مغامرة السرديّة النسائية... حول هُويّة المرأة وجنس الرواية

مغامرة السرديّة النسائية... حول هُويّة المرأة وجنس الرواية

تتكئ‭ ‬المجتمعات‭ ‬على‭ ‬‮«‬اللغة‮»‬‭ ‬باعتبارها‭ ‬سلطةً‭ ‬عليا‭ ‬وسلاحا‭ ‬فتّاكا‭ ‬لمواجهة‭ ‬الخارجين‭ ‬أو‭ ‬المارقين‭ ‬أو‭ ‬المرتدّين،‭ ‬اجتماعيا‭ ‬أو‭ ‬دينيا‭ ‬أو‭ ‬سياسيا‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجيا،‭ ‬وهي‭ ‬تستخدم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أسلحتها‭ ‬المعدّة‭ ‬سلفا،‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬والعنصرية‭ ‬والتحزّب؛‭ ‬وذلك‭ ‬لأن‭ ‬أغلب‭ ‬المجتمعات‭ ‬التقليدية‭ ‬تمتاح‭ ‬من‭ ‬بنية‭ ‬مجتمعية‭ ‬هرمية‭ ‬الشكل،‭ ‬ذكورية‭ ‬الطابع‭ ‬واللغة،‭ ‬بطرياركية‭ ‬الوعي‭ ‬والسلوك،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬السيطرة‭ ‬والإخضاع‭ ‬والاستغلال‭ ‬والتمويه،‭ ‬بهدف‭ ‬دفع‭ ‬المارقين‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الصمت‭ ‬أو‭ ‬حبسهم‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬الظل‭ ‬أو‭ ‬بقعة‭ ‬التهميش‭ ‬المرسومة‭ ‬لهم‭ ‬سلفا‭ ‬بعناية‭ ‬ومكر‭ ‬فائقين‭. ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬تمتلك‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬ذخيرتها‭ ‬المعجمية‭ ‬العريضة‭ ‬التي‭ ‬تؤدّي‭ ‬وظيفة‭ ‬السهام‭ ‬اللفظية‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬أفواه‭ ‬المهرة‭ ‬من‭ ‬أرباب‭ ‬الكلام‭ ‬والأقلام‭ ‬والقراطيس،‭ ‬باتجاه‭ ‬الأقليات‭ ‬والمستضعَفين‭. ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬المارق‭ ‬أو‭ ‬الآبق‭ ‬رجلا،‭ ‬فما‭ ‬بالك‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬امرأة؟‭! ‬

في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬سوف‭ ‬تهبط‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬كل‭ ‬القوالب‭ ‬الجاهزة‭ ‬في‭ ‬معجم‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬فهي‭ ‬إما‭: ‬‮«‬عاطفية‭ ‬غريرة‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ثرثارة‭ ‬لا‭ ‬تحتفظ‭ ‬بسر‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ضعيفة‭ ‬لا‭ ‬تصلح‭ ‬للإدارة‭ ‬أو‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬اتّكالية‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دمية‭ ‬جميلة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬ناقصة‭ ‬عقل‭ ‬ودين‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬امرأة‭ ‬لعوب‮»‬،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬التي‭ ‬يجود‭ ‬بها‭ ‬المجتمع‭ ‬على‭ ‬النساء،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الهزل‭ ‬حينا‭ ‬أو‭ ‬الجد‭ ‬حينا‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬سياقات‭ ‬لغوية‭ ‬عدة،‭ ‬منها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬شفاهي‭ ‬أو‭ ‬مكتوب،‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬شعبي،‭ ‬عفوي‭ ‬تلقائي‭ ‬أو‭ ‬منمّق‭ ‬مدبّر‭.‬

 

