مساحة ود
بي. جي
في تسعينيات القرن الماضي، حينما كنت أذهب إلى المدرسة، عرض التلفزيون المصري مسلسلًا يدعى «الفتاة من المستقبل». المسلسل أسترالي الجنسية من إنتاج 1992 وينتمي إلى نوعية الخيال العلمي. يحكي المسلسل عن فتاة أتت من المستقبل باستخدام آلة زمن، من عالم شديد التقدم، لإنجاز مهمة معينة تتعلق بإنقاذ العالم.
بغض النظر عن كل التقنيات المستقبلية التي أتت بها الفتاة، فقد كان أكثر شيء لفت انتباهي في المسلسل هو «بي جي P.J». و«بي جي» هو جهاز صغير جدًا تحمله البنت في يدها ويأخذ شكل ساعة اليد، كمبيوتر محمول فائق يستطيع أن يقوم بكل شيء تقريبًا، يعطيها نصائح وتوجيهات صوتية، لديه معلومات كاملة عن كل شيء وأي شيء، يستطيع فك الشفرات وفتح الأبواب وحتى توجيه الصواريخ! يحتوي «بي جي» على برنامج ذكاء صناعي يجعله ذا شخصية خاصة مستقلة، حتى أنه ضحى بحياته في نهاية المسلسل لإنقاذ الأرض ليبكي عليه الجميع بعد ذلك!
كان «بي جي» باهرًا جدًا في ذلك الوقت من التسعينيات، حتى أنني تمنيت أن يكون لديّ «بي جي» الخاص بي الذي أحمله معي ولا يفارقني، ولم أكن أتخيّل أن حلمي سيتحقق بهذه السرعة!
اليوم صار كل واحد منا يحمل جهازا في جبيه شديد الشبه بـ«بي جي»، الهاتف المحمول الذي صار ينتشر ويتطور بسرعة خارقة وغير متوقعة، وصارت قوته تتعاظم يومًا بعد آخر. فقد أضاف الهاتف إلى وظيفته هذه أطنانًا أخرى من الوظائف والخواص. بدءًا من الوظائف البسيطة كالمفكرة والآلة الحاسبة ومنظم المواعيد والساعة والمنبه، وحتى الكاميرا الرقمية ومشغل الفيديو والإم بي ثري وجهاز الجي بي إس ومتصفح الإنترنت، والآن صارت الهواتف الذكية Smart phones ذات أنظمة تشغيل خاصة مستقلة لها برامجها، وتتمتع بمعالج قوي وبطاقة رسوميات قوية بحيث إن الهاتف يستطيع أن يقوم مقام جهاز الكمبيوتر تمامًا. بعض الأجهزة أيضا يمكن إعطاؤها الأوامر عن طريق الصوت، تمامًا كما يحدث مع «بي جي»، وأنتجت بعض الشركات هواتف يمكن ارتداؤها كالساعة، مثلما كان يُرتدى «بي جي»، وهناك هواتف لها شاشات ثلاثية الأبعاد، وهواتف تحتوي على بروجيكتور مدمج لعرض الصور على الحائط، مثل الصور التي كان يعرضها «بي جي».
صارت هناك علاقة شخصية جدًا بين الإنسان وهاتفه المحمول الذي يحمل كل بياناته وملفاته وسجلات مهاتفاته. علاقة شخصية حميمة قد تتحول إلى حب مرضي مثل الذي حكت عنه بعض التقارير العلمية عن علاقة بعض الأشخاص بهواتف الآيفون شديدة الجاذبية، حيث وصل البعض إلى درجة أنه لا يستطيع الاستغناء عن هاتفه لحظة واحدة ويظل يعبث به طيلة النهار، وعندما ينام يضعه بجواره على الوسادة! لقد صارت العلاقة شخصية أخيرًا مثلما كانت علاقة فتاة المستقبل بـ«بي جي».
لقد صار «بي جي» الآن أقرب ما يكون إلى التحقق، ويحتاج الأمر إلى عشر أو خمس عشرة سنة أخرى من التطوّر ليصبح «بي جي» حقيقة واقعة في يد كل منا. وعندما يحدث هذا، سترحل واحدة منا إلى الماضي لإنقاذ العالم!.
--------------------------------
* كاتب ومترجم من مصر.