مسرحية «العاصفة» والنقد ما بعد الكولونيالي «رضوى عاشور» نموذجاً

مسرحية «العاصفة» والنقد ما بعد الكولونيالي «رضوى عاشور» نموذجاً

تعد‭ ‬الناقدة‭ ‬المصرية‭ ‬د‭. ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬منجزات‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي،‭ ‬وحللوا‭ ‬على‭ ‬ضوئه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬ولاسيما‭ ‬ما‭ ‬اتصل‭ ‬منها‭ ‬بالمسرح‭. ‬وما‭ ‬قدمته‭ ‬الناقدة‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬صيادو‭ ‬الذاكرة‮»‬،‭ ‬يؤكد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬طبيعة‭ ‬النزوع‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يطغى‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مساءلتهم‭ ‬لأرشيف‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية،‭ ‬وخاصة‭ ‬ما‭ ‬ارتبط‭ ‬بالجانب‭ ‬الأدبي،‭ ‬ولعل‭ ‬تلقي‭ ‬الناقدة‭ ‬لمسرحية‭ ‬‮«‬العاصفة‮»‬‭ ‬لشكسبير،‭ ‬يمثل‭ ‬نموذجاً‭ ‬لطبيعة‭ ‬ذلك‭ ‬التمثُّل،‭ ‬فالناقدة‭ ‬تؤكد‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬عاصفة‭ ‬شكسبير‭ ‬من‭ ‬المسرحيات‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬الحط‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الإنسان‭ ‬الشرقي‭. ‬ولعل‭ ‬النعوت‭ ‬التي‭ ‬وصف‭ ‬بها‭ ‬كاليبان،‭ ‬تبرز‭ ‬لنا‭ ‬التعالي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬الانحطاط‭ ‬الشرقي،‭ ‬فكاليبان‭ ‬يوسم‭ ‬بأنه‭ ‬شخص‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬نفعاً،‭ ‬إنه‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتعلُّم،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬فوضوي،‭ ‬ومتمرِّد،‭ ‬ومتعصب،‭ ‬إن‭ ‬طاقاته‭ ‬الشهوانية‭ ‬والحيوانية‭ ‬تفوق‭ ‬بكثير،‭ ‬بل‭ ‬وتسيطر‭ ‬على‭ ‬طاقاته‭ ‬العقلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يضعه‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭.‬

‭ ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك،‭ ‬يظهر‭ ‬بروسبيرو،‭ ‬وابنته‭ ‬ميراندا،‭ ‬وباقي‭ ‬شخصيات‭ ‬المسرحية،‭ ‬رغم‭ ‬خسة‭ ‬بعضها،‭ ‬بأنها‭ ‬أرقى‭. ‬فبروسبيرو‭ ‬نموذج‭ ‬للإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬المثقف‭ ‬والمتنور،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬لينشر‭ ‬نور‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬الجزيرة‭ ‬ويهدي‭ ‬ضاليها‭. ‬وميراندا،‭ ‬فتاة‭ ‬مثقفة‭ ‬وأنيقة،‭ ‬تحمل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬خصال‭ ‬أبيها‭. ‬وفرديناد‭ ‬جميل‭ ‬يتميز‭ ‬بخصال‭ ‬النبلاء‭. ‬بينما‭ ‬تتدثر‭ ‬باقي‭ ‬شخصيات‭ ‬المسرحية،‭ ‬أنطونيو‭ ‬وسباستيان‭ ‬ستيفاتو‭ ‬وترينكولو،‭ ‬بخصال‭ ‬إنسانية‭ ‬رغم‭ ‬تواطئها‭ ‬مع‭ ‬كاليبان،‭ ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬التواطؤ‭ ‬لا‭ ‬ينزل‭ ‬بهم‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬كاليبان‭ ‬الذي‭ ‬يتخذ‭ ‬موقعاً‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬باقي‭ ‬الشخصيات،‭ ‬فكاليبان‭ ‬تقدمه‭ ‬المسرحية‭ ‬نقيضاً‭ ‬لكل‭ ‬شخصياتها،‭ ‬إنه‭ ‬شيطان‭ ‬بالفطرة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬متوحش،‭ ‬ونذل،‭ ‬وسمكة،‭ ‬وغبي،‭ ‬ووحش،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الصفات،‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬محط‭ ‬اهتمام‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه‭ ‬لكونه‭ ‬خارجاً‭ ‬عن‭ ‬المألوف،‭ ‬فهو‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬البشر،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬كل‭ ‬شخصيات‭ ‬المسرحية‭ ‬تطمح‭ ‬إلى‭ ‬استعباده‭ ‬واستغلاله‭.‬

