مانديلا رَجُلُ التاريخِ المعاصِر

مانديلا رَجُلُ التاريخِ المعاصِر

من‭ ‬هو‭ ‬مانديلا؟‭ ‬إنه‭: ‬‮«‬مناضل‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يهزم‮»‬‭ ‬ولد‭ ‬في‭ ‬18‭ ‬يوليو‭ ‬1918،‭ ‬عُرف‭ ‬في‭ ‬طفولته‭ ‬باسم‭ ‬عشيرته‭ ‬‮«‬ماديبا‮»‬‭ ‬وعاش‭ ‬شبابه‭ ‬وكهولته‭ ‬حتى‭ ‬قضى‭ ‬ويسمى‭ ‬‮«‬نيلسون‭ ‬مانديلا‮»‬،‭ ‬وعرف‭ ‬في‭ ‬صغره‭ ‬بشراسته‭ ‬وعناده‭ ‬حتى‭ ‬لقبه‭ ‬والده‭ ‬بالعنيد‭ ‬و«المشاكس‮»‬،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬الخلوقية،‭ ‬وحياة‭ ‬الفاقة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬والجو‭ ‬المشحون‭ ‬بالظلم‭ ‬والقهر‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬جعلت‭ ‬منه،‭ ‬وعلى‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬بطلا‭ ‬قومياً‭ ‬تفتخر‭ ‬به‭ ‬الأجيال‭ ‬الصاعدة‭ ‬التي‭ ‬تنشد‭ ‬الحرية‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة

يعتبره‭ ‬الباحث‭ ‬سعيد‭ ‬خطيبي‮»‬‭: ‬‮«‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رموز‭ ‬مواجهة‭ ‬التمييز‭ ‬العنصري،‭ ‬وسطوة‭ ‬الأبيض‭ ‬على‭ ‬الأسود‮»‬،‭ ‬فهو‭ ‬الشاب‭ ‬المقاوم‭ ‬الشرس‭ ‬الذي‭ ‬هز‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الدولي،‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬والذي‭ ‬تحول‭ ‬مع‭ ‬الأيام‭ ‬من‭ ‬منتفض‭ ‬محلي‭ ‬إلى‭ ‬بطل‭ ‬أممي‭  ‬وهو‭ ‬شاهد‭ ‬عيان‭ ‬على‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬فترات‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭ ‬حرجا،‭ ‬ما‭ ‬أهّله‭ ‬ليصير‭: ‬‮«‬وشما‭ ‬على‭ ‬الذاكرة،‭ ‬وأيقونة‭ ‬ثابتة‭ ‬تتوارثها‭ ‬أجيال‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬وعنوانا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬التأسيس‭ ‬لعالم‭ ‬مثالي‭... ‬يخلص‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬بقايا‭ ‬وتراكمات‭ ‬الأنظمة‭ ‬الأوربية‭ ‬التقليدية‮»‬‭.‬

