من مدونات رحلات الحج في الخليج العربي
رحلة أداء فريضة الحج هي رحلة العمر المرتقبة، ذلك أن القلوب تهفو طاعة لأداء هذه الشعيرة الركن، وإسعاد البصر بمشاهدة مواطن العبادة، البيت الحرام، ومنازل الوحي والنبوة والبعثة والمشاعر المقدسة، ثم زيارة المسجد النبوي، حيث أحداث الإسلام ومعاهده، والآثار النبوية المباركة.
من الحجاج مَنْ دوّن هذه الرحلة المباركة، وسجل بمداد فؤاده قبل قلمه ما خالجه من مشاعر، وما لمس من فيوض إيمانية، وهو يؤدي تلك الشعائر، وعين بصيرته قبل بصره تتفحص تلك الأماكن والشعائر المقدسة. فتناولت مدوناتهم بما حوته من انطباعات روحانية في طياتها سرداً تاريخياً ووصفياً للطرق، والأماكن، والمسافات، ومقدار الزمن للمرحلة والرحلة. ومنهم من انتهج طريقة أخرى، فأرخ لرحلته بأسلوب اليوميات مذ خروجه من بلدته إلى أوبـته، فكانت مثل هذه المدونات غنية بالسرد التاريخي والوصفي للطرق، والمحطات، ووسائل النقل، والأحداث التي تتعرض لها القافلة، مؤرخة ذلك باليوم والساعة.
وقد استفاض ذكر مدونات الحج من رحلات مدونة لبيت الله الحرام، وتقارير لرؤساء بعثات الحج أخيراً، كما اشتهر من ذلك مدونات رحلات أهل جهات بعينهم، كالمغاربة، والمصريين، والأتراك، ففاضت المراجع بذكر رحلاتهم، ودفعت المطابع بفريد وعزيز هذا التراث، حتى أضحى من مصادر التاريخ في وصف الحج مناسكه ومنازله وطرقه ونظمه وترتيباته، وما صاحب ذلك من تطورات، وما كتاب مرآة الحرمين لإبراهيم باشا، ورحلة البتنوني منّا ببعيد.
لكن ربما يتبادر إلى ذهن القراء الفضلاء سؤال هو: هل كان لحجاج مناطق الخليج العربي وشرقي الجزيرة العربية من إسهام أدبي في تراث رحلات الحج؟ وهل وثّق بعض الحجاج من الخليجيين رحلة حجه، ومسيره إلى مكة المكرمة، رغم ما كانت عليه تلك المناطق من طبيعة صعبة، وظروف معيشية عسيرة وشديدة؟
من خلال البحث والتقصي، أمكن الوقوف على عدد محدود لا يتجاوز الأربع مدونات من رحلات الحج إلى بيت الله الحرام، دوّنها خليجيون، وإن كان الاعتقاد أن خزائن الكتب الخاصة لبيوتات الخليج مازالت تحوي بين أضابيرها كثيراً من هذه الرحلات التي سيكشف عنها الزمن لاحقاً، نظراً للنشاط الملموس لمراكز البحوث والدراسات التاريخية في دول الخليج العربي، في جمع التراث الخليجي التاريخي، وتحقيقه ونشره.
ومن هذه الرحلات ما تضمنه الجدول التالي، وهي مرتبة حسب تاريخ الرحلة:
الدر المنظوم في ذكر محاسن الأمصار والرسوم (1288هـ - 1872م)
تأليف السيد الأمجد حمود بن أحمد بن سيف البوسعيدي، من علماء ووجهاء عمان، سكن زنجبار، وكان من خواص سلطان زنجبار السلطان برغش بن سعيد. عرف عن السيد حمود عنايته بأعمال الخير؛ إذ يُنسب له إنشاء رباط ووقفه على الحجاج العمانيين بمكة المكرمة، وتوفي في مدينة بوبو في زنجبار، سنة 1298هـ/ 1800م.