ولعل‭ ‬اختزال‭ ‬كاليبان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصفات‭ ‬الدنيئة،‭ ‬لم‭ ‬يخلُ‭ ‬من‭ ‬أغراض‭ ‬خفية،‭ ‬حاولت‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬كشفها،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استحضار‭ ‬النسق‭ ‬الثقافي‭ ‬المضمر‭ ‬لنص‭ ‬‮«‬العاصفة‮»‬‭ ‬ككل،‭ ‬وهو‭ ‬نسق‭ ‬يرمي‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬مسوغات‭ ‬التوسع‭ ‬الإمبريالي‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الشرق‭. ‬فالعاصفة‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الباحثة،‭ ‬تجسِّد‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬التعالق‭ ‬المتين‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬المسرحي‭ ‬والإمبريالية،‭ ‬وليست‭ ‬الجزيرة‭ ‬المكتشفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بروسبيرو‭ ‬فردوساً‭ ‬أرضياً‭ ‬حديثاً‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬‮«‬عالم‭ ‬أوربا‭ ‬القديمة‭ ‬بموروثها‭ ‬الثقافي‭ ‬ونهمها‭ ‬للسيطرة‭ ‬والتوسع‮»‬‭.‬

‭ ‬ولعل‭ ‬الخلوص‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الناقدة‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬آخر‭ ‬وظفته‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬مفهوم‭ ‬الدنيوية‭ ‬الذي‭ ‬يقضي‭ ‬بضرورة‭ ‬ربط‭ ‬النص‭ ‬بسياقاته‭ ‬العامة‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تضافر‭ ‬السياسي،‭ ‬والتاريخي،‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬والثقافي،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬شروط‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬عاصفة‭ ‬شكسبير،‭ ‬فالنص‭ ‬­على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تشير‭ ‬الباحثة­‭ ‬قد‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬والتقارير‭ ‬التي‭ ‬توسل‭ ‬بها‭ ‬شكسبير‭ ‬في‭ ‬صياغته‭. ‬

‭ ‬

رؤية‭ ‬متعالية

ولذلك،‭ ‬جاء‭ ‬النص‭ ‬ليعبر‭ ‬عن‭ ‬الرؤية‭ ‬المتعالية‭ ‬للإنسان‭ ‬الغربي،‭ ‬والتي‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬توسعية‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬ثنائيات‭ ‬ضدية،‭ ‬متقدم‭/ ‬متخلف،‭ ‬صالح‭/ ‬طالح،‭ ‬نور‭/ ‬ظلام،‭ ‬راقي‭/ ‬دنيء،‭ ‬غرب‭/ ‬شرق،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الثنائيات‭ ‬التي‭ ‬وجد‭ ‬شكسبير‭ ‬في‭ ‬بروسبيرو،‭ ‬وكاليبان،‭ ‬نموذجين‭ ‬مهمين‭ ‬لتمثيلها‭. ‬وبذلك،‭ ‬كان‭ ‬بروسبيرو‭ ‬نموذجاً‭ ‬للإنسان‭ ‬الغربي‭ ‬المتعالي،‭ ‬المتنور،‭ ‬والمتقدم،‭ ‬والمهتدي،‭ ‬وصاحب‭ ‬الرسالة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تُخرج‭ ‬الجزيرة‭ ‬من‭ ‬الظلام‭ ‬إلى‭ ‬النور‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحديثها،‭ ‬بينما‭ ‬وسم‭ ‬كاليبان‭ ‬بنقيض‭ ‬هذه‭ ‬الصفات،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬‮«‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬البشر‭ ‬وتاريخهم‭. ‬وهو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬المسرحية‭ ‬بصفة‭ ‬الضد‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬ضده‭ ‬الإنساني‮»‬‭.‬

