تحرر المستقبل من الخلاص الغيبي في «كاشف الأسرار»

تحرر المستقبل من الخلاص الغيبي في «كاشف الأسرار»

يغفو‭ ‬الفتى‭ ‬عمر‭ ‬وهو‭ ‬يزور‭ ‬المتحف‭ ‬البريطاني،‭ ‬ويتم‭ ‬غلق‭ ‬الأبواب،‭ ‬فيحلم‭ ‬بأنه‭ ‬عاد‭ ‬للعيش‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬القديمة‭ ‬والقاهرة،‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬مشاهداته‭ ‬لمقتنيات‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭. ‬تبني‭ ‬الكاتبة‭ ‬روايتها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬بمقاربته‭ ‬بالحاضر،‭ ‬بتشوق‭ ‬وعمق‭ ‬حضاري‭ ‬وإنساني،‭ ‬ورؤية‭ ‬نقدية‭ ‬للزمنين،‭ ‬وهما‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬هزيمة،‭ ‬وكأنها‭ ‬تحلل‭ ‬بتكثيف‭ ‬وجمالية‭ ‬أدبية،‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للعقل‭ ‬والإرادة،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬تعطيلهما‭ ‬لمصلحة‭ ‬انتظار‭ ‬الحلول‭ ‬من‭ ‬الخارج،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬الذات‭.‬

التاريخ‭: ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬والمستقبل‭ ‬أيضا‭... ‬كيف؟

أكانت‭ ‬عودتنا‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬الحقيقة‭ ‬أم‭ ‬الخيال،‭ ‬فإننا‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نعود،‭ ‬أما‭ ‬لماذا‭: ‬فالجواب‭ ‬هو‭ ‬المستقبل،‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬فهم‭ ‬الحاضر‭ ‬شبيه‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬نعود‭ ‬إليها‭.‬

وهي‭ ‬عودة‭ ‬حضارية‭ ‬قومية‭ ‬وإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬ووجودية‭ ‬إذن،‭ ‬لكونها‭ ‬تعود‭ ‬للتاريخ‭ ‬عودة‭ ‬الملتزم،‭ ‬والباحث‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬والحضارة‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬قرأناه‭ ‬في‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬عادت‭ ‬إليه‭ ‬الراوية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شخصية‭ ‬عمر‭ ‬ابن‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ ‬الميلادي،‭ ‬الذي‭ ‬غزا‭ ‬فيه‭ ‬المغول‭ ‬شرقنا‭ ‬العربي‭.‬

وهي‭ ‬عودة‭ ‬للزمن‭ ‬الماضي،‭ ‬وإن‭ ‬سلكت‭ ‬الروائية‭ ‬لها‭ ‬سلوكا‭ ‬فانتازيا،‭ ‬باستخدام‭ ‬الأسلوب‭ ‬الروائي‭ ‬والسينمائي‭ ‬الذي‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬آلة‭ ‬الزمن،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬استخدم‭ ‬آخرون‭ ‬الحلم‭.‬

بمعنى‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬احتمالا‭ ‬قويا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الرواية‭ ‬رواية‭ ‬تاريخية،‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬الماضي،‭ ‬وليست‭ ‬رواية‭ ‬الآن‭ ‬باستدعاء‭ ‬الماضي‭.‬

وخلال‭ ‬هذه‭ ‬العودة‭ ‬يتحول‭ ‬الزمان،‭ ‬فنرى‭ ‬بغداد‭ ‬والقاهرة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد،‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬العصر،‭ ‬بمعماره‭ ‬وسكانه‭ ‬وأزيائه،‭ ‬وطعامه‭ ‬والشراب،‭ ‬والأسواق،‭ ‬وعادات‭ ‬اللهو‭. ‬وحين‭ ‬يدخل‭ ‬عمر‭ ‬مع‭ ‬صاحبه‭ ‬المستدعى‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬الخليفة،‭ ‬يكتسي‭ ‬الوصف‭ ‬ملامح‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬حيث‭ ‬يستعرض‭ ‬بعض‭ ‬صنوف‭ ‬الطعام‭ ‬والحلوى،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مروج‭ ‬الذهب‭ ‬ومعادن‭ ‬الجوهر‮»‬‭ ‬للمسعودي،‭ ‬وبعض‭ ‬صنوف‭ ‬الفنون‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬خيال‭ ‬الظل‭ ‬وتمثيليات‭ ‬دانيال‮»‬‭.‬

