صراع الشهوة والإرادة
إنها الإرادة - كما أفهمها - تلك الطاقة الجبارة، التي تتخلق من نبتة بالغة العمق في جذورها، وتتغذى تلك الجذور من الاهتمام والدراية بالعلم والمعرفة والمتابعة والخبرة، وهذه - أي الخبرة - صندوق مغلق مفتاحه «الشجاعة».
أما الشهوة، فهي وخز لإبرة بالغة الدقة على أكثر الأعصاب حساسية، تصدر ضوءاً يسبق - إن لم يتغلب في قواه الذاتية - حتى على الإرادة.
لا أظن أننا ننكر أن الإنسان منا يعيش ممسكاً بالأقفال والمفاتيح أيضاً للاثنتين معاً - أي الشهوة والإرادة - وهذا ما يميزنا عن الحيوان.
لكن، لابد من الاعتراف بأننا كثيراً ما نخضع أمام ضعفنا تحت مسمى «حلحلة البراغي» ونستسلم ثم نصحو لمعاقبة ذواتنا بعد فوات الأوان.
أظن أن الإنسان يولد أسيراً لهذا الصراع... وما الدوائر التي نمر بها، من أحضان الأمهات، مروراً بمختلف الهيئات التعليمية والثقافية والسياسية، وكلها دوائر مواجهة وخلط ومزج وتجارب تتأرجح ما بين الحلاوة والمرارة، وبين البسمات والدموع، وبين الوحدة والبحث عن الذات ضمن المجموع؟ يبدأ الواحد في ارتشاف قطرات المسؤولية التي تقودنا إلى مرحلة النضج، لنكتشف أن كل ما حولنا يتبدل، يتغير، يتطور، إلا ذاك الصراع الذي يولد معنا ويموت معنا... الشهوة والإرادة.
صحيح أن الموضوع يمر بكثير من عمليات التهذيب والتشذيب حتى يصل إلى مرحلة النضج، لكن هذه العمليات كفيلة بتحويل التجربة إلى مادة علمية، نهديها للجيل اللاحق بنا مرة، ونفرضها عليه مرة أخرى.
وهكذا نظل صغاراً، نستقبلها بنشوة تعادل إغلاق أصابعنا على أول عجينة من الصلصال نبدأ فيها بالعبث ثم اللعب ثم التشكيل اللاحق بالخيال الطفولي وصولاً إلى الإنجاز.
وعندما نكبر، ندفع بالشهوة في اتجاه الإرادة، حتى لا تنطلق الأخيرة من الهواء، فلا نفكر من هواء، ولا نتكلم من هواء، ولا ننجز من مجرد الهواء، إذ لابد لتلك الشهوة أن تكون منبعاً لثمرة نافعة .