إن‭ ‬عاصفة‭ ‬شكسبير‭ ‬تعلن‭ ‬بشكل‭ ‬جوهري‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬أساسية‭ ‬قد‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد،‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ثمة‭ ‬غربيين‭ ‬وثمة‭ ‬شرقيين‭... ‬والسابقون‭ ‬يسيطرون‭ ‬والتالون‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يخضعوا‭ ‬للسيطرة‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يتمرد‭ ‬كاليبان‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬ويرفض‭ ‬الخضوع‭ ‬للتبعية،‭ ‬يواجه‭ ‬بأسف‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬تحكمت‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬الغربي،‭ ‬التي‭ ‬جردته‭ ‬من‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق،‭ ‬بل‭ ‬وسوغت‭ ‬بذلك‭ ‬أشكال‭ ‬استغلاله‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليه،‭ ‬لأن‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الإنسان‭ ‬الأرقى،‭ ‬كما‭ ‬يرى‭ ‬الفكر‭ ‬الغربي،‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أدنى‭ ‬مرتبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الرقي‭ ‬بهم‭ ‬وتنويرهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬طمح‭ ‬إليه‭ ‬بروسبيرو‭ ‬وهو‭ ‬يستنزف‭ ‬خيرات‭ ‬الجزيرة‭.‬

إن‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور،‭ ‬تحاول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬مسرحية‭ ‬‮«‬العاصفة‮»‬‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬تدويم‭ ‬أفكار‭ ‬بعينها‭ ‬عن‭ ‬شخصية‭ ‬شكسبير‭ ‬باعتباره‭ ‬شاعر‭ ‬الإنسانية‭ ‬الأعظم،‭ ‬وذلك‭ ‬بالكشف‭ ‬عما‭ ‬ينطوي‭ ‬عليه‭ ‬عمله‭/ ‬أعماله‭ ‬من‭ ‬مناطق‭ ‬مظلمة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬تفكيكها‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬استخراج‭ ‬الصورة‭ ‬الواقعية‭ ‬لمسرحية‭ ‬العاصفة،‭ ‬لكونها‭ ‬تمثل‭ ‬دالاً‭ ‬مهماً‭ ‬بالنسبة‭ ‬لممارستها‭ ‬النقدية‭. ‬إنها‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬أسطورة‭ ‬التفوق‭ ‬الأوربي،‭ ‬وهي‭ ‬الأسطورة‭ ‬التي‭ ‬أحياها‭ ‬شكسبير‭. ‬يقول‭ ‬بوتسناسينج،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬الهند‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أحيا‭ ‬شكسبير‭ ‬أسطورة‭ ‬لنمو‭ ‬وتفوق‭ ‬الثقافة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وهذه‭ ‬الأسطورة‭ ‬كانت‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬محورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمصالح‭ ‬السياسية‭ ‬للحكام‮»‬‭. ‬

