بدر خالد البدر رحلة مع «العربي»

 بدر خالد البدر رحلة مع «العربي»

تمثل سيرة حياة بدر خالد البدر (1912 - 2015) نبعاً لا ينضب من الحكايات الثرية والمثيرة. فحياته التي أضاءت لأكثر من قرن عَبَرَت به من زمن إلى زمن، ومن مهنة إلى مهنة، فكان جبرتي الأحداث وهو يعيد روايتها، كشاهد عليها، أو مشارك فيها، أو متأثر بها. 

الراحل الكبير له في نفوس محبي مجلة العربي منزلة خاصة، فقد ارتبط اسمه بمنشأ فكرتها، وتقاطع عمله مع مولدها، لذا لم يكن تكريمه في الاحتفال باليوبيل الذهبي لمجلة العربي إلا عرفاناً بجميل صاحب الحيوات المتعددة، في الأدب والتاريخ والشؤون الخارجية، بل والطيران!
بعد قضائه سنوات تعليمه الأولى في الكُتَّاب، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة، أرسله الأهل للبصرة في عام 1921م، للتعلّم في مدارسها، وأكمل الدراسة الابتدائية وجزءاً من «الثانوية» التي أتمها في لبنان عام 1932م، ثم سافر البدر شابا إلى الهند، ومنها إلى بريطانيا عام 1933م، حيث التحق على نفقته الخاصة بأحد معاهد الطيران هناك، ليحصل على شهادة طيار مدني خاصة.
في الفترة ما بين 1935 - 1941م شغل البدر مناصب فنية في دوائر الطيران المدني في كل من بغداد والبصرة، ثم اشتغل بعدها بالأعمال الحرة. وفي عام  1954م شغل منصب سكرتير في دائرة معارف الكويت، لينقل في العام نفسه كي يتولى إدارة الجريدة الرسمية التي تحولت عام 1955م إلى دائرة المطبوعات والنشر.
وفي عام 1962م تحولت الدوائر إلى وزارات، فكان أول وكيل لوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام)، وفي نهاية العام التحق بلجنة مساعدات الخليج، ثم أصبح الممثل الشخصي لحضرة صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح - رحمه الله - في لجنة الخليج التابعة للجامعة العربية، وسفيراً في وزارة الخارجية حتى عام 1969م، حيث طلب الإحالة على التقاعد، ولكنه بقي يتعاون مع وزارة الخارجية حتى عام 1971م، وشارك في تأسيس مركز الوثائق التابع للديوان الأميري.
 صدر للراحل الكبير  كتابه «معركة الجهراء ما قبلها وما بعدها»، عام 1980م، وفي عام 1987 صدر له الجزء الأول من كتاب «رحلة مع قافلة الحياة»، وفي عام 2004م صدر الجزءان الثاني والثالث، 1942 - 1961، و1962 - 1971م. في مجلد واحد عن مركز البحوث والدراسات الكويتية.
ونبدأ متابعة سرده للأحداث في عام 1954، حيث إن الفترة التي تلت كانت بمنزلة إرهاص لصدور مجلة العربي، حيث بدأ البدر مشوار مناصبه الرسمية الحكومية في دائرة المعارف:
«صدر أمر بتعييني يوم 6 من مارس بوظيفة سكرتير عند المدير سليمان العدساني، بمرتب شهري قدره ألف ومائة وخمسون روبية، تم تعديله في ما بعد إلى ألف ومائتين، أي تسعين ديناراً، علماً بأن راتب السكرتير المتبع في تلك الأيام كان في حدود ألف وخمسمائة روبية، أي حوالي مائة واثني عشر ديناراً كما ذكره لي الصديق خليفة الغنيم، وقد تعلمت من الأيام المثل القائل: خذ وطالب. وهكذا بدأت عملي في التاريخ الذي ذكرته، وكان عدد الذين يعملون مع سليمان العدساني محدوداً، أولهم عبداللطيف الشملان وهو بحريني الأصل، حاز الجنسية الكويتية وكان بصفة مساعد للمدير، ثم فاضل خلف، وكان يقوم بعمل الترجمة وحفظ ملفات الإدارة، ومن الكويتيين الذين أشرفوا على أعمال بناء المدارس وصيانتها عبدالعزيز المقهوي، ويعمل معه أحمد عيسى السعد المقهوي، رحمهما الله. أما قسم المحاسبة فكان يترأسه فلسطيني في منتهى النشاط والذكاء اسمه إسماعيل عبده، ويعمل معه بعض الكويتيين».