هذه الرحلة يمكن القول إنها رحلة عامة؛ ذلك أنها لم تقتصر على وصف رحلة الحج، إنما كانت سياحة في عدد من بلاد العرب ومنها مكة المكرمة، فانطلقت الرحلة من زنجبار، وكان الوصول إلى جدة ليلة الرابع عشر من ذي القعدة سنة 1288هـ.
وكان المؤلف في معية حاكم زنجبار السلطان برغش بن سعيد بن سلطان بن الإمام، عند خروجه من زنجبار، فبدأ بزيارة الحجاز وأداء فريضة الحج، ثم غادر السلطان برغش بن سعيد إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي والسلام على النبي [، ومنها إلى جدة ثم قفل عائداً إلى سلطنته في زنجبار، وبقي المؤلف في مكة المكرمة مجاوراً، ليبدأ بعدها رحلة سياحة، حيث توجه إلى الطائف مصيف الحجاز، ثم زيارة بلدان تقع ضمن سلطان الدولة العثمانية آنذاك، فتوجه إلى مصر، فدخل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، ثم توجه إلى الشام، حيث زار دمشق والقدس وبيروت. ومن الشام يعود المؤلف إلى مصر فالحجاز حيث يصل بندر جدة في غرة شعبان 1289هـ /4 أكتوبر 1872م، ومنها إلى مكة المكرمة مرة أخرى، ولم يسجل المؤلف تاريخ عودته إلى بلده.
ما يعنينا من هذه الرحلة وفق مقتضى المقال هو ما جاء في الرحلة عن الحج، وإن كان المؤلف لم يقدم في هذا الجانب سوى تاريخ وصوله إلى مكة، وقراره المجاورة فيها، إذ يقول: وكنت أنا قد بقيت بمكة المشرفة مجاوراً لبيت الله الحرام وزمزم والمقام، وأتطيب بمسك تراب تلك المشاعر العظام بمكة:
بمكة لي غناء ليس يفنى
جوار الله والبيت المعظم
ولا أدري لذلك سبباً، رغم إسهابه في وصف بلدان أخرى، فهل سقط وصف المؤلف لمكة المكرمة ومشاعر الحج من المخطوط، أم ضرب صفحاً عن ذلك لما دونّه الآخرون في رحلاتهم.
لكن مع ذلك فهناك مادة وصفية فريدة قدّمها المؤلف عن مدينة الطائف، مصيف مكة، حيث توجه لزيارتها يوم الأحد التاسع من شهر ربيع الآخر سنة 1289هـ، ومكث فيها قرابة الشهر.
سلك المؤلف طريق السيل، يقول عن وقت خروجه من مكة: اوكانت الساعة الثامنة من النهار. وأصبحنا يوم الإثنين في سولة وأقلنا هناك، ورحلنا في الساعة السابعة من النهار يوم الثلاثاء، وأصبحنا في السيل، وأقلنا هناك ورحلنا في الساعة السابعة من النهار يوم الثلاثاء، وأصبحنا يوم الأربعاء في الطائف ودخلنا بعد طلوع الشمس بساعةب.
ثم وصف مدينة الطائف بقوله: االطائف بلدة طيبة منبسطة وفي قوة الحر باردة مثل الشتاء في غيرها، وفي الشتاء يجمد الماء من قوة البرودة، وهي قرية عليها سور، وفيها قلعة فائقة الحسن، وأسماء أبوابها: الحزم، وباب ابن عباس، وباب الريع، وفيها باب صغير من القلعة غير الثلاثة المذكورة، وأكبر مساجدها مسجد ابن عباس وفيه تقام الجمعة، قم من بعد مسجد الهادي أسفل البلد، وفيه تقام الجمعة أيام المواسمب.
