المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية
        

  • بورتريه: الصورة تتحدث إلى بوجبارة

          بالرغم من عدم وجود معاهد علمية أو كليات للفنون في الكويت، توفر فرصة تعلم التصوير الفوتوغرافي وفروعه، فإننا نلحظ زخمًا في الإقبال على ممارسة هذا المجال الفني كهواية فردية بين الكويتيين، واستطاع نفر منهم بالدرس والاطلاع تعميق هوايتهم، فأوصلتهم لمصاف المحترفين والفنانين المبدعين في هذا المجال.

          وعادل محمد بوجبارة أحد هؤلاء الذين اعتادوا التقاط الصورة الضوئية، متوسلاً بها أسلوبًا للتعبير الفني للحظات دقيقة وحاسمة، تفسر رؤية بصرية متميزة، لها دلالاتها الفكرية والمحملة بالتشويق والإثارة.

          وعندما كان التصوير الفوتوغرافي غير مرحب به، كان بوجبارة يعكف على تأسيس قواعد انطلاقته الفنية منذ بدايات الثمانينيات في القرن الماضي بمشاركته في عروض داخل الكويت وخارجها.

          في السنوات الأخيرة كشف بوجبارة عن مشاركاته الخارجية، أهمها مسابقة الإمارات العربية المتحدة المفتوحة، ويعتبر هذا المعرض هو الدورة الخامسة في سلسلة مسابقة التصوير الفوتوغرافي 2010، التي نظمتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث التي استقطبت عددا كبيرا من المواهب الشابة والمحترفين من مختلف أنحاء العالم تحت رعاية الاتحاد الدولي للتصوير الفوتوغرافي، وحملت عنوان «أمير النور» أحد أشهر ألقاب عالم البصريات والفيزياء الحسن بن الهيثم (965 1038م)، تخليدا لما قدمه للبشرية في علم الضوء والبصريات وفضله في اختراع آلة التصوير، وحصل بوجبارة على الميدالية الذهبية لهذه الدورة.

          إن الصورة لم تعد سجلاً لذاكرة تاريخية أو دليلا ثقافيًا وسياحيًا فقط، بل شكلت موضوعًا للإبداع والتشكيل الفني المعاصر، تتجاوز تحليلها بما تحمله من قيم إبداعية جمالية وفنية تقنية، وضمن اهتمامه بهذا المنحى الإبداعي والجمالي وفي آخر مشاركاته الدولية عرض الفنان عادل بوجبارة صورة في قاعة «الاونسكو 2010 بيروت» وشاركه في العرض الفنان وهيب بنتنريني من خلال احتفالية مهيبة، عزف فيها السلامان الوطنيان اللبناني والكويتي، وألقى وزير الثقافة كلمة الافتتاح لجمهرة المحتشدين من أهل الثقافة والفنون.

          ويلعب بوجبارة دورًا نشطًا خلال تجربته الطويلة، فعلاوة على أنه عضو الاتحاد الدولي للتصوير (FIAP الفوتوغرافي)، والبيت السعودي للتصوير الفوتوغرافي ينشر أعماله في عدة مجلات محلية ودولية عديدة والجمعية الأمريكية PSA.

          وحاز على الميدالية الذهبية من الاتحاد الدولي للتصوير 2009 «Min olta mirror» خاصة مجلة وجائزة نيويورك.IPA Lucie Awards NY

الكويت: يحيى سويلم

  • احتفالية: المؤرخون يحاكمون السلطة ويكرمون الدسوقي

          عقدت الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة ندوة حول «السلطة في العالم العربي عبر العصور» في الفترة من 26 إلى 28 أبريل الماضي.

          وفي افتتاحها تم تكريم الدكتور عاصم الدسوقي باعتباره شخصية مؤرخ العام، فضلًا عن تكريم اسم الراحل الدكتور رءوف عباس، الذي ألقى الدكتور علي بركات محاضرة تقديرًا لذكراه.

