ ‬وأهمها‭ ‬العجيب‭ ‬والغريب‭ ‬والخارق،‭ ‬فتقص‭ ‬صبية‭ ‬قصة‭  ‬القصر‭ ‬ذي‭ ‬الغرف‭ ‬الأربعين،‭ ‬وتقص‭ ‬أخرى‭ ‬وهي‭ ‬تعزف‭ ‬على‭ ‬العود‭ ‬حكاية‭ ‬الأخوات‭ ‬الثلاث‭. ‬وإذ‭ ‬تبدأ‭ ‬أنييس‭ ‬بحكاياتها،‭ ‬يندلق‭ ‬السرد،‭ ‬فتروي‭ ‬سيرة‭ ‬والديها،‭ ‬وهي‭ ‬تجزم‭ ‬بأنها‭ ‬لن‭ ‬ترويها‭...‬

في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬مقهى‭ ‬شهرزاد‮»‬‭ ‬يقوم‭ ‬انتساب‭ ‬الرواية‭ ‬الأم‭ ‬‮«‬الراويات‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬الزلزلة‭ ‬المصرية‭. ‬أما‭ ‬الزلزلة‭ ‬السورية،‭ ‬فليس‭ ‬لها‭ ‬حضور‭ ‬مباشر‭. ‬وسيكون‭ ‬من‭ ‬التمحُّل‭ ‬الزعم‭ ‬بأن‭ ‬الزلزلة‭ ‬السورية‭ ‬متضمنة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بشخصية‭ ‬عليا‭ ‬الكندية‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬لتلتقي‭ ‬بصديقتها‭ ‬الفيسبوكية‭ ‬أليس،‭ ‬فتتهجدان‭ ‬في‭ ‬المعبد‭ ‬الثوري‭: ‬ميدان‭ ‬التحرير‭. ‬

وقد‭ ‬جـــاء‭ ‬في‭ ‬هامـــش‭ ‬فصل‭ ‬‮«‬فنــــانـــات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬أن‭ ‬للمخــــرجة‭ ‬الســـــورية‭ ‬علياء‭ ‬خاشوف‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬الآخر‭ ‬المشتهى‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬نفسه‭ ‬فيلم‭ ‬المخرجة‭ ‬المصرية‭ ‬الكندية‭ ‬عليا،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المتن،‭ ‬فهل‭ ‬يكفي‭ ‬ذلك‭ ‬للإحالة‭  ‬من‭ ‬عليا‭ ‬الرواية‭ ‬إلى‭ ‬عليا‭ ‬السورية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬الزلزلة‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬الزلزلة‭ ‬السورية،‭ ‬كحلقتين‭ ‬من‭ ‬حلقات‭ ‬الربيع‭ ‬العربي؟‭ ‬مهما‭ ‬يكن،‭ ‬فالحكايات‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬مقهى‭ ‬شهرزاد‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬الروايتين‭ ‬اللتين‭ ‬سبقتاها‭ ‬من‭ ‬الرواية‭ ‬الأم‭ ‬‮«‬الراويات‮»‬‭ ‬تنادي‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬لتكون‭ ‬للمقهى‭ ‬ذ‭ ‬الحانة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬شهرزادها،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬أليس‭ ‬التي‭ ‬تنضم‭ ‬إليها‭ ‬أنييس‭ ‬في‭ ‬نسج‭ ‬الحكايات‭ ‬وسردها،‭ ‬فشهرزاد‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬ليست‭ ‬واحدة‭.‬

هكذا‭ ‬جاء‭ ‬المنجز‭ ‬الفني‭ ‬للروايات‭ ‬الخمس‭ ‬مميزاً‭ ‬ومتقداً‭ ‬ومنوعاً،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الحفر‭ ‬في‭ ‬قرن‭ ‬مضى‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬قرون،‭ ‬وسواء‭ ‬استلهم‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬أم‭ ‬استلهم‭ ‬اللغة‭ ‬العباسية‭. ‬

وربما‭ ‬تتضاعف‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬المنجز‭ ‬بكونه‭ ‬نتاج‭ ‬مغامرة‭ ‬الكتابة‭ ‬في‭ ‬لجّة‭ ‬النهر‭ ‬المصطخب‭ ‬العكر‭ ‬الدامي‭ ‬والمتلاطم،‭ ‬الذي‭ ‬توحّد‭ ‬فيه‭ ‬دجلة‭ ‬والفرات،‭ ‬في‭ ‬نهر‭ ‬يصدق‭ ‬فيه‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬الواقع‭ ‬أغنى‭ ‬وأغرب‭ ‬من‭ ‬الخيال‭ ‬