ختام الدورة الـ 70 لمهرجان «كان» السينمائي الدولي قطاف ثري، لكن خارج المسابقة الرسمية

ختام الدورة الـ 70  لمهرجان «كان» السينمائي الدولي  قطاف ثري، لكن خارج المسابقة الرسمية

انتهت الدورة الـ 70 من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، التي أُقيمت في ظل إجراءات أمنية مشدّدة، مخافة تعرّض المدينة ومهرجانها لاعتداء إرهابي على شاكلة ما حدث في مدن أوربية أُخرى، وكانت ذكرى حادثة الاعتداء التي وقعت قبل شهور في مدينة «نيس» المتاخمة لـ «كان» لاتزال طريّة في الأذهان، لذا عملت المدينة وأجهزة الأمن فيها على توفير أجواء وتضاريس تُعقّدُ الوضع على من يخطر بباله الإتيان بأيّ مغامرة اعتدائية أو إرهابية، وقد ترك ذلك كلُّه تأثيرات نفسية وتأخيراً في العروض تحدثُ للمرة الأولى في تاريخ هذا المهرجان.

لكن‭ ‬مقادير‭ ‬شكوى‭ ‬ولوم‭ ‬النقّاد‭ ‬تضاءلت‭ ‬بمرور‭ ‬الأيام،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬التأخير‭ ‬والتدقيق‭ ‬في‭ ‬تفتيش‭ ‬الحقائب‭ ‬والكشف‭ ‬الجسدي‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الاعتياد‭ ‬اليومي‭ ‬المقبول،‭ ‬لاسيّما‭ ‬أن‭ ‬هدف‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬وسلامة‭ ‬آلاف‭ ‬الناس‭ ‬المتجمهرين‭  ‬بالمدينة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭.‬

سينمائياً،‭ ‬انتهى‭ ‬المهرجان‭ ‬بفوز‭ ‬فيلم‭ ‬االمربّعب‭ ‬للمخرج‭ ‬السويدي‭ ‬روبين‭ ‬أوستلوند‭ ‬بالسعفة‭ ‬الذهبية،‭ ‬فيما‭ ‬ذهبت‭ ‬اجائزة‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬الخاصةب‭ ‬إلى‭ ‬المخرج‭ ‬الفرنسي‭ (‬مغربي‭ ‬الميلاد‭) ‬روبين‭ ‬كامبيلّو‭ ‬عن‭ ‬فيلمه‭ ‬ا120‭ ‬نبضة‭ ‬في‭ ‬الدقيقةب‭. ‬

وجاءت‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬أقرّتها‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬الدولي‭ ‬للدورة‭ ‬السبعين‭ ‬لمهرجان‭ ‬كان‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي‭ ‬التي‭ ‬ترأسها‭ ‬المخرج‭ ‬الإسباني‭ ‬بيدور‭ ‬آلمودوفار‭ ‬متناسقة‭ ‬مع‭ ‬التوقّعات‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬ومحدود‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬المعروضة‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭.‬

وإذا‭ ‬استُثني‭ ‬إقصاء‭ ‬المخرج‭ ‬البيلاروسي‭ ‬سيرغي‭ ‬لوشنييتسا‭ ‬وفيلمه‭ ‬االكائن‭ ‬الطيّبب‭ ‬والمخرجة‭ ‬اليابانية‭ ‬ناوومي‭ ‬كاواسي‭ ‬وفيلمها‭ ‬اصوب‭ ‬النورب،‭ ‬عن‭ ‬منصّة‭ ‬الجوائز،‭ ‬وتم‭ ‬منح‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬إخراج‭ ‬إلى‭ ‬المخرجة‭ ‬الأمريكية‭ ‬صوفيا‭ ‬كوپولا‭ ‬عن‭ ‬فيلمها‭ ‬The Beguiled  (‬المتسلّق‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬أقلّ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توصف‭ ‬به‭ ‬قرارات‭ ‬لجنة‭ ‬آلمودوفار‭ ‬أنها‭ ‬جريئة،‭ ‬معتدلة‭ ‬ومتناسقة‭ ‬مع‭ ‬التوقّعات‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬أجواء‭ ‬المهرجان،‭ ‬وبالذات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بفيلم‭ ‬االمربّعب‭ ‬للمخرج‭ ‬أوستلوند،‭ ‬الذي‭ ‬احتل‭ ‬منذ‭ ‬ساعة‭ ‬عرضه‭ ‬مواقع‭ ‬المقدّمة‭ ‬في‭ ‬التنافس‭ ‬على‭ ‬السعفة‭ ‬الذهبية،‭ ‬التي‭ ‬نالها‭ ‬عن‭ ‬استحقاق‭ ‬وجدارة‭.‬

