حساسية الروائـي وذائقة المتلقي

حساسية الروائـي وذائقة المتلقي

الدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬انفتاح‭ ‬على‭ ‬عالم‭ ‬جديد،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬عالم‭ ‬الرواية‭ ‬يستقطب‭ ‬جمهوراً‭ ‬هائلاً‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الشرائح،‭ ‬لأن‭ ‬هؤلاء‭ ‬بالفعل‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬ذواتهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قراءة‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مراحلها‭ ‬كرواية‭ ‬التحليل‭ ‬النفسي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬دستويفسكي‭ ‬وتولستوي‭ ‬وستيفان‭ ‬زفايج،‭ ‬ورواية‭ ‬تفاصيل‭ ‬واقعية‭ ‬الحياة‭ ‬الشخصية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬بلزاك،‭ ‬مرآة‭ ‬ينظر‭ ‬فيها‭ ‬القارئ‭ ‬إلى‭ ‬ذاته‭ ‬بنقاء‭.‬

نقرأ‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والإعلام‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ضمن‭ ‬سلسلة‭ ‬كتاب‭ ‬المجلة‭ ‬العربية،‭ ‬للروائي‭ ‬السوري‭ ‬عبد‭ ‬الباقي‭ ‬يوسف،‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬حساسية‭ ‬الروائي‭ ‬وذائقة‭ ‬المتلقي‮»‬‭. ‬

ليس‭ ‬عبثاً‭ ‬أن‭ ‬أجدادنا‭ ‬كانوا‭ ‬يمضون‭ ‬الليالي‭ ‬الطوال‭ ‬على‭ ‬أضوء‭ ‬الفوانيس‭ ‬لقراءة‭ ‬الروايات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬الصفحات،‭ ‬ذاك‭ ‬الجمهور‭ ‬العريق‭ ‬والمحب‭ ‬للروايات‭ ‬الطويلة‭ ‬على‭ ‬أضواء‭ ‬القناديل‭ ‬ليلاً،‭ ‬وفي‭ ‬النهار‭ ‬تحت‭ ‬الأشجار‭ ‬وفي‭ ‬الذهاب‭ ‬والإياب‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬الترع‭ ‬والطرق‭ ‬الزراعية‭ ‬القروية‭ ‬الهادئة،‭ ‬وهم‭ ‬يقلبون‭ ‬صفحات‭ ‬تلك‭ ‬الروايات‭ ‬ويستمتعون‭ ‬بالدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالمها،‭ ‬هذا‭ ‬الجمهور‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬أيامنا‭ ‬هذه‭ ‬ومازال‭ ‬يتلهف‭ ‬لقراءة‭ ‬الرواية‭ ‬والدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالمها‭. ‬

وهنا‭ ‬يمكن‭ ‬للرواية‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬شيئاً‭ ‬حتى‭ ‬للمرضى،‭ ‬إنها‭ ‬تؤدي‭ ‬دور‭ ‬الموسيقى‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬العلاج‭ ‬لهم‭.‬

ويرى‭ ‬عبدالباقي‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬تقدم‭ ‬شخوصاً‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتعلم‭ ‬منهم،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحذو‭ ‬حذوهم‭ ‬في‭ ‬العقل‭ ‬والحرية‭ ‬والجنون‭ ‬معاً،‭ ‬لأن‭ ‬الرواية‭ ‬عالم‭ ‬صادق‭ ‬جريء،‭ ‬ويحمل‭ ‬كل‭ ‬حساسيات‭ ‬الإنسان‭ ‬تجاه‭ ‬قضية‭ ‬النقاء‭ ‬الروحي،‭ ‬وتجاه‭ ‬الشفافية‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬بات‭ ‬يفتقدها‭ ‬إنساننا‭ ‬المعاصر‭.‬

الرواية‭ ‬هي‭ ‬الحبيبة‭ ‬وهي‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬تنتظر‭ ‬أولادها‭ ‬ليعودوا‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬متعبين‭ ‬فيرتاحوا‭ ‬على‭ ‬صدرها‭ ‬ويرضعوا‭ ‬حليبها،‭ ‬الأم‭ ‬الأبدية‭ ‬التي‭ ‬دوماً‭ ‬تنتظر‭ ‬أولادها‭ ‬في‭ ‬سكنهم‭ ‬الآمن‭.‬

بعد‭ ‬ذلك‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬دوماً‭ ‬تقول‭ ‬الرواية‭ ‬لكاتبها‭: ‬لست‭ ‬أنت‭ ‬الذي‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬روائياً‭,‬‭ ‬ولكن‭ ‬أنا‭ ‬التي‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكونك،‭ ‬لست‭ ‬أنت‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يكتبني‭ ‬ويرويني،‭ ‬ولكن‭ ‬أنا‭ ‬من‭ ‬أكتبك‭ ‬وأرويك‭ ‬وأقدمك‮»‬‭.‬

‭ ‬فكرة‭ ‬الرواية‭ ‬تلح‭ ‬عليه‭ ‬ولا‭ ‬يستطيع‭ ‬فكاكاً‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الروائية،‭ ‬إنها‭ ‬توصله‭ ‬إلى‭ ‬ذروة‭ ‬المعنى،‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يغمض‭ ‬عينيه،‭ ‬أن‭ ‬يستقر،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكتبها،‭ ‬وأحياناً‭ ‬تبلغ‭ ‬في‭ ‬عنادها‭ ‬التحدي‭ ‬مع‭ ‬مؤلفها‭ ‬فتتحداه‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬الخلود‭ ‬للراحة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكتبها،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يكون‭ ‬قادراً‭ ‬على‭ ‬إجراء‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية،‭ ‬فيستسلم‭ ‬لطغيانها‭ ‬وجبروتها،‭ ‬وهو‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقنع‭ ‬نفسه‭ ‬بأنه‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يكتب‭ ‬الرواية‭ ‬ويتحكم‭ ‬بزمام‭ ‬مفاصلها‭. ‬

أما‭ ‬المتعة‭ ‬فتكون‭ ‬بعد‭ ‬إنجازها،‭ ‬فتكون‭ ‬حاله‭ ‬كحال‭ ‬الذي‭ ‬أدار‭ ‬الباب‭ ‬الحديدي‭ ‬الضخم‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬أنه‭ ‬نسي‭ ‬المفتاح‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬وكل‭ ‬محاولاته‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬إسماع‭ ‬مَن‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬ليأتي‭ ‬ويفتح‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬الباب،‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬حيث‭ ‬النافذة‭ ‬المرتفعة‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬عشرة‭ ‬أمتار‭ ‬والمحكمة‭ ‬بالبللور‭.‬