عقب هذه السياحة في معالم الطائف غادرها المؤلف قاصداً مكة المكرمة بعد أن أمضى شهراً فيها، وكان تركه الطائف يوم السبت السابع من شهر جمادى الأولى، ومنها إلى جدة، ليبدأ رحلة أخرى إلى بلدان تقع ضمن نفوذ الدولة العثمانية، فتوجه إلى مصر، ثم إلى بلاد الشام وزار فيها دمشق والقدس وبيروت، ودون في رحلته هذه أوصافاً لمظاهر الحياة العصرية في مصر وبلاد الشام، ذاكراً أهم المعالم العمرانية، وأبرز سمات وصفات أهل تلك البلاد.
ومن الشام يعود المؤلف إلى مصر، ومنها إلى الحجاز، حيث وصل ميناء مدينة جدة في الأول من شعبان سنة 1289م الموافق 4 أكتوبر 1872م، ليغادرها إلى حيث مجاورته في مكة المكرمة، وهنا تنتهي سردية هذه الرحلة، واللافت أن المؤلف بعدها لم يشر إلى تاريخ مغادرته مكة المكرمة إلى بلده.
رحلة الشيخ عبدالله الخلف الدحيان
(1324هـ - 1906م)
تعد هذه الرحلة من أولى أدبيات رحلات الحج عند أهل الكويت، ويلاحظ منها عناية أهل الكويت المبكرة بمدونات أدب رحلة الحج، إذ سيأتي ذكر رحلة أخرى أكثر تفصيلاً ودقة لأديب من الكويت هو مساعد بن يعقوب البدر.
تفردت رحلة الشيخ الخلف بأنها رحلة منظومة نظمها مؤلفها شعراً، ولا غرابة في ذلك فهو أحد العلماء والفقهاء المدرسين بالكويت، تولى القضاء، وإمامة وخطابة مسجد البدر، كما كانت مكتبته الخاصة تعدُ من أشهر المكتبات بالكويت، واشتُهر بتدريس المتون، ومنها متن الرحبية في المواريث، وله مصنف في الفقه سماه االعقود الياقوتيةب.
لم أقف على متن هذه الرحلة لبيان موضوعها وتفاصيلها، لكن جاء بعض وصفها عند محقق كتاب الرحلة الميمونة، فذكر أنها كانت في سنة 1324هـ، كذا أورد أبياتا منها، يشيدُ فيها المؤلفُ الشيخُ الخلف، ويثني على بعض من آل البدر من الكويت؛ لما أسدوا له من العون والخدمة، مما أسهم في تيسير حجته، فيقول:
جزى الله مرزوق الرضا عن فعاله
وأولاه إحساناً وحسن الشمائل
وفي وفى بالوعد إذ كان أصله
من البدر داود حميد الخصائل
رآني أعاني حمل شوق إلى الحمى
فساعدني بالحمل فوق الرواحل
وأكرمني فالله يوليـــــــــــــــــــه مكرماً
جميل الجزاء عني لحسن التعامل
وصيرني والله خير مقدر
مع الرفقة الغر الكرام الأفاضل
وناصر كان الله دوماً لناصر
شقيق أبيه الندب من خير باذل
لقد جاد بالمعروف وهو ابن يوسف
كما جاد عبدالله في كل طائل
حليف التقى ابن الرشيد انتماؤه
إلى البدر لازالوا بدور المحافل
وقد لاقت الرحلة عناية علماء العصر في الكويت، إذ قرّضها بعض العلماء، وجاء في الرحلة ما نصه: اولما وقف عليها الفاضل الأديب واليقظ الكامل، الشيخ عبدالله بن الحاج محمد
بن خليل، قرضها بهذه الأبيات مؤرخاً عام الحج، شكر الله سعيه، وهذا قوله زاد فضله:
يا إمام العصر يا من قد سمى
فوق هام المجد بالدر اليقين
قد أضاء الكون لما أسفرت
رحلة الترحال منـــا للعقيق
ودعانـــــا الأنس لمــــــا أرخوا
حلّ عبدالله في البيت العتيق
يشير أحد الباحثين إلى أن قصيدة الشيخ الخلف عن الحج تناولت في موضوعاتها وصف الطريق والمشاهدات ورفاق الرحلة، والبلدان التي مرّ بها، ورجال العلم الذين التقى بهم، وكان طريق عودته من الحج مختلفاً إذ ركب البحر إلى الهند، ووصل الكويت عن طريق مسقط، وذكر أن هذه القصيدة طويلة، طبعت مفردة في نحو عشرين صفحة.