وكما‭ ‬كان‭ ‬مُتوقّعاً،‭ ‬فقد‭ ‬نال‭ ‬المخرج‭ ‬الروسي‭ ‬آندري‭ ‬زفياجينتسيف‭ ‬جائزة‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬عن‭ ‬فيلمه‭ ‬ابغضاءب،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أقوى‭ ‬المرشّحين‭ ‬للسعفة‭ ‬الذهبية‭.‬

وبالإمكان‭ ‬الجزم‭ ‬بأن‭ ‬المخرج‭ ‬روبين‭ ‬كامبيلّو‭ ‬بفيلمه‭ ‬ا120‭ ‬نبضة‭ ‬في‭ ‬الدقيقةب،‭ ‬لم‭ ‬يسرق‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أيَّ‭ ‬شيء‭ ‬عندما‭ ‬قلّده‭ ‬آلمودوفار‭ ‬وزملاؤه‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬الدولية‭ ‬اجائزة‭ ‬لجنة‭ ‬التحكيم‭ ‬الخاصةب،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬قيام‭ ‬الجمهور‭ ‬في‭ ‬الصالة‭ ‬وتصفيقه‭ ‬المتواصل‭ ‬لدقائق‭ ‬إلاّ‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬استحواذ‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬ومخرجه‭ ‬وفريق‭ ‬ممثّليه،‭ ‬على‭ ‬إعجاب‭ ‬مُستَحَق‭ ‬وتقدير‭ ‬كبير‭ ‬لأداء‭ ‬الممثلين‭ ‬ولسمو‭ ‬الفكرة‭ ‬التي‭ ‬يتناولها،‭ ‬وهي‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬إشاحة‭ ‬البصر‭ ‬عن‭ ‬البشر‭ ‬فقط‭ ‬لاختلافهم،‭ ‬وحق‭ ‬المريض‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬التعرّض‭ ‬إلى‭ ‬الإقصاء،‭ ‬والتعرّف‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬وخطورة‭ ‬المرض‭ ‬المصاب‭ ‬به‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬العلاج‭ ‬المناسب،‭ ‬والخلاص‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬شركات‭ ‬إنتاج‭ ‬الأدوية‭. ‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الحصر‭ ‬غير‭ ‬المفهوم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المخرج،‭ ‬لحكاية‭ ‬الفيلم‭ ‬المركزية‭ ‬عن‭ ‬شابّين‭ ‬مصابين‭ ‬بالإيدز،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬الذكور‭ ‬فقط،‭ ‬وتناوله‭ ‬الموضوع‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬ذكورية‭ ‬فحسب،‭ ‬كأن‭ ‬الذكور‭ ‬وحدهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يُصابون‭ ‬بهذا‭ ‬الوباء،‭ ‬فإن‭ ‬كامبيلّو‭ ‬لم‭ ‬ينزعْ‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬مانيفيستو‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي،‭ ‬بل‭ ‬مرّ‭ ‬على‭ ‬موضوعة‭ ‬االحب‭ ‬المِثليب‭ ‬وعلى‭ ‬وباء‭ ‬الإيدز‭ ‬بموضوعية‭ ‬وبنبرة‭ ‬هادئتين‭ ‬بعيدتين‭ ‬عن‭ ‬الانحياز‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬للقضيّة‭. ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينسى‭ ‬موضوعة‭ ‬االموت‭ ‬الرحيمب‭ ‬التي‭ ‬تحتل‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وفي‭ ‬أوربا‭ ‬بالذات،‭ ‬موقعاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬السجال‭ ‬المجتمعي‭ ‬والسياسي‭ ‬والأيديولوجي‭.‬

