الأهمية الاستثنائية للمعرفة والابتكارات في عملية التنمية المستدامة

الأهمية الاستثنائية للمعرفة والابتكارات  في عملية التنمية المستدامة

أصبح‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬يشكلان‭ ‬العنصر‭ ‬الرئيس‭ ‬بين‭ ‬عناصر‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الراهن،‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬يُعرف‭ ‬باسم‭ ‬العصر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصناعي،‭ ‬حيث‭ ‬صار‭ ‬إنتاج‭ ‬المعرفة‭ ‬واستثمارها‭ ‬واستهلاكها‭ (‬بمعنى‭ ‬استخدامها‭) ‬وتداولها‭ (‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ ‬تقاسمها‭ ‬أو‭ ‬تشاركها‭) ‬المصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬للنمو‭. ‬

وغدت‭ ‬المعرفة‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الأفكار‭ ‬والخبرات‭ ‬والممارسات‭ ‬الأفضل‭. ‬إنها‭ ‬تعبِّر‭ ‬عن‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬المعرفي‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الجديد‭ (‬اقتصاد‭ ‬المعرفة‭) ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقاس‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬المادي‭. ‬

أدى‭ ‬التطور‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‭ ‬إلى‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الجسدي‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المعرفة،‭ ‬فأصبحت‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والمعرفة‭ ‬العاملين‭ ‬الرئيسين‭ ‬للنمو‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الثروة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للأمم‭ ‬تكمن‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العقول‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬بعدها‭ ‬الثروات‭ ‬المادية‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬سطحها‭. ‬

  ‬إن‭ ‬السمة‭ ‬الرئيسة‭ ‬لهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬التطبيقات‭ ‬العملية‭ ‬صارت‭ ‬تأتي‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬النظرية،‭ ‬فعلى‭ ‬عكس‭ ‬الحقبات‭ ‬السابقة،‭ ‬صارت‭ ‬النظرية‭ ‬تسبق‭ ‬التطبيق،‭ ‬وتسارع‭ ‬بصورة‭ ‬هائلة‭ ‬عملية‭ ‬وضع‭ ‬الاكتشافات‭ ‬النظرية‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق،‭ ‬فقصرت‭ ‬المسافة‭ ‬الزمنية‭ ‬بين‭ ‬الاكتشاف‭ ‬النظري،‭ ‬ووضعه‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كانت‭ ‬الفترة‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬اكتشاف‭ ‬الطاقة‭ ‬البخارية‭ ‬واستخدامها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العملية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬ألفي‭ ‬سنة‭.  ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الكهرباء،‭ ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭. ‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬التصوير‭ ‬الفوتوغرافي،‭ ‬مائة‭ ‬سنة‭ ‬أيضاً،‭ ‬والبلاستيك‭  55‭ ‬سنة،‭ ‬والهاتف‭  50‭ ‬سنة،‭ ‬والراديو‭ ‬35‭ ‬سنة،‭ ‬والمضادات‭ ‬الحيوية‭ ‬12‭ ‬سنة،‭ ‬والاتصال‭ ‬اللاسلكي‭ ‬10‭ ‬سنوات،‭ ‬والألياف‭ ‬الاصطناعية‭ ‬9‭ ‬سنوات،‭ ‬والترانزيستور‭ ‬5  ‬سنوات‭... ‬إلخ‭.‬

‭ ‬أما‭ ‬اليوم،‭ ‬فالاكتشافات‭ ‬والاختراعات‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العلمية‭ ‬الجديدة‭ ‬تتوالى‭ ‬باستمرار،‭ ‬ولا‭ ‬يستغرق‭ ‬وضعها‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭ ‬سوى‭ ‬أشهر‭ ‬أو‭ ‬أسابيع‭ ‬قليلة‭. ‬