‭ ‬إنه‭ ‬يفعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬ليُخرج‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الغرفة،‭ ‬فيستعين‭ ‬بأصابعه‭ ‬وأسنانه‭ ‬وقطع‭ ‬النقود‭ ‬المعدنية‭ ‬في‭ ‬جيبه،‭ ‬يحفر‭ ‬حفراً‭ ‬صغيرة،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يفلح‭ ‬بأعجوبة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينحت‭ ‬مواطئ‭ ‬لقدميه‭ ‬في‭ ‬الحائط،‭ ‬فيتسلق‭ ‬كالقطة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬النافذة‭ ‬المرتفعة‭ ‬الوحيدة‭ ‬ويخرج،‭ ‬عندها‭ ‬فقط‭ ‬يشعر‭ ‬بنشوة‭ ‬وهو‭ ‬يومئ‭ ‬برأسه‭ ‬لينظر‭ ‬إلى‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬تسلقها‭ ‬لمدة‭ ‬يومين‭ ‬متواصلين‭.‬

تتشكل‭ ‬خيوط‭ ‬الرواية‭ ‬لتؤرخ‭ ‬إنساناً‭ ‬في‭ ‬موقف،‭ ‬تؤرخ‭ ‬موقفاً‭ ‬في‭ ‬إنسان،‭ ‬تؤرخ‭ ‬المجد‭ ‬وكذلك‭ ‬تؤرخ‭ ‬الفشل،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الصيحات‭ ‬الروائية‭ ‬المدوية‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬هي‭ ‬دموع‭ ‬تنهمر‭ ‬من‭ ‬ضمير‭ ‬الإنسان‭ ‬ومن‭ ‬روحه،‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تُلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬رؤية‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬إلى‭ ‬اللحظات‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أحداثاً‭ ‬لا‭ ‬يلتفت‭ ‬إليها‭ ‬أحد،‭ ‬أجل،‭ ‬إن‭ ‬وظيفة‭ ‬الرواية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬مقدرتها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تجعلك‭ ‬تلتفت‭ ‬لوقائع‭ ‬مرت‭ ‬وفاتك‭ ‬أن‭ ‬تتأملها،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬تمنحك‭ ‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬الذهبية‭ ‬مجدداً‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬الموهبة‭ ‬وحدها‭ ‬لا‭ ‬تكفي‭ ‬ليقدم‭ ‬الموهوب‭ ‬رواية‭ ‬جيدة،‭ ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬تفاصيل‭ ‬لا‭ ‬يراها‭ ‬ولا‭ ‬يلمسها‭ ‬ولا‭ ‬يحياها‭ ‬إلا‭ ‬المبدع‭ ‬نفسه،‭ ‬ثمة‭ ‬أسرار‭ ‬لا‭ ‬تنكشف‭ ‬إلا‭ ‬أمام‭ ‬روح‭ ‬المبدع‭ ‬ذاته،‭ ‬إنه‭ ‬يمتلئ‭ ‬بالعالم‭ ‬والحياة‭ ‬مع‭ ‬كتابة‭ ‬كل‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭. ‬

‭ ‬إن‭ ‬الرواية‭ ‬هي‭ ‬هواه‭ ‬الوحيد،‭ ‬وعندما‭ ‬يبعد‭ ‬عنها‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬خسر‭ ‬العالم‭ ‬برمته،‭ ‬لذلك‭ ‬يهرع‭ ‬عائداً‭ ‬إليها‭ ‬بحرقة‭ ‬وألم‭ ‬وهو‭ ‬ينفجر‭ ‬ندماً‭ ‬على‭ ‬تركه‭ ‬لها،‭ ‬فيقدم‭ ‬لها‭ ‬الاعتذار‭ ‬ويطبع‭ ‬على‭ ‬جبينها‭ ‬قبلات‭ ‬ساخنة‭. ‬

تنير‭ ‬الرواية‭ ‬الدروب‭ ‬أمام‭ ‬الروح،‭ ‬تفسح‭ ‬هامشا‭ ‬أوسع‭ ‬للرؤية،‭ ‬لرؤية‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُرى‭.‬

‭ ‬الكلمات‭ ‬الروائية‭ ‬هي‭ ‬القناديل‭ ‬العالية‭ ‬المعلقة‭ ‬في‭ ‬دروب‭ ‬البشر،‭ ‬إنها‭ ‬القناديل‭ ‬الكبرى،‭ ‬وهي‭ ‬الرشيد‭ ‬إلى‭ ‬نهارات‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬من‭ ‬الضوء،‭ ‬والكاتب‭ ‬الذي‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬الكلمات‭ ‬المضيئة،‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬يضيء‭ ‬ويمتلئ‭ ‬إشراقا‭ ‬وحياة‭.‬

عندما‭ ‬نقول‭ ‬‮«‬رواية‮»‬‭ ‬فهذا‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬حكاية‭ ‬نتخذ‭ ‬منها‭ ‬عبرة،‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬رواية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬رسالة،‭ ‬حتى‭ ‬تلك‭ ‬القصص‭ ‬التي‭ ‬ترويها‭ ‬الجدات‭ ‬لأحفادهن،‭ ‬فإنها‭ ‬تحمل‭ ‬مغزى‭ ‬وعبرة‭ ‬وغاية‭. ‬

هذا‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتقويم‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬روائي،‭ ‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬بيانية‭ ‬معبرة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬حبكة،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬فنية،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تقنيات‭ ‬سردية‭ ‬جمالية‭ ‬حتى‭ ‬تتجمّل،‭ ‬وتتزيّن‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الفكرة‭ ‬وتتشكل‭ ‬لبنة‭ ‬لبنة‭ ‬في‭ ‬درجات‭ ‬معمارية‭ ‬العمل‭ ‬الروائي،‭ ‬ثم‭ ‬تتقدم‭ ‬إلى‭ ‬أفئدة‭ ‬المتلقي‭ ‬بحلتها‭ ‬الجمالية‭ ‬على‭ ‬طبق‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬القص‭. ‬

إن‭ ‬أي‭ ‬رواية‭ ‬جديدة‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تشرق‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬كعروس‭ ‬جديدة‭ ‬ليلة‭ ‬دخلتها،‭ ‬تمتلك‭ ‬آمالاً‭ ‬وأحلاماً‭ ‬وأمنيات،‭ ‬ومقومات‭ ‬حياتية‭ ‬جديدة‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬لها‭ ‬منزلاً،‭ ‬وتؤسس‭ ‬لعلاقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وإنسانية‭ ‬رحبة‭. ‬

إن‭ ‬الرواية‭ ‬الجيدة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬التي‭ ‬تُكتب‭ ‬بحبر‭ ‬ذهب‭ ‬القَص‭. ‬

 

الرواية‭ ‬والنقد

وعن‭ ‬علاقة‭ ‬الرواية‭ ‬بالنقد،‭ ‬يقول‭ ‬المؤلف‭: ‬نحن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الاستعانة‭ ‬بالنقد‭ ‬الذي‭ ‬يضيء‭ ‬لنا‭ ‬جوانب‭ ‬مظلمة‭ ‬من‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭.‬

العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬والنقد‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬جمالية‭ ‬فنية‭ ‬ذوقية‭ ‬تكاملية،‭ ‬يغتني‭ ‬الأدب‭ ‬بالنقد‭ ‬كما‭ ‬يغتني‭ ‬النقد‭ ‬بالأدب‭.  ‬عندما‭ ‬يتحدث‭ ‬الإنسان‭ ‬جملة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الجملة‭ ‬تولّد‭ ‬لديه‭ ‬ولدى‭ ‬مستمعيه‭ ‬جملاً‭ ‬عدة‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬والتحليل‭ ‬والتأويل‭. ‬

ما‭ ‬دام‭ ‬الإنسان‭ ‬يستخدم‭ ‬لسانه‭ ‬للحديث‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬فعليه‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يطلق‭ ‬سمعه‭ ‬للاستماع‭ ‬بشكل‭ ‬جيد‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬تعقيباً،‭ ‬أو‭ ‬تأويلاً،‭ ‬أو‭ ‬نقداً،‭ ‬أو‭ ‬مديحاً،‭ ‬أو‭ ‬تحليلاً‭ ‬لِما‭ ‬أبدى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬وجهات‭ ‬نظر،‭ ‬أو‭ ‬مواقف‭. ‬

وحقيقة‭ ‬الأمر،‭ ‬أن‭ ‬الكلام‭ ‬يغتني‭ ‬بالكلام،‭ ‬والرأي‭ ‬يغتني‭ ‬بالرأي،‭ ‬ووجهة‭ ‬النظر‭ ‬تغتني‭ ‬بوجهة‭ ‬النظر،‭ ‬والموقف‭ ‬يغتني‭ ‬بالموقف‭. ‬

عندما‭ ‬أتحدث‭ ‬طويلاً‭ ‬ولا‭ ‬أجد‭ ‬مَن‭ ‬يبدي‭ ‬تعقيباً،‭ ‬أو‭ ‬تأويلاً،‭ ‬أو‭ ‬نقداً،‭ ‬أو‭ ‬وجهة‭ ‬نظر،‭ ‬فإن‭ ‬علي‭ ‬عند‭ ‬ذاك‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬الصمت،‭ ‬لأنني‭ ‬أتحدث‭ ‬لأناس‭ ‬يعرفون‭ ‬ما‭ ‬أقول،‭ ‬ولا‭ ‬أحرّك‭ ‬نزعة‭ ‬معرفة‭ ‬أو‭ ‬تحاور‭ ‬في‭ ‬أفئدتهم،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬شيئاً‭ ‬مما‭ ‬أقول‭. ‬

إن‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬يفتقد‭ ‬روح‭ ‬التحاور‭ ‬هو‭ ‬حديث‭ ‬عقيم‭ ‬لا‭ ‬نفع‭ ‬منه‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬المتحدث،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬المتلقي‭. ‬

أريد‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬هنا‭ ‬إن‭ ‬الناقد‭ ‬الجاد‭ ‬هو‭ ‬محلل‭ ‬أدبي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يركن‭ ‬إلى‭ ‬النقد،‭ ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬المحلل‭ ‬الأدبي‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬الكتابة،‭ ‬لأن‭ ‬الناقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ناقداً‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬محللاً‭ ‬يضع‭ ‬ما‭ ‬يقرأ‭ ‬تحت‭ ‬مشكاة‭ ‬تحليله‭.‬

يشرح‭ ‬رولان‭ ‬بارت‭ ‬منهجه‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬النصوص‭ ‬الأدبية‭ ‬في‭ ‬مؤلفاته،‭ ‬ومنها‭: ‬هسهسة‭ ‬اللغة،خطاب‭ ‬عاشق،‭ ‬لذة‭ ‬النص،‭ ‬والكتابة‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الصفر،‭ ‬فيقول‭ ‬مجيباً‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬تم‭ ‬طرحه‭ ‬عليه‭: ‬الكتابة‭ ‬ليست‭ ‬شيئاً‭ ‬سوى‭ ‬بقايا‭ ‬الأشياء‭ ‬الفقيرة‭ ‬والهزيلة‭ ‬للأشياء‭ ‬الرائعة‭ ‬والجميلة‭ ‬في‭ ‬دواخلنا‭.‬

لذلك‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬تحولوا‭ ‬إلى‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية،‭ ‬كانوا‭ ‬روائيين‭ ‬متواضعين‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬تشتتوا‭ ‬بين‭ ‬النقد‭ ‬والرواية،‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬يكتبون‭ ‬بقلم‭ ‬الناقد‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يكتبون‭ ‬بقلم‭ ‬الروائي،‭ ‬فكانت‭ ‬رواياتهم‭ ‬شبيهة‭ ‬بدراسات‭ ‬نقدية‭ ‬أكاديمية‭ ‬محكومة‭ ‬مسبقاً‭ ‬بمعايير‭ ‬النقد،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يشعر‭ ‬وهو‭ ‬يقرأها‭ ‬بأنها‭ ‬كـتبت‭ ‬للنقاد‭ ‬وللمناهج‭ ‬الجامعية‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كـُتبت‭ ‬لعامة‭ ‬القراء‭.‬

‭ ‬كانت‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الفضاءات‭ ‬الروائية‭ ‬المفتوحة‭,‬‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬دفء‭ ‬النسيج‭ ‬الروائي‭ ‬والألفة‭ ‬الروائية،‭ ‬إلى‭ ‬خصوبة‭ ‬مساحات‭ ‬الخيال‭ ‬الشاسعة،‭ ‬إلى‭ ‬رقة‭ ‬وعذوبة‭ ‬الدفق‭ ‬الشعري،‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬ملاحظة‭ ‬الروائي‭ ‬في‭ ‬التقاط‭ ‬أدق‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬تتفاعل‭ ‬مع‭ ‬نسيج‭ ‬روايته‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬ويكتبها‭ ‬ويتنفسها‭ ‬معاً‭. ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فالقارئ‭ ‬عندما‭ ‬يقرأ‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬فإن‭ ‬اسم‭ ‬الناقد‭ ‬لا‭ ‬يبرح‭ ‬مخيلته،‭ ‬وطوال‭ ‬القراءة‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬يقرأ‭ ‬رواية‭ ‬لناقد‭ ‬وليس‭ ‬لروائي،‭ ‬وهذا‭ ‬له‭ ‬شأن‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬التذوق‭ ‬ومسألة‭ ‬التلقي‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬ذهنية‭ ‬القارئ‭. ‬

‭ ‬يشعر‭ ‬قارئ‭ ‬الرواية‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬موقر‭ ‬وناقد‭ ‬أدبي‭ ‬رصين‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬محاضرات‭ ‬محكمة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬منزل‭ ‬روائي‭ ‬مفتوح‭ ‬لاستقبال‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬الطبيعة‭... ‬روائي‭ ‬مفتوح‭ ‬الأفق،‭ ‬واسع‭ ‬الخيال،‭ ‬غني‭ ‬التعابير،‭ ‬مغامر‭ ‬في‭ ‬تقنياته‭ ‬الفنية‭. ‬