ويزور‭ ‬عمر‭ ‬مرحلة‭ ‬تهديد‭ ‬المغول‭ ‬لبغداد،‭ ‬حيث‭ ‬يشهد‭ ‬زائر‭ ‬الماضي‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬أهل‭ ‬الحكم‭ ‬تجاه‭ ‬الأخطار‭ ‬التي‭ ‬يتعرضون‭ ‬لها،‭ ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬منشغلون‭ ‬في‭ ‬اللهو‭ ‬وانتظار‭ ‬المصائر‭.‬

ولعل‭ ‬اختيار‭ ‬الأسلوب‭ ‬الفانتازي‭ ‬كان‭ ‬موفقا،‭ ‬لكونه‭ ‬أضفى‭ ‬الحيوية‭ ‬والتشويق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأحداث‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬المقارنة‭ ‬والمقاربة‭ ‬بالحاضر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭.‬

عمر‭ ‬وكريم‭ ‬وأمل‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لمتحف‭ ‬بريطاني‭ (‬وهو‭ ‬The‭ ‬Trustees‭ ‬of‭ ‬British‭ ‬Museum‭ ‬الذي‭ ‬تشكره‭ ‬الكاتبة،‭ ‬لسماحه‭ ‬لها‭ ‬باستخدام‭ ‬آلة‭ ‬كاشف‭ ‬الأسرار،‭ ‬وطبعا‭ ‬هي‭ ‬لم‭ ‬تستخدمها‭ ‬فيزيقيا،‭ ‬بل‭ ‬رمزيا‭)‬،‭ ‬يدخل‭ ‬عمر‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وعندما‭ ‬يحين‭ ‬موعد‭ ‬إغلاق‭ ‬المتحف،‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬عمر‭ ‬نفسه‭ ‬إلا‭ ‬وقد‭ ‬بقي‭ ‬داخل‭ ‬المتحف‭ ‬وحده،‭ ‬وهناك،‭ ‬عبر‭ ‬الحلم،‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر،‭ ‬وبالذات‭ ‬عام‭ ‬1241،‭ ‬وهو‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬اخترع‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬ختلخ‭ ‬الموصلي‭ ‬الفلكي‭ ‬والمنجم‭ ‬آلة‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬عمر‭ ‬نفسه‭ ‬مصاحبا‭ ‬لهذا‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومصر‭.‬

 

كاشف‭ ‬الأسرار

تمهد‭ ‬الرواية‭ ‬بعض‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الآلة،‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬عمر‭ ‬للزمن‭ ‬الماضي‭:‬

‮«‬إنها‭ ‬آلة‭ ‬لكل‭ ‬سرّ‭ ‬مستتر‭ ‬مبيح

إنها‭ ‬تكشف‭ ‬الطالع‭ ‬تنبئ‭ ‬بالغيب

تظهر‭ ‬المخفي‭ ‬وتشي‭ ‬بالحبيب

فقلت‭: ‬لو‭ ‬في‭ ‬حوزتي‭ ‬آلة‭ ‬كهذي

لأصبحت‭ ‬صاحب‭ ‬قوة‭ ‬وسلطان‭ ‬عجيب‮»‬

وهي‭ ‬تقتبس‭ ‬من‭ ‬شرح‭ ‬المتحف‭ ‬لتعرف‭ ‬بها‭:‬

‮«‬أداة‭ ‬علم‭ ‬الرمل،‭ ‬لوح‭ ‬معدني‭ ‬مصنوع‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬الأصفر‭ ‬والفضة،‭ ‬مشكّل‭ ‬بالطّرق‭ -‬‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭ - ‬الموصل‭/ ‬العراق،‭ ‬صناعة‭ ‬محمد‭ ‬بن‭ ‬ختلخ‮»‬‭.‬

