رافع الناصري... فنان الرؤية الجديدة

رافع الناصري... فنان الرؤية الجديدة

في‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الفنان‭ ‬رافع‭ ‬الناصري‭ (‬1940‭ - ‬2013‭)‬،‭ ‬تجربة‭ ‬إبداعية‭ ‬ومنجز‭ ‬فني،‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬الفصل‭ ‬بينه‭ - ‬فكراً‭ ‬وتفكيراً‭ - ‬وبين‭ ‬فنّه‭ ‬،‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬رؤية‭ ‬لا‭ ‬تنفصل،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬كلّه،‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عن‭ ‬بيئته‭ ‬المكانية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬منها‭ ‬منطلقه‭ ‬التكويني‭.‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬حقبة‭ ‬ستينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬التي‭ ‬ظهر‭ ‬فيها‭ ‬فناناً،‭ (‬حيث‭ ‬أقام‭ ‬معرضه‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬عام‭ ‬1965‭)‬،‭ ‬ومارس‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬بروح‭ ‬إبداعية‭ ‬مجدِّدة،‭ ‬حقبة‭ ‬تغيرات‭ ‬جذرية‭ ‬في‭ ‬الفن،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والقصة‭ ‬صعوداً‭ ‬إلى‭ ‬المسرح‭ ‬والرواية،‭ ‬فهي‭ ‬الحقبة‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬فتحت‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬الحداثة‭ ‬والتجديد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬المعطيات‭ ‬المكانية،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬مسألة‭ ‬التفرد‭ ‬بالرؤية‭ ‬والأسلوب‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬أعمال‭ ‬فناني‭ ‬هذه‭ ‬الحقبة‭. ‬

‭ ‬هذا‭ ‬الفنان‭ ‬المتحدر‭ ‬من‭ ‬بيئة‭ ‬مكانية‭ ‬يحدها‭ ‬النهر‭ ‬والماء‭ ‬شرقاً،‭ ‬وتجاورها‭ ‬الصحراء‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬الغرب،‭ ‬جعل‭ ‬للمكان‭ ‬خصوصيته‭ ‬وتأثيره‭ ‬الانعكاسي‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭. ‬

وبقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الشمس‭ ‬في‭ ‬شروقها‭ ‬تنعكس‭ ‬على‭ ‬ماء‭ ‬النهر‭ ‬بتموجات‭ ‬لونية‭ ‬متحركة،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جنوحها‭ ‬نحو‭ ‬الغروب‭ ‬تشكل‭ ‬مشاهد‭ ‬أخرى‭ ‬لها‭ ‬انعكاساتها،‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصحراء‭ ‬من‭ ‬أحجار‭ ‬ورمال‭ ‬خشنة،‭ ‬لتؤلف،‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬الفنان‭ ‬أشكالاً‭ ‬تمتد‭ ‬بظلالها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأرض‭ ‬الصحراوية‭ ‬برمالها‭ ‬الخشنة،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬عمله‭ ‬الفني‭ ‬يكتسب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬الذي‭ ‬تمتاز‭ ‬به‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬ولد‭ ‬فيها‭ ‬ونشأ‭ ‬نشأته‭ ‬الأولى،‭ ‬لتشكل،‭ ‬من‭ ‬بعد،‭ ‬علامات‭ ‬دالة‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬وفي‭ ‬تفردات‭ ‬اللون‭ ‬عنده،‭ ‬وكأنه‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يرسم‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬اسرّب‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬اختزنه‭ ‬لاوعيه،‭ ‬أو‭ ‬ذاكرته‭ ‬البَصَرية‭ ‬منها‭. ‬وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬عنصران‭ ‬ظلا‭ ‬ملازمين‭ ‬لعمله‭ ‬الفني،‭ ‬هما‭: ‬الإحساس،‭ (‬ومصدره‭ ‬الطبيعة،‭ ‬بما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬غزارة‭ ‬وفيها‭ ‬من‭ ‬تنوّع‭)‬،‭ ‬والتفكير‭ (‬الذي‭ ‬تحكمه‭ ‬رؤية‭ ‬فنية‭ ‬للأشياء،‭ ‬يعود‭ ‬بعضها‭ ‬إلى‭ ‬الذاكرة‭ - ‬في‭ ‬ما‭ ‬تحمل‭ ‬من‭ ‬موروث‭ ‬بيئي،‭ ‬أو‭ ‬مما‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬ومشاهد‭ ‬نجد‭ ‬الفنان‭ ‬يجعل‭ ‬لها‭ ‬دلالاتها‭ ‬الموضوعية‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬ترمز‭ ‬للشيء‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تجسده‭). ‬افالرؤية‭ ‬المكثفة‭ ‬باللون‭ - ‬كما‭ ‬تراها‭ ‬الناقدة‭ ‬مي‭ ‬مظفر‭ - ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬الذاكرة،‭ ‬تبدو‭ ‬عالماً‭ ‬لا‭ ‬أرضياً،‭ ‬ولكنها‭ ‬تستيقظ‭ ‬حين‭ ‬يخترقها‭ ‬سهم‭ ‬رقيق‭ ‬يمتد‭ ‬صريحاً‭ ‬ليُعبّر‭ ‬عن‭ ‬مشهد‭ ‬يوميب‭.‬

