من مدونات رحلات الحج في الخليج العربي

من مدونات رحلات الحج  في الخليج العربي

  ‬رحلة‭ ‬أداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬هي‭ ‬رحلة‭ ‬العمر‭ ‬المرتقبة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القلوب‭ ‬تهفو‭ ‬طاعة‭ ‬لأداء‭ ‬هذه‭ ‬الشعيرة‭ ‬الركن،‭ ‬وإسعاد‭ ‬البصر‭ ‬بمشاهدة‭ ‬مواطن‭ ‬العبادة،‭ ‬البيت‭ ‬الحرام،‭ ‬ومنازل‭ ‬الوحي‭ ‬والنبوة‭ ‬والبعثة‭ ‬والمشاعر‭ ‬المقدسة،‭ ‬ثم‭ ‬زيارة‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬حيث‭ ‬أحداث‭ ‬الإسلام‭ ‬ومعاهده،‭ ‬والآثار‭ ‬النبوية‭ ‬المباركة‭. ‬

‭ ‬من‭ ‬الحجاج‭ ‬مَنْ‭ ‬دوّن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬المباركة،‭ ‬وسجل‭ ‬بمداد‭ ‬فؤاده‭ ‬قبل‭ ‬قلمه‭ ‬ما‭ ‬خالجه‭ ‬من‭ ‬مشاعر،‭ ‬وما‭ ‬لمس‭ ‬من‭ ‬فيوض‭ ‬إيمانية،‭ ‬وهو‭ ‬يؤدي‭ ‬تلك‭ ‬الشعائر،‭ ‬وعين‭ ‬بصيرته‭ ‬قبل‭ ‬بصره‭ ‬تتفحص‭ ‬تلك‭ ‬الأماكن‭ ‬والشعائر‭ ‬المقدسة‭. ‬فتناولت‭ ‬مدوناتهم‭ ‬بما‭ ‬حوته‭ ‬من‭ ‬انطباعات‭ ‬روحانية‭ ‬في‭ ‬طياتها‭ ‬سرداً‭ ‬تاريخياً‭ ‬ووصفياً‭ ‬للطرق،‭ ‬والأماكن،‭ ‬والمسافات،‭ ‬ومقدار‭ ‬الزمن‭ ‬للمرحلة‭ ‬والرحلة‭. ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬انتهج‭ ‬طريقة‭ ‬أخرى،‭ ‬فأرخ‭ ‬لرحلته‭ ‬بأسلوب‭ ‬اليوميات‭ ‬مذ‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬بلدته‭ ‬إلى‭ ‬أوبـته،‭ ‬فكانت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المدونات‭ ‬غنية‭ ‬بالسرد‭ ‬التاريخي‭ ‬والوصفي‭ ‬للطرق،‭ ‬والمحطات،‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل،‭ ‬والأحداث‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬القافلة،‭ ‬مؤرخة‭ ‬ذلك‭ ‬باليوم‭ ‬والساعة‭. ‬

    ‬وقد‭ ‬استفاض‭ ‬ذكر‭ ‬مدونات‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬رحلات‭ ‬مدونة‭ ‬لبيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬وتقارير‭ ‬لرؤساء‭ ‬بعثات‭ ‬الحج‭ ‬أخيراً،‭ ‬كما‭ ‬اشتهر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬مدونات‭ ‬رحلات‭ ‬أهل‭ ‬جهات‭ ‬بعينهم،‭ ‬كالمغاربة،‭ ‬والمصريين،‭ ‬والأتراك،‭ ‬ففاضت‭ ‬المراجع‭ ‬بذكر‭ ‬رحلاتهم،‭ ‬ودفعت‭ ‬المطابع‭ ‬بفريد‭ ‬وعزيز‭ ‬هذا‭ ‬التراث،‭ ‬حتى‭ ‬أضحى‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬الحج‭ ‬مناسكه‭ ‬ومنازله‭ ‬وطرقه‭ ‬ونظمه‭ ‬وترتيباته،‭ ‬وما‭ ‬صاحب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تطورات،‭ ‬وما‭ ‬كتاب‭ ‬مرآة‭ ‬الحرمين‭ ‬لإبراهيم‭ ‬باشا،‭ ‬ورحلة‭ ‬البتنوني‭ ‬منّا‭ ‬ببعيد‭. 

لكن‭ ‬ربما‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهن‭ ‬القراء‭ ‬الفضلاء‭ ‬سؤال‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬كان‭ ‬لحجاج‭ ‬مناطق‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وشرقي‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬إسهام‭ ‬أدبي‭ ‬في‭ ‬تراث‭ ‬رحلات‭ ‬الحج؟‭ ‬وهل‭ ‬وثّق‭ ‬بعض‭ ‬الحجاج‭ ‬من‭ ‬الخليجيين‭ ‬رحلة‭ ‬حجه،‭ ‬ومسيره‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬تلك‭ ‬المناطق‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬صعبة،‭ ‬وظروف‭ ‬معيشية‭ ‬عسيرة‭ ‬وشديدة؟

  ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬والتقصي،‭ ‬أمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬محدود‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬الأربع‭ ‬مدونات‭ ‬من‭ ‬رحلات‭ ‬الحج‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام،‭ ‬دوّنها‭ ‬خليجيون،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أن‭ ‬خزائن‭ ‬الكتب‭ ‬الخاصة‭ ‬لبيوتات‭ ‬الخليج‭ ‬مازالت‭ ‬تحوي‭ ‬بين‭ ‬أضابيرها‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬التي‭ ‬سيكشف‭ ‬عنها‭ ‬الزمن‭ ‬لاحقاً،‭ ‬نظراً‭ ‬للنشاط‭ ‬الملموس‭ ‬لمراكز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬التراث‭ ‬الخليجي‭ ‬التاريخي،‭ ‬وتحقيقه‭ ‬ونشره‭. ‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلات‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬الجدول‭ ‬التالي،‭ ‬وهي‭ ‬مرتبة‭ ‬حسب‭ ‬تاريخ‭ ‬الرحلة‭:‬

 

الدر‭ ‬المنظوم‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬محاسن‭ ‬الأمصار‭ ‬والرسوم‭ (‬1288هـ‭ - ‬1872م‭)‬