ولا‭ ‬يقف‭ ‬شكسبير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬الأسطورة‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬العاصفة‭ ‬عند‭ ‬تجريد‭ ‬كاليبان‭ ‬من‭ ‬المواصفات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬يجرده‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬المواصفات‭ ‬الحيوانية،‭ ‬عندما‭ ‬ينعته‭ ‬بأنه‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتعلم‭. ‬إنه‭ ‬يمارس‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬الإبستيمي،‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬كاليبان‭ ‬مجرد‭ ‬شيء‭ ‬فحسب،‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬بالنص‭ ‬إلى‭ ‬التمركز‭ ‬حول‭ ‬قضايا‭ ‬العنصرية‭ ‬والتفوق‭ ‬العرقي‭. ‬فكاليبان‭ ‬يمثل‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بينما‭ ‬بروسبيرو‭ ‬يشكل‭ ‬رمزاً‭ ‬للثقافة،‭ ‬أي‭ ‬كشف‭ ‬التعارض‭ ‬القائم‭ ‬بين‭ ‬الآخر‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬الجزيرة‭ (‬كاليبان‭)‬،‭ ‬والأنا‭ ‬التي‭ ‬تشكلها‭ ‬الذات‭ ‬الغربية‭ ‬المتعالية‭ (‬بروسبيرو‭).‬

إن‭ ‬قراءة‭ ‬‮«‬العاصفة‮»‬‭ ‬باستحضار‭ ‬الظروف‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬كتبت‭ ‬فيها،‭ ‬وإبراز‭ ‬الصلات‭ ‬العميقة‭ ‬لها‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الإمبريالية،‭ ‬‮«‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬فكفكة‭ ‬الاستعمار،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬الانتقاص‭ ‬من‭ ‬قوتها‭ ‬الجمالاتية‭ ‬العظيمة‭ ‬ولا‭ ‬معالجتها‭ ‬تقليصياً‭ ‬بوصفها‭ ‬إعلاماً‭ ‬دعائياً‭ ‬إمبريالياً‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لخطأ‭ ‬أشد‭ ‬فداحة‭ ‬بكثير‭ ‬أن‭ ‬تقرأها‭ ‬مسلوخة‭ ‬من‭ ‬تواشجاتها‭ ‬وانتماءاتها‭ ‬إلى‭ ‬حقائق‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬أفعمتها‭ ‬ونفحتها‭ ‬بالمقدرات‮»‬‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حاولت‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬الوقوف‭ ‬عنده،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استحضارها‭ ‬لمفهوم‭ ‬القراءة‭ ‬الطباقية،‭ ‬الذي‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يؤكد‭ ‬القيمة‭ ‬الفنية‭ ‬العظيمة‭ ‬لعديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يخفي‭ ‬أنساقها‭ ‬المضمرة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬التوسع‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الشرق‭.‬

 

تواطؤ‭ ‬غير‭ ‬معلن

‭ ‬فنص‭ ‬العاصفة‭ ‬بفصله‭ ‬عن‭ ‬سياقه‭ ‬التاريخي،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬ترفع‭ ‬صاحبها‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬مراتب‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية،‭ ‬ولكن‭ ‬عندما‭ ‬يتم‭ ‬استحضار‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإنه‭ ‬يبرز‭ ‬لنا‭ ‬التواطؤ‭ ‬غير‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬شكسبير‭ ‬مع‭ ‬الإمبراطورية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬الباحثة‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬مسرحية‭ ‬العاصفة‭ ‬وسياقها‭ ‬التاريخي‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬شكسبير‭ ‬نصاً‭ ‬مكتوباً‭ ‬باقتدار‭ ‬عن‭ ‬أمير‭ ‬له‭ ‬قدرات‭ ‬خارقة‭ ‬يفقد‭ ‬إمارته،‭ ‬ثم‭ ‬يستعيدها‭ ‬بعد‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬سنة،‭ ‬أما‭ ‬قراءة‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬فتجعل‭ ‬من‭ ‬المسرحية‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬أسطورة‭ ‬من‭ ‬أساطير‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬أسطورة‭ ‬تفضح‭ ‬الطبيعة‭ ‬المزدوجة‭ ‬لإنسانية‭ ‬مشروع‭ ‬النهضة‭ ‬الأوربية‭ (‬النهم‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬للمعرفة‭ ‬والسلطة‭ ‬وتأكيد‭ ‬الذات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بنفي‭ ‬الآخر‭ ‬واستعباده‭)‬‮»‬‭.‬