رحلة الحاج من بلد الزبير بن العوام إلى البلد الحرام (1345هـ - 1925م)
تعد هذه الرحلة من أغزر رحلات الحج مادة علمية، - فهي بحاجة إلى مقالة علمية بمفردها، إذ جاء المؤلف على وصف الطرق، والمسافات بينها، والأماكن التي مرّ بها، والمسجد الحرام والمسجد النبوي، وتفرد بذكر درجات الحرارة في الأماكن التي مرّ بها أو نزل فيها، كما رصد تكاليف ونفقات الرحلة، ووسائل النقل من الجمال والهوادج عليها، إضافة لما تميزت به سرديات الرحلة من أسلوب أدبي، وهي من تأليف العلامة الأديب سعد بن أحمد بن حماد الربيعة الثوري، الربابي، التميمي، من الأسر النجدية النازلة بالزبير، الذي كان يُعد من كبار المثقفين في البصرة والزبير، وكان جيد الخط، وله معرفة بالحساب، وعمل بالتجارة، وله يد في العلوم الشرعية والأدب، وكان من الرواد في العمل الاجتماعي إذ يُنسب له تأسيس مكتبة الزبير الأهلية، وجمعية الإصلاح الاجتماعي، توفي بالزبير سنة 1383هـ - 1963م.
دوّن المؤلف رحلته وفق منهج المذكرات اليومية، فكان يصدّر العنوان باليوم والتاريخ، ثم يسرد أحداث ذلك اليوم، ويشير المحقق إلى أن هناك صفحتين من اليوميات مفقودتان، لذا كان أول تاريخ يومية يُطالعنا في الرحلة هو يوم الإثنين 23 شوال - 1345هـ. وتتعلق حوادثها بالاجتماعات استعداداً للرحلة قبل الخروج، وآخر يومية كانت يوم الإثنين 3 صفر 1346هـ، وأرخ فيها للعودة ولقاء الأهل وبلوغه داره بسلامة الله.
مدونة رحلة الحاج كما أسلفنا غنية في جوانبها بالمادة البلدانية والتاريخية والشعر وفيض من المشاعر التي تختلج قلب ومشاعر كل حاج. وسنعرض لنماذج من هذه المادة وفق ما يقتضيه المقام، فكعادة مدونات الرحلات كان الطريق ومعالمه في بداية الاهتمامات، فوصف الطريق من الزبير إلى مكة المكرمة، محطة تلو الأخرى، بدءاً من الهليبا، منطقة خارج الزبير، سالكين طريقاً تُعرف بـ اخضر الماءب بدلاً من طريق الحَفر. فالباطن، ثم عبور الدهناء، والأسياح، والوصول إلى مدينة بريدة، ومنها إلى البدائع، والرس، ثم إلى المويه ومنها إلى الميقات قرن المنازل وأخيراً إلى مكة المكرمة، وكان دخولها يوم الأحد 5 من ذي الحجة 1345هـ.