ومانديلا،‭ ‬برأيي‭ ‬المتواضع،‭ ‬هو‭: ‬الفاتح‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬فتح‭ ‬جسراً‭ ‬أمام‭ ‬شعب‭ ‬متعدد‭ ‬الهويات،‭ ‬للانتقال‭ ‬بسلام‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬الاستعباد‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬التحرير‭ ‬،‭ ‬والواضح‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬يصنع‭ ‬مجداً‭ ‬لنفسه‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬لشعب‭ ‬بأكمله‭ ‬عانى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الظلم‭ ‬والقهر‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭ ‬بجميع‭ ‬أشكاله‭. ‬لذا‭ ‬أصبح‭ ‬رمزاً‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭  ‬ومحط‭ ‬إجماع‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وهو‭ ‬برأي‭ ‬البعض‭: ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬شخصيات‭ ‬الألفية‭ ‬الثانية‭  ‬وأجده‭ ‬بدوري‭: ‬رجل‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭  ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬قواعد‭ ‬حياة‭ ‬جديدة،‭ ‬وأسس‭ ‬لوطنية‭ ‬معاصرة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التسلط‭ ‬والهيمنة‭ ‬الأجنبية‭. ‬وأن‭ ‬عمله‭ ‬النضالي‭ ‬رشحه‭ ‬ليكون‭ ‬مرجعية‭ ‬وحافزاً‭ ‬للمناضلين‭ ‬ضد‭ ‬الاستعمار‭ ‬والمحتل‭ ‬البغيض،‭ ‬ولا‭ ‬مراء‭ ‬إذا‭ ‬قيل‭ ‬فيه‭: ‬إنه‭ ‬وهب‭ ‬حياته‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬عادلة،‭ ‬كما‭ ‬منح‭ ‬الشباب‭ ‬المتحمس‭ ‬رمزية‭ ‬يدافعون‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬قضاياهم‭ ‬المحقة،‭ ‬وباختصار‭ ‬فإن‭ ‬مانديلا‭ ‬برأي‭ ‬الخطيبي‭  ‬هو‭ ‬كتاب‭ ‬مفتوح‭ ‬يمكن‭ ‬العودة‭ ‬إليه‭ ‬متى‭ ‬شئنا‭ ‬لقراءة‭ ‬ماض‭ ‬قريب‭ ‬تحققت‭ ‬فيه‭ ‬إنجازات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬قصير‭.‬

ومن‭ ‬المفرح‭ ‬والمحزن‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭: ‬‮«‬ولد‭ ‬في‭ ‬الموت‭ ‬وكبر‭ ‬في‭ ‬الموت‮»‬،‭  ‬بحسب‭ ‬الباحث‭ ‬عماد‭ ‬ستيتو،‭  ‬مستنداً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬السوداني‭ ‬محمد‭ ‬الفيتوري،‭ ‬والسؤال‭ ‬المطروح‭: ‬هل‭ ‬صحيح‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬فيه؟‭ ‬أم‭ ‬أنه‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الحياة‭ ‬الغاضبة،‭ ‬وعاش‭ ‬حياة‭ ‬الكفاح‭ ‬والنضال‭ ‬التي‭ ‬تنبض‭ ‬بمجاهدة‭ ‬الحيف‭ ‬ومصارعة‭ ‬الظلم‭ ‬لدفع‭ ‬الموت‭ ‬الذي‭ ‬يفتك‭ ‬بشعبه‭ ‬وأبناء‭ ‬أمته؟

ولو‭ ‬تركنا‭ ‬هذه‭ ‬التساؤلات‭ ‬وانتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬شباب‭ ‬مانديلا،‭ ‬والتي‭ ‬انكب‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬القانون‭ ‬رغبة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬المظلومين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جلدته،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ليتعرف‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬ما‭ ‬للمواطنين‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬وما‭ ‬عليهم‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬ويكون‭ ‬دفاعه‭ ‬وفق‭ ‬الأنظمة‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬عمله‭ ‬بالمحاماة‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬استحوذ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬وقته‭ ‬وتفكيره‭.‬

 

حياته‭ ‬العاطفية‭ ‬والزوجية

من‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬عشقه‭ ‬مانديلا‭ ‬لم‭ ‬ينسه‭ ‬الاستجابة‭ ‬إلى‭ ‬رعشات‭ ‬قلبه،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يمتلك‭ ‬قلبا‭ ‬متلهفا‭ ‬دائما‭ ‬للحب‭ ‬لأنه‭ ‬مصدر‭ ‬قوته‭ ‬وصموده‭ ‬أمام‭ ‬نكبات‭ ‬الزمن،‭ ‬وفي‭ ‬يقينه‭ ‬بحسب‭ ‬الباحث‭ ‬منير‭ ‬آولاد‭ ‬الجيلالي‭: ‬إن‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬المعجزات‭ ‬العظيمة‭ ‬هو‭ ‬الحب‭ ‬،‭ ‬لذا‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬حياة‭ ‬مانديلا‭ ‬الشخصية‭ ‬والعاطفية‭ ‬وبين‭ ‬حياته‭ ‬السياسية‭ ‬والنضالية،‭ ‬فالرجل‭ ‬وحدة‭ ‬متكاملة‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬المواصفات‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعاطفية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حماسه‭ ‬النضالي‭ ‬المتأجج‭ ‬في‭ ‬داخله،‭ ‬والذي‭ ‬أحدث‭ ‬زلزالاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬الحكم،‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬التسلط‭ ‬البغيض‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬المغلوبة‭ ‬على‭ ‬أمرها‭.‬