  ‬تأليف‭ ‬السيد‭ ‬الأمجد‭ ‬حمود‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬سيف‭ ‬البوسعيدي،‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ووجهاء‭ ‬عمان،‭ ‬سكن‭ ‬زنجبار،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬خواص‭ ‬سلطان‭ ‬زنجبار‭ ‬السلطان‭ ‬برغش‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭. ‬عرف‭ ‬عن‭ ‬السيد‭ ‬حمود‭ ‬عنايته‭ ‬بأعمال‭ ‬الخير؛‭ ‬إذ‭ ‬يُنسب‭ ‬له‭ ‬إنشاء‭ ‬رباط‭ ‬ووقفه‭ ‬على‭ ‬الحجاج‭ ‬العمانيين‭ ‬بمكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بوبو‭ ‬في‭ ‬زنجبار،‭ ‬سنة‭ ‬1298هـ‭/ ‬1800م‭.‬

هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إنها‭ ‬رحلة‭ ‬عامة؛‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬رحلة‭ ‬الحج،‭ ‬إنما‭ ‬كانت‭ ‬سياحة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬ومنها‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬فانطلقت‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬زنجبار،‭ ‬وكان‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬جدة‭ ‬ليلة‭ ‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬القعدة‭ ‬سنة‭ ‬1288هـ‭. 

وكان‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬معية‭ ‬حاكم‭ ‬زنجبار‭ ‬السلطان‭ ‬برغش‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬بن‭ ‬الإمام،‭ ‬عند‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬زنجبار،‭ ‬فبدأ‭ ‬بزيارة‭ ‬الحجاز‭ ‬وأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج،‭ ‬ثم‭ ‬غادر‭ ‬السلطان‭ ‬برغش‭ ‬بن‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬لزيارة‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬والسلام‭ ‬على‭ ‬النبي‭ ‬‭[‬،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬جدة‭ ‬ثم‭ ‬قفل‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬سلطنته‭ ‬في‭ ‬زنجبار،‭ ‬وبقي‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬مجاوراً،‭ ‬ليبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬رحلة‭ ‬سياحة،‭ ‬حيث‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬الطائف‭ ‬مصيف‭ ‬الحجاز،‭ ‬ثم‭ ‬زيارة‭ ‬بلدان‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬سلطان‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬آنذاك،‭ ‬فتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬فدخل‭ ‬القاهرة‭ ‬والإسكندرية‭ ‬وبورسعيد،‭ ‬ثم‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬الشام،‭ ‬حيث‭ ‬زار‭ ‬دمشق‭ ‬والقدس‭ ‬وبيروت‭. ‬ومن‭ ‬الشام‭ ‬يعود‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬فالحجاز‭ ‬حيث‭ ‬يصل‭ ‬بندر‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬غرة‭ ‬شعبان‭ ‬1289هـ‭ /‬4‭ ‬أكتوبر‭ ‬1872م،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولم‭ ‬يسجل‭ ‬المؤلف‭ ‬تاريخ‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭.‬

  ‬ما‭ ‬يعنينا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬وفق‭ ‬مقتضى‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬عن‭ ‬الحج،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬المؤلف‭ ‬لم‭ ‬يقدم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬سوى‭ ‬تاريخ‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬مكة،‭ ‬وقراره‭ ‬المجاورة‭ ‬فيها،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭: ‬وكنت‭ ‬أنا‭ ‬قد‭ ‬بقيت‭ ‬بمكة‭ ‬المشرفة‭ ‬مجاوراً‭ ‬لبيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬وزمزم‭ ‬والمقام،‭ ‬وأتطيب‭ ‬بمسك‭ ‬تراب‭ ‬تلك‭ ‬المشاعر‭ ‬العظام‭ ‬بمكة‭:‬

بمكة‭ ‬لي‭ ‬غناء‭ ‬ليس‭ ‬يفنى

جوار‭ ‬الله‭ ‬والبيت‭ ‬المعظم‭ ‬

‭ ‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬لذلك‭ ‬سبباً،‭ ‬رغم‭ ‬إسهابه‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬فهل‭ ‬سقط‭ ‬وصف‭ ‬المؤلف‭ ‬لمكة‭ ‬المكرمة‭ ‬ومشاعر‭ ‬الحج‭ ‬من‭ ‬المخطوط،‭ ‬أم‭ ‬ضرب‭ ‬صفحاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬لما‭ ‬دونّه‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬رحلاتهم‭.‬

لكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬فهناك‭ ‬مادة‭ ‬وصفية‭ ‬فريدة‭ ‬قدّمها‭ ‬المؤلف‭ ‬عن‭ ‬مدينة‭ ‬الطائف،‭ ‬مصيف‭ ‬مكة،‭ ‬حيث‭ ‬توجه‭ ‬لزيارتها‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬التاسع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬ربيع‭ ‬الآخر‭ ‬سنة‭ ‬1289هـ،‭ ‬ومكث‭ ‬فيها‭ ‬قرابة‭ ‬الشهر‭.‬

‭ ‬سلك‭ ‬المؤلف‭ ‬طريق‭ ‬السيل،‭ ‬يقول‭ ‬عن‭ ‬وقت‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬مكة‭: ‬اوكانت‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‭ ‬من‭ ‬النهار‭. ‬وأصبحنا‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬في‭ ‬سولة‭ ‬وأقلنا‭ ‬هناك،‭ ‬ورحلنا‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬النهار‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬في‭ ‬السيل،‭ ‬وأقلنا‭ ‬هناك‭ ‬ورحلنا‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬السابعة‭ ‬من‭ ‬النهار‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء،‭ ‬وأصبحنا‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬في‭ ‬الطائف‭ ‬ودخلنا‭ ‬بعد‭ ‬طلوع‭ ‬الشمس‭ ‬بساعةب‭.‬