 

آفاق‭ ‬مضافة

هذا‭ ‬الإمساك‭ ‬بـ‭ ‬االرؤية‭ ‬التكوينيةب‭ ‬للعمل‭ ‬الفني،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو،‭ ‬ارتبطت‭ ‬به‭/ ‬وصدرت‭ ‬عنه‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬للفنان،‭ ‬التي‭ ‬سيبلورها‭ ‬في‭ ‬بنى‭ ‬قائمة‭ ‬بذاتها،‭ ‬مع‭ ‬ملاحظة‭ ‬أن‭ ‬العلاقة‭ ‬بالمكان‭ ‬لم‭ ‬تأخذ‭ ‬عنده‭ ‬صيغة‭ ‬االشكل‭ ‬القائمب‭ ‬بذاته،‭ ‬وإنما‭ ‬أخذت‭ ‬أبعاد‭ ‬التعبير‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬بُعدين‭: ‬ما‭ ‬يتجسم‭ ‬فيه‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬تعبيرية،‭ ‬وما‭ ‬يتجسد‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬انثيالات‭ ‬لونية‭ ‬أساسها‭ ‬عمق‭ ‬الإحساس‭ ‬بالمكان،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬أسلوبه‭ ‬وثيق‭ ‬الصلة‭ ‬بجماليات‭ ‬الفن‭ ‬المعاصر‭.‬

هذه‭ ‬الجمالية،‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬تسميتها‭ ‬بـاالجمالية‭ ‬الممكنةب‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬ما‭ ‬لعمل‭ ‬الفنان‭ ‬من‭ ‬خصوصية‭ ‬الرؤية،‭ ‬نجده‭ ‬يطوّرها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تطوير‭ ‬منظوره‭ ‬الفني،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬تنميتها‭ ‬بالاستخدام‭ ‬البارع‭ ‬للون،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬لتجربته‭/ ‬رؤيته‭ ‬طرائق‭ ‬تكوّنها‭ ‬الفني‭ ‬الخاص‭.‬

 