          وبعد كلمتي الدكتور أحمد زكريا الشلق، مقرر الندوة، والدكتور عادل غنيم، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، بدأت أولى الجلسات تحت عنوان «السلطة والمفاهيم التأسيسية» برئاسة الدكتور جاب الله علي جاب الله، وفيها تحدثت الدكتورة عائشة عبدالعال، الأستاذة بكلية بنات عين شمس، عن «مفهوم السلطة والملكية في مصر القديمة»، موضحة أن الملكية في مصر القديمة تعد وظيفة سياسية ممتزجة ومنصهرة بالقوتين الدينية والروحية، فكل ما يخص الملك والملكية كان مطبوعًا بطابع ديني، حتى شارات الملك والزينة، وقد استطاع الكهنة أن يصبغوا الملكية المصرية بصبغة دينية قوية حينما صوروا أن أصل منبت الأسر المالكة الحاكمة غرست بذرته الأسر الإلهية، التي حكمت العالم أولًا تبعًا لما صاغه أولئك الكهنة، ثم انبثقت منهم تدريجيًا الأسر الملكية، وقد دلل «بارتا» على ذلك بنصوص بردية تورين الملكية، وقائمة «مانيثون»، التي اعتبرت أن أقدم أزمنة الكون بعد ما قدر له الرب الخالق أن يبزغ من اللجة المظلمة قد حكمته أسرات إلهية يعبر عنها بزمن المعبود «أوزير»، ثم تبعه زمن المعبود «حور»، ومن هذا الأخير ولدت الملكية البشرية «أتباع حور»، وعلى ما تقدم يمكن القول بإيجاز إن الملكية البشرية في نظر المصري القديم هي الإرث القانوني والشرعي عن الآلهة، وبذلك اُعتبر الملك الحاكم خليفة للإله على الأرض، كما اعتبر الدم الملكي مختلفًا في جوهره عن دماء البشر.

          وأضافت: «وهناك من التحليلات العلمية ما يرى أن تأليه الفرعون لم يُقصد به المدلول الحرفي لفظ «حور» أو «إله»، وأن ذلك ما هو إلا طريقة مهذبة للتعبير عن الخضوع التام من الملك للإله، ويذكر أنه بالرغم من الاعتبار المبكر للملك المصري القديم من الناحية الرسمية كنصف إله يسمو على جميع الكائنات الحية، إلا أنه بالرغم من الطبيعة الإلهية كان شخصًا عاديًا، له أملاكه ومخازنه الخاصة، وأن تعليل ذلك في رأي «إرمن» إنما يعود إلى أن الأساس الذي قامت عليه الملكية كان نوعًا من التقديس، ولكن ليست القدسية التي ترفع صاحبها إلى مصاف الآلهة. وهو ما يراه البعض أيضًا من أن الملك في مصر القديمة لم يصل إلى حد الألوهية المطلقة، ولكن يمكن أن نقول إنه وصل إلى حد القداسة المطلقة، وقد استطاع أن يبرز البشرية المقدسة للفرعون دون الألوهية، التي ظهرت في نواح كثيرة، منها الأوضاع البشرية التي مثل بها الملوك أمام آلهتهم راكعين أو زاحفين إليهم ومتضرعين، فقد مثّلوا بتلك الهيئة البشرية التي صور بها غيرهم من البشر، وفي ذلك اعتراف صريح ببشريتهم، وهناك العديد من الأمثلة التي تظهر هذه الجوانب البشرية للملك».

          أما الدكتور أبواليسر فرح، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عين شمس، فقد كانت ورقته حول «شرعية السلطة في مصر في العصر اليوناني الروماني».

          وتحدث الدكتور فتحى عثمان إسماعيل، ممثلًا المجلس الأعلى للآثار في مصر، عن «السلطة في الفكر السياسي والإداري في الدولة المملوكية (مقوماتها.. وشاراتها.. ومؤسساتها) دراسة تاريخية حضارية»، وفيها تحدث عن مضمون السلطة في مصر المملوكية كأحد النظم السياسية في تلك الدولة التي تميزت بوفرة في الوظائف الرسمية بمقر الحكم في مصر، وتلك الوفرة مردها امتداد سلطة الدولة إلى الشام والحجاز، ومن ثم كان لا بد من وجود سلطة قوية تهيمن على شئون الحكم من خلال مؤسسات مهمة، يعمل كل منها على إثبات صفة الدولة المنظمة للقواعد والأحكام المرعية والمراسيم السلطانية.