 

جائزتا‭ ‬التمثيل‭ ‬في‭ ‬مكانيهما

وبرغم‭ ‬ازدحام‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬عُرضت‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬بالممثّلين‭ ‬والممثلات،‭ ‬فإن‭ ‬جائزتي‭ ‬أفضل‭ ‬ممثلة‭ ‬وأفــــضل‭ ‬ممثـــل‭ ‬مُنحتا‭ ‬إلى‭ ‬بطلي‭ ‬فيلمي‭ (‬in the fed‭) ‬للـــــتركي‭ ‬فاتح‭ ‬آكين،‭ ‬دايان‭ ‬كروغيير،‭ ‬وإلى‭ ‬جواكين‭ ‬فوينيــــكس‭ ‬بطل‭ ‬فيلم‭ ‬اأنت‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هــــــناك‭ ‬أبــــداًب‭ ‬للبريطانيّة‭ ‬لين‭ ‬رامسي،‭ ‬وتمكّن‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كروغيير‭ ‬وفوينيكس‭ ‬من‭ ‬الفوز‭ ‬على‭ ‬منافسات‭ ‬قويّة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ممثلين‭ ‬وممثلات‭ ‬أدوا‭ ‬أدوارهم‭ ‬بشكل‭ ‬رائع‭.‬

وحاز‭ ‬فيلم‭ ‬لين‭ ‬رامسي‭ ‬أيضاً‭ ‬جائزة‭ ‬أفضل‭ ‬سيناريو،‭ ‬والذي‭ ‬كتبته‭ ‬المخرجة‭ ‬نفسها‭. ‬ومُنحت‭ ‬هذه‭ ‬الجائزة‭ ‬إلى‭ ‬رامسي‭ ‬مُناصفة‭ ‬مع‭ ‬سيناريو‭ ‬فيلم‭ ‬اThe Killing of a sacred deerب‭ ‬لليوناني‭ ‬يورغوس‭ ‬لانثيموس،‭ ‬والذي‭ ‬كتبه‭ ‬المخرج‭ ‬برفقة‭ ‬آفثيميس‭ ‬فيليبّوو‭.‬

وقد‭ ‬ندرت‭ ‬الأسماء‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الجوائز،‭ ‬إذْ‭ ‬لم‭ ‬تذهب‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الجائزة‭ ‬القابلة‭ ‬للاعتراض‭ ‬عليها‭ ‬إلى‭ ‬صوفيا‭ ‬كوبّولا،‭ ‬والأخرى،‭ ‬المستحقّة،‭ ‬وجائزة‭ ‬التمثيل‭ ‬الرجالي‭ ‬إلى‭ ‬جواكين‭ ‬فوينيكس‭ ‬في‭ ‬فيلم‭ ‬مخرجة‭ ‬بريطانيّة‭.‬

وخلت‭ ‬القائمة‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬أفلام‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬الآسيوي،‭ ‬إذْ‭ ‬ذهبت‭ ‬غالبية‭ ‬الجوائز‭ ‬إلى‭ ‬السينما‭ ‬الأوربية،‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬بالقسط‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الحضور‭ ‬داخل‭ ‬البرنامج‭ ‬الرسمي‭ ‬للمهرجان‭.‬