فنان‭ ‬الرؤية‭ ‬الجديدة

هذا‭ ‬كله‭ ‬نابع‭ ‬من‭ ‬االرؤية‭ ‬الجديدةب‭ ‬التي‭ ‬سيؤكدها‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬مجايليه‭ (‬1969‭)‬،‭ ‬باعتبارهم‭ ‬االفن‭ ‬ممارسة‭ ‬موقف‭ ‬إزاء‭ ‬العالم،‭ ‬وعملية‭ ‬تجاوز‭ ‬مستمرة،‭ ‬واكتشافاً‭ ‬لداخل‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التغييرب‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬االرؤية‭ ‬الفنيةب،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬رأى،‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬استخدام‭ ‬الفنان‭ ‬لعالميه‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي،‭ ‬جاعلاً‭ ‬منهما‭ ‬عماداً‭ ‬لما‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬بنائه‭ ‬من‭ ‬عالم‭ ‬جديد‭. ‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ - ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬االرؤية‭ ‬الجديدةب‭ - ‬هي‭ ‬الحضور‭ ‬المتحقق‭ ‬في‭ ‬اللوحة،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الحضور‭ ‬هو‭ ‬ذات‭ ‬قلقة‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬هويّة‭ ‬حضارية،‭ ‬فإن‭ ‬الأسطورة‭ ‬والحس‭ ‬التاريخي‭ ‬يصبحان‭ ‬االوسيط‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬الفنان‭ ‬بعالمه‭ ‬الجديدب‭.‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬هذا‭ ‬جاء‭ ‬تعريفه‭ (‬تعريفهم‭) ‬الفن‭ ‬بأنه‭ ‬اكل‭ ‬إبداع‭ ‬جديدب،‭ ‬ناظراً‭ (‬ناظرين‭) ‬إلى‭ ‬االتراث‭ ‬القومي‭ ‬والإنسانيب‭ ‬لكونه‭ ‬رافدهم‭ ‬عبر‭ ‬رحلة‭ ‬التغيير‭ ‬والإبداع،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬اممارسة‭ ‬الفن‭ ‬رهن‭ ‬بممارسة‭ ‬الإنسان‭ ‬لجوهره‭ ‬الإنسانيب‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬تولدت‭ ‬علاقته‭ ‬بالحرف‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬سيجعل‭ ‬منه‭ ‬عنصراً‭ ‬تشكيلياً،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬مختلف‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬اتبع‭ ‬زملاؤه‭ ‬من‭ ‬طرائق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بـ‭ ‬اتشكيلية‭ ‬الحرفب‭. ‬فعلاقته‭ ‬بالحرف،‭ ‬كما‭ ‬يقول،‭ ‬نابعة‭ ‬من‭ ‬اعلاقة‭ ‬رسام‭ ‬واجه‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬الغربب،‭ ‬الذي‭ ‬أمضى‭ ‬فيه‭ ‬فترات‭ ‬من‭ ‬سني‭ ‬الستينيات‭ ‬لدراسة‭ ‬الفن،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬اإذا‭ ‬استعرضنا‭ ‬أعمال‭ ‬معظم‭ ‬الفنانين‭ ‬الحروفيينب‭ ‬فسنجدهم‭ ‬استخدموا‭ ‬الحرف‭ ‬العربي‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬الغربة،‭ ‬مستثنياً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الفنان‭ ‬شاكر‭ ‬حسن‭ ‬آل‭ ‬سعيد،‭ ‬لكونه‭ ‬االوحيد‭ ‬الذي‭ ‬استخدمه‭ ‬وهو‭ ‬داخل‭ ‬الوطنب‭.‬

لقد‭ ‬جاءت‭ ‬تجربته‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الحرف‭ ‬استخداماً‭ ‬تشكيلياً‭ ‬من‭ ‬رغبته‭ ‬افي‭ ‬تكوين‭ ‬لوحة‭ ‬تجريدية‭ ‬ذات‭ ‬ملامح‭ ‬خاصة‭ ‬بهب‭. ‬

وكان‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬الأسلوب‭ ‬التجريدي‭ ‬الدافع‭ ‬الأكبر‭ ‬له‭ ‬باتجاه‭ ‬الحرف‭. ‬بل‭ ‬يؤكـــــد‭ ‬أنـــه‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الحرف،‭ ‬وهو‭ ‬يوظــــفه‭ ‬فــــي‭ ‬بنــــاء‭ ‬عمــــله‭ ‬الفــــني،‭ ‬تميّزاً‭ ‬وخصوصية،‭ ‬مع‭ ‬ملاحظــــة‭ ‬أن‭ ‬الحرف‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬اليس‭ ‬عنصراً‭ ‬مضــافاً‭ ‬إلى‭ ‬التكــــويـــــن،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬قيمة‭ ‬زخرفية،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬عنصر‭ ‬خطـــي‭ ‬نـــابع‭ ‬من‭ ‬صلب‭ ‬التكوين،‭ ‬ومركز‭ ‬يتمحور‭ ‬حوله‭ ‬الموضوعب‭.‬