يقدم‭ ‬النقد‭ ‬الكثير‭ ‬للمبدع،‭ ‬ويسلط‭ ‬له‭ ‬الأضواء‭ ‬على‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬المظلمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬بوسعه‭ ‬رؤيتها‭ ‬إلا‭ ‬بواسطة‭ ‬قنديل‭ ‬الناقد،‭ ‬الناقد‭ ‬الذي‭ ‬يفتح‭ ‬له‭ ‬أبواباً‭ ‬جديدة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ليلجها‭ ‬لولاه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المبدع‭ ‬والناقد‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تكميلية،‭ ‬والمبدع‭ ‬يأخذ‭ ‬من‭ ‬الناقد‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الناقد‭ ‬يأخذ‭ ‬من‭ ‬المبدع،‭ ‬لأن‭ ‬الناقد‭ ‬يتذوّق‭ ‬النص‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬تأويله‭ ‬وتحليله‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬جوانب‭ ‬مظلمة‭ ‬فيه،‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬يقرأ‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬يقرأ‭ ‬السطور‭ ‬أيضاً،‭ ‬ويستمتع‭ ‬بدفئها،‭ ‬ويقطف‭ ‬عناقيد‭ ‬النص‭ ‬ربما‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬القرّاء‭ ‬لحكم‭ ‬التخصص‭ ‬وبحكم‭ ‬الذائقة‭ ‬النقدية‭ ‬والتحليلية‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭. ‬إنه‭ ‬يحرّك‭ ‬البنى‭ ‬المترسبة‭ ‬بغية‭ ‬تأويلها‭ ‬وتحليلها‭.‬

يقول‭ ‬د‭. ‬هـ‭. ‬لورانس‭ ‬عن‭ ‬مهنته‭ ‬الروائية‭: ‬بما‭ ‬أنني‭ ‬روائي‭,‬‭ ‬فإنني‭ ‬أعد‭ ‬نفسي‭ ‬أسمى‭ ‬درجة‭ ‬من‭ ‬القديس‭ ‬والعالم‭ ‬والفيلسوف‭ ‬والشاعر،‭ ‬فالرواية‭ ‬هي‭ ‬كتاب‭ ‬الحياة‭ ‬المشع‭.‬

ويقول‭ ‬الناقد‭ ‬لايونل‭ ‬تريلنيج‭: ‬إن‭ ‬الرواية‭ ‬بحث‭ ‬مستمر‭ ‬وميدان‭ ‬بحثها‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬الاجتماعي‭,‬‭ ‬ومادة‭ ‬تحليلها‭ ‬هي‭ ‬عادات‭ ‬الناس‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬تسير‭ ‬فيه‭ ‬نفس‭ ‬الإنسان‭.   ‬ويتحدث‭ ‬ماريو‭ ‬بارغاس‭ ‬يوسا‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬النقدية،‭ ‬وأهمية‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيهه‭ ‬لأديب‭ ‬شاب‭. ‬

 

من‭ ‬أعمدة‭ ‬الرواية‭ ‬في‭ ‬العالم

إن‭ ‬منظر‭ ‬جندي‭ ‬جريح‭ ‬أمام‭ ‬حبيبته‭ ‬دفع‭ ‬كاتباً‭ ‬كتولستوي‭ ‬ليبدع‭ ‬عملاً‭ ‬إبداعياً‭ ‬ضخماً‭ ‬كـ‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬والسلم‮»‬،‭ ‬و‭ ‬حادثة‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬روسو‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬دفعته‭ ‬لإبداع‭ ‬عمله‭ ‬الشهير‭ ‬‮«‬في‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعي‮»‬،‭ ‬وواقعة‭ ‬فُرضت‭ ‬على‭ ‬مازوخ‭ ‬فجرت‭ ‬لديه‭ ‬نزعة‭ ‬المازوخية،‭ ‬وأن‭ ‬طريفاً‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬المركيز‭ ‬دي‭ ‬ساد‭ ‬دفعه‭ ‬لاكتشاف‭ ‬النزعة‭ ‬السادية،‭ ‬وأن‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬فُرضت‭ ‬على‭ ‬شوبنهور‭ ‬كانت‭ ‬خلف‭ ‬إبداعه‭ ‬لفلسفة‭ ‬الضجر‭. ‬

الاكتشافات‭ ‬البشرية‭ ‬الكبرى‭ ‬دوماً‭ ‬اقترنت‭ ‬بوجود‭ ‬المبدعين‭ ‬رعاة‭ ‬أي‭ ‬حضارة،‭ ‬فالإبداع‭ ‬هو‭ ‬هوية‭ ‬أي‭ ‬مجتمع،‭ ‬والحضارات‭ ‬البشرية‭ ‬هي‭ ‬حضارات‭ ‬بالإبداع‭ ‬والمبدعين‭ ‬وليست‭ ‬بعدد‭ ‬السكان،‭ ‬أو‭ ‬برقعة‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬أو‭ ‬الموقع‭ ‬التاريخي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فقد‭ ‬اقترن‭ ‬حضور‭ ‬الأمم‭ ‬والشعوب‭ ‬دوماً‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬قدمت‭ ‬من‭ ‬إبداعات،‭ ‬دوما‭ ‬يتفتح‭ ‬ورد‭ ‬كتابة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حدائق‭ ‬القلم،‭ ‬وهو‭ ‬يشبه‭ ‬فصول‭ ‬السنة‭ ‬فيمر‭ ‬بفصول‭ ‬مختلفة،‭ ‬أحياناً‭ ‬يكون‭ ‬ربيعاً،‭ ‬وأحياناً‭ ‬يكون‭ ‬خريفاً،‭ ‬أحياناً‭ ‬يكون‭ ‬صيفاً،‭ ‬وأحياناً‭ ‬يكون‭ ‬شتاء‭.‬

‭ ‬ليس‭ ‬للمبدع‭ ‬إلا‭ ‬إبداعه،‭ ‬لذلك‭ ‬يمضي‭ ‬الليالي‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬عن‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬إبداعه،‭ ‬يكون‭ ‬معه‭ ‬في‭ ‬فرحه‭ ‬وحزنه،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أحواله،‭ ‬وهذا‭ ‬الإبداع‭ ‬ذاته‭ ‬يقف‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬العصيبة‭. ‬

عندما‭ ‬يتخلى‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬المبدع‭ ‬فلن‭ ‬يجد‭ ‬إلى‭ ‬جانبه‭ ‬إلا‭ ‬إبداعه،‭ ‬الا‭ ‬كتبه‭ ‬وأفكاره‭ ‬وقلمه‭ ‬وأوراقه،‭ ‬هذا‭ ‬الإبداع‭ ‬يخفف‭ ‬من‭ ‬وطأة‭ ‬الحزن‭.‬

