النقد الروائي عند يمنى العيد

النقد الروائي عند يمنى العيد

صدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬البوكيلي‭ ‬للطباعة‭ ‬والنشر‭ ‬في‭ ‬طبعته‭ ‬الأولى‭ ‬كتاب‭ ‬نقدي‭ ‬موسوم‭ ‬بـ«النقد‭ ‬الروائي‭ ‬عند‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭: ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬الخلفيات‭ ‬والمفاهيم‮»‬‭ ‬للدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الجرطي،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬يحاول‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬المؤلف‭ ‬مناقشة‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬النقدية،‭ ‬التي‭ ‬أغنت‭ ‬بها‭ ‬الناقدة‭ ‬اللبنانية‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬الساحة‭ ‬النقدية‭ ‬العربية،‭ ‬والرد‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬كنه‭ ‬الممارسة‭ ‬النقدية‭ ‬للباحثة،‭ ‬مما‭ ‬طبع‭ ‬الكتاب‭ ‬بسمة‭ ‬مميزة،‭ ‬فهو‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬يعتبر‭ ‬متنا‭ ‬متميزا‭ ‬يتدثر‭ ‬بأفق‭ ‬نقدي‭ ‬ينم‭ ‬عن‭ ‬اطلاع‭ ‬واسع‭ ‬للباحث‭ ‬بالمشروع‭ ‬النقدي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد،‭ ‬كما‭ ‬يعكس‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬الضبط‭ ‬المنهجي‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬القراءات‭ ‬المتعددة‭ ‬لمعظم‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬حول‭ ‬مشروعها‭ ‬النقدي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬تأتي‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الورقة‭ ‬التي‭ ‬نعمد‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬محورين‭ ‬أساسيين،‭ ‬هما‭: ‬الأهداف‭ ‬واختبار‭ ‬الصحة‭.‬

الأهداف

إن‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬يبرز‭ ‬بجلاء‭ ‬الطموح‭ ‬النظري‭ ‬الكبير،‭ ‬والممارسة‭ ‬العلمية‭ ‬الجادة‭ ‬للوقوف‭ ‬عند‭ ‬المشروع‭ ‬النقدي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد،‭ ‬وقفة‭ ‬متأنية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصحيح‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المغالطات‭ ‬التي‭ ‬رافقت‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬ولاسيما‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬رأى‭ ‬الباحث‭ ‬أنهم‭ ‬تسرعوا‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬على‭ ‬يمنى‭ ‬العيد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تصنيفها‭ ‬ضمن‭ ‬مناهج‭ ‬نقدية‭ ‬بعيدة‭ ‬عنها‭ ‬كل‭ ‬البعد‭. ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬بالدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬الجرطي‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬دفعته‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬النقد‭ ‬الروائي‭ ‬عند‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬موضوعا‭ ‬لهذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬تركيز‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬واكبوا‭ ‬تطور‭ ‬الرواية‭ ‬العربية‭ ‬قد‭ ‬انصبّ‭ ‬على‭ ‬التأريخ‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭ ‬و«متابعة‭ ‬تحولاتها‭ ‬الفنية‭ ‬والمرجعية‭ ‬مع‭ ‬إهمال‭ ‬شبه‭ ‬تام‭ ‬لإنجازات‭ ‬النقاد‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نقد‭ ‬الرواية‮»‬‭ (‬ص7‭)‬،‭ ‬بل‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جل‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬عنيت‭ ‬بتتبع‭ ‬الجهود‭ ‬النقدية‭ ‬للنقاد‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬نقد‭ ‬الرواية‭ ‬ظلت‭ ‬مشدودة‭ ‬إلى‭ ‬طابع‭ ‬التلخيص‭ ‬والعرض‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬تام‭ ‬للسجال‭ ‬النقدي،‭ ‬ويقدم‭ ‬الباحث‭ ‬كشاهد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬النقدية،‭ ‬منها‭: ‬‮«‬تحليل‭ ‬الخطاب‭ ‬الأدبي‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬المناهج‭ ‬النقدية‭ ‬الحداثية‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬نقد‭ ‬النقد‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬عزام،‭ ‬و«النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬العربي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬القصة‭ ‬والرواية‭ ‬والسرد‮»‬‭ ‬لعبدالله‭ ‬أبوهيف،‭ ‬وغيرهما‭.‬

