اتجاهات تربوية ... مدارس خضراء

اتجاهات تربوية ... مدارس خضراء

تندرج مبادرة المدارس الخضراء تحت برنامج دولي يضم آلاف المدارس من جميع المراحل حول العالم، يستخدم مدخل المدرسة Whole School Approach لجعل الوعي البيئي جزءاً جوهرياً من روح المدرسة، وتشجيع المشاركة في تحمُّل المسؤولية البيئية من جانب الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والسلطات المحلية ووسائل الإعلام وقطاع الأعمال المحلي الذي يساهم بالتمويل.

ويقدم هذا المدخل طريقة ناجحة لنقل قضايا البيئة من المناهج إلى التطبيق في الحياة اليومية. وما يميز هذه المدارس كونها مشرقة ومليئة بالهواء النقي ومريحة وسعيدة وهادئة، وفي حرمها مكان للطبيعة، ويتعلم فيها الصغار وينمون بأمن وسلام. ومن التعريفات الدولية للمدارس الخضراء ما قدمه مجلس مخططي المرافق التعليمية الدولي CEFPI، الذي وصفها بالمدارس الصحية التي تعنى بالسلامة العامة لأعضائها؛ والصديقة للبيئة, حيث توفر الطاقة، وتهتم بصحة من فيها. وتعريف آخر لتعاون المدارس ذات الأداء المرتفع CHPS بأنها المدارس ذات الأداء المرتفع، المتميزة في جوانب ثلاثة:
 1 - تكلفة تشغيل أقل من المدرسة التقليدية.
 2 - تصميم يعزز التعلم والعمل.
 3 - محافظة على الموارد المهمة كالطاقة والمياه. 

مدرسة بالي الخضراء
   في عام 2008 أسس جون هاردي وزوجته سينيثا، المهاجران الكنديان إلى إندونيسيا مدرسة بالي الخضراء، كمحاولة لعمل شيء لإنقاذ العالم وإعداد قادة المستقبل الخضر، على أثر مشاهدتهما للفيلم الوثائقي الشهير«حقيقة مزعجة»، الحاصل على جائزة الأوسكار 2006 والمرتبط بآل جور، نائب الرئيس الأمريكي السابق كلينتون الذي تعرض لقضية التغير المناخي الخطير، ولاسيما ظاهرة الاحتباس الحراري. 
  وما يميز المدرسة الواقعة وسط الطبيعة أنها مبنية من نبات البامبو (الخيزران) وفصولها من غير جدران، مسقوفة بالبامبو وبمواد معاد تدويرها كالبلاستيك؛ والمقاعد والسبورات فيها مصنوعة من مواد طبيعية، وتضاء بنور الشمس، وتستخدم طاقة مولدة من المياه والشمس، وتحيط بها مساحات خضراء، وتعيش في ربوعها حيوانات أليفة. وإلى جانب القراءة والكتابة والحساب، يتعلم الأطفال فيها دورة حياة الأرز الذي يعد جزءًا من الثقافة المحلية، بدءاً من الزراعة حتى الحصاد والطبخ. كما يتعلمون صنع السماد العضوي، ويساهمون في الزراعة التي تؤمن وجبات لمئات الأشخاص يوميّاً، هذا بالإضافة إلى تعلم الفنون التقليدية، والبناء بالبامبو. وتهتم المدرسة التي يعمل بها عديد من المتطوعين من أماكن متفرقة من الأرض  بالبعد العالمي، حيث تنظم اجتماعات على مستوى دولي تجمع قادة المستقبل الخضر. 
وتقوم هذه المدرسة الخضراء على فلسفة التربية الكلية التي تعنى بالبدن، والوجدان، والعقل، والروح والعلاقات، وعلى مبادئ بسيطة مثل الاهتمام بالبعد المحلي وبالبيئة وبالتفكير في مستقبل الأجيال القادمة من الأحفاد. ونتيجة لتميزها حصلت مدرسة بالي على جائزة «المدرسة الأكثر اخضراراً» من مجلس البناء الأخضر الأمريكي في 2012. وفي صيف 2014 قام السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارتها ليشهد التوقيع على اتفاقية بين المدرسة وجمهورية إندونيسيا ووكالات الأمم المتحدة لتبادل المعلومات ومشاركة الدروس المستفادة وأفضل الممارسات لتشجيع التعليم الأخضر عبر إندونيسيا، على أن يتم الالتزام بتعيين مليون من السفراء الشباب الخضر في مدارس إندونيسيا مع حلول عام 2017. وهكذا جذبت المدرسة مناصرين لفكرة الاستدامة ممن شيَّدوا بيوتاً ومطاعم حولها، ليتكون مجتمع مستدام. 