ثم‭ ‬وصف‭ ‬مدينة‭ ‬الطائف‭ ‬بقوله‭: ‬االطائف‭ ‬بلدة‭ ‬طيبة‭ ‬منبسطة‭ ‬وفي‭ ‬قوة‭ ‬الحر‭ ‬باردة‭ ‬مثل‭ ‬الشتاء‭ ‬في‭ ‬غيرها،‭ ‬وفي‭ ‬الشتاء‭ ‬يجمد‭ ‬الماء‭ ‬من‭ ‬قوة‭ ‬البرودة،‭ ‬وهي‭ ‬قرية‭ ‬عليها‭ ‬سور،‭ ‬وفيها‭ ‬قلعة‭ ‬فائقة‭ ‬الحسن،‭ ‬وأسماء‭ ‬أبوابها‭: ‬الحزم،‭ ‬وباب‭ ‬ابن‭ ‬عباس،‭ ‬وباب‭ ‬الريع،‭ ‬وفيها‭ ‬باب‭ ‬صغير‭ ‬من‭ ‬القلعة‭ ‬غير‭ ‬الثلاثة‭ ‬المذكورة،‭ ‬وأكبر‭ ‬مساجدها‭ ‬مسجد‭ ‬ابن‭ ‬عباس‭ ‬وفيه‭ ‬تقام‭ ‬الجمعة،‭ ‬قم‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬مسجد‭ ‬الهادي‭ ‬أسفل‭ ‬البلد،‭ ‬وفيه‭ ‬تقام‭ ‬الجمعة‭ ‬أيام‭ ‬المواسمب‭.‬

عقب‭ ‬هذه‭ ‬السياحة‭ ‬في‭ ‬معالم‭ ‬الطائف‭ ‬غادرها‭ ‬المؤلف‭ ‬قاصداً‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أمضى‭ ‬شهراً‭ ‬فيها،‭ ‬وكان‭ ‬تركه‭ ‬الطائف‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬جمادى‭ ‬الأولى،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬جدة،‭ ‬ليبدأ‭ ‬رحلة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬نفوذ‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية،‭ ‬فتوجه‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬وزار‭ ‬فيها‭ ‬دمشق‭ ‬والقدس‭ ‬وبيروت،‭ ‬ودون‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬هذه‭ ‬أوصافاً‭ ‬لمظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬وبلاد‭ ‬الشام،‭ ‬ذاكراً‭ ‬أهم‭ ‬المعالم‭ ‬العمرانية،‭ ‬وأبرز‭ ‬سمات‭ ‬وصفات‭ ‬أهل‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭. ‬

ومن‭ ‬الشام‭ ‬يعود‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الحجاز،‭ ‬حيث‭ ‬وصل‭ ‬ميناء‭ ‬مدينة‭ ‬جدة‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬شعبان‭ ‬سنة‭ ‬1289م‭ ‬الموافق‭ ‬4‭ ‬أكتوبر‭ ‬1872م،‭ ‬ليغادرها‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬مجاورته‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وهنا‭ ‬تنتهي‭ ‬سردية‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة،‭ ‬واللافت‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬بعدها‭ ‬لم‭ ‬يشر‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬مغادرته‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭.‬

 

رحلة‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬الخلف‭ ‬الدحيان

‭(‬1324هـ‭ - ‬1906م‭)‬

    ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬أدبيات‭ ‬رحلات‭ ‬الحج‭ ‬عند‭ ‬أهل‭ ‬الكويت،‭ ‬ويلاحظ‭ ‬منها‭ ‬عناية‭ ‬أهل‭ ‬الكويت‭ ‬المبكرة‭ ‬بمدونات‭ ‬أدب‭ ‬رحلة‭ ‬الحج،‭ ‬إذ‭ ‬سيأتي‭ ‬ذكر‭ ‬رحلة‭ ‬أخرى‭ ‬أكثر‭ ‬تفصيلاً‭ ‬ودقة‭ ‬لأديب‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬هو‭ ‬مساعد‭ ‬بن‭ ‬يعقوب‭ ‬البدر‭.‬

    ‬تفردت‭ ‬رحلة‭ ‬الشيخ‭ ‬الخلف‭ ‬بأنها‭ ‬رحلة‭ ‬منظومة‭ ‬نظمها‭ ‬مؤلفها‭ ‬شعراً،‭ ‬ولا‭ ‬غرابة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬أحد‭ ‬العلماء‭ ‬والفقهاء‭ ‬المدرسين‭ ‬بالكويت،‭ ‬تولى‭ ‬القضاء،‭ ‬وإمامة‭ ‬وخطابة‭ ‬مسجد‭ ‬البدر،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬مكتبته‭ ‬الخاصة‭ ‬تعدُ‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬المكتبات‭ ‬بالكويت،‭ ‬واشتُهر‭ ‬بتدريس‭ ‬المتون،‭ ‬ومنها‭ ‬متن‭ ‬الرحبية‭ ‬في‭ ‬المواريث،‭ ‬وله‭ ‬مصنف‭ ‬في‭ ‬الفقه‭ ‬سماه‭ ‬االعقود‭ ‬الياقوتيةب‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬أقف‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬لبيان‭ ‬موضوعها‭ ‬وتفاصيلها،‭ ‬لكن‭ ‬جاء‭ ‬بعض‭ ‬وصفها‭ ‬عند‭ ‬محقق‭ ‬كتاب‭ ‬الرحلة‭ ‬الميمونة،‭ ‬فذكر‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1324هـ،‭ ‬كذا‭ ‬أورد‭ ‬أبياتا‭ ‬منها،‭ ‬يشيدُ‭ ‬فيها‭ ‬المؤلفُ‭ ‬الشيخُ‭ ‬الخلف،‭ ‬ويثني‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬آل‭ ‬البدر‭ ‬من‭ ‬الكويت؛‭ ‬لما‭ ‬أسدوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬العون‭ ‬والخدمة،‭ ‬مما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تيسير‭ ‬حجته،‭ ‬فيقول‭: ‬

جزى‭ ‬الله‭ ‬مرزوق‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬فعاله

وأولاه‭ ‬إحساناً‭ ‬وحسن‭ ‬الشمائل‭ ‬

وفي‭ ‬وفى‭ ‬بالوعد‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬أصله

من‭ ‬البدر‭ ‬داود‭ ‬حميد‭ ‬الخصائل

رآني‭ ‬أعاني‭ ‬حمل‭ ‬شوق‭ ‬إلى‭ ‬الحمى

فساعدني‭ ‬بالحمل‭ ‬فوق‭ ‬الرواحل‭ ‬

وأكرمني‭ ‬فالله‭ ‬يوليـــــــــــــــــــه‭ ‬مكرماً

جميل‭ ‬الجزاء‭ ‬عني‭ ‬لحسن‭ ‬التعامل

وصيرني‭ ‬والله‭ ‬خير‭ ‬مقدر

مع‭ ‬الرفقة‭ ‬الغر‭ ‬الكرام‭ ‬الأفاضل‭ ‬

وناصر‭ ‬كان‭ ‬الله‭ ‬دوماً‭ ‬لناصر

شقيق‭ ‬أبيه‭ ‬الندب‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬باذل‭ ‬