وتستمر‭ ‬بالأسلوب‭ ‬نفسه،‭ ‬حيث‭ ‬تقتبس‭ ‬الأبيات‭ ‬التالية‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬‭:‬

أنا‭ ‬كاشف‭ ‬الأسرار‭ ‬في‭ ‬بدائع‭ 

من‭ ‬حكمة‭ ‬وغرائب‭ ‬وغيوب

يخفي‭ ‬اللبيب‭ ‬ضميره‭ ‬فأبينه

فكأن‭ ‬أعضائي‭ ‬خلقن‭ ‬قلوب

انظر‭ ‬إلى‭ ‬اللوح‭ ‬واحفظه‭ ‬فإن‭ ‬به‭ ‬

معنى‭ ‬من‭ ‬اللوح‭ ‬خطّ‭ ‬بالقلم

يبدي‭ ‬من‭ ‬الغيب‭ ‬أسرارا‭ ‬محجّبة‭  

كانت‭ ‬مقدرة‭ ‬من‭ ‬سالف‭ ‬القدم

 

الانتقال

أما‭ ‬لحظة‭ ‬الانتقال‭ ‬فتبدأ‭ ‬في‭ ‬السوق،‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬عمر‭ ‬العالم‭ ‬ختلخ،‭ ‬ويسمعه‭ ‬وهو‭ ‬ينادي‭ ‬على‭ ‬الزبائن‭ ‬لاستهلاك‭ ‬آلته‭:‬

يا‭ ‬صاحب‭ ‬الطالع

أنا‭ ‬الكاتب‭ ‬الحاسب‭ ‬المنجّم

أكتب‭ ‬الكتاب‭ ‬وأحكم‭ ‬الحجاب‭ ‬وأحسب‭ ‬الحساب

وأخط‭ ‬بالأقلام‭ ‬المطالب‭.‬

 

لماذا‭ ‬سقطت‭ ‬بغداد‭?‬

بانتقال‭ ‬ختلخ‭ ‬من‭ ‬السوق‭ ‬بمصاحبة‭ ‬عمر‭ (‬الزائر‭ ‬للتاريخ‭) ‬إلى‭ ‬قصر‭ ‬السلطان،‭ ‬يكون‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬المسحوق‭ ‬إلى‭ ‬النخبة‭ ‬بانشغالاتها‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الحكم‭.‬

وثمة‭ ‬منحى‭ ‬للسخرية‭ ‬في‭ ‬الوصف؛‭ ‬ففي‭ ‬ظل‭ ‬الانشغال‭ ‬بالطعام‭ ‬والشراب‭ ‬والحلوى‭ ‬والتمثيليات‭ ‬المضحكة‭ ‬المسلية،‭ ‬تكون‭ ‬‮«‬جيوش‭ ‬المغول‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬المدينة،‭ ‬وسلطاننا‭ ‬المبجّل‭ ‬يغط‭ ‬في‭ ‬نوم‭ ‬عميق‮»‬،‭ ‬يتساءل‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الحاشية‭: ‬من‭ ‬يقول‭ ‬الحقيقة؟‭ ‬ويدور‭ ‬حوار‭ ‬بين‭ ‬عمر‭ ‬والشيخ‭ ‬ختلخ‭:‬

‭- ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬منجم‭ ‬يا‭ ‬عمر‭ ‬لنتنبأ‭ ‬بالخطر‭ ‬المحدق‭ ‬بالدولة‭.‬

‭- ‬من‭ ‬هولاكو؟

‭- ‬نعم‭ ‬جيوشه‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬المدينة،‭ ‬ولا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬آلة‭ ‬لتتنبأ‭ ‬بهذا‭.‬

في‭ ‬بحث‭ ‬الخليفة‭ ‬عن‭ ‬خلاص‭ ‬ما‭ ‬بالتنجيم،‭ ‬يخبره‭ ‬ختلخ‭  ‬بأن‭ ‬‮«‬التنجيم‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬شيء‮»‬‭.‬