قرية من البامبو
بعد بناء المدرسة ألهم الوالدان المبدعان هاردي ابنتهما إلورا التي تربت في بالي ببناء أكبر قرية كاملة من البامبو. فقد أرادت إلورا التي صممت في طفولتها بيتاً على شكل نبات المشروم -نفذ في ما بعد، فكان مسقوفاً بسلة بامبو كبيرة- أن تكون عنصراً فاعلاً وجزءاً من مستقبل مستدام، وبناء على ذلك هجرت وظيفتها المرموقة مصممة رسوم أقمشة ناجحة في عالم الأزياء بنيويورك. وبوحي من البامبو الذي زرعه والدها بالقرب من منزله في بالي أسست شركة إيبكو (تعني أمنا الأرض)  للبناء بالبامبو، في إطار حركة ببالي قادتها ليندا غارلن التي اكتشفت معالجة آمنة للبامبو ضد الحشرات بمحلول البوراكس الطبيعي، تجعله قابلاً للاستخدام في البناء بقوة تمكنه من الاستمرار لأجيال. ونجحت إلورا وفريقها المكون من شباب المهندسين والمعماريين والمصممين الموهوبين المحليين في بناء مجتمع حول منطقة المدرسة مكون من بيوت متفردة من البامبو متواصلة مع الطبيعة وصديقة للبيئة، وذلك من دون إزعاج الأرض باستخدام آليات ثقيلة كالبلدوزر لتمهيدها، بل بالبناء على أرض مائلة بصورة تحترم طبيعة الأرض. ومن البامبو أيضاً صُنع أثاث وصممت التفاصيل الداخلية يدويا، كما شُيد أول حمام سباحة من البامبو، ومصنع للشيكولا، ووحدة صراف آلي تعمل بالطاقة الشمسية، ومخازن لإعادة تدوير النفايات تتميز بالتكلفة البسيطة ومقاومة للزلازل، وفندق يلهم الرواد بأسلوب حياة مستدام في إطار ثورة بامبو.

مدارس المزرعة والحديقة
هناك مدارس خضراء المفهوم، وإن اختلفت في تسمياتها، كمدارس المزرعة ومدارس الحديقة؛ حيث تعتبر أمور مثل البستنة gardening من الطرق الناجحة لربط الطلاب بالطبيعة ليعيشوا خبرة حقيقية مع  الأرض. وللعمل في زراعة الحديقة فوائد عديدة منها رؤية الثمار المزروعة، والعمل بانسجام مع قوى الطبيعة وتعلم العمل ضمن فريق. ومن المدارس البيئية التي تقوم على خبرة التواصل مع الطبيعة، مدرسة أوجيا Ojiya الابتدائية، وهي مدرسة نموذجية كبيرة تقع بالقرب من مدينة ناغاوكا بغرب اليابان. وتركز على توطيد العلاقة بالعالم الطبيعي، فهي تشبه المزرعة الصغيرة، وتضم عدداً كبيراً من الحيوانات والطيور كالأرانب، والدجاج، والماعز، والسلاحف التي توجد معظم الوقت في منطقة تسمى بـ«مرعى الصداقة»، ويحب الأطفال الذهاب إلى المرعى ليلمسوا الحيوانات ويحملوها ويتحدثوا معها، ويهتموا بها وينظفوا مخلفاتها. 
وتهتم المدرسة أيضاً بزراعة الأشجار في ساحتها الخلفية المعروفة بـ«غابة موطن ياشو» والتي تضم 290 نوعاً من الأشجار على مساحة تبلغ 120 متراً مربعاً تقريباً؛ أقامها الطلاب بمساعدة المعلمين وأولياء الأمور بعد مسح المنطقة المحيطة بالمدرسة والعثور على 96 نوعاً من الأشجار والشجيرات المحلية. وحازت «الغابة» اهتمام الأطفال وراحوا يراقبونها بشغف، ويتحدثون إلى الأشجار ويكتبون من وحيها قصائد كأن يكتب طالب: «رأيت الأشجار في الأرض/ تتحرك كما لو أنها ترقص/ألا تشعر بالثقل/ عندما يتراكم الثلج على أغصانها؟». ولا تقتصر العلاقة بالبيئة على وجوه نشاط المدرسة الصيفية فحسب، بل تتناولها الدروس في الفصول أيضاً؛ ويتحمس أولياء الأمور لجمع تبرعات للعناية بـ«الغابة». وهكذا يجلب مدخل مزارع وحدائق التعلم الحياة للمدارس، والمدارس للحياة. 