إن‭ ‬الكاتب‭ ‬قوي‭ ‬بقوة‭ ‬كتبه،‭ ‬بقوة‭ ‬إبداعه،‭ ‬إنه‭ ‬محترم‭ ‬بقدر‭ ‬تقديم‭ ‬إبداعه‭ ‬له،‭ ‬وعندما‭ ‬يتقدم‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬بجواره‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬وأفكار‭. ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الناصع‭ ‬يدفع‭ ‬الحشود‭ ‬الكبرى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تشير‭ ‬إليه‭ ‬بالحب‭ ‬والتقدير،‭ ‬وتلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬والدينية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬تكرمه‭ ‬وتفسح‭ ‬له‭ ‬المكان‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬مجالسها‭. ‬

 

‭ ‬ليس‭ ‬للمبدع‭ ‬إلا‭ ‬إبداعه

‭ ‬لقد‭ ‬مات‭ ‬شكسبير‭ ‬العظيم‭ ‬لكن‭ ‬إبداعه‭ ‬خلَّده‭ ‬إلى‭ ‬الأبد،‭ ‬ومات‭ ‬طاغور‭ ‬وبقي‭ ‬منه‭ ‬شعره،‭ ‬ومات‭ ‬سقراط‭ ‬وبقيت‭ ‬منه‭ ‬فلسفتُه،‭ ‬وكل‭ ‬الأسماء‭ ‬المذهلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العبقرية‭ ‬البشرية،‭ ‬الفارابي‭... ‬ابن‭ ‬رشد‭... ‬ابن‭ ‬الفارض‭. ‬

ثم‭ ‬يتحدث‭ ‬الكاتب‭ ‬عن‭ ‬مدارج‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬فرانز‭ ‬كافكا‭ ‬الروائي‭:‬

المركيز‭ ‬دي‭ ‬ساد‭... ‬النزوع‭ ‬السادي‭ ‬في‭ ‬الرواية‭. ‬

دينو‭ ‬بوتزاتي‭... ‬قوة‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬العمل‭.‬

ستيفان‭ ‬زفايج‭... ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬تناول‭ ‬تفاصيل‭ ‬النفس‭ ‬البشرية‭. ‬

غابرييل‭ ‬غارسيا‭ ‬ماركيز‭... ‬الروائي‭ ‬الذي‭ ‬أحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا‭.‬

يوكيو‭ ‬ميشيما‭... ‬إيقاع‭ ‬الحياة‭ ‬الروائية‭.‬

كنزا‭ ‬بورو‭ ‬أويـه‭... ‬دفق‭ ‬شاعرية‭ ‬الخيال‭.‬

ماريو‭ ‬بارغاس‭ ‬يوسا‭... ‬بين‭ ‬الرواية‭ ‬والسياسة‭.‬

وليم‭ ‬فوكنر‭... ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬البراءة‭ ‬المفقودة‭.‬

يتحدث‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التفصيل،‭ ‬ويتناول‭ ‬جانباً‭ ‬من‭ ‬إبداعهم‭ ‬بما‭ ‬يتناسق‭ ‬مع‭ ‬المحور‭ ‬العام‭ ‬لفكرة‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يضفي‭ ‬متعة‭ ‬وجاذبية‭ ‬على‭ ‬القارئ‭.‬

ومما‭ ‬يقوله‭ ‬عن‭ ‬ماريو‭ ‬بارغاس‭ ‬يوسا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭: ‬

يتمتع‭ ‬الفكر‭ ‬الروائي‭ ‬بخصائص‭ ‬ومقومات‭ ‬تؤهله‭ ‬لإشاعة‭ ‬أنماط‭ ‬الأفكار‭ ‬والثقافات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬ووجهات‭ ‬النظر‭ ‬الجديدة،‭ ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬دوراً‭ ‬بارزاً‭ ‬وفاعلاً‭ ‬في‭ ‬تعزيزها‭ ‬وجعلها‭ ‬واقعاً‭ ‬معيشاً‭. ‬

عبر‭ ‬الأحقاب‭ ‬والعقود‭ ‬الزمنية،‭ ‬كان‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬منظّر‭ ‬المعاهدات‭ ‬والكيانات‭ ‬التحولية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب،‭ ‬وكان‭ ‬السياسي‭ ‬يستأنس‭ ‬بوجهات‭ ‬نظره‭ ‬وما‭ ‬يراه‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬مستقبلي،‭ ‬لأنه‭ ‬يمتلك‭ ‬المخيلة‭ ‬المتقدة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬ركن‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬عمله‭ ‬الإبداعي،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬التخيل‭ ‬والتحليل‭ ‬والتكهن،‭ ‬بشكل‭ ‬قريب‭ ‬إلى‭ ‬الدقة‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬عمليات‭ ‬التحول‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬والدول،‭ ‬اشترك‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬في‭ ‬صناعتها‭. ‬

المثقف‭ ‬كان‭ ‬دوماً‭ ‬يمتلك‭ ‬البلاغة‭ ‬في‭ ‬التأثير،‭ ‬وكان‭ ‬يستخدم‭ ‬ثقافته،‭ ‬وحججه‭ ‬وبراهينه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إقناع‭ ‬الآخرين‭ ‬بمشروعه‭ ‬التنويري‭ ‬الذي‭ ‬يدعو‭ ‬إليه‭. ‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬دوراً‭ ‬أساسياً‭ ‬مهماً‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬دور‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬صلاحية‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية،‭ ‬والأمر‭ ‬بتنفيذها‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬حتى‭ ‬تغدو‭ ‬واقعاً‭ ‬يومياً‭ ‬ملموساً‭ ‬ومعيشاً‭.‬

إن‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬الشخص‭ ‬المنظّر،‭ ‬والعقل‭ ‬المدبر،‭ ‬وهو‭ ‬واضع‭ ‬المواثيق،‭ ‬والمعاهدات،‭ ‬والأناشيد‭ ‬الوطنية،‭ ‬والفنون،‭ ‬وهو‭ ‬مصمم‭ ‬الرايات‭ ‬الخفاقة،‭ ‬وصانع‭ ‬الإعلام‭ ‬المسموع‭ ‬والمقروء‭ ‬والمرئي،‭ ‬ومبتكر‭ ‬الفلسفات‭ ‬والأيديولوجيات،‭ ‬وهو‭ ‬صانع‭ ‬ثورة‭ ‬الملتي‭ ‬ميديا،‭ ‬إنه‭ ‬بشكل‭ ‬مختصر‭ ‬مشكِّل‭ ‬هوية‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬في‭ ‬موطنه‭. ‬