في اليوبيل الفضي لمجلة «العربي» نشر البدر في العدد الممتاز (الذي كان يصدر مطلع العام) مقالاً (في ربيع الأول 1404هـ الموافق يناير 1984م)، تضمن معلومات طريفة أعاد نشرها في الجزء الثاني من رحلته مع بعض إضافات توضيحية:
«إن الصحف التي نراها اليوم في المكتبات والأكشاك في جميع أنحاء العالم، لم تظهر بتلك الصورة إلا بعد فترات طويلة من الإعداد والتحضير والعمل الشاق، ساهم فيه كثيرون، البعض برزت أسماؤهم والبعض الآخر عملوا من وراء الستار، ولم يعرف عنهم أحد شيئاً. ومجلة العربي التي استغرق الإعداد لها قرابة 4 سنوات لم تشذ عن هذه القاعدة، وهذه قصة ولادتها من ألفها إلى يائها، فقد كنت بحكم عملي من الذين ساهموا بإخراجها إلى حيز الوجود».
ويربط البدر بين إصدار «العربي» وصدور الجريدة الرسمية قبلها، وهذا ما نقرأه في السطور التالية: عند الحديث عن مجلة العربي لابد من المرور بسرعة إلى إصدار الجريدة الرسمية (الكويت اليوم) عام 1954م، فهي التي أوحت بفكرة إصدار مجلة العربي، وبهذه المناسبة أجد نفسي مدفوعاً إلى الحديث عن دوري في هذا المجال، فبغير التطرق إلى هذا الدور ستظل الصورة ناقصة وبعض المعلومات خافية على الكثيرين من القراء في أيامنا هذه، ممن لم يدركوا تلك الفترة أو أدركوها في طفولتهم أو مقتبل أعمارهم - وأنا أقصد بذلك شباب الكويت.
ففي منتصف تلك السنة أو في النصف الثاني منها بدأت في الكويت قفزة إدارية ضخمة، وذلك بقصد وضع الأسس الحديثة للدولة، التي ساعدها دخلها الوفير من النفط على التفكير في توسيع المرافق وفقا للأسس والمفاهيم الحديثة بقدر الإمكان، وعلى هذا الأساس أصدر المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت مرسوماً بتشكيل لجنة عليا تحت إشرافه تسمى «اللجنة التنفيذية العليا» مؤلفة من الشيخ جابر العلي الصباح، والشيخ صباح الأحمد الصباح، والشيخ خالد العبدالله السالم الصباح، وأحمد عبداللطيف مدير المالية وعبداللطيف إبراهيم النصف مدير مكتب سمو الأمير، وعزت جعفر، وكان يقوم بأعمال السكرتارية كل من أحمد السيد عمر وحامد يوسف العيسى - وكلاهما من وزارة المالية - كما كان يحضر تلك الاجتماعات أحد الخبراء البريطانيين في وزارة المالية وهو المستر ستروفر.
وفي هذه الفترة كنت موظفاً في دائرة المعارف - وزارة التربية حالياً - حيث كنت أقوم بأعمال السكرتارية في مكتب المدير الإداري والمالي سليمان العدساني رحمه الله، أما الدائرة الفنية فكان مديرها عبدالعزيز حسين، وفي ذلك الوقت جرى انتخاب مجلس جديد للمعارف، وكان من بين أعضائه خالد عبداللطيف مسلم، فتقرر تعيينه مكان سليمان العدساني الذي انتهت مدة خدمته.