   مدارس الغابة 
   تعد مدارس الغابة من المدارس الخضراء أيضاً، كمدارس الغابة بالسويد التي بدأت في 1985، على يد سيو ليند Siw Linde الصيدلانية التي أصبحت قائدة في برنامج سكوغسمولا (Skogsmulle  Skog بالسويدية تعني غابة، وMulle تعني اسم الشخصية) ويقوم برنامج الأنشطة والمغامرات هذا على شخصية خيالية تساعد الأطفال على تعلم حب الكوكب والمحافظة عليه وعلى جميع المخلوقات الحية فيه، وحسبما تقول الحكاية فإن هذه الشخصية تعيش في الغابة، ويذهب الأطفال في رحلات لزيارتها وتحكي لهم حكايات، وتتحدث إليهم عن الغابة وتعلمهم أغاني تدور حول المخلوقات والنباتات. 
وفي الحقيقة أن أحدهم يلبس ملابس ليمثل دور سكوغسمولا، إلى جانب أصدقائه ليكس Laxe الذي يعيش في الماء، ويعلم الأطفال الاهتمام بالأنهار والجداول؛  وفجالفينا Fjallfina الذي يعيش في الجبال ويعطي الأطفال معلومات حول حياة النباتات والحيوانات في الأعالي؛ ونوفا Nova التي تأتي من كوكب آخر غير ملوث، وتخبر الأطفال عبر حكاياتها عن الملوثات في كوكب الأرض. وهكذا يستمتع الأطفال بوجودهم في الطبيعة وبرعايتها ومعرفتها بصورة مسلية ومثيرة للخيال عبر هذه الشخصيات التي أصبحت رموزاً وطنية ودولية لتقدير الطبيعة وحمايتها؛ كما تتاح للأطفال فرصة لعيش خبرة مباشرة في الطبيعة، حيث يتذوقون ويشمون ويستمعون ويشعرون ويلاحظون ويلتقطون الأفكار حول الأشياء المختلفة، ويتوصلون لاستنتاجات ويكتشفون الطبيعة، وهو ما لا تتيحه الصور والحكايات وحدها، إذ لا تستطيع خلق الشعور بالطبيعة الحية، ولا إثارة الفضول والأسئلة كما ينبغي. وبالتجربة الحية مع الطبيعة وبمساعدة المعلمين وأولياء الأمور يتعلم الأطفال قوانين الطبيعة ودوراتها. 
ومع استمرار عمل سيو ليند في سكوغسمالا، تلقت تدريباً آخر لتصبح ممرضة في روضة أطفال، وبعد أن لاحظت مدى حب الأطفال للعب والحكايات والانطلاق في الطبيعة فكرت في تأسيس روضة أطفال «مطر أو صحو» على غرار برنامج شخصية الغابة، بدأتها بستة أطفال على مبادئ، كمقابلة حاجة الأطفال للمعرفة والنشاط والاجتماع في الطبيعة، وتعلم الأطفال العيش في الطبيعة، وكيفية حمايتها عبر المرح معاً في الغابة، وفي الحقول والجبال طوال العام، وفي مختلف الأحوال الجوية، والتعاون مع أولياء الأمور للحفاظ على مستوى وجوه النشاط الخارجية، ومبدأ آخر مهم هو أن الطبيعة ليست محصنة ضد التدمير، ولهذا ينبغي تغيير اتجاهات الناس بتحسين معرفتهم بالطبيعة وتعميق فهمهم العلاقات المتبادلة فيها. 
ومع حلول ربيع 1986، ارتفع عدد الطلاب بعد انتشار كلمة سكوغسمالا عن طريق الصحفيين والمعلمين الذين جاءوا لاستطلاع التجربة، مما دفع سيو ليند لإعداد دورات تدريبية للمعلمين المهتمين بهذا النوع من التمدرس. وفي منتصف تسعينيات القرن الماضي تبنت جمعية HH-Friluftsframjandet التطوعية غير الحكومية الروضة، وتم افتتاح أكثر من 180 فرعاً من روضة «مطر أو صحو»، وثماني عشرة مدرسة ابتدائية تسير على النهج نفسه. ومن السويد انتقلت التجربة إلى بلدان أخرى كاليابان، وألمانيا وروسيا، وفنلندا، والنرويج. وبعد أن كان البرنامج للأطفال ما بين الخامسة والسادسة، ونتيجة لتزايد الطلب عليه من جانب أولياء الأمور تم التوسع فيه ليشمل فئات مختلفة كفئة أطفال العام والعامين لاستطلاع الطبيعة مع أولياء الأمور والأطفال الأكبر؛ وفئة الثلاثة والأربعة أعوام للعب والغناء في الطبيعة واستكشافها؛ وفئة السابعة حتى العاشرة، حيث التجمعات المنظمة؛ وفئة الحادية عشرة حتى الثالثة عشرة التي تركز على أنشطة مثل رحلات المشي لمسافات طويلة، ومعسكرات المبيت، إضافة إلى فئة الرابعة عشرة وما فوق التي تخطط لرحلات خارجية بحرية أو في الغابات أو الجبال. ومما يذكر أن 80 في المائة من وجوه نشاط هذه المدارس تحدث في الخارج عن طريق اللعب، كالبحث في الطبيعة عن أشكال الحروف، ومعرفة الدورات الزمنية، وتعلم التسلق والتزلج، وإشعال النار والطبخ واستخدام عصائر النباتات للرسم، ومع مرور الوقت أكدت دراسات أجريت على المدارس أهمية أنماط النشاط الخارجية والتعامل مع الطبيعة لاستثارة الأدمغة، والتقليل من مستويات التوتر، وتحسين عمل الذاكرة؛ وبينت أن الطلاب يمتلكون وعياً بيئيّاً، وقدرة على التركيز والملاحظة، وقوة حركية تفوق أقرانهم في المدارس التقليدية، مع تدن واضح لنسب الغياب. واستلهاماً من التجربة ظهرت في بريطانيا واسكتلندا مبادرة تربية الغابة FEI لدعم تطوير وانتشار مدارس الغابة بتقديم الخبرة، وإنشاء شبكة لتبادل التجارب.