يترك‭ ‬ختلخ‭ ‬وعمر‭ ‬القصر،‭ ‬فيلتقي‭ ‬عمر‭ ‬ابنة‭ ‬السلطان‭ ‬جلنار‭ ‬التي‭ ‬ترفض‭ ‬الخرافات‭.‬

 

البحث‭ ‬عن‭ ‬الميكانيكا

يعلم‭ ‬الشيخ‭ ‬مصاحبه‭ ‬عمر‭ (‬الذي‭ ‬يحتمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قارئا‭ ‬أو‭ ‬قارئة‭ ‬للتاريخ،‭ ‬ولعلها‭ ‬الكاتبة‭ ‬نفسها‭) ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬3‭ ‬علماء‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬وهم‭ ‬إضافة‭ ‬له،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الجزري‭ ‬والمجريطي،‭ ‬شجعهم‭ ‬الخليفة‭ ‬الأندلسي‭ ‬على‭ ‬الاختراعات،‭ ‬حيث‭ ‬أودعوا‭ ‬علمهم‭ ‬في‭ ‬‮«‬كتاب‭ ‬الأسرار‭ ‬في‭ ‬نتائج‭ ‬الأفكار‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬إرسال‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬بغداد،‭ ‬لضمان‭ ‬وجود‭ ‬نسخة‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭. ‬وبعد‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس‭ (‬قرطبة‭) ‬قتل‭ ‬الجزري،‭ ‬أما‭ ‬هو‭ ‬فهرب‭ ‬إلى‭ ‬المغرب‭ ‬فمصر‭ ‬فالموصل‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬أما‭ ‬المجريطي‭ ‬فباع‭ ‬نفسه‭ ‬للأعداء،‭ ‬فصنع‭ ‬آلات‭ ‬حرب،‭ ‬وانشغل‭ ‬بالطلسمات‭ ‬والألغاز‭. ‬أما‭ ‬ختلخ‭ ‬فمهتم‭ ‬جدا‭ ‬بنسخة‭ ‬بغداد‭ ‬كي‭ ‬يبني‭ ‬عليها،‭ ‬وهدفه‭ ‬علمي،‭ ‬وهو‭ ‬تطوير‭ ‬الميكانيكا،‭ ‬لتصبح‭ ‬‮«‬حياتنا‭ ‬الشاقة‭ ‬أسهل‭ ‬وأقل‭ ‬قساوة‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬سرّ‭ ‬الطاقة‭ ‬المولدة‭.‬

 

لست‭ ‬عرافاً‭ ‬بل‭ ‬صانع‭ ‬آلات

في‭ ‬رحلة‭ ‬ختلخ‭ ‬وعمر‭ ‬وهروبهما‭ ‬من‭ ‬بغداد،‭ ‬تحدث‭ ‬العالم‭ ‬لعمر‭: ‬‮«‬لست‭ ‬عرافا‭ ‬بل‭ ‬عالم‭ ‬وصانع‭ ‬آلات،‭ ‬المراصد‭ ‬الفلكية‭ ‬العظيمة‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬ودمشق‭ ‬هي‭ ‬مراكز‭ ‬دراسة‭ ‬وتطوير‭ ‬أدوات‭ ‬فلكية‭ ‬ومراكز‭ ‬إنتاج‭ ‬علمي‭ ‬لصناعة‭ ‬الاسطرلابات‭ ‬والمحلقات‭ ‬والكرات‭ ‬السماوية‭ ‬النحاسية،‭ ‬والآلات‭ ‬الفلكية‭ ‬لرصد‭ ‬ورسم‭ ‬خرائط‭ ‬النجوم‭ ‬وللسماء،‭ ‬ولرسم‭ ‬خرائط‭ ‬للأرض،‭ ‬ولتحديد‭ ‬المواقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬هذه‭ ‬المعرفة‭ ‬هي‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تطور‭ ‬صناعتنا‭ ‬وزراعتنا‭ ‬وأدواتنا‭ ‬للعيش‭ ‬الكريم‭. ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬للتعلم‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‮»‬‭.‬