لعبت‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬عموما،‭ ‬والشامية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬دورا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬الرواية‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬باكرة،‭ ‬وخصوصا‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬أليس‭ ‬بطرس‭ ‬البستاني‭ (‬1870-1926‭) ‬ولبيبة‭ ‬هاشم‭ (‬1880-1947‭) ‬وزينب‭ ‬فواز‭ (‬1860-1914‭)‬،‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬رائدة‭ ‬الاتجاه‭ ‬النسوي‭ ‬دون‭ ‬منازع‭ ‬عائشة‭ ‬التيمورية‭ (‬1840-1902‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬الترجمة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬بدور‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬إنطاق‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬آنذاك‭. ‬وأنّى‭ ‬لذلك‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬متاحا‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬مديني‭ ‬مغوٍ،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬احترام‭ ‬خصوصية‭ ‬المرأة‭ ‬وتعزيز‭ ‬حركة‭ ‬الطباعة‭ ‬وانتشار‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات‭ ‬وترجمة‭ ‬نصوص‭ ‬الآخر‭ ‬الإبداعية‭ (‬القصصية‭ ‬تحديدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬الباكر‭)‬؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬ترجمة‭ ‬فنون‭ ‬القص‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الصحف‭ ‬والمجلات،‭ ‬آنذاك،‭ ‬بمنزلة‭ ‬لازمة‭ ‬مفصلية‭ ‬من‭ ‬لوازم‭ ‬التحديث‭ ‬الذي‭ ‬انشغلت‭ ‬به‭ ‬المدينة‭ ‬وقامت‭ ‬عليه‭ ‬بالأساس‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬موجة‭ ‬الترجمة،‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الفهم،‭ ‬بعيدة‭ ‬بحال‭ ‬عن‭ ‬‮«‬إشكال‭ ‬الهوية‮»‬‭. ‬ولذلك،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬السرديات‭ ‬الرجالية‭ ‬قد‭ ‬تناولت‭ ‬إشكال‭ ‬الهوية‭ ‬من‭ ‬زوايا‭ ‬متباينة‭ (‬مثل‭ ‬سردية‭ ‬المرّاش‭ ‬التي‭ ‬انشغلت‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬أولوية‭ ‬العقل‭ ‬والعدل‭ ‬والتمدّن،‭ ‬وسردية‭ ‬الشدياق‭ ‬التي‭ ‬اهتمت‭ ‬بضرورة‭ ‬مقاومة‭ ‬أشكال‭ ‬التعصب‭ ‬الديني‭ ‬الغاشم،‭ ‬وسردية‭ ‬الطهطاوي‭ ‬التي‭ ‬احتفت‭ ‬بمبادئ‭ ‬الحكم‭ ‬وأنظمة‭ ‬الدساتير‭ (‬الفرنسية‭ ‬تحديدا‭)‬،‭ ‬وسردية‭ ‬فرح‭ ‬أنطون‭ ‬التي‭ ‬ركّزت‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬والدولة‭ ‬المدنية،‭ ‬وسردية‭ ‬خليل‭ ‬الخوري‭ ‬التي‭ ‬شيَّدها‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬الهوية‭ ‬مباشرة‭)‬؛‭ ‬فإن‭ ‬السرديات‭ ‬النسائية‭ ‬لتلك‭ ‬الحقبة‭ ‬الباكرة‭ (‬مثل‭ ‬أليس‭ ‬بطرس‭ ‬البستاني،‭ ‬ولبيبة‭ ‬هاشم،‭ ‬وزينب‭ ‬فواز،‭ ‬وعائشة‭ ‬التيمورية‭) ‬قد‭ ‬تقاطعت‭ ‬بكل‭ ‬تأكيد‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬بعينها‭ ‬تتمثّل‭ ‬في‭ ‬الإعلاء‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الهوية‭ ‬العربية‭ ‬بما‭ ‬يمايزها‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬وبما‭ ‬يحفظ‭ ‬خصوصيتها‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬خصوصية‭ ‬الانفتاح‭ ‬والتلاقح‭ ‬والتثاقف‭ ‬والحوار،‭ ‬لا‭ ‬الانغلاق‭ ‬أو‭ ‬التقوقع‭ ‬أو‭ ‬الصدام‭ ‬أو‭ ‬الصراع،‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬أكاذيب‭ ‬لايزال‭ ‬البعض‭ ‬يروّج‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬العربية‭ ‬الشاسعة‭ ‬من‭ ‬آن‭ ‬لآخر،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬المسلمين‭ ‬والأقباط،‭ ‬المشارقة‭ ‬والمغاربة،‭ ‬العرب‭ ‬العاربة‭ ‬والعرب‭ ‬المستعربة‭... ‬وهلمَّ‭ ‬جرّا‭. 

لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬هنا‭ ‬هو‭: ‬لماذا‭ ‬أطلق‭ ‬عبدالمحسن‭ ‬طه‭ ‬بدر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الروايات‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬التأسيسي‭ (‬تطور‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬مصر‭) ‬اسم‭ ‬‮«‬رواية‭ ‬التعليم‭ ‬والتسلية»؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬دقيقا‭ ‬في‭ ‬وصفه؟‭ ‬وهل‭ ‬كان‭ ‬الوصف‭ ‬يعني‭ ‬إقصاء‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬القصصية‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الرواية‭ ‬بالمعنى‭ ‬الفني،‭ ‬أو‭ ‬الرواية‭ ‬الفنية،‭ ‬كما‭ ‬نصَّ‭ ‬كتابه؟‭ ‬الإجابة‭ ‬الضمنية‭ ‬هي‭: ‬‮«‬نعم‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يقوله،‭ ‬مثلا،‭ ‬د‭. ‬جابر‭ ‬عصفور‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬الختامي‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬والاستنارة‮»‬،‭ (‬ص361‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬يثير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القارئ‭ ‬والباحث‭ ‬معا‭: ‬فمن‭ ‬ناحية‭ ‬أولى،‭ ‬تتكرر‭ ‬بعض‭ ‬أفكار‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موضع،‭ ‬ويتم‭ ‬الإلحاح‭ ‬عليها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬طريقة‭. ‬وربما‭ ‬يعود‭ ‬هذا‭ - ‬كما‭ ‬أتصور‭- ‬إلى‭ ‬تحرير‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬منجّمة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يجمعها‭ ‬جامع‭ ‬واحد‭. ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية،‭ ‬تنسرب‭ ‬وراء‭ ‬بعض‭ ‬مقولات‭ ‬الكتاب‭ ‬رؤية‭ ‬‮«‬وضعية‮»‬،‭ ‬علّية،‭ ‬تربط‭ ‬نشأة‭ ‬جنس‭ ‬الرواية‭ (‬وحدها‭!) ‬بالمدينة‭.‬

إن‭ ‬روايات‭ ‬التعليم‭ ‬والتسلية‭ ‬والترفيه‭ ‬هي‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬روايات‭ ‬التربية‭ ‬Bildungsroman،‭ ‬وهي‭ ‬نصوص‭ ‬قصصية‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬هلامية‭ ‬الحكاية‭ ‬Tale‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬طبيعة‭ ‬الرواية‭ ‬بمعناها‭ ‬الفني‭ ‬Novel؛‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬روايات‭ ‬الاستنارة‭ ‬كانت‭ ‬تقترب‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬روايات‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬‮«‬دافيد‭ ‬كوبرفيلد‮»‬‭ ‬لتشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬و«التربية‭ ‬العاطفية‮»‬‭ ‬لجوستاف‭ ‬فلوبير‭ ‬و«سنوات‭ ‬تعليم‭ ‬فيلهلم‭ ‬مايستر‮»‬‭ ‬لجوته،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬روايات‭ ‬عالمية‭ ‬شهيرة‭. ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬القصصية‭ ‬لم‭ ‬ينشغل‭ ‬بطبيعة‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي‭ ‬ولا‭ ‬بتقاليد‭ ‬النوع‭ ‬ولا‭ ‬أعراف‭ ‬الأسلوب،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬كتابة‭ ‬سردية‭ ‬أو‭ ‬قصصية‭ ‬فضفاضة،‭ ‬تمزج‭ ‬الذاتي‭ ‬بالموضوعي،‭ ‬الخيالي‭ ‬بالواقعي،‭ ‬الأدبي‭ ‬بالوثائقي‭... ‬إلخ‭.‬

 