ويربط‭ ‬توظيفه‭ ‬الحرف‭ ‬تشكيلياً‭ ‬بانتقاله‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬من‭ ‬الواقعية‭ ‬إلى‭ ‬التجريدية،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الغربة،‭ ‬إذ‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬الحرف‭ ‬العربي‭ ‬أخذ‭ ‬يُحيله،‭ ‬فناناً،‭ ‬اإلى‭ ‬حالة‭ ‬روحيةب،‭ ‬ليأخذ‭ ‬نزوعه‭ ‬هذا‭ ‬بالتركّز‭ ‬التدريجي،‭ ‬بل‭ ‬وجده‭ ‬يعطيه‭ ‬انوعاً‭ ‬من‭ ‬الأسلوبيةب،‭ ‬إلا‭ ‬أنه،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬وجد‭ ‬أن‭ ‬التجربة‭ ‬التشكيلية‭ ‬مع‭ ‬الحرف‭ ‬لا‭ ‬تُعطي‭ ‬الكثير،‭ ‬فعزف‭ ‬عنها،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬مجايليه،‭ ‬وأبرزهم‭  ‬الفنان‭ ‬ضياء‭ ‬العزاوي،‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬تجربته‭ ‬مع‭ ‬الحرف‭ (‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1967‭ ‬و1969‭) ‬شكلت‭ ‬امساهمة‭ ‬تاريخية‭ ‬فتحت‭ ‬أمامه‭ ‬نوافذ‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التنوّع،‭ ‬كان‭ ‬قادراً‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬على‭ ‬تفكيكها،‭ ‬ثم‭ ‬إعادة‭ ‬بنائها‭ ‬بأشكال‭ ‬مغايرة‭ ‬وجديدة‭.‬

إن‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الغربة‭ - ‬استنفدت‭ ‬الربع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬عمره‭ - ‬كانت‭ ‬كافية‭ ‬لأن‭ ‬تُحدث‭ ‬من‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬الفني،‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬أمام‭ ‬نفسه‭ ‬وفنّه‭ ‬آفاقاً‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬التنوّع‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬منه‭ ‬وسيلته‭ ‬لتأكيد‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لهذه‭ ‬االذاتب‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬التكوين،‭ ‬وبما‭ ‬تختزن‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬حيّة،‭ ‬ليعيد‭ ‬بناءها‭ ‬بأشكال‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تنفصل‭ ‬عما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬خصوصية‭ ‬فنية،‭ ‬ومن‭ ‬ثقافة‭ ‬بَصَريّة‭ ‬متعددة‭ ‬المصادر،‭ ‬ومتداخلة‭ ‬التكوين‭.‬

 

البيئة‭ ‬الأولى‭ - ‬المنطلق

يسجل‭ ‬الفنان‭ ‬تأثيرات‭ ‬البيئة‭ ‬الأولى‭ ‬عليه،‭ ‬بما‭ ‬حفرت‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬ذاته‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬حيّة،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬ارتبط‭ ‬بالنهر‭ ‬وجوداً‭ ‬ورمزاً‭ ‬دالاً‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يرتبط‭ ‬بسواه‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬الطبيعة‭.‬

