١٠ خطوات نحو قطاع سياحة ناجح

تشكل البنى التحتية عاملا مهما في رفع قطاعات أخرى ترتبط بها بشكل وثيق، مثل الاقتصاد والسياحة، كونها تمثل البيئة المنطقية التي تترجم فيها المشاريع الطموحة. وفي عالم يشهد كثيراً من التحولات على وقع التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبح مفهوم «صناعة» مرتبطاً بقطاع السياحة، في دلالة على تنامي وتشابك الخدمات والأعمال المرتبطة بتلك الصناعة، كما تمثل مساهمة ذلك القطاع في الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول، مثل المالديف، حجة منطقية للعناية الفائقة به، حيث يشكل مدخول قطاع السياحة ما نسبته 42 في المائة، استنادا إلى أرقام مجلس السياحة والسفر العالمي لعام 2014.
أجواء مثالية للقلم والعدسة
ومن خلال تجربة شخصية في دول عدة متباينة في جغرافيتها وإمكاناتها والثقافة السائدة فيها، كانت البنى السياحية هي العامل الأبرز في إنجاز عديد من المهام الصحفية خلال مدة زمنية مكثفة وبتكاليف معقولة، حيث توفر الرحلات الجماعية التي تستغرق يوما كاملا لعديد من المواقع الأثرية والجمالية والثقافية، أجواء مثالية للقلم والعدسة والاحتكاك المباشر مع المكان والناس.
تلك التجربة المتراكمة توصلت فيها إلى خلاصات عدة، أهمها على سبيل المثال: االبلد الجيد هو الذي نستطيع اكتشافه خلال فترة قصيرةب، وقد ذكرت ذلك في سياق المقارنة بين رحلتين لماليزيا، يفصل بينهما فارق زمني يزيد على العشر سنوات، وقد حدث خلال تلك الفترة القصيرة في عمر الدول والشعوب طفرة هائلة في البنى التحتية، خصوصا في شبكة الطرق والمواصلات من حيث جودتها وسرعتها وتنوعها، الأمر الذي أثمر عنه ربط أجزاء تلك الدولة الجزيرية المترامية الأطراف وتحويل ماليزيا إلى وجهة بارزة في خريطة السياحة حول العالم.
إذاً ما هي المتطلبات الرئيسة الكفيلة بنهوض قطاع السياحة في بلدان يتوافر فيها كثير من المؤهلات كالمواقع الأثرية واعتدال الطقس والمناطق الطبيعية الخلابة، إلا أنها لا تحقق الإقبال الذي يوازي القيمة الحقيقية لتلك المؤهلات؟ الجواب قد يشمل قائمة مطالب طويلة وتفصيلية، لكنها تبدو أكثر وضوحا وتركيزا عندما تقسم إلى مرحلتين: الأولى تضم مطالب تخدم مرحلة ما قبل خروج السائح من بوابة المطار، والثانية يجدر وجودها في أثناء وجوده حتى ركوبه طائرة العودة.
إجراءات الدخول: لا يمكن تصور بلد يطلب أن يكون وجهة سياحية، وفي الوقت نفسه تصعب عملية الدخول إليه من خلال وضع الشروط والطلبات المعقدة قبل الحصول على سمة الدخول (فيزا)، أو وضع رسوم باهظة على تلك السمة، وهو ما يعني استبعاد شريحة مهمة، مثل الأسر كثيرة العدد، التي يتحرك أربابها ضمن إطار ميزانية مرهقة.
مرونة جدول الرحلات: مع تمدد مفهوم موسم السفر على معظم أيام السنة لكثرة العروض من ناحية، وتوافر العطل المناسبة من ناحية أخرى، تبدو الرحلات القصيرة مغرية لكثيرين، ويلعب جدول رحلات الطيران المرن عاملا حاسما لتخطيط رحلة سياحية سريعة تناسب مواعيد العمل والمدارس، كما يستوعب ذلك الجدول من يقررون السفر فجأة لأسباب طارئة، وتبعاً لذلك تحرص الدول السياحية على إنعاش الحركة في مطاراتها، في مؤشر على إقبال السياح عليها.
مطارات متطورة: المطار هو الشيء الأول الذي يراه ويتعامل معه السائح ويترك لديه كثيراً من الانطباعات، وأهمية الدور الذي يقوم به المطار لا تتوقف عند عامل واحد، بل هي جملة من العوامل المترابطة، نذكر منها االسعة المكانية، انسيابية إجراءات الدخول والتفتيش وتسلم الأمتعة، حسن الاستقبال، توافر اللوحات الإرشادية والمرشدين، محال الصرافة وبيع خطوط الهاتف، توافر سيارات الأجرة بمختلف أحجامهاب، وتجربة سيئة واحدة لأحد السياح في المطار كفيلة بأن تخلق دعاية سيئة يحملها ذلك السائح معه أينما ذهب.
أنظمة مالية: الدولة التي لا تتمتع بتعاملات مالية تواكب العصر ستكون خارج هذا العصر، حيث إن عديدا من الدول، وأذكر منها تايلاند على وجه الخصوص، تكثر فيها محال الصرافة ومكائن السحب الآلي للنقود، الأمر الذي ساوى بين من يفضل حمل الأموال السائلة معه أو بطاقات الائتمان أو الاثنين معاً، الأمر الذي يسهل حركة السياح ولا يوقفها.