ونلاحظ‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬الباحث‭ ‬منشغل‭ ‬بإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬غلب‭ ‬عليها‭ ‬طابع‭ ‬التسرع،‭ ‬فهو‭ ‬يطمح‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬قراءة‭ ‬نقدية‭ ‬تتعالى‭ ‬عن‭ ‬إصدار‭ ‬الأحكام‭ ‬المتسرعة،‭ ‬وتستحضر‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬السياقات‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬المنهج‭ ‬النقدي‭ ‬وتوظيفه،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬دفعه‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬جدال‭ ‬نقدي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حمودة،‭ ‬وعبدالله‭ ‬أبو‭ ‬هيف،‭ ‬وسعد‭ ‬البازعي‭ ‬وغيرهم،‭ ‬ممن‭ ‬حاولوا‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬المشروع‭ ‬النقدي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد،‭ ‬مؤكدا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬خصوصية‭ ‬الدراسة‭ ‬التي‭ ‬يقدمها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الكشف‭ ‬‮«‬عن‭ ‬أهم‭ ‬الخلفيات‭ ‬الفكرية‭ ‬والنقدية‭ ‬التي‭ ‬شكلت‭ ‬منطلقات‭ ‬أساسية‭ ‬للجهاز‭ ‬المفاهيمي‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬الناقدة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬خصوصية‭ ‬نقدية‭ ‬لا‭ ‬تتماهى‭ ‬مع‭ ‬النموذج‭ ‬الغربي،‭ ‬بل‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬تنسيبه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استحضار‭ ‬السياق‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يحف‭ ‬بعملية‭ ‬استقباله‮»‬‭ (‬ص10‭). ‬

وهي‭ ‬خصوصية‭ ‬أخفقت‭ ‬جل‭ ‬الدراسات‭ ‬في‭ ‬تلمسها‭ ‬والوصول‭ ‬إليها‭. ‬

وهذا‭ ‬هدف‭ ‬آخر‭ ‬دفع‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬النقد‭ ‬الروائي‭ ‬عند‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬موضوعا‭ ‬لدراسته،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬كما‭ ‬ينضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬القناعات‭ ‬السابقة،‭ ‬عامل‭ ‬آخر‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تخصيصنا‭ ‬مشروع‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬النقدي‭ ‬الروائي‭ ‬بهذه‭ ‬الدراسة،‭ ‬تجلى‭ ‬في‭ ‬إخفاق‭ ‬معظم‭ ‬الدراسات‭ ‬التي‭ ‬تناولت‭ ‬مشروعها‭ ‬النقدي‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬خصوصية‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬وإبراز‭ ‬خلفياته‭ ‬ومفاهيمه‭ ‬واستراتيجياته‮»‬‭ (‬ص13‭). ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حرّكه‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجاوز‭ ‬التعثر‭ ‬الذي‭ ‬وقعت‭ ‬فيه‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬السابقة،‭ ‬وهو‭ ‬مطمح‭ ‬آخر‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬المؤلف‭ ‬في‭ ‬ثنايا‭ ‬الكتاب‭.‬

ومن‭ ‬ثم‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬غاية‭ ‬المؤلف‭ ‬تنأى‭ ‬عن‭ ‬كونها‭ ‬مجرد‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬نقدي‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬وضعية‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬ضمن‭ ‬الخريطة‭ ‬النقدية‭ ‬العربية،‭ ‬وإنصافها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬الخلفيات‭ ‬الفكرية‭ ‬والإبستيمية‭ ‬الناظمة‭ ‬لممارستها‭ ‬النقدية،‭ ‬فبرغم‭ ‬الموسوعية‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬والتي‭ ‬دفعتها‭ ‬إلى‭ ‬استدعاء‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬تتوزع‭ ‬بين‭ ‬مناهج‭ ‬نقدية‭ ‬عدة،‭ ‬فإن‭ ‬الخلفية‭ ‬الناظمة‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬تظل‭ ‬الفلسفة‭ ‬الماركسية،‭ ‬والمنهج‭ ‬السوسيولوجي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يود‭ ‬الباحث‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬بل‭ ‬ويؤكده‭ ‬في‭ ‬دراسته‭. ‬

أما‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬الجانب‭ ‬المنهجي‭ ‬للكتاب،‭ ‬فيمكننا‭ ‬التأكيد‭ ‬أنه‭ ‬جاء‭ ‬متساوقا‭ ‬وطبيعة‭ ‬الدراسة،‭ ‬حيث‭ ‬الجمع‭ ‬بين‭ ‬المستويين‭ ‬النظري‭ ‬والتطبيقي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬التنظير‭ ‬الروائي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد،‭ ‬ثم‭ ‬انتقاء‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬النماذج‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬النقدية‭ ‬لديه،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يؤشر‭ ‬على‭ ‬الاستيعاب‭ ‬الرصين‭ ‬لمشروع‭ ‬الباحثة،‭ ‬ولاسيما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬المستوى‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬الثاني‭.‬

 

اختبار‭ ‬الصحة

قبل‭ ‬أن‭ ‬نقدم‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬النقدية‭ ‬حول‭ ‬الكتاب،‭ ‬لابد‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬يضم‭ ‬تمهيدا‭ ‬حاول‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الكاتب‭ ‬الوقوف‭ ‬عند‭ ‬أهم‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬عرفها‭ ‬النقد‭ ‬الروائي‭ ‬العربي،‭ ‬ثم‭ ‬أعقبه‭ ‬بفصل‭ ‬أول‭ ‬حول‭ ‬التنظير‭ ‬النقدي‭ ‬الروائي‭ ‬عند‭ ‬يمنى‭ ‬العيد،‭ ‬وقد‭ ‬وقف‭ ‬فيه‭ ‬عند‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المفاهيم‭ ‬النقدية‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬فيها‭ ‬القول‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ماهية‭ ‬النقد،‭ ‬ووظيفته،‭ ‬وكيفية‭ ‬توظيف‭ ‬المنــهج‭ ‬النقدي،‭ ‬والعلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬والواقع‭ ‬المرجعي،‭ ‬ثم‭ ‬أهمية‭ ‬الموقع‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬بنية‭ ‬الشكل‭ ‬الروائي،‭ ‬وغيرها،‭ ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثاني‭ ‬فقد‭ ‬خصصه‭ ‬الباحث‭ ‬للتقويم‭ ‬الجمالي‭ ‬من‭ ‬خــلال‭ ‬انتقاء‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬طبقت‭ ‬عليها‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬مهنجها،‭ ‬بينما‭ ‬جاءت‭ ‬خاتمة‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬استنتاجات‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬خلاصة‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬المؤلف‭.‬

لقد‭ ‬اتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬المؤلف‭ ‬يتمتع‭ ‬باضطلاع‭ ‬واسع‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬النقدي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قدم‭ ‬مادة‭ ‬دسمة‭ ‬وغنية‭ ‬تدفع‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع،‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬مدى‭ ‬التزام‭ ‬المؤلف‭ ‬بما‭ ‬قدمه‭ ‬من‭ ‬أسئلة‭ ‬خلال‭ ‬مسار‭ ‬الدراسة،‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تنسجم‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يبتغي‭ ‬الوصول‭ ‬إليه،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نتفق‭ ‬معه‭ ‬فيه،‭ ‬هو‭ ‬الغياب‭ ‬شبه‭ ‬التام‭ ‬للسجال‭ ‬النقدي‭ ‬مع‭ ‬الناقدة،‭ ‬فالمؤلف‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الإشارات‭ ‬البسيطة،‭ ‬تظل‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬دفاع‭ ‬عن‭ ‬الطرح‭ ‬النقدي‭ ‬للناقدة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وما‭ ‬يعزز‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬هو‭ ‬الجدال‭ ‬الذي‭ ‬دخل‭ ‬فيه‭ ‬المؤلف‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬الذين‭ ‬اتخذوا‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬مجالا‭ ‬للبحث،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬ولذلك‭ ‬نخالف‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬النقاد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأحكام‭ ‬التي‭ ‬أصدروها‭ ‬حول‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬في‭ ‬معرفة‭ ‬النص‮»‬‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عن‭ ‬التحديد‭ ‬الدقيق‭ ‬لخلفياتها‭ ‬المعرفية‭ ‬والنقدية‮»‬‭ (‬ص42‭). ‬

بل‭ ‬إن‭ ‬حدة‭ ‬النقد‭ ‬الموجه‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬ستصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬اتهامهم‭ ‬بالتعسف،‭ ‬والخلط،‭ ‬والمغالطة‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬الأحكام‭ ‬النقدية،‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إن‭ ‬مظاهر‭ ‬الخلط‭ ‬والمغالطة‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬عملية‭ ‬تلقي‭ ‬الخطاب‭ ‬النقدي‭ ‬الروائي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الرأيين‭ ‬السابقين،‭ ‬بل‭ ‬نلمس‭ ‬آثارها‭ ‬عند‭ ‬الناقد‭ ‬سعد‭ ‬البازعي‭ ‬الذي‭ ‬انتهــى‭ ‬في‭ ‬دراســــة‭ ‬موجزة‭ ‬عن‭ ‬تجربة‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬النقــدية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتابها‭ ‬‮«‬في‭ ‬معرفة‭ ‬النص‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تبناه‭ ‬عبدالعزيز‭ ‬حمـــودة،‭ ‬وعــــبدالله‭ ‬أبـــو‭ ‬هيف‭ ‬مــــمثلا‭ ‬فــــي‭ ‬وسم‭ ‬تنظيرها‭ ‬الروائي‭ ‬بالتلفيقية،‭ ‬والتداخل‭ ‬بين‭ ‬خطوط‭ ‬منهـــجية‭ ‬متعارضة‭ ‬عدة‮»‬‭ ( ‬ص46‭).‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يلام‭ ‬عليه‭ ‬المؤلف‭ ‬هو‭ ‬المغالاة‭ ‬في‭ ‬الانتقاد،‭ ‬وتقديم‭ ‬الاتهامات‭ ‬الجوفاء‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬الشاهد‭ ‬الحقيقي،‭ ‬ولنقف‭ ‬معه‭ ‬عند‭ ‬القول‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬كدليل‭ ‬لاتهام‭ ‬سعد‭ ‬البازعي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد‭ ‬بالتلفيقية،‭ ‬حيث‭ ‬يقول‭ ‬سعد‭ ‬البازعي‭: ‬‮«‬ويأتي‭ ‬مفهوم‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬تطرحه‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬النقدي‭ ‬الذي‭ ‬يتوسط‭ ‬بين‭ ‬الشكلانية‭ ‬والواقعية،‭ ‬ولكن‭ ‬إدخالها‭ ‬لوكاتش‭ ‬وغولدمان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬يخلق‭ ‬وضعا‭ ‬مضطربا‭ ‬يخرج‭ ‬بالمنهج‭ ‬عن‭ ‬البنيوية‭ ‬التكوينية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬نسبتها‭ ‬إلى‭ ‬لوسيان‭ ‬غولدمان،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الناقدة‭ ‬تصف‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬بأنه‭ ‬المسار‭ ‬النقدي‭ ‬القلق‭ ‬الذي‭ ‬ينكشف‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الاضطراب‭ ‬قلقا‭ ‬مركبا‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬قلق‭ ‬منهجي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬يوصف‭ ‬فيه‭ ‬ضمنا‭ ‬بأنه‭ ‬قلق‭ ‬إبداعي،‭ ‬أو‭ ‬بتعبير‭ ‬آخر‭ ‬تقول‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬منهجها‭ ‬قلقا‭ ‬إبداعيا‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬منهجها‭ ‬اضطرابا‭ ‬غير‭ ‬إبداعي‭ ‬نتيجة‭ ‬تداخل‭ ‬الخطوط‭ ‬المنهجية‮»‬‭ (‬ص46‭).‬

وما‭ ‬يسترعي‭ ‬الانتباه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬مصطلح‭ ‬التلفيقية‭ ‬الذي‭ ‬أورده‭ ‬المؤلف‭ ‬منتقدا‭ ‬به‭ ‬رؤية‭ ‬سعد‭ ‬البازعي‭ ‬لمؤلف‭ ‬يمنى‭ ‬العيد‭ ‬‮«‬في‭ ‬معرفة‭ ‬النص‮»‬‭ ‬لا‭ ‬وجـــــود‭ ‬له‭ ‬البتة‭ ‬في‭ ‬الشاهد‭ ‬الذي‭ ‬قدّمه‭ ‬لتعضيد‭ ‬طرحه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬لنا‭ ‬انسياق‭ ‬المؤلف‭ ‬وراء‭ ‬الأطروحة‭ ‬الأساس‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬الكتاب،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعله‭ ‬يتخبـــط‭ ‬هـــو‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأحكام‭ ‬المتسرعة،‭ ‬فالقول‭ ‬بتداخل‭ ‬الخطوط،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬القول‭ ‬بالتلفيقية‭. ‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة،‭ ‬يمكننا‭ ‬التأكيد‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬التــــقويم‭ ‬الجـــمالي‭ ‬ظل‭ ‬ضئيلا‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬جملة‭ ‬الأعـــمال‭ ‬المحللة‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬يمنى‭ ‬العيد،‭ ‬فالمؤلـــــف‭ ‬اكتفى‭ ‬ببعض‭ ‬النماذج‭ ‬وهي‭ ‬كالتـــــالي‭: ‬قصـــــة‭ ‬‮«‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬تموت‮»‬‭ ‬لمحمد‭ ‬عيتاني،‭ ‬و«موسم‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الشمال‮»‬‭ ‬للطيب‭ ‬صالح،‭ ‬و«التيه‮»‬‭ ‬لعبدالرحمن‭ ‬منيف،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬أعمال‭ ‬تدعم‭ ‬الأفكــــار‭ ‬التي‭ ‬تناولهــــا‭ ‬سابقا،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬نتفق‭ ‬معــــه‭ ‬فــــيه‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬تسنى‭ ‬له‭ ‬حصر‭ ‬التقويم‭ ‬الجمالي‭ ‬في‭ ‬ثلاثـــة‭ ‬نماذج‭ ‬مــقارنة‭ ‬المشروع‭ ‬النقدي‭ ‬ليمنى‭ ‬العيد‭ ‬ككل؟‭ ‬ولعل‭ ‬قلة‭ ‬النماذج‭ ‬المنتقاة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬انعكست‭ ‬بشكل‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬الطابع‭ ‬المنهجي‭ ‬للكتاب‭ ‬بكامله،‭ ‬حيث‭ ‬البون‭ ‬الشاسع‭ ‬بين‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬مائة‭ ‬صفحة،‭ ‬والفصل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتعد‭ ‬الأربعين‭ ‬صفحة،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬نرمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬السيمترية‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬ولكن‭ ‬نشدد‭ ‬على‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوافق‭ ‬أثناء‭ ‬الانتقال‭ ‬من‭ ‬التنظير‭ ‬إلى‭ ‬الممارسة‭.‬

وإجمالا،‭ ‬فهذه‭ ‬الملاحظات‭ ‬البسيطة‭ ‬لا‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬زخر‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الإضافات‭ ‬التــــي‭ ‬لامست‭ ‬مشــــروع‭ ‬يمـــنى‭ ‬العيد،‭ ‬فالكتاب‭ ‬يقدم‭ ‬مادة‭ ‬غنية‭ ‬للبحــــث‭ ‬والنقاش،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إحاطة‭ ‬مؤلفه‭ ‬بالمســـار‭ ‬التطـــــوري‭ ‬للتجربة‭ ‬النقدية‭ ‬للناقدة‭ ‬اللبنانـــية،‭ ‬وهو‭ ‬مـــا‭ ‬أتــــاح‭ ‬لنا‭ ‬الفرصة‭ ‬أيضا‭ ‬لمواكبة‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬متسقًا‭ ‬مع‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬التي‭ ‬عرفـــتها‭ ‬الساحة‭ ‬النقدية‭ ‬العربـــية‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ألمح‭ ‬إليه‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬اتسم‭ ‬بالدقة‭ ‬والانسجام‭ ‬بين‭ ‬طبيعة‭ ‬الأهداف‭ ‬المسطرة،‭ ‬والنتائج‭ ‬المتوصل‭ ‬إليها‭ .