مسار‭ ‬الرواية‭ ‬للكاتبة‭ ‬الخليجية

إذا‭ ‬تأملنا‭ ‬مسار‭ ‬رواية‭ ‬المرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬مثلا،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يجتمع‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬هذه‭ ‬المدوّنة‭ ‬في‭ ‬سلّة‭ ‬واحدة‭ ‬ضربا‭ ‬من‭ ‬ضروب‭ ‬الخلط‭ ‬المنهجي‭. ‬لكنّ‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أتصور،‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬أمرا‭ ‬مفيدا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬دراسة‭ ‬تنزع‭ ‬منزعا‭ ‬تجريبيا؛‭ ‬لأننا‭ -‬من‭ ‬خلال‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستكشافية،‭ ‬التجريبية‭- ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتبيّن‭ ‬ما‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬هذه‭ ‬الأصوات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬ملامح‭ ‬الرواية‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬وأن‭ ‬نفحص‭ ‬حدود‭ ‬الإضافات‭ ‬الجمالية‭ ‬أو‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬أرهصت‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬تحوّلات‭ ‬المشهد‭ ‬السردي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬والجزيرة‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬الزعم‭ ‬ببساطة‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أدبا‭ ‬رجوليا‭ ‬خالصا‭ ‬وآخر‭ ‬نسائيا‭ ‬نقيّا،‭ ‬أو‭ ‬أدبا‭ ‬ذكوريا‭ ‬وآخر‭ ‬أنثويا،‭ ‬أو‭ ‬أدبا‭ ‬خشنا‭ ‬وآخر‭ ‬ناعما،‭ ‬إلى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬مسمّيات‭ ‬يغلب‭ ‬عليها‭ ‬الطابع‭ ‬الصحافي‭ ‬البرّاق‭ ‬أو‭ ‬السطحي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭. ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬هو‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬تشييد‭ ‬سرديته‭ ‬التي‭ ‬تنطلق‭ ‬من‭ ‬هموم‭ ‬بني‭ ‬جنسه،‭ ‬فإن‭ ‬المرأة‭ ‬ذاتها‭ ‬هي‭ ‬الأقدر‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مجمل‭ ‬مشكلاتها‭ ‬والقادرة‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬صرخاتها،‭ ‬والبوح‭ ‬‮«‬روائيا‮»‬‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الرجل‭ ‬تمثيله‭ ‬جماليا،‭ ‬أو‭ ‬كتابته‭ ‬في‭ ‬نصوص‭ ‬أدبية‭ ‬راقية،‭ ‬يحاول‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬مؤلّف‭ ‬رجل‭ (‬سواء‭ ‬كان‭ ‬راويا‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭) ‬أن‭ ‬يتمثّل‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬المرأة‭ (‬الأنثى،‭ ‬الحبيبة،‭ ‬الأم،‭ ‬الأخت،‭ ‬الزوجة،‭ .. ‬إلخ‭). ‬والعكس‭ ‬صحيح‭ ‬أيضا‭ ‬بالقدر‭ ‬نفسه‭. ‬لكنّ‭ ‬الاصطلاح‭ ‬القائل‭ ‬بأدب‭ ‬نسائي،‭ ‬لا‭ ‬‮«‬نسوي‮»‬،‭ ‬يُشار‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تكتبه‭ ‬المرأة‭ ‬المبدعة‭ ‬من‭ ‬نصوص،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬ملامسة‭ ‬قضايا‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقها‭ ‬أو‭ ‬الشكوى‭ ‬والتمرّد‭ ‬ضد‭ ‬قيم‭ ‬الذكورة‭ ‬أو‭ ‬الرجولة‭. ‬لكنّ‭ ‬الأدب‭ ‬النسوي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تكتبه‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتصل‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضاياها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬القانونية‭ ‬أو‭ ‬السياسية،‭ ‬وخصوصيتها،‭ ‬وكيانها‭ ‬المهمّش،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بهيمنة‭ ‬الرجل،‭ ‬وسطوة‭ ‬قيم‭ ‬الذكورة‭. ‬إنه‭ ‬بمنزلة‭ ‬محاولة‭ ‬جادّة‭ ‬من‭ ‬المرأة‭ ‬لتغيير‭ ‬أوضاعها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬المنظّم‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تغلغل‭ ‬الخطاب‭ ‬النسوي‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭.‬