هذا العامل، أي الأنظمة المالية، يزداد أهمية إذا ما أخذنا قطاع الاستثمار والبنوك بعين الاعتبار، حيث من الصعب جذب المستثمرين ورؤوس الأموال في بيئة تعاني التخلف التكنولوجي والمالي.
إنترنت فعال: من المستجدات الضاغطة على صناعة السياحة هو توافر شبكة إنترنت سريعة ومتصلة، إذ لا جدوى من السرعة مع خدمة متقطعة والعكس صحيح. ولكي ندرك أهمية هذا المطلب علينا أن نسأل: مَنْ منا مستعد للاستغناء عن الإنترنت في هاتفه الذكي؟ لقد أصبح السؤال الأول في الفنادق والمطاعم بعد عبارات التحية هو اما هو الرقم السري لـ الـ Wi-Fi لديكم؟ب، الأمر الآخر الذي لا يمكن تجاهله هو أهمية وجود خدمة الإنترنت للسائح لإجراء الاتصالات الدولية المجانية عبر التطبيقات الشهيرة، ودور تلك الخدمة في تحديد كثير من اختياراته.
تنوع أماكن الإقامة: التنوع كلمة سحرية في عالم السياحة، لأنها تعني فتح كثير من الخيارات التي تلائم جميع الدخول، ما يؤدي إلى استقطاب شرائح متعددة لا تستطيع السكن في فنادق الخمس والأربع نجوم، ويشمل التنوع أمورا مثل المواصلات والأسواق والمطاعم وأماكن التسلية وسلسلة طويلة من المواقع التي تجذب السياح.
تأهيل المواقع: تندرج تحت العنوان سلسلة لا تنتهي من المواقع، مثل القلاع والحصون والمتاحف والأسواق التراثية وبيوت المشاهير... إلـخ، لأنها مادة أساسية في صناعة البرامج السياحية التي تروج لها شركات ومكاتب السياحة، ولقد عاينت تجارب لتطوير بعض المواقع، مثل سوق مطرح في العاصمة العمانية مسقط، وسوق العرصة في إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكيف أصبحت تلك المواقع تزهو بالأنوار وحركة الناس من دون أن يمس التطور روح المكان وتاريخيته. ويمكن القول إن المواقع السياحية تعادل المحتوى الذي يمكن تسويقه في الخارج لجلب السياح، ومن دون ذلك المحتوى تتقلص الإجابة عن السؤال البديهي: ماذا يوجد في تلك الدولة؟
شبكة طرق ومواصلات: وجود شبكة طرق ومواصلات متطورة ومتنوعة أمر لا يمكن الاستغناء عنه لتنفيذ رحلات بعيدة عن مكان سكن السائح، الذي قد لا يستطيع تبديد مدة رحلته وهو يتنقل من مكان لآخر في رحلات طويلة. إن وجود مثل هذه الشبكة كفيل بتوزيع فوائد السياحة على مدن أخرى، مثل الرحلة التي قمت بها بالقطار السريع من شمال جزيرة تايوان إلى جنوبها، وبالطائرة من العاصمة هانوي شمالا إلى مدينة هوتشي منه جنوبا.
صناعة الكوادر: لا يمكن لقطاع السياحة أن يثب إلى مراتب الاحترافية وهو يعتمد على أساليب وأفكار قديمة في الخدمة والتسويق والتنظيم وتجارب مأخوذة من بيئات غير بيئة بلد المنشأ، ووجود كليات أو معاهد متخصصة في السياحة والفندقة أمر ضروري لرفد تلك الصناعة بكوادر مؤهلة ومدربة بشكل جيد، وفتح آفاق جديدة للشباب للعمل في قطاع حيوي يلائم سرعتهم وإقدامهم على التجديد.
الاستثمارات ودور القطاع الخاص: هل ستقوم الدولة بكل أعباء السياحة أم ستترك قسما منها للقطاع الخاص؟ قد تختلف الإجابة تبعا لاختلاف كل حالة، لأن الدول لا تتشابه، الشيء المؤكد هو أن الدولة عليها واجبات ضبط جودة الخدمات وبسط سيطرتها على المواقع التي توازي كنوزا لا يمكن التفريط فيها، وتأدية واجبها الأزلي بتوفير الأمن والمرافق المادية الأساسية. أما في الاستثمار في قطاع السياحة، فإن الدولة ملزمة بوجود قوانين تيسر مجالات العمل داخل ذلك القطاع، وهي أي الدولة تستطيع الدخول مباشرة أو عبر المساهمة في شركات وطنية للسياحة أو تنويع حضورها مرة عبر الشركات وفق قوانين السوق أو إفساح المجال للقطاع الخاص المحلي والأجنبي باستثمار وإدارة مشاريع مثل المنتجعات والفنادق والبنوك وشركات الطيران، وغيرها، مقابل دفع ضرائب توفر عادات سخية لخزينة الدولة.
في الختام، لابد من الإشارة إلى أن عامل االسمعةب الذي يتكون عبر تفاعل النقاط العشر السابقة، لا يتوقف النجاح فيه عند نقطة محددة، بل هي عملية يضيف فيها النجاح مسؤولية أكبر كل مرة، كما أن الترابط الوثيق بين تلك النقاط يتأثر بأي خلل يصيب أي طرف فيه، ولو بشكل عرضي، كما حصل مع كارثة اختفاء الطائرة الماليزية عام 2014 التي هزت صورة بلد سياحي اجتهد كثيرا في تسويق شعاره بأن اماليزيا هي آسيا الحقيقية.