وصارت‭ ‬المؤسسات‭ ‬والشركات‭ ‬تنفق‭ ‬أموالاً‭ ‬طائلة‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتخصص‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬رساميلها‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬فالأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬أشبه‭ ‬بمناجم‭ ‬الذهب،‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للنضوب،‭ ‬وغدت‭ ‬ربحيتها‭ ‬وجدوى‭ ‬الاستثمار‭ ‬فيها‭ ‬مسألة‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيها‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬للتطور‭ ‬العلمي‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والنووية‭ ‬والفيزيائية‭ ‬والكيميائية‭ ‬والبيولوجية‭ ‬والفضائية‭ ‬التأثير‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬حادة‭ ‬وجذرية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الناس‭ ‬والمجتمعات،‭ ‬وجاءت‭ ‬ثورة‭ ‬المعلوماتية‭ ‬والاتصالات‭ ‬لتقلب‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬رأساً‭ ‬على‭ ‬عقب‭. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬عمَّق‭ ‬الهوة‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬وغير‭ ‬الصناعية،‭ ‬وأوجد‭ ‬تفاوتاً‭ ‬في‭ ‬مستويات‭ ‬التطور‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬نفسها،‭ ‬حيث‭ ‬نجح‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬ولوج‭ ‬المرحلة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الصناعية،‭ ‬بينما‭ ‬يسعى‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬جاهداً‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭. ‬

أما‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬فإنها‭ ‬لاتزال‭ ‬تتخبط‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬قيود‭ ‬التخلف‭ ‬وضعف‭ ‬التطور،‭ ‬وتعمقت‭ ‬أكثر‭ ‬الفجوة‭ ‬المعرفية‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬والمجتمعات‭.‬

 

الهدم‭ ‬الخلاق‭ ‬

تمثل‭ ‬التغيرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬أساس‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭. ‬

وقد‭ ‬أشار‭ ‬جوزيف‭ ‬شومبيتر‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬االدفع‭ ‬الهائل‭ ‬الذي‭ ‬يطلق‭ ‬محرك‭ ‬الرأسمالية‭ ‬ويحافظ‭ ‬على‭ ‬حركته،‭ ‬يتأتى‭ ‬من‭ ‬السلع‭ ‬الاستهلاكية‭ ‬الجديدة،‭ ‬من‭ ‬أساليب‭ ‬الإنتاج‭ ‬والنقل‭ ‬الجديدة،‭ ‬من‭ ‬الأسواق‭ ‬الجديدة،‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الجديدة‭ ‬للتنظيم‭ ‬الصناعي،‭ ‬التي‭ ‬تخلقها‭ ‬المؤسسة‭ ‬الصناعيةب‭. ‬

لقد‭ ‬خلف‭ ‬شومبيتر‭ ‬ماركس‭ ‬في‭ ‬نظرته‭ ‬إلى‭ ‬ديناميكية‭ ‬الرأسمالية‭. ‬هذا‭ ‬الاقتصادي‭ ‬النمساوي‭ ‬الأصل،‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬خلال‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬عاماً،‭ ‬وضع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1911‭ ‬كتابه‭ ‬المهم‭ ‬انظرية‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصاديب‭.‬

وقد‭ ‬قدم‭ ‬الكتاب‭ ‬موضوعين‭ ‬رئيسين‭: ‬أولاً،‭ ‬الابتكار‭ ‬بما‭ ‬ينطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬لمنتجات‭ ‬جديدة‭ ‬وطرق‭ ‬إنتاج‭ ‬جديدة،‭ ‬وفتح‭ ‬أسواق‭ ‬أخرى‭ ‬وتطوير‭ ‬موارد‭ ‬جديدة،‭ ‬وإيجاد‭ ‬أشكال‭ ‬تنظيمية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭. ‬يدخل‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬التطور‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ويسهل‭ ‬تنامي‭ ‬الازدهار‭ ‬المادي‭. ‬

ثانياً،‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬الابتكارات‭ ‬وحدها،‭ ‬ولكنها‭ ‬تتطلب‭ ‬مجهوداً‭ ‬رائداً‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬المشاريع،‭ ‬وهو‭ ‬مجهود‭ ‬ضروري‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬رتابة‭ ‬القواعد‭ ‬الاقتصادية‭. ‬

ويؤكد‭ ‬شومبيتر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭: ‬ايجب‭ ‬التمييز‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬القيادة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وبين‭ ‬االاختراعب‭. ‬فطالما‭ ‬لم‭ ‬توضع‭ ‬الاختراعات‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق،‭ ‬فلا‭ ‬معنى‭ ‬لها‭ ‬اقتصادياً‭. ‬وتختلف‭ ‬مهمة‭ ‬حمل‭ ‬أي‭ ‬تحسين‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬ابتكار‭ ‬هذا‭ ‬التحسين،‭ ‬وهي‭ ‬تتطلب‭ ‬قدرات‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭. ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬أصحاب‭ ‬المشاريع‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬مخترعين‭ ‬مثلما‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬رأسماليين،‭ ‬ولكنهم‭ ‬سيكونون‭ ‬مخترعين‭ ‬بالمصادفة‭ ‬وليس‭ ‬بحكم‭ ‬وظيفتهم‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬المخترعون‭ ‬أصحاب‭ ‬مشاريع‭ ‬بالمصادفة‭ ‬أيضاً‭...‬ب‭. ‬

ويرى‭ ‬شومبيتر‭ ‬أن‭ ‬الابتكارات‭ ‬الجديدة‭ ‬الناجحة‭ ‬تزيح‭ ‬التقنيات‭ ‬الأدنى‭ ‬مستوى،‭ ‬وتوفر‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬يضعها‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭ ‬وينتج‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬سلعاً‭ ‬جديدة‭ ‬ذات‭ ‬كثافة‭ ‬معرفية،‭ ‬اميزات‭ ‬نسبيةب‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭. ‬فالدولة‭ ‬التي‭ ‬تحوز‭ ‬طرائق‭ ‬فنية‭ ‬للإنتاج‭ ‬أكثر‭ ‬تقدماً‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى،‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬سلعة‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬سلع‭ ‬ذات‭ ‬جودة‭ ‬عالية‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬تنتجه‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬أو‭ ‬سلع‭ ‬ذات‭ ‬تكاليف‭ ‬إنتاجية‭ ‬أقل،‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬تكتسب‭ ‬مزايا‭ ‬نسبية‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬نتيجة‭ ‬احتكارها‭ ‬لسوق‭ ‬هذه‭ ‬السلعة‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬معينة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬اللحاق‭ ‬بها،‭ ‬بتقليد‭ ‬سلعتها‭ ‬أو‭ ‬البدء‭ ‬بإنتاج‭ ‬سلعة‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬تطوراً،‭ ‬مما‭ ‬يفقد‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬أفضليتها‭ ‬وميزتها‭ ‬النسبية‭. ‬

هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬ظاهرة‭ ‬إزاحة‭ ‬السلع‭ ‬الجديدة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الابتكارات‭ ‬الأكثر‭ ‬حداثة،‭ ‬للسلع‭ ‬الأقدم‭ ‬أو‭ ‬الأقل‭ ‬كثافة‭ ‬تكنولوجية‭ ‬ومعرفية،‭ ‬هي‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬شومبيتر‭ ‬مصطلح‭ ‬االهدم‭ ‬الخلاقب،‭ ‬أي‭ ‬هدم‭ ‬القديم‭ ‬أو‭ ‬خلق‭ ‬الجديد‭ ‬مكانه‭. ‬

هذه‭ ‬الابتكارات‭ ‬الناجحة‭ ‬المجسدة‭ ‬في‭ ‬السلع‭ ‬الجديدة‭ ‬تعود‭ ‬فتنتشر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقليدها‭ ‬أو‭ ‬نقل‭ ‬إنتاجها‭ ‬إلى‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭. ‬

إن‭ ‬التغيرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬هي‭ ‬االمدمرب‭ ‬الأساس‭ ‬والدائم‭ ‬للميزة‭ ‬النسبية،‭ ‬والقوة‭ ‬المحركة‭ ‬للتغيرات‭ ‬البنيوية‭ ‬في‭ ‬الإنتاج،‭ ‬وبالتالي‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية،‭ ‬وبالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬البلدان‭ ‬المبتكرة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭. ‬

 

انتقال‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الاحتكار

هذه‭ ‬التغيرات،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬مصدراً‭ ‬دائماً‭ ‬للميزة‭ ‬النسبية‭ ‬في‭ ‬سلعة‭ ‬معينة‭ ‬أو‭ ‬نشاط‭ ‬معين،‭ ‬لأن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬التي‭ ‬يمتلكها‭ ‬البلد‭ ‬المبتكر‭ ‬تصبح،‭ ‬نتيجة‭ ‬للتبادل‭ ‬الدولي،‭ ‬متاحة‭ ‬للبلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭ ‬نسبياً‭. ‬

إن‭ ‬ثمة‭ ‬عديداً‭ ‬من‭ ‬الأمثلة‭ ‬الملموسة‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬أن‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وعملية‭ ‬خلقها‭ ‬والتبادل‭ ‬الدولي،‭ ‬تمارس‭ ‬تأثيراً‭ ‬كبيراً‭ ‬على‭ ‬بنية‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬تمتلك‭ ‬ميزة‭ ‬نسبية‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬فروع‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الصناعة‭ ‬التحويلية،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬لتفوقها‭ ‬التكنولوجي،‭ ‬وكانت‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬التقليد‭ ‬الفوري‭ ‬لمنتجات‭ ‬المنتجين‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬وكذلك‭ ‬عن‭ ‬مجاراة‭ ‬طرق‭ ‬ونفقات‭ ‬الإنتاج‭ ‬الأمريكية‭. ‬

ولكن‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬صار‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعارف‭ ‬التكنولوجية‭ ‬متاحاً‭ ‬لغالبية‭ ‬البلدان‭. ‬فالمنتجون‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬إما‭ ‬عمدوا‭ ‬إلى‭ ‬شراء‭ ‬الأفكار‭ ‬من‭ ‬المبتكرين‭ ‬الأصليين،‭ ‬وإما‭ ‬لجأوا‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬تقليدها‭ ‬بنجاح،‭ ‬بعدما‭ ‬لقيت‭ ‬تلك‭ ‬الأفكار‭ ‬انتشاراً‭ ‬واسعاً‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬ومع‭ ‬قيام‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بإنشاء‭ ‬شركات‭ ‬تابعة‭ ‬وفروع‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬انتقل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفكار‭ ‬الجديدة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬البلدان‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬فقدت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ميزتها‭ ‬النسبية‭ ‬الأولية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الفروع،‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬مستورد‭ ‬لسلعها‭ ‬بالكامل‭. ‬

إن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬والوقائع‭ ‬شكلت‭ ‬دافعاً‭ ‬لصوغ‭ ‬نظريات‭ ‬للتجارة‭ ‬الدولية‭ ‬تتمحور‭ ‬حول‭ ‬التغيرات‭ ‬التكنولوجية‭. ‬وهي‭ ‬نظريات،‭ ‬خلافاً‭ ‬للنظريات‭ ‬النيوكلاسيكية،‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬تفسير‭ ‬الوضع‭ ‬الناشئ‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬التجارة‭ ‬الدولية‭ ‬منذ‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ونجحت‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬التنبؤ‭ ‬باتجاهات‭ ‬تطورها‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬التالية‭.‬

 

الابتكارات‭ ‬والإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوير

‭ ‬يعتبر‭ ‬السؤال‭ ‬التالي‭ ‬سؤالاً‭ ‬محورياً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المقاربة‭ ‬التكنولوجية‭ ‬للتجارة‭ ‬الدولية‭: ‬ما‭ ‬الدافع‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الابتكارات،‭ ‬ولماذا‭ ‬تكون‭ ‬بلدان‭ ‬معينة‭ ‬امنتجةب‭ ‬للابتكارات،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تكتفي‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭ ‬باستخدامها؟‭ ‬

لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الصدفة‭ ‬والتوفيق‭ ‬يلعبان‭ ‬دوراً‭ ‬معيناً‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭  ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬عوامل‭ ‬منتظمة‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬فبما‭ ‬أن‭ ‬تطور‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬هو‭ ‬عملية‭ ‬موجهة‭ ‬وليست‭ ‬عفوية،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬لماذا‭ ‬تُنفق‭ ‬بلدان‭ ‬معينة‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تنفقه‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى‭. ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬أغراض‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوير
‭(‬Research‭ ‬and‭ ‬Development‭ (‬R&D‭ ‬يعتبر‭ ‬المؤشر‭ ‬الأساس‭ ‬على‭ ‬القدرات‭ ‬الابتكارية‭ ‬للشركة‭ ‬أو‭ ‬البلد،‭ ‬الذي‭ ‬يتجسد‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬سلع‭ ‬جديدة‭ ‬أو‭ ‬عمليات‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الأكثر‭ ‬حداثة‭. ‬