كما وصف بعض المدن التي دخلها، وهو دقيق في وصفه، وكانت القافلة قد أقامت في بريدة ستة أيام، للقاء والزيارة والتزود بحاجيات الرحلة. فوصف المسجد الجامع في بريدة وصفاً معمارياً، فقال: اليس في بريدة سوى جامع واحد، وهو على اتساعه يغص بالمصلين، وفيه مئتان وعشرة أعمدة من الصلد، طول العمود سبع أذرع، والبناء الذي بينه وبين السقف سبع أذرع، وبين كل عمود وعمود من القبلة إلى الشرق سبع أذرع، ومن الشمال إلى الجنوب أربع أذرع، وله من الأبواب ثمانية، منها باب لا يدخل منه سوى الأمير والخطيبب. ثم جاء على وصف مدينة بريدة وصفاً مجملاً، فقال: اأما بريدة فهي بلدة كبيرة يُقدر عدد سكانها بأربعين ألفاً، وبيوتها من الطين الخالص، وأحسن أبنيتها قصر الإمارةب.
وفي أثناء إقامته بمكة المكرمة قام بمسح المسجد الحرام، فقال: اشكله الحالي مستطيل منتظم الشكل تقريباً، طوله من المدخل حوالي 165 متراً، وعرضه 108 أمتار، وتحيط به من جهاته الأربع مبانٍ متصلة به، بعضها يستخدم للسكن وبعضها الآخر لمقاصد أخرى، وتحيط به من الداخل أربعة أروقة، مسقوفة في عرض ثلاثة عقود، سوار عددها 311 عقدا أكثرها من الحجر الصلد الأحمر، وعلى كل أربعة منها قبة فخمة، أما ما بقي منه فهو صحن سماوي متسع تغطيه مماش مرصوفة بالحجر الصلد تقسمه إلى ساحات مختلفة الشكل مفروشة بالحصى، والكعبة قائمة وسط هذا الصحن تقريباً، وللحرم 22 باباً، وبعضها ذو ثلاث فتحات، ومجموعها 39 باباً، ومناراته سبع مناراتب.
كما وصف الكعبة المشرفة وصحن المسجد الحرام ومكوناته، وذكر أنه دخلها ثلاث مرات، وأنه زار كبير سدنة بيت الله الحرام السيد عبدالله الشيبي.
عقبها وصف المؤلف رحلته للمشاعر وأداء فريضة الحج، ومغادرته إلى المدينة المنورة، عبر الطريق السلطاني، المار بوادي فاطمة وعسفان يوم الثلاثاء 21 من ذي الحجة 1345هـ، ووصلها يوم الخميس 30 من ذي الحجة، وكعادة المؤلف وبحس المؤرخ الأديب وصف المسجد النبوي، وصفاً معمارياً فنياً، ووصف الحجرة والروضة، وختم بوصف عام للمدينة المنورة وسورها. وفي يوم الإثنين 5 محرم 1346هـ أنهى المؤلف رحلته عائداً إلى بلده الزبير مع رفاقه وقافلته وكان الوصول إلى الزبير في يوم الثلاثاء 4 صفر 1346هـ بعد رحلة سفر استغرقت نحو الشهر، بينما رحلة الحج كاملة استغرقت قرابة الثلاثة أشهر وعشرة أيام.
خلال ما تمت الإشارة إليه سابقا، نجد أن المؤلف قد رصد ودوّن في ثنايا مشاهداته كثيراً من الملاحظات والفوائد، وهي ملاحظات خبير عارف وناقد غيور، من ذلك:
- إشادته بالأمن المتحقق والملموس في طرق الحج بعد بسط الملك عبدالعزيز نفوذه على الحجاز.
- الاستياء من الحال التي كان عليها المسعى قديماً، خارج المسجد الحرام، ووقوعه بين الدور والحوانيت. ونداؤه لملك الحجاز وسلطان نجد آنذاك الملك عبدالعزيز أن يلتفت إلى هذا الأمر وأن يأمر بإزالة الحوانيت وتطهير طريق المسعى من القاذورات.
- وضع جيف الحيوانات من الهدي والأضاحي ورميها بين المخيمات في منى، مما تسبب في انبعاث روائح كريهة، الأمر الذي دعا المؤلف إلى أن يستأجر البعض لنقل هذه الجيف إلى االسّلخانةب بمنى.
- الازدحام للحجاج في مكة والمشاعر، وعلل المؤلف ذلك بتشييد المباني الكثيرة بلا نظام وهندسة.
- وجود طريق ممهدة للسيارات بين مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى جانب طريق القوافل منذ سنة 1345هـ، وهو ما أشار إليه المؤلف عند حديثه عن طريق المدينة المنورة.
- ذكر كثير من الشخصيات العامة والمسؤولة من العرب والترك وغيرهم، ممن التقاهم المؤلف بمكة المكرمة، وهي بخط اليد، أهداها واقفوها من الهنود والأتراك والعجم للمسجد النبوي، كما شاهد ثلاثة دواليب مخازن للكتب معشقة بالفضة، ومكتوباً عليها أنها هدية من أم المحسنين والدة سمو عباس حلمي خديوي مصر الأسبق سنة 1327هـ.
أخيراً، ختم المؤلف رحلته بقائمتين، الأولى بمصاريف نفقات الرحلة، والأخرى بالمدة الزمنية بين محطات الطريق بالدقيقة والساعة.
الرحلة الميمونة إلى بيت الله الحرام (1932م)
تعد هذه الرحلة هي المدونة الثانية من تراث رحلات الحج الكويتية، وهي تنم عن عناية مبكرة ومستمرة من لدن أهل الكويت بالتدوين الذي لم يقتصر على رحلات الحج، بل تعداه إلى تدوين الرحلات البحرية للصيد ومغاصات اللؤلؤ. وقد أخرج مركز البحوث والدراسات الكويتية أعداداً من هذه اليوميات في حلة قشيبة من الإخراج والطباعة.
مؤلف االرحلة الميمونةب هو الأستاذ مساعد يعقوب البدر، من رجالات الكويت، وسليل أسرة ذات مكانة، اشتهر منها كثير من الأدباء والشعراء، نال تعليماً تقليدياً ونظامياً، وتقلد مناصب وظيفية عديدة في الدولة، إذ عمل مفتشاً للجمرك البحري، ومديراً عاماً للكهرباء والماء بالكويت. ولا شك في أن توليه لهذه المناصب يدل على كفاءته وخبراته العلمية والإدارية. وتوفي في بيروت سنة 1966م.
الرحلة بدأت في يوم الخميس 11 شوال 1350 هـ الموافق 18 فبراير 1932م، وكانت على ظهور الإبل، قبل استخدام السيارات في حملات الحج، وانتهت الرحلة في يوم الإثنين 23 مايو 1932م.
دونت الرحلة وفق أسلوب اليوميات، تناول فيها وصف طريق الحج التي سلكته القافلة، وكان وصفه دقيقاً، حيت ذكر المنزل الأول لحجاج الكويت، وهو الجهراء، ثم تابع في ذكر المنازل الواحد تلو الآخر، والمسافات بينها بالساعات والدقائق، كما وصف معالمها الجغرافية، والنباتات التي يكثر ظهورها فيها، وقد سمى القبائل والجماعات التي تسكن بعض المنازل، وأخيراً يختم بسرد الأحداث الغريبة التي وقعت في أثناء المسير لذلك المنزل. ومثال ذلك ما جاء في وصف المسير من العاقول إلى المدينة المنورة، إذ يقول المؤلف:
عاقول - المدينة المنورة (الجمعة 25 مارس 1932م) (الثامنة وخمس أربعون دقيقة صباحاً) ص، تحركنا من عاقول (الثامنة وخمس أربعون دقيقة صباحاً)، وصلت الحملة المدينة المنورة، بعد أن تعطلت في الطريق نحو ساعة وربع بأمر الشيوخ. وقد وجدنا بالمدينة المنورة عدداً من أهل الكويت الذين جاءوا عن طريق البحر، محمد الزاحم وابنه فهد، وإبراهيم الخميس، وأحمد أبل وعبد العزيز الحمر، وابن سدحان، وقد قضينا ليلة السبت والأحد والإثنين والثلاثاء بالمدينة المنورة.