وحل شهر سبتمبر من ذلك العام وبدأت المراجعات تتكاثر على دائرة المعارف بقسميها الإداري والفني ومعظم المراجعين يطلبون معلومات عن أشياء معينة تتعلق بشؤون المدارس واحتياجاتها، وكانت الأسئلة كثيرة ومتعددة من المراجعين، هذا يسأل عن مناقصة السيارات لنقل الطلاب، وذاك يسأل عن تزويد المدارس بالقرطاسيات... وهكذا. وفي غمرة تلك الزحمة وإرهاق العمل تناولت ورقة وحررت رسالة مؤرخة في 11/9/1954م موجهة إلى مدير الإدارة المالية، أقترح فيها إصدار جريدة رسمية، ورجوته أن يرفع اقتراحي هذا إلى اللجنة التنفيذية العليا، وبعد أن اطلع خالد مسلم على الفكرة ورحب بها، حرر رسالة بتاريخ 12/9/1954م موجهة إلى اللجنة التنفيذية العليا مرفقاً بها رسالتي التي تتضمن الاقتراح.
وفي اليوم الثاني أي 13/9/1954م، أرسلت اللجنة التنفيذية العليا خطاباً موجهاً إلى مدير إدارة ومالية المعارف، مذيلاً بتوقيع الشيخ صباح الأحمد عن اللجنة، وهذا نص الخطاب:
«تعرب اللجنة عن جزيل شكرها للسيد بدر خالد البدر لاقتراحه الموجه إليها بواسطتكم حسب كتابكم رقم م/د/7 المؤرخ في 12/9/1954م حول إصدر جريدة حكومية رسمية، وتؤكد له أنها ستولي اقتراحه الوجيه بالغ العناية والاهتمام في أقرب فرصة مناسبة».
التوقيع: عن اللجنة التنفيذية العليا
صباح الأحمد الصباح
وبعد أيام قليلة من الاقتراح وجهت اللجنة التنفيذية رسائل عدة إلى دوائر الحكومة تخبرها فيها بقرب إصدار الجريدة الرسمية، وتقترح تعيين مندوب عن كل دائرة، وذلك لبحث المواضيع المتعلقة بإصدار الجريدة الرسمية والأسماء مع الإدارات كالآتي، كما نشرت في ما بعد في العدد الأول من الجريدة الرسمية:
أحمد السيد عمر - إدارة المالية، بدر خالد البدر - دائرة المعارف، سعود الفوزان - الأشغال العامة، طلعت الغصين - مجلس الإنشاء، جاسم القطامي - الشرطة العامة، عبدالله النوري - المحاكم، أحمد زين السقاف - الأوقاف العامة، جاسم العنجري - الميناء، عبدالعزيز الدوسري - الجمارك، سعيد يعقوب - البلدية، خالد النصرالله - الصحة العامة، يوسف مشاري الحسن - الكهرباء والماء.
وقد عقدت هذه الجماعة أول اجتماع لها بتاريخ 26/10/1954م ثم عقد الاجتماع الثاني بتاريخ 30/10/1954م، وجرى انتخاب أسرة التحرير، وهم: يوسف مشاري الحسن، طلعت الغصين، بدر خالد البدر، وفي الاجتماع نفسه جرى الاقتراع على تسمية الجريدة «الكويت اليوم»، كما تقرر بالإجماع ضم أحمد السيد عمر إلى أسرة التحرير، وتقرر نقلي من إدارة المعارف لأتولى إدارة الجريدة، ونقل فاضل خلف ليتولى أعمال السكرتارية، وقد وافقت اللجنة التنفيذية العليا على كل ما جاء أعلاه، وبالفعل تم نقلي إلى إدارة الجريدة الرسمية اعتباراً من 2/11/1954م.
واستمرت أسرة التحرير تواصل اجتماعاتها من أجل إصدار العدد الأول من الجريدة الرسمية، وذلك بجمع المعلومات والبيانات التي زودتنا بها دوائر حكومية.
كما اتفقنا مع إحدى المطابع الثلاث التي كانت موجودة في الكويت آنذاك على طبع الجريدة، وكل ما استطعنا جمعه من معلومات وبيانات لم يتجاوز الست عشرة صفحة، وبناء عليه فقد اضطررنا لملء الفراغ بين الصفحات ببعض المقطوعات الأدبية! وصدر العدد الأول في اليوم السادس عشر من ربيع الثاني 1374هـ الموافق الحادي عشر من شهر ديسمبر 1954م.
وفي الأعداد التي تلت أضفنا باباً جديداً في الجريدة أسميناه «الكويت في صحف العالم»، كنا ننشر فيه أهم الموضوعات التي يأتي ذكر الكويت فيها، وكان أكثرها يدور حول النفط، وتدور الأيام، وإذا بي أرى أحد أعداد الجريدة وعدد صفحاته (1040) صفحة، وهو العدد رقم 1345!
وكانت إدارة الجريدة وأسرة التحرير تجتمع في بناية مجلس الشورى، وهو مقر مجلس الإنشاء واللجنة التنفيذية العليا، ثم استأجرنا شقة في الشارع الجديد من 3 غرف، وشقة ثانية ملاصقة لها واشترينا حروف طباعة، وبدأنا نصف الحروف ونرسل الصفحات المصفوفة إلى المطبعة، ووضعنا اثنين من الشباب العرب لهذه الغاية، وهما محمد الكالوتي وضياء الإمام وهما من أصل فلسطيني، وكانت الجريدة تصدر أسبوعياً كل خميس.

مولد فكرة إصدار مجلة أدبية
وفي الجلسة التي عقدتها أسرة التحرير بتاريخ 13/12/1954م تم بحث إصدار ملحق أدبي يكون تابعاً لإدارة الجريدة الرسمية، وفكرة الملحق الأدبي هذه ظلت تتفاعل مع مرور الأيام وتتطور إلى أن كان صدور العدد الأول من مجلة العربي في ديسمبر عام 1958م، فاتني أن أذكر أن فاضل خلف الذي أشرت إلى نقله من دائرة المعارف إلى إدارة الجريدة الرسمية كان يحضر جلسات هيئة التحرير ويسجل ما كان يدور فيها من أمور، وكان حاضراً في هذه الجلسة التاريخية.
كذلك أود أن أشير إلى حادثة وقعت في تلك الأيام، وذلك على وجه التحديد يوم 12/12/1954م، أي في اليوم الثاني من صدور الجريدة الرسمية، إذ أرسل إليَّ الشيخ جابر العلي لأقابله، حيث أبدى سروره لصدور العدد الأول من الجريدة الرسمية، فانتهزت الفرصة وشرحت له المتاعب التي لاقيناها ونلاقيها في طباعة الجريدة، وخلال الحديث وعد الشيخ جابر بإثارة هذا الموضوع في الاجتماع القادم للجنة التنفيذية العليا، وبالفعل صدر في اليوم التالي القرار رقم ت62/40 بتاريخ 13/12/1954م بإنشاء دائرة حكومية تسمى «دائرة المطبوعات» تتولى طبع الجريدة الرسمية وجميع المطبوعات الحكومية، على أن تزود بمطبعة حديثة تُجلب من طريق المناقصة.
أعود إلى موضوع المجلة الأدبية أو مجلة العربي فيما بعد، فأقول إن الفكرة المطروحة ظلت تتفاعل ببطء عند المسؤولين، وعندما صدر قرار اللجنة التنفيذية بتاريخ 5/2/1955م بإنشاء «دائرة المطبوعات والنشر» وتعييني مديراً عاماً لها، كان الشغل الشاغل للدائرة هو إنشاء «مطبعة الحكومة»، وطرحت المناقصات اللازمة لجلب الآلات والمعدات، ولم يكن ذلك بالأمر الهين لعدم توافر الخبرة الفنية عندنا، ولكننا تغلبنا على ذلك بالاستعانة بالخبرات الأجنبية والعربية، ولن أنسى ذلك اليوم الذي دخل عليّ فيه وكيل أجنبي لإحدى الشركات المختصة بصنع مكائن الطباعة، وأخذ يعرض عليّ أنواع الآلات والمكائن، فأكدت له أني لا أعرف شيئاً عما يعرضه علي من هذه الآلات، فرد علي قائلاً ما معناه «لا خوف عليك إذا أحسنت الإدارة، أما الخبرات الفنية فعليك أن تستأجرها، وفعلاً مع الوقت استأجرنا الخبرات الفنية من عربية وأجنبية، وتم افتتاح المطبعة في أكتوبر عام 1956م، وفي تلك السنة تم نقل خدمة أحمد السقاف، من دائرة الأوقاف إلى دائرة المطبوعات والنشر بصفته نائباً للمدير، ومن المهمات التي عهدت إليه الإشراف على المطبعة، وكنا قد أرسلنا في صيف هذا العام بعثة كويتية إلى المطبعة الأميرية في القاهرة للتمرن على شتى أنواع الطباعة هناك، وقد اختارت تلك المجموعة لجنة مؤلفة من دائرة الشؤون الاجتماعية التي مثلها محمد الفهد، ومن دائرة المعارف فيصل الصالح المطوع، ومن وزارة المالية حامد يوسف العيسى، وأنا عن دائرة المطبوعات والنشر. 
وقد تقدم إلينا حوالي 140 شاباً اخترنا منهم 28، وصحبتهم خلال سفرهم إلى القاهرة للاطمئنان على نظام سكنهم وتدريبهم.

اعرف بلدك أيها العربي
وبعد افتتاح المطبعة وتخصيص قسم منها لطباعة الألوان، سهلت أمامنا بعض الأمور لزيادة البحث في موضوع المجلة الأدبية، وبدأنا الاستشارات وأخذ رأي من كانوا يزوروننا من صحفيين وأدباء وناشرين وموزعي صحف، وأوضحنا لهم الهدف من إصدار مثل هذه المجلة وهو تلافي النقص الظاهر في الصحافة العربية في مثل ذلك النوع من المجلات بعد أن اختفت من الميدان مجلات كان لها وزنها الأدبي والعلمي مثل «المقتطف» و«الرسالة» و«الثقافة» وغيرها، وقد كان من أهم الأسباب التي أدت إلى توقف تلك الصحف والمجلات عن الصدور الناحية المادية، أي تكلفة الطبع وما إلى ذلك، لهذا رأت حكومة الكويت أن تسهم في ملء هذا الفراغ، متبعة في ذلك أسلوباً يختلف عما تبعته بعض الحكومات والمؤسسات بقصد الدعاية في غالب الأحيان، وهذا ما نصحنا به كثير ممن استشرناهم في هذا المجال، فقد قالوا لنا إذا كنتم حقاً تريدون خدمة القارئ العربي وتعويضه عن الصحف التي فقدها في الماضي فعليكم الابتعاد عن الأسلوب الذي اتبعته بعض صحف الشركات التي تلقى مصيرها عادة في سلة المهملات بسبب الإسراف في الدعاية المبالغ فيها.
لذلك رأينا الابتعاد عن ذلك الأسلوب، وبدأنا نبحث عمّا يهم القارئ العربي من مواضيع في شتى مجالات الثقافة والمعرفة، وكان اهتمامنا مركزاً بصورة خاصة على الاستطلاعات في مختلف البلاد العربية، وذلك تحت عنوان «اعرف بلدك أيها العربي».

د.أحمد زكي
وفي أواخر عام 1957 بدأنا نفكر في المختصين لإدارة المجلة وعلى رأسهم رئيس التحرير، فتقرر أن يسافر أحمد السقاف في جولة في بعض البلاد العربية مثل العراق وسورية ولبنان ومصر للبحث عن الشخص المناسب الذي تتوافر فيه الشروط اللازمة لمثل هذا المشروع الأدبي الكبير، وعاد السقاف بعد جولة قام بها في البلاد التي أشرت إليها، وأطلع المسؤولين على الاتصالات التي قام بها مع نخبة من الأدباء والكتّاب، ومن أبرز مَن قابلهم وأبدوا الاستعداد للعمل في المجلة العالم والأديب الكبير د.أحمد زكي المدير الأسبق لجامعة القاهرة. ولم ننتظر طويلاً للموافقة، حيث تم عرض الأمر على سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، رئيس الدائرة آنذاك، الذي أبدى موافقته على الفور، وكلّفني بالكتابة للدكتور أحمد زكي لتولي رئاسة تحرير المجلة، فوجهت إليه رسالة بتاريخ 1/2/1958م، فجاء الرد منه بالموافقة برسالة موجهة لي بتاريخ 12/2/1958م، ثم فوّضناه بعد ذلك في اختيار مساعديه، فاختار سليم زبال مخرجاً، وأوسكار مصوّراً، وعبدالوارث كبير سكرتيراً للتحرير. والمخرج محمد حسني زكي ثم الرسام أحمد الوردجي، كما تم تعيين المصوّر عبدالناصر شقرة في ما بعد.
وعلى ذكر المخرج محمد حسني، فإنه هو الذي صمّم لنا شعار الدولة الحالي بعد أن زوّدناه بالفكرة التي عمل على أساسها، خاصة السفينة والبحر، حيث عمل على أثر ذلك نماذج عدة أرسلناها في وقتها إلى المجلس الأعلى، الذي كان يقوم مقام الوزارة في ذلك الوقت، والذي كان يضم مجموعة من شيوخ العائلة الحاكمة، ومن بعض الشخصيات الكويتية المعروفة، حيث تم اختيار شعار الدولة المعمول به حالياً. كذلك أود أن أذكر عبدالحفيظ يونس - رحمه الله - الذي كان يعمل عندنا كاتباً على الآلة الكاتبة ثم التحق بجهاز المجلة.

اختيار اسم المجلة
أما في ما يتعلق باسم المجلة، فقد أجرينا مسابقة لأنسب الأسماء، ففاز بالجائزة النقدية مقترح الاسم «العربي»، ثم اكتمل الاستعداد لإصدارها في أواخر عام 1958م، حيث صدر العدد الأول منها في شهر ديسمبر في ذلك العام الموافق جمادى الأولى لسنة 1378هـ.
ومن حسن المصادفات أن وافق ذلك الوقت انعقاد مؤتمر الأدباءالعرب في الكويت، الذي كان له صداه المدوي لوفرة عدد المشاركين فيه من كبار الأدباء والشعراء من كل البلاد العربية، وقد تم طبع حوالي ثلاثين ألف نسخة من العدد الأول، تم توزيعها على مختلف الأقطار العربية، نفدت جميعها منذ الأيام الأولى من التوزيع، حيث توالت البرقيات على إدارة المجلة تطالب بالمزيد، وبرقيات أخرى تعرب عن الإعجاب بالمجلة وتهنئ القائمين عليها.
وكان للاستطلاعات التي قامت بها المجلة في ما بعد أهميتها بالنسبة للقارئ العربي، ولاتزال كذلك، ومن الأمور المميزة للمجلة الابتعاد عن المسائل المثيرة للجدل في أمور سياسية وغيرها، وهذا ما جعل للمجلة حصانة ضد الرقابة المفروضة في بعض البلاد العربية.
وقبل الانتهاء من هذا الحديث، لابد من الإشادة ولو بكلمة موجزة بدور د. أحمد زكي رئيس التحرير، وكذلك أسرة التحرير في رفع مستوى المجلة، فقد كان د. أحمد زكي على قدر من وفرة العلم وسعة الاطلاع وحسن الإدارة، جعل المجلة في مقدمة مجلات العالم العربي، وبالإضافة إلى ذلك، كان - رحمه الله - على سعة علمه مثالاً للتواضع، مكرّساً معظم وقته نهاراً وليلاً في خدمة المجلة بمنتهى التجرّد والإخلاص.
كذلك أود أن أذكر بالخير د.محمود السمرة، الذي كان في فترة من الوقت مساعداً للدكتور أحمد زكي، حيث كان خلال فترة عمله مثالاً للنزاهة والإخلاص، وساهم كثيراً في رفع مستوى المجلة خلال فترة عمله معنا، وهنا أود الإشارة إلى أن صلتي الرسمية بالمجلة انتهت بعد تقديم استقالتي كوكيل لوزارة الإرشاد والأنباء (الإعلام حالياً) وذلك في صيف 1962م، وفي ختام هذا المقال أتمنى لمجلة العربي المزيد من الازدهار والانتشار، ولجميع القائمين عليها كل التوفيق والنجاح. والله ولي التوفيق».
وقبل أن أختم ما تم خلال عام 1954م، أود أن أشير إلى حادث طبيعي حدث في نهاية ذلك العام، وعلى وجه التحديد في أواخر شهر نوفمبر من ذلك العام، حيث هطلت أمطار غزيرة خارجة عن المعدل المألوف، نتج عنها انهيار الكثير من البيوت المبنية من الطين غالباً في مدينة الكويت وخارجها، ما جعل اللجنة التنفيذية العليا تبذل جهوداً كبيرة لإيواء من تهدمت بيوتهم بصورة مؤقتة في بعض المدارس والمساجد. وقد أسرعت اللجنة التنفيذية بتعيين لجنة مؤقتة بصورة مستعجلة، أتذكر منها عبدالحميد الصانع، سليمان إبراهيم مسلم، خالد العدساني، نصف يوسف النصف، وقد أعطيت هذه اللجنة سلطات واسعة في تقدير الأضرار ودفع التعويضات اللازمة المستعجلة، وعلى ذكر هذه الحادثة، فقد حدث مثلها هطل أمطار غزيرة نتج عنها انهيار كثير من البيوت وسمّيت تلك السنة سنة المطرة الهدّامة، حيث تهدّم الكثير من البيوت، ولا أظن أنه قد قدمت تعويضات لأصحاب تلك البيوت بسبب اختلاف الظروف، وكان ذلك في عام 1934م. وكذلك نودّع عام 1954م بأحداثه المهمة، وأذكر أنه في هذا العام أُسست الخطوط الجوية الكويتية.

تأسيس المطبعة 
وكما ذكرت في مقال «العربي»، فإن اللجنة التنفيذية العليا أصدرت قراراً في 5/2/1955م بإنشاء «دائرة المطبوعات والنشر» وتعييني مديراً عاماً لها، وكان شغلنا الشاغل هو تأسيس المطبعة وإعداد الكوادر اللازمة لها من أجنبية وعربية وكويتية، وفعلاً فقد انصبّ اهتمامنا هذا العام على هذه الناحية.
وفي هذا العام  1955م، تعاقدت دائرة المطبوعات والنشر مع د.إبراهيم عبده، أستاذ الصحافة الأسبق في جامعة القاهرة ليكون خبيراً لدائرة المطبوعات والنشر، كما بدأ التفكير في بعثة دراسية من الشباب الكويتي للتدرّب على شؤون الطباعة في المطبعة الأميرية بالقاهرة، كما أرسلنا بعضهم في ما بعد إلى ألمانيا للغاية نفسها مع الاستعانة بخبراء إنجليز وألمان للمطبعة. 
ولم ننس الاستعانة ببعض العرب الأكفاء، وبهذا ارتفع عندنا مستوى الخبرة في مطبعة الحكومة، حيث دخلت دائرة المطبوعات والنشر عامها الثاني، وبدأ الاستعداد للمطبعة بجلب الورق ومكائن الطباعة، ثم الإعلان عن طلب من لهم الرغبة في التدريب على شؤون الطباعة لإرسالهم للخارج، وتقدم لنا حوالي 140 من الشباب الذين كان قسم منهم أكمل الدراسة الابتدائية، واستمر في الدراسة الثانوية، كما كان منهم بعض الموظفين، وشُكّلت لجنة من دائرة الشؤون الاجتماعية ودائرة المالية والمطبوعات، وتم اختيار 28 من الشباب المتقدمين، وتقرر أن يكون يوم 26/6/1956م يوم السفر إلى القاهرة، حيث تم التفاهم مع المسؤولين في المطبعة الأميرية من أجل توزيعــهم على فنون الطباعة كل حسب رغبــته واســتعــداده، وتخلف عن السفر بعض الذيـــن تم اختيارهم، وقد صحبناهم في هذه الســـــفرة أنا ود. إبراهيم عبـــده مـــن أجل الاطمئـــنان على راحتهم. كما تـــم الاتفاق مع بيت الكويت في القاهرة على تولي أمرهم في ما بعد، ومعاملتهم حسب الأنظمة المتبعة مع طلاب البعثات الكويتية.
وعودة إلى موضــــوع المطبعة، فقد تم افتتاحها يوم الخامس عشر من شهر أكتوبر في ذلك العام ■