منذ‭ ‬الأزل‭ ‬يكون‭ ‬اسم‭ ‬الثقافي‭ ‬بارزاً‭ ‬وحاضراً‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الاسم‭ ‬السياسي،‭ ‬منذ‭ ‬أرسطو‭ ‬طاليس،‭ ‬وسقراط،‭ ‬وشكسبير،‭ ‬ومروراً‭ ‬بالمتنبي،‭ ‬وابن‭ ‬رشد‭ ‬إلى‭ ‬سنغور،‭ ‬وسوينكا،‭ ‬وغورديمير،‭ ‬وطه‭ ‬حسين،‭ ‬وليس‭ ‬انتهاء‭ ‬بفوكوياما،‭ ‬وهنتغتن،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬إيجابياً‭ ‬أو‭ ‬سلبياً،‭ ‬لأن‭ ‬المثقف‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬دوراً‭ ‬سلبياً‭ ‬ويكون‭ ‬شريكاً‭ ‬للسياسي‭ ‬في‭ ‬كوارث‭ ‬كبرى،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬تسهم‭ ‬أفكاره‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصية‭ ‬سياسية‭ ‬سلبية‭ ‬كما‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لأفكار‭ ‬نيتشه‭ ‬عن‭ ‬الإنسان‭ ‬الجبار‭ ‬والقوي‭ ‬والسوبرمان،‭ ‬وتمثيل‭ ‬بعض‭ ‬الشخصيات‭ ‬القيادية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬وتأثرت‭ ‬بها‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قادت‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬حروب‭ ‬ومعارك‭ ‬كان‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬غنى‭ ‬عنها‭. ‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬الأفكار‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬أفكار‭ ‬بالغة‭ ‬الحساسية،‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفسير‭ ‬والتأويل‭ ‬والشرح،‭ ‬وكذلك‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المناسبات‭ ‬والأسباب‭ ‬التي‭ ‬فجرت‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬أسباباً‭ ‬شخصية‭ ‬للكاتب‭ ‬أو‭ ‬أسباباً‭ ‬جماعية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نفرّق‭ ‬بين‭ ‬الثورات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وبين‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬أفكاراً‭ ‬ومذاهب‭ ‬عدمية‭ ‬أو‭ ‬وجودية،‭ ‬أو‭ ‬فانتازية،‭ ‬أو‭ ‬تنويرية‭. ‬

يتمتع‭ ‬الأديب‭ ‬بسحرية‭ ‬التأثير،‭ ‬ويحالفه‭ ‬النجاح‭ ‬غالباً‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الإقناع‭ ‬لأنه‭ ‬يعيش‭ ‬أفكاره‭ ‬وقناعاته‭ ‬ويتغلغل‭ ‬في‭ ‬دواخلها‭. ‬

ولذلك‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬مختلف‭ ‬الحقب‭ ‬الزمنية‭ ‬ثنائية‭ ‬الأديب‭ ‬السياسي،‭ ‬والسياسي‭ ‬الأديب،‭ ‬فكان‭ ‬الأديب‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬السياسي،‭ ‬وكان‭ ‬السياسي‭ ‬يكتب‭ ‬أدباً،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الأديب‭ ‬يخلّف‭ ‬مواقف‭ ‬سياسية،‭ ‬فإن‭ ‬السياسي‭ ‬يخلّف‭ ‬أعمالاً‭ ‬أدبية‭. ‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬دور‭ ‬المثقف‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬بالغ‭ ‬الحساسية‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬والثورات‭ ‬والكيانات،‭ ‬وتعقد‭ ‬عليه‭ ‬آمال‭ ‬المشاريع‭ ‬الإنسانية‭ ‬التنويرية،‭ ‬والوطنية‭ ‬العظمى‭. ‬

يميل‭ ‬ماريو‭ ‬بارغاس‭ ‬يوسا‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬أعماله‭ ‬الروائية‭ ‬إلى‭ ‬نزعة‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬وكتاباته‭ ‬تتميز‭ ‬باجتماعيتها‭ ‬بامتياز‭ . ‬

 

أسرار‭ ‬الرواية‭ ‬النسوية‭ ‬

إنه‭ ‬فصل‭ ‬جديد‭ ‬يأتي‭ ‬ليكون‭ ‬مكملاً‭ ‬للفصلين‭ ‬السابقين،‭ ‬حيث‭ ‬يتناول‭ ‬هنا‭ ‬الحساسية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬المرأة‭ ‬وهي‭ ‬تتجه‭ ‬بأعمالها‭ ‬السردية‭ ‬والروائية‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬شرائح‭ ‬القراء‭.  ‬يأتي‭ ‬إلى‭ ‬أسماء‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الرواية‭ ‬النسوية،‭ ‬فيقول‭: ‬إنها‭ ‬ثنائية‭ ‬مكملة‭ ‬لبعضها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬التمايز‭ ‬ثراء‭ ‬لكل‭ ‬واحد‭ ‬بالنسبة‭ ‬للآخر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يجعل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مفقود‭ ‬لدى‭ ‬أحدهما‭ ‬موجوداً‭ ‬في‭ ‬الآخر‭. ‬

إنني‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬أقرأ‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي،‭ ‬وعندما‭ ‬أقع‭ ‬على‭ ‬مجلة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬إبداعات‭ ‬نسوية،‭ ‬فإنني‭ ‬ألمح‭ ‬تلك‭ ‬الخصوصية‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأدب،‭ ‬وعلى‭ ‬الأغلب‭ ‬فإنني‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬قصة‭ ‬لكاتبة‭ ‬ينتابني‭ ‬شعور‭ ‬بأنني‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬حافلة‭ ‬ما‭ ‬أمام‭ ‬امرأة‭ ‬تسرد‭ ‬حكاية‭ ‬لصديقتها‭ ‬وأنا‭ ‬أختلس‭ ‬السمع‭ ‬منهما،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬قصة‭ ‬لكاتب‭ ‬ينتابني‭ ‬شعور‭ ‬بأنني‭ ‬أقف‭ ‬خلفه‭ ‬خلسة‭ ‬وهو‭ ‬جالس‭ ‬على‭ ‬مائدة‭ ‬كتابة‭ ‬يكتب‭ ‬شيئاً‭ ‬سرياً‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬نفسه‭ ‬بسرية‭ ‬تامة‭. ‬إذن‭ ‬عندما‭ ‬تكتب‭ ‬المرأة‭ ‬يكون‭ ‬الآخر‭ ‬موجوداً‭ ‬بقوة‭ ‬وهي‭ ‬تكتب،‭ ‬بينما‭ ‬الرجل‭ ‬يلغي‭ ‬هذا‭ ‬الآخر‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة‭ ‬كما‭ ‬أظن‭ ‬في‭ ‬الروايات‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فعندما‭ ‬أقرأ‭ ‬رواية‭ ‬لكاتب‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تتناول‭ ‬حياة‭ ‬امرأة،‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أجد‭ ‬حضور‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الرواية‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬أجد‭ ‬رأي‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬المرأة،‭ ‬بينما‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬رواية‭ ‬لكاتبة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬امرأة‭ ‬فإنني‭ ‬عند‭ ‬ذاك‭ ‬أقرأ‭ ‬المرأة‭. ‬