‭ ‬فرضوى‭ ‬عاشور‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬شكسبير‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نص‭ ‬العاصفة،‭ ‬يبقى‭ ‬ابن‭ ‬عصره،‭ ‬والعصر‭ ‬الإليزابيتي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬عبّر‭ ‬عنه‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬أوتي‭ ‬من‭ ‬ملكة،‭ ‬ففي‭ ‬العاصفة،‭ ‬يرفع‭ ‬شكسبير‭ ‬لواء‭ ‬التأييد‭ ‬للتوسع‭ ‬الإمبريالي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬باقي‭ ‬الأراضي،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬أيديولوجيات،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يوجب‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬المهيمن‭ ‬عليهم،‭ ‬الذين‭ ‬يمثل‭ ‬كاليبان‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬الباحثة‭ ‬واحداً‭ ‬منهم،‭ ‬فكاليبان‭ ‬في‭ ‬تمرده‭ ‬على‭ ‬سيده،‭ ‬إنما‭ ‬يرفض‭ ‬وضع‭ ‬السيطرة‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬بروسبيرو،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يدفع‭ ‬إلى‭ ‬قيام‭ ‬فعل‭ ‬المقاومة‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬النص‭ ‬ذاته،‭ ‬فالمسرحية‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬التجربة‭ ‬الكولونيالية‭ ‬بامتياز،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬هذا‭ ‬التعبير،‭ ‬تطرح‭ ‬أيضًا‭ ‬إمكانات‭ ‬متعددة‭ ‬للقراءات‭ ‬والتأويلات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالنص،‭ ‬كما‭ ‬تطرح‭ ‬مجال‭ ‬وجود‭ ‬مقاومة‭ ‬يتيحها‭ ‬التمرد‭ ‬والعصيان‭ ‬اللذان‭ ‬يعلنهما‭ ‬كاليبان‭. ‬إن‭ ‬النص‭ ‬يورط‭ ‬نفسه‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬بول‭ ‬براون،‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭ ‬انعكاس‭ ‬للممارسات‭ ‬الكولونيالية‭ ‬وإنما‭ ‬اشتباك‭ ‬مع‭ ‬خطاب‭ ‬يعاني‭ ‬الازدواجية‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬التناقض‮»‬‭. ‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬رغبة‭ ‬كاليبان‭ ‬في‭ ‬التحرر‭ ‬تجابه‭ ‬بالسخرية،‭ ‬فمنطق‭ ‬النص‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬السياق‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يوجه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬شكسبير،‭ ‬وإنما‭ ‬عصره‭ ‬بأكمله‭. ‬ولذلك‭ ‬كان‭ ‬انفتاح‭ ‬الباحثة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬حتمياً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فهم‭ ‬النص‭ ‬وفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬العصر‭ ‬أيضا‭. ‬فكاليبان‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬‮«‬مخلوق‭ ‬بلا‭ ‬حقوق‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬تمرده‭ ‬شراً‭ ‬وخيانة‭ ‬وتطلعه‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬أمراً‭ ‬مثيراً‭ ‬للسخرية‮»‬‭. ‬والمتحكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬النمطية‭ ‬هو‭ ‬طبيعة‭ ‬العصر‭ ‬الذي‭ ‬نمّط‭ ‬في‭ ‬قوالب‭ ‬جاهزة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬المنظومة‭ ‬الغربية،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتفاء‭ ‬أي‭ ‬‮«‬إمكان‭ ‬للتوحد‭ ‬بكاليبان‭ ‬أو‭ ‬التعاطف‭ ‬معه‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬وحش‭ ‬آدمي‭ ‬الهيئة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬للحرية‭ ‬ولا‭ ‬حق‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره‮»‬‭. ‬بينما‭ ‬يلوح‭ ‬بروسبيرو‭ ‬بعلمه‭ ‬الذي‭ ‬يمده‭ ‬بالقوة‭ ‬‮«‬ويجعله‭ ‬يتسامى‭ ‬عن‭ ‬أفعال‭ ‬البشر،‭ ‬وتكاد‭ ‬تتحرك‭ ‬مشاعر‭ ‬بروسبيرو‭ ‬خارج‭ ‬النطاق‭ ‬البشري،‭ ‬فهي‭ ‬أكثر‭ ‬سمواً‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأبطال‭ ‬الآثنيين،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬آلهتهم‮»‬‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬مقاومة‭ ‬كاليبان‭ ‬ليست‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬سياسي‭ ‬بالضرورة،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استكناه‭ ‬فحوى‭ ‬السيطرة‭ ‬الممارسة‭ ‬عليه،‭ ‬فإنها‭ ‬تتخذ‭ ‬بعدًا‭ ‬آخر‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الهوية،‭ ‬لاسيما‭ ‬عندما‭ ‬يكشف‭ ‬الخطاب‭ ‬المسيطر‭ ‬عن‭ ‬‮«‬دواليل‭ ‬الاختلاف‭ ‬الثقافي‭ ‬وإعادة‭ ‬إدراجها‭ ‬لها‭ ‬ضمن‭ ‬علاقات‭ ‬القوة‭ ‬الكولونيالية‭ ‬المتباينة‭: ‬ضمن‭ ‬التراتبية‭ ‬والمعيارية‭ ‬والتهميش‭ ‬وهلم‭ ‬جرًّا‮»‬‭.‬

ولإبراز‭ ‬البعد‭ ‬الاستعماري‭ ‬لمسرحية‭ ‬العاصفة،‭ ‬تعود‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬مقارنة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬روبنسون‭ ‬كروزو‮»‬‭ ‬لدانييل‭ ‬ديفو،‭ ‬لتؤكد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬عناصر‭ ‬النصين،‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬متطابقة،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أهدافها،‭ ‬فكلا‭ ‬النصين،‭ ‬يحتفي‭ ‬بسيد‭ ‬أوربي،‭ ‬يقطن‭ ‬جزيرة‭ ‬خالية،‭ ‬ويحاول‭ ‬تحضير‭ ‬الساكن‭ ‬الأصلي‭ ‬ثم‭ ‬استعباده‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬فالبطلان‭ ‬وإن‭ ‬اختلفا‭ ‬في‭ ‬أساليب‭ ‬ترويض‭ ‬الطبيعة‭ ‬نظراً‭ ‬لخصوصية‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ (‬بروسبيرو،‭ ‬كروزو‭) ‬فإنهما‭ ‬ظلا‭ ‬وفيين‭ ‬للعلاقة‭ ‬التي‭ ‬تجمعهما‭ ‬بالآخر،‭ ‬فكل‭ ‬منهما‭ ‬يحاول‭ ‬تحضير‭ ‬الساكن‭ ‬الأصلي‭. ‬ولذلك‭ ‬تحكمت‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬النعوت‭ ‬المضادة،‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬السيد‭ ‬بالعبد،‭ ‬هي‭ ‬محض‭ ‬ثنائيات،‭ ‬الغاية‭ ‬منها‭ ‬إبراز‭ ‬التعالي‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬التدني‭ ‬الذي‭ ‬يسم‭ ‬ما‭ ‬دونه‭. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭. ‬ففرايداي،‭ ‬يمثل‭ ‬النقيض‭ ‬لكاليبان‭ ‬تماماً،‭ ‬فبينما‭ ‬يوسم‭ ‬الأخير‭ ‬بالتمرد،‭ ‬والعصيان،‭ ‬والشر،‭ ‬والقبح،‭ ‬فإن‭ ‬فرايداي،‭ ‬يوصف‭ ‬بالجمال،‭ ‬والنبل،‭ ‬والإخلاص‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يقربه‭ ‬من‭ ‬الأوربيين،‭ ‬بل‭ ‬ويجعل‭ ‬اندماجه‭ ‬معهم‭ ‬أيسر‭ ‬بكثير‭. ‬

