الكيمياء والفيزياء في المطبخ
المطبخ ليس مكانا لإعداد الطعام الشهي فقط، بل هو مكان تُجرى فيه تجارب في الكيمياء والفيزياء ثبتت فعاليتها عبر العصور، واعتمدت من قبل الناس في تحضير صنوف الأطعمة المختلفة، ومَن يرغب في أن يكون حاذقا وملما بمهنة فن الطبخ، فعليه أن يكون ملما بأساسيات تحضير الأطعمة ومدى مجانسة أصناف الطعام لبعضها البعض، والاستفادة مما يمكن لها أن تقدمه في سبيل إعداد طبق شهي.
أغلب الوصفات المحضّرة في المطبخ تكون من خلال تجارب الطهاة ومن خلال التجربة والخطأ من خلال مزج المكونات بطريقة ما لإعداد صنف الطعام المراد تحضيره، ومن خلال هذه الوصفات يشتهر الطهاة ويتميزون في ما بينهم.
علماء الكيمياء ينظرون إلى عملية الطبخ وتحضير الطعام بوصفها عملية كيميائية تدخل فيها المكونات وتحتاج إلى مصدر حرارة، ومن خلال الوسط المائي يتم إعداد المنتج وهو الطعام بصفته منتجًا كيميائيًا.
تعود فكرة الاهتمام بتطبيق العلم في فن الطبخ إلى علماء الكيمياء الذين ينظرون لما يحدث أثناء عملية إعداد الطعام على أنه تفاعل كيميائي معروفة المواد الداخلة به لإنتاج مواد مختلفة من المواد الداخلة في التفاعل. أما بالنسبة للطهاة، فهم غير مقتنعين بجدوى البحث في هذا الموضوع خشية أن يتحقق ما يدور في أفلام الخيال العلمي من الطاهي الآلي الذي يمكنه إعداد الوجبات من المواد الأولية بطعم مميز بناء على رغبة المتذوق للطعام، وهذا ما نشاهده في أفلام ستارك تريك وحرب النجوم.
من الناحية العملية، سيذهب عصر الطهاة الذهبي لأنه يمكن تحديد الكميات المطلوبة لتحضير طبق شهي بسهولة في المختبر، وإن أسرار المهنة هي بمنزلة أحجية لا يعرفها سواهم عفى عليها الزمن، والتي يتباهى بها الطهاة في ما بينهم ويحصلون على أجور ورواتب خيالية مقارنة بزملائهم الطهاة
الذين لم يسعفهم الحظ في معرفة سر الصنعة.
ويمكن أن تكون طاهيًا جيدًا من دون التمسك بالعادات والممارسات التي تعلمها الطهاة الأقدم في المهنة، ولكن بمعرفة الأسس العلمية التي تحضر بموجبها أصناف الطعام. وفي ما يلي بعض الوصفات التي يمكن للعلماء تفسيرها بسهولة.
تحضير الكسترد
الطهاة، مثلا، يضيفون كميات صغيرة من الطحين عند تسخين الكسترد custards كي لا تتخثر. كما يتبعون الطرق الخاصة في إعدادها بكل دقة، ويتقيدون بنسب المكونات المذكورة في كتيب الوصفات تماما. ولهذا السبب استمرت تجارب الطهاة السابقين وكذلك خبرات الأمهات في إيصال خبراتهن إلى بناتهن، مع أنه يمكن من الناحية العلمية التجريبية المستندة إلى تجارب في الفيزياء والكيمياء معرفة النسب الداخلة في تحضير الكسترد من الطحين، على سبيل المثال أغلب المواد الداخلة في تحضير وصفات المطبخ تكون من الزيوت أو البودرة والماء، وتكون عملية إعداد الطعام من خلال قيام الطاهي بخلط المكونات بنسب معينة لكي يحصل على ما يريده من أنواع الطعام، لذا فإن علماء الفيزياء قاموا بدراسة المستحلبات emulsions والمعلَّقات suspensions والمبعثَرات (المتبدِّدات) dispersions الصلبة والرغوة foames التي كثيرا ما يصادفونها أثناء عملية الطبخ.
فن الطبخ الجزيئي والفيزيائي
molecular and physical gastronomy
كانت البداية بمعرفة مكونات الطعام، حيث كان بإمكان العلماء بواسطة الطرق والأجهزة الحديثة في التحليل الكروماتوجرافي chromotagraphyعزل مكونات الأطعمة المسؤولة عن روائحها ومذاقها. وقد قاموا بتجارب سابقة من حل بعض الأحاجي التي تباهى بها الطهاة من خلال معرفة المكونات الداخلة في الأطعمة، لأن لكل نوع من المواد الداخلة في الطعام رسمه الخاص المميز في التحليل، والذي يمكن للعلماء معرفته بسهولة وبخاصة علم جديد بدأ بالنمو هو فن الطهي (فن الطبخ) الجزيئي والفيزيائي molecular and physical gastronomy، أي علم الطعام والاستمتاع به. ويمكن من خلال المعلومات المتوافرة والتي سنحصل عليها من دراسة خصائص الجزيئات تفسير وإعداد بعض الخلطات، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - البيض المسلوق مع المايونيز.
هذا العلم يقدم لنا فرصة مثالية لدراسة الخصائص الفيزيائية والجزيئية للمستحلبات. فالمايونيز والقشدة والزبدة كلها أمثلة عن المستحلبات. المستحلب يتكون من سائلين غير ممزوجين يكون أحدهما مبعثرًا بشكل دقيق متجانس على شكل قطيرات ضمن السائل الثاني، ويتم تثبيت الجملة بوجود عامل استحلابي.
تتألف المستحلبات عادة من مزيج طور مائيًا مع عدد من الزيوت أو الشموع، ويمكن أن نميز مستحلبا من نمط ماء/زيت أو زيت/ماء. وهناك إمكان تشكيل مستحلبات متعددة مثل ماء/زيت/ ماء، حيث نقوم ببعثرة عدد من قطيرات الماء ضمن قطيرة زيت أكبر حجمًا، والتي يتم بعثرتها بعد ذلك ضمن الماء، كما يمكن تحضير مستحلب متعدد زيت /ماء/زيت.
عندما تكون أبعاد قطيرات الطور المبعثر ضمن المجال الغروي، عندها يسمى المستحلب مستحلبا دقيقا، ويكون شفافا، وخلط قطرات الزيت بجزيئات الماء لتبدو متماسكة، مع أنها لا تمتزج مع بعضها البعض وتكون فيها قطرات صغيرة على شكل (قطيرات) لأحد السوائل معلقة في سائل آخر لا تمتزج به.
ممَ يتكون المايونيز؟
يتكون المايونيز - كما هو معروف لدى الطهاة- من زيت نباتي وخل (أو عصارة ليمون) ومح (صفار) البيض. ولما كان نصف المح ماء، يكون المايونيز في الواقع مستحلبا قوامه زيت في ماء. وعادة، مهما كانت شدة خفق خليط الماء والزيت، ينفصل المكونان إلى طبقتين متمايزتين. والمايونيز مستقر، لأن مح البيض يحتوي على ما يسمى جزيئات فعالة السطح surfactant، وهي الليسيثين lecithins. وهذه الجزيئات عصوية الشكل ويتمتع طرفاها بخاصيتين مختلفتين، فأحد الطرفين جاذب للماء والآخر طارد له. والكرية الزيتية في معلق المايونيز تغطى على الأقل بطبقة واحدة من الليسيثين، وهذا يسمح لها أن تمتزج جيدا مع الماء، لأن الجزء الجاذب (المحب) للماء يلامس الماء، في حين يكون الجزء الطارد (الكاره) للماء على تماس مع الزيت. ولا تلتحم القطرات الصغيرة بعضها مع بعض مباشرة، لأن الأطراف الجاذبة للماء والبارزة من سطوحها تكتسب عادة شحنات كهربائية متماثلة صغيرة فيتنافر بعضها مع بعض.
وبما أن مح بيضة واحدة يستحلب ما يتراوح بين 150 و250 مل من الزيت، وهي كما هو متعارف عليه مع الطهاة مختلفة عن تلك التي توصل إليها العلماء في المختبر، لأن المحّ يحوي نحو جرامين من الليسيثين، وبما أن قطر كرية الزيت في المايونيز 0.01 مل، لذا فإن محا واحدا بإمكانه أن يثبِّت 3.5 لترات من الزيت، حسب ما وصل إليه الباحث المعد للدراسة ماكگي، أي أكبر من الكمية المتعارفة بعشرين مرة. وتكمن البراعة في إضافة ما يكفي من الماء أو الخل أو النبيذ أو محاليل مائية أخرى للمحافظة على قطرات الزيت منفصلة بعضها عن بعض بالتدريج وبالخلط الجيد، وهو يشابه ما يعمل به في الصناعات الدوائية، إلا أن الطهاة لا يستطيعون أن يمضوا أكبر في المزج والخلط، فيكتفون بما حصلوا عليه من المايونيز، وهذا يفسر أيضا سبب انخفاض سعر المايونيز المحضر في الصناعة مقارنة بما يكلفه تحضيره في المنزل.
وحتى نتمكن من القضاء على مشكلة التسمم بالسالمونيلا، والتي تشكل السبب الرئيس لعمليات التسمم بالمايونيز، قد يلجأ البعض لاستخدام البيض الخفيف السلق، لأن بكتيريا السالمونيلا تموت عند تعريضها بضع دقائق لدرجة حرارة 59 مئوية، فينبغي إذن أن تضمن طريقةُ الطهي السليمة ألا تتجاوز حرارة المح الدرجة 62 مئوية، بل تبقى ما بين 59 و61 مئوية لستّ دقائق على الأقل. لأنه كلما زادت مدة السلق، أدى إلى التأثير في قوام المايونيز المشكل فيبدو أقل تماسكا وكثافة.
وبالطبع يمكن قياس درجة حرارة مح البيضة باستخدام المزدوجة الحرارية thermocouple وقد يسَّر هذا الجهاز تطوير وصفة لتحويل البيضة الملوثة إلى بيضة سليمة خفيفة السلق. حتى لا يتخثر المحلول بزيادة التسخين يتم احتساب مدة التسخين ووضع البيضة في وعاء مملوء بالماء الساخن والاستفادة من معلومة أن درجة الحرارة التي تقتل السالمونيلا عندها أخفض من درجة حرارة تخثر المح.
لأن البيضة الملوثة بمليون جرثومة سالمونيلا إنتريتيدس salmonella enteritidis صارت صالحة للأكل بفضل هذه المعالجة بعد 18 دقيقة من الطهي، كما أن الطهاة بدورهم يلجأون إلى إضافة رشة من الطحين لتحول دون حدوث التخثر.
يعمل الباحثون الآن على بحث آلية حل الطهاة لتلك المشكلة.
لماذا يحدث التخثر؟
يحدث التخثر لأن جزيئات البروتين الطويلة في مح البيضة تتحرر في المحلول المائي من بعض قوى الارتباط الضعيف (مثل الروابط الهيدروجينية والجسور الكبريتية) التي تربط بعضها ببعض في تشكيلات حلزونية. والتسخين الكافي يحطم هذه الروابط، فتشكل القطع البروتينية الناتجة روابط ضعيفة جديدة مع جزيئات أخرى. وعندما تتلاقى البروتينات تتكتل بعضها مع بعض في تجمعات ويحدث التخثر.
أما بالنسبة لدور الطحين، فبإمكانه أن يعيق عملية التخثر لأن دقائقه تتألف، بشكل رئيس، من نوعين من النشاء: الأميلوز، وهو البوليمر من الجلوكوز، والأميلوبكتين، وهو بوليمر شديد التشعب للسكر نفسه. فبارتفاع درجة الحرارة ينفصل هذان النوعان من النشاء عن حبيبة الطحين ويذوبان. ويبدو أن جزيئات النشاء الطويلة تمنع التخثر، لأنها تحد من حرية حركة البروتينات وتمنعها من التجمع أو التخثر. وهذا التعليل مقبول من الناحية العملية ولكنه يحتاج إلى تحديد الكميات المطلوبة بدقة من الدقيق لمنع التخثر ونوع النشاء الأفضل. وحتى لا يبقى الأمر بناء على خبرات الطهاة العملية.
عجينة الكيك والبيتزا
أما بالنسبة لعجينة الكيك والبيتزا، فهي أعقد لتعدد المكونات، ولأنها تعتمد في قوامها على تجانس المكونات والخلط الجيد لها. وتتألف مكوناتها الأساسية من بياض البيض المخفوق، ومستحضر لزج مكون من زبدة ودقيق وحليب، وغالبا ما يدخل فيها صفار البيض. يضاف أحيانا السمك أو الجبن أو الشوكولاتة أو فواكه مطحونة، ويمكن إضافة الفانيليا ومكونات أخرى تعمل كمنكهات. وتختلف الوصفات المعدة من الطهاة في نسب هذه المكونات بعضها لبعض. لكنها جميعها تتفق على أهمية الخلط المتجانس للمستحضر اللزج مع البيض المخفوق. كما تؤكد أيضا ضرورة الانتباه عند تشتيت الرغوة حتى لا يخرج الهواء الذي أُدْخِل بالخفق.
المهم في طريقة تحضير الكيك أنها لابد أن تقدم للأكل مباشرة، لأنها إذا انتفخت جيدا بشكل ملحوظ، فستبدأ بالتداعي والهبوط خلال ثوان أو دقائق بعد إخراجها من الفرن، وأسباب انتفاخ النفيخة وهبوطها غير واضحة مع أن التفسير العام يبدو بسيطا، وقد تفسر بأنه عند تسخين المزيج ومح البيض، تتمدد فقاعات الهواء وترتفع عجينة الكيك. فتخثُّر البيض ما بين الفقاعات يجعلها قاسية بحيث تحول دون تهاوي الكيكة إلى أن تنخفض درجة الحرارة على الأقل. وكلما زاد التسخين يزيد حجم الكيكة بمقدار 20 في المائة فقط من الزيادة في حجمها، علما بأنها في المختبر قد ترتفع حتى يصبح حجمها ثلاثة أمثال حجمها الأصلي، لأن بخار الماء هو الذي ينفخها ويمكن ملاحظتها من خلال نزع قطعة من سطح الكيكة فيبدأ بخار الماء بالتسرب خارجا منها.
يمكن التحكم في درجة الحرارة بقياسها على فترات، إلا أنه من الناحية العملية مراقبتها عن بعد في الفرن وسيلة مريحة جدا.
تحضير الشوربة المركزة من اللحم (الأساس)
تُحضر الشوربة بغلي اللحم والخضار في الماء، وفضلا عن قيمة الشوربة بحد ذاتها كغذاء، يتم إعداد الشوربات أو الخلاصات المركزة منها عن طريق خفض الحجم مرات عدة بغلي الشوربة إلى أن يصل حجمها إلى الحجم المطلوب، ولكن هل تكون المكونات هي تلك المخففة من الشوربة الأصلية، حيث إن تركيب البخار عادة قد يختلف عن تركيب السائل، لأن السوائل تكون مخلوطة بأملاح ذائبة لا تتبخر والذي يتبخر هو الماء على سبيل المثال؟ فهل تختلف الشوربة أو ما يمكن اعتبارها الخلاصة (الأساس) المحضرة بتركيز المرق عند درجة حرارة 100 مئوية عن تلك المحضرة عند درجة حرارة 80 أو 60 مئوية؟
عملية التسخين في الطبخ التقليدي تعتمد على طريقتين أساسيتين لتسخين الأغذية، تتمثل إحداهما في تعريض المادة لسائل حار، وعادة ما يكون الماء أو القلي الخفيف بالزيت أو الغاز الحار كما في الشواء في الفرن أو على الفحم. فعندما تصطدم جزيئات وَسَط التسخين بسطح الطعام، فإنها تنقل طاقتها الحركية إليه. تصل الحرارة إلى داخل مادة الطعام بالنقل والتوصيل فقط. ولما كانت الأجزاء المختلفة من الطعام تتمايز في تعرضها للسخونة أثناء طبخها، لا يكون مذاقها وقوامها متجانسين. ويتأثر استمتاعنا بشريحة من اللحم (ستيك) من النوع الممتاز، أو رغيف خبز محمّص، أو عجة هشة إلى حد بعيد بهذا التدرج الحراري واختلاف التجانس في القوام والبنية.
ظهرت فكرة تسخين المادة، داخلها وسطحها معا كما في الميكروويف والتي تمت ملاحظتها بالصدفة في الحرب العالمية الثانية، بأن الموجات الميكروية التي طولها نحو 10سم يمكنها اختراق مسافة كبيرة عبر المواد وتعطي أثناء مرورها طاقة على شكل حرارة.
عندما يحضّر اللحم في فرن الميكروويڤ يسخن بصورة متجانسة إلى الدرجة 100 مئوية ويبقى عند تلك الدرجة مادام يحوي ماء. ولهذه الطريقة في طهي اللحم بالموجات الميكروية ميزتان: هي أسرع وتستهلك طاقة أقل. من ناحية أخرى فإن الغلي التقليدي، بوجود الشوربة التي تحتوي على أعشاب وخضراوات، يعطي اللحم نكهات إضافية.
إذا ما خير شخص بين تناول اللحم المشوي أو المسلوق فهو يختار اللحم المشوي، لأنه ألذ من ناحية الطعم، كما أن لون الشواء الأحمر والذي ينتج عن تفاعل السكاكر والأحماض الأمينية الموجودة في اللحم التي تترابط بعضها ببعض وتشكل أنواعا كثيرة من المركبات بعضها يثير الشهية، وبعضها الآخر ذو لون بني غامق. ويطلق عليها تفاعلات ميلارد وتتسم بتقصّف وتشقق اللحم المشوي، وتشكل الكراميل من السكر المحروق وهذا لا يحدث في فرن الميكروويف.
البوظة (الآيس كريم)
تعد البوظة من الأغذية الأكثر تعقيدا التي نواجهها؛ كل من الرغوة والمستحلب يحتوي على بلورات ثلجية وخليط مائي غير مجمد وعلى كم وافر من الفقاعات الهوائية (حتى تكون خفيفة). تضاف المستحلبات خلال عملية التجميد لتطوير تكوين أكثر سلاسة وضمان أن البوظة لن تذوب سريعا بعد التقديم. كما أنها تحسن من عملية التحول بين التجمد والذوبان. تستخدم الجلسيريدات الثنائية والأحادية للأحماض الدهنية (أي ٤٧١)، الليسيثين (أي ٣٢٢) وعديد السوربات (أي ٤٣٢، أي ٤٣٦) بشكل عام في صناعة البوظة. كما أن جميعها يستخدم في صناعة حلويات أخرى مثل السوربيت، الميلك شيك واللبن، والموس المجمدة أيضا.
طريقة التحضير التقليدية لتحضير البوظة تتم بخفق البيض والسكر والمنكِّهات وتترك لتتجمد ببطء، يؤدي الخفق إلى إدخال الهواء في المادة كما يحطم بلورات الثلج الكبيرة باستمرار. وهناك طريقة أبسط وذات مردود أعلى وهي صب النتروجين السائل مباشرة في المكونات. فعند درجة حرارة 196 مئوية يجمد النتروجين مزيج البوظة بسرعة لا تسمح إلا لبلورات الثلج الصغيرة بالتكون. فحين يغلي النتروجين ويفور بشدة يشكل في السائل كمية وافرة من الفقاعات الغازية. كما أن البرودة تشكل غمامة من ضباب كثيف يتمتع الناظر برؤيته، وهذا ما يضيف إلى البوظة لمسة تثير البهجة. وبالطبع لا يمكن تحضير البوظة في المنزل، لأنه من الصعوبة إحضار النتروجين السائل المبرد، إذ يباع للمصانع المخصصة، وتمت إضافته هنا فقط لتوضيح ضرورة الخفق الجيد للبيض والسكر مع تمرير غاز بارد, وأقرب شيء له في المنزل هو بياض البيض الذي يخفق بسرعة فيكبر حجمه لإنتاج الكريمة، وتضاف مع عملية الخفق الفانيلا والمنكهات والعصائر، بحيث إن بيضتين تكفيان لإعداد طبق حلوى.
يستطيع العلم أن يفسر أي شيء يحدث في هذا العالم، ويمكن للعلم أن يصنع المواد بطرق كيماوية في المختبر، وبخاصة أن المواد يمكن معرفة تركيبها الجزيئي، وذلك يسهل على علماء الكيمياء العضوية وغير العضوية ابتكار طرق لتحضيرها من المواد الكيميائية، فعلم الكيمياء بحر واسع جدا يستطيع الجميع الخوض فيه والإبحار فيه، بشرط توافر المواد الأولية ومعرفة سلوك المواد أثناء التفاعل. قد يأتي يوم نستغني فيه عن الطاهي كما ذكرنا في مقدمة المقالة، ويكون على برنامج الحاسوب أن يقوم بتحضير الطبق الذي نريده.ولكن سيبقى للطاهي دور ما في المستقبل في ابتكار الوجبات اللذيذة، التي سنقوم بتحويلها كبرنامج في الحاسوب .