لقد‭ ‬جاد‭ ‬بالمعروف‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬يوسف‭ ‬

كما‭ ‬جاد‭ ‬عبدالله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬طائل‭ ‬

حليف‭ ‬التقى‭ ‬ابن‭ ‬الرشيد‭ ‬انتماؤه‭ ‬

إلى‭ ‬البدر‭ ‬لازالوا‭ ‬بدور‭ ‬المحافل‭ ‬

وقد‭ ‬لاقت‭ ‬الرحلة‭ ‬عناية‭ ‬علماء‭ ‬العصر‭ ‬في‭ ‬الكويت،‭ ‬إذ‭ ‬قرّضها‭ ‬بعض‭ ‬العلماء،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬ما‭ ‬نصه‭: ‬اولما‭ ‬وقف‭ ‬عليها‭ ‬الفاضل‭ ‬الأديب‭ ‬واليقظ‭ ‬الكامل،‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬الحاج‭ ‬محمد‭ ‬
بن‭ ‬خليل،‭ ‬قرضها‭ ‬بهذه‭ ‬الأبيات‭ ‬مؤرخاً‭ ‬عام‭ ‬الحج،‭ ‬شكر‭ ‬الله‭ ‬سعيه،‭ ‬وهذا‭ ‬قوله‭ ‬زاد‭ ‬فضله‭:‬

‭ ‬يا‭ ‬إمام‭ ‬العصر‭ ‬يا‭ ‬من‭ ‬قد‭ ‬سمى

فوق‭ ‬هام‭ ‬المجد‭ ‬بالدر‭ ‬اليقين

قد‭ ‬أضاء‭ ‬الكون‭ ‬لما‭ ‬أسفرت

رحلة‭ ‬الترحال‭ ‬منـــا‭ ‬للعقيق

ودعانـــــا‭ ‬الأنس‭ ‬لمــــــا‭ ‬أرخوا

حلّ‭ ‬عبدالله‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬العتيق

يشير‭ ‬أحد‭ ‬الباحثين‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬قصيدة‭ ‬الشيخ‭ ‬الخلف‭ ‬عن‭ ‬الحج‭ ‬تناولت‭ ‬في‭ ‬موضوعاتها‭ ‬وصف‭ ‬الطريق‭ ‬والمشاهدات‭ ‬ورفاق‭ ‬الرحلة،‭ ‬والبلدان‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها،‭ ‬ورجال‭ ‬العلم‭ ‬الذين‭ ‬التقى‭ ‬بهم،‭ ‬وكان‭ ‬طريق‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬الحج‭ ‬مختلفاً‭ ‬إذ‭ ‬ركب‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬ووصل‭ ‬الكويت‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬مسقط،‭ ‬وذكر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬القصيدة‭ ‬طويلة،‭ ‬طبعت‭ ‬مفردة‭ ‬في‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬صفحة‭.‬

 

رحلة‭ ‬الحاج‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬الزبير‭ ‬بن‭ ‬العوام‭ ‬إلى‭ ‬البلد‭ ‬الحرام‭ (‬1345هـ‭ - ‬1925م‭)‬

      ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬أغزر‭ ‬رحلات‭ ‬الحج‭ ‬مادة‭ ‬علمية،‭ - ‬فهي‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مقالة‭ ‬علمية‭ ‬بمفردها،‭ ‬إذ‭ ‬جاء‭ ‬المؤلف‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬الطرق،‭ ‬والمسافات‭ ‬بينها،‭ ‬والأماكن‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها،‭ ‬والمسجد‭ ‬الحرام‭ ‬والمسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬وتفرد‭ ‬بذكر‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭ ‬في‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬نزل‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬رصد‭ ‬تكاليف‭ ‬ونفقات‭ ‬الرحلة،‭ ‬ووسائل‭ ‬النقل‭ ‬من‭ ‬الجمال‭ ‬والهوادج‭ ‬عليها،‭ ‬إضافة‭ ‬لما‭ ‬تميزت‭ ‬به‭ ‬سرديات‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬أدبي،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬تأليف‭ ‬العلامة‭ ‬الأديب‭ ‬سعد‭ ‬بن‭ ‬أحمد‭ ‬بن‭ ‬حماد‭ ‬الربيعة‭ ‬الثوري،‭ ‬الربابي،‭ ‬التميمي،‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬النجدية‭ ‬النازلة‭ ‬بالزبير،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين‭ ‬في‭ ‬البصرة‭ ‬والزبير،‭ ‬وكان‭ ‬جيد‭ ‬الخط،‭ ‬وله‭ ‬معرفة‭ ‬بالحساب،‭ ‬وعمل‭ ‬بالتجارة،‭ ‬وله‭ ‬يد‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬والأدب،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الرواد‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إذ‭ ‬يُنسب‭ ‬له‭ ‬تأسيس‭ ‬مكتبة‭ ‬الزبير‭ ‬الأهلية،‭ ‬وجمعية‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬توفي‭ ‬بالزبير‭ ‬سنة‭ ‬1383هـ‭ - ‬1963م‭.‬

  ‬دوّن‭ ‬المؤلف‭ ‬رحلته‭ ‬وفق‭ ‬منهج‭ ‬المذكرات‭ ‬اليومية،‭ ‬فكان‭ ‬يصدّر‭ ‬العنوان‭ ‬باليوم‭ ‬والتاريخ،‭ ‬ثم‭ ‬يسرد‭ ‬أحداث‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬ويشير‭ ‬المحقق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صفحتين‭ ‬من‭ ‬اليوميات‭ ‬مفقودتان،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬تاريخ‭ ‬يومية‭ ‬يُطالعنا‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬هو‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬23‭ ‬شوال‭ - ‬1345هـ‭. ‬وتتعلق‭ ‬حوادثها‭ ‬بالاجتماعات‭ ‬استعداداً‭ ‬للرحلة‭ ‬قبل‭ ‬الخروج،‭ ‬وآخر‭ ‬يومية‭ ‬كانت‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬3‭ ‬صفر‭ ‬1346هـ،‭ ‬وأرخ‭ ‬فيها‭ ‬للعودة‭ ‬ولقاء‭ ‬الأهل‭ ‬وبلوغه‭ ‬داره‭ ‬بسلامة‭ ‬الله‭.‬

    ‬مدونة‭ ‬رحلة‭ ‬الحاج‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬غنية‭ ‬في‭ ‬جوانبها‭ ‬بالمادة‭ ‬البلدانية‭ ‬والتاريخية‭ ‬والشعر‭ ‬وفيض‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬التي‭ ‬تختلج‭ ‬قلب‭ ‬ومشاعر‭ ‬كل‭ ‬حاج‭. ‬وسنعرض‭ ‬لنماذج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يقتضيه‭ ‬المقام،‭ ‬فكعادة‭ ‬مدونات‭ ‬الرحلات‭ ‬كان‭ ‬الطريق‭ ‬ومعالمه‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الاهتمامات،‭ ‬فوصف‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬الزبير‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬محطة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى،‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬الهليبا،‭ ‬منطقة‭ ‬خارج‭ ‬الزبير،‭ ‬سالكين‭ ‬طريقاً‭ ‬تُعرف‭ ‬بـ‭ ‬اخضر‭ ‬الماءب‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الحَفر‭. ‬فالباطن،‭ ‬ثم‭ ‬عبور‭ ‬الدهناء،‭ ‬والأسياح،‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬بريدة،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬البدائع،‭ ‬والرس،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬المويه‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الميقات‭ ‬قرن‭ ‬المنازل‭ ‬وأخيراً‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وكان‭ ‬دخولها‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬5‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬الحجة‭ ‬1345هـ‭. ‬

    ‬كما‭ ‬وصف‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬دخلها،‭ ‬وهو‭ ‬دقيق‭ ‬في‭ ‬وصفه،‭ ‬وكانت‭ ‬القافلة‭ ‬قد‭ ‬أقامت‭ ‬في‭ ‬بريدة‭ ‬ستة‭ ‬أيام،‭ ‬للقاء‭ ‬والزيارة‭ ‬والتزود‭ ‬بحاجيات‭ ‬الرحلة‭. ‬فوصف‭ ‬المسجد‭ ‬الجامع‭ ‬في‭ ‬بريدة‭ ‬وصفاً‭ ‬معمارياً،‭ ‬فقال‭: ‬اليس‭ ‬في‭ ‬بريدة‭ ‬سوى‭ ‬جامع‭ ‬واحد،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬اتساعه‭ ‬يغص‭ ‬بالمصلين،‭ ‬وفيه‭ ‬مئتان‭ ‬وعشرة‭ ‬أعمدة‭ ‬من‭ ‬الصلد،‭ ‬طول‭ ‬العمود‭ ‬سبع‭ ‬أذرع،‭ ‬والبناء‭ ‬الذي‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬السقف‭ ‬سبع‭ ‬أذرع،‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬عمود‭ ‬وعمود‭ ‬من‭ ‬القبلة‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬سبع‭ ‬أذرع،‭ ‬ومن‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب‭ ‬أربع‭ ‬أذرع،‭ ‬وله‭ ‬من‭ ‬الأبواب‭ ‬ثمانية،‭ ‬منها‭ ‬باب‭ ‬لا‭ ‬يدخل‭ ‬منه‭ ‬سوى‭ ‬الأمير‭ ‬والخطيبب‭. ‬ثم‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬مدينة‭ ‬بريدة‭ ‬وصفاً‭ ‬مجملاً،‭ ‬فقال‭: ‬اأما‭ ‬بريدة‭ ‬فهي‭ ‬بلدة‭ ‬كبيرة‭ ‬يُقدر‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬بأربعين‭ ‬ألفاً،‭ ‬وبيوتها‭ ‬من‭ ‬الطين‭ ‬الخالص،‭ ‬وأحسن‭ ‬أبنيتها‭ ‬قصر‭ ‬الإمارةب‭.‬

وفي‭ ‬أثناء‭ ‬إقامته‭ ‬بمكة‭ ‬المكرمة‭ ‬قام‭ ‬بمسح‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام،‭ ‬فقال‭: ‬اشكله‭ ‬الحالي‭ ‬مستطيل‭ ‬منتظم‭ ‬الشكل‭ ‬تقريباً،‭ ‬طوله‭ ‬من‭ ‬المدخل‭ ‬حوالي‭ ‬165‭ ‬متراً،‭ ‬وعرضه‭ ‬108‭ ‬أمتار،‭ ‬وتحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬جهاته‭ ‬الأربع‭ ‬مبانٍ‭ ‬متصلة‭ ‬به،‭ ‬بعضها‭ ‬يستخدم‭ ‬للسكن‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لمقاصد‭ ‬أخرى،‭ ‬وتحيط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬أربعة‭ ‬أروقة،‭ ‬مسقوفة‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود،‭ ‬سوار‭ ‬عددها‭ ‬311‭ ‬عقدا‭ ‬أكثرها‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬الصلد‭ ‬الأحمر،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬أربعة‭ ‬منها‭ ‬قبة‭ ‬فخمة،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬بقي‭ ‬منه‭ ‬فهو‭ ‬صحن‭ ‬سماوي‭ ‬متسع‭ ‬تغطيه‭ ‬مماش‭ ‬مرصوفة‭ ‬بالحجر‭ ‬الصلد‭ ‬تقسمه‭ ‬إلى‭ ‬ساحات‭ ‬مختلفة‭ ‬الشكل‭ ‬مفروشة‭ ‬بالحصى،‭ ‬والكعبة‭ ‬قائمة‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬الصحن‭ ‬تقريباً،‭ ‬وللحرم‭ ‬22‭ ‬باباً،‭ ‬وبعضها‭ ‬ذو‭ ‬ثلاث‭ ‬فتحات،‭ ‬ومجموعها‭ ‬39‭ ‬باباً،‭ ‬ومناراته‭ ‬سبع‭ ‬مناراتب‭.‬

  ‬كما‭ ‬وصف‭ ‬الكعبة‭ ‬المشرفة‭ ‬وصحن‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام‭ ‬ومكوناته،‭ ‬وذكر‭ ‬أنه‭ ‬دخلها‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬وأنه‭ ‬زار‭ ‬كبير‭ ‬سدنة‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ ‬السيد‭ ‬عبدالله‭ ‬الشيبي‭.‬

  ‬عقبها‭ ‬وصف‭ ‬المؤلف‭ ‬رحلته‭ ‬للمشاعر‭ ‬وأداء‭ ‬فريضة‭ ‬الحج،‭ ‬ومغادرته‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬عبر‭ ‬الطريق‭ ‬السلطاني،‭ ‬المار‭ ‬بوادي‭ ‬فاطمة‭ ‬وعسفان‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬21‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬الحجة‭ ‬1345هـ،‭ ‬ووصلها‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬الحجة،‭ ‬وكعادة‭ ‬المؤلف‭ ‬وبحس‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأديب‭ ‬وصف‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬وصفاً‭ ‬معمارياً‭ ‬فنياً،‭ ‬ووصف‭ ‬الحجرة‭ ‬والروضة،‭ ‬وختم‭ ‬بوصف‭ ‬عام‭ ‬للمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬وسورها‭. ‬وفي‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬5‭ ‬محرم‭ ‬1346هـ‭ ‬أنهى‭ ‬المؤلف‭ ‬رحلته‭ ‬عائداً‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬الزبير‭ ‬مع‭ ‬رفاقه‭ ‬وقافلته‭ ‬وكان‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الزبير‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬4‭ ‬صفر‭ ‬1346هـ‭ ‬بعد‭ ‬رحلة‭ ‬سفر‭ ‬استغرقت‭ ‬نحو‭ ‬الشهر،‭ ‬بينما‭ ‬رحلة‭ ‬الحج‭ ‬كاملة‭ ‬استغرقت‭ ‬قرابة‭ ‬الثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬وعشرة‭ ‬أيام‭.‬

  ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬سابقا،‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬قد‭ ‬رصد‭ ‬ودوّن‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬مشاهداته‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الملاحظات‭ ‬والفوائد،‭ ‬وهي‭ ‬ملاحظات‭ ‬خبير‭ ‬عارف‭ ‬وناقد‭ ‬غيور،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭:‬

‭- ‬إشادته‭ ‬بالأمن‭ ‬المتحقق‭ ‬والملموس‭ ‬في‭ ‬طرق‭ ‬الحج‭ ‬بعد‭ ‬بسط‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬نفوذه‭ ‬على‭ ‬الحجاز‭. ‬

‭- ‬الاستياء‭ ‬من‭ ‬الحال‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬عليها‭ ‬المسعى‭ ‬قديماً،‭ ‬خارج‭ ‬المسجد‭ ‬الحرام،‭ ‬ووقوعه‭ ‬بين‭ ‬الدور‭ ‬والحوانيت‭. ‬ونداؤه‭ ‬لملك‭ ‬الحجاز‭ ‬وسلطان‭ ‬نجد‭ ‬آنذاك‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬أن‭ ‬يلتفت‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬وأن‭ ‬يأمر‭ ‬بإزالة‭ ‬الحوانيت‭ ‬وتطهير‭ ‬طريق‭ ‬المسعى‭ ‬من‭ ‬القاذورات‭.‬

‭- ‬وضع‭ ‬جيف‭ ‬الحيوانات‭ ‬من‭ ‬الهدي‭ ‬والأضاحي‭ ‬ورميها‭ ‬بين‭ ‬المخيمات‭ ‬في‭ ‬منى،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬انبعاث‭ ‬روائح‭ ‬كريهة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يستأجر‭ ‬البعض‭ ‬لنقل‭ ‬هذه‭ ‬الجيف‭ ‬إلى‭ ‬االسّلخانةب‭ ‬بمنى‭.‬

‭- ‬الازدحام‭ ‬للحجاج‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬والمشاعر،‭ ‬وعلل‭ ‬المؤلف‭ ‬ذلك‭ ‬بتشييد‭ ‬المباني‭ ‬الكثيرة‭ ‬بلا‭ ‬نظام‭ ‬وهندسة‭. ‬

‭- ‬وجود‭ ‬طريق‭ ‬ممهدة‭ ‬للسيارات‭ ‬بين‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة‭ ‬والمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬طريق‭ ‬القوافل‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1345هـ،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬المؤلف‭ ‬عند‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭.‬

‭- ‬ذكر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬العامة‭ ‬والمسؤولة‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والترك‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ممن‭ ‬التقاهم‭ ‬المؤلف‭ ‬بمكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬وهي‭ ‬بخط‭ ‬اليد،‭ ‬أهداها‭ ‬واقفوها‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬والأتراك‭ ‬والعجم‭ ‬للمسجد‭ ‬النبوي،‭ ‬كما‭ ‬شاهد‭ ‬ثلاثة‭ ‬دواليب‭ ‬مخازن‭ ‬للكتب‭ ‬معشقة‭ ‬بالفضة،‭ ‬ومكتوباً‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬هدية‭ ‬من‭ ‬أم‭ ‬المحسنين‭ ‬والدة‭ ‬سمو‭ ‬عباس‭ ‬حلمي‭ ‬خديوي‭ ‬مصر‭ ‬الأسبق‭ ‬سنة‭ ‬1327هـ‭.‬

أخيراً،‭ ‬ختم‭ ‬المؤلف‭ ‬رحلته‭ ‬بقائمتين،‭ ‬الأولى‭ ‬بمصاريف‭ ‬نفقات‭ ‬الرحلة،‭ ‬والأخرى‭ ‬بالمدة‭ ‬الزمنية‭ ‬بين‭ ‬محطات‭ ‬الطريق‭ ‬بالدقيقة‭ ‬والساعة‭. ‬

 

الرحلة‭ ‬الميمونة‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬الحرام‭ (‬1932م‭) 

    ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬هي‭ ‬المدونة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬تراث‭ ‬رحلات‭ ‬الحج‭ ‬الكويتية،‭ ‬وهي‭ ‬تنم‭ ‬عن‭ ‬عناية‭ ‬مبكرة‭ ‬ومستمرة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬أهل‭ ‬الكويت‭ ‬بالتدوين‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬رحلات‭ ‬الحج،‭ ‬بل‭ ‬تعداه‭ ‬إلى‭ ‬تدوين‭ ‬الرحلات‭ ‬البحرية‭ ‬للصيد‭ ‬ومغاصات‭ ‬اللؤلؤ‭. ‬وقد‭ ‬أخرج‭ ‬مركز‭ ‬البحوث‭ ‬والدراسات‭ ‬الكويتية‭ ‬أعداداً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اليوميات‭ ‬في‭ ‬حلة‭ ‬قشيبة‭ ‬من‭ ‬الإخراج‭ ‬والطباعة‭. ‬

  ‬مؤلف‭ ‬االرحلة‭ ‬الميمونةب‭ ‬هو‭ ‬الأستاذ‭ ‬مساعد‭ ‬يعقوب‭ ‬البدر،‭ ‬من‭ ‬رجالات‭ ‬الكويت،‭ ‬وسليل‭ ‬أسرة‭ ‬ذات‭ ‬مكانة،‭ ‬اشتهر‭ ‬منها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء،‭ ‬نال‭ ‬تعليماً‭ ‬تقليدياً‭ ‬ونظامياً،‭ ‬وتقلد‭ ‬مناصب‭ ‬وظيفية‭ ‬عديدة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬إذ‭ ‬عمل‭ ‬مفتشاً‭ ‬للجمرك‭ ‬البحري،‭ ‬ومديراً‭ ‬عاماً‭ ‬للكهرباء‭ ‬والماء‭ ‬بالكويت‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬توليه‭ ‬لهذه‭ ‬المناصب‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬كفاءته‭ ‬وخبراته‭ ‬العلمية‭ ‬والإدارية‭. ‬وتوفي‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬سنة‭ ‬1966م‭. ‬

الرحلة‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬11‭ ‬شوال‭ ‬1350‭ ‬هـ‭  ‬الموافق‭ ‬18‭ ‬فبراير‭ ‬1932م،‭ ‬وكانت‭ ‬على‭ ‬ظهور‭ ‬الإبل،‭ ‬قبل‭ ‬استخدام‭ ‬السيارات‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬الحج،‭ ‬وانتهت‭ ‬الرحلة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬23‭ ‬مايو‭ ‬1932م‭. ‬

    ‬دونت‭ ‬الرحلة‭ ‬وفق‭ ‬أسلوب‭ ‬اليوميات،‭ ‬تناول‭ ‬فيها‭ ‬وصف‭ ‬طريق‭ ‬الحج‭ ‬التي‭ ‬سلكته‭ ‬القافلة،‭ ‬وكان‭ ‬وصفه‭ ‬دقيقاً،‭ ‬حيت‭ ‬ذكر‭ ‬المنزل‭ ‬الأول‭ ‬لحجاج‭ ‬الكويت،‭ ‬وهو‭ ‬الجهراء،‭ ‬ثم‭ ‬تابع‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬المنازل‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬والمسافات‭ ‬بينها‭ ‬بالساعات‭ ‬والدقائق،‭ ‬كما‭ ‬وصف‭ ‬معالمها‭ ‬الجغرافية،‭ ‬والنباتات‭ ‬التي‭ ‬يكثر‭ ‬ظهورها‭ ‬فيها،‭ ‬وقد‭ ‬سمى‭ ‬القبائل‭ ‬والجماعات‭ ‬التي‭ ‬تسكن‭ ‬بعض‭ ‬المنازل،‭ ‬وأخيراً‭ ‬يختم‭ ‬بسرد‭ ‬الأحداث‭ ‬الغريبة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬المسير‭ ‬لذلك‭ ‬المنزل‭. ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬المسير‭ ‬من‭ ‬العاقول‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬إذ‭ ‬يقول‭ ‬المؤلف‭: ‬

عاقول‭ - ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ (‬الجمعة‭ ‬25‭ ‬مارس‭ ‬1932م‭) (‬الثامنة‭ ‬وخمس‭ ‬أربعون‭ ‬دقيقة‭ ‬صباحاً‭) ‬ص،‭ ‬تحركنا‭ ‬من‭ ‬عاقول‭ (‬الثامنة‭ ‬وخمس‭ ‬أربعون‭ ‬دقيقة‭ ‬صباحاً‭)‬،‭ ‬وصلت‭ ‬الحملة‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعطلت‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬ساعة‭ ‬وربع‭ ‬بأمر‭ ‬الشيوخ‭. ‬وقد‭ ‬وجدنا‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الكويت‭ ‬الذين‭ ‬جاءوا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البحر،‭ ‬محمد‭ ‬الزاحم‭ ‬وابنه‭ ‬فهد،‭ ‬وإبراهيم‭ ‬الخميس،‭ ‬وأحمد‭ ‬أبل‭ ‬وعبد‭ ‬العزيز‭ ‬الحمر،‭ ‬وابن‭ ‬سدحان،‭ ‬وقد‭ ‬قضينا‭ ‬ليلة‭ ‬السبت‭ ‬والأحد‭ ‬والإثنين‭ ‬والثلاثاء‭ ‬بالمدينة‭ ‬المنورة‭.‬

ورغم‭ ‬مقام‭ ‬المؤلف‭ ‬أياماً‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬على‭ ‬وصف‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬معالمها‭ ‬أو‭ ‬المسجد‭ ‬النبوي‭ ‬كعادة‭ ‬أصحاب‭ ‬الرحلات،‭ ‬والحال‭ ‬نفسها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬إذ‭ ‬اقتصر‭ ‬فيها‭ ‬أيضاً‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬بعض‭ ‬الأحداث،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬قوله‭: ‬

الإثنين‭ ‬11‭ ‬من‭ ‬أبريل‭ ‬1932م‭: ‬أحرمت‭ ‬الكعبة،‭ ‬أي‭ ‬رفعت‭ ‬كسوتها‭ ‬القديمة‭ ‬وأحيط‭ ‬الجزء‭ ‬الأسفل‭ ‬منها‭ ‬بإزار‭ ‬أبيض،‭ ‬تمهيداً‭ ‬لتغيير‭ ‬الكسوة‭.‬

الثلاثاء‭ ‬12‭ ‬من‭ ‬أبريل‭: ‬قام‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬بكنس‭ ‬الكعبــــــة‭.‬

الأربعاء‭ ‬13‭ ‬من‭ ‬أبريل‭: ‬طاف‭ ‬أصحاب‭ ‬السمو‭ ‬الأمراء‭ ‬فهد‭ ‬بن‭ ‬سعد،‭ ‬ومحمد‭ ‬وخالد‭ ‬العبدالعزيز‭ ‬السعود‭.‬

الخميس‭ ‬14‭ ‬من‭ ‬أبريل‭: (‬الخامسة‭ ‬وثلاثون‭ ‬دقيقة‭ ‬صباحاً‭) ‬أحرمنا‭ ‬بالحج‭ ‬تحت‭ ‬ميزاب‭ ‬الكعبة‭. ‬
‭(‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬وخمس‭ ‬أربعون‭ ‬دقيقة‭ ‬مساء‭) ‬توجهنا‭ ‬من‭ ‬الأبطح‭ ‬إلى‭ ‬منى‭.‬

‭(‬الواحدة‭ ‬وخمسون‭ ‬دقيقة‭ ‬صباحاً‭) ‬نزلنا‭ ‬في‭ ‬منى‭ ‬غربي‭ ‬منزل‭ ‬الشامي‭ ‬وشمال‭ ‬قصر‭ ‬ابن‭ ‬سعود،‭ ‬والقبلة‭ ‬عنا‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الغربي‭. ‬

فاضت‭ ‬رحلة‭ ‬البدر‭ ‬بمعلومات‭ ‬وافرة‭ ‬عن‭ ‬طرق‭ ‬حج‭ ‬أهل‭ ‬الكويت‭ ‬ومعالمها،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬القافلة‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬سلكت‭ ‬طرقاً‭ ‬عدة،‭ ‬ففي‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬المدينة‭ ‬المنورة‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬لم‭ ‬تسلك‭ ‬القافلة‭ ‬أو‭ ‬الحملة‭ ‬الطريق‭ ‬الساحلية‭ ‬مروراً‭ ‬برابغ،‭ ‬بل‭ ‬اتجهت‭ ‬شرقاً‭ ‬لتأخذ‭ ‬طريق‭ ‬الحاج‭ ‬القديم‭ ‬المعروف‭ ‬بطريق‭ ‬زبيدة،‭ ‬السالك‭ ‬بين‭ ‬حرتي‭ ‬رهاط‭ ‬وكشب،‭ ‬إلى‭ ‬السيل‭ ‬الكبير‭ ‬حيث‭ ‬ميقات‭ ‬حجاج‭ ‬نجد،‭ ‬وفي‭ ‬طريق‭ ‬عودتها‭ ‬كانت‭ ‬تسلك‭ ‬طريقاً‭ ‬أخرى،‭ ‬حيث‭ ‬تحركت‭ ‬الحملة‭ ‬من‭ ‬مكة‭ ‬السبت‭ ‬23‭ ‬أبريل‭ ‬1932م‭ ‬إلى‭ ‬بريدة،‭ ‬وكان‭ ‬المسير‭ ‬باتجاه‭ ‬الشمال‭ ‬الشرقي‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الحاج‭ ‬القديم‭ ‬إلى‭ ‬بريدة،‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬الكويت،‭ ‬وكان‭ ‬وصول‭ ‬الحملة‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬الإثنين‭ ‬23 مايو‭ ‬1932م‭.‬

  ‬بقي‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬المحقق‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬النص،‭ ‬فالمحقق‭ ‬الدكتور‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬يوسف‭ ‬الغنيم،‭ ‬الخبير‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬جغرافية‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬بدأ‭ ‬بالتعريف‭ ‬بالأماكن‭ ‬والمنازل،‭ ‬وتصويب‭ ‬التصحيفات‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬أسماء‭ ‬المنازل‭ ‬وغيرها،‭ ‬وبيان‭ ‬معاني‭ ‬الكلمات‭ ‬العامية‭ ‬التي‭ ‬وردت‭ ‬باللهجة‭ ‬الكويتية‭ ‬الدارجة،‭ ‬وتغيير‭ ‬التوقيت‭ ‬المدونة‭ ‬به‭ ‬الرحلة‭ ‬من‭ ‬التوقيت‭ ‬الغروبي‭ ‬الزوالي‭ ‬إلى‭ ‬التوقيت‭ ‬العالمي،‭ ‬وتزويد‭ ‬الكتاب‭ ‬بخرائط‭ ‬طبيعية‭ ‬حديثة‭ ‬لكل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الرحلة،‭ ‬وهي‭ ‬طريقة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬إخراج‭ ‬كتب‭ ‬الرحلات،‭ ‬وفي‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬تفرد‭ ‬العمل‭ ‬بإيراد‭ ‬صورة‭ ‬كاملة‭ ‬عن‭ ‬المخطوط‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬المخطوط‭ ‬وأسلوب‭ ‬كتابته،‭ ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬صفحة‭ ‬مسرد‭ ‬التعريف‭ ‬بأهم‭ ‬الكلمات‭ ‬الواردة‭ ‬فيها،‭ ‬وخُتم‭ ‬الكتاب‭ ‬بفهارس‭ ‬تحليلية‭ ‬للأعلام‭ ‬والمواضع‭.‬

وأخيراً‭ ‬ربما‭ ‬تكشف‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬عن‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬رحلات‭ ‬الحج‭ ‬لأهل‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬فهذه‭ ‬أربع‭ ‬رحلات‭ ‬جاءت‭ ‬المقالة‭ ‬على‭ ‬عرض‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬فيها،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬كل‭ ‬رحلة‭ ‬هي‭ ‬جديرة‭ ‬بدراسة‭ ‬مستفيضة‭ ‬متعمقة‭ ‬لبيان‭ ‬تراتبية‭ ‬و‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬الحملات،‭ ‬وحال‭ ‬الطريق‭ ‬من‭ ‬شرق‭ ‬الجزيرة‭ ‬إلى‭ ‬مكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬والتطرق‭ ‬للأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للحج‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأزمان‭ .