الطلاسم الزخرفية في فناءات قصر الحمراء

الطلاسم الزخرفية  في فناءات قصر الحمراء

في‭ ‬عام‭ ‬1212‭ ‬وقعت‭ ‬معركة‭ ‬العُقاب،‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الآيبرية‭ (‬إسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬حالياً‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬تحالف‭ ‬ملوك‭ ‬الدويلات‭ ‬المسيحية‭ ‬شمال‭ ‬الجزيرة‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬الموحدين‭ ‬المسلمة‭ ‬التي‭ ‬انحسرت‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬الجزء‭ ‬الجنــــوبي‭ ‬للـــــجزيرة‭ ‬الآيبرية‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ومُنِي‭ ‬جيش‭ ‬الموحدين‭ ‬بهزيمة‭ ‬ساحقة،‭ ‬وسقطت‭ ‬بعدها‭ ‬المدن‭ ‬الأندلسية‭ ‬مثل‭ ‬قرطبة‭ ‬وإشبيلية‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬ملك‭ ‬قشتالة‭. ‬

يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬ابن‭ ‬العسال،‭ ‬وهو‭ ‬متصوف‭ ‬وزاهد‭ ‬هرب‭ ‬من‭ ‬طليطلة‭ ‬بعد‭ ‬سقوطها‭ ‬واستقر‭ ‬في‭ ‬غرناطة‭ ‬ومات‭ ‬فيها‭:‬

حثوا‭ ‬رواحلكـم‭ ‬يا‭ ‬أهل‭ ‬أندلس‭ 

فمـا‭ ‬المقـام‭ ‬بها‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬الغلـط

الثوب‭ ‬ينسلّ‭ ‬من‭ ‬أطرافـه‭ ‬وأرى

‭ ‬ثوب‭ ‬الجزيرة‭ ‬منسولاً‭ ‬من‭ ‬الوسـط

من‭ ‬جاور‭ ‬الشر‭ ‬لا‭ ‬يأمن‭ ‬بوائقـه

‭ ‬كيف‭ ‬الحياة‭ ‬مع‭ ‬الحيَّات‭ ‬في‭ ‬سفـط؟

 

أنشئتْ‭ ‬إمارة‭ ‬غرناطة‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬العقاب‭ ‬وكان‭ ‬أميرها‭ ‬أبا‭ ‬عبدالله‭ ‬محمد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬نصر‭ ‬بن‭ ‬الأحمر،‭ ‬ويرجع‭ ‬نسبه‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬الخزرج‭ ‬القحطانية‭. ‬

الجبال‭ ‬التي‭ ‬تحيط‭ ‬بمدينة‭ ‬غرناطة‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تحصينها‭ ‬من‭ ‬غزوات‭ ‬الملوك‭ ‬المسيحيين،‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الإمارة‭ ‬ملجأ‭ ‬للمسلمين‭ ‬الفارين‭ ‬من‭ ‬مدنهم‭ ‬بعد‭ ‬سقوطها،‭ ‬وكانت‭ ‬أيضاً‭ ‬منبراً‭ ‬للثقافة‭ ‬وملتقى‭ ‬للتجارة‭. ‬

بلغ‭ ‬عدد‭ ‬نفوس‭ ‬غرناطة‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬ازدهارها‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬نصف‭ ‬المليون‭ ‬نسمة،‭ ‬نتيجة‭ ‬هجرة‭ ‬المسلمين‭ ‬إليها،‭ ‬واستمرت‭ ‬هذه‭ ‬الإمارة‭ ‬مدة‭ ‬250‭ ‬عاماً،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬ملوكها‭ ‬هو‭ ‬أبوعبدالله‭ ‬محمد‭ ‬الذي‭ ‬سلمها‭ ‬سلمياً‭ (‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬تخريب‭ ‬قصور‭ ‬الحمراء‭) ‬إلى‭ ‬الملك‭ ‬فرناندو‭ ‬والملكة‭ ‬إيزابيلا‭ ‬عام‭ ‬1492،‭ ‬وبذلك‭ ‬سقطت‭ ‬آخر‭ ‬القلاع‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭. ‬

استولى‭ ‬الملوك‭ ‬الكاثوليك‭ ‬على‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬جُلّ‭ ‬غايتهم،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬فرناندو‭ ‬وإيزابيلا‭ ‬استقبلا‭ ‬كريستوفر‭ ‬كولومبوس‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬من‭ ‬رحلة‭ ‬اكتشاف‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭. ‬وعندما‭ ‬توفيت‭ ‬الملكة‭ ‬إيزابيلا‭ ‬أوصت‭ ‬بأن‭ ‬تدفن‭ ‬في‭ ‬االحمراءب،‭ ‬بلا‭ ‬شاهدة‭ ‬تحمل‭ ‬علامة‭ ‬صليب‭. ‬

 

لا‭ ‬غالب‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬

عندما‭  ‬دخل‭ ‬محمد‭ ‬الأحمر‭ ‬مدينة‭ ‬غرناطة‭ ‬Granada‭ (‬ومعنى‭ ‬الاسم‭ ‬بالإسبانية‭ ‬الرمانة‭)‬،‭ ‬رحّب‭ ‬به‭ ‬أهلها‭ ‬وهتفوا‭: ‬امرحباً‭ ‬أيها‭ ‬الغالبب،‭ ‬وكان‭ ‬جوابه‭: ‬الا‭ ‬غالب‭ ‬اليوم‭ ‬إلا‭ ‬اللهب،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬شعار‭ ‬بني‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬يتكرر‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬قصور‭ ‬الحمراء‭.‬

‭ ‬بدأ‭ ‬الأمير‭ ‬أبوعبدالله‭ ‬محمد‭ ‬بتشييد‭ ‬قصره‭ ‬على‭ ‬تل‭ ‬يسمى‭ ‬اتل‭ ‬سبيكةب،‭ ‬يشرف‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬غرناطة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬محاطة‭ ‬بالجنان‭ ‬والبساتين‭. ‬

واستمر‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬القصر‭ ‬حتى‭ ‬سقوط‭ ‬الإمارة،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تشييده‭ ‬وفقاً‭ ‬لتخطيط‭ ‬مسبق،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬إضافات‭ ‬متتالية،‭ ‬فكل‭ ‬أمير‭ ‬يبني‭ ‬قصره‭ ‬الخاص‭ ‬أو‭ ‬يضيف‭ ‬فناءً‭ ‬إلى‭ ‬فناءات‭ ‬الحمراء‭ ‬المتعددة،‭ ‬مثل‭ ‬فناء‭ ‬السباع‭ ‬والريحان،‭ ‬وفناء‭ ‬السفراء،‭ ‬وفناء‭ ‬الملوك،‭ ‬وغيرها،‭ ‬أو‭ ‬يشيد‭ ‬برجاً‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أبراج‭ ‬الحمراء‭ ‬التي‭ ‬يبلغ‭ ‬عددها‭ ‬37‭ ‬برجاً،‭ ‬لايزال‭ ‬أغلبها‭ ‬قائماً‭. ‬

تنبثق‭ ‬تصاميم‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬المعمارية‭ ‬من‭ ‬منابع‭ ‬إسلامية‭ ‬أصيلة،‭ ‬ففناءاته‭ ‬وصحونه‭ ‬الداخلية‭ ‬ذات‭ ‬الزخرفة‭ ‬والتصميم‭ ‬البديع،‭ ‬تنفتح‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬بعضاً،‭ ‬وهي‭ ‬تناقض‭ ‬تماماً‭ ‬بساطة‭ ‬أبوابه‭ ‬المتعددة‭ ‬وأسواره‭.‬

‭ ‬القصر‭ ‬وحجراته‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬الفناءات‭ ‬الداخلية‭ ‬وأبراجه‭ ‬المنعزلة‭ ‬وحدائقه‭ ‬الخلابة‭ ‬وبرك‭ ‬المياه‭ ‬والقنوات،‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العناصر‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬توق‭ ‬المسلم‭ ‬للفردوس‭ ‬ومحاكاة‭ ‬وصف‭ ‬الجنة‭ ‬كما‭ ‬جاءت‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬والأحاديث‭ ‬الشريفة‭.‬

‭ ‬

النقوش‭ ‬والزخرفة‭ ‬الخطية‭ ‬

من‭ ‬أهم‭ ‬مزايا‭ ‬فن‭ ‬العمارة‭ ‬والزخرفة‭ ‬الغرناطية‭ ‬أنه‭ ‬فن‭ ‬دنيوي،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬القصور‭ ‬والمساجد‭ ‬تزخر‭ ‬بالزخارف‭ ‬التي‭ ‬قـــد‭ ‬تُلهي‭ ‬المسلم‭ ‬عن‭ ‬صلاته،‭ ‬وتجعل‭ ‬عينه‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬من‭ ‬الزخارف‭ ‬البديعة‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل،‭ ‬كأن‭ ‬من‭ ‬سكن‭ ‬تلك‭ ‬القصور‭ ‬أراد‭ ‬عيش‭ ‬حاضره‭ ‬بمنتهى‭ ‬الترف،‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬يشك‭ ‬في‭ ‬مستقبله‭. ‬