‭ ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬فإنني‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬سيمون‭ ‬دي‭ ‬بوفوار‭ ‬في‭ ‬‮«‬الجنس‭ ‬الآخر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬‮«‬مذكرات‭ ‬فتاة‭ ‬رصينة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬‮«‬المرأة‭ ‬العجوز‮»‬‭ ‬سأرى‭ ‬خلافا‭ ‬في‭ ‬التعابير‭ ‬عندما‭ ‬أقرأ‭ ‬‮«‬الوجود‭ ‬والعدم‮»‬‭ ‬لسارتر‭ ‬رغم‭ ‬قوة‭ ‬العلاقة‭ ‬بينهما،‭  ‬وعندما‭ ‬أقرأ‭ ‬إيزابيل‭ ‬الليندي‭ ‬في‭ ‬‮«‬إيفالونا‮»‬‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬الأرواح‮»‬‭ ‬فستختلف‭ ‬قراءتي‭ ‬عندما‭ ‬أقرا‭ ‬‮«‬مائة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الحب‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الكوليرا‮»‬‭ ‬لماركيز،‭ ‬ورغم‭ ‬قوة‭ ‬تأثير‭ ‬سارتر‭ ‬على‭ ‬‮«‬إيزابيلا‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬مع‭  ‬‮«‬أنديانا‮»‬،‭ ‬و«كونسويللو‮»‬،‭ ‬و«مستنقع‭ ‬الشيطان‮»‬،‭ ‬و«الساحرة‭ ‬الصغيرة‮»‬‭ ‬لجورج‭ ‬ساند،‭ ‬فهي‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبنى‭ ‬والمعنى‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مدام‭ ‬بوفاري‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أبدعها‭ ‬غوستاف‭ ‬فلوبير‭ ‬رغم‭ ‬خصوصية‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكاتبين،‭ ‬وهذا‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬توني‭ ‬موريسون‭ ‬في‭ ‬‮«‬أشد‭ ‬العيون‭ ‬زرقة‮»‬‭ ‬و«سولا‮»‬‭ ‬ومع‭ ‬فوكنر‭ ‬في‭ ‬‮«‬الصخب‭ ‬والعنف‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬في‭ ‬نور‭ ‬في‭ ‬آب‮»‬‭. ‬ومع‭ ‬فرنسواز‭ ‬ساغان‭ ‬في‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬أيها‭ ‬الحزن‮»‬‭ ‬وألبير‭ ‬كامو‭ ‬في‭ ‬‮«‬الغريب‮»‬‭. ‬وعلى‭ ‬قدر‭ ‬هذه‭ ‬الخصوصية‭ ‬وهذا‭ ‬التمايز‭ ‬الإبداعي‭ ‬بين‭ ‬الأدبين‭ ‬يكمن‭ ‬الثراء‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬وتكون‭ ‬المرأة‭ ‬مبدعة‭ ‬أصيلة‭ ‬ومتميزة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬ثنائية‭ ‬إبداعية‭ ‬مكملة‭ ‬لبعضها‭.‬‭ ‬

إن‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬نفسها‭ ‬كامرأة،‭ ‬هذا‭ ‬التقديم‭ ‬الذي‭ ‬ليس‭ ‬بوسع‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يقدمه‭ ‬غيرها‭. ‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬المرأة‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬سردية‭ ‬الحكي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ميلها‭ ‬إلى‭ ‬العبارات‭ ‬المختصرة،‭ ‬فقد‭ ‬اغتنى‭ ‬تاريخ‭ ‬الرواية‭ ‬بأسماء‭ ‬روائية‭ ‬مهمة،‭ ‬وبشكل‭ ‬عام‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬حققت‭ ‬نجاحات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرواية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بقية‭ ‬المجالات‭ ‬الأدبية،‭ ‬ويمكنني‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬المرأة‭ ‬سجلت‭ ‬حضوراً‭ ‬لافتا‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬الرواية‭ ‬العالمي،‭ ‬وقد‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬من‭ ‬العالم‭. ‬

ومن‭ ‬النساء‭ ‬الفائزات‭ ‬بجائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للآداب‭: ‬نادرين‭ ‬جورديمر‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬سنة‭ ‬1991‭.‬

‭- ‬توني‭ ‬موريسون‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬1993‭.‬

‭- ‬الفريدا‭ ‬يلنك‭ ‬من‭ ‬النمسا‭ ‬2004‭.‬

‭- ‬دوريسن‭ ‬ليسينغ‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬2007‭.‬

‭- ‬هيرتا‭ ‬مولر‭ ‬من‭ ‬ألمانيا‭ ‬2009‭. ‬

لقد‭ ‬استطاعت‭ ‬الرواية‭ ‬النسوية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬تطبع‭ ‬بصمتها‭ ‬العميقة،‭ ‬وتترك‭ ‬آثاراً‭ ‬جيدة‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬التراث‭ ‬الروائي‭. ‬

 

محاور‭ ‬حول‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي

‭- ‬آغاتا‭ ‬كريستي‭ ‬الملكة‭ ‬الثانية‭ ‬للإمبراطورية‭ ‬البريطانية‭.‬

‭- ‬توني‭ ‬موريسون‭ ‬سيدة‭ ‬الواقعية‭ ‬الأمريكية‭ ‬السوداء‭.‬

‭- ‬سيمون‭ ‬دي‭ ‬بوفوار‭ ‬قوة‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬بنات‭ ‬جنسها‭.‬

‭- ‬شارلوت‭ ‬برونتي‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬أوقدت‭ ‬شمعة‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬دامس‭.‬

‭- ‬جورج‭ ‬سانـد‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬أرّخت‭ ‬لتجربتها‭ ‬الشخصية‭.‬

‭- ‬فرنسواز‭ ‬ساغان‭ ‬الروائية‭ ‬التي‭ ‬قالت‭ ‬وعاشت‭: ‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬أيها‭ ‬الحزن‭.‬

 

يقول‭ ‬عبدالباقي‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬فرنسواز‭ ‬ساغان‭: ‬

جاءت‭ ‬هذه‭ ‬الكاتبة‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬لتقول‭ ‬للناس‭ ‬إن‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يفقد‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه،‭ ‬هي‭ ‬اللحظة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬إشارة‭ ‬أولى‭ ‬للمحيطين‭ ‬به‭ ‬كي‭ ‬يترددوا‭ ‬في‭ ‬منحه‭ ‬هذه‭ ‬الثقة‭. ‬

لذلك‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وهي‭ ‬تطرق‭ ‬وتدخل‭ ‬أبواب‭ ‬الحياة‭ ‬الأدبية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬توصل‭ ‬أفكارها‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬لغات‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬عندما‭ ‬حملت‭ ‬القلم‭ ‬لتضع‭ ‬الكلمة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬على‭ ‬مساحة‭ ‬صفحة‭ ‬بيضاء‭. ‬

 