ويؤكد‭ ‬أنه‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬مرّ‭ ‬ابأنهار‭ ‬وبحار‭ ‬كثيرةب،‭ ‬وأقام‭ ‬ابجوار‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬الشرق‭ ‬والغربب،‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬متعة‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬نهره‭ ‬الأول‭: ‬ادجلةب،‭ ‬االذي‭ ‬أنتمي‭ ‬إليه‭ ‬جسماً‭ ‬ووجداناً‭. ‬فما‭ ‬انطبع‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬ذاكرتي‭ ‬لايزال‭ ‬يتجلى‭ ‬أمام‭ ‬عيني‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الأيام‭ ‬مقترناً‭ ‬بأشكال‭ ‬وألوان‭ ‬وقصص‭ ‬طريفة‭ ‬تنسج‭ ‬بمجملها‭ ‬مشهداً‭ ‬مثالياً‭ ‬للحلم‭ ‬الجميلب‭ ‬وظل‭ ‬يرسم‭ ‬ابجانب‭ ‬النهرب‭ ‬ويتأمل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬للنهر‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬مترامية‭ ‬ترامي‭ ‬فسحة‭ ‬النظر‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬الفنان‭ ‬الهولندي‭ ‬ارامبرانتب‭ (‬1606‭ - ‬1669‭) ‬مثاله‭ ‬في‭ ‬الفن‭. ‬فهو‭ - ‬كما‭ ‬يؤكد‭-  ‬مَنْ‭ ‬ساعده‭ ‬اعلى‭ ‬فهم‭ ‬حساسية‭ ‬الضوء‭ ‬والظل‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬المرسومة،‭ ‬أو‭ ‬المحفورة،‭ ‬وفي‭ ‬كيفية‭ ‬الانتقال‭ ‬والتدرّج‭ ‬بالألوان‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الأكثر‭ ‬إثارة‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭ ‬الأكثر‭ ‬عتمةب‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ - ‬كما‭ ‬ترى‭ ‬رفيقة‭ ‬حياته‭ ‬الشاعرة‭ ‬والناقدة‭ ‬مي‭ ‬مظفر‭ - ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬غربته‭ ‬الأخيرة‭ ‬هذه‭ ‬قد‭ ‬عمد‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬خزنه‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬حياته‭ ‬الفنية‭ ‬والوجودية‭ ‬معاً‭ ‬لإيجاد‭ ‬اعمل‭ ‬فني‭ ‬مسكون‭ ‬بالجمال‭ ‬صياغة‭ ‬وفكراًب،‭ ‬فإنه‭ ‬ظل‭ ‬في‭ ‬غربته‭ ‬الأخيرة‭ (‬التي‭ ‬امتدت‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬وحتى‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬2014‭)‬،‭ ‬ايبحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬بَصَريّة‭ ‬يعبّر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬معاناته‭ ‬النفسية‭ ‬الشديدة‭ ‬وهو‭ ‬يُتابع،‭ ‬ويرى‭ ‬تدهور‭ ‬الوضع‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وتفككه،‭ ‬بل‭ ‬انهيار‭ ‬بلد‭ ‬عريق‭ ‬كان‭ ‬منشأً‭ ‬ومركزاً‭ ‬لأرقى‭ ‬الحضارات‭ ‬في‭ ‬العالمب‭.‬

 

المعرفة‭ ‬البَصَريّة

العمل‭ ‬الفني‭ ‬عند‭ ‬الفنان‭ ‬الناصري‭ ‬حركة‭ ‬حواس‭ (‬إذا‭ ‬جاز‭ ‬التعبير‭ ‬للتخصيص،‭ ‬لا‭ ‬الإطلاق‭). ‬فهناك‭ ‬البَصَر‭ ‬النافذ‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الأشياء،‭ ‬المرتقي‭ ‬بها،‭ ‬لوناً،‭ ‬من‭ ‬الأرض‭ - ‬محدودة‭ ‬الأفق،‭ ‬إلى‭ ‬سماء‭ ‬مفتوحة‭ ‬يتدرج‭ ‬فيها‭ ‬اللون‭ ‬حتى‭ ‬ينتهي‭ ‬عند‭ ‬لا‭ ‬نهاياتها،‭ ‬وهناك‭ ‬السَمْع،‭ ‬أيضاً،‭ ‬الذي‭ ‬تتطلع‭ ‬إليه‭ ‬الأصوات‭ ‬في‭ ‬نغمات‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الموسيقى‭ - ‬بما‭ ‬يجعل‭ ‬للون‭ ‬إيقاعاته‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬اللوحة‭. ‬