ما‭ ‬ميّز‭ ‬اختيارات‭ ‬المدير‭ ‬الفني‭ ‬لبرنامج‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬هو‭ ‬ضآلة‭ ‬عدد‭ ‬الأفلام‭ ‬الجيّدة،‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬ستظل‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الجمهور،‭ ‬إذْ‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬عدد‭ ‬الأفلام‭ ‬الجيّدة‭ ‬50‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الاختيارات‭ ‬للبرنامج‭ ‬الرسمي،‭ ‬وبالذات‭ ‬فيما‭ ‬يتعلّق‭ ‬بفيلمي‭ ‬الافتتاح‭ ‬والختام،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬للفيلم‭ ‬الفرنسي‭ ‬اأشباح‭ ‬إسماعيلب‭ ‬للفرنسي‭ ‬آرنو‭ ‬ديپليشان‭ ‬أيّما‭ ‬يؤهله‭ ‬لشرف‭ ‬افتتاح‭ ‬الدورة‭ ‬السبعين‭ ‬إلاّ‭ ‬كونه‭ ‬فيلماً‭ ‬فرنسياً،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اختيار‭ ‬فيلم‭ ‬اDصaprès una histoire vraiب‭ ‬ومنحه‭ ‬صولجان‭ ‬اختتام‭ ‬الدورة‭ ‬الاحتفالية‭ ‬السبعين،‭ ‬إلاّ‭ ‬محاولة‭ ‬لامتلاك‭ ‬اسم‭ ‬وشهرة‭ ‬مخرج‭ ‬كبير‭ ‬مثل‭ ‬رومان‭ ‬بولانسكي‭.‬

المهرجان‭ ‬وحال‭ ‬الإنتاج

إذا‭ ‬كانت‭ ‬نتائج‭ ‬الأندية‭ ‬الأبطال‭ ‬لكرة‭ ‬القدم،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬رياضة‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحيان،‭ ‬دليلاً‭ ‬على‭ ‬حال‭ ‬تلك‭ ‬الرياضة‭ ‬ومن‭ ‬يُهيمن‭ ‬عليها‭ ‬باللعب‭ ‬والنتائج،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬باختصار‭ ‬حال‭ ‬تلك‭ ‬اللعبة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموسم‭ ‬المُحدّد،‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬نهائي‭ ‬كأس‭ ‬الأبطال‭ ‬الأخير‭ ‬بهيمنة‭ ‬ريال‭ ‬مدريد‭ ‬الإسباني‭ ‬على‭ ‬البطولة‭ ‬من‭ ‬بدايتها‭ ‬وحتى‭ ‬نهايتها‭ ‬التي‭ ‬ألحق‭ ‬فيها‭ ‬بـ‭ ‬ايوفنتوسب‭ ‬الإيطالي‭ ‬هزيمة‭ ‬ماحقة‭ ‬بأربعة‭ ‬أهداف‭ ‬مقابل‭ ‬هدف‭ ‬واحد‭. ‬

وبالإمكان‭ ‬مقاربة‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬حقل‭ ‬من‭ ‬حقول‭ ‬الإنتاج،‭ ‬صناعياً‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬إبداعياً،‭ ‬وفي‭ ‬حقل‭ ‬السينما‭ ‬بالتحديد،‭ ‬الذي‭ ‬يتأثر‭ ‬بوضوح‭ ‬جلي‭ ‬بكون‭ ‬إنتاج‭ ‬سنة‭ ‬معيّنة‭ ‬ثراً‭ ‬أو‭ ‬غثاً،‭ ‬بالضبط‭ ‬كما‭ ‬الحقل‭ ‬الذي‭ ‬يُنتج‭ ‬زرعاً،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬مرّة‭ ‬أنتج‭ ‬حقلٌ‭ ‬ثري،‭ ‬زرعاً‭ ‬غثاً‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬السنين‭!‬

وليست‭ ‬مهرجانات‭ ‬السينما‭ ‬الأساسيّة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كمهرجان‭ ‬اكانب‭ ‬وافينيسياب‭ ‬وابرلينب‭ ‬والوكارنوب‭ ‬وادبيب‭ ‬وفي‭ ‬مقدّمها‭ ‬مهرجان‭ ‬اكانب‭ ‬السينمائي‭ ‬الدولي،‭ ‬إلاّ‭ ‬بمنزلة‭ ‬الـ‭ ‬افاترينةب‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬إنتاج‭ ‬السنة،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬تعرضه‭ ‬من‭ ‬اختيارات‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬إلاّ‭ ‬قطافاً‭ ‬لذلك‭ ‬الموسم،‭ ‬فإذا‭ ‬جاءت‭ ‬الخيارات‭ ‬في‭ ‬مسابقة‭ ‬هذا‭ ‬المهرجان‭ ‬ثريّة،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الموسم‭ ‬سيكون‭ ‬ثراً‭ ‬بالأفلام‭ ‬المهمة‭ ‬والجميلة‭. ‬

وقد‭ ‬يصحّ‭ ‬العكس‭ ‬أيضاً،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬الدوام‭. ‬فلحسن‭ ‬حظ‭ ‬السينما‭ ‬والسينمائيين،‭ ‬فإن‭ ‬مسابقات‭ ‬المهرجانات‭ ‬الكبيرة‭ ‬لا‭ ‬تُشكّل‭ ‬إلاّ‭ ‬جزءاً‭ ‬ضئيلاً‭ ‬ممّا‭ ‬يُنجزه‭ ‬السينمائيون‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬المعمورة،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تأتي‭ ‬الاختيارات‭ ‬المكوّنة‭ ‬للمسابقات‭ ‬والبرامج‭ ‬المُلحقة‭ ‬بالمهرجان‭ ‬أكثر‭ ‬ثراءً‭ ‬وجمالاً‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬الممسابقة‭ ‬الرسمية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تكرّر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنة‭ ‬أيضاً‭ ‬بالدورة‭ ‬السبعين،‭ ‬إذا‭ ‬جاءت‭ ‬أفلام‭ ‬البرنامج‭ ‬المُلحق‭ ‬انظرة‭ ‬ماب‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أفلام‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬خياراتها‭ ‬يستحق‭ ‬الحضور‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬أو‭ ‬مرور‭ ‬نجومها‭ ‬على‭ ‬السجادة‭ ‬الحمراء‭.‬

وكعادتهما،‭ ‬أضافت‭ ‬تظاهرتا‭ ‬انصف‭ ‬شهر‭ ‬المخرجينب‭ ‬ومسابقة‭ ‬اأسبوع‭ ‬النقّادب‭ ‬إضاءات‭ ‬جميلة‭ ‬سيكون‭ ‬لمخرجيها‭ ‬حضور‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬المستقبل،‭ ‬ويتساءل‭ ‬كثيرون‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬إقصاء‭ ‬عدد‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬الأفــــلام‭ ‬الجيّدة‭ ‬عن‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬البرامج‭ ‬الأخــــرى‭ ‬الجانبية،‭ ‬وبالذات‭ ‬برنامج‭ ‬انظرة‭ ‬ماب‭ ‬الذي‭ ‬يُقرّر‭ ‬اختياراته‭ ‬المدير‭ ‬الفني‭ ‬للمهرجان‭ ‬تييري‭ ‬فريمو‭ ‬بنفسه‭! ‬