نجح‭ ‬مهندسو‭ ‬وفنانو‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تأثير‭ ‬جمالي‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬له،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المزج‭ ‬المتناغم‭ ‬بين‭ ‬فن‭ ‬تنظيم‭ ‬الحدائق‭ ‬وبرك‭ ‬المياه‭ ‬والقنوات‭ ‬الجارية‭ ‬وفن‭ ‬العمارة‭ ‬والزخرفة‭ ‬والفنون‭ ‬الشعرية‭. ‬

وانصبَّ‭ ‬اهتمام‭ ‬الحرفيين‭ ‬الغرناطيين،‭ ‬على‭ ‬تغطية‭ ‬جميع‭ ‬المساحات‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬بالزخارف‭ ‬الخطية‭ ‬والنباتية‭ ‬والمقرنصات‭ ‬والزليج‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تجسيد‭ ‬الصور‭ ‬يُعد‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المحرمة‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬الإسلامي،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬ازدهار‭ ‬الزخارف‭ ‬الخطية‭ ‬والنباتية‭. ‬فهناك‭ ‬الخطوط‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬كتابات‭ ‬مائلة‭ ‬بخط‭ ‬النسخ‭ ‬الأندلسي،‭ ‬والخط‭ ‬الكوفي‭ ‬الأندلسي‭. ‬ومـا‭ ‬زاد‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬روعة‭ ‬وبهاء،‭ ‬تلك‭ ‬الأشعار‭ ‬التي‭ ‬حُفرت‭ ‬على‭ ‬جنباته،‭ ‬كأنها‭ ‬تحاكي‭ ‬تعليق‭ ‬المعلقات‭ ‬العشر‭ ‬على‭ ‬أستار‭ ‬الكعبة‭ ‬قبل‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذه‭ ‬ميزة‭ ‬تفردت‭ ‬بها‭ ‬العمارة‭ ‬الأندلسية،‭ ‬وربما‭ ‬لإحساس‭ ‬ملوك‭ ‬بني‭ ‬الأحمر‭ ‬بالخطر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يهدّد‭ ‬إمارتهم،‭ ‬فقد‭ ‬دفعهم‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تكثيف‭ ‬الطراز‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬في‭ ‬قصورهم،‭ ‬لكي‭ ‬تحتفظ‭ ‬هذه‭ ‬القصور‭ ‬بعدهم‭ ‬بملامح‭ ‬عروبة‭ ‬الأندلس‭. ‬فامتزجت‭ ‬مجـازات‭ ‬الشـعر‭ ‬بـأدوات‭ ‬البناء‭ ‬وخاماته‭ ‬من‭ ‬مرمر‭ ‬وخشب‭ ‬وجص‭ ‬وزجاج‭. ‬

وتناغمت‭ ‬تلك‭ ‬القصائد‭ ‬المنقوشة‭ ‬على‭ ‬الجدران‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬فلسفة‭ ‬الفن‭ ‬الشكلي‭ ‬التي‭ ‬شقت‭ ‬طريقها‭ ‬استجابة‭ ‬لمضامين‭ ‬مستحدثة‭ ‬لفهم‭ ‬الجمـال،‭ ‬حيث‭ ‬يلبي‭ ‬فيها‭ ‬الشعراء‭ ‬ميلاً‭ ‬نحو‭ ‬نزعة‭ ‬زخرفية،‭ ‬وقد‭ ‬تجسدت‭ ‬هذه‭ ‬النزعة‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الخط‭ ‬والتصوير‭ ‬والفسيفساء‭ ‬وصناعة‭ ‬الزجاج‭ ‬الملون‭ ‬وهندسة‭ ‬البناء،‭ ‬ثم‭ ‬سرت‭ ‬إلى‭ ‬صناعتي‭ ‬الشعر‭ ‬والنظم‭. ‬

