تشحُّم الكبد حقائق أساسية يجب أن نعرفها
إذا كنت ممن قيل لهم في يوم من الأيام، بعد إجراء فحوص دموية روتينية أو إجراء تصوير بالأمواج فوق الصوتية للبطن (إيكو) لسبب ما، إنك مصاب بتشحم الكبد، فلا تجزع ولا تقلق، ولكن توقف عند ذلك الأمر قليلاً، وإياك أن تخلط بين تشحم الكبد وتشمعه (يظن كثير من الناس أنهما واحد)، فشتّان بين الاثنين.
في حين يعبر تشمع الكبد عن تخرب شديد وخطير وغير قابل للتراجع في وظائف الخلية الكبدية، فإن تشحم الكبد يعني ترسب المواد الدهنية في الخلايا الكبدية، والذي قد يترافق أحياناً مع حدوث التهاب فيها، وعندها قد يتطور إلى حدوث تليف كبدي ثم إلى تشمع، ثم مع الأسف إلى سرطان الخلية الكبدية، ولهذه الأسباب وجب عليك التوقف قليلاً، وأخذ الأمر على محمل الجدية، والبدء في البحث عن حلول وعلاجات لهذه المشكلة التي أصبحت شائعة ومنتشرة بشدة في مجتمعاتنا في الآونة الأخيرة، والتي هي جزء من ضريبة التطور الحضاري المعتمد على الأغذية غير الصحية الغنية بالدهون، إضافة إلى ازدياد معدلات السمنة والبدانة والداء السكري في مجتمعاتنا.
ما هو تشحم الكبد... وما أنواعه؟
تشحم الكبد، ببساطة، هو ترسب وتراكم مواد دهنية (وخاصة الشحوم الثلاثية) ضمن هيولى الخلايا الكبدية، والتي يمكن رؤيتها بالفحص النسيجي.
ولتشحم الكبد نوعان كبيران، أولهما مرتبط ارتباطاً وثيقاً بشرب الكحوليات، وهو منتشر في الغرب أكثر من عندنا، ويدعى تشحم الكبد الكحولي، ولن نتطرق إليه في حديثنا، وسنركز على النوع الآخر، وهو تشحم الكبد اللاكحولي، وهو بدوره ينقسم إلى نوعين: نوع بسيط لا يترافق مع حدوث التهاب في الخلايا الكبدية (أي لا يترافق مع ارتفاع في الخمائر الكبدية)، ويدعى تشحم الكبد البسيط اللاكحولي Non-alcoholic Fatty Liver Disease (NAFLD) ونوع آخر، أكثر خطورة يترافق مع حدوث التهاب في الخلايا الكبدية، ويدعى التهاب الكبد التشحمي اللاكحولي Nonalcoholic Steatohepatitis (NASH).
هل هو مرض خطير... ولماذا؟
لفترة طويلة في الماضي، كان يُنظر إلى تشحم الكبد على أنه حالة سليمة تماماً، وأن تطوره إلى مرض مزمن نادر الحدوث، ولكن حالياً، وعلى عكس هذا المفهوم الذي كان سائداً في الماضي، فإن النظرة الطبية إلى هذا المرض قد تغيرت تماماً، وأصبح تشحم الكبد، وخصوصاً النوع المترافق مع الالتهاب، أحد أمراض الكبد التي يجب علاجها ومتابعتها وعدم التساهل معها أبداً، لأنه من الممكن أن يتطور إلى حدوث تليف وتشمع كبدي ثم الوفاة.
وتكمن خطورة المرض في نواحٍ عدة، أهمها:
- كونه مرضاً غير عرضي عادة، أي إن مريضه لا يشكو من أي عارض سريري، والمرضى عادة موجودون في المجتمع دون أن يعلموا أن لديهم تشحماً في الكبد.
< انتشاره الواسع في جميع أنحاء العالم، ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال 25 في المائة من الناس لديهم تشحم كبد بسيط (NAFLD)، وحوالي 1.2 إلى 9 في المائة لديهم التهاب كبد تشحمي لاكحولي (NASH)، وهذه النسب أقل في أوربا، ويعتبر التهاب الكبد التشحمي اللاكحولي ثالث أكثر سبب للأمراض الكبدية المزمنة شيوعاً في الولايات المتحدة، بعد التهاب الكبد الفيروسي C وشرب الكحول.
< إمكان تحول هذا المرض وبنسب معتبرة إلى أمراض كبدية مزمنة، فقد وجد حدوث تليف كبدي عند حوالي 15 إلى 50 في المائة من مرضى التشحم الكبدي، وهؤلاء الـ 10 إلى 15 في المائة منهم سيتطور لديهم تشمع كبد (تصخّر كبد) بعد حوالي عشر سنوات.
< أظهرت آخر الدراســــات ازديــــاد نسبــــة الوفاة عند المصابين بتشحم الكبد اللاكحــــولي، وتكون الوفاة غـــالباً نتيــــجة مرض خبيث أو احتشاء عضلة قلبية، وليس نتيجة المرض الكبدي ذاته.
< سجلت حالات، ولو أنها قليلة، عن تطور سرطان الخلية الكبدية عند مرضى تشمع كبد سببه التهاب الكبد التشحمي اللاكحولي (NASH).
أهم أسباب تشحم الكبد اللاكحولي
- السمنة: هي السبب الأكثر مشاهدة، وتختلف النسب حسب المراجع، ولكن حوالي 40 إلى 80 في المائة من البدينين لديهم تشحم كبد، وقد تصل هذه النسبة إلى 100 في المائة، حسب أحد المراجع.
- السكري: خاصة النمط الثاني منه، وحوالي 20 إلى 75 في المائة من مرضى السكري لديهم تشحم كبد.
- فرط شحوم الدم: خاصة الشحوم الثلاثية، تقريباً 20 إلى 80 في المائة من المصابين بارتفاع نسبة الشحوم في الدم مصابون بتشحم الكبد.
- سوء التغذية: الذي ينجم عنه نقص في بروتينات الجسم، كما في المجاعات، والحميات الشديدة، والتغذية الوريدية، وسوء الامتصاص، وتكمن الآلية هنا في أن للبروتينات وظيفة مهمة وأساسية في نقل الشحوم، حيث تعتبر وسيلة النقل الأساسية للشحوم (إذ تشبه السيارة التي تركبها الشحوم للانتقال إلى الأعضاء) من الكبد إلى الدم، وعند انخفاض هذه البروتينات تتراكم الشحوم في الكبد ولا يتم إفراغها إلى الدم، فتتسبب في إحداث تشحم بالكبد.
- بعض أنواع الأدوية قد تكون متهمة بالتورط في حدوث تشحم الكبد، ومنها أدوية الالتهاب كالتتراسكلين Tetracyclineوالمونوسكلين Monocycline وأدوية الصرع الفالبروات Valproic Acid والأميودوران Amiodarone والتاموكسيفين Tamoxiphen والميتوتركسات Methotrexate ومانعات الحمل الفموية، والقائمة تطول.
- هناك نوع من تشحم الكبد يحدث خلال الحمل، ويدعى تشحم الكبد الحملي.
الأعراض السريرية
معظم مرضى تشحم الكبد لا عرضيين (أي لا يشكون من أي عارض سريري)، ويكتشفون المرض في العادة عن طريق المصادفة خلال إجراء فحوص مخبرية دموية أو اإيكوب للبطن لسبب آخر لا علاقة له بالكبد.
وجزء من المرضى ربما يصل إلى 50 في المائة قد يذكر قصة حدوث تعب عام ووهن وإحساس بالثقل في الربع العلوي الأيمن للبطن، ولكن بشكل عام، فإن صفات المرض الكبدي المزمن أو الحاد كاليرقان والغثيان تكون عادة غائبة عندهم.
الفحوص المخبرية
في التشحم الكبدي البسيط (الذي يشكل 80 في المائة) تكون التحاليل المخبرية ضمن الحدود الطبيعية، عدا ارتفاع خفيف في الشحوم الثلاثية والكولسترول، بينما يشاهد في التهاب الكبد التشحمي اللاكحولي (الذي يشكل 20 في المائة) ارتفاع خفيف في الخمائر الكبدية (وخاصة الإنزيم الناقل للامين ALT والفوسفاتاز القلوية، وبدرجة أقل الإنزيم الناقل للاسبارتات AST)، وكذلك يشاهد لديهم ارتفاع في الشحوم، وهؤلاء المرضى هم الذين يجب أن يخضعوا للمعالجة والمتابعة بشكل حاسم، مع الإشارة إلى ضرورة عدم إهمال النوع الأول كذلك من المتابعة والعلاج.
ولكن، وعند كل مريض لديه ارتفاع في خمائر الكبد، يجب نفي كل حالة قد تسبب التهاب كبد، مثل إجراء الواسمات الفيروسية لنفي حدوث التهاب كبد فيروسي (A أو B أو C)، كذلك يجب إجراء بعض الاختبارات التي تشخص التهاب الكبد المناعي الذاتي، مثل إجراء الأجسام المضادة للنواة (ANA) والأجسام المضادة للعضلات (SMA)، وكذلك تجب معايرة النحاس والحديد لنفي داء اويلسونب وفرط الحديد على التوالي.
الفحوص الشعاعية
في العادة فإن االإيكوب يكون مفيداً جداً، وكافياً لتشخيص تشحم الكبد، حيث يظهر زيادة في صدى الكبد، مع تضخم خفيف يشاهد في 75 في المائة من الحالات، كما يمكن الاستئناس بإجراء التصوير الطبقي المحوري (CT scane)، أو المرنان (MRI) لتأكيد تشخيص تشحم الكبد.
التشخيص المؤكد
يمكن اعتبار كل ضخامة كبدية غير مؤلمة، مع أو من دون ارتفاع في خمائر الكبد، عند مريض سكري أو بدين، تشحم كبد لاكحوليا حتى يثبت العكس.
ويتحقق المعيار الذهبي في التشخيص عبر إجراء خزعة كبدية تكون مشخصة بشكل أكيد.
المعالجة والتدبير
لا يوجد علاج له أساس علمي لتدبير تشحم الكبد حتى الآن، لكن إزالة أو تعديل العوامل المتورطة في حدوثه تعتبر أهم خطوة في المعالجة، وقد اقترحت أنظمة علاجية عدة تشمل أموراً عدة، أهمها:
- النظام الغذائي: عند المرضى البدينين والذين لديهم مؤشر كتلة الجسم Body Mass Index (BMI) أعلى من الطبيعي (ومؤشر كتلة الجسم هو مقدار يحسب من قسمة الوزن بالكيلوجرام على مربع الطول بالمتر، والحد الأعلى المقبول هو 25)، فإن إنقاص الوزن بشكل تدريجي ومعتدل (بمقدار يتراوح بين نصف كيلوجرام وكيلوجرام أسبوعياً) عن طريق اتباع حمية باستعمال الكربوهيدرات السريعة الامتصاص، إضافة إلى ممارسة الرياضة بشكل منتظم، من الخطوات المهمة والحاسمة والكفيلة بإحداث تراجع تدريجي ومهم في نسبة التشحم الكبدي.
- عند مرضى السكري: يعتبر الضبط الجيد للسكر، مع المحافظة على شحوم ثلاثية وكولسترول ضمن الطبيعي، وضبط الوزن، حجر الزاوية في الوقاية والعلاج من تشحم الكبد.
ويجب إيقاف الأدوية المتهمة بإحداث التهاب الكبد التشحمي.
- مرضى فرط الشحوم الثلاثية؛ سواء العائلية الوراثية أو المكتسبة: يجب السعي إلى تخفيض الشحوم الثلاثية لديهم بشكل مهم وحاسم للوصول إلى القيم السوية؛ سواء بالحمية والرياضة، أو باستعمال الأدوية المخفضة للشحوم.
- مرضى سوء الامتصاص ونقص التغذية والمجاعات: يجب خضوعهم إلى نظام غذائي متوازن وكاف، وتعويض العناصر التي خسروها خاصة البروتينات، مما يقيهم شر تشحم الكبد وعواقبه.
الأدوية
لا يوجد في المتناول علاج دوائي محدد لتشحم الكبد، لكن هناك دراسات عديدة واعدة ومستمرة أشارت إلى دور مهم للأدوية المخفضة للشحوم (مثل الجيمفبروزيل Gemfibrozil والستاتينات Statines)، حيث أظهرت إحدى الدراسات تحسناً في الفحوص المخبرية بعد استعمالها مدة عام.
ومن الأدوية الواعدة جداً في هذا المجال، تلك التي تحسّن عمل الأنسولين على الأنسجة، والتي عادة ما تستعمل في تدبير داء السكري، وعلى رأسها الميتفورمين Metformin والتيازوليدين Thiazolindinediones، حيث أظهرت النتائج الأولية للدراسات أثرها في تحسن الحالات. ويبدو أن لفيتاميني E وC ومضادات الأكسدة الأخرى فائدة، لكنها مازالت تحت الدراسة والتجريب.
كما يبدو أن للأورلستات Orlistate (الذي يستعمل في معالجة السمنة عن طريق منع امتصاص الدهون على مستوى المعدة والأمعاء) فائدة، حيث تبين الدراسات حدوث تحسن في نتائج الفحوص المخبرية والنسيجية بعد إعطائه لأشهر عدة.
المعالجة الجراحية
قد تكون مفيدة عند المرضى البدينين، حيث أظهرت دراسة أن جراحة القناة الهضمية (تصغير المعدة) Bariatric Surgery بهدف إنقاص الوزن، أدت إلى تحسن في النتائج المخبرية والنسيجية لدى مرضى تشحم الكبد.
الخلاصة
تشحم الكبد اللاكحولي مرض شائع جداً، يكشف عادة عن طريق المصادفة، ويكثر عند البدينين والسكريين ومرضى فرط شحوم الدم، وهو قابل للعلاج والتراجع بسهولة، لكن يجب عدم الاستهانة به، والتعامل معه بحزم وجدية للوقاية من عواقبه، وهي - لحسن الحظ - قليلة، ولكنها، مع الأسف، خطيرة. والنصيحة الأخيرة إذا كنت ممن لديهم زيادة في مؤشر كتلة الجسم (أي زيادة في الوزن)، أو مصاباً بداء السكري، أو فرط شحوم الدم، فسارع إلى استشارة طبيبك من أجل تقصي وجود تشحم كبد لديك أولاً، ومن ثم ضبط الوزن والسكر والشحوم ثانياً .