          وينتقل بنا الدكتور سيد عيسى، في بحثه إلى السلطات في الدساتير المصرية من عام 1923إلى عام1970، عبر دراسة مقارنة أوضح فيها كيف أن الدستور يعد حجر الزاوية في بناء الدولة القانونية، وتتناول الدراسة تطور السلطات في الدساتير المصرية دراسة مقارنة بين تطور السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) في إطار الدساتير المصرية ومقاصد السلطات منها، وما مدى العلاقة بين تلك السلطات، والغرض من وجودها.

          وكانت ورقة الدكتور مصطفى الغريب، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة بنها، عن «أزمة تولي حسين كامل السلطة عام 1914 ورد فعل المصريين»، وألقت مزيدًا من الضوء على الظروف التي تولى فيها حسين كامل عرش مصر وما ترتب على قبوله لذلك العرش بعرض من بريطانيا من ردود أفعال من جانب المصريين. ويبدأ اليوم الأخير للندوة بالجلسة الخامسة بعنوان «السلطة والتجربة الحزبية» برئاسة الدكتور حسن نافعة، وفيها أشار الدكتور عبدالمنعم الجميعي، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الفيوم، إلى حزب جمهوري نشأ في مصر في ظل الخديوية (1907 1908)، قائلًا: «لا يتصور أحد أن حزبًا جمهوريًا نشأ قبل ستة وأربعين عامًا على إعلان الجمهورية في مصر في عام 1953، ففي ديسمبر 1907 طرح محمد أفندي غنيم، أحد المثقفين المتأثرين بالفكر الليبرالي الأوربي وخاصة بفكر الثورة الفرنسية، بيانًا أعلن فيه أن هدف حزبه الأساسي هو تعليم المصريين مبادئ الجمهورية وأفكارها، حتى إذا زال الاحتلال الإنجليزي الجاثم على صدر مصر تحول نظام الحكم في البلاد إلى إلغاء الخديوي، وقيام المصريين باختيار نظام حكم أنفسهم بأنفسهم، وعبر عن ذلك في مقالاته التي نشرتها له «الأحرار» وجريدة أخرى، فأوضح أهمية تكوين حكومة جمهورية تجعل سيادة الأمة مصدرًا لكل سيادة، كما ردد شعار «الحرية والإخاء والمساواة»، وتنبأ بسقوط الخديو وقيام الجمهورية وناشد المصريين العمل على الدعوة إلى بث فكرة الجمهورية».

          وركزت ورقة الدكتورة عبير زكريا سليمان، الأستاذة بكلية الآداب بجامعة سوهاج، على الحرفيين والسلطة في الأندلس من منتصف القرن الثانى وحتى أواخر القرن الخامس الهجري، وأوضحت أن طائفة الحرفيين وأرباب المهن والصناعات في الأندلس لم تحظ بالعناية الكافية من قبل الباحثين المعتنين بالدراسات الأندلسية، اللهم ضمن البحوث المهتمة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتي تشير إليهم بشكل عابر دون البحث المفصل في أحوالهم وتنظيماتهم المهنية.

          وعن تفكيك السلطة في الصومال (1990 2010) تحدث الدكتور أحمد عبدالدايم محمد حسين، الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، قائلًا: «تباينت وجهات النظر حول عملية تفكيك وتفتيت السلطة في الصومال، فمنهم من أرجعها إلى عوامل داخلية، ساهمت فيها كل النظم السياسية التي حكمت الصومال منذ عام 1960، وخصوصًا تلك التي تبنت الاتجاه القبلي للسيطرة على الحكم.