وللرد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل،‭ ‬ثمة‭ ‬إجابات‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بمقدور‭ ‬لجنة‭ ‬اختيار‭ ‬أفلام‭ ‬المسابقة‭ ‬تجاهل‭ ‬أو‭ ‬مراوغة‭ ‬الضغوط‭ ‬المُمارسة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬شركات‭ ‬التوزيع‭ ‬والإنتاج‭ ‬لإدخال‭ ‬أفلامها‭ ‬إلى‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬بالتغطــــية‭ ‬الإعلامية‭ ‬الأوسع،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أسماء‭ ‬وكُنيات‭ ‬المخرجين‭ (‬كباراً‭ ‬كانوا‭ ‬أم‭ ‬شباباً‭) ‬تُحدّد‭ ‬الكــــثــــير‭ ‬من‭ ‬الاخــــتيارات،‭ ‬وإلاّ‭ ‬ما‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬فيلم‭ ‬صوفيا‭ ‬كوبولا‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭ ‬واختير‭ ‬شريط‭ ‬رومان‭ ‬بولانسكي‭ ‬كفيلم‭ ‬اختتام‭ (‬خارج‭ ‬المسابقة‭) ‬للمهرجان،‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬لقب‭ ‬الأولى‭ ‬اكوبّولاب،‭ ‬وأن‭ ‬لــقب‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬ابولانسكيب؟

وبالإمكـــان‭ ‬إدراج‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬التــــي‭ ‬لم‭ ‬تنل‭ ‬شرف‭ ‬العرض‭ ‬في‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭.‬

ثمانون‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬البشر

بينما‭ ‬عجز‭ ‬بولانسكي‭ ‬عن‭ ‬إثارة‭ ‬اهتمام‭ ‬جمهور‭ ‬النقّاد،‭ ‬ومرّ‭ ‬فيلمه‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬الجوائز،‭ ‬فإن‭ ‬قامة‭ ‬سينمائية‭ ‬كبيرة‭ ‬أخرى‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان،‭ ‬وفاعليته‭ ‬الحيوية،‭ ‬لا‭ ‬يقاسان‭ ‬بمقدار‭ ‬السنين‭ ‬المسجلة‭ ‬في‭ ‬بطاقة‭ ‬الهويّة‭ ‬الشخصية،‭ ‬وتلك‭ ‬هي‭ ‬النجمة‭ ‬البريطانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬فانيسّا‭ ‬ريدغريف‭ ‬التي‭ ‬قدّمت‭ ‬فيلمها‭ ‬االوثائق‭ ‬عن‭ ‬مأساة‭ ‬اللاجئين‭ ‬والمهاجرينب،‭ ‬خارج‭ ‬المسابقة‭ ‬الرسمية‭. ‬

وبالتأكيد‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬اليسير‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يُنجز‭ ‬فيلماً‭ ‬وثائقياً‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬قدّمه‭ ‬فيلم‭ ‬انار‭ ‬في‭ ‬البحرب‭ ‬لجانفراكو‭ ‬روزي‭ ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬بـ‭ ‬ادب‭ ‬برلين‭ ‬الذهبيب،‭ ‬وأُدرج‭ ‬ضمن‭ ‬الخمسة‭ ‬المرشّحين‭ ‬لأفضل‭ ‬وثائقي‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬الأوسكار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العام،‭ ‬حيث‭ ‬تمكّن‭ ‬هذا‭ ‬المخرج‭ ‬المتميّز‭ ‬من‭ ‬اختزال‭ ‬دراما‭ ‬العصر‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬ساعتين‭ ‬من‭ ‬التناول‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬مثل‭ ‬لكمة‭ ‬عنيفة‭ ‬في‭ ‬عنق‭ ‬المعدة،‭ ‬وصفعة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يتعاملون‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬الهجرة‭ ‬واللاجئين‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أمني‭ ‬بحت‭.‬

وكان‭ ‬لابد‭ ‬لمن‭ ‬يتناول‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وبعد‭ ‬سنة‭ ‬واحدة‭ ‬فحسب‭ ‬من‭ ‬فيلم‭ ‬انارٌ‭ ‬في‭ ‬البحرب،‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬جديداً‭ ‬متميزاً‭. ‬وهل‭ ‬كنّا‭ ‬ننتظر‭ ‬من‭ ‬قامة‭ ‬رفيعة‭ ‬مثل‭ ‬النجمة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فانيسّا‭ ‬ريدغريف،‭ ‬إلاّ‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جديد‭ ‬ومتميّز؟

جاء‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬السيدة‭ ‬ريدغريف‭ ‬بفيلمها‭ ‬الوثائقي‭ ‬اوجع‭ ‬البحرب‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الدورة‭ ‬السبعين‭ ‬للمهرجان‭ ‬متميّزاً،‭ ‬واستقى‭ ‬تميّزه،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬نوعية‭ ‬الفيلم،‭ ‬بل‭ ‬ممّا‭ ‬وضعته‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬عبر‭ ‬طاقتها‭ ‬التعريفية‭ ‬والتحريضية‭ ‬الفائقة‭. ‬

ريدغريف،‭ ‬المعروفة‭ ‬بمواقفها‭ ‬اليسارية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الجليّة،‭ ‬لم‭ ‬تُعرْ‭ ‬الصورة‭ ‬أو‭ ‬المونتاج‭ ‬والموسيقى‭ ‬أيّما‭ ‬اهتمام‭ ‬استثنائي،‭ ‬بل‭ ‬وضعت‭ ‬نفسها،‭ ‬بحضورها‭ ‬المباشر،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المتفرّج‭ ‬كشاهد‭ ‬على‭ ‬الحدث‭ ‬وباحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬واستحثّت‭ ‬الكثيرين،‭ ‬من‭ ‬سياسيّين‭ ‬وناشطين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اللجوء‭ ‬والهجرة‭ ‬للإدلاء‭ ‬بشهاداتهم‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حقيقة‭ ‬دامغة،‭ ‬وهي‭ ‬أنّ‭ ‬امن‭ ‬يُهاجر‭ ‬ويلجأ‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬أخرى،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ليُغادر‭ ‬أرضه‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬الآخرين،‭ ‬والغرب‭ ‬بالتحديد،‭ ‬أطلقوا‭ ‬عنان‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلادب‭.‬

مكافحةً،‭ ‬كما‭ ‬عرفناها،‭ ‬لم‭ ‬تستكن‭ ‬فانيسّا‭ ‬ريدغريف‭ ‬إلى‭ ‬دفء‭ ‬الأرائك‭ ‬لتُريح‭ ‬عظامها‭ ‬من‭ ‬وهن‭ ‬السنين‭ ‬الثمانين‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬بل‭ ‬استجابت‭ ‬لطلب‭ ‬ابنها‭ ‬ماركو‭ ‬غابرييلي‭ ‬نيرو،‭ ‬وانتعلت‭ ‬الجزمة‭ ‬الشتائية‭ ‬ووضعت‭ ‬شالها‭ ‬على‭ ‬الكتفين،‭ ‬وزارت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬زيارته‭ ‬من‭ ‬مخيّمات‭ ‬اللجوء‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مخيّم‭ ‬اكالييهب‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬فرنسا،‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬احتشاد‭ ‬أعداد‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬الذين‭ ‬انغلقت‭ ‬عليهم‭ ‬بوابات‭ ‬أوربا،‭ ‬برُغم‭ ‬توافر‭ ‬مستلزمات‭ ‬اللجوء‭ ‬لدى‭ ‬كثيرين‭ ‬منهم‭. ‬

وبرغم‭ ‬أنّ‭ ‬ريدغريف‭ ‬لم‭ ‬تستثن‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين‭ ‬من‭ ‬اهتمامها،‭ ‬فقد‭ ‬اعتبرت‭ ‬تجاهل‭ ‬أوربا‭ ‬مأساة‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬والقاصرين‭ ‬الذين‭ ‬تكتظ‭ ‬بهم‭ ‬مخيّمات‭ ‬اللجوء،‭ ‬فضيحة‭ ‬كبرى‭ ‬تُبرز‭ ‬عجز‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬الكبرى،‭ ‬لأنه،‭ ‬ببساطة،‭ ‬يعجز‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات‭ ‬المبثورة‭ ‬في‭ ‬أصقاع‭ ‬العالم‭ ‬بأسره‭ .