يمكن‭ ‬أن‭ ‬يرتبط‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬العوامل‭: ‬

أولاً‭: ‬اختلاف‭ ‬البنى‭ ‬المؤسساتية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬يمكن‭ ‬لقوانين‭ ‬تسجيل‭ ‬براءات‭ ‬الاختراع‭ ‬الجيدة‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تشجيع‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬للتسهيلات‭ ‬الضريبية‭ ‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬بصورة‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬

ثانياً‭: ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحوز‭ ‬البلد‭ ‬فائضاً‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬ومهندسين‭ ‬واختصاصيين‭ ‬وتجهيزات‭ ‬ضرورية‭ ‬ورؤوس‭ ‬أموال‭ ‬كافية‭ ‬لتمويل‭ ‬هذا‭ ‬النشاط‭. ‬ويلعب‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬المتطور‭ ‬والمتشعب‭ ‬دوراً‭ ‬محورياً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬فوجود‭ ‬اليد‭ ‬العاملة‭ ‬الكفوءة‭ ‬والماهرة‭ ‬الملائمة‭ ‬لإنتاج‭ ‬السلع‭ ‬التكنولوجية‭ ‬الجديدة،‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬لقرارات‭ ‬سابقة‭ ‬حول‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬التعليم،‭ ‬ويرتبط‭ ‬ارتباطاً‭ ‬وثيقاً‭ ‬بوجود‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬البشري‭ ‬المناسب‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬المعني‭. ‬

ثالثاً‭: ‬يحتاج‭ ‬المبتكرون‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬لتسويق‭ ‬سلعهم،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يعرفوا‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬ترغب‭ ‬به‭ ‬السوق؟‭ ‬وما‭ ‬الظروف‭ ‬المؤسساتية‭ ‬والقانونية‭ ‬المتوافرة‭ ‬لعرض‭ ‬هذه‭ ‬السلع‭ ‬وبيعها؟‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬السوق‭ ‬كبيرة‭ ‬وذات‭ ‬قدرة‭ ‬استيعابية‭ ‬واسعة‭ (‬بمعنى‭ ‬القدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬العالية‭)‬،‭ ‬لأن‭ ‬السلع‭ ‬الجديدة‭ ‬المبتكرة‭ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مبتكرو‭ ‬هذه‭ ‬السلع‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬سلعهم‭ ‬هذه‭ ‬ستجد‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬شرائها،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬تتوافر‭ ‬لديهم‭ ‬هذه‭ ‬الثقة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأوا‭ ‬بالاستثمار‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬السلع‭ ‬الجديدة‭. ‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬العوامل‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الصناعية‭ ‬الغنية‭ ‬تكون‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تظهر‭ ‬فيها‭ ‬الابتكارات‭ ‬الجديدة‭. ‬

  ‬إن‭ ‬الإنفاق‭ ‬الإجمالي‭ ‬على‭ ‬أغراض‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬بلغ‭ ‬1‭.‬478‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إليه‭ ‬تقرير‭ ‬االعلم،‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والصناعة‭ - ‬2015ب‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتنمية‭ (‬OECD‭). ‬ويتضمن‭ ‬هذا‭ ‬التقرير،‭ ‬الذي‭ ‬تعده‭ ‬وتنشره‭ ‬المنظمة‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬عامين،‭ ‬تحليلاً‭ ‬للاتجاهات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬العلم‭ ‬والتعليم،‭ ‬وعلى‭ ‬تطوير‭ ‬قطاعات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ذات‭ ‬المحتوى‭ ‬التكنولوجي‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬الصناعية‭ ‬المتقدمة‭. ‬

  ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬سنوات‭ ‬طوال،‭ ‬ظلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تحتل‭ ‬الموقع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬متقدمة‭ ‬بأشواط‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬الأخرى،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬أغراض‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬433‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭. ‬وجاءت‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الموقع‭ ‬الثاني‭ (‬318‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬115‭ ‬ملياراً‭ ‬عام‭ ‬2005‭)‬،‭ ‬تليها‭ ‬اليابان‭ (‬حوالي‭ ‬150‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬متقدمة‭ ‬على‭ ‬ألمانيا‭ (‬قرابة‭ ‬70‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ (‬50‭ ‬ملياراً‭ ‬تقريباً‭). ‬

أما‭ ‬روسيا،‭ ‬البلد‭ ‬الغني‭ ‬تاريخياً‭ ‬بالعلماء‭ ‬ورأس‭ ‬المال‭ ‬البشري،‭ ‬فلم‭ ‬يتجاوز‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬24‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭. ‬

أما‭ ‬ترتيب‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوير‭ ‬إلى‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي،‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭.‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬تليها‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ (‬4‭.‬1‭ ‬في‭ ‬المائة‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬اليابان‭ (‬3‭.‬5‭ ‬في‭ ‬المائة‭)‬،‭ ‬تليها‭ ‬بلدان‭ ‬صغيرة‭ ‬نسبياً‭ ‬كفنلندا‭ ‬والسويد‭ ‬والدنمارك‭ ‬وسويسرا‭ (‬بنسب‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬3‭ ‬و3‭.‬3 في‭ ‬المائة‭). ‬أما‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬فقد‭ ‬شكلت‭ ‬نسبة‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬أغراض‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬1‭.‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬عام‭ ‬2013‭. ‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نسبة‭ ‬تمويل‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬ميزانية‭ ‬الدولة‭ ‬تبلغ‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬وقرابة‭ ‬28‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬و18‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬في‭ ‬اليابان‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬فتصل‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬40‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬مما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬ضعف‭ ‬دور‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬لاتزال‭ ‬تأخذ‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬جزءاً‭ ‬مهماً‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬

 

أين‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك؟‭ ‬

العالم‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬تصل‭ ‬فيه‭ ‬مؤشرات‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬قياسية،‭ ‬ويهدر‭ ‬ثروات‭ ‬طائلة‭ ‬على‭ ‬التقاتل‭ ‬والحروب‭ ‬الداخلية،‭ ‬ويبذر‭ ‬ثرواته‭ ‬على‭ ‬امتلاك‭ ‬أحدث‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬اليه‭ ‬العقول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬وتقنيات‭ ‬حديثة‭ ‬للتفاخر‭ ‬بالامتلاك‭ ‬وليس‭ ‬الابتكار،‭ ‬تغيب‭ ‬فيه‭ ‬الأرقام‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتطوير‭. ‬ففي‭ ‬مصر،‭ ‬مثلاً،‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الإنفاق‭ ‬نسبة‭ ‬0‭.‬68‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬وفي‭ ‬الأردن‭ ‬تصل‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬إلى‭ ‬0‭.‬2‭ ‬في‭ ‬المائة‭. ‬

ونحن‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬الأخرى،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تغيب‭ ‬كلياً‭. ‬بل‭ ‬ثمة‭ ‬أرقام‭ ‬أكثر‭ ‬سوداوية،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬حصة‭ ‬الفرد‭ ‬الواحد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬14‭ ‬دولاراً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬1200‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الأوربية‭.‬

‭ ‬لقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬المنشورة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬حوالي‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬بحث‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬ولم‭ ‬تتجاوز‭ ‬مساهمة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬فيها‭ ‬38‭.‬5‭ ‬ألف‭ ‬بحث‭ ‬فقط،‭ ‬ولم‭ ‬يسجل‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬الحديث‭ ‬سوى‭ ‬863‭ ‬براءة‭ ‬اختراع‭ (‬للمقارنة‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬سجلت‭ ‬16350‭ ‬براءة‭ ‬اختراع‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭ ‬القصير‭). ‬

فعن‭ ‬أي‭ ‬تنمية‭ ‬مستدامة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ ‬يمكن‭ ‬الحديث؟‭! .