رابطة المدارس الخضراء (GSA)
أُسست رابطة المدارس الخضراء في يونيو 2007 في استجابة لتحدي عمدة مدينة نيويورك بلومبيرج لمؤسسات المدينة لخفض آثار الكربون بنسبة 30 في المائة مع حلول 2030، وفي أكتوبر من العام نفسه اجتمعت 46 مدرسة لاستكشاف التغيير المناخي وما يمكن أن تفعله المدارس في هذا الشأن، وتضم الرابطة اليوم آلاف المدارس التي تنتمي إلى ما يزيد على 44 دولة حول العالم منها الأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وكولومبيا، وهونج كونج، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، وكينيا، ومالاوي وماليزيا، والمكسيك، وناميبيا، ونيبال، ونيوزيلندا، وباكستان والصومال، وبولندا، ورومانيا، وروسيا، وسويسرا، وتايوان، وتركيا، وأوغندا، بالإضافة إلى أمريكا التي تحتل مدارس بعض ولاياتها كنيويورك وكاليفورنيا أكبر عدد من المدارس الأعضاء تحت قيادة مؤسستها ورئيستها التنفيذية مارجريت واتسون المعمارية الخضراء، وواحدة من خبراء مواد البناء الخضراء التي شاركت في مشروع تخضير البيت الأبيض في 1993، وأسست «خيارات بيئية عالمية» في 1994 لتطوير وتنفيذ المبادرات الخضراء؛ وركزت على المشروعات التي تساعد على بناء مستقبل آمن ومستدام للأطفال. 
وتهدف الرابطة عبر شبكتها العالمية التي تضمن ممثلين عن الطلاب وهيئات التدريس والإداريين إلى خدمة المدارس في ما يتعلق بمخاطبة تحديات المناخ، على اعتبار أن المدارس محاور تحويلية للمجتمعات حول العالم من حيث قدرتها على بناء المرونة وتحويل الأسواق والسياسات والسلوكيات وإعداد الجيل المقبل من المجددين، ومن مهمات الرابطة مشاركة وتنفيذ أفضل الممارسات المستدامة وتشجيع التواصل بين المدارس والبلدان والبيئيين؛ وذلك بتنظيم المنتديات وتبادل المصادر وتقديم برامج أصيلة وفرص تعليم تدمج التعليم بالعمل وتربط الشباب بالطبيعية, تشارك في وضعها المدارس الأعضاء, وتعاونها شراكات من المنظمات الحكومية وغير الحكومية في مجالات متعددة كاليونيسف، ومبادرة كلينتون للمناخ، ورابطات تعليمية، وشركاء من قطاع الأعمال .