 

تجربة‭ ‬التوسع‭ ‬الإمبريالي

ومهما‭ ‬يكن،‭ ‬فالباحثة‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬النصين‭ ‬تجربتين‭ ‬متتاليتين‭ ‬لمرحلتين‭ ‬حاسمتين‭ ‬في‭ ‬التوسع‭ ‬الإمبريالي‭. ‬ولذلك‭ ‬كانت‭ ‬الجزيرة،‭ ‬وسكانها‭ ‬الأصليون،‭ ‬يمثلون‭ ‬حيزاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التجربة،‭ ‬تقول‭ ‬الباحثة‭: ‬‮«‬إن‭ ‬الجزيرة‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬العاصفة‭ ‬ورواية‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬هي‭ ‬حيز‭ ‬لإجراء‭ ‬تجربة‭. ‬في‭ ‬النص‭ ‬الأول‭ ‬نرى‭ ‬تجربة‭ ‬تجسد‭ ‬معارف‭ ‬الإنسان‭ ‬وقدراته‭ ‬اللانهائية،‭ ‬وفي‭ ‬النص‭ ‬الثاني‭ ‬نرى‭ ‬قدراته‭ ‬الفردية‭ ‬على‭ ‬الإنتاج‭ ‬الاقتصادي‭. ‬بانتقالنا‭ ‬من‭ ‬نص‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬التالي،‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬عصر‭ ‬النهضة‭ ‬والأمير‭ ‬العالم‭ ‬الحكيم‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الرأسمالي‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثامن‭ ‬عشر‭ ‬والبورجوازي‭ ‬المستثمر‭. ‬ولكن‭ ‬الأمير‭ ‬والمستثمر‭ ‬على‭ ‬اختلافهما‭ ‬يشتركان‭ ‬في‭ ‬فعل‭ ‬الاستيطان‭ ‬الكولونيالي‭ ‬ويجدان‭ ‬في‭ ‬الساكن‭ ‬الأصلي‭ ‬موضوعاً‭ ‬للاستغلال‭ ‬المادي‭ ‬والهداية‭ ‬الروحية‮»‬‭.‬

ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بالباحثة‭ ‬إلى‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬النزوع‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬النصين،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬بروسبيرو‭ ‬وكروزو‭ ‬يحمل‭ ‬الهم‭ ‬ذاته،‭ ‬وهو‭ ‬فرض‭ ‬سيطرتهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬والقيام‭ ‬بمهمة‭ ‬تحضيره،‭ ‬فكلاهما‭ ‬‮«‬أب‭ ‬استعماري‭ ‬يحمّل‭ ‬نفسه‭ ‬مسؤولية‭ ‬حماية‭ ‬الساكن‭ ‬الأصلي‭ ‬من‭ ‬ذاته‭ ‬بتخليصه‭ ‬من‭ ‬توحشه‭ ‬وهدايته‮»‬‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المقارنة‭ ‬الخاطفة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬تبرز‭ ‬وبجلاء‭ ‬التناول‭ ‬الفج‭ ‬للآخر،‭ ‬والكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الحط‭ ‬من‭ ‬قيمته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬أثناء‭ ‬قراءته‭ ‬رواية‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬قراءة‭ ‬طباقية،‭ ‬حيث‭ ‬كشف‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬عن‭ ‬البعد‭ ‬الاستيطاني‭ ‬في‭ ‬الرواية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬بدوره‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬تشكل‭ ‬عملاً‭ ‬إبداعياً‭ ‬عظيماً،‭ ‬تحمل‭ ‬أبعاداً‭ ‬أيديولوجية‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭. ‬ولعل‭ ‬أهمها،‭ ‬إضفاء‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الآخر،‭ ‬وتدجينه،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬روبنسون‭ ‬كروزو‭ ‬عملياً‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للخطور‭ ‬ببال‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬المهمّة‭ ‬الإرسالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬له‭ ‬بأن‭ ‬يخلق‭ ‬عالماً‭ ‬جديداً‭ ‬خاصاً‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬أقاصي‭ ‬البراري‭ ‬النائية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومنطقتي‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي،‭ ‬والأطلسي‮»‬‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الرواية‭ ‬وفق‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭ ‬تمنح‭ ‬‮«‬المقدرة‭ ‬بصورة‭ ‬صريحة‭ ‬عقائدية‭ ‬للتوسع‭ ‬فيما‭ ‬وراء‭ ‬البحار‮»‬‭.‬

وإجمالاً‭ ‬فقد‭ ‬استطاعت‭ ‬رضوى‭ ‬عاشور‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقاربتها‭ ‬لعاصفة‭ ‬شكسبير‭ ‬أن‭ ‬تكشف‭ ‬لنا‭ ‬عن‭ ‬الأنساق‭ ‬الثقافية‭ ‬المضمرة‭ ‬الثاوية‭ ‬خلف‭ ‬كتابة‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬المسرحية،‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬نظر‭ ‬إليها‭ ‬بإجلال‭ ‬كبير،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تحمل‭ ‬بين‭ ‬طياتها‭ ‬أسباب‭ ‬تقويضها‭.‬

‭ ‬إن‭ ‬الباحثة‭ ‬وهي‭ ‬تقتحم‭ ‬مجال‭ ‬التأويل‭ ‬بالتركيز‭ ‬على‭ ‬السؤال‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬سينتج‭ ‬عن‭ ‬قراءة‭ ‬العاصفة‭ ‬قراءة‭ ‬ثقافية؟‭ ‬نجدها‭ ‬قد‭ ‬لامست‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تفرزها‭ ‬القراءة‭ ‬الثقافية‭ ‬للمسرحية‭ ‬التي‭ ‬تتطلب‭ ‬وضع‭ ‬النص‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬العام،‭ ‬كما‭ ‬تفرض‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬الباحثة‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الخلفيات‭ ‬الفكرية‭ ‬الناظمة‭ ‬للنقد‭ ‬الثقافي،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬شقه‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الكولونيالي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬برز‭ ‬معها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ورود‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬التي‭ ‬احتفى‭ ‬بها‭ ‬رواد‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬مفهوم‭ ‬النسق،‭ ‬والمقاومة،‭ ‬والهوية،‭ ‬والهيمنة،‭ ‬والقراءة‭ ‬الطباقية،‭ ‬وجدلية‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر،‭ ‬وغيرها‭. ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬مفاهيم‭ ‬تدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بانسجام‭ ‬الرؤية‭ ‬الناظمة‭ ‬للمقاربة‭ ‬النقدية‭ ‬لدى‭ ‬الباحثة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬عملية‭ ‬التأويل‭ ‬لديها‭ ‬تتسم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬النضج،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬بانفتاحها‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬نص‭ ‬العاصفة،‭ ‬وهو‭ ‬الانفتاح‭ ‬الذي‭ ‬يشدد‭ ‬عليه‭ ‬رواد‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬وسموه‭ ‬بالدنيوية‭ ‬التأويلية،‭ ‬التي‭ ‬توجب‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬النص‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الجوانب‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬كتابته‭. ‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬سجلنا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالجانب‭ ‬الجمالي‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬قد‭ ‬غُيّب‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬الناقدة،‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬نص‭ ‬مكتوب‭ ‬باقتدار‭. ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال،‭ ‬فهذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬تنسحب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬نقاد‭ ‬النقد‭ ‬الثقافي‭ ‬الذين‭ ‬اختزلوا‭ ‬النص‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬مجال‭ ‬للخطاب،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬جوانبه‭ ‬الفنية‭ ‬والاستيتيقية‭ ‬