وهناك‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الرؤية‭ ‬واللمس‭ ‬ليمتدا‭ ‬معاً‭ ‬بتواصلات‭ ‬لها‭ ‬ظلالها‭ ‬التي‭ ‬تقترب‭ ‬منها‭ ‬اقتراب‭ ‬الشمس‭ ‬من‭ ‬أفق‭ ‬المغيب‭. ‬فهو‭ ‬الفنان‭ ‬الذي‭ ‬امتاز‭ ‬بغنى‭ ‬معرفته‭ ‬البَصَريّة،‭ ‬وما‭ ‬لهذه‭ ‬المعرفة‭ ‬من‭ ‬جذور‭ ‬ممتدة‭ ‬في‭ ‬المكان،‭ ‬وفي‭ ‬ثقافة‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬لنجدها‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬الأخيرة‭ ‬تتواتر‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬إيقاعات،‭ ‬وبتداخل‭ ‬فني‭ ‬بارع‭: ‬إيقاع‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬بُعد‭ ‬وامتداد‭ ‬روحي،‭ ‬وإيقاع‭ ‬الأشكال‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬عنده‭ ‬حركية‭ ‬تكوينية‭ ‬وجودية‭ ‬التنوّع،‭ ‬ثم‭ ‬إيقاع‭ ‬اللون‭/ ‬التعبير‭ ‬الذي‭ ‬يستعيد‭ ‬ما‭ ‬اختزن‭ ‬من‭ ‬مرئي‭ ‬فيُعيد‭ ‬تمثيله‭.‬

لا‭ ‬يعني‭ ‬هذا،‭ ‬ولا‭ ‬نعني‭ ‬به،‭ ‬أن‭ ‬الممارسة‭ ‬الفنية‭ ‬للفنان‭ ‬رافع‭ ‬الناصري‭ ‬تعتمد‭ ‬الإسقاط‭ ‬الذاتي‭ ‬للمشاعر‭ ‬والأحاسيس‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الإظهار‭ ‬لحقيقة‭ ‬وجود‭ ‬بعينه،‭ ‬بتفاصيله‭ ‬هذه،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون،‭ ‬كما‭ ‬تبدو،‭ ‬تفاصيل‭ ‬صغيرة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اجتماعها‭ ‬يُفصح‭ ‬عن‭ ‬اجاذبيتها‭ ‬السريةب‭.‬

وهو،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬كلّه،‭ ‬لا‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬كبحثه‭ ‬عن‭ ‬جمالية‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭: ‬الجمالية‭ ‬التي‭ ‬تعكسها‭ ‬فكرة،‭ ‬أو‭ ‬تحملها‭ ‬رؤية،‭ ‬أو‭ ‬ينبض‭ ‬بها‭ ‬إحساس،‭ ‬وليست‭ ‬االجمالية‭ ‬المطلقةب‭.‬

بتعبير‭ ‬آخر‭: ‬إن‭ ‬لجمالية‭ ‬العمل‭ ‬الفني‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬الفنان‭ ‬الناصري‭ ‬منطقها،‭ ‬ومحدداتها‭ ‬التي‭ ‬تتعيّن‭ ‬بها،‭ ‬متمثلة‭ ‬بما‭ ‬انفتح‭ ‬عليه‭ ‬رؤية‭ ‬في‭ ‬الوجود،‭ ‬واستوعبه‭ ‬عقلاً‭ ‬بما‭ ‬اجتمع‭ ‬من‭ ‬علاقات،‭ ‬فعزز‭ ‬الرؤية‭ ‬الفنية‭ ‬برؤية‭ ‬عقلية‭ ‬أحكمت‭ ‬آفاق‭ ‬العمل‭. ‬

فالفضاء‭ ‬الذي‭ ‬تحرك‭ ‬فيه‭ ‬دافعاً‭ ‬بحقيقته‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭ ‬الفني،‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬منجزاً‭ ‬له‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬المعطى‭ ‬الذي‭ ‬كشف‭ ‬عالم‭ ‬الفنان‭ ‬بمختلف‭ ‬تفاصيله‭.‬

هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬اوجودية‭ ‬الوجودب،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬اذاتية‭ ‬التكوينب‭. ‬وفي‭ ‬الحالتين‭ ‬نجد‭ ‬الفنان‭ ‬يملأ‭ ‬فضاء‭ ‬عمله‭/ ‬لوحته‭ ‬بتكوينات‭ ‬واقعية‭ ‬الأصول،‭ ‬متخيلية‭ ‬التجسيد‭. ‬وهنا‭ ‬تتعيّن‭ ‬الرؤية،‭ ‬والتشكيل،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يحتكم‭ ‬إلى‭ ‬التلقي،‭ ‬والاستجابة‭.‬

‭ ‬وإذا‭ ‬جاء‭ ‬التلقي‭ ‬هنا‭ ‬بَصَرياً،‭ ‬فإن‭ ‬الاستجابة‭ ‬تتحقق‭ ‬ذاتياً‭ ‬لتأخذ‭ ‬مداها‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬لها،‭ ‬في‭ ‬لوحته،‭ ‬مدى‭ ‬بصرياً‭ ‬تتجسد‭ ‬فيه‭ (‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أوضح‭ ‬في‭ ‬أعماله‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬الحجم‭ ‬المألوف‭ ‬لأعماله،‭ ‬مع‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬لمسة‭ ‬ريشته‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بـاالريشة‭ ‬الناعمةب‭)‬،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬لعمله‭ ‬خصوصيته‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الأشياء‭ ‬بعمق‭ ‬تأملي،‭ ‬والتعبير‭ ‬عنها‭/ ‬تجسيدها‭ ‬ببعد‭ ‬رؤيوي،‭ ‬لتكون‭ ‬الحصيلة‭ ‬الوحة‭ ‬صافيةب‭.‬

 

الفنان،‭ ‬الجيل،‭ ‬الدَور

الفنان‭ ‬رافع‭ ‬الناصري‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬فنانين‭ ‬شكلوا‭ ‬النواة‭ ‬الإبداعية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لجيل‭ ‬الستينيات‭ ‬في‭ ‬الفن‭ ‬العراقي‭ ‬الحديث،‭ ‬دعا،‭ ‬وجيله،‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬جديد‭ ‬تعيّنت‭ ‬خطوطه‭ ‬الرئيسة‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬بيان‭ (‬بيان‭ ‬جماعة‭ ‬المجددين،‭ ‬وبيان‭ ‬الرؤية‭ ‬الجديدة‭)‬،‭ ‬تبنوا‭ ‬فيها‭ ‬أفكاراً‭ ‬ورؤى‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الفن‭.‬

وقد‭ ‬أراد‭ ‬هذا‭ ‬الجيل،‭ ‬وعبّر‭ ‬عن‭ ‬طموحه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دوراً‭ ‬فعلياً‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬الفنية‭. ‬وسيلعب‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬بوعي‭ ‬فني،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬قيم‭/ ‬بمعايير‭ ‬فنية‭ ‬جديدة‭ ‬ارتكزت،‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬ارتكزت،‭ ‬إلى‭ ‬حرية‭ ‬الرؤية،‭ ‬وإلى‭ ‬الحداثة‭ ‬أفكاراً‭ ‬ورؤى‭ ‬وأساليب،‭ ‬ما‭ ‬أتاح‭ ‬لهم‭ ‬بناء‭ ‬رؤاهم‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬عميقة‭ ‬التكوين‭.‬

لقد‭ ‬وجدوا‭ ‬أن‭ ‬حيوية‭ ‬الفن‭ ‬واستمراره‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لهما‭ ‬التحقق‭ ‬الفاعل‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تبني‭ ‬الفنان‭ ‬قيماً‭ ‬ومبادئ‭ ‬فنية‭ ‬واضحة‭ ‬التكوين‭ ‬والتوجه‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬لهم‭ ‬أسئلتهم‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬فني‭ ‬قوامه‭ ‬الموهبة،‭ ‬والثقافة‭ ‬الفنية‭ ‬المحتكمة‭ ‬للتجديد‭/ ‬الإضافة‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ .