عروة بن الورد... أبو الفقراء
قال عنه النقاد إنه أضفى على الصعلكة الكثير من الاحترام والتقدير، وذلك بما تحلّى به هذا الشاعر/الصعلوك من عطف وسخاء كبيرين على الفقراء، يساعدهم ويمد لهم يد العون، وربما ألقى بنفسه إلى التهلكة دفاعًا عنهم. ووصفه مؤرخو الأدب قائلين: لقد عُرف بين بني قومه بسماحته وخلقه القويم، وامتدحه عبدالملك بن مروان قائلاً: مَن زعم أن حاتما كان أسمحَ الناس فقد ظلمه. هذا الشاعر/الصعلوك هو عروة بن الورد العبسي الغطفاني، الشاعر الجاهلي الذي كان يجمعُ الفقراء ويقوم بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم ولم يكن لهم معاش أو مغزى، على حد عبارة أبي الفرج الأصفهاني.
لا تذكر كتب التاريخ سنة ميلاده على وجه الدقة، مع أنها تشير إلى أنه توفي قبل الهجرة النبوية بنحو ثلاثين عامًا، لكنها تتبسّط في وصف مغامراته وغزواته مع مجموعة من الصعاليك الذين نسبوا إليه، فعرف بعروة الصعاليك, يحنو على مريضهم، ويرحم مسنّهم، ويساعد ضعيفهم، فيأخذ من هذا ليقيم أود ذاك، كما لاحظ بعضهم.
جاء في أخباره، كان عروة إذا أصابت الناس سنة شديدة تركوا في دارهم المريض والكبير والضعيف، فيجمع هؤلاء فيكنُف عليهم الكُنُف (أي يتخذ أماكن يؤويهم إليها) ويطعمهم، ومن قوي منهم إما مريض يبرأ أو ضعيف تثوب قوته, خرج به فأغار وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا، حتى إذا أخصب الناس وألبنوا وذهبت السنة ألحق كل إنسان بأهله وقسم له نصيبه من غنيمة إن كانوا غنموها، فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى، ولذلك لقّب بعروة الصعاليك.
أخبار كثيرة تداولتها كتب التراث تصوّر كرم عروة وإصراره على تقاسم ما يملك من غنائم مع فقراء قبيلته، وينبّه الدكتور عبدالحليم حفني إلى أن هذه الخصال لم تكن مجرّد كرم أو رغبة في الجود، وإنما كانت خصالاً أصيلة فيه، وربما في كل الصعاليك توحي بإيمانهم بأن ما في أيديهم ينبغي أن يكون شركة بينهم وبين غيرهم، وبأنه ينبغي آلا يترك محروم أو بائس من دون عون أو رعاية, مضيفًا أن كثرة الحديث عن كرمهم في القصائد التي نظموا لا نستشفّ منها فخرًا بقدر ما نستشفّ منها دفاعًا عن أنفسهم ضد لائميهم على الإسراف وتبديد المال. يقول عروة:
دعيني للغنى أسعى فإني
رأيتُ الناسَ شرُّهُم الفقيرُ
وأبعدُهم وأهونُهم عليهم
وإن أمسى لهُ حسبٌ وخيرُ
ويُقصيهِ الدنيُّ وتزدريهِ
حليلتُهُ وينهرُهُ الصغيرُ
ويلقى ذا الغِنى ولهُ جلالٌ
يكادُ فؤادُ صَاحبِهِ يَطيرُ
قليلٌ ذنبُهُ والذنبُ جمٌّ
ولكن للغنى ربٌّ غفورُ
قال ابن الإعرابي: أجدب ناس من بني عبس في سنة أصابتهم، فأهلكت أموالهم وأصابهم جوع شديد وبؤس، فأتوا عروة بن الورد فجلسوا أمام بيته، فلما رأوه صرخوا: «يا أبا الصعاليك أغثنا» فَرقَّ لهم. وخرج ليغزو بهم، ويصيب معاشا، فنهته امرأته عن ذلك لما تخوّفت عليه من الهلاك فعصاها، وخرج غازيا وقد صوّر كل ذلك في إحدى قصائده الجميلة، وأثبت الحوار الطريف الذي انعقد بينه وبينها، وخلال هذا الحوار عدّد عروة القيم التي ينهض عليها «مذهب» الصعلوك، وهي قيم الإيثار والفتوة والحميّة... فالصعلوك وإن خرج على سلطان القبيلة وسطوتها، فإنّه لم يخرج على قيمها وجملة نواميسها.