فالأنثوية‭ ‬‭(‬Femininity‭)‬،‭ ‬أو‭ ‬النسائية،‭ ‬أمر‭ ‬بيولوجي،‭ ‬أما‭ ‬الأنوثة‭ ‬فتنبع‭ ‬من‭ ‬التراكيب‭ ‬والتصورات‭ ‬الاجتماعية‭. ‬وكما‭ ‬تقول‭ ‬سيمون‭ ‬دي‭ ‬بوفوار‭ ‬في‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬الجنس‭ ‬الثاني‮»‬‭ ‬إن‭ ‬‮«‬المرأة‭ ‬لا‭ ‬تولد‭ ‬امرأة،‭ ‬بل‭ ‬تصبح‭ ‬امرأة‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬الأنوثة‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬سلوك‭ ‬المرأة‭ ‬ومظهرها،‭ ‬وغاية‭ ‬القصد‭ ‬منها‭ ‬جعل‭ ‬المرأة‭ ‬تمتثل‭ ‬لتصورات‭ ‬الرجل‭ ‬عن‭ ‬الجاذبية‭ ‬الجنسية‭ ‬المثالية‭. ‬بينما‭ ‬مصطلح‭ ‬النسوية‭ ‬‮«‬Feminist‮»‬‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬المرأة‭ ‬تحتل‭ ‬مكانة‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تضع‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭ ‬في‭ ‬تصنيفات‭ ‬اقتصادية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬طبقية‭ ‬مختلفة‭. ‬إن‭ ‬هدف‭ ‬المسعى‭ ‬النسوي‭ ‬هو‭ ‬تغيير‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬المنحازة‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭. ‬أما‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الرجل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتبنّى‭ ‬موقفا‭ ‬نسويا‭ ‬فهو‭ ‬أمر‭ ‬محلّ‭ ‬خلاف؛‭ ‬إذ‭ ‬تميز‭ ‬مودلسكي‭ ‬مثلا‭ ‬بين‭ ‬إسهام‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬السلطة‭ ‬الذكورية‭ ‬وبين‭ ‬إسهام‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬المرأة‭ ‬أو‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬موقفها‭. ‬وترى‭ ‬شوالتر‭ ‬أن‭ ‬كتابات‭ ‬المرأة‭ ‬تشبه‭ ‬الكتابات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ثقافة‭ ‬أخرى‭ ‬تابعة،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬تمرّ‭ ‬بثلاث‭ ‬مراحل‭ ‬من‭ ‬التطور‭: ‬محاكاة‭ ‬الأشكال‭ ‬السائدة‭ ‬للتقاليد‭ ‬الأدبية‭ ‬المهيمنة،‭ ‬والاعتراض‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المعايير‭ ‬والقيم،‭ ‬وأخيرا‭ ‬اكتشاف‭ ‬الذات؛‭ ‬أي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬هوية‭ ‬نسوية‭ ‬خاصة‭ ‬بها‭. ‬وتصف‭ ‬شوالتر‭ ‬هذه‭ ‬المراحل‭ ‬بأوصاف‭ ‬‮«‬المؤنّثة‭ ‬feminine‮»‬‭ ‬و«النسوية‭ ‬feminist‮»‬‭ ‬و«الأنثوية‭ ‬female‮»‬‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬شوالتر‭ ‬تفضل‭ ‬النمط‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬النصوص؛‭ ‬لأنها‭ ‬نصوص‭ ‬لا‭ ‬تمثّل‭ ‬عملية‭ ‬المحاكاة‭ ‬أو‭ ‬ردّ‭ ‬الفعل‭ ‬المقاوم‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬تقدم‭ ‬للمرأة‭ ‬‮«‬أدبا‭ ‬خاصا‭ ‬بها‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬قدّمت‭ ‬نظريات‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬النسائية‭ ‬أسئلةً‭ ‬كثيرةً‭ ‬حول‭ ‬مفهومي‭ ‬الهوية‭ ‬والذات،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬معظم‭ ‬هذه‭ ‬النظريات‭ ‬اختلاف‭ ‬علاقات‭ ‬التأليف‭ ‬تاريخياً‭ ‬بين‭ ‬المرأة‭ ‬والرجل،‭ ‬مثلما‭ ‬تشير‭ ‬نانسي‭ ‬ميلر‭ ‬Nancy‭ ‬Miller‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬‮«‬فعل‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬الذي‭ ‬يُميت‭ ‬المؤلف‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تطبيقه‭ ‬على‭ ‬المرأة؛‭ ‬إذ‭ ‬يمنع‭ ‬سؤال‭ ‬المؤسسة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لهن؛‭ ‬لأن‭ ‬النساء‭ ‬ليست‭ ‬لديهن‭ ‬نفس‭ ‬العلاقة‭ ‬التاريخية‭ ‬للهوية‭ ‬مع‭ ‬الأصل‭ ‬والمؤسسات‭ ‬مقابل‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬حصل‭ ‬عليها‭ ‬الرجل‮»‬‭.‬

 

محاولة‭ ‬استبطان‭ ‬الماضي‭ ‬والتراث‭ ‬

لم‭ ‬يتخلّف‭ ‬الأدب‭ ‬النسائي‭ ‬الخليجي،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬تجلياته،‭ ‬عن‭ ‬إبداع‭ ‬النساء‭ ‬العربيات‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬الأخرى‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإبداع‭  ‬النسائي‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬الأربعينيات‭ ‬والخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬باستثناء‭ ‬بعض‭ ‬المناطق،‭ ‬فإن‭ ‬إبداع‭ ‬المرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬تقريبا‭ ‬بشكل‭ ‬متواتر،‭ ‬وهناك‭ ‬أسماء‭ ‬خليجية‭ ‬كثيرة‭ ‬شقّت‭ ‬طريقها‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬حيث‭ ‬أسهم‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬أمام‭ ‬المرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬كي‭ ‬تشارك‭ ‬مشاركة‭ ‬حياتية‭ ‬أعمق‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬الاقـــتــصـــادية‭ ‬والاجــتـــماعـــية‭ ‬والثقافية‭.‬

ثـــــمة‭ ‬أسماء‭ ‬خلــيـــجـــية‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬تردّد‭ ‬البدايات‭ ‬وعثرة‭ ‬الحَبْو‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الكتابة‭ ‬البِكْر‭. ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬من‭ ‬البحرين‭: ‬فوزية‭ ‬رشيد‭ (‬‮«‬الحصار‮»‬،‭ ‬‮«‬تحولات‭ ‬الفارس‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬العاربة‮»‬،‭ ‬‮«‬القلق‭ ‬السري‮»‬‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬الكويت‭: ‬ليلى‭ ‬العثمان‭ (‬‮«‬المرأة‭ ‬والقطة‮»‬،‭ ‬‮«‬وسمية‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬البحر‮»‬،‭ ‬‮«‬العصعص‮»‬،‭ ‬‮«‬صمت‭ ‬الفراشات‮»‬،‭ ‬‮«‬خذها‭ ‬لا‭ ‬أريدها‮»‬،‭ ‬‮«‬حلم‭ ‬الليلة‭ ‬الأولى‮»‬‭)‬،‭ ‬وفوزية‭ ‬شويش‭ ‬السالم‭ ‬‭(‬‮«‬مزون‭ ‬وردة‭ ‬الصحراء‮»‬،‭ ‬‮«‬حجر‭ ‬على‭ ‬حجر‮»‬،‭ ‬‮«‬رجيم‭ ‬الكلام‮»‬‭)‬،‭ ‬ومَيْس‭ ‬العثمان‭ (‬‮«‬غرفة‭ ‬السماء‮»‬،‭ ‬‮«‬عرائس‭ ‬الصوف‮»‬،‭ ‬‮«‬عقيدة‭ ‬ورقص‮»‬‭)‬،‭ ‬وبثينة‭ ‬العيسى‭ ‬‭(‬‮«‬سعار‮»‬،‭ ‬‮«‬عروس‭ ‬المطر‮»‬،‭ ‬‮«‬تحت‭ ‬أقدام‭ ‬الأمهات‮»‬،‭ ‬‮«‬عائشة‭ ‬تنزل‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‮»‬‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬السعودية‭: ‬رجاء‭ ‬عالم‭ (‬‮«‬ستر‮»‬،‭ ‬‮«‬خاتم‮»‬،‭ ‬‮«‬أربعة‭-‬صفر‮»‬،‭ ‬‮«‬سيدي‭ ‬وحدانة‮»‬،‭ ‬‮«‬طريق‭ ‬الحرير‮»‬،‭ ‬‮«‬مسرى‭ ‬يا‭ ‬رقيب‮»‬،‭ ‬‮«‬طوق‭ ‬الحمام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬نالت‭ ‬جائزة‭ ‬البوكر‭ ‬العربية‭ ‬عام‭ ‬2011م‭ ‬مناصفةً‭ ‬مع‭ ‬الكاتب‭ ‬المغربي‭ ‬محمد‭ ‬الأشعري‭ ‬عن‭ ‬روايته‭ ‬‮«‬القوس‭ ‬والفراشة‮»‬‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬الإمارات‭: ‬باسمة‭ ‬يونس‭ (‬‮«‬ملائكة‭ ‬وشياطين‮»‬‭)‬،‭ ‬وميسون‭ ‬صقر‭ (‬‮«‬ريحانة‮»‬‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭: ‬بدرية‭ ‬الشحّي‭ (‬‮«‬الطواف‭ ‬حيث‭ ‬الجمر‮»‬،‭ ‬‮«‬فيزياء1‮»‬‭)‬،‭ ‬وجوخة‭ ‬الحارثي‭ (‬‮«‬منامات‮»‬،‭ ‬‮«‬سيدات‭ ‬القمر‮»‬‭)‬،‭ ‬وغالية‭ ‬آل‭ ‬سعيد‭ (‬‮«‬صابرة‭ ‬وأصيلة‮»‬،‭ ‬‮«‬جنون‭ ‬اليأس‮»‬،‭ ‬‮«‬سنين‭ ‬مبعثرة‮»‬،‭ ‬‮«‬أيام‭ ‬في‭ ‬الجنة‮»‬‭)‬،‭ ‬وفاطمة‭ ‬الشيدي‭ (‬‮«‬حفلة‭ ‬الموت‮»‬‭)‬،‭ ‬وهدى‭ ‬الجهوري‭ (‬‮«‬الأشياء‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬أماكنها‮»‬‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬قطر‭: ‬مريم‭ ‬آل‭ ‬سعد‭ (‬‮«‬تداعي‭ ‬الفصول‮»‬‭)‬،‭ ‬ودلال‭ ‬خليفة‭ (‬‮«‬أسطورة‭ ‬الإنسان‭ ‬والبحيرة‮»‬،‭ ‬‮«‬أشجار‭ ‬البراري‭ ‬البعيدة‮»‬،‭ ‬‮«‬من‭ ‬البحَّار‭ ‬القديم‭ ‬إليك‮»‬،‭ ‬‮«‬دنيانا‮»‬‭).‬

يقوم‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬على‭ ‬استبطان‭ ‬الماضي‭ ‬والتراث‭ ‬دون‭ ‬القدرة،‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬على‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬الأزمات‭ ‬العصرية‭ ‬والمعاصرة‭ ‬بنفس‭ ‬الدرجة‭. ‬وهي،‭ ‬إجمالا،‭ ‬سمة‭ ‬مرافقة‭ ‬للكتابة‭ ‬العربية‭ ‬لدى‭ ‬الجنسين‭: ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬المعاصر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإسقاط‭ ‬على‭ ‬الماضي‭ ‬أو‭ ‬التماهي‭ ‬معه‭ ‬وسبر‭ ‬أغواره‭ ‬العميقة‭ ‬وجذوره‭ ‬الممتدة،‭ ‬كأننا‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬دائري‭ ‬يكرّر‭ ‬ذاته‭ ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬المعاصر‭ ‬يشبه‭ ‬التاريخي‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬وإن‭ ‬اختلف‭ ‬في‭ ‬مظهره‭ ‬وديكوره‭ ‬الخارجي‭. ‬وبرغم‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬هاجس‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬إطار‭ ‬الحيز‭ ‬الضيق‭ ‬إلى‭ ‬الإطار‭ ‬المفتوح‭ ‬هو‭ ‬هاجس‭ ‬أغلب‭ ‬الروائيات‭ ‬العربيات‭ ‬وأيضا‭ ‬الخليجيات‭.‬

لا‭ ‬تخلو‭ ‬أمثال‭ ‬هذه‭ ‬الآثار‭ ‬السردية‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬المرأة‭ ‬بؤرةً‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنه‭ ‬يتم‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬بوصفها‭ ‬مضطهدة،‭ ‬منتهَكة‭ ‬الحقوق،‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان،‭ ‬ويتجلّى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التربية‭ ‬القاسية‭ ‬أو‭ ‬الانتهاك‭ ‬الجسدي‭ ‬أو‭ ‬الابتزاز‭ ‬العاطفيّ‭ ‬أو‭ ‬‮«‬العنف‭ ‬الرمزيّ‮»‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يستخدمه‭ ‬بيير‭ ‬بورديو‭ (‬1930-‭ ‬2002‭)‬،‭ ‬وبوصفها‭ ‬ضحية‭ ‬للعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬الجائرة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬قيام‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬الروائية‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬تنهض‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬فضح‭ ‬النفاق‭ ‬الاجتماعيّ‭ ‬الذي‭ ‬يولّد‭ ‬تناقضات‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تُحْدِث‭ ‬صدعا‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬الأسرة‭ ‬وتشق‭ ‬لحمة‭ ‬المجتمع‭.‬