القاهرة: مصطفى عبدالله

  • ندوة: حول الأديب عبد الله الطائي

          ضمن برنامج «من أعلامنا»، نظم النادي الثقافي العُماني، ندوة حول الأديب الراحل عبدالله الطائي، بمشاركة نخبة من أبرز الكتاب والباحثين من داخل السلطنة وخارجها، وفي البداية ألقت الدكتورة جوخة الحارثي كلمة النادي الثقافي، قالت فيها: إنه لمن مسرات الحياة والفكر أن نلتقي الليلة في مسقط، في النادي الثقافي، من أجل ندوة تكرم - والنقد والدرس جزء من هذا التكريم - أديبًا ينتمي لهذا البلد ولتاريخه وثقافته، وإنه لجدير بالنادي الثقافي العماني، وبغيره من المؤسسات أن يحتفي بالرواد والأعلام، الذين لم يكن بوسعنا أن نرى المدى الذي نأتلق برحابته الآن، لو لم نقف على أكتافهم، ونجني ثمار زرعهم. وليس من قبيل المصادفة أن يحمل البرنامج الذي تنضوي هذه الندوة في إطاره شعار «من أعلامنا»، وهو برنامج يهدف إلى تنظيم ندوات متخصصة تقدم دراسات شاملة ومعمقة لأهم مفاصل التجربة الثقافية للشخصية التي تتناولها الندوة، وفق رؤية منهجية تغطي مختلف الجوانب الفكرية والثقافية في حياة هذا العلم من أعلام عمان المعاصرين.

          وقد بدأ برنامج اليوم الأول للندوة على محورين، المحور الأول حول النشأة والحياة، وتضمن ورقة عمل قدمها المكرم الأديب أحمد بن عبد الله الفلاحي، وكانت حول سيرة الطائي حملت عنوان «عبد الله الطائي وقفات سريعة في محطات سيرته الخصبة»، تناول بها ولادته بمسقط العام 1924 ونشأته ودراسته وسفره إلى بغداد للدراسة، حيث قال: «شكلت نقلة نوعية كبيرة في حياة الشاعر والكاتب أدت إلى صقل موهبته وبعد إتمام الدراسة عاد إلى مسقط العام 1941 ليعمل مدرسا في السعيدية، ثم ذهابه إلى باكستان ومن ثم البحرين التي عاش فيها ما يقرب من تسع سنوات مدرسًا وكاتبًا ومحاضرًا ومشاركًا في الفعاليات الأدبية، وخروجه مرغما ليعمل في قطاع الإعلام بالكويت إلى أن دعاه حاكم أبوظبي الشيخ زايد بن سلطان ليعمل مستشارًا لديه، ومن ثم العودة لمسقط بعد ثلاثة وعشرين عامًا من مغادرتها، بدعوة من صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم، ليتولى وزارة الإعلام ووزارة العمل والشئون الاجتماعية بالوكالة، مساهما في بناء الدولة العصرية بالسلطنة.

          أما المحور الثاني فناقش المنجز الأدبي لعبدالله الطائي واشتمل على ورقتي عمل، الأولى حول التجربة الروائية لعبدالله الطائي، اشترك في تقديمها كل من د.سعيد العيسائي ود.كامل العتوم، أدارتها المكرمة الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، أما الورقة الثانية فتدور حول الريادة السردية لعبدالله الطائي من خلال مجموعة «المغلغل»، قدمها د.غالب المطلبي وحملت عنوان «وعي السرد عند عبدالله الطائي - محاولة في فهم خطوة الريادة في قصة المغلغل»، وبيّن الباحث خلالها أولاً أن القصة تنزع إلى أن تكون (عملاً قصصيًا تكوينيًا Bildungsroman)، إذ تعنى بتصوير كيف ترتقي المعرفة بالمخلوق الإنساني وكيف أن تطوره المعرفي ينتقل به بعد حين من النظر الخرافي إلى النظر الواقعي، فيقوده ذلك إلى اكتشاف إنسانيته ومن ثم إلى اكتشاف القيمة الأخلاقية للكرامة والتعلم والتغيير.

          وقد حاول الباحث فهم خطوة الريادة في قصة «المغلغل», مبينًا أن القصة تنزع إلى أن تكون عملاً قصصيًا تكوينيًا، إذ تعنى بتصوير كيف ترتقي المعرفة بالمخلوق الإنساني، وكيف أن تطوره المعرفي ينتقل به بعد حين من النظر الخرافي إلى النظر الواقعي فيقوده ذلك إلى اكتشاف إنسانيته ومن ثم إلى اكتشاف القيمة الأخلاقية للكرامة والتعلم والتغيير.