وسائلةٍ أين الرحيلُ وسائلِ
ومن يسأل الصعلوكَ أين مذاهبه؟
مذهبهُ أن الفِجاجَ عريضةٌ
إذا ضنَّ عنهُ بالفعالِ أقاربه
فلا أتركُ الإخوانَ ما عشت للردى
كما أنهُ لا يتركُ الماءَ شاربه
ولا يستضامُ الدهرَ جاري ولا أرى
كمن بات تسري للصديق عقاربه
وإن جارتي ألوت رياحٌ ببيتها
تغافلتُ حتى يستُرَ البيتَ جانبه
ثمة صورة دأب النقّاد ومؤرخو الأدب على رسمها لهذا الصعلوك، هي صورة الشاعر المرهف الحسّ، المدافع عن قيم العدالة، الحامي شرف الجارة، بل عملوا على تمييزه من بقية الصعاليك، وقالوا إنه لا يغزو للنهب والسلب كبقية شعراء الصعاليك أمثال «الشنفري» و«تأبط شرًا»، وإنما يغزو ليُعين الفقراء والمستضعفين حتى أطلق عليه لقب «أبي الفقراء» و«أبي المساكين»، مؤكدين أن عروة لم يُغر على كريم يبذل ماله للناس، بل كان يختار لغارته ممن عُرفوا بالبخل، ومن لا يمدون للمحتاج في قبائلهم يد العون، فلا يراعون ضعفًا ولا قرابة ولا حقًا من حقوق قومهم... وبلغ عروة من ذلك أنه كان لا يؤثر نفسه بشيء على مَن يرعاهم من صعاليكه، فلهم مثل حظه، سواء شاركوه في الغارات التي يشنها أو قعد بهم المرض أو الضعف، وهو بذلك يضرب مثلاً رفيعًا في الرحمة والإيثار. وقد فاق إعجاب الناس بكرمه لدرجة أن عبدالملك بن مروان كان يقول: «من زعم أن حاتمًا أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد..»، بل ذهبوا إلى حد القول إنه كان يلقى العاشق المحب الذي يشكو الصدود، فينظم من أجله الشعر ويطلب إليه أن ينسبه إلى نفسه ويلقيه على أسماع معشوقته، وكان يقابل الضعيف الذي يشكو الظلم، فيخلع عليه زيه ويعطيه حصانه وحسامه.
التأويل النفسي للصحة
لكن كيف يمكن أن نتأول أسباب جنوح عروة إلى الصعلكة؟ البعض أوّل هذا الجنوح تأويلاً نفسيًا، فذهب إلى أن أمه تنتهي إلى نهد من قضاعة، وهي بذلك أقل منزلة من أبيه. وقد انعكست منزلة الأم على علاقة الولد بوالده الذي اضطهده وفضّل عليه الأخ الأكبر. كما أن قومه احتقروه لدنوّ منزلة أمه. فلم يكن إقباله على الغزو غاية بقدر ما كان وعيًا شعوريًا واضحًا ولّده إحساس بالغبن الاجتماعي. فالظلم والاضطهاد اللذان عانى منهما على يد والده دفعاه إلى أن يصبح زعيم الصعاليك، وراح يغزو أصحاب الثروات والبخلاء ويوزع الغنائم على جماعته وعلى الفقراء.