والاقتباس‭ ‬هنا‭ ‬له‭ ‬دلالة‭ ‬نقدية‭ ‬لما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الزمن،‭ ‬والزمن‭ ‬الحاضر‭!‬

 

إلى‭ ‬مصر

حيث‭ ‬شجرة‭ ‬الدر،‭ ‬وحيث‭ ‬الصراع‭ ‬الدموي‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬رحيل‭ ‬الملك‭ ‬الصالح‭.‬

وشجرة‭ ‬الدرّ‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يعجب‭ ‬خليفة‭ ‬بغداد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حاكمة‭ ‬لمصر،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬رد‭ ‬فعلها‭  ‬‮«‬أنا‭ ‬التي‭ ‬حاصرت‭ ‬الإفرنج‭ ‬في‭ ‬دمياط‭ ‬والمنصورة،‭ ‬وسجنت‭ ‬ملك‭ ‬الإفرنج‭ ‬لويس‮»‬‭. ‬كان‭ ‬مقصد‭ ‬ختلخ‭ ‬مقصدا‭ ‬علميا،‭ ‬فحين‭ ‬سألته‭ ‬عن‭ ‬آلة‭ ‬كاشف‭ ‬الأسرار،‭ ‬قال‭ ‬لها‭: ‬‮«‬مولاتي‭ ‬لا‭ ‬يكشف‭ ‬الأسرار‭ ‬إلا‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وأظهر‭ ‬لها‭ ‬رغبته‭ ‬ببناء‭ ‬مرصد‭ ‬علمي‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬المقطم‭.‬

وبحث‭ ‬ختلخ‭ ‬عن‭ ‬حركة‭ ‬التروس‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬لتشغيل‭ ‬الآلات،‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬ختلخ‭ ‬يفكر‭ ‬بالنهضة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬العراق‭ ‬والأندلس،‭ ‬بينما‭ ‬وجد‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬مهمومين‭ ‬بمن‭ ‬سيؤول‭ ‬له‭ ‬السلطان‭!‬

لكن‭ ‬لم‭ ‬تتح‭ ‬الفرصة‭ ‬ربما‭ ‬لشجرة‭ ‬الدرّ‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬لختلخ‭ ‬ولمصر‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية؛‭ ‬فقد‭ ‬راحت‭ ‬ضحية‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭.‬

 

تأكيد‭ ‬الرؤية‭ ‬النقدية

من‭ ‬خلال‭ ‬اقتباسات‭ ‬العالم‭ ‬ختلخ‭:‬

‮«‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬العلماء‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬المعمورة‭ ‬يُعملون‭ ‬عقولهم‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الآلات‭ ‬وفي‭ ‬علوم‭ ‬الطب‭ ‬والفلك‭ ‬والفلسفة‭ ‬وبناء‭ ‬المراصد‭ ‬العلمية‭ ‬لدراسة‭ ‬الظواهر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فقدوا‭ ‬هم‭ ‬البحث‭ ‬والشك‭ ‬والسؤال،‭ ‬واكتفوا‭ ‬بالأجوبة‭ ‬والمسلمات‭. ‬لقد‭ ‬قضيت‭ ‬عمري‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والتنقيب‭ ‬عن‭ ‬أسرار‭ ‬الكون‭ ‬والمجرات،‭ ‬وبعد‭ ‬صناعة‭ ‬الاسطرلابات‭ ‬والمزاول‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬الآلات‭ ‬العلمية،‭ ‬شغل‭ ‬الرعاة‭ ‬والخلفاء‭ ‬والأمراء‭ ‬بطلائع‭ ‬البروج‭ ‬والإيمان‭ ‬بالسحر‭ ‬والغيبيات،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يطلبني‭ ‬أحدهم‭ ‬لبناء‭ ‬مشفى‭ ‬أو‭ ‬مرصد‭ ‬أو‭ ‬صناعة‭ ‬تفيد،‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أتنبأ‭ ‬بحكم‭ ‬وبعدد‭ ‬الأعداء،‭ ‬وبكل‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الحكام‭ ‬لتثبيت‭ ‬سلطتهم‭... ‬والسلطة‭ ‬المستبدة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬السحر،‭ ‬والقليل‭ ‬من‭ ‬العلم‮»‬‭. ‬وأظن‭ ‬أن‭ ‬الكلام‭ ‬واضح‭ ‬بدلالاته‭ ‬النقدية‭.‬

لذلك‭ ‬حين‭ ‬سأله‭ ‬عمر‭ ‬عن‭ ‬قوة‭ ‬التروس،‭ ‬سرّ‭ ‬الطاقة‭ ‬المحركة،‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬‮«‬كفى‭ ‬كلاما‭ ‬عن‭ ‬السحر،‭ ‬فحان‭ ‬الوقت‭ ‬للرجوع‭ ‬إلى‭ ‬مستقبلك‮»‬‭.‬

آلة‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬تكشف‭ ‬الأسرار‭ ‬فعلا،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كشفت‭ ‬استسلام‭ ‬ليس‭ ‬العامة‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬النخبة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬التي‭ ‬تلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الأسطورة‭ ‬والتنبؤات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاطمئنان‭ ‬إلى‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬الحكم،‭ ‬فتفاجأ‭ ‬بالغزو،‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا‭. ‬لقد‭ ‬وفقت‭ ‬الكاتبة‭ ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬‭ ‬كآلة‭  ‬تمثل‭ ‬الخضوع‭ ‬لرؤية‭ ‬أسطورية‭-‬سحرية‭  ‬للمستقبل،‭ ‬صار‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬وفقها‭ ‬أسير‭ ‬الخلاص‭ ‬الغيبي،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬درب‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭  ‬فعلا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ازدهار‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية،‭ ‬حين‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬والمعرفة‭ ‬والعلوم‭. ‬وهي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نقدها‭ ‬للماضي،‭ ‬إنما‭ ‬توجه‭ ‬نقدها‭ ‬للحاضر،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬التزامها،‭ ‬وهي‭ ‬بذلك‭ ‬إيجابية‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬النهوض‭ ‬العلمي،‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬الإخلاص‭ ‬له،‭ ‬والتحرر‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التواكل‭ ‬والخضوع‭. 

 

الدائرة‭ ‬اكتملت

هذه‭ ‬الدائرة‭ ‬من‭ ‬المتحف‭ ‬وإليه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وما‭ ‬بينهما‭ ‬الزمان،‭ ‬زمن‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬الدرامية‭ ‬التاريخية‭ ‬الرمزية،‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬العالم‭ ‬ختلخ‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬ورحلته‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬والإقامة‭ ‬فيها،‭ ‬وما‭ ‬ظهر‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الحكم‭ ‬من‭ ‬تهالك‭ ‬عليه،‭ ‬وزهد‭ ‬بالعلم‭ ‬والعلماء،‭ ‬ولعلها‭ ‬هنا‭ ‬تكشف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصها‭ ‬الأدبي‭ ‬القصصي‭ ‬رؤيتها‭ ‬الفكرية‭ ‬لأسباب‭ ‬الهزيمة‭ ‬وعواملها،‭ ‬كيف‭ ‬سقطت‭ ‬بغداد‭ ‬وكيف‭ ‬تم‭ ‬تهديد‭ ‬مصر؟‭!‬

ما‭ ‬الذي‭ ‬أرادت‭ ‬هدى‭ ‬الشوا‭ ‬قوله؟‭ ‬وكيف‭ ‬قالته؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬تركته‭ ‬للقراء‭ ‬والنقاد؟

ما‭ ‬أرادت‭ ‬قوله،‭ ‬أوحت‭ ‬به‭ ‬إيحاء،‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬مشابه‭. ‬اختارت‭ ‬زمن‭ ‬هزيمتنا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬التتار‭. ‬وقدمت‭ ‬لذلك‭ ‬بدلالات‭ ‬ورسائل‭ ‬تاريخية،‭ ‬قبل‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬القرن‭ ‬الثالث‭ ‬عشر‭.‬