          ثم انتقل المحاضر بعد ذلك إلى تحليل أدوات الكاتب في العملية السردية، ليتوضح على نحو ما أن هذه الخطوة الرائدة لم تكن تؤدي دورًا تاريخيًا فحسب، بل كانت تنزع إلى أن تكون مشتملة على وعي سردي شديد الوضوح، على الرغم من أن الأهداف التي أظهرتها القصة تخرج أحيانا عن روح القص الخالص، لتنقلب إلى التعبير القولي المباشر عن الحالة الاجتماعية والسياسية المحيطة بالشخصية المحورية، وقد حدد تلك الأدوات السردية المهيمنة في القصة بأربع هي «الشخصية المحورية» و«الحوار» و«البيئة المحيطة» و«السارد».

          وصاحب الندوة معرض، ضم جانبا من الآثار الأدبية والفكرية للراحل، بعضها مطبوع وبعضها بخط يده، بالإضافة إلى بعض الصور الفوتوغرافية النادرة له.

          أما جلسة اليوم الثاني للندوة، التي أدارها الباحث محمد بن سعيد الحجري، واشتمل برنامجها على أربعة محاور، أولها حول دور عبدالله الطائي في مجال التاريخ، ويشتمل على ورقة عمل قدمها الشاعر سماء عيسى، فيما يتناول المحور الثاني دور عبدالله الطائي في مجال التعليم، واشتمل على ورقة عمل قدمها سالم بن محمد الغيلاني، وتناول المحور الثالث الأثر الخليجي لعبدالله الطائي، وتضمن ورقة عمل قدمها الباحث والدبلوماسي البحريني راشد الصباغ، وتناول المحور الرابع موضوع المرأة في أدب عبدالله الطائي، واشتمل على ورقة عمل قدمتها المكرمة د.سعيدة بنت خاطر الفارسية.

          كما أقيم على هامش هذه الاحتفالية معرض لصور الأديب عبدالله الطائي، والتي عكست المراحل الحياتية التي مر بها الأديب خلال سنواته وتنقلاته بين مختلف العواصم العربية والأجنبية.

          والجدير بالذكر أن برنامج «من أعلامنا» يسلط الضوء على السيرة الحياتية للشخصية، إلى جانب المقاربة النقدية لمنجزها الفكري والإبداعي، واستعراض دورها المعرفي وأثرها في مختلف مناحي الحياة، وذلك من خلال تنظيم ندوات متخصصة تقدم دراسات شاملة ومعمقة لأهم مفاصل التجربة الثقافية للشخصية التي تتناولها الندوة، وفق رؤية منهجية تغطي مختلف الجوانب الفكرية والثقافية في حياة هذا العلم من أعلام عُمان المعاصرين، سواء من الذين انتقلوا إلى رحمة الله، أو الذين مازالوا على قيد الحياة، انطلاقا من إيمان النادي الثقافي العُماني، بضرورة إيلاء أعلامنا المعاصرين الاهتمام الذي هم أهل له ويستحقونه بجدارة، من أجل تدارك منجزهم وحفظه ودراسته، وإصدار أعماله.

مسقط: عبدالله علي العليان

  • ندوة: الذكرى الأربعون للشاعر السوداني محمد محمد علي

          على شرف الذكرى الأربعين للشاعر السوداني محمد محمد علي، خصصت كلية التربية بجامعة الخرطوم وهي تحتفل بيوبيلها الذهبي ندوة علمية للراحل، أمّها عدد كبير من المثقفين والباحثين والمهتمين، وقد تحدث في مستهل الندوة الشاعر الدكتور محمد الواثق أستاذ الأدب العربي بجامعة الخرطوم عن تجربة «محمد محمد علي»، بحكم تتلمذه على يديه في مدرسة وادي سيدنا الثانوية وعلاقتهما لاحقًا بعد الدراسة، ثم ما سمعه من أشعاره، وأوضح الواثق أن ما لفت نظره في مجموعة محمد محمد علي الشعرية قصيدة دينية عن الهجرة، مشيرًا إلى أنه لم يجد أثرها في دواوينه فسأل نفسه لماذا لم أجدها؟ وهل أخفاها؟ هل لأنها كانت ضمن ما يسمى بالشعر السلفي، وهو ظهر بمظهر الحداثة؟ أم ضاعت هذه الأوراق؟ أم هو غير اتجاهه الشعري، وأبدى ملاحظة أخرى تتعلق بتحديد تاريخ للقصائد الذي نادرًا ما يوجد في دواوين محمد محمد علي، كما لا يوجد في شعره الترتيب الزمني الذي يمكن الباحث من دراسته، ويربك استرسال أشعاره.

          وأبان الواثق: عندما كنت في مدرسة وادي سيدنا الثانوية شعرت بأن «الأنا» عنده فاقت ما عهدته عند الشعراء الآخرين، وسبب ذلك هو الاعتداد بالنفس مما جعله شديد الانفعال، مضيفًا: عندما كان يدرسنا قصيدة التجاني يوسف بشير «الخلوة» لم نخرج منه بشيء لأن تناوله لها كان فوق أفهامنا، وكان يكره تدريس النحو، ولكن إلقاءه للشعر كان يأخذ بمجامعنا حتى تفوتنا القصيدة مسحورين مشدودين بطريقته في الإلقاء.

          أما عميد كلية التربية بجامعة الخرطوم د.جعفر محمد دياب فقد قال في كلمته إن الشاعر محمد محمد علي من أعلام هذا الوطن وشاعر فذ خلد اسمه في سجل التاريخ، ونفتخر نحن في كلية التربية بأن الشاعر محمد محمد علي كان يعمل أستاذًا للغة العربية حتى وفاته في عام 1970م.

          وقال إن الكلية ستهتم بالتعاون مع أسرة الشاعر لطباعة أعماله الشعرية والنقدية، كما سنسعى مع الجهات الرسمية ليطلق اسمه على بعض شوارع مدينة الحلفاية مسقط رأسه.

          أما كلمة الأسرة فقد قدمتها نيابة عنها ابنته الأستاذة إخلاص محمد محمد على التي ثمنت الإعداد الجيد لهذه الندوة، وقالت: الأسرة مازالت تذكر التكريم الذي تم من قبل المجلس القومي للثقافة والفنون، بالتعاون مع رابطة الكتّاب السودانيين، واليوم تكرمه هذه الكلية العريقة فلكم جميعًا الشكر والتقدير.

          وفي الورقة الأولى للندوة تناول الدكتور حمد النيل محمد الحسن الأستاذ بكلية الآداب بجامعة الخرطوم حول مسائل التجديد في أدب محمد محمد علي، معتبرًا أن التجديد نابع من ثورته، وتفتح عقله وقوة شخصيته، ولم يكن منحصرًا في الأدب فحسب، بل كان متطلعًا للجديد في كل مناحي الحياة، وما ثورته على العادات والتقاليد، والواقع المعيشي، والزعامات الطائفية والدينية، وعلى الأوضاع في المعهد العملي إلاّ تعبير عن رفضه للقديم.

          وأشار حمد النيل في ورقته إلى أن ما دعا إليه محمد محمد علي من أفكار وآراء، تلك التي ابتكرها وتبناها ودعا إليها سابقوه ومعاصروه من الأدباء المجددين تمثل الجديد، إضافة إلى اصطفائه بعض آراء المجددين الآخرين وأفكارهم الجديدة في ميدان الأدب وتطبيقها في شعره، فهو (أي محمد محمد علي) لا يجد في نفسه حرجًا في اتباع غيره، مادام مقتنعًا بصحة توجهه، ومن هنا تعددت أوجه الجديد ومظاهره في قصائده، موضوعًا ومضمونًا ومعنى، وصورًا وشكلًا من ناحية الوزن والقافية. وخلص د.حمد النيل إلى أن محمد محمد علي كان أحد أعلام التجديد ورواده في الأدب السوداني نقدًا وشعرًا.

          من جانبه قدّم الناقد مجذوب عيدروس عرضًا موجزًا لآراء محمد محمد علي النقدية، التي ضمنها كتابه «محاولات في النقد»، مؤكدًا أنه كان يبعث الحيوية في الساحة الثقافية بمقالاته في السجال الفلسفي الذي شهدته خمسينيات القرن العشرين، وأنه كان متابعًا لما يدور في ساحة الفكر الذي تبلور على أخريات الاستعمار، وكانت له آراء جريئة.

          واعتبر عيدروس أن محمد محمد علي كان امتدادًا لجيل الثلاثينيات في التأكيد على قومية الأدب السوداني وأصالته، وأنه كان شديد الربط بين العروبة والسودان، وربما كان ذلك من خلال تأثيرات المدّ القومي في الأربعينيات.

          واعتبر عيدروس أن مقالات محمد محمد علي المعارضة للنويهي عن القومية إضافة لتراثنا في مسألة الهوية السودانية في بعدها العربي، كما كانت مقالات النقدية التي ضمها في كتابه (محاولات في النقد) سابقة لإنجازه الكبير «الشعر السوداني في المعارك السياسية» 1880-1924م والذي كان عبارة عن رسالة الماجستير، والتي عمل على إكمالها برسالة الدكتوراه في ذات الموضوع «الشعر السوداني في المعارك السياسية» 1924م - 1953م ليقدم فيها إفادة من الشعر الشعبي في مواضيع سكت عنها الشعر الفصيح.

          وأكد عيدروس أن إشارات محمد محمد علي لعوامل البيئة هي رائدة في التنبيه إلى أهمية المكان في الدراسات الأدبية ويحفظ له تاريخنا الأدبي ريادته في الدعوة المبكرة إلى تدريس الأدب السوداني، وكانت له ريادة أخرى في تنبيه من حاورهم إلى عدم تدقيقهم في استخدام المصطلحات وهي إشكالية قائمة إلى الآن.

          ومن ضمن مداخلات الندوة تحدث الدكتور الحبر يوسف نور الدائم قائلًا: نحن من تلاميذ مدرسة وادي سيدنا الثانوية، وقد كان الشاعر الراحل محمد محمد علي مدرسة قائمة بذاتها وموهبة فذة وناقدًا متمكنًا ومشاركًا في الحياة العامة، وطريقته في الإلقاء كانت مدهشة، وقد قال في أحد الاحتفالات وهو يلقي إحدى القصائد «أنا أعرف موضع السجود في الشعر كما تعرفون موضع السجدة في القرآن».

          كما احتوت الندوة على العديد من إفادات وشهادات الأدباء والنقاد، كما قدمت الكلية معرضًا مصاحبًا احتوى على آثار محمد محمد علي الأدبية وممتلكاته الخاصة وعدد من أوراقه ومذكراته القديمة ومقتنياته من الكتب والمجلات.

          يذكر أن الشاعر محمد محمد علي ولد بمدينة بحلفاية الملوك بالخرطوم عام 1922م وتخرج في المعهد العلمي عام 1945م، ثم التحق بكلية دار العلوم فنال ليسانس اللغة العربية، وعمل بعد عودته إلى السودان معلمًا للغة العربية، وواصل دراسته العليا حيث حصل على درجة الماجستير بأطروحة «الشعر السوداني في المعارك السياسية» 1880- 1924م، ثم عمل عليها لتكون رسالته للدكتوراه تحت عنوان «الشعر السوداني في المعارك السياسية» 1924م - 1953م، أصدر ديوانين من الشعر هما: ألحان وأشجان، وظلال شاردة، ثم كتب نقدية هي محاولات في النقد، من جيل إلى جيل، ارتحل إلى الدار الآخرة عام 1970م.

الخرطوم: محمد خليفة صديق

 




الصورة للفنان عادل محمد بوجبارة





الصورة للفنان عادل محمد بوجبارة





الصورة للفنان عادل محمد بوجبارة





تكريم الدكتور عاصم الدسوقي باعتباره شخصية مؤرخ العام





 





 





كلية التربية بالخرطوم استضافت الحدث