ليست‭ ‬الكتابة‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬مدوّنة‭ ‬الرواية‭ ‬الخليجية‭ ‬كتابةً‭ ‬نضاليةً‭ ‬بالمعنى‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحشر‭ ‬فيه‭ ‬كتابات‭ ‬الروائيين‭ (‬أو‭ ‬الروائيات‭) ‬ذوي‭ (‬أو‭ ‬ذوات‭) ‬المنحى‭ ‬الالتزاميّ‭ ‬بقضايا‭ ‬الطبقات‭ ‬المسحوقة‭ ‬أو‭ ‬الشعوب‭ ‬المظلومة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬كتابات‭ ‬تنطق‭ ‬بمعاناة‭ ‬فردية‭ ‬في‭ ‬العمق،‭ ‬تم‭ ‬تعميمها‭ ‬بحكم‭ ‬تشابه‭ ‬الوضعيات‭ ‬وانسداد‭ ‬الآفاق‭ ‬وتراكم‭ ‬الاحتقان‭. ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬توظيف‭ ‬الأدوات‭ ‬الحضارية‭ ‬التقنية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬تطريز‭ ‬خيوط‭ ‬هذا‭ ‬النسيج‭ ‬الـــــسردي‭ ‬لمــــــدونة‭ ‬الرواية‭ ‬النسائية‭ ‬الخليجية،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬رسائل‭ ‬البريد‭ ‬الإلكتروني‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬بنات‭ ‬الرياض‮»‬‭) ‬أو‭ ‬رسائل‭ ‬البلوتوث‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬‮«‬ثمن‭ ‬الشوكولاتة‮»‬‭)‬؛‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬
يعني‭ ‬أنّ‭ ‬الوعي‭ ‬الحداثيّ‭ ‬لم‭ ‬يتـــجاوز‭ ‬مرحلة‭ ‬استهلاك‭ ‬المنتجات‭ ‬الغربية‭ ‬إلا‭ ‬نحو‭ ‬توظيفها‭ ‬في‭ ‬الإيهام‭ ‬بعالم‭ ‬واقعي‭ ‬أو‭ ‬عالم‭ ‬يشاكل‭ ‬الواقع‭.‬

لقد‭ ‬اعتمدت‭ ‬مدوّنة‭ ‬الرواية‭ ‬النسائية‭ ‬الخليجية‭ ‬على‭ ‬ذوات‭ ‬شخصية‭ ‬نسائية‭ ‬تمرّ‭ ‬بتحولات‭ ‬اجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬شتّى،‭ ‬شهدتها‭ ‬مجتمعات‭ ‬الخليج‭ ‬مع‭ ‬ثورة‭ ‬النفط‭ ‬وثورة‭ ‬الحداثة‭ ‬ومجتمع‭ ‬المعلومات‭ ‬والاتصالات،‭ ‬بحيث‭ ‬نزع‭ ‬قطاع‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قطاعات‭ ‬الرواية‭ ‬النسائية‭ ‬الخليجية‭ ‬منزعا‭ ‬رومانسيا،‭ ‬إما‭ ‬لارتباطها‭ ‬بنوستالجيا‭ ‬ماضوية،‭ ‬أو‭ ‬هروبا‭ ‬من‭ ‬ضغوط‭ ‬الواقع‭ ‬اللاهث‭ ‬والضاغط‭ ‬على‭ ‬المرأة‭ ‬جسدا‭ ‬وروحا‭ ‬وعقلا‭. ‬لقد‭ ‬تغلغل‭ ‬هاجس‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬جنس‭ ‬رواية‭ ‬المرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬ذاتها،‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬تنامي‭ ‬الوعي‭ ‬بالهوية‭ ‬النسائية‭ ‬الموازي‭ ‬لتجدّد‭ ‬خطاب‭ ‬المرأة‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ .