الكيمياء والفيزياء في المطبخ

الكيمياء والفيزياء في المطبخ

المطبخ‭ ‬ليس‭ ‬مكانا‭ ‬لإعداد‭ ‬الطعام‭ ‬الشهي‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مكان‭ ‬تُجرى‭ ‬فيه‭ ‬تجارب‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬والفيزياء‭ ‬ثبتت‭ ‬فعاليتها‭ ‬عبر‭ ‬العصور،‭ ‬واعتمدت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬صنوف‭ ‬الأطعمة‭ ‬المختلفة،‭ ‬ومَن‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حاذقا‭ ‬وملما‭ ‬بمهنة‭ ‬فن‭ ‬الطبخ،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ملما‭ ‬بأساسيات‭ ‬تحضير‭ ‬الأطعمة‭ ‬ومدى‭ ‬مجانسة‭ ‬أصناف‭ ‬الطعام‭ ‬لبعضها‭ ‬البعض،‭ ‬والاستفادة‭ ‬مما‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تقدمه‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬إعداد‭ ‬طبق‭ ‬شهي‭.‬

أغلب‭ ‬الوصفات‭ ‬المحضّرة‭ ‬في‭ ‬المطبخ‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجارب‭ ‬الطهاة‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬التجربة‭ ‬والخطأ‭ ‬من‭ ‬خلال‭  ‬مزج‭ ‬المكونات‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬لإعداد‭ ‬صنف‭ ‬الطعام‭ ‬المراد‭ ‬تحضيره،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الوصفات‭ ‬يشتهر‭ ‬الطهاة‭ ‬ويتميزون‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭.‬

علماء‭ ‬الكيمياء‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬الطبخ‭ ‬وتحضير‭ ‬الطعام‭ ‬بوصفها‭ ‬عملية‭ ‬كيميائية‭ ‬تدخل‭ ‬فيها‭ ‬المكونات‭ ‬وتحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مصدر‭ ‬حرارة،‭  ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الوسط‭ ‬المائي‭ ‬يتم‭ ‬إعداد‭ ‬المنتج‭ ‬وهو‭ ‬الطعام‭ ‬بصفته‭ ‬منتجًا‭ ‬كيميائيًا‭.‬

تعود‭ ‬فكرة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتطبيق‭ ‬العلم‭ ‬في‭ ‬فن‭ ‬الطبخ‭ ‬إلى‭ ‬علماء‭ ‬الكيمياء‭ ‬الذين‭ ‬ينظرون‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬تفاعل‭ ‬كيميائي‭ ‬معروفة‭ ‬المواد‭ ‬الداخلة‭ ‬به‭  ‬لإنتاج‭ ‬مواد‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬التفاعل‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطهاة،‭ ‬فهم‭ ‬غير‭ ‬مقتنعين‭ ‬بجدوى‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬الخيال‭ ‬العلمي‭ ‬من‭ ‬الطاهي‭ ‬الآلي‭ ‬الذي‭ ‬يمكنه‭ ‬إعداد‭ ‬الوجبات‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬بطعم‭ ‬مميز‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬رغبة‭ ‬المتذوق‭ ‬للطعام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬نشاهده‭ ‬في‭ ‬أفلام‭ ‬ستارك‭ ‬تريك‭ ‬وحرب‭ ‬النجوم‭. ‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية،‭ ‬سيذهب‭ ‬عصر‭ ‬الطهاة‭ ‬الذهبي‭ ‬لأنه‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬الكميات‭ ‬المطلوبة‭ ‬لتحضير‭ ‬طبق‭ ‬شهي‭ ‬بسهولة‭ ‬في‭ ‬المختبر،‭ ‬وإن‭ ‬أسرار‭ ‬المهنة‭ ‬هي‭ ‬بمنزلة‭ ‬أحجية‭ ‬لا‭ ‬يعرفها‭ ‬سواهم‭ ‬عفى‭ ‬عليها‭ ‬الزمن،‭ ‬والتي‭ ‬يتباهى‭ ‬بها‭ ‬الطهاة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭ ‬ويحصلون‭ ‬على‭ ‬أجور‭ ‬ورواتب‭ ‬خيالية‭ ‬مقارنة‭ ‬بزملائهم‭ ‬الطهاة
الذين‭ ‬لم‭ ‬يسعفهم‭ ‬الحظ‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬سر‭ ‬الصنعة‭.‬

ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬طاهيًا‭ ‬جيدًا‭ ‬من‭ ‬دون‭  ‬التمسك‭ ‬بالعادات‭ ‬والممارسات‭ ‬التي‭ ‬تعلمها‭ ‬الطهاة‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬المهنة،‭ ‬ولكن‭ ‬بمعرفة‭ ‬الأسس‭ ‬العلمية‭ ‬التي‭ ‬تحضر‭ ‬بموجبها‭ ‬أصناف‭ ‬الطعام‭. ‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يلي‭ ‬بعض‭ ‬الوصفات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬للعلماء‭ ‬تفسيرها‭ ‬بسهولة‭.‬

 

تحضير‭ ‬الكسترد

الطهاة،‭ ‬مثلا،‭ ‬يضيفون‭ ‬كميات‭ ‬صغيرة‭ ‬من‭ ‬الطحين‭ ‬عند‭ ‬تسخين‭  ‬الكسترد‭ ‬custards‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتخثر‭. ‬كما‭ ‬يتبعون‭ ‬الطرق‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬إعدادها‭ ‬بكل‭ ‬دقة،‭ ‬ويتقيدون‭ ‬بنسب‭ ‬المكونات‭ ‬المذكورة‭  ‬في‭ ‬كتيب‭ ‬الوصفات‭ ‬تماما‭. ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬استمرت‭ ‬تجارب‭ ‬الطهاة‭ ‬السابقين‭ ‬وكذلك‭ ‬خبرات‭ ‬الأمهات‭ ‬في‭ ‬إيصال‭ ‬خبراتهن‭ ‬إلى‭ ‬بناتهن،‭ ‬مع‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العلمية‭ ‬التجريبية‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬تجارب‭ ‬في‭ ‬الفيزياء‭ ‬والكيمياء‭ ‬معرفة‭ ‬النسب‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬الكسترد‭ ‬من‭ ‬الطحين،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬أغلب‭ ‬المواد‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬تحضير‭ ‬وصفات‭ ‬المطبخ‭ ‬تكون‭ ‬من‭ ‬الزيوت‭ ‬أو‭ ‬البودرة‭  ‬والماء،‭ ‬وتكون‭ ‬عملية‭ ‬إعداد‭ ‬الطعام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قيام‭ ‬الطاهي‭ ‬بخلط‭ ‬المكونات‭ ‬بنسب‭ ‬معينة‭ ‬لكي‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الطعام،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬قاموا‭ ‬بدراسة‭ ‬المستحلبات‭ ‬emulsions‭ ‬والمعلَّقات‭ ‬suspensions‭ ‬والمبعثَرات‭ (‬المتبدِّدات‭) ‬dispersions‭ ‬الصلبة‭ ‬والرغوة‭ ‬foames‭ ‬التي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يصادفونها‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الطبخ‭.‬

 

فن‭ ‬الطبخ‭ ‬الجزيئي‭ ‬والفيزيائي

molecular and physical gastronomy

كانت‭ ‬البداية‭ ‬بمعرفة‭ ‬مكونات‭ ‬الطعام،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭  ‬بإمكان‭ ‬العلماء‭ ‬بواسطة‭ ‬الطرق‭ ‬والأجهزة‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬الكروماتوجرافي‭ ‬chromotagraphyعزل‭ ‬مكونات‭ ‬الأطعمة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬روائحها‭ ‬ومذاقها‭. ‬وقد‭ ‬قاموا‭ ‬بتجارب‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬حل‭ ‬بعض‭ ‬الأحاجي‭ ‬التي‭ ‬تباهى‭ ‬بها‭ ‬الطهاة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬معرفة‭ ‬المكونات‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬الأطعمة،‭ ‬لأن‭ ‬لكل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الداخلة‭ ‬في‭ ‬الطعام‭ ‬رسمه‭ ‬الخاص‭ ‬المميز‭ ‬في‭ ‬التحليل،‭ ‬والذي‭ ‬يمكن‭ ‬للعلماء‭ ‬معرفته‭ ‬بسهولة‭ ‬وبخاصة‭ ‬علم‭ ‬جديد‭ ‬بدأ‭ ‬بالنمو‭ ‬هو‭ ‬فن‭ ‬الطهي‭ (‬فن‭ ‬الطبخ‭) ‬الجزيئي‭ ‬والفيزيائي‭ ‬molecular and physical gastronomy،‭ ‬أي‭ ‬علم‭ ‬الطعام‭ ‬والاستمتاع‭ ‬به‭. ‬ويمكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المعلومات‭ ‬المتوافرة‭ ‬والتي‭ ‬سنحصل‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬خصائص‭ ‬الجزيئات‭ ‬تفسير‭ ‬وإعداد‭ ‬بعض‭ ‬الخلطات،‭ ‬ومنها‭ - ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ - ‬البيض‭ ‬المسلوق‭ ‬مع‭ ‬المايونيز‭.‬

‮ ‬هذا‭ ‬العلم‭ ‬يقدم‭ ‬لنا‭ ‬فرصة‭ ‬مثالية‭ ‬لدراسة‭ ‬الخصائص‭ ‬الفيزيائية‭ ‬والجزيئية‭ ‬للمستحلبات‭. ‬فالمايونيز‭ ‬والقشدة‭ ‬والزبدة‭ ‬كلها‭ ‬أمثلة‭ ‬عن‭ ‬المستحلبات‭. ‬المستحلب‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬سائلين‭ ‬غير‭ ‬ممزوجين‭ ‬يكون‭ ‬أحدهما‭ ‬مبعثرًا‭ ‬بشكل‭ ‬دقيق‭ ‬متجانس‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬قطيرات‭ ‬ضمن‭ ‬السائل‭ ‬الثاني،‭ ‬ويتم‭ ‬تثبيت‭ ‬الجملة‭ ‬بوجود‭ ‬عامل‭ ‬استحلابي‭.‬

تتألف‭ ‬المستحلبات‭ ‬عادة‭ ‬من‭ ‬مزيج‭ ‬طور‭ ‬مائيًا‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الزيوت‭ ‬أو‭ ‬الشموع،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نميز‭ ‬مستحلبا‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬ماء‭/‬زيت‭ ‬أو‭ ‬زيت‭/‬ماء‭. ‬وهناك‭ ‬إمكان‭ ‬تشكيل‭ ‬مستحلبات‭ ‬متعددة‭ ‬مثل‭ ‬ماء‭/‬زيت‭/ ‬ماء،‭ ‬حيث‭ ‬نقوم‭ ‬ببعثرة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قطيرات‭ ‬الماء‭ ‬ضمن‭ ‬قطيرة‭ ‬زيت‭ ‬أكبر‭ ‬حجمًا،‭ ‬والتي‭ ‬يتم‭ ‬بعثرتها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ضمن‭ ‬الماء،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬تحضير‭ ‬مستحلب‭ ‬متعدد‭ ‬زيت‭ /‬ماء‭/‬زيت‭.‬

عندما‭ ‬تكون‭ ‬أبعاد‭ ‬قطيرات‭ ‬الطور‭ ‬المبعثر‭ ‬ضمن‭ ‬المجال‭ ‬الغروي،‭ ‬عندها‭ ‬يسمى‭ ‬المستحلب‭ ‬مستحلبا‭ ‬دقيقا،‭ ‬ويكون‭ ‬شفافا،‭ ‬وخلط‭ ‬قطرات‭ ‬الزيت‭ ‬بجزيئات‭ ‬الماء‭ ‬لتبدو‭ ‬متماسكة،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تمتزج‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض‭ ‬وتكون‭ ‬فيها‭ ‬قطرات‭  ‬صغيرة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ (‬قطيرات‭) ‬لأحد‭ ‬السوائل‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬سائل‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬تمتزج‭ ‬به‭.‬

 

‮ ‬ممَ‭ ‬يتكون‭ ‬المايونيز؟

يتكون‭ ‬المايونيز‭ - ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭ ‬لدى‭ ‬الطهاة‭-  ‬من‭ ‬زيت‭ ‬نباتي‭ ‬وخل‭ (‬أو‭ ‬عصارة‭ ‬ليمون‭) ‬ومح‭ (‬صفار‭) ‬البيض‭. ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬نصف‭ ‬المح‭ ‬ماء،‭ ‬يكون‭ ‬المايونيز‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬مستحلبا‭ ‬قوامه‭ ‬زيت‭ ‬في‭ ‬ماء‭. ‬وعادة،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬شدة‭ ‬خفق‭ ‬خليط‭ ‬الماء‭ ‬والزيت،‭ ‬ينفصل‭ ‬المكونان‭ ‬إلى‭ ‬طبقتين‭ ‬متمايزتين‭. ‬والمايونيز‭ ‬مستقر،‭ ‬لأن‭ ‬مح‭ ‬البيض‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬جزيئات‭ ‬فعالة‭ ‬السطح‭ ‬surfactant،‭ ‬وهي‭ ‬الليسيثين‭ ‬lecithins‭. ‬وهذه‭ ‬الجزيئات‭ ‬عصوية‭ ‬الشكل‭ ‬ويتمتع‭ ‬طرفاها‭ ‬بخاصيتين‭ ‬مختلفتين،‭ ‬فأحد‭ ‬الطرفين‭ ‬جاذب‭ ‬للماء‭ ‬والآخر‭ ‬طارد‭ ‬له‭. ‬والكرية‭ ‬الزيتية‭ ‬في‭ ‬معلق‭ ‬المايونيز‭ ‬تغطى‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬بطبقة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الليسيثين،‭ ‬وهذا‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تمتزج‭ ‬جيدا‭ ‬مع‭ ‬الماء،‭ ‬لأن‭ ‬الجزء‭ ‬الجاذب‭ (‬المحب‭) ‬للماء‭ ‬يلامس‭ ‬الماء،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الجزء‭ ‬الطارد‭ (‬الكاره‭) ‬للماء‭ ‬على‭ ‬تماس‭ ‬مع‭ ‬الزيت‭. ‬ولا‭ ‬تلتحم‭ ‬القطرات‭ ‬الصغيرة‭ ‬بعضها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬مباشرة،‭ ‬لأن‭ ‬الأطراف‭ ‬الجاذبة‭ ‬للماء‭ ‬والبارزة‭ ‬من‭ ‬سطوحها‭ ‬تكتسب‭ ‬عادة‭ ‬شحنات‭ ‬كهربائية‭ ‬متماثلة‭ ‬صغيرة‭ ‬فيتنافر‭ ‬بعضها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭.‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬مح‭ ‬بيضة‭ ‬واحدة‭ ‬يستحلب‭ ‬ما‭ ‬يتراوح‭ ‬بين‭ ‬150‭ ‬و250‭ ‬مل‭ ‬من‭ ‬الزيت،‭ ‬وهي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬متعارف‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬الطهاة‭ ‬مختلفة‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬توصل‭ ‬إليها‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬المختبر،‭ ‬لأن‭ ‬المحّ‭ ‬يحوي‭ ‬نحو‭ ‬جرامين‭ ‬من‭ ‬الليسيثين،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬قطر‭ ‬كرية‭ ‬الزيت‭ ‬في‭ ‬المايونيز‭ ‬0‭.‬01‭ ‬مل،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬محا‭ ‬واحدا‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يثبِّت‭ ‬3‭.‬5‭ ‬لترات‭ ‬من‭ ‬الزيت،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬الباحث‭ ‬المعد‭ ‬للدراسة‭ ‬ماكگي،‭ ‬أي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬الكمية‭ ‬المتعارفة‭ ‬بعشرين‭ ‬مرة‭. ‬وتكمن‭ ‬البراعة‭ ‬في‭ ‬إضافة‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬الخل‭ ‬أو‭ ‬النبيذ‭ ‬أو‭ ‬محاليل‭ ‬مائية‭ ‬أخرى‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬قطرات‭ ‬الزيت‭ ‬منفصلة‭ ‬بعضها‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬بالتدريج‭ ‬وبالخلط‭ ‬الجيد،‭ ‬وهو‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬يعمل‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الصناعات‭ ‬الدوائية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الطهاة‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬أن‭ ‬يمضوا‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬المزج‭ ‬والخلط،‭ ‬فيكتفون‭ ‬بما‭ ‬حصلوا‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬المايونيز،‭ ‬وهذا‭ ‬يفسر‭ ‬أيضا‭ ‬سبب‭ ‬انخفاض‭ ‬سعر‭ ‬المايونيز‭ ‬المحضر‭ ‬في‭ ‬الصناعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬يكلفه‭ ‬تحضيره‭ ‬في‭ ‬المنزل‭.‬

وحتى‭ ‬نتمكن‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مشكلة‭ ‬التسمم‭ ‬بالسالمونيلا،‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬السبب‭ ‬الرئيس‭ ‬لعمليات‭ ‬التسمم‭ ‬بالمايونيز،‭ ‬قد‭ ‬يلجأ‭ ‬البعض‭ ‬لاستخدام‭ ‬البيض‭ ‬الخفيف‭ ‬السلق،‭ ‬لأن‭ ‬بكتيريا‭ ‬السالمونيلا‭ ‬تموت‭ ‬عند‭ ‬تعريضها‭ ‬بضع‭ ‬دقائق‭ ‬لدرجة‭ ‬حرارة‭ ‬59‭ ‬مئوية،‭ ‬فينبغي‭ ‬إذن‭ ‬أن‭ ‬تضمن‭ ‬طريقةُ‭ ‬الطهي‭ ‬السليمة‭ ‬ألا‭ ‬تتجاوز‭ ‬حرارة‭ ‬المح‭ ‬الدرجة‭ ‬62‭ ‬مئوية،‭ ‬بل‭ ‬تبقى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬59‭ ‬و61‭ ‬مئوية‭ ‬لستّ‭ ‬دقائق‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬لأنه‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬مدة‭ ‬السلق،‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬قوام‭ ‬المايونيز‭ ‬المشكل‭ ‬فيبدو‭ ‬أقل‭ ‬تماسكا‭ ‬وكثافة‭.‬

وبالطبع‭ ‬يمكن‭ ‬قياس‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬مح‭ ‬البيضة‭ ‬باستخدام المزدوجة‭ ‬الحرارية‭ ‬thermocouple‭   ‬وقد‭ ‬يسَّر‭ ‬هذا‭ ‬الجهاز‭ ‬تطوير‭ ‬وصفة‭ ‬لتحويل‭ ‬البيضة‭ ‬الملوثة‭ ‬إلى‭ ‬بيضة‭ ‬سليمة‭ ‬خفيفة‭ ‬السلق‭. ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يتخثر‭ ‬المحلول‭ ‬بزيادة‭ ‬التسخين‭ ‬يتم‭ ‬احتساب‭ ‬مدة‭ ‬التسخين‭ ‬ووضع‭ ‬البيضة‭ ‬في‭ ‬وعاء‭ ‬مملوء‭ ‬بالماء‭ ‬الساخن‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬معلومة‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬التي‭ ‬تقتل‭ ‬السالمونيلا‭ ‬عندها‭ ‬أخفض‭ ‬من‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬تخثر‭ ‬المح‭.‬

    ‬لأن‭ ‬البيضة‭ ‬الملوثة‭ ‬بمليون‭ ‬جرثومة‭ ‬سالمونيلا‭ ‬إنتريتيدس‭ ‬salmonella enteritidis‭ ‬صارت‭ ‬صالحة‭ ‬للأكل‭ ‬بفضل‭ ‬هذه‭ ‬المعالجة‭ ‬بعد‭ ‬18‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬الطهي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الطهاة‭ ‬بدورهم‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬إضافة‭ ‬رشة‭ ‬من‭ ‬الطحين‭ ‬لتحول‭ ‬دون‭ ‬حدوث‭ ‬التخثر‭. ‬

يعمل‭ ‬الباحثون‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬بحث‭ ‬آلية‭ ‬حل‭ ‬الطهاة‭ ‬لتلك‭ ‬المشكلة‭.‬

 

لماذا‭ ‬يحدث‭ ‬التخثر؟

  ‬يحدث‭ ‬التخثر‭ ‬لأن‭ ‬جزيئات‭ ‬البروتين‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬مح‭ ‬البيضة‭ ‬تتحرر‭ ‬في‭ ‬المحلول‭ ‬المائي‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬قوى‭ ‬الارتباط‭ ‬الضعيف‭ (‬مثل‭ ‬الروابط‭ ‬الهيدروجينية‭ ‬والجسور‭ ‬الكبريتية‭) ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬في‭ ‬تشكيلات‭ ‬حلزونية‭. ‬والتسخين‭ ‬الكافي‭ ‬يحطم‭ ‬هذه‭ ‬الروابط،‭ ‬فتشكل‭ ‬القطع‭ ‬البروتينية‭ ‬الناتجة‭ ‬روابط‭ ‬ضعيفة‭ ‬جديدة‭ ‬مع‭ ‬جزيئات‭ ‬أخرى‭. ‬وعندما‭ ‬تتلاقى‭ ‬البروتينات‭ ‬تتكتل‭ ‬بعضها‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬في‭ ‬تجمعات‭ ‬ويحدث‭ ‬التخثر‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لدور‭ ‬الطحين،‭ ‬فبإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يعيق‭ ‬عملية‭ ‬التخثر‭ ‬لأن‭ ‬دقائقه‭ ‬تتألف،‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس،‭ ‬من‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬النشاء‭: ‬الأميلوز،‭ ‬وهو‭ ‬البوليمر‭ ‬من‭ ‬الجلوكوز،‭ ‬والأميلوبكتين،‭ ‬وهو‭ ‬بوليمر‭ ‬شديد‭ ‬التشعب‭ ‬للسكر‭ ‬نفسه‭. ‬فبارتفاع‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬ينفصل‭ ‬هذان‭ ‬النوعان‭ ‬من‭ ‬النشاء‭ ‬عن‭ ‬حبيبة‭ ‬الطحين‭ ‬ويذوبان‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬جزيئات‭ ‬النشاء‭ ‬الطويلة‭ ‬تمنع‭ ‬التخثر،‭ ‬لأنها‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬حركة‭ ‬البروتينات‭ ‬وتمنعها‭ ‬من‭ ‬التجمع‭ ‬أو‭ ‬التخثر‭. ‬وهذا‭ ‬التعليل‭ ‬مقبول‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬ولكنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬الكميات‭ ‬المطلوبة‭ ‬بدقة‭ ‬من‭ ‬الدقيق‭ ‬لمنع‭ ‬التخثر‭ ‬ونوع‭ ‬النشاء‭ ‬الأفضل‭. ‬وحتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬الأمر‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬خبرات‭ ‬الطهاة‭ ‬العملية‭.‬

 

عجينة‭ ‬الكيك‭ ‬والبيتزا

‭ ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬لعجينة‭ ‬الكيك‭ ‬والبيتزا،‭ ‬فهي‭ ‬أعقد‭ ‬لتعدد‭ ‬المكونات،‭ ‬ولأنها‭ ‬تعتمد‭ ‬في‭ ‬قوامها‭ ‬على‭ ‬تجانس‭ ‬المكونات‭ ‬والخلط‭ ‬الجيد‭ ‬لها‭. ‬وتتألف‭ ‬مكوناتها‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬بياض‭ ‬البيض‭ ‬المخفوق،‭ ‬ومستحضر‭ ‬لزج‭ ‬مكون‭  ‬من‭ ‬زبدة‭ ‬ودقيق‭ ‬وحليب،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬يدخل‭ ‬فيها‭ ‬صفار‭ ‬البيض‭. ‬يضاف‭ ‬أحيانا‭ ‬السمك‭ ‬أو‭ ‬الجبن‭ ‬أو‭ ‬الشوكولاتة‭ ‬أو‭ ‬فواكه‭ ‬مطحونة،‭ ‬ويمكن‭ ‬إضافة‭ ‬الفانيليا‭ ‬ومكونات‭ ‬أخرى‭ ‬تعمل‭ ‬كمنكهات‭. ‬وتختلف‭ ‬الوصفات‭ ‬المعدة‭ ‬من‭ ‬الطهاة‭  ‬في‭ ‬نسب‭ ‬هذه‭ ‬المكونات‭ ‬بعضها‭ ‬لبعض‭. ‬لكنها‭ ‬جميعها‭ ‬تتفق‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الخلط‭ ‬المتجانس‭ ‬للمستحضر‭ ‬اللزج‭ ‬مع‭ ‬البيض‭ ‬المخفوق‭. ‬كما‭ ‬تؤكد‭ ‬أيضا‭ ‬ضرورة‭ ‬الانتباه‭ ‬عند‭ ‬تشتيت‭ ‬الرغوة‭  ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬الهواء‭ ‬الذي‭ ‬أُدْخِل‭ ‬بالخفق‭.‬

‭ ‬‮ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬تحضير‭ ‬الكيك‭ ‬أنها‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬للأكل‭ ‬مباشرة،‭ ‬لأنها‭ ‬إذا‭ ‬انتفخت‭ ‬جيدا‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬فستبدأ‭ ‬بالتداعي‭ ‬والهبوط‭ ‬خلال‭ ‬ثوان‭ ‬أو‭ ‬دقائق‭ ‬بعد‭ ‬إخراجها‭ ‬من‭ ‬الفرن،‭ ‬وأسباب‭ ‬انتفاخ‭ ‬النفيخة‭ ‬وهبوطها‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬التفسير‭ ‬العام‭ ‬يبدو‭ ‬بسيطا،‭ ‬وقد‭ ‬تفسر‭ ‬بأنه‭ ‬عند‭ ‬تسخين‭ ‬المزيج‭ ‬ومح‭ ‬البيض،‭ ‬تتمدد‭ ‬فقاعات‭ ‬الهواء‭ ‬وترتفع‭ ‬عجينة‭ ‬الكيك‭. ‬فتخثُّر‭ ‬البيض‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الفقاعات‭ ‬يجعلها‭ ‬قاسية‭ ‬بحيث‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬تهاوي‭ ‬الكيكة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنخفض‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭. ‬وكلما‭ ‬زاد‭ ‬التسخين‭ ‬يزيد‭ ‬حجم‭ ‬الكيكة‭ ‬بمقدار‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬حجمها،‭ ‬علما‭ ‬بأنها‭ ‬في‭ ‬المختبر‭ ‬قد‭ ‬ترتفع‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬حجمها‭ ‬ثلاثة‭ ‬أمثال‭ ‬حجمها‭ ‬الأصلي،‭ ‬لأن‭ ‬بخار‭ ‬الماء‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬ينفخها‭ ‬ويمكن‭ ‬ملاحظتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نزع‭ ‬قطعة‭ ‬من‭ ‬سطح‭ ‬الكيكة‭ ‬فيبدأ‭ ‬بخار‭ ‬الماء‭ ‬بالتسرب‭ ‬خارجا‭ ‬منها‭.‬

‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬درجة‭ ‬الحرارة‭ ‬بقياسها‭ ‬على‭ ‬فترات،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬العملية‭ ‬مراقبتها‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬الفرن‭ ‬وسيلة‭ ‬مريحة‭ ‬جدا‭.‬

 

تحضير‭ ‬الشوربة‭ ‬المركزة‭  ‬من‭ ‬اللحم‭ (‬الأساس‭)‬

‭ ‬تُحضر‭ ‬الشوربة‭  ‬بغلي‭ ‬اللحم‭ ‬والخضار‭ ‬في‭ ‬الماء،‭ ‬وفضلا‭ ‬عن‭ ‬قيمة‭ ‬الشوربة‭  ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬كغذاء،‭ ‬يتم‭ ‬إعداد‭ ‬الشوربات‭ ‬أو‭ ‬الخلاصات‭ ‬المركزة‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خفض‭ ‬الحجم‭ ‬مرات‭ ‬عدة‭ ‬بغلي‭ ‬الشوربة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬حجمها‭ ‬إلى‭ ‬الحجم‭ ‬المطلوب،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬تكون‭ ‬المكونات‭  ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المخففة‭ ‬من‭ ‬الشوربة‭ ‬الأصلية،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬تركيب‭ ‬البخار‭ ‬عادة‭ ‬قد‭ ‬يختلف‭  ‬عن‭ ‬تركيب‭ ‬السائل،‭ ‬لأن‭ ‬السوائل‭ ‬تكون‭ ‬مخلوطة‭ ‬بأملاح‭ ‬ذائبة‭ ‬لا‭ ‬تتبخر‭ ‬والذي‭ ‬يتبخر‭ ‬هو‭ ‬الماء‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال؟‭ ‬فهل‭ ‬تختلف‭ ‬الشوربة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبارها‭ ‬الخلاصة‭ (‬الأساس‭) ‬المحضرة‭ ‬بتركيز‭ ‬المرق‭ ‬عند‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬100‭ ‬مئوية‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المحضرة‭ ‬عند‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬80‭ ‬أو‭ ‬60‭ ‬مئوية؟

‭ ‬عملية‭ ‬التسخين‭ ‬في‭ ‬الطبخ‭ ‬التقليدي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬طريقتين‭ ‬أساسيتين‭ ‬لتسخين‭ ‬الأغذية،‭ ‬تتمثل‭ ‬إحداهما‭ ‬في‭ ‬تعريض‭ ‬المادة‭ ‬لسائل‭ ‬حار،‭ ‬وعادة‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الماء‭ ‬أو‭ ‬القلي‭ ‬الخفيف‭ ‬بالزيت‭ ‬أو‭ ‬الغاز‭ ‬الحار‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الشواء‭ ‬في‭ ‬الفرن‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الفحم‭. ‬فعندما‭ ‬تصطدم‭ ‬جزيئات‭ ‬وَسَط‭ ‬التسخين‭ ‬بسطح‭ ‬الطعام،‭ ‬فإنها‭ ‬تنقل‭ ‬طاقتها‭ ‬الحركية‭ ‬إليه‭. ‬تصل‭ ‬الحرارة‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬مادة‭ ‬الطعام‭ ‬بالنقل‭ ‬والتوصيل‭ ‬فقط‭. ‬ولما‭ ‬كانت‭ ‬الأجزاء‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬تتمايز‭ ‬في‭ ‬تعرضها‭ ‬للسخونة‭ ‬أثناء‭ ‬طبخها،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مذاقها‭ ‬وقوامها‭ ‬متجانسين‭. ‬ويتأثر‭ ‬استمتاعنا‭ ‬بشريحة‭ ‬من‭ ‬اللحم‭ (‬ستيك‭) ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الممتاز،‭ ‬أو‭ ‬رغيف‭ ‬خبز‭ ‬محمّص،‭ ‬أو‭ ‬عجة‭ ‬هشة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬بهذا‭ ‬التدرج‭ ‬الحراري‭ ‬واختلاف‭ ‬التجانس‭ ‬في‭ ‬القوام‭ ‬والبنية‭.‬

‮ ‬ظهرت‭ ‬فكرة‭ ‬تسخين‭ ‬المادة،‭ ‬داخلها‭ ‬وسطحها‭ ‬معا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الميكروويف‭ ‬والتي‭ ‬تمت‭ ‬ملاحظتها‭ ‬بالصدفة‭  ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬بأن‭ ‬الموجات‭ ‬الميكروية‭ ‬التي‭ ‬طولها‭ ‬نحو‭ ‬10سم‭ ‬يمكنها‭ ‬اختراق‭ ‬مسافة‭ ‬كبيرة‭ ‬عبر‭ ‬المواد‭ ‬وتعطي‭ ‬أثناء‭ ‬مرورها‭ ‬طاقة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حرارة‭.‬

    ‬عندما‭ ‬يحضّر‭ ‬اللحم‭ ‬في‭ ‬فرن‭ ‬الميكروويڤ‭ ‬يسخن‭ ‬بصورة‭ ‬متجانسة‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬100‭ ‬مئوية‭ ‬ويبقى‭ ‬عند‭ ‬تلك‭ ‬الدرجة‭ ‬مادام‭ ‬يحوي‭ ‬ماء‭. ‬ولهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬في‭ ‬طهي‭ ‬اللحم‭ ‬بالموجات‭ ‬الميكروية‭ ‬ميزتان‭: ‬هي‭ ‬أسرع‭ ‬وتستهلك‭ ‬طاقة‭ ‬أقل‭. ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬الغلي‭ ‬التقليدي،‭ ‬بوجود‭ ‬الشوربة‭ ‬التي‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أعشاب‭ ‬وخضراوات،‭ ‬يعطي‭ ‬اللحم‭ ‬نكهات‭ ‬إضافية‭.‬

إذا‭ ‬ما‭ ‬خير‭ ‬شخص‭ ‬بين‭ ‬تناول‭ ‬اللحم‭ ‬المشوي‭ ‬أو‭ ‬المسلوق‭ ‬فهو‭ ‬يختار‭ ‬اللحم‭ ‬المشوي،‭ ‬لأنه‭ ‬ألذ‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الطعم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬لون‭ ‬الشواء‭ ‬الأحمر‭ ‬والذي‭ ‬ينتج‭ ‬عن‭ ‬تفاعل‭ ‬السكاكر‭ ‬والأحماض‭ ‬الأمينية‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬اللحم‭ ‬التي‭ ‬تترابط‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬وتشكل‭ ‬أنواعا‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬بعضها‭ ‬يثير‭ ‬الشهية،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬ذو‭ ‬لون‭ ‬بني‭ ‬غامق‭. ‬ويطلق‭ ‬عليها‭ ‬تفاعلات‭ ‬ميلارد‭ ‬وتتسم‭ ‬بتقصّف‭ ‬وتشقق‭ ‬اللحم‭ ‬المشوي،‭ ‬وتشكل‭ ‬الكراميل‭ ‬من‭ ‬السكر‭ ‬المحروق‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فرن‭ ‬الميكروويف‭.‬

 

البوظة‭ (‬الآيس‭ ‬كريم‭)‬

تعد‭ ‬البوظة‭ ‬من‭ ‬الأغذية‭ ‬الأكثر‭ ‬تعقيدا‭ ‬التي‭ ‬نواجهها؛‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الرغوة‭ ‬والمستحلب‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬بلورات‭ ‬ثلجية‭ ‬وخليط‭ ‬مائي‭ ‬غير‭ ‬مجمد‭ ‬وعلى‭ ‬كم‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬الفقاعات‭ ‬الهوائية‭ (‬حتى‭ ‬تكون‭ ‬خفيفة‭). ‬تضاف‭ ‬المستحلبات‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التجميد‭ ‬لتطوير‭ ‬تكوين‭ ‬أكثر‭ ‬سلاسة‭ ‬وضمان‭ ‬أن‭ ‬البوظة‭ ‬لن‭ ‬تذوب‭ ‬سريعا‭ ‬بعد‭ ‬التقديم‭. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬تحسن‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬التحول‭ ‬بين‭ ‬التجمد‭ ‬والذوبان‭. ‬تستخدم‭ ‬الجلسيريدات‭ ‬الثنائية‭ ‬والأحادية‭ ‬للأحماض‭ ‬الدهنية‭ (‬أي‭ ‬‮٤٧١‬‭)‬،‭ ‬الليسيثين‭ (‬أي‭ ‬‮٣٢٢‬‭) ‬وعديد‭ ‬السوربات‭ (‬أي‭ ‬‮٤٣٢‬،‭ ‬أي‭ ‬‮٤٣٦‬‭) ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬البوظة‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬جميعها‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬حلويات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬السوربيت،‭ ‬الميلك‭ ‬شيك‭ ‬واللبن،‭ ‬والموس‭ ‬المجمدة‭ ‬أيضا‭. ‬

طريقة‭ ‬التحضير‭ ‬التقليدية‭ ‬لتحضير‭ ‬البوظة‭ ‬تتم‭ ‬بخفق‭ ‬البيض‭ ‬والسكر‭ ‬والمنكِّهات‭ ‬وتترك‭ ‬لتتجمد‭ ‬ببطء،‭ ‬يؤدي‭ ‬الخفق‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬الهواء‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬كما‭ ‬يحطم‭ ‬بلورات‭ ‬الثلج‭ ‬الكبيرة‭ ‬باستمرار‭. ‬وهناك‭ ‬طريقة‭ ‬أبسط‭ ‬وذات‭ ‬مردود‭ ‬أعلى‭ ‬وهي‭ ‬صب‭ ‬النتروجين‭ ‬السائل‭ ‬مباشرة‭ ‬في‭ ‬المكونات‭. ‬فعند‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬196‭ ‬مئوية‭  ‬يجمد‭ ‬النتروجين‭ ‬مزيج‭ ‬البوظة‭ ‬بسرعة‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬إلا‭ ‬لبلورات‭ ‬الثلج‭ ‬الصغيرة‭ ‬بالتكون‭. ‬فحين‭ ‬يغلي‭ ‬النتروجين‭ ‬ويفور‭ ‬بشدة‭ ‬يشكل‭ ‬في‭ ‬السائل‭ ‬كمية‭ ‬وافرة‭ ‬من‭ ‬الفقاعات‭ ‬الغازية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬البرودة‭ ‬تشكل‭ ‬غمامة‭ ‬من‭ ‬ضباب‭ ‬كثيف‭ ‬يتمتع‭ ‬الناظر‭ ‬برؤيته،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬البوظة‭ ‬لمسة‭ ‬تثير‭ ‬البهجة‭. ‬وبالطبع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تحضير‭ ‬البوظة‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬إحضار‭ ‬النتروجين‭ ‬السائل‭ ‬المبرد،‭ ‬إذ‭ ‬يباع‭ ‬للمصانع‭ ‬المخصصة،‭ ‬وتمت‭ ‬إضافته‭ ‬هنا‭ ‬فقط‭ ‬لتوضيح‭ ‬ضرورة‭ ‬الخفق‭ ‬الجيد‭ ‬للبيض‭ ‬والسكر‭ ‬مع‭ ‬تمرير‭ ‬غاز‭ ‬بارد‭, ‬وأقرب‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬هو‭ ‬بياض‭ ‬البيض‭ ‬الذي‭ ‬يخفق‭ ‬بسرعة‭ ‬فيكبر‭ ‬حجمه‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكريمة،‭ ‬وتضاف‭ ‬مع‭ ‬عملية‭ ‬الخفق‭ ‬الفانيلا‭ ‬والمنكهات‭ ‬والعصائر،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬بيضتين‭ ‬تكفيان‭ ‬لإعداد‭ ‬طبق‭ ‬حلوى‭.‬

‭ ‬يستطيع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬ويمكن‭ ‬للعلم‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬المواد‭ ‬بطرق‭ ‬كيماوية‭ ‬في‭ ‬المختبر،‭ ‬وبخاصة‭ ‬أن‭ ‬المواد‭ ‬يمكن‭ ‬معرفة‭ ‬تركيبها‭ ‬الجزيئي،‭ ‬وذلك‭ ‬يسهل‭ ‬على‭ ‬علماء‭ ‬الكيمياء‭ ‬العضوية‭ ‬وغير‭ ‬العضوية‭ ‬ابتكار‭ ‬طرق‭ ‬لتحضيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬الكيميائية،‭ ‬فعلم‭ ‬الكيمياء‭ ‬بحر‭ ‬واسع‭ ‬جدا‭ ‬يستطيع‭ ‬الجميع‭ ‬الخوض‭ ‬فيه‭ ‬والإبحار‭ ‬فيه،‭ ‬بشرط‭ ‬توافر‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬ومعرفة‭ ‬سلوك‭ ‬المواد‭ ‬أثناء‭ ‬التفاعل‭. ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬نستغني‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬الطاهي‭ ‬كما‭ ‬ذكرنا‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬المقالة،‭ ‬ويكون‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬الحاسوب‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬بتحضير‭ ‬الطبق‭ ‬الذي‭ ‬نريده‭.‬ولكن‭ ‬سيبقى‭ ‬للطاهي‭ ‬دور‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬الوجبات‭ ‬اللذيذة،‭ ‬التي‭ ‬سنقوم‭ ‬بتحويلها‭ ‬كبرنامج‭ ‬في‭ ‬الحاسوب‭ .