فمانديلا‭ ‬المناضل‭ ‬الصلب،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬العاشق‭ ‬الأنيق‭ ‬كما‭ ‬يصفه‭ ‬الجيلالي‭  ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬وفيا،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يتنقل‭ ‬بين‭ ‬سجون‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ومستشفياتها،‭ ‬إلى‭ ‬نداء‭ ‬قلبه‭ ‬الذي‭ ‬تقاسمته‭ ‬وجوه‭ ‬نساء‭ ‬كثيرات‭ ‬مع‭ ‬حبه‭ ‬الكبير‭ ‬لوطنه،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خائفاً‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬أو‭ ‬بعيدا‭ ‬عنه،‭ ‬لأن‭ ‬الحب‭ ‬بنظره‭: ‬عظيم‭ ‬الإلهام‭ .‬

أحب‭ ‬مانديلا‭ ‬الكثيرات،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬تزوج‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬وبدأت‭ ‬محاولته‭ ‬الأولى‭ ‬للزواج‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1940‭ ‬عندما‭ ‬رفض‭ ‬الزواج‭ ‬ممن‭ ‬اختارتها‭ ‬له‭ ‬عائلته،‭ ‬وكان‭ ‬زواجه‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬كلل‭ ‬بالنجاح‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1944‭ ‬من‭ ‬السيدة‭ ‬افلين‭ ‬نتوكماسي،‭ ‬أنجب‭ ‬منها‭ ‬ابنتين‭ ‬وولدين،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينفصلا‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1957،‭ ‬بسبب‭ ‬التزاماته‭ ‬النضالية‭ ‬والثورية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تأخذ‭ ‬معظم‭ ‬وقته‭. ‬بعدها‭ ‬عاش‭ ‬مانديلا‭ ‬لحظات‭ ‬عاطفية‭ ‬قوية‭ ‬وسط‭ ‬أوضاع‭ ‬سياسية‭ ‬متقلبة‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬زواجه‭ ‬الثاني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1958‭ ‬من‭ ‬ويني‭ ‬مد‭ ‬يكيزيلا‭ ‬الاخصائية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بنت‭ ‬الاثنين‭ ‬والعشرين‭ ‬ربيعا،‭ ‬وأنجب‭ ‬منها‭ ‬بنتين،‭ ‬وبعد‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬زواجهما‭ ‬حُكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬ليقضي‭ ‬سبعة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬خلف‭ ‬القضبان،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬سنتين‭ ‬على‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬انفصل‭ ‬مانديلا‭ ‬عن‭ ‬ويني‭  ‬في‭ ‬العام‭ ‬1992‭ ‬ثم‭ ‬طلقها‭ ‬رسميا‭ ‬عام‭ ‬1996‭. ‬ويعزز‭ ‬الجيلالي‭  ‬سبب‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تورط‭ ‬ويني‭ ‬في‭ ‬فضائح‭ ‬سياسية‭ ‬عديدة‭ ‬وقضايا‭ ‬فساد‭ ‬واستغلال‭ ‬نفوذ،‭ ‬وانخراطها‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬متطرفة‭ ‬أساءت‭ ‬كثيراً‭ ‬إلى‭ ‬رمزيته‭ ‬والتزامه‭ ‬وهو‭ ‬داخل‭ ‬زنزانته،‭ ‬ما‭ ‬أساء‭ ‬إلى‭ ‬منهجه‭ ‬السياسي‭ ‬وخطه‭ ‬النضالي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتجميع‭ ‬العرقي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مناهضة‭ ‬الاستبداد‭ ‬والتمييز‭ ‬العنصري‭. ‬وفي‭ ‬عيد‭ ‬ميلاده‭ ‬الثمانين‭ ‬المصادف‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ / ‬تموز‭ ‬1998‭ ‬تزوج‭ ‬مانديلا‭ ‬للمرة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬غراسا‭ ‬ماشيل‭  ‬أرملة‭ ‬سامورا‭ ‬ماشيل‭  ‬رئيس‭ ‬موزمبيق‭ ‬وحليف‭ ‬حزب‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬الإفريقي،‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬أول‭ ‬وزيرة‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬بعد‭ ‬استقلال‭ ‬بلادها‭.‬