صباح‭ ‬الخيـر‭ ‬أيها‭ ‬الحزن‭ ‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬السادس‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1954،‭ ‬دخلت‭ ‬فتاة‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬عمرها‭ ‬أشهر‭ ‬وأبرز‭ ‬دار‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬بلادها‭ (‬جوليار‭) ‬وهي‭ ‬تحمل‭ ‬مخطوطة‭ ‬كُتبت‭ ‬بخط‭ ‬اليد‭ ‬على‭ ‬دفترها‭ ‬المدرسي‭ ‬في‭ ‬188‭ ‬صفحة،‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬لافت‭ ‬هو‭ ‬‮«‬صباح‭ ‬الخير‭ ‬أيها‭ ‬الحزن‮»‬‭. ‬لكاتبة‭ ‬مبتدئة‭ ‬تدعى‭ ‬فرنسواز‭ ‬ساغان‭.   ‬كانت‭ ‬الدار‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬ذروة‭ ‬الازدهار‭ ‬والمنافسة‭ ‬مع‭ ‬ناشرَين‭ ‬شهيرين‭ ‬هما‭: ‬غاستون‭ ‬غاليمار،‭ ‬وبرنار‭ ‬غراسيه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬انتزعت‭ ‬ثلاث‭ ‬جوائز‭ (‬غرنكور‭) ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬متتالية‭ ‬بمطبوعاتها‭ ‬لكل‭ ‬من‭: ‬جان‭ ‬جاك‭ ‬غوتينيه‭ ‬1946،‭ ‬وجان‭ ‬لوي‭ ‬كوريتس‭ ‬1947،‭ ‬وموريس‭ ‬دروون‭ ‬1948‭. ‬

تركت‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬مخطوطتها‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الاطلاع‭ ‬عليها،‭ ‬وإمكان‭ ‬تبنيها‭ ‬للطباعة،‭ ‬وعادت‭ ‬إلى‭ ‬بيتها‭. ‬

بعد‭ ‬ثمانية‭ ‬أيام،‭ ‬مد‭ ‬جوليار‭ ‬يده‭ ‬يتصفح‭ ‬المخطوطة‭ ‬بعد‭ ‬تناول‭ ‬العشاء،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬قرأ‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬المخطوطة‭ ‬تجتذبه‭ ‬وتُدخله‭ ‬إلى‭ ‬عالمها،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬جوليار‭ ‬لم‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬ينام‭ ‬ليؤجل‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬القراءة‭ ‬إلى‭ ‬الغد،‭ ‬فسهر‭ ‬معها‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬صفحة‭.‬

عندها‭ ‬لم‭ ‬يندم‭ ‬لأن‭ ‬الصباح‭ ‬أدركه،‭ ‬لأنه‭ ‬أحس‭ ‬بمتعة‭ ‬هي‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬متعة‭ ‬أي‭ ‬نوم‭ ‬من‭ ‬جهة‭,‬‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬راودته‭ ‬سعادة‭ ‬باكتشاف‭ ‬كاتبة‭ ‬سيعني‭ ‬تقديمه‭ ‬لها‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير‭. ‬

 

قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬طلب‭ ‬الرجل‭ ‬أن‭ ‬يلتقي‭ ‬الكاتبة‭ ‬الشابة‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬سرعة‭.‬

عندما‭ ‬تلقت‭ ‬ساغان‭ ‬دعوة‭ ‬اللقاء،‭ ‬سارعت‭ ‬بالاستجابة،‭ ‬وعند‭ ‬الساعة‭ ‬الخامسة‭ ‬من‭ ‬مساء‭ ‬اليوم‭ ‬ذاته‭ ‬دخلت‭ ‬عليه‭ ‬حتى‭ ‬ترى‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بشأن‭ ‬المخطوطة،‭ ‬فأمضى‭ ‬جوليار‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬طويل‭ ‬عن‭ ‬كيفية‭ ‬كتابتها‭ ‬لهذا‭ ‬العمل،‭ ‬وعن‭ ‬تفاصيل‭ ‬حياتها،‭ ‬وعن‭ ‬أفكارها‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬ساعات‭ ‬متواصلة‭. ‬

بعد‭ ‬هذا‭ ‬اللقاء‭ ‬أخبرها‭ ‬أنه‭ ‬بالفعل‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬تبني‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬أمامها‭ ‬طريقاً‭ ‬للمجد‭ ‬والشهرة‭ ‬رغم‭ ‬صغر‭ ‬سنها‭. ‬

وحيث‭ ‬إن‭ ‬عمرها‭ ‬القاصر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالتوقيع‭ ‬على‭ ‬عقد‭ ‬الطباعة‭ ‬وفق‭ ‬القانون،‭ ‬فقد‭ ‬أحضرت‭ ‬ولي‭ ‬أمرها‭ ‬ليتولى‭ ‬أمر‭ ‬التوقيع‭.‬

 

حساسيـة‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬

‭ ‬تولت‭ ‬هذه‭ ‬الفتاة‭ ‬المراهقة‭ ‬مهمة‭ ‬تمثيل‭ ‬حساسية‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بعد‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين،‭ ‬وبعد‭ ‬انفجار‭ ‬الأفكار‭ ‬والفلسفات‭ ‬والمذاهب‭ ‬الأدبية‭ ‬الكبرى‭. ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الوقت‭ ‬يلتفت‭ ‬لسيكولوجية‭ ‬وحساسية‭ ‬هذه‭ ‬الشريحة‭ ‬البالغة‭ ‬الأهمية،‭ ‬وما‭ ‬ميز‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬أن‭ ‬كاتبته‭ ‬هي‭ ‬أحد‭ ‬أصوات‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬يتغلغل‭ ‬ويشعر‭ ‬بضياع‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬إليه‭ ‬أحد‭.  ‬من‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬لنشر‭ ‬الكتاب‭ ‬دوي‭ ‬الانفجار،‭ ‬ونفدت‭ ‬خمسون‭ ‬ألف‭ ‬نسخة‭ ‬بصورة‭ ‬عجيبة‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬أشهر،‭ ‬وأما‭ ‬كبار‭ ‬النقاد‭ ‬فبدأوا‭ ‬يلفتون‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬ككاتبة‭ ‬بارعة‭ ‬ويشيدون‭ ‬بمهاراتها‭ ‬وقدراتها‭ ‬اللغوية،‭ ‬والفنية،‭ ‬والفكرية‭. ‬

‭ ‬تحولت‭ ‬فرنسواز‭ ‬ساغان‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬إلى‭ ‬نجمة‭ ‬أدبية‭ ‬تنافس‭ ‬أبرز‭ ‬نجمات‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬بصورها‭ ‬على‭ ‬أغلفة‭ ‬المجلات‭ ‬والجرائد،‭ ‬وبالحديث‭ ‬الطويل‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الملتقيات‭ ‬الثقافية‭. ‬

إنه‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عنها‭ ‬القارئ‭ ‬الأكاديمي،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬يستغني‭ ‬عنها‭ ‬القارئ‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬أهمية‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