لكنّ البعض الآخر أوّل هذا الجنوح بتوق عروة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا التأويل دافع عنه الناقد يوسف خليف في دراسته الموسومة بـ«الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي»، وهي الدراسة التي أفرغت مصطلح الصعلكة من دلالات الإغارة والسّبي والقتل، وملأته بدلالات الفداء والتضحية وحبّ العدل، فتحوّل الصعاليك، بسبب ذلك، من رجال ينتهبون السائر في الصحراء، يلتعبون به ويتخطّفونه ويأكلون ماله، إلى فتيان يشركون الفقراء في مال الأغنياء ويجعلون لهم فيه نصيبًا، بل حقًا يغتصبونه إن لم يؤد إليهم.
هكذا استقرّت صورة الصعلوك في ذاكرتنا رمزًا للتمرد على القبيلة، للثورة من أجل العدالة الاجتماعية، للصراع بين طبقة الفقراء، ممثلة في شُذاذ القبائل وفقرائها، وطبقة المالة ممثلّة في الأغنياء. وهو الصراع الذي ضم - في نظر يوسف خليف - براعم لم تتفتّح تمامًا من النظرية الاشتراكية الحديثة.
هذه المعاني أخذت شكل حقائق لم يقدم أحدٌ على تمحيصها واستقصائها والنظر فيها، بل ربّما وجدنا من كبار النقاد من سعى إلى توكيدها وترسيخها في العقول والأذهان. هكذا انتقلت أفكار يوسف خليف إلى أعمال نقديّة أخرى وذابت في تضاعيفها، وهكذا تناسخت وتناسلت حتى نسي النقّاد الأصل الذي تحدرت منه. ولعل أول من تلقّف هذه الأفكار وقدّمها في سياق أكثر تناسقًا وجاذبية هو أدونيس في كتابه «الثابت والمتحوّل»، حيث ذهب - كما ذهب يوسف خليف من قبله - إلى أن الصعاليك كانوا يصدرون عن إحساس عفوي برفض الفروق الطبقية. ويتجلّى الرفض أقوى ما يتجلّى في قصائد عروة بن الورد الذي تمرّد على القرابة الدموية والقبلية، وانفتح على الإنسان بما هو إنسان، في ما يتجاوز الولاء القبلي واللون والغنى. ويؤكد أدونيس أن العالم الشعري الذي خلقه عروة في قصائده هو عالم الاحتفاء بالإنسان والمعاناة من أجل تحقيق هذا الاحتفاء. لقد حوّل هذا الشاعر حياته إلى كفاح ضد الراهن الجائر الذي كان يستغلّ الإنسان ويستهين به. وفي مرحلة ثانية يتأمل أدونيس علاقة عروة بالموت فيقول إن بطولة عروة لا تؤمن بعالم آخر وراء الموت، بل تتخذ من الإنسان بدايتها ونهايتها. فعروة لا يموت طمعًا في ما ينتظره وراء الموت، بل يموت لأنه يريد تحقيق مشروع أخلاقيّ يتمثل في تأصيل مفهوم العدالة بين الناس.
هذه المعاني - وغيرها كثير - ليست إلا ترديدًا لما قاله يوسف خليف وتزكية لجملة من الأفكار مازالت في حاجة إلى استقراء واستقصاء وفحص.
الصعلوك والتضحية
أما الناقد جابر عصفور فإنه يؤكد، بوضوح، أنه مازال مقتنعًا بما علّمه إيّاه أستاذه يوسف خليف من أنّ التمرّد المتفجّر في شعر الصعاليك قد أبرز - في نظره - ما قامت عليه حياة الصعلوك من معاني التضحية بالنفس في سبيل المبدأ وارتحاله الدائم في بلاد ليس فيها متسع.
لقد ظل جابر عصفور في مقالته التي نشرها في كتابه «غواية التراث» سنة 1995 متشبثًا بآراء يوسف خليف، يشهد بها ويسعى إلى توكيدها.
لكن المعاني التي تضمنّها كتاب خليف لم تتسلل إلى الأعمال النقدية فحسب، وإنما تسلّلت إلى الأعمال الإبداعية أيضًا، حيث أصبح الصعلوك صورة للزعامة العادلة وقناعًا للثائر الذي استدرك على نواميس الواقع وقوانينه.
لقد ظلت قراءة يوسف خليف لشعر الصعاليك تُوجِّه الدارسين والمبدعين على حد سواء.
لا أحد من النقاد انعطف على هذا الشعر يتأوله من جديد، ولا أحد تمكّن من نقض آراء يوسف خليف أو الاستدراك عليها. والحال أن هذه القراءة كانت مشروطة بلحظتها التاريخية، موصولة بظروف سياسية مخصوصة، ومن ثم لم تكن قراءة بريئة أو محايدة، وإنما كانت قراءة ماكرة لا تقول المقروء، أي شعر الصعاليك، بقدر ما تقول القارئ، ولا تفصح عن الموروث بقدر ما تفصح عن الوارث.
لقد نشر الدكتور خليف كتابه سنة 1955، أي حين تحوّلت مصر إلى الاشتراكية، وباتت العدالة الاجتماعية خيارًا سياسيًا انحاز إليه كثير من المثقفين.
هذه المرحلة، مرحلة الخيار الاشتراكي، هي التي كانت وراء استحضار هذه الرموز الشعرية ووراء ضخها بدماء جديدة. ولا غرابة في ذلك، بما أن كل حقبة من حقب التاريخ تُبطل، كما أوضح لوتمان، سلطان رموز معينة، وتبعث من الرماد رموزًا أخرى تزكّيها. كل حقبة تهيل التراب على نصوص، وتعيد خلق نصوص أخرى خلقًا ثانيًا.
في هذا السياق نفهم سبب العودة في الخمسينيات من القرن الماضي إلى شعر الصعاليك، ونفهم خاصة سبب تأوّلها تأويلاً اجتماعيًا.
لقد لاحظ يوسف خليف نفسه أن ديوان الشعر العربي قد أهمل لقرون عدة شعر الصعاليك، استبعده وحوّله إلى هامش، أي إلى بضعة من الأبيات المتناثرة التي يفزع إليها أهل اللغة كلما أرادوا شاهدا يؤكد قاعدة أو يثبت استثناء. فهذا الشعر لم يكن محلّ عناية الرّواة ولا رعاية النقّاد، فلا هؤلاء أقبلوا على دراسته، ولا أولئك عملوا على جمعه.
لكن بقدر ما تنكبّ عنه النقّاد القدماء تعفّفًا أو ترفّعا أو بحثا عن سلامة موهومة، أقبل عليه النقّاد المعاصرون يقرأونه من خلال وعي حديث، خالعين عليه من المعاني ما هو مستمدّ من ثقافتهم الفكرية والسياسية الحديثة.
لهذا نحن نستغرب قول يوسف خليف إن موضوع الصعاليك قد قفز إلى ذهنه، فجأة، من غير أن تسوّغه أسباب موضوعية تسنده وتؤكده. ونذهب إلى أن هذا الموضوع ما كان ليخطر بذهن الرجل لولا طبيعة المرحلة السياسية التي كانت تمرّ بها مصر. فهذه الدراسة لا تكشف، في الواقع عن العصر الجاهلي بقدر ما تكشف عن العصر الحديث، ولا تقول هواجس الصعاليك بقدر ما تقول هواجس الكاتب وأحلامه.
ونحبّ الآن أن نسأل:
هل يمكن التوسّل بمقاربات أخرى نقرأ من خلالها هذه القصيدة؟
التمرد أولاً
إن قراءة متأنّية لهذا الشعر تكشف عن وجود مداخل أخرى كثيرة يمكن من خلالها الإنصات إلى قصيدة الصعاليك، واحتواء تجربتها. فالصعلوك - كما نحب أن نزعم - هو قبل كل شيء، متمرّد في قصيدته، فإذا كان يوسف خليف قد أكّد أن الصعلوك خرج على تقاليد القبيلة ونواميسها، فنحن نؤكد أن الصعلوك قد خرج على تقاليد القصيدة الجاهلية السائدة وقواعدها. فالصعلوك واجه الذاكرة الجماعية بالذاكرة الفردية، فلم يستعد بنية القصيدة التقليدية ولم يسترجع صورها المتواترة، وإنما أسس بنى جديدة وشكل صورا مستحدثة متحها من تجربته، من حياته، من أوجاعه. فعالم النص في قصائد الصعاليك ليس منفصلاً عن نص العالم: إنهما متداخلان متشابكان.
قصيدة الصعلوك تحرّكت في أفق جمالي وفنّي يختلف عن الآفاق التي تحرّكت فيها قصائد الشعراء الجاهليين. اختارت هذه القصيدة لغة الخرافة وبنيتها ورموزها. فالدخول إلى فضائها دخول في فضاء تملأه أشباح الغيلان وتتجاوب فيه أصوات الذؤبان، ويتراءى فيه الإنسان بقناع الحيوان، والحيوان بقناع الإنسان، لكأن غرض هذا الشعر يتمثل في إخراجنا من عهد، وإدخالنا في عهد آخر مختلف، إخراجنا من عهد اللوغوس والقوانين الثابتة والتقاليد الراسخة إلى عهد الميتوس والفراديس الضائعة والبدايات السعيدة، حيث الحدود بين الممالك الثلاث: مملكة الإنسان، ومملكة الحيوان، ومملكة النبات لم تزل غامضة ملتبسة. في هذه القصيدة يتحول الصعاليك إلى ذئاب، يرفعون أصواتهم بالعواء، ويرتقون المراقب يرصدون الفرائس، بينما تتحول الأوابد والكواسر إلى كائنات عاقلة تخاطب الإنسان خطاب القرين للقرين. الشعر هنا عودٌ إلى ما قبل الطبقات، إلى ما قبل الصراع، إلى ما قبل القوانين، إلى ما قبل الممنوع والمباح. فالصورة التي يرسمها الصعلوك عن نفسه هي صورة الرجل الذي استبدل التحضّر بالتبدّي، والناس بالضواري، والأنس بالوحشة، كل قصائد الصعاليك ليست إلا وصفًا لهذه الرحلة المعكوسة: رحلة الإنسان من الحاضر إلى الماضي، من الحضارة إلى التوحّش، من مملكة العقل إلى مملكة الغرائز والرغبات المضطربة.
هذه الرحلة المعكوسة إنما هي إيقاع متواتر في كل الأعمال الأدبية الكبرى: ملحمة كلكامش، الأوديسا، ألف ليلة وليلة، حيّ بن يقظان، روبنسون كروزو، عوليس، متاهات برخس.
في كل هذه الأعمال حاول الإنسان أن يستنبت أجنحة ويعود إلى الفردوس الذي تركه منذ زمن بعيد، حاول أن يلغي كل أزمنة القهر والقمع، ويسترجع طفولة الكائن والكون معا. وسواء أكانت هذه الرحلة إلى الداخل أم إلى الخارج فالنتيجة واحدة، وهي استدراج اللغة حتى تقول ما هو متوحّش وبريء وغامض فينا، أي أن تقول، بعبارة واحدة، رعشتنا أمام المجهول، مجهول الذات والعالم من حولنا، وقد تمكّنت، في نظري، قصيدة الصعاليك من وصف هذه الرعشة, وقالت - بطريقة باذخة - رغبتنا في العودة إلى شجرة المعرفة من جديد، وإصرارنا على ارتكاب الخطيئة نفسها، خطيئة حبّنا للأرض، أي حبّنا للشعر .