 

النمر‭ ‬الأسمر‭ ‬خلف‭ ‬قضبان‭ ‬زنزانته

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المتتبع‭ ‬لسيرة‭ ‬حياة‭ ‬مانديلا‭ ‬يلاحظ‭ ‬بوضوح‭ ‬التغيير‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬إنساناً‭ ‬آخر‭ ‬بعد‭ ‬سبعة‭ ‬وعشرين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬والظلم‭ ‬والوحدة‭ ‬في‭ ‬زنزانته‭ ‬المظلمة،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬حياته‭ ‬النضالية‭ ‬مجرد‭ ‬ناشط‭ ‬سياسي‭ ‬بصفته‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬قيادة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وكرس‭ ‬كل‭ ‬أوقاته‭ ‬للعمل‭ ‬دون‭ ‬هواده،‭ ‬فجأة‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬وحيداً‭ ‬خلف‭ ‬القضبان،‭ ‬واعترته‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الهدوء‭ ‬والصفاء‭ ‬الذهني،‭ ‬وبدأ‭ ‬يسترجع‭ ‬مسلسل‭ ‬حياته‭ ‬الماضية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬عندما‭ ‬خذل‭ ‬عائلته‭ ‬برفضه‭ ‬الزواج‭ ‬ممن‭ ‬اختارتها‭ ‬له،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬صدمة‭ ‬قوية‭ ‬لهم‭.‬

وبحسب‭ ‬تصريحاته‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬أجرتها‭ ‬معه‭ ‬إحدى‭ ‬المذيعات‭ ‬الأمريكيات‭ ‬وترجمتها‭ ‬راجية‭ ‬حمدي‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يعاتب‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬لعدم‭ ‬تقديره‭ ‬للأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬له‭ ‬يد‭ ‬المساعدة‭ ‬إبان‭ ‬دراسته،‭ ‬وعقد‭ ‬العزم‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬وقف‭ ‬بجانبه،‭ ‬فقال‭: ‬فقط‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬بدأت‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الوجوه‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬بجانبي،‭ ‬أخذت‭ ‬أتساءل‭: ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬أبلغهم‭ ‬حينها‭ ‬بامتناني‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬فعلوه‭ ‬من‭ ‬أجلي؟‭ ‬شعرت‭ ‬بضآلتي‭ ‬وسوء‭ ‬تصرفي‭ ‬تجاه‭ ‬كرمهم‭ ‬معي‭ ‬ودعمهم‭ ‬لي‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬السنين،‭ ‬حينها،‭ ‬عاهدت‭ ‬نفسي‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬تسنى‭ ‬لي‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬فسأرد‭ ‬الجميل‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬ساعدني‭ .‬

كما‭ ‬انصب‭ ‬كل‭ ‬تفكيره‭ ‬في‭ ‬الطبقة‭ ‬الكادحة‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬أفرادها‭ ‬العوز‭ ‬والمرض،‭ ‬وصمم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يقضي‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬مساعدة‭ ‬الفقراء،‭ ‬بل‭ ‬مواجهة‭ ‬الفقر‭ (‬العدو‭ ‬الأكبر‭ ‬للإنسانية‭)‬،‭ ‬إذا‭ ‬وفق‭ ‬بتحرير‭ ‬أبناء‭ ‬أمته‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬خطا‭ ‬نحو‭ ‬السعادة‭ ‬التي‭ ‬يحلم‭ ‬بها‭.‬

من‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬قرر‭ ‬مانديلا‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬خطة‭ ‬لحياته‭ ‬المستقبلية‭ ‬بعد‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن،‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬تأمين‭ ‬السعادة‭ ‬للطبقة‭ ‬الكادحة‭ ‬ولو‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى،‭ ‬وبرأيه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬وتقديم‭ ‬المنح‭ ‬الدراسية،‭ ‬وبخاصة‭ ‬للأطفال‭ ‬للتخفيف‭ ‬من‭ ‬ظاهرة‭ ‬الأمية‭ ‬المتفشية‭ ‬في‭ ‬مجتمعه،‭ ‬لهذا‭ ‬كان‭ ‬خلال‭ ‬وجوده‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬يشجع‭ ‬أصحابه‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬تحصيلهم‭ ‬العلمي،‭ ‬حتى‭ ‬استطاع‭ ‬بعضهم‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬الاعتقال،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬علمية،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أي‭ ‬أمة‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬العلم‭. ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أمتلكوا‭ ‬هبة‭ ‬العلم‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬يقودون‭ ‬تقدم‭ ‬الأمم‭.. ‬وأن‭ ‬تحصين‭ ‬أنفسنا‭ ‬بالعلم‭ ‬كان‭ ‬بمنزلة‭ ‬امتلاك‭ ‬السلاح‭ ‬لنيل‭ ‬الحرية‮»‬‭.‬

وفي‭ ‬السجن‭ ‬المظلم،‭ ‬أمضى‭ ‬مانديلا‭ ‬حوالي‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬قضى‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬روبن‭  ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬عشر‭ ‬عاماً،‭ ‬حينها‭ ‬رأى‭ ‬بناته‭ ‬عندما‭ ‬كانت‭ ‬أعمارهن‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬وثلاثة،‭ ‬وبعدها‭ ‬لم‭ ‬يراهن‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬حتى‭ ‬بلغن‭ ‬نحوالسادسة‭ ‬عشرة،‭ ‬كما‭ ‬سجن‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬فيكتور‭ ‬فيرسير،‭ ‬وكان‭ ‬السجن‭ ‬محاصراً‭ ‬برجال‭ ‬الشرطة‭ ‬والجيش،‭ ‬هذا‭ ‬بشهادة‭ ‬جان‭ ‬غيلوانو‭ ‬كاتب‭ ‬سيرة‭ ‬مانديلا‭.‬

ويصرح‭ ‬مانديلا‭ ‬في‭ ‬مقابلة‭ ‬مع‭ ‬المذيعة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬أحداً‭ ‬طوال‭ ‬مدة‭ ‬عقوبته،‭ ‬وفي‭ ‬نظره‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أقسى‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يفرضها‭ ‬السجن‮»‬‭ ‬وحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يتصور‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬ملامسة‭ ‬أبنائه‭ ‬وعناقهم،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬رؤيتهم،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬الخسارة‭ ‬الأفدح‭ ‬التي‭ ‬تكبدها‭ ‬مانديلا‭ ‬بوجوده‭ ‬داخل‭ ‬جدران‭ ‬السجن‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬مانديلا‭ ‬في‭ ‬زنزانته‭ ‬يفعل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬له‭ ‬مثل‭ ‬أداء‭ ‬الرياضة‭ ‬صباحاً‭ ‬ومساء،‭ ‬كما‭ ‬وفر‭ ‬له‭ ‬السجن‭ ‬الطعام‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬اليوم،‭ ‬والملابس‭ ‬الضرورية،‭ ‬والخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬وكان‭ ‬ينام‭ ‬لمدة‭ ‬اثنتي‭ ‬عشرة‭ ‬ساعة‭ ‬متتالية،‭ ‬وهذا‭ ‬كان‭ ‬ينغص‭ ‬عليه‭ ‬حياته‭ ‬رغم‭ ‬مرارتها،‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬خارج‭ ‬السجن‭ ‬لم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬داخل‭ ‬السجن،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬زنزانته‭ ‬كانت‭ ‬تغلق‭ ‬في‭ ‬الرابعة‭ ‬مساء‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬وتمكن‭ ‬بدهائه‭ ‬وحنكته‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬بأخبار‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬فقد‭ ‬أنشأ‭ ‬صداقة‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الحراس‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يتكرمون‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أخذه‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬تفريغ‭ ‬النفايات،‭ ‬حيث‭ ‬يجد‭ ‬هناك‭ ‬الصحف‭ ‬القديمة‭ ‬فيقوم‭ ‬بتنظيفها‭ ‬ويأخذها‭ ‬إلى‭ ‬زنزانته‭ ‬لقراءتها‭ ‬في‭ ‬السر‭.‬

والملاحظ‭ ‬في‭ ‬شخصية‭ ‬مانديلا،‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬متماسكا‭ ‬ومتفائلا‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬المحن‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يعانيها‭ ‬في‭ ‬سجنه،‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬حريته‭ ‬هي‭ ‬حرية‭ ‬شعبه‭ ‬وأبناء‭ ‬جلدته،‭ ‬لذا‭ ‬كان‭ ‬يقول‭: ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعطى‭ ‬على‭ ‬جرعات،‭ ‬فالمرء‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حراً‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬حرا‭  ‬و‭ ‬الجبناء‭ ‬يموتون‭ ‬مرات‭ ‬عديدة‭ ‬قبل‭ ‬موتهم،‭ ‬والشجاع‭ ‬لا‭ ‬يموت‭ ‬إلا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ . ‬ومما‭ ‬ساعد‭ ‬مانديلا‭ ‬على‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬سجنه،‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقرأ‭ ‬أشعار‭ ‬الحماس‭ ‬التي‭ ‬تقوي‭ ‬عزيمته،‭ ‬فذكر‭ ‬الباحث‭ ‬عماد‭ ‬ستيتو‭ ‬أن‭ ‬مانديلا‭ ‬قضى‭ ‬حوالي‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬يكرر‭ ‬قصيدة‭ ‬واحدة‭ ‬كتبها‭ ‬شاعر‭ ‬اسكتلندي‭ ‬بعنوان‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬قهره‭  ‬ومما‭ ‬جاء‭ ‬فيها‭:‬

أشكر‭ ‬الرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭/ ‬إذ‭ ‬رفع‭ ‬روحي‭ ‬إلى‭ ‬أعالي‭ ‬السحاب‭/ ‬أمام‭ ‬قبضة‭ ‬النصيب‭ ‬لم‭ ‬أفزع‭ ‬ولم‭ ‬أبكي‭ ‬جهراً‭ ‬وتحت‭ ‬مطرقة‭ ‬المصير‭ ‬نزف‭ ‬رأسي،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬ينحن‭...‬

 

مانديلا‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬الحرية

وبعد‭ ‬طول‭ ‬معاناة‭ ‬تم‭ ‬الإفراج‭ ‬عن‭ ‬مانديلا‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬فبراير1990،‭ ‬وفق‭ ‬مقالة‭ ‬سارة‭ ‬تيسير‭ ‬وترجمة‭ ‬عبدالله‭ ‬كمون‭. ‬ولم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬سجنه‭ ‬منهزما‭ ‬أو‭ ‬ذليلا،‭ ‬وإنما‭ ‬كان‭ ‬كالنمر‭ ‬المنتصر‭ ‬على‭ ‬جلاديه،‭ ‬فظهر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الجموع‭ ‬شاهراً‭ ‬قبضته،‭ ‬وزوجته‭ ‬ويني‭ ‬آخذة‭ ‬بذراعه،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬نال‭ ‬حريته‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬إنسانا‭ ‬آخر،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬بدايات‭ ‬حياته‭ ‬شاباً‭ ‬مغروراً‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تجلب‭ ‬له‭ ‬شيئاً،‭ ‬بحسب‭ ‬قوله‭: ‬إلا‭ ‬الأعداء‭ . ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يعمل،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬زنزانته،‭ ‬على‭ ‬ترويض‭ ‬نفسه‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬أقل‭ ‬غروراً‭ ‬وعدائية‭  ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬دخوله‭ ‬السجن،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يسلح‭ ‬نفسه‭ ‬بقراءة‭ ‬روائع‭ ‬الأدب‭ ‬وبخاصة‭ ‬رواية‭ ‬عناقيد‭ ‬الغضب،‭ ‬فيقول‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المقابلات‭: ‬‮«‬تركت‭ ‬السجن‭ ‬أكثر‭ ‬وعياً‭ ‬عما‭ ‬كنت‭ ‬عليه،‭ ‬وعندما‭ ‬يزيد‭ ‬وعي‭ ‬المرء‭ ‬تقل‭ ‬عدائيته‭ ‬وغروره‮»‬‭.‬

 

تأثيره‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬والسينما‭ ‬والفن

وإلى‭ ‬جانب‭ ‬كون‭ ‬مانديلا‭ ‬نقطة‭ ‬اجتماع‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬الشعر،‭ ‬والسينما،‭ ‬والموسيقى،‭ ‬يرى‭ ‬سعد‭ ‬خطيبي‭  ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬الرمز‭ ‬والصورة‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭: ‬في‭ ‬المقاهي،‭ ‬الأمكنة‭ ‬العامة،‭ ‬المدارس،‭ ‬الجامعات،‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬الشوارع،‭ ‬وعلى‭ ‬القمصان،‭ ‬وواجهات‭ ‬المحال‭ ‬التجارية،‭ ‬وعلى‭ ‬شاشات‭ ‬الهواتف‭ ‬الجوالة‭. ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬مانديلا‭ ‬بشهادة‭ ‬الكاتبة‭ ‬نادين‭ ‬غورديمير‭  ‬هو‭ ‬‮«‬أبو‭ ‬أمة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسس‭ ‬لوطنية‭ ‬جديدة‭ ‬،‭ ‬وأن‭ ‬عمله‭ ‬الميداني‭ ‬رشحه‭ ‬ليكون‭ ‬مرجعية‭ ‬حياتية‭ ‬فهو‭ ‬حكيم‭ ‬بزي‭ ‬إنسان‭ ‬بسيط‭.‬

 

نهاية‭ ‬رجل‭ ‬شجاع

في‭ ‬18‭ ‬يوليو‭ ‬2013‭ ‬بلغ‭ ‬مانديلا‭ ‬الخامسة‭ ‬والتسعين‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حقق‭ ‬لأمته‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تصبو‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬المجد،‭ ‬كما‭ ‬حقق‭ ‬الشهرة‭ ‬العالمية‭ ‬الواسعة‭ ‬لمشروعه‭ ‬النضالي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تخطى‭ ‬كل‭ ‬المحن‭ ‬والمآسي‭. ‬وأثبت‭ ‬بحق‭ ‬إن‭ ‬إفريقيا‭ ‬تلك‭ ‬القارة‭ ‬المظلومة‭ ‬دائماً،‭ ‬هي‭ ‬بحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬رجل‭ ‬شجاع‭ ‬وحكيم‭ ‬مثله،‭ ‬وقد‭ ‬برهن‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬حينما‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬المحتملة‭. ‬وفي‭ ‬5‭ ‬ديسمبر‭ ‬2013‭ ‬وبعد‭ ‬صراع‭ ‬طويل‭ ‬مع‭ ‬الغاصبين‭ ‬والمرض،‭ ‬واجه‭ ‬مانديلا‭ ‬الموت‭ ‬بشجاعة،‭ ‬كما‭ ‬واجه‭ ‬الحياة‭ ‬بشجاعة‭ ‬وثبات‭.‬

‭ ‬وإن‭ ‬رحل‭ ‬مانديلا‭! ‬فسيبقى‭ ‬شعلة‭ ‬نضال‭ ‬تنير‭ ‬الدرب‭ ‬أمام‭ ‬المجاهدين‭ ‬الشرفاء‭ ‬الذين‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬غد‭ ‬مشرق‭ ‬بالأمل‭ ‬والحرية‭ ‬والحياة‭ ‬الشريفة‭ .