لقـد‭ ‬وجـد‭ ‬الشـعراء‭ ‬الغرناطـيون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصور‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬قرائحهم،‭ ‬ويفجّر‭ ‬كوامن‭ ‬مشاعرهم،‭ ‬فجاء‭ ‬وصفهم‭ ‬للقصور‭ ‬وما‭ ‬يحيطها‭ ‬دقيقاً‭. ‬

إن‭ ‬فناءات‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء‭ ‬كانت‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬53‭ ‬قصيدة‭ ‬عربية،‭ ‬انمحت‭ ‬منها‭ ‬13‭ ‬قصيدة‭ ‬بفعل‭ ‬التقادم‭ ‬الزمني‭ ‬وعمليات‭ ‬الصيانة‭ ‬غير‭ ‬الدقيقة‭. ‬

ومن‭ ‬أبرز‭ ‬الشعراء‭ ‬الذين‭ ‬نقشت‭ ‬قصائدهم‭ ‬في‭ ‬فناءات‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء،‭ ‬الوزير‭ ‬والشاعر‭ ‬لسان‭ ‬الدين‭ ‬بن‭ ‬الخطيب،‭ ‬وابن‭ ‬الجياب‭ ‬الغرناطي‭ ‬الذي‭ ‬نقشت‭ ‬قصائده‭ ‬في‭ ‬القاعة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لبرج‭ ‬الأسيرة،‭ ‬أحد‭ ‬أبراج‭ ‬قصر‭ ‬الحمراء،‭ ‬ومطلع‭ ‬القصيدة‭: ‬

 

برجٌ‭ ‬عظيم‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬الأبراج

قد‭ ‬باهت‭ ‬الحمراء‭ ‬منه‭ ‬بتاج‭ ‬

فيها‭ ‬بدائع‭ ‬صُنعةٍ‭ ‬قد‭ ‬نوظرت

نسباً‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬والأزواج‭ ‬

من‭ ‬آل‭ ‬سعد‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬نصر‭ ‬ومَن

نصروا‭ ‬وآووا‭ ‬صاحب‭ ‬المعراج‭ ‬

 

كما‭ ‬نُقشت‭ ‬قصيدة‭ ‬الوزير‭ ‬الشاعر‭ ‬ابن‭ ‬زمرك‭ ‬على‭ ‬محيط‭ ‬النافورة‭ ‬المائية‭ ‬في‭ ‬بهو‭ ‬السباع،‭ ‬وقد‭ ‬مثلت‭ ‬هذه‭ ‬النافورة‭ ‬إنجازاً‭ ‬علمياً‭ ‬كبيراً‭ ‬لعلماء‭ ‬الأندلس،‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسرّ‭ ‬الساعة‭ ‬المائية،‭ ‬حيث‭ ‬تتدفق‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬أسودها‭ ‬ساعة‭ ‬بعد‭ ‬ساعة‭ ‬وأسداً‭ ‬بعد‭ ‬أسد‭. ‬

القصيدة‭ ‬تضم‭ ‬12‭ ‬بيتاً،‭ ‬وفيها‭ ‬مدح‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬الخامس‭ ‬ووصف‭ ‬النافورة‭ ‬والقصر،‭ ‬وأمام‭ ‬كل‭ ‬أسد‭ ‬بيت‭ ‬منها،‭ ‬ومطلعها‭:‬

تبارك‭ ‬من‭ ‬أعطى‭ ‬الإمام‭ ‬محمداً

مغانيَ‭ ‬زانت‭ ‬بالجمال‭ ‬المغانيا

وإلا‭ ‬فهذا‭ ‬الروض‭ ‬فيه‭ ‬بدايع

أبى‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬لها‭ ‬الحسن‭ ‬ثانياً‭ ‬

 

الطلاسم‭ ‬الزخرفية‭ ‬وما‭ ‬يحيطها

‭ ‬الزائر‭ ‬المنبهر‭ ‬ببهاء‭ ‬وفخامة‭ ‬قصور‭ ‬الحمراء‭ ‬سيواجه‭ ‬صعوبة‭ ‬فك‭ ‬طلاسم‭ ‬الزخرفة‭ ‬الخطية،‭ ‬وربما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نتيجة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬استلهاماً‭ ‬زخرفياً‭ ‬للحرف‭ ‬وبعض‭ ‬المفردات،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬واضحة‭. ‬فهناك‭ ‬نقش‭ ‬لآيات‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬أو‭ ‬عبارات‭ ‬أو‭ ‬كلمات‭ ‬مثل‭ ‬ابركة،‭ ‬يُمنب‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنقيط‭ ‬الحروف‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متبعاً‭ ‬قبل‭ ‬تطور‭ ‬أسلوب‭ ‬كتابة‭ ‬الحروف‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الحروف‭ ‬المنقوطة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬الصعوبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬فهمها‭. ‬

أما‭ ‬العقبة‭ ‬الثانية،‭ ‬فهي‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الكلمات‭ ‬تم‭ ‬نسخها‭ ‬بأسلوب‭ ‬المرآة‭ ‬المعكوسة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الكلمة‭ ‬نفسها‭ ‬كتبت‭ ‬تارة‭ ‬من‭ ‬اليمين،‭ ‬وأخرى‭ ‬من‭ ‬اليسار،‭ ‬لإيحاءات‭ ‬فلسفيـة‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬انعكاس‭ ‬ظلال‭ ‬الكلمـة‭ ‬على‭ ‬أسطـح‭ ‬المرايا‭ ‬الملساء،‭ ‬مثلما‭ ‬تنعكس‭ ‬ظلال‭ ‬الأقواس‭ ‬والمقرنصات‭ ‬في‭ ‬برك‭ ‬المياه‭ ‬المتعددة‭ ‬في‭ ‬الحمراء‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬البناء‭ ‬الهندسي‭ ‬للحروف‭ ‬وتداخله‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحطيه‭ ‬من‭ ‬زخرفة‭ ‬نباتية‭ ‬دقيقة،‭ ‬يحولان‭ ‬أيضاً‭ ‬دون‭ ‬اكتشاف‭ ‬معنى‭ ‬تلك‭ ‬الزخارف‭ ‬بسهولة‭. ‬

إن‭ ‬الخطاطين‭ ‬الذين‭ ‬أبدعوا‭ ‬تلك‭ ‬الزخارف‭ ‬الحروفية‭ ‬قد‭ ‬منحوا‭ ‬الحروف‭ ‬العربية‭ ‬امتدادات‭ ‬فنية‭ ‬لم‭ ‬يسبقهم‭ ‬إليها‭ ‬أحد،‭ ‬عبر‭ ‬تحوير‭ ‬الحروف‭ ‬إلى‭ ‬أشكال‭ ‬تستلهم‭ ‬صور‭ ‬النباتات‭ ‬أو‭ ‬تكون‭ ‬امتداداً‭ ‬لها،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أبعد‭ ‬الحروف‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬رسمها‭ ‬التقليدي‭. ‬ونُقِشَ‭ ‬الحرف‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬تجريدي‭ ‬ضمن‭ ‬صورة‭ ‬جمالية‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬نقوش‭ ‬ومزججات‭ ‬وتذهيب‭. ‬

قصور‭ ‬الحمـراء‭ ‬الأسطورية‭ ‬هي‭ ‬متحف‭ ‬لا‭ ‬نظير‭ ‬له‭ ‬للعمارة‭ ‬والفنون‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬وهي‭ ‬الشجرة‭ ‬الذي‭ ‬خرجت‭ ‬منها‭ ‬أغصان‭ ‬الفن‭ ‬الإيطالي‭ ‬الكلاسيكي،‭ ‬وقد‭ ‬ألهمت‭ ‬روعة‭ ‬هذه‭ ‬القصور‭ ‬كثيراً‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬والشعراء،‭ ‬منهم‭ ‬الفرنسـي‭ ‬فرانسـوا‭ ‬شاتوبريان‭ (‬1768‭/‬1848‭) ‬والمستشرق‭ ‬الأمريكي‭ ‬واشنطن‭ ‬أرفنج‭ (‬1783‭/‬1859‭) ‬الذي‭ ‬ألّف‭ ‬كتاباً‭ ‬بعنوان‭ ‬اقصص‭ ‬الحمراءب،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سكن‭ ‬أحد‭ ‬أبراج‭ ‬القصر،‭ ‬والشاعر‭ ‬الإسباني‭ ‬غارثيا‭ ‬لوركا‭ (‬1898‭/ ‬1963‭)‬،‭ ‬والروائي‭ ‬الإسباني‭ ‬أنطونيو‭ ‬جالا‭ ‬الذي‭ ‬استوحى‭ ‬روايته‭ ‬االمخطوط‭ ‬القرمزيب‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬أبي‭ ‬عبدالله‭ ‬الصغير،‭ ‬آخر‭ ‬ملوك‭ ‬غرناطة‭ .