ورغم مقام المؤلف أياماً في المدينة المنورة، فإنه لم يأت على وصف أي من معالمها أو المسجد النبوي كعادة أصحاب الرحلات، والحال نفسها كانت في مكة المكرمة، إذ اقتصر فيها أيضاً على ذكر بعض الأحداث، ومثال ذلك قوله:
الإثنين 11 من أبريل 1932م: أحرمت الكعبة، أي رفعت كسوتها القديمة وأحيط الجزء الأسفل منها بإزار أبيض، تمهيداً لتغيير الكسوة.
الثلاثاء 12 من أبريل: قام جلالة الملك عبدالعزيز بكنس الكعبــــــة.
الأربعاء 13 من أبريل: طاف أصحاب السمو الأمراء فهد بن سعد، ومحمد وخالد العبدالعزيز السعود.
الخميس 14 من أبريل: (الخامسة وثلاثون دقيقة صباحاً) أحرمنا بالحج تحت ميزاب الكعبة.
(الثانية عشرة وخمس أربعون دقيقة مساء) توجهنا من الأبطح إلى منى.
(الواحدة وخمسون دقيقة صباحاً) نزلنا في منى غربي منزل الشامي وشمال قصر ابن سعود، والقبلة عنا في الشمال الغربي.
فاضت رحلة البدر بمعلومات وافرة عن طرق حج أهل الكويت ومعالمها، وخاصة أن القافلة كانت قد سلكت طرقاً عدة، ففي خروجها من المدينة المنورة إلى مكة لم تسلك القافلة أو الحملة الطريق الساحلية مروراً برابغ، بل اتجهت شرقاً لتأخذ طريق الحاج القديم المعروف بطريق زبيدة، السالك بين حرتي رهاط وكشب، إلى السيل الكبير حيث ميقات حجاج نجد، وفي طريق عودتها كانت تسلك طريقاً أخرى، حيث تحركت الحملة من مكة السبت 23 أبريل 1932م إلى بريدة، وكان المسير باتجاه الشمال الشرقي انطلاقاً من طريق الحاج القديم إلى بريدة، ومنها إلى الكويت، وكان وصول الحملة في يوم الإثنين 23 مايو 1932م.
بقي أن نشير إلى الجهود التي بذلها المحقق في إخراج النص، فالمحقق الدكتور عبدالله بن يوسف الغنيم، الخبير المتخصص في جغرافية الجزيرة العربية، بدأ بالتعريف بالأماكن والمنازل، وتصويب التصحيفات التي وقعت في أسماء المنازل وغيرها، وبيان معاني الكلمات العامية التي وردت باللهجة الكويتية الدارجة، وتغيير التوقيت المدونة به الرحلة من التوقيت الغروبي الزوالي إلى التوقيت العالمي، وتزويد الكتاب بخرائط طبيعية حديثة لكل مرحلة من مراحل الرحلة، وهي طريقة غير مسبوقة في إخراج كتب الرحلات، وفي القسم الثاني من الكتاب تفرد العمل بإيراد صورة كاملة عن المخطوط لمن أراد الوقوف على هيئة المخطوط وأسلوب كتابته، وأمام كل صفحة مسرد التعريف بأهم الكلمات الواردة فيها، وخُتم الكتاب بفهارس تحليلية للأعلام والمواضع.
وأخيراً ربما تكشف الأيام المقبلة عن المزيد من رحلات الحج لأهل الخليج العربي، فهذه أربع رحلات جاءت المقالة على عرض أهم ما جاء فيها، وإن كانت كل رحلة هي جديرة بدراسة مستفيضة متعمقة لبيان تراتبية و تنظيم هذه الحملات، وحال الطريق من شرق الجزيرة إلى مكة المكرمة، والتطرق للأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية للحج في تلك الأزمان .