 

تاريخ‭ ‬دمويّ‭ ‬ونهايات‭!‬

‭- ‬هل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬نهاية‭ ‬لتاريخنا‭ ‬الدموي؟

‭- ‬المستقبل‭! ‬المستقبل‭ ‬بيديك‭ ‬يا‭ ‬عمر‭... ‬المرء‭ ‬يصنع‭ ‬قدره‭ ‬لا‭ ‬الآلات‭.‬

نهاية‭ ‬المستعصم‭: ‬وضعه‭ ‬هولاكو‭ ‬داخل‭ ‬سجادة‭ ‬وأمر‭ ‬برفسه‭ ‬بأرجل‭ ‬خيله‭ ‬حتى‭ ‬الموت‭! ‬وجلنار‭ ‬ابنة‭ ‬الخليفة‭ ‬هربت‭ ‬مع‭ ‬بقية‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬إلى‭ ‬أصفهان‭.‬

وشجرة‭ ‬الدرّ‭: ‬قتلتها‭ ‬نساء‭ ‬القصر‭.‬

هل‭ ‬من‭ ‬تذكر‭ ‬لنهايات‭ ‬لسلاطين‭ ‬آخرين؟

وهل‭ ‬هناك‭ ‬مجال‭ ‬لأخذ‭ ‬العظة‭ ‬من‭ ‬التاريخ؟‭!‬

 

رموز

ثمة‭ ‬رموز‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬النص‭:‬

القرود‭: ‬خياط‭ ‬وصائغ‭ ‬ومتذوق‭ ‬الطعام‭ ‬لكشف‭ ‬السمّ‭.‬

حير‭ ‬الوحوش،‭ ‬والتي‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬الخلفاء‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬الحيوانات،‭ ‬وهطل‭ ‬حبيبات‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬كأنها‭ ‬حجارة،‭ ‬واختفاء‭ ‬الحيوانات‭.‬

النساخون‭ ‬والخطاطون‭ ‬والمصورون‭.‬

ساكنو‭ ‬الكهف‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬يتحملوا‭ ‬نور‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬المنجمين‭ ‬الفاشلين‭.‬

حديث‭ ‬ختلخ‭ ‬عن‭ ‬الطاقات‭ ‬والأقراص‭ ‬والبكرات‭ ‬والنوافذ‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بيوت‭ ‬الطالع‭: ‬الحياة،‭ ‬والمال،‭ ‬والآباء‭ ‬والأمهات،‭ ‬والإخوة،‭ ‬والأولاد،‭ ‬والأمراض،‭ ‬والنساء،‭ ‬والموت،‭ ‬والسفر،‭ ‬والملك،‭ ‬والسعادة،‭ ‬والأعداء‭.‬

تأمل‭ ‬تلك‭ ‬الرموز‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬علاقة‭ ‬بالإدارة‭ ‬والحكم‭ ‬وفهم‭ ‬الثقافة‭ ‬ودورها‭ ‬وفلسفة‭ ‬الحياة،‭ ‬تصبح‭ ‬رموزا‭ ‬حضارية،‭ ‬يمكن‭ ‬تأويلها،‭ ‬وبحث‭ ‬إسقاطاتها‭ ‬على‭ ‬عصرنا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ربطها‭ ‬بالرؤية‭ ‬النقدية‭ ‬ظاهريا‭ ‬لدى‭ ‬ختلخ،‭ ‬وعميقا‭ ‬لدى‭ ‬الكاتبة‭.‬

 

تناصّ‭ ‬لغوي‭ ‬وحضاريّ

هنا‭ ‬نذكر‭ ‬ما‭ ‬اقتبسته‭ ‬مما‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬صحن‭ ‬الفخار‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬المتحف‭:‬

وعاجز‭ ‬الرأي‭ ‬مضياع‭ ‬لفرصته‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬فاته‭ ‬أمر‭ ‬عاتب‭ ‬القدر‭.‬

وحين‭ ‬نربطه‭ ‬بما‭ ‬اقتبسته‭ ‬الكاتبة‭ ‬ومهدت‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهو‭ ‬قول‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر‭ ‬لبروتس‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الكتاب‭:‬

The fault‭ , ‬dear‭ ‬Brutus‭, ‬is not our stars‭, ‬but in ourselves‭.‬

تكون‭ ‬أسباب‭ ‬الهزيمة‭ ‬وفقا‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬‭: ‬فساد‭ ‬الحكم‭ ‬والاقتتال‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المناصب‭ ‬والمكاسب،‭ ‬والانحطاط‭ ‬الثقافي‭ ‬والفني‭ (‬الفن‭ ‬للضحك‭ ‬لا‭ ‬للرسالة‭) ‬والعلمي‭ ‬والانشغال‭ ‬بالكلام،‭ ‬فساد‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬يزين‭ ‬للحكام‭ ‬سوء‭ ‬الإدارة‭ ‬والحكم،‭ ‬المجريطي‭ ‬مثالا،‭ ‬والانحطاط‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والنظرة‭ ‬النمطية‭ ‬الدونية‭ ‬للمرأة،‭ ‬وعدم‭ ‬التخطيط‭ ‬للمستقبل‭.‬

إنها‭ ‬حالة‭ ‬الاستسلام‭ ‬وانتظار‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يأتي،‭ ‬وهي‭ ‬الحالة‭ ‬الانفعالية‭ ‬لا‭ ‬الفاعلية،‭ ‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يقصد‭ ‬‮«‬كاشف‭ ‬الأسرار‮»‬‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ومن‭ ‬يلجأ‭ ‬للعرافين‭ ‬والمنجمين‭ ‬اليوم،‭ ‬ويدخل‭ ‬ضمن‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬أسرى‭ ‬فكرة‭ ‬الخلاص‭ ‬الغيبي‭.‬

ويمكن‭ ‬للقراء‭ ‬والقارئات‭ ‬استشفاف‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى،‭ ‬تنطبق‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬أيضا‭.‬

لذلك‭ ‬ليس‭ ‬عجيبا‭ ‬توقف‭ ‬النهضة‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬القديمة،‭ ‬وإصابة‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬إصابة‭ ‬بالغة‭ ‬صرفتها‭ ‬عن‭ ‬مواصلة‭ ‬النهوض‭ ‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬استعاضت‭ ‬بالغيبيات‭ ‬والتواكل‭ ‬والاستهلاك‭ ‬عن‭ ‬العقل‭ ‬والعلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬

 

التاريخ‭... ‬الماضي‭ ‬والحاضر‭ ‬والمستقبل

لقد‭ ‬هزتنا‭ ‬هدى‭ ‬الشوا‭ ‬بعمق،‭ ‬من‭ ‬داخلنا،‭ ‬ووضعتنا‭ ‬أمام‭ ‬مسؤولياتنا‭ ‬وأمام‭ ‬المستقبل‭ ‬واستحقاقاته‭ ‬القومية‭ ‬والحضارية‭ ‬والإنسانية،‭ ‬والوجود‭. ‬وتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬لوحة‭ ‬الغلاف،‭ ‬بوجود‭ ‬الطفل‭ ‬كعنصر‭ ‬أساسي‭ ‬فيها،‭ ‬ينظر‭ ‬تجاه‭ ‬الناظرين،‭ ‬إنما‭ ‬يعني‭ ‬المستقبل‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ابتدأنا‭ ‬به‭ ‬الحديث،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬العودة‭ ‬للماضي‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬نقده‭ ‬ونقد‭ ‬الحاضر،‭ ‬فسيطول‭ ‬إنتاج‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬الحاضر،‭ ‬والحاضر‭ ‬في‭ ‬الماضي،‭ ‬ولن‭ ‬نحرر‭ ‬المستقبل‭ ‬منهما‭ ‬‭.